الصفحات

السبت، ٣٠ آب ٢٠١٤

(جبهة النصرة والجيش الإسرائيلي وجهاً لوجه)

صحيفة الليبراسيون 30 آب 2014 بقلم مراسلها المؤقت في إسرائيل نسيم بيهار Nissim Behar

     يستعد الجيش الإسرائيلي للقتال بعد أربعة أيام تقريباً من التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ولكن هذه المرة في هضبة الجولان التي تعود ملكيتها إلى سورية وتحتلها إسرائيل منذ عام 1967. لأن المتمردين الإسلاميين السوريين في جبهة النصرة (أحد فروع تنظيم القاعدة) استولوا على المنطقة المحاذية لخط الفصل بين بلدهم وإسرائيل، وبالتالي على نقطة العبور في القنيطرة، وذلك بعد معركة عنيفة مع جنود بشار الأسد. يُسيطر على هذه المنطقة 1200 جندي من القبعات الزرق الفيجيين والفليبينيين والإيرلنديين العاملين في قوة فصل القوات UNDOF التي شكلها مجلس الأمن عام 1974.
     إن رجال جبهة النصرة البالغ عددهم سبعة ألاف رجل هم أقل رايكالية بقليل من رجال الدولة الإسلامية، ولا يجمعهم شيء تقريباً مع المتمردين الذين يُطلق عليهم "ديموقراطيين" في الجيش السوري الحر. إنهم جهاديون بالفعل، ويؤيدون الخلافة الإسلامية، ويتمركزون حالياً بجانب "الحاجز الأمني" الذي بنته الدولة العبرية العام الماضي لمنع التوغلات الإرهابية المحتملة.
     اعتقلت جبهة النصرة ثلاثة وأربعين جندياً من فيجي في القبعات الرزق بعد انتصارها على جنود الأسد، وهي تحاصر واحد وثمانين جنديا فليبينياً آخر في القبعات الزرق في مواقعهم. ويبدو أن جنود  القبعات الزرق لا يريدون أن تُقطع رؤوسهم في نزاع لا علاقة لهم به، وقامت الحكومة الفليبينية في الشهر الماضي بإعلام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بسحب قواتها من قوات الفصل التابعة للأمم المتحدة UNDOF.
     عززت الدولة العبرية تواجدها العسكري على طول الخط الفاصل مع سورية منذ بداية الحرب الأهلية السورية تحسباً لاستيلاء الإسلاميين على هذه المنطقة، وبنت العديد من الحصون الصغيرة وجمعت قواتها وطورت تجهيزاتها للتجسس الإلكتروني. كما قامت بالاتصال مع المتمردين السوريين، وعالجت بعض جرحاهم في مستوصفاتها الميدانية وراء "الحاجز الأمني"، وأرسلت بعض الحالات الخطيرة إلى مستشفى حيفا. تنتشر الشائعات داخل الأوساط الامنية في تل أبيب حول إرسال الأسلحة إلى بعض مكونات الجيش السوري الحر، ولكن بدون وجود معلومات ملموسة تسمح بتأكيدها.
     من المؤكد أن وجود رجال تنظيم القاعدة على مسافة عدة أمتار من "الحاجز الأمني" يثير اهتمام ضباط الجيش الإسرائيلي. لهذا السبب، تم مؤخراً إرسال بعض الوحدات الخاصة التي قاتلت ضد حماس خلال عملية "الجرف الصامد" إلى هذه الجبهة.
     قال الباحث المتخصص بالمجموعات الإسلامية أوري غروس Ouri Gross: "لاشك أن جبهة النصرة وشركاءها أقل تسليحاً وتمويلاً وتنظيماً من حماس، ولكنهم أكثر عنفاً وتصميماً. يكفي أن يقرر بعضهم البدء بجهادهم ضد  اليهود، وإطلاق صاروخ مأخوذ من قاعدة لجيش الأسد على وسط إسرائيل لكي يشتعل الوضع. من الممكن دوماً التفاوض مع حماس وحزب الله بشكل غير مباشر، والتوصل إلى اتفاق بعدم الاعتداء لمدة محدودة أو غير محدودة. بالمقابل، لا يمكن التفكير بذلك إطلاقاً مع أولئك الذين يسيطرون على الجولان حالياً".  




الخميس، ٢٨ آب ٢٠١٤

(واشنطن ترفض مساعدة دمشق ضد الدولة الإسلامية)

صحيفة اللوموند 28 آب 2014 بقلم مراسلها الخاص في واشنطن جيل باريس Gilles Paris

     لم تتأخر حكومة بشار الأسد طويلاً لكي تدرك مدى الفرصة التي أتاحها توسع الدولة الإسلامية والقلق الذي يثيره الجهاديون في واشنطن من الآن فصاعداً. اقتصر رد الرئيس الأمريكي في المرحلة الأولى على مسرح العمليات العراقي. ولكن إعدام الصحفي جيمس فولي بتاريخ 18 آب، ثم النتيجة التي توصل إليها رئيس الأركان الأمريكي مارتين ديمبسي بعد ثلاثة أيام بأن الدولة الإسلامية تملك في سورية معقلاً بمنأى عن القصف الجوي الأمريكي، أظهرا محدودية التدخل الأمريكي بحده الأدنى. أصبح من الممكن الآن توسيع التدخل الأمريكي في العراق لكي يشمل مدينة آمرلي التركمانية المهددة من قبل الدولة الإسلامية.
     تجاه هذا الانخراط الأمريكي الجديد، أعربت دمشق بلسان وزير خارجيتها وليد المعلم يوم الاثنين 25 آب عن استعدادها للتعاون "في مكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقليمي والدولي". لم يعارض النظام السوري العمليات الأمريكية في سورية بشرط أن تجري بالتنسيق معه. في حال عدم التنسيق معه، فإنها ستكون "عدواناً"، وأكد وليد المعلم أن الغارة التي شنها الأمريكيون لمحاولة الإفراج عن الرهائن قبل بداية القصف الجوي الأمريكي في العراق، ما كانت ستفشل لو تم إشراك دمشق فيها.
     إنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها النظام السوري المراهنة على هذه الورقة. يكمن الاختلاف هذه المرة في الربط بينه وبين عشرات آلاف القتلى منذ عسكرة القمع خلال خريف عام 2011 تجاه التمرد السوري، الأمر الذي أدى إلى تسريع القطيعة بين البلدين. ما زالت الأصوات نادرة جداً في واشنطن للدفاع عن الحجة الأقل سوءاً، أي القائلة بأن هزيمة الدولة الإسلامية تستحق بنظرهم إعادة الاعتبار إلى بشار الأسد ولو جزئياً. قال الباحث المتخصص بالشأن السوري في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس Joshua Landis: "إن المعسكر المؤيد لإسرائيل بأكمله يعارض ذلك، لأن استئناف العلاقة مع دمشق باسم مكافحة الدولة الإسلامية سيكون الخطوة الأولى قبل استئناف العلاقة مع طهران للسبب نفسه، وذلك يهدد بخطر عدم التركيز على مسألة البرنامج النووي الإيراني". كما قال مارتين ديمبسي بتاريخ 21 آب: "إن النظام جزء من المشكلة".
     تزامنت المبادرة السورية مع الإعلان عن الضوء الأخضر الذي أعطاه الرئيس باراك أوباما بتاريخ 24 آب لتحليق طائرات التجسس والطائرات بدون طيار فوق الأراضي السورية من أجل جمع المعلومات حول مواقع الدولة الإسلامية. استبعد البيت الأبيض يوم الثلاثاء 26 آب أي تنسيق مع نظام بشار الأسد بلسان الناطق الرسمي باسمه جوش إيميست Josh Eamest، ولكن العرض السوري يؤكد وجود بعض الجوانب الخفية في الاستراتيجية الأمريكية في الوقت الحالي: أي المشاركة في صد الدولة الإسلامية من أجل تشكيل تحالف قادر على هزيمتها.
     ترفض واشنطن إظهار نفسها بوضوح في الخط الأول، وتؤكد أن الانتصار ضد الدولة الإسلامية يمكن تحقيقه عبر تحالف إقليمي بدون تحديد مكوناته. سيشمل هذا التحالف ما هو أكثر من الدول السبعة التي بدأت بتسليح القوات الكردية، وحددها وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل يوم الثلاثاء 26 آب (ألبانيا وكندا وكرواتيا والدانمارك وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا). سيرتكز هذا التحالف منطقياً على الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة: أي تركيا والأردن والسعودية. ولكن من الصعب تصور انخراط هذه الدول في مثل هذه الحملة بسبب عدم توفر الوسائل العملياتية ونظراً للأخطار السياسية لمثل هذا الانخراط.
     أخيراً، إن أي توسيع للجهود الأمريكية إلى سورية سيبقى لفترة طويلة خاضعاُ للنتائج المحققة على الأرض. تحقق النجاح الأول مع إبعاد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولكن الانحرافات الطائفية وصلت إلى مستوى كبير في العراق خلال الأشهر الماضية لدرجة أن أي تقارب بين الشيعة والسنة ما زال هدفاً طموحاً جداً. إن مثل هذا التقارب بين السنة والشيعة سيحرم الدولة الإسلامية من جزء من الأرضية التي يزدهر عليها.


(الحرب المتحركة والتفجيرات: الاستراتيجية المزدوجة للدولة الإسلامية)


     تفاجأ الجميع بالانتصارات الصاعقة للدولة الإسلامية منذ شهر حزيران، وأظهرت قدرة المجموعة الجهادية على القيام بهجوم تقليدي يهدف إلى الاستيلاء على الأراضي أو التمسك حالياً بتنفيذ طوباويتها الموغلة في القدم. سمحت المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى القوات الكردية بإيقاف هذه الحركة التوسعية منذ منتصف شهر آب. ولكن القدرات العسكرية للدولة الإسلامية تسمح لها في الوقت الحالي بحماية المناطق الواقعة تحت سيطرتها من هجوم مضاد واسع.
     برهن الجهاديون أنهم قادرون على شن هجوم بري تقليدي، وأنهم يعرفون أيضاً أسس حرب العصابات والعمل الإرهابي. تبنى الجهاديون بتاريخ 23 آب عمليات التفجير التي وقعت في أربيل، عاصمة كردستان العراق، وفي كركوك التي انتقلت السيطرة عليها إلى القوات الكردية بعد انسحاب الجيش العراقي منها في شهر حزيران. كانت هذه العمليات تذكيراً لأولئك الذين حاولوا نسيان قدرات الدولة الإسلامية. قال الضابط في القوات الكردية لمكافحة الإرهاب بولاد طالباني Polad Talabani: "تضاءلت قدرة الدولة الإسلامية كثيراً في التوسع بفعل الضربات الأمريكية، ولكننا نخشى الآن اللجوء الواسع إلى عمليات التفجير الانتحارية والسيارات المفخخة في بعض المدن التي لا يمكن مهاجمتها بشكل مباشر".
     أدت عمليات التفجير الانتحارية الثلاثة في كركوك إلى مقتل 21 شخصاً وجرح 118 آخرين، واستهدفت مباني الاستخبارات الكردية والمواقع العسكرية وسوقاً للسلاح. أدت السيارة المفخخة التي انفجرت في محيط مدينة أربيل إلى جرح أربعة أشخاص فقط، ولكن هذه العملية تؤشر من جديد على الشكوك بقدرة سلطات الحكومة الكردية المستقلة ذاتياً على الحفاظ على وضعها الخاص في المنطقة. لقد وقعت عملية تفجير انتحارية في شهر أيلول 2013، وكانت العملية الأولى خلال ست سنوات، وأدت هذه العملية إلى زعزعة عاصمة كردستان.
     تعززت الإجراءات الأمنية في أربيل وبقية المدن الكردية الكبيرة بسبب التهديد الإرهابي وقرب القوات الجهادية التي وصلت إلى مسافة ثلاثين كيلومتراً من أربيل. ولكن عمل الأجهزة الأمنية الكردية يؤجج بعض التوترات العرقية. في الحقيقة، إن هذه الإجراءات موجهة بشكل خاص ضد عشرات آلاف العرب الذين لجأوا إلى المنطقة الكردية منذ هجوم الجيش العراقي ضد منطقة الأنبار السنية في بداية العام، ومنذ تقدم الدولة الإسلامية في شمال العراق خلال الأشهر الأخيرة. إن الريبة المتزايدة تجاه هؤلاء القادمين الجدد من قبل السكان الأكراد يساهم في تسميم الأجواء أيضاً.


الأربعاء، ٢٧ آب ٢٠١٤

(الأسد المنبوذ يعود إلى الرهان)

صحيفة الليبراسيون 27 آب 2014 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     يسعى النظام السوري إلى النجاح في تحقيق خدعة استراتيجية رائعة. لم يلتزم باراك أوباما بوعوده المتعلقة بمعاقبة أي تجاوز لـ "الخط الأحمر" المتمثل باستخدام الأسلحة الكيميائية، واستمرت السلطة السورية بتطبيق الاستراتيجية التي وضعتها منذ بداية التمرد الشعبي في شهر آذار 2011، عبر المساعدة السرية للقوات الجهادية التي أصبحت اليوم الدولة الإسلامية لكي تقضي على التمرد من الداخل والاستمرار في الوقت نفسه بتقديم نفسها ضحية للجهاديين.
     أخرج وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم الاثنين 25 آب ورقة جديدة في هذا الرهان المزيف. يدرك الوزير السوري مدى القلق الأمريكي حول الوضع الإقليمي، وصرّح أن بلده مستعد للتعاون مع واشنطن ولندن من أجل القضاء على التهديد الإسلامي. أخذ الوزير علماً بأن واشنطن شنت فعلاً منذ تاريخ 8 آب أكثر من تسعين غارة جوية في شمال العراق، وأنها تنوي توسيع غاراتها إلى سورية التي تتواجه فيها الدولة الإسلامية مع بقية المجموعات المتمردة، وحتى الإسلامية منها، بالإضافة إلى القوات النظامية لبشار الأسد في الوقت نفسه. طلب الوزير السوري أن تكون أية ضربة أمريكية ضد الجهاديين في سورية بالتنسيق مع دمشق، واقترح على الأمريكيين قائلاً: "نحن نقترح تعاوناً وتنسيقاً دولياً مسبقاً للحيلولة دون أن يكون ذلك عدواناً"، كما أعرب وليد المعلم عن شكوكه تجاه فعالية الضربات الجوية لوحدها. وبدلاً عن ذلك، نصح "بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب... وتبادل المعلومات، بعكس ما يجري حالياً".
     يسعى هذا التصريح إلى إعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل تحالف جديد تكون سورية محوره. يأتي هذا التصريح غداة الانتصار الهام الذي حققته الدولة الإسلامية التي استولت على مطار الطبقة العسكري يوم الأحد 24 آب. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان المقرب من المعارضة إلى أن الدولة الإسلامية قتلت مائة وسبعين جندياً. في الوقت الحالي، يفضل القادة السوريون عدم المخاطرة. أدان وليد المعلم بالتأكيد قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي، منتقداُ في الوقت نفسه "صمت" الغرب عن المجازر التي ترتكبها الدولة الإسلامية بحق الجنود والمدنيين.
     تعتبر الولايات المتحدة أن الرهان ليس سهلاً. إن أي انخراط في سورية لا يمكن أن يظهر إلا بكونه دعماً إلى بشار الأسد. لا تجهل واشنطن الدور الهام الذي قامت به الأجهزة الأمنية السورية لصالح التمرد العراقي عندما كان الجيش الأمريكي يحتل العراق، وتسبب ذلك بمقتل عشرات الجنود الأمريكيين. بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي ذلك إلى تعزيز قوة السلطة العلوية، الأمر الذي سيُغضب السنة بشكل أكبر في الوقت الذي يتجابه فيه السنة والشيعة. هذا هو السبب في وجود بعض الحذر بانتظار قرار باراك أوباما، وقيام طائرات التجسس والطائرات بدون طيار الأمريكية بالتحليق فوق سورية تمهيداً لاحتمال توجيه ضربات جوية.

     لم ينتصر بشار الأسد حتى الآن. ولكنه بدأ بالظهور بأعين بعض الدول، وحتى الأوروبية منها، بأنه أقل الشرور عن طريق تقديم التمرد بأكمله سواء كان إسلامياً أم غير إسلامي كـ "إرهابيين" و"جهاديين". إنه يريد أن يُنظر إليه كحل للمشكلة في حين أنه جزء من السبب.

(واشنطن تستعد لقصف الجهاديين في سورية)

صحيفة الفيغارو 27 آب 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     قرر الرئيس الأمريكي الاستعداد لقصف أحد الأعداء الرئيسيين لبشار الأسد في سورية: أي الدولة الإسلامية. بدأت المرحلة الأولى، قبل القصف بالطائرات القاذفة، عبر تحليق طائرات التجسس والطائرات بدون طيار فوق سورية بهدف تحديد مواقع جهاديي الدولة الإسلامية. قام الأمريكيون بحوالي مائة هجوم جوي في شمال العراق منذ تاريخ 8 آب، وهم يعرفون أنه يجب تجاوز الحدود لكي يأملوا بحل هذه المشكلة التي تهدد ليس المنطقة فحسب بل الولايات المتحدة وأوروبا. هذا ما أكده بن رودس، مستشار الرئيس الأمريكي، عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة ستقوم بما هو ضروري لعرقلة تقدم الدولة الإسلامية "دون أن تكون ملتزمة بالحدود".
     هل ستؤدي هذه النبرة الجديدة منذ اغتيال الصحفي الأمريكي جيمس فولي إلى ظهور تحالفات جديدة؟ هذا ما تعلن عنه دمشق وتأمله. شن النظام السوري عدة غارات عسكرية ضد قواعد الدولة الإسلامية، ويقول أنه مستعد للتعاون مع المجتمع الدولي وحتى مع واشنطن ضد الجهاديين. يعتبر النظام أن دمشق أصبحت "مركز التحالف الدولي لمكافحة الدولة الإسلامية"، ويقترح "التنسيق" مع المجتمع الدولي لـ "مكافحة الإرهاب". ولكن النظام حذر من أن القيام بأي عمل عسكري على أراضيه بدون "التعاون" معه سيتم اعتباره كـ "عدوان".
     إن هذه المعطيات الجديدة تربك الولايات المتحدة والعواصم الغربية والعربية التي تطالب منذ البداية برحيل بشار الأسد، حتى ولو كانت واشنطن تنوي الاستغناء عن موافقة دمشق قبل مهاجمة الدولة الإسلامية. تحاول دمشق العودة عنوة إلى المجتمع الدولي عبر طرح نفسها حامية للمسيحيين وبقية الأقليات المضطهدة من قبل الدولة الإسلامية، ومضاعفة جهودها العسكرية ضد الدولة الإسلامية بعد أن تساهلت معها لفترة طويلة. إن الضربات الأمريكية ضد الدولة الإسلامية ستساعد النظام عملياً على البقاء أو حتى على تعزيز قوته.
     لكن الولايات المتحدة تُحذر من أنه لا يجب الخلط بين المصالح الحالية والصداقة، واستبعدت يوم الثلاثاء 26 آب أي تنسيق مع النظام. قالت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية جينيفر باسكي Jennifer Paski: "نحن لا نعتبر أننا نقف في جانب واحد لمجرد أنه هناك عدو واحد".


الحكومة الفرنسية الجديدة

     قام رئيس الجمهورية الفرنسية فرانسوا هولاند، بناء على اقتراح رئيس الوزراء مانويل فالس، بتعيين أعضاء الحكومة الفرنسية الجديدة يوم الثلاثاء 26 آب، فيما يلي أعضاء الحكومة الجديدة:
ـ لوران فابيوس، وزير الخارجية والتنمية الدولية
ـ سيغولين رويال، وزيرة البيئة والتنمية المستدامة والطاقة
ـ نجاة فالو بلقاسم، وزيرة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي (بدلاً من السيد بينوا هامون)
ـ كريستيان توبيرا، وزيرة العدل
ـ ميشيل سابان، وزير المالية والحسابات العامة
ـ جان إيف لودريان، وزير الدفاع
ـ ماريزول تورين، وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحة وحقوق المرأة
ـ فرانسوا ريبسامين، وزير العمل والاستخدام والتأهيل المهني والحوار الاجتماعي
ـ برنار كازنوف، وزير الداخلية
ـ ستيفان لوفول، وزير الزراعة والصناعات الغذائية والغابات
ـ إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي (كان المستشار الاقتصادي لفرانسوا هولاند في قصر الإليزيه حتى شهر نيسان 2014)، بدلاً عن أرنو مونتبورغ
ـ سيلفيا بينيل، وزيرة السكن والمساواة بين الأراضي والريف
ـ ماريليز لوبرانشو، وزيرة اللامركزية والعمل الحكومي
ـ فلور بيلران، وزيرة الثقافة والإعلام (بدلاً من أوريلي فيليبيتي)
ـ باتريك كانير، وزير المدينة والشباب والرياضة (بدلاً من نجاة فالو بلقاسم)
ـ جورج بوـ لانجوفان، وزيرة ما وراء البحار
ـ جان ماري لوغوين، سكرتير دولة لدى رئيس الحكومة، مكلف بالعلاقات مع البرلمان
ـ تييري موندون، سكرتير دولة لدى رئيس الحكومة، مكلف بإصلاح الدولة وتبسيط الإجراءات الحكومية
ـ هارلم ديزير، سكرتير دولة لدى وزير الخارجية والتنمية الدولية، مكلف بالشؤون الأوروبية
ـ  أنيك جيراردان، سكرتيرة دولة لدى وزير الخارجية والتنمية الدولية، مكلفة بتطوير الفرانكوفونية
ـ توما تيفنو، سكرتير دولة لدى وزير الخارجية والتنمية الدولية، مكلف بالتجارة الدولية وتشجيع السياحة والفرنسيين في الخارج (بدلاً من فلور بيلران)
ـ آلان فيداليس، سكرتير دولة لدى وزيرة البيئة والتنمية المستدامة والطاقة، مكلف بالنقل والبحر والصيد (بدلاً من فريدريك كوفيلييه)
ـ جينفييف فيوراسو، سكرتيرة دولة لدى وزيرة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، مكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي
ـ كريستيان إيكير، سكرتير دولة لدى وزير المالية والحسابات العامة، مكلف بالموازنة
ـ قادر عريف، سكرتير دولة لدى وزير الدفاع، مكلف بالمحاربين القدماء
ـ لورانس روسينيول، سكرتيرة دولة لدى وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحة وحقوق المرأة، مكلفة بالعجزة والاعتماد على الذات
ـ سيغولين نوفيل، سكرتيرة دولة لدى وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحة وحقوق المرأة، مكلفة بالمعاقين ومكافحة النبذ من المجتمع
ـ باسكال بواستار، سكرتيرة دولة لدى وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحة وحقوق المرأة، مكلفة بحقوق المرأة
ـ كارول دولغا، سكرتيرة دولة لدى وزير الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي، مكلفة بالتجارة والصناعات الحرفية والاستهلاك والاقتصاد الاجتماعي والتضامني
ـ أكسيل لومير، سكرتيرة دولة لدى وزير الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي، مكلفة بالاقتصاد الرقمي
ـ أندريه فاليني، سكرتير دولة لدى وزيرة اللامركزية والعمل الحكومي، مكلف بإصلاح التقسيمات الإدارية للأراضي
ـ مريم الخمري، سكرتيرة دولة لدى وزير المدينة والشباب والرياضة، مكلفة بسياسة المدينة
ـ تييري برايار، سكرتير دولة لدى وزير البيئة والشباب والرياضة، مكلف بالرياضة

     يأتي تشكيل الحكومة الجديدة بعد خمسة أشهر فقط من تشكيل حكومة مانويل فالس الأولى غداة هزيمة الحزب الاشتراكي في الانتخابات البلدية، وتضم ستة عشرة وزيراً وستة عشر سكرتير دولة. لم تضم الحكومة الجديدة أي عضو في حزب الخضر أو الحزب الشيوعي، واقتصرت على الحزب الاشتراكي والحزب الرايكالي اليساري.
     من الممكن أن تتوتر العلاقات داخل الحزب الاشتراكي إذا تمسكت الحكومة بسياستها الاقتصادية دون أن تترك أي هامش للنقاش داخل نواب الحزب الاشتراكي في البرلمان. تمكنت الحكومة حتى الآن من الحفاظ على أغلبية داخل البرلمان سواء أثناء التصويت على بيان العمل الأساسي للحكومة حول برنامج الاستقرار المالي في 29 نيسان أو التصويت على مشروع قانون الموازنة في شهر تموز، على الرغم من امتناع 41 نائباً اشتراكياً عن التصويت.
     ربما لن تتمكن الحكومة من الحصول على الأغلبية في البرلمان للتصويت على قانون الموازنة في الخريف القادم في حال تمسك جميع الأطراف داخل الأغلبية الحكومية بمواقفها، ولاسيما بعد انتقاد 41 نائباً اشتراكياً للسياسية الاقتصادية لفرانسوا هولاند. في هذه الحالة، ستكون الحكومة مضطرة إلى تبني قراراتها بدون اللجوء إلى التصويت داخل البرلمان بموجب المادة رقم 49 ـ 3 من الدستور الفرنسي التي تسمح لرئيس الحكومة بإصدار القوانين على مسؤوليته. إن ذلك لن يمنع الحكومة من الاستمرار بعملها حتى لو انتقلت الأغلبية في مجلس الشيوخ الفرنسي من اليسار إلى اليمين كما هو متوقع في 28 أيلول القادم.
     يتوقع أغلب المحللين أن السياسة الاقتصادية للحكومة الجديدة لن تنجح في مواجهة المشاكل الاقتصادية التي تواجهها فرنسا حول البطالة وعجز الموازنة وتراجع معدل النمو، الأمر الذي سيفسح الباب واسعاً أمام حزب الجبهة الوطنية للوصول إلى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2017. أما أكثر المتشائمين من الحكومة الجديدة، فيعتقدون أنها لن تستمر أكثر من شهرين ونصف، وسيكون فرانسوا هولاند مجبراً على حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة مبكرة.


الثلاثاء، ٢٦ آب ٢٠١٤

(محافظة الرقة السورية تحت سيطرة الدولة الإسلامية)

صحيفة اللوموند 26 آب 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     اضطرت قوات الدولة الإسلامية إلى التراجع في شمال العراق تحت ضغط الهجوم المضاد المزدوج من قبل المقاتلين الأكراد والقصف الأمريكي. ولكن الدولة الإسلامية تتقدم في سورية، واستولت على مطار الطبقة العسكري يوم الأحد 24 آب. أصبح الجهاديون يسيطرون بشكل كامل على هذه المنطقة الحدودية مع تركيا والغنية بالنفط باستثناء بعض القرى التي ما زالت بأيدي الأكراد.
     سقط مطار الطبقة بعد سلسلة من الهجمات الدامية، وقُتِلَ 346 مقاتلاً على الأقل من الدولة الإسلامية  وأكثر من 170 عنصراً في القوات الحكومية في هذه المعارك منذ يوم الثلاثاء 19 آب. اعترف النظام السوري بهزيمته عندما أعلن أن جنوده يتجمعون خارج المطار، وذلك بعد أن حاول صد المهاجمين عبر القصف الجوي بدون جدوى. ارتكبت الدولة الإسلامية أعمالاً بربرية بعد الإعلان عن الانتصار الجديد للجهاديين، وقامت بقطع رؤوس العديد من الضباط السوريين في الرقة، وعرضت رؤوسهم في مركز المدينة.
     سمح استيلاء الدولة الإسلامية على مطار الطبقة بحصولها على غنيمة كبيرة غير مسبوقة تتألف من بعض المدافع والطائرات المقاتلة والمروحية. إن وجود مثل هذه الأسلحة بأيدي الرجال المتحمسين لدى البغدادي يهدد بدمار واسع إذا لم تتضرر هذه الأسلحة خلال المعارك وإذا استطاعت الدولة الإسلامية امتلاك الخبرة الضرورية لاستخدامها ولاسيما العثور على طيارين.
     إن الأهداف الأولى للجهاديين يمكن أن تكون المتمردين ضد الأسد الذين يتحصنون في شرق حلب استعداداً لمعركة وجودية مع الجهاديين. يستطيع الجهاديون أيضاً مع قوة نيرانهم الجديدة أن يتقدموا باتجاه محافظة حماة وجنوب حلب التي يملكون فيها بعض المواقع.

     إن فقدان مطار الطبقة يمكن أن يحث النظام السوري على تغيير موقفه تجاه الدولة الإسلامية. كانت قوات النظام تميل حتى الآن إلى عدم التعرض للجهاديين على أمل أن تؤدي وحشيتهم إلى نزع المصداقية عن التمرد ضد الأسد. بدأت هذه الحسابات تنقلب ضد النظام.

(فرانسوا هولاند يؤذي "المجال المحصور" به للسياسة الخارجية)

صحيفة اللوموند 24 ـ 25 آب 2014 بقلم النائب عن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي بيير لولوش Pierre Lellouche

     إن الجزء المتعلق بالسياسة الدولية من المقابلة  التي أجراها رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند مع صحيفة اللوموند بتاريخ 21 آب ليس فقط "يبعث على الاستغراب" بل كان "كاذباً" أيضاً في بعض جوانبه كما وصفه بحق رئيس الوزراء  السابق فرانسوا فيون. إن هذا الجزء ببساطة يبعث على الغم بالنسبة لأولئك الذين يتذكرون إرث الجنرال ديغول (أو حتى إرث فرانسوا ميتران). إنه أمر مقلق جداً لمن يعرف خطورة الوضع الدولي، كما لو أن هذا التعامل الطائش مع الشؤون الدولية يهدف إلى إخفاء ضعف فرنسا وتراجع مرتبتها.
     إنه إنكار للحقيقة أولاً فيما يتعلق بأوروبا. كان فرانسوا هولاند قد ركّز حملته الانتخابية على موضوع "إعادة التفاوض حول المعاهدات الأوروبية" و"إعادة توجيه" السياسات الأوروبية والحرب ضد التقشف، ولكنه أصبح مجبراً اليوم على استجداء ألمانيا "وتيرة تتلاءم مع  الوضع الاستثنائي الذي تعيشه فرنسا من أجل تخفيف عجز الموازنة الفرنسية".
     فيما يتعلق بأوكرانيا، لم تقم فرنسا منذ البداية إلا بدور من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة، وانتظرت ثلاثة أشهر قبل إرسال وزير خارجيتها إلى ساحة ميدان في كييف.
     فيما يتعلق بالشرق الأوسط الذي يشهد زلزالاً جغراسياسياً حقيقياً منذ الثورات العربية، وتأثر بضعف دور "القوى العظمى" وبروز القوى الإقليمية غير العربية (تركيا وإيران) وانفجار الإرهاب الجهادي، فإن الخروج من الأزمة ليس مؤكداً، وليس هناك دور محدد ومفيد لفرنسا. هذا هو سبب الدعم الذي قدمة ثلاثة رؤساء سابقون للحكومة الفرنسية ـ فرانسوا فيون وجان بيير رافاران وآلان جوبيه ـ في صحيفة اللوموند بتاريخ 14 آب إلى فكرة تسليح المقاتلين الأكراد وتنظيم مؤتمر دولي يضم الدول الكبرى في المنطقة من أجل الوقوف في وجه تهديد الدولة الإسلامية.
     هناك أيضاً المبادرات الفرنسية المتأخرة: يعود تاريخ استيلاء متطرفي الدولة الإسلامية على الموصل وارتكابهم للمجازر ضد الأقليات المسيحية إلى شهر حزيران. لم يُتخذ قرار تقديم المساعدة إلى الأكراد إلا بعد القرار الأمريكي باستخدام السلاح الجوي ضد الجهاديين، ولم تظهر أية مبادرة من الجانب الفرنسي من أجل فرض قمة طارئة على قادة الاتحاد الأوروبي حول الأزمة العراقية. النتيجة هي أن فرنسا تكتفي هنا أيضاً بتقليد الولايات المتحدة مرة أخرى وسياستها المتهورة في المنطقة. هل يجب التذكير بأن فرنسا كانت تتمنى مع الأمريكيين قبل عام قصف جيش بشار الأسد المدعوم من إيران لصالح الميليشيات السنية التي يتم اعتبارها اليوم العدو الأول ويقصفها الأمريكيون بدعم ضمني من إيران. في السياق نفسه، علمنا في المقابلة التي أجراها فرانسوا هولاند مع صحيفة اللوموند بأنه أرسل أسلحة إلى المقاومة السورية بدون أن يقول ذلك إلى أي شخص ولا حتى إلى البرلمان والفرنسيين. من هي هذه المقاومة، وما هي هذه الأسلحة، وما هي النتائج؟ إنه سر خفي.
     وصل عدم انسجام فرانسوا هولاند إلى ذروته في حديثه حول الحربين الأفريقيتين للرئيس في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. قارن فرانسوا هولاند الحرب الأولى بالحرب ضد الدولة الإسلامية في العراق، وهذا أمر مُرعب بالنسبة للذين يعرفون الوضع في مالي. ما هو القاسم المشترك بين مطالب الحكم الذاتي للطوارق والنزاع  الديني بين السنة والشيعة في العراق؟ كيف يمكن الادعاء، كما يقول فرانسوا هولاند، بأنه انتصر في "حربه" في مالي، بينما انهزم نيكولا ساركوزي في "حربه" في ليبيا؟ هل سينصح الرئيس بإرسال قوات إلى طرابلس أو بنغازي؟ وماذا عن المستنقع في جمهورية أفريقيا الوسطى الذي أغرق به فرنسوا هولاند فرنسا دون أي دعم وأي آفاق للتسوية؟ إن هذا التهور العسكري الذي يتبناه رئيس الجمهورية باسم "مكافحة الإرهاب واحترام القانون الدولي"، جعلنا أخر دولة تُطبق ذلك. يُفضل البعض الآخر استخدام الطائرات بدون طيار والأسلحة الجوية والقوات الخاصة... أو عدم التدخل إطلاقاً.
     يتبنى فرانسوا هولاند كل ذلك، ويدعي أنه حافظ على الإمكانيات العسكرية من أجل القيام به. ولكن الموازنة العسكرية انخفضت كثيراً خلال السنتين الماضيتين أكثر من أي وقت مضى. يكفي الذهاب ومشاهدة قواتنا في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى لكي نقدر مدى إفقار جيوشنا. تكمن هنا الكذبة الأكثر خطورة. لا، لم "يحافظ رئيس الجمهورية على اعتمادات الموازنة العسكرية" التي تميل نحو الانخفاض بالأصل. إن التدخلات العسكرية في أفريقيا ليست ممولة، و"الموارد الاستثنائية" ليست كافية، والتعديلات على قانون الموازنة التي تم التصويت عليها قبل فصل الصيف اقتطعت نصف مليار يورو من اعتمادات التجهيزات العسكرية لقواتنا.


الاثنين، ٢٥ آب ٢٠١٤

(بارك أوباما يبحث عن إستراتيجية لمواجهة التهديد الجهادي)

صحيفة اللوموند 24 ـ 25 آب 2014 بقلم مراسلها الخاص في واشنطن جيل باريس Gilles Paris

     طوّر باراك أوباما خلال أحاديثه السابقة فكرة الدور الأمريكي المتعلقة بمحاولات تسوية الأزمات العالمية والفائدة من تعبئة عدة "أدوات" بدلاً من الاقتصار على القوة العسكرية فقط. ذهب رئيس أركان الجيش الأمريكي مارتين ديمبسي Martin Dempsey في هذا الاتجاه يوم الخميس 21 آب عندما أشار إلى أن هزيمة الدولة الإسلامية لا يمكن التفكير بها بدون تشكيل "تحالف واسع للقيام بهذه المهمة"، وأضاف قائلاً: "لن يمكن إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية إلا عندما يرفضها عشرون مليون سني محرومين من حقوقهم بين دمشق وبغداد".
     ما هي الحدود الممكنة لهذا التحالف؟ هل يمكن أن يضم هذا التحالف بشار الأسد الذي قطعت واشنطن علاقاتها معه منذ ثلاث سنوات، والذي تحارب قواته ضد الدولة الإسلامية وضد بقية مكونات التمرد؟ استبعد المسؤولون في البنتاغون هذا الاحتمال يوم الخميس 21 آب، واعتبروا أن الرئيس السوري "هو جزء من المشكلة" أكثر من كونه عنصراً في الحل. ولكن الولايات المتحدة ليست لديها رؤية واضحة للأوراق المتاحة في هذا الجانب من الحدود التي أزالتها الدولة الإسلامية. تشك واشنطن بفعالية المعارضة المسلحة السورية غير الجهادية. إنه الخوف من الفراغ السياسي الذي غذى تحفظات مارتين ديمبسي عندما برزت احتمالات الضربات الجوية الأمريكية ضد دمشق بعد استخدام الأسلحة الكيميائية في شهر آب 2013.


(الأسد يريد استخدام مكافحة الدولة الإسلامية لاستعادة الحظوة)

صحيفة اللوموند 24 ـ 25 آب 2014 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     استفاق النظام السوري في الوقت المناسب منذ عدة أسابيع، وشن حملة من القصف الجوي ضد مواقع الدولة الإسلامية في معقلها بالرقة، وذلك بعد أن تجاهل التهديد الذي تمثله هذه المجموعة الجهادية منذ أكثر من عام. قامت طائرات بشار الأسد بغارات مكثفة ضد مواقع الدولة الإسلامية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي (16 و17 آب)، وذلك في الوقت نفسه الذي كانت فيه الطائرات الأمريكية تقصف مواقع الدولة الإسلامية بالقرب من الموصل لتحرير سد الموصل لإنتاج الكهرباء من أيدي المتطرفين. إنها محاكاة غربية على طرفي الحدود من قبل طرفين يكرهان بعضهما البعض عادة.
     كان النظام يركز هجماته منذ بداية التمرد السوري في شهر آذار 2011 على الأحياء المدنية المؤيدة للتمرد وعلى المجموعات المسلحة للمعارضة الليبرالية أو الإسلامية، ولكنه لم يهاجم أبداً الدولة الإسلامية التي ظهرت إلى العلن في سورية في بداية عام 2013. كما لو أنه كان يريد السماح بازدهار هذه المجموعة التي يعرف إمكانيتها في إلحاق الضرر بنظر الرأي العام الغربي وكذلك إلحاق الضرر بالسكان والمتمردين في المناطق الخاضعة لها. إن المتمردين الذين قتلتهم وسجنتهم داعش في سورية يعادل عدد الذين قتلهم النظام تقريباً منذ شهر كانون الثاني، وذلك لدرجة توجيه الاتهام إلى هذه المجموعة بأنها مخلوق متوحش خلقه النظام.
     كان بشار الأسد يقول في بداية التمرد أنه يواجه تهديدا أصوليا قادما من الخارج، عندما كانت المظاهرات ما زالت سلمية وغير طائفية. الآن وبعد أن قام المتطرفين بعملهم، وأكدوا اتهاماته الخادعة، فإن الدكتاتور السوري ينوي الاستفادة من الصدمات التي أثارتها أعمال الترهيب من قبل الدولة الإسلامية لكي يعود من جديد إلى المجتمع الدولي الذي عامله كشخص منبوذ منذ عام 2011 باستثناء إيران وروسيا والصين.
     يعرف بشار الأسد أيضاً مثلما يعرف وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل أن المعركة "الشاملة" التي بدأتها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية لا يمكن أن تتوقف على حدود العراق. تمكنت هذه المجموعة من التوسع وتعزيز قوتها عبر استخدام المناطق السورية التي تسيطر عليها في محافظات حلب واللاذقية والرقة ودير الزور كملجأ ومصدر للأرباح وحضن للتجنيد. تشير التقديرات التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة 22 آب إلى وجود اثني عشر ألف جهادي أجنبي في سورية جاؤوا من خمسين بلداً.
     لكن التدخل في سورية التي لم تُغامر أية دولة غربية في التدخل فيها، حتى في شهر آب عام 2013 عندما تجاوز نظام الأسد "الخط الأحمر" باستخدامه الأسلحة الكيميائية بشكل واسع، يمر عبر موافقة دمشق وعرابيها الدوليين الأقوياء الذين يمسكون بالدول الغربية عن طريق التدخل في أوكرانيا (كما هو الحال بالنسبة لروسيا) أو عن طريق استخدام الابتزاز بانتشار السلاح النووي (بالنسبة لإيران).
     يحظى بشار الأسد بدعم لا يمكن إهماله داخل الرأي العام الغربي اليميني واليساري وداخل الأوساط المسيحية، وذلك مع خطابه العلماني الخادع وإدعائه بالدفاع عن الأقليات الدينية. ولكن حصول تغيير مفاجئ في الدبلوماسية الغربية ما زال مستبعداً. ما زالت الولايات المتحدة تطالب ـ بدون إقناع ـ برحيله بعد مقتل مئة وتسعين ألف شخص وفقاً للتقديرات التي أعلنتها المفوضية العليا لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة يوم الجمعة 22 آب (تضاعف هذا العدد مرتين بالمقارنة مع العدد قبل عام). في لندن، استبعد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أي تحالف مع النظام السوري باسم مكافحة الدولة الإسلامية، وأشار إلى أن هذا التحالف لن يكون "عملياً" ولا "حكيماً" ولا "نافعاً". بالنسبة لباريس، ما زال الرئيس فرانسوا هولاند مقتنعاً بأن خلاص سورية يمر عبر مساعدة المعارضة المعتدلة.


(لا يمكن الاقتصار على منح الشعوب الخيار بين الاستبداد والإرهاب)

صحيفة الفيغارو 25 آب 2014 ـ مقابلة مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ـ أجرت المقابلة إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre (السؤال المتعلق بسورية)

سؤال: كانت عملية الاغتيال البشعة للصحفي الأمريكي جيمس فولي من قبل الجهاديين تذكيراً بأنه لا يمكن حل المسألة العراقية بدون معالجة المشكلة السورية بشكل موازي. ألا يجب أن يكون هناك حل شامل للمشكلة؟
لوران فابيوس: بالتأكيد، من الصعب التحرك بفعالية في العراق إذا لم نطرح الأسئلة حول الوضع في سورية. في الوقت نفسه، نحن نحترم القانون الدولي، ولا نريد الوقوع في الفخ الذي نصبه لنا الجهاديون. إن الفائدة من النقاشات السابقة محدودة، ولكن نظراً لأن البعض في فرنسا ينتقدنا لعدم التحرك بشكل مبكر في سورية، أذكّر أنه عندما انعقد مؤتمر جنيف الأول، لم يكن هناك حزب الله ولا إرهابيين في سورية، وأننا دعمنا المعارضة المعتدلة بشكل فعال منذ البداية، وأن الجميع لم يتحرك بهذا الشكل كما قالت هيلاري كلينتون في مذكراتها.

     بعد مرور ستة أشهر، تمركز الإرهابيون في سورية! ملاحظة جانبية مع قضية الأسلحة الكيميائية في شهر آب 2013: كنا مستعدون للتحرك، ولم يحصل التدخل. لن نقوم بإعادة صنع التاريخ، ولكن قناعتنا هي أنه لا يمكن الاقتصار على منح الشعوب الخيار بين الاستبداد بل الدكتاتورية والإرهاب. كان موقفنا صائباً بدعم المعارضين المعتدلين الذين لديهم رؤية شاملة ضد الإرهابيين وضد بشار. إنهم مطاردون حالياً من الجانبين. يجب ألا ننسى أيضاً أن بشار الأسد ساهم كثيراً في انتشار الإرهابيين ولاسيما عبر إطلاق سراحهم من سجنونه.    

الأحد، ٢٤ آب ٢٠١٤

(فرنسا تعتبر النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ثانوياً)

صحيفة الليبراسيون 22 آب 2014 بقلم السفير الفرنسي السابق إيف أوبان دولاميسوزيير Yves Aubin De La Messuzière

      تعتبر السياسة الخارجية الفرنسية الحالية أن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني قضية ثانوية منذ الاضطرابات في العالم العربي. أشار بعض المحللين إلى أنه يجب معالجة هذا النزاع كنزاع ذي حدّة منخفضة. تحدث فرانسوا هولاند في أول كلمة له في مؤتمر السفراء في شهر آب 2012 عن هذا النزاع عبر جملة مقتضبة تطرقت إلى أمن إسرائيل وحق الفلسطينيين في تقرير المصير بدون أية كلمة عن الدولة الفلسطينية. إنها عودة إلى لغة التصريحات الأوروبية في فينيسيا عام 1980 قبل اثنين وثلاثين عاماً!
      ماذا ننتظر من فرنسا التي وصفها لوران فابيوس بأنها قوة سلام؟ أولاً، يجب إسماع صوتها حول المأساة الحالية في غزة، وأن تقول الحق بشكل واضح بدون السعي إلى التوازن بأي ثمن في نزاع غير متوازن. نود سماعها تدعو إلى رفع الحصار الذي كنا نُدينه سابقاً، وإلى دعوة الأطراف المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة حول حماية الشعوب المحتلة. إن امتناع فرنسا عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة على قرار بالتحقيق حول احتمال ارتكاب جرائم حرب من قبل إسرائيل وحماس، هو أمر لا يمكن فهمه.
      يجب على دبلوماسيتنا أن تبدأ حواراً سرياً وحازماً مع حماس من أجل تعزيز جناحها المعتدل. هناك تناقض بين الامتناع عن أي اتصال مع أحد أطراف النزاع، وأن نتوجه بالحديث له عبر الوسيط القطري الذي لا يمكن الوثوق به كثيراً، وهي وساطة تُزعج المصريين أيضاً. إن حماس عام 2014 ليست حماس التي قابلتها عام 2008 بناء على طلب برنار كوشنير، ولم يعد قادتها يدعون إلى تدمير إسرائيل، ويتحدثون عن فلسطين بحدود عام 1967.
      يجب أن تمتلك فرنسا رؤيتها الخاصة لحل شامل للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بدون فصل مسألة غزة عن الضفة الغربية. لا يعني ذلك الانخراط في دبلوماسية بهلوانية، بل يعني طرح المبادئ الكبيرة والتذكير بأسس عملية السلام: أي قرارات الأمم المتحدة ولاسيما القرار رقم 242 باعتباره القاعدة الأساسية لقرارات مجلس الأمن الداعية للسلام مقابل الأراضي المحتلة عام 1967.
     الأولوية هي التحرك داخل الاتحاد الأوروبي بدون السعي إلى توافق يصعب تحقيقه مع ثماني وعشرين دولة. الأمر الأساسي هو خلق ديناميكية جديدة من خلال تبادل وجهات نظرنا في المرحلة الأولى مع شركائنا الأوروبيين الرئيسيين: أي ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا. إن الرهان هو تغيير المنهج واختيار وسائل جديدة للمفاوضات. وصلت جولات المفاوضات الثنائية تحت رعاية واشنطن إلى مآزق. أظهرت اللجنة الرباعية عدم فائدتها مع طوني بلير المهتم كثيراً بتنمية أعماله التجارية.
     إن احتمال السلام المفروض الذي دعا إليه لوران فابيوس سيمر بالضرورة عبر مؤتمر دولي يضم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بالإضافة إلى العديد من القوى الإقليمية بحضور الطرفين. إن معايير الحل الشامل معروفة، وهي قريبة من معايير كامب ديفيد واتفاق طابا (2000 ـ 2001). ستكون الولايات المتحدة وأوروبا قادرتين معاً على إجبار نتنياهو. في الحقيقة، أصبح موقف إسرائيل ضعيفاً خلال الأشهر الأخيرة، وتأثر بالعلاقة المتوترة مع واشنطن، وتظهر بعض المؤشرات على التوتر مع الاتحاد الأوروبي بسبب مسألة الاستيطان. إن صداقتنا مع إسرائيل التي أكدها فرانسوا هولاند بقوة خلال زيارته الأخيرة يجب أن تسمح لنا بالحديث بلغة صريحة من أجل الإشارة إلى مخاطر تزايد عزلة الدولة العبرية وتعرضها إلى حملات المقاطعة والظهور كدولة تمييز عنصري، ولم يعد هذا المصطلح محرماً حتى في الولايات المتحدة.

     إن تعبئة الدبلوماسية الفرنسية لصالح الأقليات المهددة بالإبادة في العراق يجب ألا تمنعنا عن محاولة فتح أفق  الحل حول المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية "أم النزاعات" في المنطقة. ربما سيكون مؤتمر السفراء الذي سينعقد يوم الاثنين 25 آب فرصة لرئيس الجمهورية لإعطاء رؤيته للسلام في الشرق الأوسط. ومن المفترض أن تسنح الفرصة أيضاً خلال الاجتماع القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ستُطرح فيه مرة أخرى مسألة قبول فلسطين كعضو كامل العضوية.

(لنأخذ علماً بالتقسيم الحتمي للعراق وولادة الدولة الكردية)

صحيفة اللوموند 23 آب 2014 بقلم الباحث في المركز الوطني للدراسات العلمية  CNRS بيير جان لويزارد Pierre-Jean Luizard

     يندفع كردستان العراق منذ عام 1991 نحو الاستقلال الذي أعطاه الاحتلال الأمريكي عام 2003 طابعاً لا عودة عنه. تملك المحافظات الكردية الثلاثة في إقليم كردستان دولتها الخاصة بها، ولم يعد ينقصها إلا الاعتراف الإقليمي والدولي. ليس مسموحاً للجيش العراقي بدخول الأرض الكردية، ولم تعد السلطات الكردية بحاجة إلى موافقة بغداد لإبرام العقود النفطية مع الشركات الأجنبية.
     سيُقال بالتأكيد ألم يدعو رئيس الوزراء الشيعي الجديد من بغداد القوات الكردية للمساعدة في مواجهة الدولة الإسلامية؟ يُلاحظ جيداً هنا حالة التفكك داخل مؤسسة في مرحلة الانهيار. هل ستكون القوات الكردية مستعدة لإعادة الأراضي التي استولت عليها الدولة الإسلامية إلى الحكومة العراقية، هذه الأراضي الغنية بالنفط وتدخل ضمن "الأراضي المتنازع عليها" بين بغداد وأربيل؟
     إنه رهان بين ثلاثة أطراف من الآن فصاعداً، ويراهن كل طرف على تقسيم خاص به على أساس طائفي. أخذت القوى الغربية علماً بذلك بشكل جزئي: هل طلبت هذه القوى إذن الحكومة "المركزية" في بغداد من أجل تسليح جيش كردي ليس وطنياً إطلاقاً؟ فيما يتعلق بالأكراد، هل هم الحصن في مواجهة  الجهاديين كما نحب وصفهم؟ إن التقدم الخاطف للدولة الإسلامية خلال شهر حزيران لم يكن ممكناً إلا بفضل الصفقة المبرمة مع القادة الأكراد. إنها صفقة لتقاسم الأراضي بين الأكراد والدولة الإسلامية بعد هزيمة الجيش العراقي: تأخذ الدولة الإسلامية الموصل وسهولها، ويأخذ الأكراد كركوك والأراضي المتنازع عليها. لم يمكن مصير المسيحيين مهماً جداً بالنسبة للقادة الأكراد المشغولين جداً بكردستان الكبرى.
      الهدف بالنسبة للدولة الإسلامية هو بغداد لكي تحتل مقر الخلافة العباسية وتنتقم من الشيعة الذين انتصروا في الحرب الطائفية بين عامي 2005 ـ 2008. بدأت إستراتيجية حصار العاصمة، وأصبحت الأحياء السنية في بغداد تُعتبر كطابور خامس للدولة الإسلامية. كان من المفترض أن تسمح الصفقة مع الأكراد أن يستولي الجهاديون على محافظة ديالا، وبالتالي تصبح بغداد بين فكي الكماشة. ولكنهم اصطدموا بحائط الميليشيات الشيعية المدعومة بالجيش العراقي، وتمكنت هذه الميليشيات من إيقاف هجوم الجهاديين بعد منتصف شهر حزيران. قام الجهاديون بتحميل الأكراد مسؤولية هذه الهزيمة الأولى.
     ما زالت الدولة الإسلامية جماعة صغيرة تكمن قوتها في ضعف خصومها الغارقين في تناقضات لا يمكن حلها. في الحقيقة، إنها الوحيدة التي أكدت علنا موت الدولة العراقية، في الوقت الذي تتعلق فيه بقية الأطراف بوهم الدولة العراقية. إن نوري المالكي ليس إلا ممثلاً عن النظام السياسي الذي تركه الأمريكيون وراءهم، وهو نظام غير قابل للحياة. يتصرف كل طرف في هذا النظام على أسس طائفية وعرقية وليس على أسس وطنية. اعتمد الأمريكيون على المستبعدين من النظام السابق، الشيعة والأكراد، لكي يحكموا معاً. إن المستبعدين منذ عام 2003 هم السنة العرب (22 % من سكان العراق)، وأصبح السنة يعانون بدورهم من المصير الذي عانى منه سابقاً الشيعة والأكراد، ولكن بقسوة أقل. يميل السنة العراقيون دوماً، بخلاف الشيعة، إلى عدم قبول الدولة العراقية إلا بشرط احتكارهم لها.
     إن العودة إلى أصل "المسألة العراقية" يساعد على فهم الرهانات الحالية. إن العراق اليوم هو نتيجة تقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. أعطى الحلفاء في ذلك الوقت وعوداً كثيرة ومتناقضة لحث الحركات المعادية للإمبراطورية العثمانية، وحصل العرب والأكراد والآشوريين والأرمن على وعود بدول مستقلة أو أوطان قومية على الأراضي نفسها في أغلب الأحيان. لم يتم الوفاء بأي وعد من هذه الوعود. في الوقت نفسه تقريباً، كان المندوب البريطاني في القاهرة السير هنري مكماهون يعطي الوعد للشريف حسين في مكة بإقامة خلافة عربية على المناطق العربية المُقتلعة من الهيمنة العثمانية بدلاً عن الخلافة العثمانية، وكان المفاوضان البريطاني والفرنسي سايكس وبيكو يتقاسمان الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية. قسمت الحدود تجمعات إقليمية واضحة مثل وادي الفرات بين سورية والعراق.
     تم الإعلان عن الدولة العراقية عام 1920، وبُنيت ضد مجتمعها. كان الشيعة يمثلون ثلاثة أرباع العرب في العراق، ورفضوا الدولة الجديدة بقوة. أظهرت ثورة عام 1920 هذا الرفض بوضوح. في عام 1925، تم ضم محافظة الموصل التي يعيش فيها الأكراد بالقوة إلى الدولة العراقية التي تُعرّف نفسها كدولة عربية. بين عامي 1925 و2003، كان الأكراد في حرب شبه دائمة ضد الدولة. فيما يتعلق بالشيعة، بدأت طبقة شابة من رجال الدين الشيعة في أوج انبعاثها بتشجيع الشيعة على رفع رأسهم بعد هزيمتهم وضياعهم خلال ثلاثة عقود. تم الإعداد للثورة الإسلامية الإيرانية بشكل كبير في مدينة النجف العراقية.
     اعتقد الكثير من الشيعة أن ساعة الانتقام قد حانت في العراق مع العودة الظافرة للخميني في إيران. كانت الحرب الأهلية الكامنة تنمو بين الحركة الدينية الشيعية العائدة إلى المسرح السياسي وبين النظام البعثي. كان من المفترض أن يسقط هذا النظام في نهاية سنوات السبعينيات تحت تأثير الحركات الكردية والشيعية. اختار هذا النظام توسيع الحرب الداخلية في العراق عبر مهاجمة إيران عام 1980 بدعم من القوى العظمى. يعرف الجميع ماذا حصل بعد ذلك، وسقوط العراق في الجحيم بسبب الحروب المتوالية وحركات التمرد المقموعة بالدم ووقوع البلد تحت وصاية العقوبات خلال سنوات التسعينيات... حتى حرب عام 2003 التي أدت إلى انهيار أول دولة عراقية.
     تستفيد الدولة الإسلامية من فشل الأمريكيين في إعادة بناء الدولة العراقية على أسس طائفية. كان يجب على بغداد أن تكون قادرة على اقتراح ما هو أفضل من الدولة الإسلامية إلى الشعب السني الذي يرفض المصير المُعد له في سياق المؤسسات الحالية. أعطت الدولة الإسلامية السلطة إلى القبائل والعشائر في المدن المستولى عليها. بالتأكيد، إن الجهاديين ليسوا بمنأى عن التغيرات المحلية المفاجئة أو عن أخطاء علاقاتهم مع القبائل. ولكن ممثلي القبائل والأحياء في الموصل أقسموا على عدم السماح إطلاقاً بعودة الجيش والشرطة العراقية إلى المدينة.
     هل يجب إنقاذ الدولة العراقية بشكلها الحالي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تطرحه الدبلوماسيات الغربية. إنها دولة غارقة كلياً، ولا يتم الحفاظ على المظاهر إلا بفضل غياب التوافق الإقليمي والدولي حول احتمال اختفائها.   



السبت، ٢٣ آب ٢٠١٤

(كيف قررت فرنسا تزويد المتمردين السوريين بالأسلحة)

صحيفة اللوموند 23 آب 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe وسيريل بن سيمون Cyril Bensimon وإيف ميشيل ريولز Yves-Michel Riols

      انكشف الغطاء بهدوء عن سر حافظت عليه رئاسة هولاند بشكل جيد: إنه تسليح المتمردين السوريين من قبل فرنسا. اعترف رئيس الجمهورية يوم الثلاثاء 19 آب للمرة الأولى في مقابلة مع صحيفة اللوموند بوجود عمليات تسليم الأسلحة، ثم أسرّ موظفان رفيعا المستوى ومنخرطان في هذه العمليات ببعض التفاصيل الإضافية. أشار أحدهم إلى أن المعدات المُرسلة كانت تتضمن رشاشات من عيار 12.7 ملم وعدة قاذفات أر بي جي (Lance-roquettes) وستر واقية ضد الرصاص ومناظير ليلية ووسائل اتصال، ولكنها لا تتضمن أية "معدات يمكن استخدامها ضدنا لاحقاً" مثل المتفجرات. أضاف هذا الموظف أيضاً أن هذه الأسلحة المُرسلة تشبه الأسلحة المرسلة حالياً إلى قوات البشمركة في العراق، وقال: "إنها أسلحة يمكن استخدامها فوراً، ولا تحتاج إلى تأهيل أو صيانة".
      إن الجهة الوحيدة التي استفادت من هذه المساعدة هي الكتائب التابعة للجيش السوري الحر ـ الجناح المعتدل للتمرد ضد الأسد. أشار مصدر دبلوماسي إلى أن الجبهة الإسلامية التي تمثل تحالفاً من المجموعات الإسلامية أو حتى السلفية لم تتلق أي سلاح فرنسي. من الصعب تحديد تاريخ وصول الدفعات الأولى بدقة. من المحتمل جداً أن تاريخ وصولها يعود إلى شتاء أو ربيع عام 2013. قامت السلطات الفرنسية بالتمهيد لتسليم الأسلحة عبر إعداد خارطة جغرافية لتوزع المجموعات المتمردة بالتعاون مع رئيس الجيش السوري الحر العميد سليم إدريس، وذلك بهدف تجنب وصول الأسلحة الفرنسية إلى المجموعات الجهادية أو السلفية التي كانت في أوج ازدهارها في ذلك الوقت. تم امتحان عملية مراقبة وصول الأسلحة إلى الجهات المحددة ميدانياً من خلال عمليات إيصال الأسلحة غير الفتاكة مثل المعدات الطبية وعلب الطعام إلى الجيش السوري الحر.
     بدأ العمل بهذه الشبكة فعلاً خلال فصل الصيف بعد أن قرر الاتحاد الأوروبي بتاريخ 29 أيار 2013، تحت ضغط باريس ولندن، رفع الحظر عن إرسال الأسلحة إلى سورية. كان فرانسوا هولاند قد أشار قبل شهرين من قرار الاتحاد الأوروبي المذكور إلى أن فرنسا مستعدة في جميع الأحوال لتسليح معارضي نظام الأسد حتى في حال عدم وجود توافق أوروبي، وصرّح بعد اجتماع قمة بروكسل بتاريخ 14 آذار: "في حال كانت هناك عرقلة بسبب دولة أو دولتين، فإن فرنسا ستتحمل مسؤولياتها في هذه الحالة".
     كان اجتماع مجموعة أصدقاء سورية في الدوحة بتاريخ 22 حزيران 2013 مرحلة هامة. اتفق العرابون الغربيون والعرب على زيادة المساعدة العسكرية وتوزيع الأدوار فيما بينهم من أجل الاستجابة للطلبات الملحة للائتلاف الوطني السوري ـ الواجهة السياسية للمعارضة ضد الأسد. قال البيان الختامي للاجتماع: "من الضروري الإسراع بإرسال المعدات والتجهيزات إلى المعارضة على الأرض، وأن يقوم كل بلد بذلك على طريقته الخاصة"، كما أكد هذا البيان على أن أي "دعم عسكري" يجب عن أن يمر عبر الجيش السوري الحر. قال أحد المقربين من الملف: "إنها طريقة لكي نقول إلى القطريين والسعوديين أنه يجب عليهم عدم دعم المجموعات المنافسة للتمرد".
     في ذلك الوقت، كان هناك شعور بالوضع الطارئ يُحرّك الدول الأعضاء في مجموعة أصدقاء سورية. اتهمت باريس رسمياً دمشق باستخدام الساران كسلاح كيميائي بتاريخ 4 حزيران 2013 بعد تحليل العينات التي جلبها أحد الصحفيين في صحيفة اللوموند من ضواحي دمشق. كان استخدام الأسلحة الكيميائية يتم بكميات ضئيلة في ذلك الوقت، وبشكل يختلف كثيراً عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل مئات الأشخاص بتاريخ 21 آب 2013. كان ذلك تجاوزاً لـ "الخط الأحمر" الذي حددته العواصم الغربية الكبرى، واعتبرت السلطات الفرنسية أنه من الضروري الرد على ذلك.
     هناك عامل هام آخر في قرار فرنسا بالمساهمة في تسليح المتمردين، يتعلق هذا العامل باقتراب مؤتمر جنيف 2 للسلام الذي جمع ممثلي النظام والائتلاف الوطني السوري. اعتبرت فرنسا وشركاؤها أنه من المهم تعزيز القدرات العسكرية للمعارضة بشكل لا تصل فيه إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف.
     فشلت جميع هذه الحسابات. انعقد مؤتمر جنيف 2 في شهري كانون الثاني وشباط بدون تحقيق أية نتيجة. فشلت جهود العميد إدريس في هيكلة الكتائب. كما قام مقاتلو الجبهة الإسلامية بنهب مستودعات الأسلحة التابعة للجيش السوري الحر على الحدود السورية ـ التركية في شهر كانون الأول 2013. كما شن النظام هجوماً مضاداً في حمص ودمشق، وهيمن المتمردون الإسلاميون على خصومهم القوميين في الشمال. ساهمت خيبات الأمل هذه في ردع السلطات الفرنسية عن توسيع جهودها، أسرّ أحد الدبلوماسيين قائلاً: "من المؤكد أن هذه الصعوبات لم تشجعنا حقاً في الذهاب إلى أبعد من ذلك".

     إذا صدقنا تصريحات فرانسوا هولاند يوم الخميس 21 آب، فإن إرسال الأسلحة لم يتوقف. كما أن الجيش السوري الحر بحاجة أكبر للأسلحة لأنه أصبح محاصراً في شمال سورية بين قوات النظام من جهة والراديكاليين المتطرفين في الدولة الإسلامية من جهة أخرى. قال فرانسوا هولاند يوم الخميس 21 آب: "لا يجب علينا التراخي في الدعم الذي قدمناه إلى هؤلاء المتمردين الذي هم وحدهم يشاركون في العقلية الديموقراطية"، ولكنه أضاف أن فرنسا لا تستطيع "أن تقوم بذلك لوحدها، وأن ذلك يتم بالتعاون مع أوروبا والولايات المتحدة".

(العراق، سورية: أوباما يُراجع استراتيجيته)

صحيفة الفيغارو 23 آب 2014 بقلم مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     تتحرك الخطوط في واشنطن حول العراق وسورية بشكل يفسح المجال للتنبؤ بتسريع الرد. أسرّ بريان كاتوليس Brian Katulis من مركز التقدم الأمريكي Centre pour le progrès américain إلى صحيفة الفيغارو يوم الجمعة 22 آب أن باراك أوباما يتوجه نحو "انخراط أكثر أهمية وعلى المدى الطويل" في مواجهة خطر  الدولة الإسلامية. يملك هذا الخبير علاقات واسعة مع البيت الأبيض، ويتوقع "تصاعد قوة العمليات ضد الإرهاب" بمشاركة الشركاء الأوروبيين والشرق أوسطيين. كما ألمح هذا الباحث بشكل واضح إلى أن الولايات المتحدة ربما ستكون مجبرة على القصف داخل الأراضي السورية لمكافحة خطر القوة الجهادية المتمرسة في الحرب ولا تتوان عن أي شيء. قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل في رد على سؤال حول احتمال القصف في سورية: "نحن نفكر بجميع الخيارات".
     أشار بريان كاتوليس إلى أن النقاشات محتدمة داخل الولايات المتحدة "منذ بداية فصل الصيف حول ضرورة توجيه النظر إلى سورية والعراق باعتبارهما مشكلتين متداخلتين. لا يعني ذلك تغيراً بمقدار 180 درجة لدرجة التعاون مع بشار الأسد كما يؤكد البعض، بل يعني سلسلة من  الخطوات الحذرة ولكن المنطقية والعملية بهدف ضرب الدولة الإسلامية في الصميم".
     أكد بريان كاتوليس أن "أوباما لم يُغيّر رأيه حول التدخل على الأرض". تعتمد إستراتيجية أوباما حتى الآن على تخفيف الضغط جزئياً عن قوات البشمركة الكردية، ودعم تشكيل حكومة جديدة أكثر شمولاً في بغداد، على أمل إعادة بناء جيش عراقي غير طائفي وقادر على ضم الضباط السنة وإلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية. ولكن يبدو أن  الإدارة الأمريكية قررت تجميع "الأطراف" الإقليمية ـ الخليج وتركيا وأوروبا ـ  من أجل قطع المعونات السياسية والدبلوماسية والمالية عن "الخلافة". تعرضت السعودية وبقية دول الخليج لضغوط سرية وملحة من أجل تجفيف التمويلات الخاصة التي تُغذي الجهاديين الراديكاليين. كما طُلِب من تركيا إغلاق حدودها لمنع مرور الجهاديين الأوروبيين إلى سورية. قال بريان كاتوليس: "ما زال كل ذلك بعيداً عن الوصول إلى درجة الكمال، ولكنه يبقى أمراً أساسياً. في حالة مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، إن القصف الذي قتله كان أمريكياً، ولكن المعلومات كانت أردنية".

     يعتبر بعض المراقبين أن جهود الإدارة الأمريكية ما زالت مشتتة جداً ومترددة، وأنه ليست هناك إستراتيجية واضحة في واشنطن، وأن الجهود تجاه الأكراد غير كافية أبداً. كما أكد محللون أخرون عدم ثبات مواقف الدول الحليفة، ولاسيما في دول الخليج التي تمثل وكراً للإسلام الراديكالي.

(أعداء أعدائنا)

افتتاحية صحيفة الفيغارو 23 آب 2014 بقلم فيليب جيلي Philippe Gélie

     بدأ الأمريكيون والأوروبيون يدركون حجم المعضلة التي تمثلها مكافحة الدولة الإسلامية. إن تصاعد قوة "الخلافة" في العراق هو نتيجة مباشرة للحرب الأهلية في سورية. ما دام الجهاديون يملكون قاعدة خلفية في بلد تسوده الفوضى، فمن المستحيل عمليا القضاء عليهم. يستطيع الجهاديون اللجوء إلى سورية لتجنب الضربات الجوية الأمريكية والحصول على الإمدادات وإعادة تنظيم صفوفهم.
     أصبح الإستراتيجيون الأمريكيون يعترفون بذلك: أصبح من الضروري القصف "في سورية أيضاً" من أجل التخلص من هذه المجموعة الإرهابية. لا شك أن أوباما ليس مرتاحاً لهذه النتيجة التي توصل إليها قادة البنتاغون، لأنه تخلى قبل عام تقريباً عن "الخط الأحمر" الذي حدده بنفسه، ولم يتحرك تجاه استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل نظام بشار الأسد. أدى هذه التراجع ليس فقط إلى إضعاف مصداقية الولايات المتحدة، بل حَرَمَ أيضاً المعارضة السورية "المعتدلة" من فرصتها الأخيرة للتغلب على القوتين الأكثر تدميراً في المنطقة: أي الأسد والإسلاميين.
     أصبح باراك أوباما مجبراً اليوم على إعداد تسلسل جديد لخصومه. تدعم إيران الحكومة الشيعية الجديدة التي أرادتها واشنطن في بغداد، ولكن بدون التوقف عن سباقها  نحو القنبلة النووية. كما أن دعم طهران إلى دمشق لم يعد إشكالياً. ومن سيحزن لقيام النظام السوري بتسريع هجومه ضد الدولة الإسلامية التي ساهم هذا النظام بخلقها عبر إخلاء سجونه من الجهاديين لإطلاقهم ضد المعارضة القومية؟

     ترتسم ملامح تحالفات جديدة ما زالت في بداياتها. ولكن هذا الغموض الكبير له ثمن: لم يصبح أعداء أعدائنا أصدقاءنا حتى الآن.

(معارك عنيفة في سورية بين الجيش وجهاديي الدولة الإسلامية في الطبقة)

صحيفة الفيغارو 23 آب 2014 بقلم تييري أوبرليه Thierry Oberlé

     قتلت قوات بشار الأسد سبعين جهادياً على الأقل في صفوف الدولة الإسلامية يومي 20 و21 آب في محافظة الرقة السورية. وقعت الاشتباكات في محيط المطار العسكري في الطبقة، آخر معقل للجيش النظامي في هذه المنطقة التي تُسيطر عليها الدولة الإسلامية.
     تستمر المعارك في هذه المنطقة منذ منتصف شهر آب، وتكثفت مساء يوم الثلاثاء 19 آب بعد هجوم الجهاديين على محيط المطار وقيامهم بتفجير عدة سيارات مفخخة فيه. أرسل الجيش السوري يوم الخميس 21 آب تعزيزات بالجنود عبر الطائرات المروحية. تمكن رجال الدولة الإسلامية في شهر تموز وبداية شهر آب من طرد الجيش من قاعدتين هامتين في محافظة الرقة، وقتلوا حوالي مئة مقاتل نظامي.


الجمعة، ٢٢ آب ٢٠١٤

(الرهائن في سورية: الغارة الأمريكية الفاشلة)

صحيفة الفيغارو 22 آب 2014 بقلم مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     في بداية الصيف وفي منتصف الليل، نزل عشرات الجنود الأمريكيين في القوات الخاصة دلتا Delta من الطائرات المروحية بالقرب من مصفاة لتكرير النفط في شمال سورية، وكانت الطائرات الأمريكية والطائرات بدون طيار تحلق فوق المنطقة. لقد كانت بداية عملية سرية جداً وافق عليها الرئيس أوباما، وتم القيام بها بدون تنسيق مع نظام بشار الأسد، من أجل الإفراج عن عدة رهائن أمريكيين تعتقلهم المجموعة الإرهابية للدولة الإسلامية.
     يبدو أنه تم تحديد مكان وجود الرهائن بفضل المعلومات التي تم الحصول عليها من الرهائن الفرنسيين والاسبان الذين تم الإفراج عنهم في نهاية شهر نيسان، ولكن الكوماندوس الأمريكي لم يعثر على أية رهينة في المكان المحدد بعد تبادل إطلاق النار. كان يجب عدم الكشف عن هذه العملية السرية إطلاقاً، ولكن البيت الأبيض قرر الكشف عنها مساء يوم الأربعاء 20 آب لتخفيف الانتقادات المتزايدة من قبل أولئك الذين يؤكدون بأن الولايات المتحدة لم تقم بما فيه الكفاية من أجل رهائنها.

     أحست الولايات المتحدة بالرعب بعد تصوير إعدام الصحفي الأمريكي جيمس فولي James Foley والتهديد الذي يلقي بظله على زميله ستيفن سوتلوف Steven Sotloff وعلى رهينتين أمريكيتين إضافيتين، هناك أيضاً ثلاثة رهائن بريطانيين معتقلين مع ستيفن سوتلوف من قبل الدولة الإسلامية. أشار أحد الأعضاء السابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA بوب بوير Bob Bauer في مقابلة مع محطة CNN يوم الخميس 21 آب إلى أن العملية البربرية لإعدام جيمس فولي ربما تُقنع الرئيس الأمريكي "باللجوء إلى القوات الخاصة الأمريكية" بالتعاون مع الفرنسيين والبريطانيين من أجل القضاء على قيادة الدولة الإسلامية، وأكد قائلاً: "في اللحظة التي نتحدث فيها الآن، أعرف أن بعض عناصر القوات الخاصة تُغادر إلى العراق".