الصفحات

السبت، ٣١ آب ٢٠١٣

(في فخ الأسد)

افتتاحية صحيفة الفيغارو 31 آب 2013 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin

     لا يجب على فرنسا التدخل في سورية. لا من أجل "معاقبة" نظام بشار الأسد، ولا من أجل تجنب أن تقوم الولايات المتحدة بذلك لوحدها. بالتأكيد، إن المجزرة المرتكبة في دمشق يوم الأربعاء 21 آب تدفع للغضب وتستدعي الرد. إن اللجوء إلى السلاح الكيميائي غير مقبول، ومن غير المعقول "عدم القيام بأي شيء".
     يجب أن يفكر الأكثر تصميماً على توجيه الضربة بالامتناع البريطاني بعد النقاش البرلماني الحاد الذي نتمنى رؤيته عندنا. إن الأسئلة المطروحة في لندن هي نفسها في باريس. الأجوبة غامضة أيضاً. هل تم استنفاذ اللجوء إلى الوسائل القانونية الدولية؟ هل نعرف ما هي سلسلة الردود المتتالية الناجمة عن تدخل من المفترض أن يكون "مناسباً"؟
     يقول لنا فرانسوا هولاند أنه يجب "معاقبة" النظام. لماذا انتظر سقوط أكثر من مئة ألف ضحية؟ لأن الأمر يتعلق هذه المرة بالأسلحة الكيميائية. ولكن كيف يمكن القضاء على جميع هذه الأسلحة التي تمتلكها دمشق؟ يجيبوننا أن الضربات سيكون لها تأثير "رادع". هل نحن متأكدون حقاً من ذلك؟ إذا كان الأسد قد استخدم هذه الترسانة سابقاً، فلماذا لا يفعل ذلك مرة أخرى في مواجهة اعتداء خارجي؟ نلاحظ هنا أن الحجة القائمة على "مسؤولية حماية" المدنيين لا تصمد أمام التحليل.
     لا يجب استخدام الضربات كوسيلة  للثأر من الإهانة التي تلقتها واشنطن وباريس بسبب "الخط الأحمر" الذي تم تحديده بشكل متهور قبل عام. سيكون ذك سقوطاً في فخ الأسد الذي سيستفيد من الضربات لكي يدفع خصومه لارتكاب الأخطاء. إن حماية السكان المدنيين ومعاقبة المعتدي أمران مختلفان جداً. الانتقام هو أسوأ نصيحة.

     في مالي، كانت هناك مصالح إستراتيجية فرنسية يجب الدفاع عنها عبر الوقوف في وجه الإرهاب الإسلامي. أولئك الذين كانوا يتهمون ساركوزي بالانقياد الأعمى للأمريكيين، إنهم يحذون حذوه من أجل الدخول في رهانات الجهاديين الذين نقاتلهم في أفريقيا. إن الجواب الحقيقي لمجزرة يوم الأربعاء 21 آب يجب أن يكون بإضافة القليل من الانسجام إلى سياستنا تجاه سورية.

(درع هولاند الضعيف قبل "طلقة الإنذار")

صحيفة الفيغارو 31 آب 2013 بقلم آلان بارليويه Alain Barluet

     أكد فرانسوا هولاند مرة أخرى إرادته بالتدخل في سورية يوم الجمعة 30 آب في المقابلة التي أجراها مع صحيفة اللوموند، ولخص قصر الإليزيه كلام الرئيس الفرنسي بقوله: "هناك سيئات للتدخل، ولكن أخطار الجمود أكبر من السيئات". يعني ذلك أن الاستعداد لاستخدام القوة يشبه رهاناً يمكن تظهر خطورته لاحقاً. على أي حال، إن استخدام القوة يضع فرانسوا هولاند في وضع صعب.
     إن رفض بريطانيا التدخل في سورية لا يمثل خبراً جيداً لرئيس  الدولة، لأن الهجوم على سورية يحتاج إلى أكبر تحالف دولي ممكن في ظل استحالة الحصول على غطاء دولي قانوني من مجلس الأمن. ولكن الأوروبيين غائبون، والجامعة العربية أدانت بشار الأسد باعتبارها الضمانة الضرورية للعملية. عادت النزعة القومية العربية إلى الشرق الأوسط الذي تجتاحه اضطرابات كبيرة، ومن السهل تأجيج شبح "الحرب الصيليبية الغربية". غاب الأمريكيون عن شاشات رادار الشرق الأوسط منذ سنتين، ومن الممكن أن ينفجر الوضع مع العودة إلى هذه المنطقة مع العم سام.
     السبب الآخر في ضعف درع فرانسوا هولاند هو الحصول على البراهين. تسلل التردد المتحير إلى الرأي العام بين انتظار البراهين القاطعة وبين القناعات مهما كانت قوتها. كما أن الغموض حول أهداف الحرب يجعل موقف رئيس الدولة صعباً. قال فرانسوا هولاند في كلمته أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين يوم الثلاثاء 27 آب أنه مستعد لـ "معاقبة" بشار، وطغت على كلمته نبرة أخلاقية وحتى حربية. ثم تركز الخطاب الرسمي على الجانب الأمني لأنه أكثر فعالية. وأشار فرانسوا هولاند إلى أنه يجب التحرك لمنع تحول استخدام الأسلحة الكيميائية إلى أمر عادي، ثم انتشارها بشكل يهدد فرنسا بشكل مباشر.
     تكرر باريس أن هدف العملية ليس "تغيير النظام" في دمشق، ولكن هذا الموقف تعرض لوابل من الأسئلة مثل: هل "طلقة التحذير" للحيلولة دون انتشار الأسلحة الكيميائية ممكنة تقنياً وعملياً؟ كيف ستكون المصداقية الغربية إذا ظهر أن الضربات كانت غير فعالة وغير كافية؟ ما هي الانعكاسات الإقليمية؟ هل من الممكن الانجرار إلى نزاع أكثر اتساعاً؟ يقال أن "العقاب" يجب أن يبقى دقيقاً، ولكن كيف يمكن إخفاء أولوية مجموعة العوامل المرتبطة بالحل السياسي؟ ولهذا السبب يقولون: "من هنا تأتي ضرورة الإعداد للضربة بدقة متناهية قدر الإمكان".
     إن نقطة الضعف الأخيرة لفرانسوا هولاند هي رأي الفرنسيين. سورية ليست مالي.  يميل الرأي العام غالباً إلى إدانة عجز المجتمع الدولي في سورية، ولكنه متردد جداً إزاء رؤية البلد يدخل في هذه الحرب. هذا ما أكده استطلاع للرأي أجرته صحيفة الفيغارو مع مؤسسة Ifop ونشرته يوم الأربعاء 27 آب. ولكن أحد الوزراء يقول: "إن حالة الرأي العام حول هذه المسألة لم تتحدد حتى الآن".




"حدود"

افتتاحية صحيفة الليبراسيون 31 آب 2013 بقلم ألكسندرا شوارتزبرود Alexandra Schwartzbrod


     لم يعد هناك حل جيد لإيقاف المجزرة السورية، والمجتمع الدولي بأسره يتحمل المسؤولية. تعتبر باريس وواشنطن أنهما توصلا إلى "التأكد من مسؤولية" بشار الأسد في جريمة الهجوم الكيميائي يوم الأربعاء 21 آب. إذا صدقنا المواقف والبيانات الهجومية طوال يوم الجمعة 30 آب، فإن باراك أوباما وفرانسوا هولاند حسما أمرهما أخيراً، ويمكن القول أنهما أعلنا العد التنازلي. يستعد الرجلان للقيام بضربات "محددة" بهدف "معاقبة" النظام السوري وإظهار أنه يوجد حدود لما يمكن التسامح به. أصبح الأمر يتعلق بمصداقيتهما على الصعيد الدولي. بدأ الرئيسان الأمريكي والفرنسي بإعداد الرأي العام داخل بلديهما. يجب عليهما عدم ارتكاب أي خطأ غير مقصود، والاستعداد للفترة التي ستعقب الضربات.

(موقف موحد لواشنطن وباريس لتنفيذ "العقاب")

صحيفة الليبراسيون 31 آب 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن لورين ميلو Lorraine Millot

     بدأ العد التنازلي "للعقاب" الذي تنوي واشنطن وباريس تنفيذه ضد بشار الأسد. إن الفترة المتاحة ضيقة جداً أمام باراك أوباما الذي سيزور السويد يوم الثلاثاء 3 أيلول، ثم سيشارك في قمة العشرين في بطرسبورغ. إن توجيه الضربة قبل هذه القمة سيضع روسيا أمام الأمر الواقع من أجل محاولة استئناف الآلة الدبلوماسية في بطرسبورغ.
     يشكك الكثيرون في البنتاغون وزارة الخارجية الأمريكية والكونغرس بصوابية "الضربات العقابية". يخشى العسكريون والدبلوماسيون من تدخل "بشكل أعمى، وبدون إستراتيجية للخروج"، الأمر الذي لن يضع حداً لحمام الدم السوري، وسيجعل من الولايات المتحدة المسؤول الرئيسي عن الأعمال الوحشية المستقبلية. كما أعد المتشككون قائمة طويلة من الأعمال الانتقامية التي يجب الخشية منها مثل: هجمات كيميائية جديدة في سورية بشكل يُجبر الولايات المتحدة على المزيد من القصف، وهجمات ضد إسرائيل بشكل يدخلها في النزاع، وإرسال تعزيزات إيرانية إلى سورية، وهجمات ضد تركيا أو الأردن... قام أكثر من مئتي عضو في الكونغرس الأمريكي بالتوقيع على رسالة يطلبون فيها استشارتهم قبل توجيه الضربات. إن هذه الضربات ستضع البرلمانين الفرنسي والأمريكي أمام الأمر الواقع.


("دبلوماسية بوتين" او سياسة الخيار الأسوأ)

افتتاحية صحيفة اللوموند 30 آب 2013

     يوجد في سورية قوة عظمى كان بإمكانها قبل سنتين أن تحث بشار الأسد على الاعتدال، وكان بإمكانها تشجيع الحوار بين السلطة والمعارضة، لم تكن الغنغرينة قد وصلت حينها إلى المعارضة بسبب الجهاديين، وكانت تتظاهر سلمياً ـ وهذا ما نسيناه جداً ـ ضد النظام البعثي. كان بإمكان هذه القوة العظمى المتعطشة للاعتراف بقوتها أن تقوم بدور هام جداً، ولكنها لم تفعل ذلك. بل قامت بشيء آخر هو سياسة الخيار الأسوأ. إنها تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية قيام النظام السوري بانتهاك المحرمات عبر استخدام سلاح تدمير شامل.
     هذه القوة العظمى هي روسيا التي تقوم بتجهيز وتدريب الجيش السوري. كانتت موسكو مصممة منذ بداية النزاع على مواصلة وتكثيف إرسال أسلحتها إلى دمشق. هذا ما قاله بشار الأسد قبل عدة أيام إلى الصحافة الروسية عندما أشار إلى أن جيشه لا ينقص أي شيء بفضل روسيا مثل قطع غيار للطائرات المقاتلة وراجمات الصواريخ والمدرعات وكل ما تحتاجه ترسانة الحرب الشاملة التي يشنها النظام السوري ضد التمرد.
     يبدو أن روسيا هي التي زودت سورية بالأسلحة الكيميائية، ومن المفترض أن يكون لديها فكرة دقيقة بما فيه الكفاية عن مكان تخزين هذه الأسلحة. أكد الأمريكيون والأوروبيون لروسيا أنه سيتم الحفاظ على المصالح الروسية في سورية إذا تم التوصل إلى حل سياسي مشترك، ولكن الكريملين رفض ممارسة أي ضغط على النظام.

     مع بداية ظهور ملامح الحرب الأهلية، كانت موسكو تؤكد أنها تقوم باحتواء اتساع التطرف السني في سورية الذي يهدد بالاتساع إلى القوقاز. ولكن التصرف غير المسؤول للروس في سورية يمكن تفسيره بشكل آخر هو إعطاء الصبغة السوفييتية للدبلوماسية الروسية تحت قيادة فلاديمير بوتين. تتمثل هذه الدبلوماسية بمعارضة "الغرب" في كل مكان باعتباره العدو الإستراتيجي والثقافي الذي يتمثل هدفه الوحيد بمنع روسيا من أن تكون قوة عظمى من جديد. لهذا السبب يعارض السيد بوتين في سورية... على حساب تحول استخدام السلاح الكيميائي إلى أمر عادي. لا يمكن أن نجد إلا عذراً واحداً للكريملين هو أن "الدول الغربية" لم تمارس أية ضغوط جدية عليه.

(لا يجب على واشنطن التدخل!)

صحيفة اللوموند 30 آب 2013 بقلم أستاذ العلاقات الدولية في هارفرد ستيفن والت Stephen M. Walt

     حتى في حال البرهان على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية، لن يُرجح ذلك كفة الميزان لصالح التدخل العسكري الأمريكي. إن التفكير بعكس ذلك سيُضفي وزناً مبالغاً به للأسلحة التي استطاعت قوات الأسد استخدامها، ويتجاهل الأسباب العديدة التي تجعل من التدخل العسكري الأمريكي غير مناسب.
     بالطبع، من المؤسف لجوء بشار الأسد إلى الأسلحة الكيميائية، ولكن من غير المؤكد أن يؤدي ذلك إلى تغيير تقويم المصالح الأمريكية في هذه القضية. إن وحشية النظام السوري معروفة منذ عدة عقود، وقواته المسلحة قتلت آلاف الأشخاص بالوسائل التقليدية. بالمحصلة، ما هو الفرق بين أن يقتل الأسد معارضيه بقنابل وزنها 250 كغ وقذائف الهاون والقنابل الانشطارية والرشاشات أو بغاز الساران؟ الموت هو نفسه بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة.
     يقول أنصار العمل العسكري أنه يجب على الولايات المتحدة التدخل للدفاع عن مبدأ منع الأسلحة الكيميائية. إن الغاز المثير للأعصاب ممنوع مثل غاز الساران بنظر القانون الدولي، ولكنه ليس "سلاح تدمير شامل" بالمعنى الدقيق للكلمة. إن الأسلحة الكيميائية بشكل عام أقل فتكاً من الأسلحة المسموحة مثل الذخيرة شديدة الانفجار، وذلك نظراً لأن استخدام الأسلحة الكيميائية معقد في المعارك. إذاً، نحن ندافع عن مبدأ ينطبق على أسلحة أقل تدميراً من القنابل التي سنستخدمها في حال التدخل. إن تبرير الرد المحتمل من قبلنا سيكون أكثر إقناعاً لو كانت الحكومة الأمريكية لا تتجاهل القانون الدولي في كل مرة يعرقل فيها مبادرة أمريكية.
     على أي حال، إن التدخل فكرة سيئة. لا تستطيع الضربات الجوية القضاء على ترسانة الأسد الكيميائية، ومن غير المحتمل أن تتمكن من تغيير موازين القوى لصالح المتمردين. وحتى لو تحقق ذلك، فإن هذا الوضع سيوفر للأسد سبباً إضافياً لاستخدام أسلحته غير التقليدية بشكل أوسع. سيؤدي سقوط الأسد إلى إنهيار الدولة السورية، وسيتسبب باندلاع صراع بلا هوادة بين مختلف الفصائل المتمردة. لا شك أن التمرد السوري بدأ كحركة إصلاح سلمية، ولكن المجموعات المتمردة الأكثر قوة اليوم هي المتطرفين الجهاديين، وهم آخر ما نتمنى وصولهم إلى السلطة في دمشق. ما زال الحذر واجباً بغض النظر عن الوسائل العسكرية التي تستخدمها قوات الأسد.

     النقطة الأخيرة، ربما يحاول باراك أوباما ضرب دمشق نظراً لأنه تهور وحدد "خطاً أحمراً" حول مسألة استخدام الأسلحة الكيميائية، وبالتالي تولد لديه الانطباع بأن مصداقيته تتعرض للامتحان. ولكن اتخاذ قرار إضافي غير عقلاني لن يُعيد السمعة المفقودة للولايات المتحدة. لا تتمتع القوة الأمريكية بالمصداقية إلا عندما تُستخدم لحماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة. ليست هناك أية مصلحة للولايات المتحدة في الذهاب والتورط في سورية. ولن تتغير هذه الحقيقة مع استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل القوات الحكومية السورية.

(حتى الرد ضمن الإطار الأممي يبقى خطيراً)

صحيفة اللوموند 30 آب 2013 بقلم دوني بوشار Denis Bauchard، المستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)

     يبدو أن احتمال التدخل العسكري المباشر، حتى ولو كان محدوداً، أصبح واضحاً لدى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ولكنه يطرح مشكلة قانونية هذا التدخل. ظهرت بعض الأصوات، ولاسيما في الولايات المتحدة، التي تعتبر أن موافقة الأمم المتحدة غير ضرورية. هذا الموقف ليس غريباً بالنسبة للولايات المتحدة التي تدخلت عدة مرات في السابق بدون احترام القانون الدولي كما حصل في العراق عام 2003. ولكن الأمر الأكثر غرابة هو انضمام بعض الأصوات الفرنسية إلى هذا الموقف، ولاسيما أن الدبلوماسية الفرنسية تتمسك دوماً بميثاق ومصداقية الأمم المتحدة، وتعتبر أنه لا يمكن حل مشاكل الشرق الأوسط إلا في إطار الأمم المتحدة. إن مثل هذا التدخل العسكري، حتى ولو كان محدوداً، بدون موافقة الأمم المتحدة بمبادرة من الدول الغربية ودعم من تركيا والدول العربية في الخليج سيكون فشلاً ذريعاً للأمم المتحدة.
      من الممكن أن نتساءل أيضاً عن فعالية مثل هذا التدخل، ولاسيما مع استبعاد إرسال قوات إلى الأرض أو إقامة منطقة حظر جوي. لا شك أن قصف بعض الأهداف الرمزية مثل بعض الأبنية الحكومية والقصر الرئاسي وبعض المنشآت العسكرية والأمنية سيكون تأثيرها محدوداً، ولن تساعد قضية المتمردين، بل على العكس. لن يحل هذا القصف مسألة "اليوم التالي"، بالإضافة إلى ما نسميه خجلاً بـ "الأضرار الجانبية"، ولن يؤثر هذا القصف على مقاومة النظام، وسيؤدي إلى تعزيز تصميمه وتصميم حلفائه في إيران وروسيا، ولن تخدم إلا مصالح الأكثر راديكالية.
     إن هذه الضربات التي يجب أن تكون محدودة بالزمن و"جراحية" ستفسح المجال أمام تدهور الوضع بشكل يمكن أن يؤدي إلى أزمة دولية كبيرة ربما تتسع إلى إيران والخليج. كما ستمنع أي تقدم على طريق الإدارة الحكومية العالمية التي ترتسم ملامحها في قمة الثمانية وقمة العشرين، وستسمح لروسيا بأن تكون على رأس "جبهة الرفض" تجاه الغرب الذي سيُعتبر كطرف معتدي.
     هناك طرق أخرى ممكنة مثل تعزيز الإجراءات الحالية: المساعدة الإنسانية وتدريب المقاتلين وإرسال الأسلحة عبر الشبكات السرية. ما زال إرسال الأسلحة متواضعاً على الرغم من التصريحات الرسمية. بشكل عام، إن التفكير والتشاور يفرضان نفسهما: ما هي الأهداف السياسية للولايات المتحدة وأوروبا في هذه المنطقة القريبة منهما؟ ما هي البدائل عن انهيار النظام الحالي؟ كيف يمكن إعادة بناء سورية الغد سواء كانت مقسمة أو موحدة؟ تطرح هذه الأسئلة نفسها في الوقت الذي ما زال فيه هامش المناورة محدوداً جداً في سورية ومصر وتونس بالنسبة للدول الغربية وروسيا.    
    


الجمعة، ٣٠ آب ٢٠١٣

(فرانسوا هولاند: ليس المقصود إسقاط الدكتاتور السوري)

موقع الانترنت لصحيفة اللوموند 30 آب 2013 ـ مقابلة مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ـ جرت المقابلة في قصر الإليزيه يوم الخميس 29 آب، وأجراها كل من: أرنو لوبارمونتييه Arnaue Leparmentier وناتالي نوغايرد Natalie Nougayrède وتوما فيدر Thomas Wieder وفانسان جيريه vincent Giret

سؤال: هل تملك فرنسا البرهان على استخدام الأسلحة الكيميائية في دمشق يوم الأربعاء 21 آب؟
فرانسوا هولاند: لم يعد السؤال معرفة فيما إذا تم استخدام الأسلحة الكيميائية في ضواحي دمشق يوم الأربعاء 21 آب. إنه أمر مُثبت، وحتى السلطات السورية لا تنفيه. السؤال هو معرفة مرتكبي هذا العمل المرعب. تملك فرنسا مجموعة من المؤشرات التي تذهب في اتجاه مسؤولية النظام. أولاً، وقعت سابقاً عدة اعتداءات كيميائية في سورية، ولكن اعتداء 21 آب يُمثل تغيراً نوعياً بسبب اتساعه وآثاره. من الواضح أن المعارضة لا تملك أي نوع من هذه الأسلحة، ويسيطر بشار الأسد على جميع مستودعاتها. ثانياً، لم يتم قصف هذا الحي بالصدفة أو بالخطأ: إنها منطقة محورية لكي يسيطر النظام على طرق المواصلات باتجاه دمشق. أخيراً، تم القيام بكل شيء من أجل إزالة الآثار في الساعات التي أعقبت هذا الترهيب عبر القصف الذي نعرف مصدره بالتأكيد.
سؤال: ما هي قانونية القيام بعمل عسكري؟
فرانسوا هولاند: يمنع بروتوكول عام 1925 استخدام الأسلحة الكيميائية. إن استخدام الغازات ضد السكان يُشكل، كما قال بان كي مون شخصياً، جريمة ضد الإنسانية. ولهذا السبب تمت احالة الأمر إلى الأمم المتحدة، وتم إرسال بعثة تحقيق إلى سورية. ولكن ما نخشاه هو منع مجلس الأمن من اتخاذ القرار الضروري للتحرك، وذلك مهما كان الأمر واضحاً. إن مجلس الأمن مُعطل منذ سنتين حول المسألة السورية.
سؤال: وإذا بقي معطلاً؟
فرانسوا هولاند: لا يمكن ولا يجب أن تبقى المجزرة الكيميائية في دمشق بدون عقاب. وإلا سيكون ذلك خطراً يهدد بتصعيد يجعل استخدام هذه الأسلحة أمراً عادياً، وسيهدد دولاً أخرى. لا أؤيد تدخلاً عسكرياً يهدف إلى "تحرير" سورية أو إسقاط الدكتاتور، ولكنني أعتبر أنه يجب توجيه ضربة لإيقاف هذا النظام الذي يرتكب أموراً يتعذر إصلاحها ضد شعبه.
سؤال: ما هي أهداف الحرب؟
فرانسوا هولاند: لن أتحدث عن حرب، ولكن عن عقوبة لانتهاك وحشي لحقوق الإنسان. ستكون بمثابة الردع. إن عدم الرد سيعني السماح بذلك. الحرب الأهلية في سورية مستمرة منذ وقت طويل، وأدت إلى مقتل مئة ألف شخص. بادرت فرنسا بشكل مبكر إلى اتخاذ المبادرات، وجمعت "أصدقاء سورية" في صيف عام 2012، واعترفت بالإئتلاف الوطني السوري ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري، وقدمت له دعمها السياسي ثم المساعدات المادية والإنسانية، ومؤخراً، الوسائل العسكرية ضمن احترام إلتزاماتنا الأوروبية. اليوم، تم تجاوز خطوة أخرى في الرعب. إن الرد وليس الجمود هو الذي سيفرض حلاً سياسياً.
سؤال: ما هو الشكل الذي يمكن أن يأخذه التدخل؟
فرانسوا هولاند: جميع الخيارات مطروحة على الطاولة. تريد فرنسا عملاً مناسباً وحازماً ضد نظام دمشق.
سؤال: من هي الدول التي ستشارك في التدخل؟
فرانسوا هولاند: إذا تم منع مجلس الأمن من التحرك، سيتم تشكيل تحالف. يجب أن يكون هذا التحالف واسعاً قدر الإمكان، وسيعتمد على الجامعة العربية التي أدانت الجريمة وحذرت المجتمع الدولي. سيحظى التحالف بدعم الأوروبيين. ولكن هناك قلة من الدول القادرة على توجيه عقاب عبر الوسائل المناسبة، وفرنسا هي إحدى هذه الدول، وهي مستعدة. ستقرر فرنسا موقفها عبر التواصل الوثيق مع حلفائها.
سؤال: إن أول برلمان تمت استشارته هو البرلمان البريطاني الذي رفض مبدأ القيام بعملية في سورية. هل يمكن التحرك بدون حلفائنا التقليديين البريطانيين؟
فرانسوا هولاند: نعم. يملك كل بلد السيادة للمشاركة أو عدم المشاركة في العملية. ينطبق ذلك على بريطانيا وعلى فرنسا. سأتحاور بشكل معمق يوم الجمعة 30 آب مع باراك أوباما.
سؤال: بماذا يختلف هذا الخيار عن الانتقادات الموجهة إلى المحافظين الأمريكيين الجدد بخصوص التدخل العسكري؟
فرانسوا هولاند: حصل التدخل في العراق بدون تقديم أي برهان حول وجود أسلحة الدمار الشامل. للأسف، تم استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية. في الحقيقة، كانت العملية في العراق تهدف إلى إسقاط النظام. ولا شيء من هذا القبيل بالنسبة للرد في سورية. منذ بداية الحرب الأهلية، تمسكت فرنسا بالبحث عن حل سياسي. إن الأمر الذي تغير منذ 21 آب هو المجزرة الكيميائية. إنه خط أحمر محدد منذ عام، وتم تجاوزه بشكل لا يقبل الجدل.
سؤال: ليبيا، مالي، سورية... ألا تخاطر فرنسا عبر اللجوء المتزايد إلى النزعة التدخلية؟
فرانسوا هولاند: وافقت عام 2011 على تدخل فرنسا في ليبيا. ولكنني تأسفت للنتائج التي لم تتم السيطرة عليها. في شهر كانون الثاني 2013، قررت التدخل في مالي. ألاحظ أنه كان فعالاً بالتنسيق مع الأفريقيين، وتم خلال فترة قصيرة. سمح هذا التدخل بتنظيم انتخابات حرة وصريحة. بالنسبة لسورية، سأحرص على أن يتمكن جواب المجتمع الدولي من إيقاف تصاعد العنف. كل وضع مختلف عن الآخر. وفي جميع الحالات، تتحمل فرنسا مسؤوليتها باسم قيمها ومبادئها.
سؤال: كيف يمكن إدارة العلاقة مع روسيا بعد الضربات؟
فرانسوا هولاند: ترفض روسيا الاعتراف بأن النظام ارتكب هذا العمل البشع، ما دامت تخشى من الفوضى في حال انهيار بشار الأسد. إذاً، أريد إقناعها بأن أسوأ الأوضاع هو الوضع الحالي الذي يشجع على صعود المجموعات الجهادية. قلت دوماً للرئيس بوتين أنني لن أشكك بالعلاقات المميزة التي تربط بلده مع سورية منذ وقت طويل. إن مصلحة روسيا ستكون بالتوصل إلى حل سياسي بأسرع وقت.
سؤال: هل أنتم متأكدون من دعم الرأي العام؟
فرانسوا هولاند: عندما قررت إرسال قواتنا المسلحة إلى مالي، لم يكن الفرنسيون مدركين تماماً لاتساع الإرهاب في الصحراء الإفريقية (الساحل). إنهم فخورون اليوم بأن جيشنا حرر بلداً صديقاً. في جميع الظروف، يجب عليّ أن أقول لهم الحقيقة حول تعهدات فرنسا وصحتها، دون إخفاء الأخطار حول أمننا الداخلي. لا مجال لجر بلدنا إلى مغامرة. ولكن ما هو الخطر الأكبر: معاقبة بلد استخدم السلاح الكيميائي، أو التساهل مع عائلة في طريق مسدود ربما ترغب باستخدامه مرة أخرى؟ السلاح الكيميائي هو خطر على الإنسانية.
سؤال: هل تستبعدون الضربات قبل أن يُعبّر البرلمان عن موقفه؟
فرانسوا هولاند: أستبعد اتخاذ قرار قبل الحصول على جميع العناصر التي تبرره. قمت بدعوة البرلمان إلى جلسة استثنائية يوم الأربعاء 4 أيلول لمناقشة الوضع حول سورية. وإذا قمت بإلزام فرنسا، ستخبره الحكومة بالوسائل والأهداف المطلوبة بموجب المادة 35 من الدستور.
سؤال: هل تستبعدون التدخل قبل رحيل المفتشين من سورية؟

فرانسوا هولاند: نعم.

(باريس تريد مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل عبر قصف دمشق)

صحيفة الفيغارو 30 آب 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     إن الحافز الكامن وراء الإرادة الفرنسية بـ "معاقبة" نظام بشار الأسد يتعلق بالتأكيد باعتبارات أخلاقية ومعنوية. إنه واجب حماية السكان المدنيين من قبل دولة تريد لنفسها أن تكون بطلة حقوق الإنسان واخترعت قانون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. إنها أيضاً ضرورة حماية اتفاقية منع الأسلحة الكيميائية الموقعة في باريس عام 1993. ولكنها ليست الحوافز الوحيدة. إن التصميم على الرد على الهجوم الكيميائي يوم الأربعاء 21 آب في ضواحي دمشق يرتكز أيضاً، في باريس على الأقل، على ضرورة مكافحة انتشار الأسلحة غير التقليدية. أكد وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان إلى صحيفة الفيغارو قائلاً: "إذا لم نتحرك اليوم، فهذا يعني السماح بجعل استخدام الأسلحة الكيميائية أمراً طبيعياً على المدى المتوسط. إن الجمود سيخلق سابقة، وليس فقط بالنسبة لسورية".
     لهذا السبب، قامت السلطات الفرنسية بربط الهجوم الكيميائي في دمشق بالملف الإيراني. يحاول المجتمع الدولي منذ عدة سنوات وبجميع الوسائل المتاحة منع ولادة القنبلة النووية الإيرانية. ولكن جميع الذين يحاولون معارضة تقدم البرنامج النووي الإيراني، من واشنطن إلى تل أبيب مروراً بباريس ولندن، يتذرعون بحجة أساسية هي أخطار انتشار الأسلحة غير التقليدية. إذا أصبحت إيران قوة نووية، فإن ذلك يهدد بسلسلة من ردود الفعل في المنطقة، ومن الممكن أن تقرر عدة دول في المنطقة مثل السعودية ومصر وتركيا البدء أو استئناف برامجها النووية لمواجهة  القوة الإقليمية الإيرانية.
     يخشى المحللون من أن تزايد عدد الدول النووية في الشرق الأوسط سيؤدي في النهاية إلى إلغاء آثار الاستقرار الناجمة عن الردع. إن مثل هذا الوضع سيهدد بسقوط السلاح النووي يوماً ما بأيدي المجموعات الإرهابية أو أطراف غير حكومية، وذلك بسبب الوضع الإقليمي غير المستقر. إن ما ينطبق على السلاح النووي، ينطبق على بقية أسلحة الدمار الشامل مثل الأسلحة الكيميائية والجرثومية. قال وزير الدفاع الفرنسي: "إن استخدام الأسلحة الكيميائية أكثر سهولة من استخدام الأسلحة النووية. إذاً، إنها مسألة تتعلق بالأمن الوطني".

     ستسمح هذه الحجة التي تلوح بها باريس بالقيام بحملة إعلامية أكثر فعالية تجاه الرأي العام الفرنسي على صعيد الملف السوري، لأنه يمكن تطبيقها بغض النظر عن الطرف الذي يستخدمها. ولكن إذا كانت الحرب في مالي قد حظيت بدعم واسع من قبل الفرنسيين، فلأن أهدافها وأخطار المجموعات الإسلامية المسلحة على الأمن الفرنسي كانت واضحة ومفهومة بشكل جيد. لا ينطبق كل ذلك على سورية التي تختلط فيها الأوراق: يعتبر الفرنسيون أن بشار الأسد لا يمكن التواصل معه، ولكنهم يخافون جداً من المعارضة التي اخترقتها المجموعات الإسلامية. إن التركيز على أخطار انتشار الأسلحة غير التقليدية ربما يسمح بالخروج من هذه الحلقة المفرغة خلال فترة التدخل على الأقل.

(سورية لن تكون مالي بالنسبة لهولاند)

صحيفة الفيغارو 30 آب 2013 بقلم غيّوم تابار Guillaume Tabard

     إذا كان أصدقاء فرانسوا هولاند يأملون بأن الأزمة السورية ستمنحه المكانة المرموقة والسلطة التي حظي بها بعد التدخل في مالي، فقد أظهرت الأحداث خطأهم. لم تنجح محاولة إضفاء صورة القائد العسكري على فرانسوا هولاند القادر على تحقيق التوافق الوطني. سورية ليست مالي. ما زال الرأي العام مقتنعاً، سواء عن وعي أو بدون وعي، بأن التاريخ يعطي الشرعية إلى فرنسا بالتدخل في أفريقيا. كان هولاند يتحدث باسم فرنسا بأسرها عندما أرسل قواته إلى مالي، بفضل الشعور المشترك بأن النجاح سيكون حليفه. ولكن فيما يتعلق بالشرق الأوسط المعقد، يسود الشك إزاء قدرة الدول الغربية على التأثير بفعالية على مجريات الأمور.
     إن الهالة التي اكتسبها رئيس الدولة في الربيع الماضي ترتبط أيضاً بأن فرنسا كانت وحيدة في الخط الأول. أثبت فرانسوا هولاند آنذاك أن كلامه يتحول إلى أفعال، وأظهر تصميمه وسرعته وحزمه في اتخاذ قرار مفاجىء، الأمر الذي ساهم في تحسين صورته. هذه المرة، إذا كان الرئيس الفرنسي أحد الزعماء الأكثر نزعة إلى المطالبة برد انتقامي على الهجمات الكيميائية لنظام الأسد، فإن فرنسا ليست إلا طرفاً بين عدة أطراف، ولا تستطيع أن تقرر أو تفعل شيئاً بدون واشنطن ولندن بشكل خاص. هذا ما برهن عليه تصويت البرلمان البريطاني وحذر باراك أوباما. إذاً، ربما لن تحصل ردة الفعل التلقائية المتمثلة بالوحدة الوطنية حول رئيس الدولة، حتى ولو حصل فرانسوا هولاند على أغلبية مؤيدة لتوجيه رد عسكري ضد دمشق.
     ولكن الموقف وضعف وسائل التحرك ليست الأسباب الوحيدة. ليس هناك أي توافق بين المسؤولين السياسيين والرأي العام حول صواب الرد العسكري في سورية، وذلك بعكس ما حصل بالنسبة لمالي. هناك شريحة واسعة من المسؤولين الفرنسيين تدعو إلى الحذر مثل: جان لوك ميلانشون وفرانسوا بايرو وفرانسوا فيون ومارين لوبن الذين يؤكدون على ضرورة إشراك روسيا بشكل أفضل وعلى الأخطار التي تواجهها الأقليات المسيحية في سورية وفي الدول المجاورة لها.
     يمكن القول أن النقاش حول إمكانية القيام برد فعل يُعبّر عن الانقسام التقليدي في فرنسا بين أصحاب التوجه الأطلسي وأصحاب النظرة السيادية، وكذلك بين النظرة الأخلاقية والنظرة السياسية للعلاقات الدولية. هنا أيضاً، سواء عن وعي أو بدون وعي، عندما يفكر الفرنسيون بالحرب الأهلية في سورية، فإنهم يتذكرون الحرب الثانية على العراق واقتناعهم برفض جاك شيراك للتدخل. أصبح هولاند يعرف: لن يمكنه الاعتماد على الوحدة الوطنية المقدسة حول الملف السوري من أجل نسيان متاعبه الفرنسية.


الخميس، ٢٩ آب ٢٠١٣

(من أجل ماذا؟)

افتتاحية صحيفة الفيغارو 29 آب 2013 بقلم إيف تريار Yves Thréard

     مستعدون! إن أوباما وكاميرون وهولاند مستعدون لمعاقبة بشار الأسد. لماذا الآن؟ أدت هذه الحرب الأهلية إلى مقتل أكثر من 120.000 سوري، وما زال العالم يراقب هذه الحرب بقلق، وبدون أن يتحرك. إذا كانت هناك مجزرة، فإن دكتاتور دمشق يرتكبها منذ عدة أشهر ضد المتمردين الذين لا أحد يعرف بماذا يفكرون بسبب كثرة وجود الجهاديين.
     قيل لنا أنه تم تجاوز الخط الأحمر بخصوص اللجوء إلى الأسلحة الكيميائية. حصل العمل البشع الذي يقتل الأبرياء ويهز الضمائر والرأي العام. إن حق التدخل يفرض نفسه باسم الأخلاق. هذا مؤكد، ولكن من أجل ماذا؟ بعد الجمود، سيكون "العقاب" عبر "هجوم محدود". إن اللغة الحذرة لا تنفع إلا لإخفاء الواقع. ستكون نتائج الهجوم متوقعة، بدون الحديث عن دقة الضربات. إن إطلاق بعض الصواريخ لن يوضح الأمور، حتى ولو قضت على الأسد شخصياً.
     ستؤدي هذه الضربات بالتأكيد إلى إشعال المنطقة التي يسودها الحقد. بالنسبة لإيران وحزب الله اللبناني، سيُضاعفان استعدادهما للحرب، وستزداد حدة المواجهة بين الشيعة والسنة، وستجد إسرائيل جميع الأسباب للانتقال إلى الفعل لأنها الهدف المفضل لجيرانها، وسيتحول مسيحو الشرق الأوسط المهملين أصلاً إلى العدو الذي يجب القضاء عليه. فيما يتعلق بالرعايا الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين، سيكونون بخطر في كل مكان تحت تهديد عمليات التفجير.
     ألم نتعلم شيئاً من مغامراتنا السابقة منذ خمسة عشر عاماً؟ كان الغرب يدعي بأنه يعمل من أجل خير السكان المحليين في أفغانستان والعراق وليبيا. رحلنا اليوم من هذه الدول. ربما سقطت بعض الأنظمة الدكتاتورية، ولكن ما هي الأنظمة التي استبدلناها بها؟ إن الإسلاموية والإرهاب يسيطران على كابول وبغداد وطرابلس الغرب.

     إن القوة هي أسوأ الأسلحة في الشرق الأوسط. إنها تقود دوماً إلى معاقبة نفسها.

(باريس وواشنطن تدرسان أخطار الهجوم على سورية)

صحيفة الفيغارو 29 آب 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     ما هي الأخطار، وما هي الفوائد؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه جميع المسؤولين السياسيين والعسكريين قبل البدء بأي تدخل عسكري. هل العمل العسكري الذي تلوح به واشنطن وباريس ولندن لـ "معاقبة" النظام السوري وردعه عن استخدام السلاح الكيميائي مرة أخرى، محفوف بالمخاطر؟ تدرس هيئات الأركان في باريس ولندن وواشنطن بدقة النتائج المحتملة للعملية التي تستعد للقيام بها.
     الخطر الأول هو الرد المحتمل من النظام السوري والإيرانيين أو حتى حزب الله. هدد رئيس الوزراء السوري متوعداً بأن بلده سيصبح "مقبرة للغزاة". من الممكن أن تحاول إيران استخدام ساحة المعركة السورية لامتحان تصميم الولايات المتحدة التي أكدت بقوة أنها ستعارض بجميع الوسائل البرنامج النووي العسكري الإيراني. يخشى البعض من عمليات انتقامية ضد قوات اليونيفيل في لبنان التي تضم 670 جندي فرنسي. كما يخشون من الهجمات بالقذائف الصاروخية على إسرائيل، أو من عمليات تفجير ضد مصالح الدول الأعضاء في التحالف بالمنطقة. تملك قوات بشار الأسد كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية التي يمكن أن تستخدمها. لكي تحمي إسرائيل نفسها، نشرت أنظمتها الدفاعية المضادة للصواريخ على الحدود السورية.
     ولكن العديد من المحللين يعتبرون أن مثل هذه الاحتمالات ضعيفة، إذا كان التدخل ضد النظام محدوداً زمنياً. بالمقابل، إذا طالت العملية، واستهدفت إسقاط بشار الأسد، فإن أضرار العلاج المستخدم ربما تكون أكثر بكثير من فوائده. حذر الجنرال الفرنسي المتخصص بالشؤون الإستراتيجية فانسان ديسبورت Vincent Desportes قائلاً: "يجب عدم الذهاب بعيداً. إذا اختفى بشار، سيكون هناك خطر حصول مجازر طائفية".
     هناك خطر تكرار السيناريو الليبي، أي البدء بضربات تهدف إلى حماية السكان المدنيين، والانتهاء بسقوط الرئيس الأسد كما حصل مع القذافي عام 2011. اعتاد العسكريون على القول أن البدء بالنزاع أسهل بكثير من إنهائه، وقال فانسان ديسبورت: "عندما نضع يداً في الحرب، سرعان ما نغرق فيها. يجب مقاومة ذلك، ولكنه لا ينجح دوماً كما رأينا في ليببا وأفغانستان". أظهرت التدخلات الأمريكية الأخيرة في بغداد وكابول إلى أية درجة أصبح الانتصار صعباً اليوم في حروب الغزو بالنسبة للجيوش الغربية. قال ضابط فرنسي كبير: "لا يملك الأمريكيون ولا الفرنسيون اليوم الوسائل العسكرية والسياسية لشن مثل هذه الحرب". حذر الضباط الفرنسيون من أنه يجب الحرص على عدم تجاوز نقطة التوازن في دمشق.
     تخشى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أيضاً تدهور العلاقات مع روسيا بشكل أكبر. لم تقبل موسكو إطلاقاً تفسير هذه الدول الثلاثة لقرار الأمم المتحدة حول ليبيا عام 2011، وقامت بحماية حليفها السوري، واستخدمت حق النقض عدة مرات في مجلس الأمن. إن القيام بعمل عسكري خارج نطاق الأمم المتحدة يمكن أن يضاعف غضب روسيا التي تحتاجها الدول الغربية في مواضيع أخرى مثل الأزمة النووية الإيرانية أو الدرع الصاروخي. بالتأكيد، اعترف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن روسيا "لا تنوي الدخول في حرب مع أي طرف"، ولكنه حذر أيضاً من أن التدخل العسكري ستنجم عنه "عواقب كارثية".
     وإذا كان الخطر الرئيسي لهذا التدخل المبرمج يتمثل بأنه لن يُغيّر شيئاً في الوضع؟ لا يمكن استبعاد أن حصول عمل عسكري سريع ومحدود، لن يؤثر كثيراً على النظام الذي اتخذ إجراءاته بإفراغ مواقعة الهامة.  وربما يؤدي هذا العمل العسكري إلى تشجيع السلطة السورية على الهجوم واستخدام أسلحتها الكيميائية مرة أخرى. إن الأخطار المرتبطة بالعمل العسكري ليست بسيطة بالمقارنة مع أخطار الجمود كما يقول بعض المحللين. تعتبر واشنطن أن الأخطار السياسية المرتبطة بالعمل العسكري ستكون مدمرة. ليس فقط بالنسبة للاتفاقيات الدولية، بل أيضاً بالنسبة لانعدام مصداقية الكلام الأمريكي سواء بالنسبة لإسرائيل التي تتلهف لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أو بالنسبة لليابان التي يمكن أن تشك بفعالية المظلة النووية الأمريكية.

     لن يتمكن العمل العسكري السريع والمحدود ضد الأهداف الإستراتيجية في سورية من تغيير مجرى الحرب، ولكنه ربما يُجبر بشار الأسد على عدم تجاوز عتبة "الخط الأحمر". يعتبر البعض أن مثل هذا العمل العسكري مبالغ به، ويعتبر البعض الآخر أنه ليس كافياً.

(العد التنازلي في سورية)

صحيفة الفيغارو 29 آب 2013 بقلم بيير برييه Pierre Prier

     بدأ العد التنازلي يوم الأربعاء 28 آب نحو تدخل عسكري في سورية، وتزايدت البيانات والاستعدادات في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. سيجتمع فرانسوا هولاند الساعة العاشرة صباح يوم الخميس 29 آب مع رئيس الإئتلاف الوطني السوري أحمد الجربا الممثل الرئيسي للمعارضة السورية. من الممكن أن يقوم الرئيس الفرنسي بإبلاغه تسليم أسلحة أكثر تطوراً. ومن المتوقع أن تجري مكالمة هاتفية جديدة بين الرئيسين الفرنسي والأمريكي.

     يبدو أن تاريخ الضربة سينتظر على الأقل اجتماع البرلمان البريطاني يوم الخميس 29 آب، وربما أكثر من ذلك. لا شك أنه يجب على الدول الغربية أن تنتظر أيضاً رحيل مفتشي الأمم المتحدة. أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الخبراء "كانوا بحاجة إلى أربعة أيام" اعتباراً من يوم الاثنين 26 آب.

(يجب ألا نستسلم لأوهام الحلول العسكرية السريعة)

صحيفة الفيغارو 29 آب 2013 بقلم رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان Dominique De Villepin

     أجمع العالم على إدانة ارتكاب المجازر بالغاز في سورية. لن تكون هناك سياسة أسوأ من عدم القيام بأي شيء. ولكن أسوأ ما يمكن حصوله هو اتباع سياسة تؤدي إلى إضافة الحرب إلى الحرب دون أي برهان مُقنع ودون استراتيجية. إن تصميم الرئيس هولاند وشركاءنا يستحق الثناء، ولكن ماذا نريد بالضبط؟ العقاب؟ إنه ليس دور الجيش، بل دور المحكمة الدولية. هل نريد إراحة ضميرنا؟ إن ذلك يهدد بمفاقمة وضع المدنيين، وسيكون موقفاً متعالياً. هل نريد تغيير النظام؟ ليس من حقنا اتخاذ هذا القرار، ولاسيما مع غياب بديل يتمتع بالمصداقية.
     إن حماية المدنيين هي المهمة الأولى للمجتمع الدولي. يجب أن تكون الحماية موضوع النقاش الوحيد. يفترض ذلك التفكير بالتجارب السابقة. إن إستراتيجية الدول الغربية في الشرق الأوسط هي مأزق مبني على وهم القوة، وأدنت ذلك مراراً. تتأرجح هذه الإستراتيجية بين الحرب ضد الإرهاب والحرب ضد الحكام الدكتاتوريين، إنها تريد أن تجعل من هذين الهدفين هدفاً واحداً، ولكنها تعلمت أن ذلك لم يكن ممكناً. أدى احتلال العراق إلى تغذية الإرهاب بدون نهاية. أدت العملية في ليبيا بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تسليح جميع الجهاديين في الصحراء الإفريقية، وكانت السبب في حرب آخرى في مالي. لا تتوقف الحلقة المفرغة هنا. بسبب قلقنا من الإسلاموية في مصر، سمحنا بحصول انقلابات جديدة تمثل دوماً أرضية خصبة لطغاة المستقبل. يجب أن نستخلص دروس اللجوء إلى القوة. لقد انهارت الدولة في ليبيا والعراق وأفغانستان، وتزعزع استقرار المنطقة.
     هناك فخ آخر، هو إضعاف النظام الدولي المبني على المبادىء الإنسانية المشتركة. هذا هو النقاش منذ حرب العراق بين ما هو قانوني وما هو شرعي. من جهة، هناك النظرة المتعالية لأولئك الذين يدافعون عن القانون بدون شرعية مثل الروس والصينيين، وهذا يعني العودة إلى ما قبل عام 1945. من جهة أخرى، هناك الجانب المثالي المشتبه به لأولئك الذين اختاروا الشرعية بدون قانون، فخلقوا بذلك مبادىء آخلاقية تُهدد مبادىء العمل الذي يقومون به. ولكن ما العمل؟
     يبدو أن الوضع السياسي معرقل بسبب عدم وجود مبادرات سياسية. لقد دُفِنَ مؤتمر جنيف 2 لجمع الأطراف السورية والإقليمية، وذلك حتى قبل أن يبدأ بسبب اتساع حجم الجريمة المرتكبة. إن الطرفين لا يريدان الاتفاق، ومن غير المؤكد فيما إذا كانا قادرين على فرضه على مؤيديهم المتحمسين. يبدو أن الاتفاق بين الروس والأمريكيين أصبح أصعب من أي وقت مضى. إن طرق القوة كانت دوماً أسوأ الحلول.
     إن الحملة العقابية الرمزية التي ترتسم ملامحها اليوم تحمل في طياتها الكثير من المخاطر والتصعيد الإقليمي بشكل يشمل لبنان وإيران وإسرائيل، دون أن يحقق ذلك الكثير من الفوائد للسوريين. إن مستقبل سورية بعد مغامرة عسكرية جديدة سيكون بدوره التقسيم العرقي وتقسيم الأراضي والمزاودات السياسية للأكثر راديكالية. ستتوقف سورية عن الوجود.
     إن إستخدام الطائرات بدون طيار للهجوم على الشخصيات المسؤولة عن المجزرة، سيكون استمراراً لمنطق إدارة أوباما حول الحرب ضد الإرهاب. ولكن هل يمكن أن نغتال المجرمين دون أن يؤدي ذلك إلى سقوط فكرة العدالة الدولية؟ هل يمكن القيام بهجوم واسع يهدف إلى تغيير النظام؟ لم يعد قادة الجيوش الغربية يعتقدون بذلك. هل يمكن اللجوء إلى الحرب بالوكالة عبر تسليح المتمردين بشكل أكبر؟ ولكن كيف يمكن معرفة الجهة التي ستُستخدم ضدها هذه الأسلحة مستقبلاً؟
     يبقى الحل الأخير، أي العمل ذو الهدف الإنساني الذي يمزج بين الوسائل العسكرية والسياسية لخدمة إستراتيجية طويلة الأجل مثل: الممرات الإنسانية والمناطق العازلة على الحدود وبشكل خاص مناطق الحظر الجوي باعتبارها الحل الوحيد لتجنب المجازر والتأكيد على مسؤولية الحماية من قبل المجتمع الدولي. سنتمكن من توفير ظروف التدخل الضروري للفصل بين القوات عبر تخفيض العنف.

     يجب أحياناً معرفة كيفية اتباع السياسة "الأقل سوءاً". يمكن ترجمة هذه السياسة عبر قرار في الأمم المتحدة بدعم من دول الجنوب، مع إعطاء تفويض بإقامة منطقة حظر جوي، أو حتى إنشاء قوة سلام دولية. أعتقد أن ذلك ممكن، وربما يوافق الروس بغض النظر عن الأسباب. سيوفر المجتمع الدولي لنفسه بهذه الطريقة فرصة أفضل لإستئناف المفاوضات السياسية التي وصلت إلى طريق مسدود اليوم، وذلك عن طريق ضم القوى الإقليمية: الجامعة العربية وتركيا وإيران وممالك الخليج. يجب ألا نستسلم لأوهام الحلول العسكرية السريعة التي ستزيد من مشاكل المنطقة. على العكس، يجب أن نختار طريق السلام والمسؤولية الجماعية. 

الأربعاء، ٢٨ آب ٢٠١٣

(سورية: الأمريكيون طلبوا من الأمم المتحدة عدم متابعة مهمتها)

موقع الأنترنت لصحيفة الفيغارو 28 آب 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     يبدو أن الهجوم الأمريكي ضد السلطة السورية أصبح وشيكاً. أكد مصدر دبلوماسي غربي يتابع هذا الملف قائلاً: "قام مسؤولون أمريكيون بتمرير رسالة إلى الأمم المتحدة بأنه من الأفضل عدم تمديد مهمة المفتشين على الأرض. لم تطلب الولايات المتحدة منهم بشكل واضح أن يغادروا سورية، ولكن قيل لهم أن أجهزة الاستخبارات تملك براهين على أن النظام هو الذي ارتكب الهجوم الكيميائي بالقرب من دمشق الأسبوع الماضي، وأنها ليست بحاجة إلى استمرار مهمتهم على الأرض".
     كما حصل في العراق في شهر كانون الأول 1998، إن رحيل بعثة المفتشين الأممية من دمشق سيكون مؤشراً على أن الضربات العسكرية ضد سلطة بشار الأسد أصبحت وشيكة. في عام 1998، قصفت الولايات المتحدة لمدة أربعة أيام رموز سلطة صدام حسين المتهم باخفاء أسلحة كيمائية، وذلك بعد عدة ساعات فقط من رحيل البعثة الأممية من بغداد. تذرع مفتشو الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 27 آب بعدم توفر الأمن لكي لا يخرجوا من فندقهم في دمشق.
     أشارت مجلة فورين بوليسي Foreign Policy إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلتقطت اتصالاً هاتفياً لأحد العسكريين السوريين الخائفين وهو يطلب جواب رؤسائه بعد الهجوم الكيميائي ضد ضواحي دمشق بتاريخ 21 آب.
     أشار المصدر الدبلوماسي المذكور أعلاه إلى أن "الروس من خلال إعلانهم بأنه لن يحاربوا، أعطوا موافقتهم على هجوم أمريكي محدود" ضد حليفهم في دمشق. أكد الناطق الرسمي الأمريكي البارحة 27 آب أن الهدف من هذا الهجوم لن يكون تغيير النظام في دمشق. قال أحد الدبلوماسيين: "المقصود بهذا الهجوم هو إضعاف الأسد لكي يذهب ضعيفاً إلى مؤتمر جنيف. لم يستطع المتمردون تغيير موازين القوى على الأرض تجاه جيش الأسد منذ سنتين، وهذا ما ستفعله الدول الغربية عبر قصف قواعد الجيش على أمل تعزيز المعارضة السورية الضعيفة". بالتأكيد، لا يفكر الإستراتيجيون الأمريكيون بقصف القصر الرئاسي في دمشق. بالمقابل، من الممكن قصف مكان إقامة بشار الأسد في معقله باللاذقية.

     من غير المستبعد قصف الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة من أجل تعزيز المعارضة المسماة بالمعتدلة والمدعومة من الدول الغربية، وأضاف الدبلوماسي المذكور أعلاه: "إذا لم يتم قصف الجهاديين، فإن هذه العملية العسكرية ستعزز الإسلاميين الأكثر راديكالية. إن قصف الجهاديين سيُساعد في أن يقبل الروس على مضض بهذا التدخل العسكري ضد حليفهم"، وأكد هذا الدبلوماسي تردد الأمريكيين في الهجوم يوم الجمعة، أي يوم الصلاة لدى المسلمين. ستكون الفرصة متاحة اعتباراً من مساء يوم الأربعاء 28 آب.

(متأخر)

افتتاحية صحيفة الليبراسيون 28 آب 2013 بقلم فرانسوا سيرجان François Sergent

     يبدو أن هولاند وكاميرون وأوباما قرروا "معاقبة" بشار الأسد. لا شك أن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين هو عمل شائن وفاحش كما قال الرئيس الفرنسي أو وزير الخارجية الأمريكي، ولكن الأسد يقتل ويُعذب شعبه منذ عدة أشهر. يبدو بوضوح أن الإدانة الغربية متأخرة وانتقائية. ما هي أهداف الضربات التي وعد بها الإستراتيجيون الفرنسيون والأمريكيون؟ كيف ستُقنع "جزار دمشق" بإيقاف المجزرة؟ ويُقال في الوقت نفسه أنه ليس هناك إرادة برحيله.

     لم يعرف المجتمع الدولي ولم يكن يريد دعم وتسليح المعارضة السورية عندما كانت علمانية ووطنية وديموقراطية. لم يكن الجهاديون موجودين في سورية قبل عامين. أصبحت سورية مقبرة الوعود التي لم يتم الوفاء بها وللخطاب الغربي الفارغ. أين هي المناطق العازلة والخطوط الحمراء؟ أي أصبح الاعتراف بالمعارضة والإلتزام بتسليحها؟ إن غياب الإرادة السياسية ترك المجال مفتوحاً أمام الإسلاميين وعرابيهم الروس والإيرانيين والسعوديين. إن مثل هذه العملية سيئة التحضير وذات القواعد القانونية المشكوك بها، لن تُنقذ السوريين.

(سورية: الغرب على أهبة الحرب)

صحيفة الليبراسيون 28 آب 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     تتزايد المؤشرات التي تنذر بضربات عسكرية أمريكية ضد نظام بشار الأسد وقواته المسلحة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير في الأسواق المالية للممالك النفطية بالخليج الفارسي (انخفض 7 % بالنسبة لبورصة دبي). بالمقابل، ارتفع سعر النفط خوفاً من أن يؤدي التدخل الدولي إلى زعزعة استقرار المنطقة الغنية بالنفط.
     هل العملية ضد النظام السوري أصبحت وشيكة؟ أصبح الجيش الأمريكي مستعداً للحرب: بدأت الطائرات المقاتلة وطائرات الشحن C-130 منذ 62 ساعة بالوصول إلى القاعدة البريطانية Akrotiri في قبرص التي تقع على مسافة 150 كم من الشواطىء السورية. في الوقت نفسه، يتابع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مشاوراته العديدة، وإلتقى مع حوالي ثلاثين وزيراً للخارجية من أجل تقديم "رد مناسب" للهجوم الكيميائي في سورية يوم الأربعاء 21 آب. أشار مصدر أمريكي إلى أن الهجوم يمكن أن يبدأ حالما يحصل رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون على موافقة البرلمان الذي سيُصوت غداً الخميس 29 آب. ولكن من المفترض ألا يبدأ الهجوم قبل رحيل بعثة مفتشي الأمم المتحدة من سورية، وربما قبل ترحيل موظفي الوكالات الدولية.
     ما هي الخطة العسكرية التي اعتمدتها واشنطن؟ يجري تحضير هذه الخطة حالياً، ولاسيما في عمّان التي اجتمع فيها قادة أركان عدة دول غربية وعربية البارحة 27 آب، وسيستمر اجتماعهم يومين لدراسة مختلف الاحتمالات. كانت هناك ثلاثة احتمالات في البداية: الأول هو تسليح التمرد بمعدات نوعية (صواريخ مضادة للطائرات والدبابات)، ولكن لا يمكن اعتماد مثل هذا الحل بسبب وجود أخطار كبيرة بسقوطها بأيدي المجموعات الإسلامية الراديكالية التي انضم بعضها إلى الجيش السوري الحر. الاحتمال الثاني هو إقامة منطقة حظر جوي لحماية السكان فيها. تتلهف تركيا لهذا البديل، ولكن هيئة الأركان الأمريكية رفضته لأنه معقد ومكلف جداً ويحتاج إلى استخدام مئات الطائرات. الاحتمال الثالث هو توجيه ضربات جوية عبر صواريخ بعيدة المدى. يبدو أنه تم اعتماد الحل الأخير. من المفترض أن يكون القصف محدوداً وقصير المدة ويستهدف بشكل خاص الرئاسة السورية ووزارات الدفاع والداخلية وأجهزة الاستخبارات السرية المخيفة والقيادات العامة للفرقتين المدرعتين الثالثة والرابعة...
     ماذا تريد الدول المنخرطة في العملية؟ إنها لا تنوي إسقاط النظام أو معاقبته على القمع الوحشي الذي قام به خلال عامين ونصف، بل تريد معاقبته بسبب استخدامه للغازات السامة وردعه عن استخدامها مرة أخرى.
     هو هناك خطر حرب إقليمية؟ يعتمد كل شيء على مدى اتساع حجم الضربة. إذا استهدف الهجوم إسقاط النظام، فإن سورية ستحشد حلفائها للسعي إلى افتعال حرب إقليمية. إذا كان المقصود توجيه صفعة للمعاقبة، وهذه هي الفرضية الأكثر احتمالاً، فإن بشار الأسد لن يتحرك بالتأكيد. لقد حذر واشنطن، ولكن بدون التهديد بالرد. بالمقابل، لا يمكن استبعاد أن يسعى إلى قصف الأردن الضعيف الذي تتواجد فيه حالياً القيادة العامة للعملية العسكرية، ويُشكل الأردن الحلقة الضعيفة في التحالف.
     ماذا سيفعل حلفاء دمشق: إيران وروسيا وحزب الله؟ أرسلت الدول الأنغلوساكسونية السلطان قابوس في عُمان إلى طهران من أجل تهدئتها، كما أرسلت الأمين العام المساعد في الأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان. من المحتمل أن تقتصر ردة الفعل الإيرانية على التصريحات ما دام بقاء النظام السوري غير مهدد.
     بالنسبة لحزب الله، فقد هدد مسؤول في الحزب دون الكشف عن اسمه، وقال إلى صحيفة الأنباء الكويتية: "إن المجتمع الدولي مع هذه الضربات سيدعم تنظيم القاعدة ويساعده على الانتصار ضد النظام السوري وما يمثله وضد لبنان. وهذا ما لن تسمح به إيران وحزب الله إطلاقاً، حتى ولو أدى ذلك إلى افتعال حرب إقليمية تقلب الطاولة على رؤوس جميع الأطراف". ولكن لا نرى كيف سيفتح حزب الله جبهة ثانية مع إسرائيل في الوقت الذي ينخرط به في سورية، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج كارثية بالنسبة للحزب. ربما يُخاطر حزب الله بهجوم رمزي عبر إطلاق عدة صواريخ انطلاقاً من جنوب لبنان.

    فيما يتعلق بروسيا، استبعدت يوم الاثنين 26 آب عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف "الدخول في الحرب ضد أي طرف كان". هل هو موقف ضعف؟ أم أن روسيا وإيران يراهنان على فشل أمريكي.

(باراك أوباما وقع بفخ "خطوطه الحمراء")

صحيفة الليبراسيون 28 آب 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن لورين ميلو Lorraine Millot

     أكد البيت الأبيض البارحة 27 آب أن باراك أوباما لم يتخذ قراره حتى الآن بتوجيه "ضربات عقابية" محدودة بالعدد والزمن ضد بشار الأسد. كما أشار مصدر في واشنطن البارحة 27 آب إلى "استمرار بذل الجهود الدبلوماسية للعودة إلى مجلس الأمن إذا كان ذلك ممكناً".
     يخشى المتشائمون في واشنطن أن يكون هجوم الغوطة "فخاً" نصبه الأسد وحلفاؤه لجر الدول الغربية إلى المستنقع السوري الذي لا يعرف أحد ماذا ينتظرهم فيه. قال أحد الأعضاء السابقين في أجهزة الاستخبارات الأمريكية في سورية واين وايت Wayne White الذي أصبح محللاً في معهد الشرق الأوسط Middle East Institute: "إن ما أخشاه بشكل خاص هو أن تؤدي الضرات الأمريكية إلى إرسال تعزيزات إيرانية إلى سورية. بالنسبة لإيران، إن الرد على هذه الضربات عبر مهاجمة الأسطول الأمريكي في الخليج سيكون انتحارياً. ولكن ماذا سيحصل إذا اختار الإيرانيون إرسال مئات آلاف المقاتلين إلى سورية لتغيير موازين القوى على الأرض؟ سيكون رداً من الصعب جداً مواجهته. هل فكرت واشنطن وباريس ولندن بهذا السيناريو جيداً؟".

     تم اتخاذ قرار التدخل في الوقت الذي يعترف به العديد من المحللين والدبلوماسيين في واشنطن أن الوضع الحالي في سورية يتلاءم مع المصالح الأمريكية. قال أحد الدبلوماسيين: "إنها وقاحة كبيرة، ولكن بدأنا نشعر أنه ما دام الإيرانيون منشغلين في سورية، فلن يضربوا إسرائيل أو لن يتسببوا بأضرار كبيرة في مناطق أخرى". كما يتساءل الأمريكيون أكثر فأكثر: لماذا يجب على الولايات المتحدة التدخل في هذا النزاع بين ألد أعدائها: حزب الله اللبناني وتنظيم القاعدة.

(جميل بايك: "تركيا تستعد لهجوم كبير")

صحيفة اللوموند 28 آب 2013 ـ مقابلة مع الرئيس الجديد لحزب العمال الكردستاني جميل بايك Cemil Bayik ـ أجرى المقابلة مراسلها الخاص في كردستان العراق غيوم بيرييه Guillaume perrier

     جميل بايك هو الرئيس الجديد لحزب العمال الكردستاني، خلفاً لعبد الله أوجلان المعتقل في تركيا منذ عام 1999.
سؤال: هل يمثل انتخابكم على رأس المجلس الوطني الكردي (الهيئة السياسية لحزب العمال الكردستاني) تغييراً في الإستراتيجية؟
جميل بايك: المقصود هو الاستعداد بشكل أفضل لمتطلبات عملية السلام مع تركيا. إن انتخابي ليس تغييراً في التوجه. في تاريخ حركتنا، انتقلت استراتيجيتنا عام 1993 من الكفاح المسلح إلى البحث عن حل ديموقراطي. ولكننا لم نستطع تطبيقها حتى عام 2003 لأن الحكومة التركية كانت تتمسك بتسوية المسألة الكردية عن طريق الحرب. توفرت العديد من الظروف عام 2013، ولهذا السبب بدأ الرئيس أوجلان هذه العملية. حان الوقت للحل السياسي.
سؤال: ولكن أنقرة تعتبركم كأحد "الصقور" المقربين من سورية وإيران...
جميل بايك: إنها تقوم بحرب نفسية، وتسعى إلى إثارة اعتقاد الشعب بوجود جناحين متعارضين داخل حزب العمال الكردستاني، وأن "الصقور" سيمنعون "الحمائم" من مواصلة عملية السلام. إنها تسعى إلى بث الغموض. يعرف الجميع أنني تابعت دوماً توجه عبد الله أوجلان.
سؤال: يقول عثمان أوجلان، شقيق عبد الله أوجلان، أن تعيينكم سوف "يُدمر حزب العمال الكردستاني"...
جميل بايك: لا يمثل عثمان أوجلان أي شيء، وهو يكذب. إنه لا يحظى بالشرعية السياسية، وليس لديه أي نفوذ على حزب العمال الكردستاني. يعتقد البعض أنهم يستطيعون استخدام اسمه لتقسيمنا ـ احتج عثمان أوجلان وأحد قادة الحزب نظام الدين تاس على تكتيك حزب العمال الكردستاني عام 2004، وتم استبعادهما من الحركة. كشفت وسائل الإعلام يوم السبت 24 آب أنهما تعرضا لهجوم من قبل كوماندوس مسلح في أربيل ـ .
سؤال: تنتقد أنقرة بطىء انسحاب حزب العمال الكردستاني. إلى أين وصل الإنسحاب؟
جميل بايك: يسعى أردوغان إلى إيجاد الأعذار لعدم التقدم. يقوم أن الأطفال والشيوخ والمرضى هم الوحيدون الذين انسحبوا. هذا غير صحيح. بدأنا هذا الانسحاب بتاريخ 15 أيار، ونجحت المرحلة الأولى. قمنا بالإفراج عن السجناء السياسيين، وإلتزمنا بوقف إطلاق النار، وبدأنا الانسحاب، إنها إجراءات تاريخية بالنسبة لحركتنا. ولكنهم هم يستعدون لهجوم عسكري كبير، ونشعر بذلك جيداً.
سؤال: كيف تنظرون إلى تطور العملية؟
جميل بايك: إن شروط التفاوض ليست عادلة. يفاوض عبد الله أوجلان لوحده ضد الدولة، وهو يعاني من مشاكل صحية. كان من المفترض أن تقوم تركيا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإيقاف بناء الثكنات والحواجز، والتوقف عن تجنيد "حراس القرى" ـ الميليشيات الكردية الموالية ـ . تفعل تركيا عكس ذلك. أعلنا منذ عام 1993 عن وقف إطلاق النار عدة مرات، ولكن الحكومة التركية اعتبرت ذلك علامة ضعف. قامت أنقرة بتشكيل لجنة الحكماء التي قابلت ستين ألف شخص، وأعدت هذه اللجنة تقريراً كان من المفترض أن تجعله الحكومة خارطة للطريق. ولكن أردوغان لا يريد نشر هذا التقرير. لماذا يُخفيه؟ ستكون الحكومة مسؤولة عن مأزق عملية السلام.
سؤال: قمتم بتوجيه إنذار نهائي ينتهي في 1 أيلول. ماذا سيحصل في حال عدم استئناف العملية؟
جميل بايك: إذا لم يضغط المجتمع الدولي على تركيا، فسوف تفشل العملية، وسيكون من الواجب علينا العودة والدفاع عن أنفسنا. إن أحداث Gezi ـ باسم الحديقة في استانبول التي انطلقت منها الاحتجاجات ضد الحكومة في نهاية شهر أيار ـ أظهرت تعصب الحكومة. من الواضح أنه لا يمكن أخذ أردوغان على محمل الجد. إنه يمنع كل ما لا يعجبه، ويسجن الصحفيين. ما هو هذا النوع من الديموقراطية؟
سؤال: هل تعتمد العملية على الوضع في الكردستان السوري؟
جميل بايك: أعلن حزب الاتحاد الديموقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني عن الاستقلال الذاتي للمنطقة الكردية في سورية. نحن لا نستطيع معارضة إرادتهم. نريد سورية ديموقراطية لجميع الطوائف. ولكن هناك حظر والناس يعانون. وتريد تركيا منع إقامة دولة كردية سورية مستقلة ذاتياً.
سؤال: حول هذا الموضوع، انتقدتم بشدة رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني...

جميل بايك: نعم، لأن الشعب محاصر عسكرياً، وشارك بارزاني في الحظر عبر إغلاق حدوده. يريد تنظيم القاعدة عبر جبهة النصرة استعادة دوره في الشرق الأوسط، وتساعده تركيا في ذلك. إن ذلك يخدم مصلحة نظام الأسد أيضاً. يستمر بارزاني في فرض هذه الحظر لكي يقضي على السلطة الشعبية في المنطقة الكردية السورية. ولكنه إذا تحالف مع تركيا وإيران والمجموعات الجهادية، فإن ذلك سيزيد الانقسامات بين الأكراد.

الثلاثاء، ٢٧ آب ٢٠١٣

(سورية: الجريمة التي تحتاج إلى رد انتقامي)

افتتاحية صحيفة اللوموند 27 آب 2013 بقلم ناتالي نوغايرد Natalie Nougayrède

     إن تأثير استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية مؤخراً يتجاوز إطار هذا النزاع، وحتى إطار الشرق الأوسط. لأن استخدام أسلحة الدمار الشامل يعني سقوط أحد المحرمات. كما أصبحت مصداقية الدول الغربية مهددة بعد أن تحدثت بدرجات مختلفة عن "الخط الأحمر". إن الامتحان اليوم هو احتمال بقاء الحد الأدنى من التنظيم الدولي في القرن الواحد والعشرين.
     إن عدم الرد بحزم على الهجوم الكيميائي السوري سيفتح الباب أمام حقبة بربرية على الصعيد الدولي. لا يمكن لأحد أن يتنبأ من هم المتطرفون أو الطغاة الذين سيلجؤون غداً إلى أسلحة الدمار الشامل مُعتقدين بأنهم لن يتعرضوا إلا للإدانات. كانت القضية السورية مأساة إنسانية منذ وقت طويل، وأدى عجز المجتمع الدولي إلى القضاء على مفهوم "مسؤولية حماية" المدنيين. لقد غيّرت الجريمة الكيميائية المعطيات، وجعلت من هذا الملف رهاناً أمنياً جماعياً بالمعنى الواسع للكلمة.
     تتزايد مؤشرات الاستعدادات الأمريكية العسكرية لعمل في سورية، دون معرفة ما هو الخيار الذي سيعتمده الرئيس أوباما. هل سيأمر بإطلاق صواريخ توماهوك بعيدة المدى انطلاقاً من السفن الحربية الأمريكية في البحر المتوسط؟ إذا كان يجب القيام بـ "رد مشترك" كما قال فرانسوا هولاند إلى باراك أوباما خلال المحادثة الهاتفية يوم الأحد 25 آب، فيجب توضيح درجة المشاركة الفرنسية في السيناريو العسكري.
     تشعر الحكومات الغربية بالقلق حول مسألة الشرعية الدولية. إنها بحاجة إلى التوصل إلى إتفاق مع روسيا للمرور عبر قرار في الأمم المتحدة، وذلك على أساس الإدانات الروسية المتكررة لأي استخدام للأسلحة الكيميائية. من حيث المبدأ، لا يمكن أن تبقى الدبلوماسية الروسية دون خوف من دخول أسلحة الدمار الشامل في الرهان أو انتشارها. ولكن يجب التفاهم حول تحديد المتهم، فقد قامت موسكو فوراُ باتهام المتمردين السوريين...
     هل يجب التحايل على مجلس الأمن في حال تعطيله؟ تدخلت الدول الغربية عام 1999 في كوسوفو بدون تفويض واضح من الأمم المتحدة. ولكن الحملة الجوية الغربية وجدت شرعيتها في التحذيرات المتكررة إلى سلوبودان ميلوزيفيتش. إن إحدى هواجس باراك أوباما هي بالتأكيد إعادة سيناريو العراق عام 2003: أي القيام بعمل عسكري أمريكي بدون أي أساس قانوني. ولكن الاختلاف الكبير هو أن القيام برد عسكري على الجريمة الكيميائية في سورية سيُشكل رسالة قوية إلى جميع أولئك الذين ربما يفكرون بالمستقبل بالقيام بعمل مشابه. بالمحصلة، ستكون الدول الغربية مجبرة على تقديم ضمان بأن ردها ليس مقدمة لإسقاط النظام عبر تدخل عسكري خارجي، وهذا ما تخشاه روسيا جداً منذ الحرب في ليبيا.
     يبدو أن حسابات دقيقة بدأت حول عمل مفتشي الأمم المتحدة في سورية، فقد وافقت دمشق فجأة على ذهابهم إلى الغوطة. لا شك أن موسكو تقف وراء هذا القرار السوري، لأنها تنوي كسب الوقت. ثم بذل النظام السوري جهده لتدمير البراهين على الأرض منذ 21 آب.
     إن عدم القيام بأي شيء يعني السماح بالجرائم ضد الإنسانية بشكل يؤدي إلى انهيار المعايير الدولية الموجودة لمواجهة استخدام أسلحة الدمار الشامل، وسيكون الجمود رسالة موجهة بشكل غير مباشر إلى إيران وكوريا الشمالية بأنهما يستطيعان القيام بذلك.

     إن التحرك بشكل محدد ودقيق لا يعني التسرع في دخول مغامرة عسكرية غربية. ولكن بشرط استباق ما سيحصل لاحقاً. إذاً، حانت ساعة الحقيقة بالنسبة للدبلوماسية الروسية التي لا يمكن أن تسمح لنفسها بسهولة أن ترد على السفن الحربية الأمريكية. تستوجب هذه الجريمة رداً واضحاً وحازماً.