الصفحات

الخميس، ١٤ آب ٢٠١٤

(التساهل مع "الإمارة الإسلامية")

صحيفة لوكانار أنشينيه الأسبوعية 13 آب 2014 بقلم جيروم كانار Jérôme Canard

      لم يتوقف المُكلّف بملف العراق في البنتاغون بريت ماغورك Brett McGurk عن تحذير البيت الأبيض منذ شهرين. تشير معلوماته وتحليلات معاونيه إلى أن الدولة الإسلامية التي أصبح اسمها مؤخراً "الإمارة الإسلامية" تملك جيشاً حقيقياً. هذا ما نقله أيضاً باختصار الضباط الفرنسيون العاملون في واشنطن إلى باريس، نقلاً عن تصريحات بريت ماغورك أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي. وأكثر من ذلك، أكد هذا المسؤول أن هؤلاء الجهاديين باستطاعتهم أيضاً القيام بأعمال إرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا يوماً ما.
     تشير تقارير الضباط الفرنسيين في أجهزة الاستخبارات إلى أن معاوني بريت ماغورك يقولون إلى كل من يريد سماعهم أن الإمارة الإسلامية تُمثل "تهديداً إقليمياً وتتطلع إلى أن تصبح منظمة إرهابية عالمية"، وأنها لا تخف ذلك أبداً. اعترف أوباما بهدوء قبل أن يبدأ إجازته الصيفية بتاريخ 9 آب أن رجال الإمارة الإسلامية على الأرض "كانوا أكثر سرعة مما كان يتصوره المسؤولون السياسيون والأجهزة الأمريكية". ينطبق هذا النقد الذاتي على رجال السياسة وليس على جواسيس البنتاغون كما رأينا.
     عندما قرر أوباما قصف أرتال الجهاديين الذين يهددون عاصمة كردستان المستقل أربيل خلال الأسبوع الماضي، حرص على التأكيد قائلاً: "ليس هناك حل أمريكي لهذه الأزمة". ولكن، كما لو أنه يدخر شيئاً للمستقبل، كانت حاملة الطائرات الأمريكية جورج بوش متواجدة في الخليج برفقة أربع فرقاطات، وتحمل تسعين طائرة مقاتلة على حد قول الضباط الفرنسيين. هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الطائرات بدون طيار سواء كانت مسلحة أم غير مسلحة من أجل إكمال هذه القوة الجوية. أثار ذلك ردة فعل أحد الضباط الفرنسيين في هيئة الأركان عندما قال: "ربما انجر أوباما أكثر مما يتوقعه".
     لم يتوقف الرئيس الأمريكي عن تكرار أنه لن يرسل جنوداً إلى الأرض العراقية، وأنه لا يوجد في العراق إلا تسعمائة وخمسين رجلاً يمثلون بشكل خاص القوات الخاصة المكلفة بحماية السفارة الأمريكية في بغداد (تشغل هذه السفارة مساحة أكبر من مساحة مدينة الفاتيكان) وحماية مطار المدينة. ولكن البنتاغون لديه بعض الخطط في أدراج مكاتبه مثل: إقامة قاعدة عملياتية على جزء لا يحتله الجهاديون في العراق، وأن تضم هذه القاعدة ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف جندياً أمريكياً.
     لا يجهل القادة العسكريون الفرنسيون شيئاً من هذه الخطط ومن تحفظات أوباما حول شن حرب جديدة، وتنبأ أحدهم قائلاً: "كلما انخرط الأمريكيون أكثر في الرد على هجمات الجهاديين، كلما أعطوا الانطباع بأن واشنطن في نزاع مباشر مع الإمارة الإسلامية، وكلما تمكنت هذه الحركة من تجنيد عدد أكبر". سيقول المستقبل فيما إذا كان هذا الجنرال يستحق دخول جهنم المحللين المتشائمين أو جنة المحللين بعيدي النظر.
     يتفق المدير العام للاستخبارات الأمريكية (التي تضم خمسة عشر جهازاً تجسسياً، وتبلغ موازنتها مئة مليار دولار) جيمس كلابر James Clapper مع هذا الرأي. ألا تؤدي هذه المهنة إلى رؤية السواد في كل شيء؟ يقول جيمس كلابر أنه يخشى من قيام الجهاديين بنقل المعركة إلى الولايات المتحدة وأوروبا. كما أعلن مؤخراً عن امتلاكه لـ "مؤشرات" تدل على أن مقاتلي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذين يعملون في اليمن، قد انضموا إلى الإمارة الإسلامية، وأن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي المعروف جيداً في مالي والصحراء الإفريقية (الساحل) قد بدأوا بالاتصال مع "إخوانهم" الجهاديين في العراق. أصبح تنظيم القاعدة مدرسة، ويجب على الخبراء بذل المزيد من الجهود، وحتى أولئك الذين أعلنوا سابقاً عن موت هذه الحركة التي أطلقها بن لادن.
     أشار تقرير برلماني صادر عن قسم الدراسات في الكونغرس الأمريكي بتاريخ 8 آب إلى أن كلفة الحرب في العراق بين عامي 2003 و2013 بلغت ثمانمائة مليار دولار في الولايات المتحدة. إنها كارثة باهظة الثمن.
     قال أحد الضباط الفرنسيين أن قصف الطائرات الأمريكية ضد الإمارة الإسلامية "متأخر جداً لدرجة أنه لا يمكن أن يكون فعالاً، ويبدو أن هذه القصف هو بمثابة دعاية سياسية أكثر من أي شيء آخر". كما أبدى بعض الضباط والمحللين في مجال الاستخبارات الملاحظات نفسها حول الزيارة المفاجئة التي قام بها لوران فابيوس إلى بغداد وأربيل. فيما يتعلق بتصريحات لوران فابيوس في العراق، ثم ندائه إلى تشكيل "حكومة وحدة وطنية" وإلى "المصالحة" بين العراقيين، فإن الضحك عليها ممنوع.

     قام ضابط رفيع المستوى في إدارة الاستخبارات العسكرية بتقديم تفسير سياسي مثير للاهتمام حول تأخر رد أوباما العسكري قائلاً: "إن وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون لا يريدان إزعاج الدول الإقليمية الأساسية التي تدعم الإمارة الإسلامية، أي السعودية وقطر والاستخبارات التركية الذين تشاركوا مع بقية المتمردين لإسقاط بشار". ولكن الخبر السار هو أن هذه الأنظمة الملكية النفطية تشعر اليوم بالارتياب تجاه أتباعهم الذين يستفيدون من حماية هذه الأنظمة نفسها. في الحقيقة، أعلن بعض الجهاديين أثناء إقامة خلافتهم في سورية والعراق أنهم لا يستبعدوا الهجوم على الأماكن المقدسة للإسلام في مكة والمدينة المنورة. إنها قلة عرفان بالجميل تجاه مموليهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق