الصفحات

السبت، ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٤

(الدروز اللبنانيون يخشون من اتساع النزاع السوري)

صحيفة اللوموند 29 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     يعيش السكان الدروز في منطقة بيت جن في جبل الشيخ في دوامة. يقف سكان مدينة راشيا اللبنانية صفاً واحداً مع جيرانهم السوريين، ويشعرون بالقلق على أقاربهم، ويخشون من وصول النزاع إلى أراضيهم مع وجود الجهاديين على أبواب لبنان. يسيطر متمردو الجيش السوري الحر وجهاديو جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة على بيت جن التي تتعرض إلى قصف وغارات منتظمة من النظام السوري. يسيطر المتمردون أيضاً على معبر القنيطرة الذي يمثل نقطة العبور إلى الجولان الذي تحتله إسرائيل، وتعيش فيه أقلية درزية.
     قال أحد سكان راشيا الكبار في السن: "نحن نقع بين أخطر مكانين في لبنان، أي بين عرسال معقل الجهاديين السوريين وشبعا التي يطالب حزب الله بها". أكد رباح قاضي، المسؤول المحلي في مكتب الحزب الاشتراكي التقدمي بزعامة وليد جنبلاط، أن الجيش اللبناني غير مرئي على الرغم من طلب مساندته، وقال: "الجبل هو حصن طبيعي، ولا يمكن عبوره إلا سيراً على الأقدام، وهذا يحتاج إلى عدة ساعات. ولكننا نريد منع رحيل الشباب باتجاه سورية أو وصول المتمردين إلى هنا. إن التوزيع الطائفي هو نفسه في سورية ولبنان، وهو خطير جداً. إذا تواجه الدرزو والسنة هناك، فإن العداء سيصل على هنا".
     قتل المتمردون في بيت جن حوالي ثلاثين عنصراً من الميليشيات الدرزية المتحالفة مع نظام الأسد بتاريخ 7 تشرين الثاني. إنها خسارة هامة بالنسبة لأقلية لا تمثل أكثر من 2 % من سكان سورية. دفعت قرية عرنة التي يبلغ عدد سكانها ثلاث آلاف نسمة ثمناً باهظاً، ويعتبرها سكان راشيا كالخط الأخير للجبهة قبل قريتهم. لم يخف على أحد ظروف هذه المعركة: لقد قُتِل المقاتلون الدروز بعد الانسحاب المفاجئ للطيران السوري. قال المحلل ماريو أبو زيد Mario Abou Zeid من مؤسسة كارنيجي في الشرق الأوسط: "تراهن دمشق على التكتيك التالي: إنها تترك الدروز في مواجهة مباشرة مع المتمردين، لكي يرصوا صفوفهم حول السلطة. يشعر الدروز السوريون بمرارة أنه تم التلاعب بهم، ولكن ليس لديهم خيار: إذا تخلوا عن النظام، فلن يحصلوا على السلاح".
     أعرب رجل الأعمال ريدان محمود Raydan Mahmoud، أحد أقاربه عنصر في الميليشيات المؤيدة للنظام، عن غضبه قائلاً: "أخطأ الدروز: لقد شاركوا في معركة خارج قريتهم، ولم يكونوا في موقف دفاعي". هذا هو موقف الحزب الاشتراكي التقدمي. إن وليد جنبلاط مُقتنع بأن سقوط بشار الأسد حتمي، ودعا الدروز السوريين إلى التخلي عن نظام دمشق والاقتراب من الأغلبية السنية. قال زياد العريان، أحد النواب السابقين عن راشيا والمنافس المحلي للحزب الاشتراكي التقدمي: "لا يمكن لأية دعوة للقطيعة مع دمشق أن تكون مجدية. إن 90 % من الدروز ينظرون إلى النظام كضمان لبقائهم على قيد الحياة على الرغم من تاريخهم الطويل في العداء ضد سلطة الأسد". إن أغلبية الدروز اللبنانيين يعارضون الدكتاتور السوري، ولكنهم يشاركونه القلق تجاه تصاعد قوة الجهاديين.
     اختار سكان القرى الدرزية أن يدافعوا عن أنفسهم. في نهاية الصيف الماضي، قام بعض المدنيين بإقامة حاجز مروري، وقتلوا مواطناً سورياً وجرحوا آخرين، ثم لاحقوهم حتى مستشفى راشيا. اعتبر وليد جنبلاط أن هذا الحادث خطير لدرجة أنه ذهب لتهدئة الخواطر. قال أحد رجال الدين في القرية الشيخ سهيل قضماني بوضوح: "الأسلحة تتدفق، والرجال يتدربون، وهم مُقتنعون بأن الأقليات لا تستطيع الاعتماد إلا على نفسها". تصل بنادق الكلاشينكوف وM16 بمعرفة بعض رجال الدين الدروز النافذين في المنطقة.
     تكثفت الاتصالات بين القرى الدرزية السورية واللبنانية. قال ماريو أبو زيد: "تتمتع هذه القرى بأهمية استراتيجية. إنها تفتح الطريق باتجاه لبنان وباتجاه دمشق". يتجمع بعض المقاتلين المتمردين في محيط بيت جن والقنيطرة، هل هي ملامح بداية هجوم على دمشق بعد أن تم الإعلان عنه العديد من المرات؟ إن هذه التطورات لا تبعث على الطمأنينة لدى الدروز، ويخشى بعضهم من اشتعال الوضع إقليمياً. قال زياد العريان: "لماذا سمح الإسرائيليون لجبهة النصرة بالاقتراب من القنيطرة؟ لماذا تقوم جبهة النصرة بقتال حزب الله في جنوب لبنان؟ إن ما يجري أمر فوق طاقتنا".





الجمعة، ٢٨ تشرين الثاني ٢٠١٤

(مجزرة في الرقة تحت قنابل الأسد)

صحيفة اللوموند 28 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلها في بيروت بنجامان بارت Benjamin Barthe

     اختفت الطائرات السورية من سماء الرقة منذ بداية القصف الأمريكي في سورية على الرغم من أن هذه المدينة تمثل قاعدة عمليات الدولة الإسلامية. يبدو أن طياري نظام الأسد تلقوا المعلومات بالبقاء بعيداً عن المناطق التي يُنتظر أن يقصفها التحالف الدولي من أجل تجنب أية مواجهة مع طائرات التحالف. بدأ جزء من سكان الرقة بالعودة للمدينة بعد أن لاحظوا بأن الغارات الأمريكية ضد داعش كانت دقيقة ولم تتسبب بأية خسائر بشرية ـ الضحية الوحيدة للقصف الأمريكي هي إمرأة ماتت بسكتة قلبية ـ ، كما لاحظوا أن الغارات الأمريكية ردعت النظام عن التحليق فوق المدينة.  
     ولكن "المظلة الأمريكية" تمزقت بعد ظهر يوم الثلاثاء 25 تشرين الثاني عندما شن الطيران السوري هجوماً مُدمراً ضد مركز مدينة الرقة، وتسبب الهجوم بمقتل مئة شخص على الأقل. أشارت المصادر المحلية إلى وقوع تسع ضربات موجهة ضد الأماكن المزدحمة جداً في تلك الساعة. أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان خمسة وتسعين قتيلاً، منهم اثنين وخمسين مدنياً. أحصى ناشطو تجمّع "الرقة تقتل نفسها بصمت"، وهي منظمة متخفية تعمل في المدينة، حصيلة أكبر بكثير: أي مئتين وعشرين قتيلاً، جميعهم مدنيين. قال أبو ورد الرقاوي، اسم مستعار لأحد الناشطين المتنكرين في الرقة، عبر سكايب: "هكذا ينتقم الجيش السوري. لم يتحمل مسؤولوه فيلم الفيديو الذي بثه داعش في منتصف شهر تشرين الثاني، مُظهراً فيه قطع رؤوس ستة عشرة جندياً بالإضافة إلى الرهينة الأمريكية بيتر كاسيغ. ولكنهم بالطبع لم يزعجوا أنفسهم باستهداف مواقع الدولة الإسلامية. إن المدنيين هم الذين يدفعون الثمن كالعادة".
     تُظهر أفلام الفيديو التي تم تصويرها بعد فترة قصيرة من الانفجارات بعض الشوارع المغطاة بالأنقاض والسيارات المتفحمة، وأشلاء الجثث الممددة في كومة من الطين والخردة، بالإضافة إلى بعض المتطوعين الذين يغطون القتلى بأغطية بلاستيكية بيضاء. أظهر فيلم آخر من داخل المستشفى بعض الجرحى المكومين في قاعة ضيقة أو على النقالات للأكثر حظاً من بينهم. قال أبو ورد: "تنقصنا التجهيزات والأدوية وحتى الأطباء نظراً لأن الكثيرين منهم هربوا منذ استيلاء داعش على المدينة في بداية العام. طلبنا مساعدة المنظمات الإنسانية عدة مرات، ولكن لا أحد يهتم بنا".
     أحيت هذه المجزرة شكوك المعارضين ضد الأسد بوجود تنسيق سري بين دمشق وواشنطن، وقد برزت هذه الشكوك في بداية القصف عندما ظهر أن الولايات المتحدة تتجنب قصف مواقع الجيش السوري. قال أحد ناشطي المعارضة في تركيا جماح القاسم Jamah Al-Qassem: "كيف يتمكن النظام من إرسال طائراته إلى مدينة تُحلق فوقها الطائرات الأمريكية باستمرار بدون أن يأخذ الإذن من الأمريكيين". قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صحفي أنها "تشعر بالهول" مؤكدة أن "الأسد فقد كل مصداقيته للحكم" وأن الولايات المتحدة "ما زالت مصممة على دعم المعارضة السورية". أكد مسؤول أمني رفيع المستوى في دمشق في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية AFP حصول الغارات على الرقة، ولكنه أكد أيضاً أن السلطة "لا تنسق عملياتها مع التحالف". ولكن هذا النفي الشكلي وكذلك البيان الأمريكي لم يُقنعا الناس في الرقة. قال أبو ورد: "يتوالى تحليق الطائرات الأمريكية والسورية فوق رؤوسنا بفاصل  قدره عدة ساعات. حلقت الطائرات الأمريكية مساء يوم الثلاثاء 25 تشرين الثاني، وحلقت الطائرات السورية بعد ظهر اليوم نفسه. لا يمكن تنسيق مثل هذه الأوركسترا الجوية بدون تنسيق".
     لم يذهب الائتلاف الوطني السوري إلى حد اتهام البيت الأبيض بالتواطؤ مع دمشق، وأظهر انفعاله في بيان غامض مشيراً إلى أن "الكثير من المعارضين يبدو أنهم مقتنعون بأن الأسد هو المستفيد الرئيسي" من حملة القصف الأمريكي ضد الدولة الإسلامية. يعيش سكان الرقة هاجس الغارة القادمة لطائرات الميغ السورية. يعرف السكان أن الجهاديين لن يتوانوا عن الانتقام لمجزرة يوم الثلاثاء 25 تشرين الثاني عبر قطع رؤوس مجموعة جديدة من الجنود، وأن ذلك سيؤدي بدوره إلى إثارة غضب دمشق. إلا إذا شددت واشنطن من لهجتها بسبب قرب تحليق الطائرات الأمريكية من الطائرات السورية فوق الرقة. كرر الحلف الأطلسي يوم الأربعاء 26 تشرين الثاني أنه لا ينوي إقامة منطقة حظر جوي فوق شمال سورية، بخلاف توسلات المعارضة السورية. انفجر أبو ورد غاضباً أمام الكمبيوتر الذي يمثل نافذته على العالم، وقال: "نحن نكره النظام، نحن نكره داعش، والآن نحن نكره التحالف الدولي بنفس الدرجة تقريباً".


(اعتقال معارض تاريخي في دمشق)

صحيفة اللوموند 28 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     مرّ اعتقال لؤي حسين (54 عاماً) دون إثارة الانتباه في ظل المعارك في كوباني وقيام الدولة الإسلامية بقطع الرؤوس. هذا الناشط اليساري العلماني السوري مُعتقل بالقرب من دمشق منذ منتصف شهر تشرين الثاني بتهمة "إضعاف الروح الوطنية". أشار محاميه ميشيل شماس إلى أنه لم يتم الإعلان عن أية دعوى حتى الآن. يأتي هذا الاعتقال في الوقت الذي تريد فيه موسكو استئناف المبادرة السياسية عبر جذب المعارضين "المقبولين" مثل لؤي حسين. استقبلت روسيا يوم الأربعاء 26 تشرين الثاني وفداً سورياً، وطالب هذا الوفد بالحصول على أسلحة جديدة أكثر من المطالبة بالمفاوضات.
     من الناحية الرسمية، يعود السبب في اعتقال رئيس تيار بناء الدولة السورية إلى مقال يدين "انهيار الدولة وخطر تفكك الدولة السورية". ولكن الذين يعرفون هذا المعارض يعتبرون أن السبب هي آرائه. قالت رولا الركبي، وهي ناشطة في المجتمع المدني وتعاونت سابقاً معه: "دافع لؤي حسين دوماً عن التسوية السلمية. كان يعمل قبل اعتقاله على مشروع لحكومة انتقالية بين المعارضة ودمشق. إنه يعتبر أن خطورة داعش تعادل خطورة النظام، الأمر الذي دفعه إلى التعجيل بجهوده". لؤي حسين هو معارض تاريخي من الطائفة العلوية، وحافظ على موقفه منذ بداية التمرد السوري، أي رفض النزاع المسلح ورفض أي تدخل أجنبي. لقد أدان عسكرة التمرد، الأمر الذي جعله يواجه عداء قوياً داخل المعارضة المقيمة في الخارج التي تنتقده وتقول أنه جزء من رهان السلطة.
     كان لؤي حسين شيوعيا في الماضي، وأمضى سبع سنوات في السجن خلال سنوات الثمانينيات، وأبدى تضامنه مبكراً مع مهد الثورة في درعا، الأمر الذي تسبب باعتقاله لفترة قصيرة خلال ربيع عام 2011. ولكن لؤي حسين كان مقتنعاً منذ شتاء العام نفسه بأن اتساع العنف سيشجع على الحرب الأهلية. لم يكن موقفه مسموعاً لأن الجيش السوري الحر كان يبدو في أوج صعوده. عاد لؤي حسين بقوة خلال الأشهر الماضية، ودعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران الماضي. قالت رولا الركبي: "إن أقوى تصريحاته هي أن النظام منهار من الداخل. وتجرأ على القول بأن هذا النظام يستخدم الطائفة العلوية كوسيلة لتحقيق مصالحه". قال أحد المقربين من لؤي حسين أن علاقاته مع الرئيس السابق للمعارضة السورية معاذ الخطيب أثارت غضب دمشق، لأن الرجلين يدفعان موسكو نحو التخلي عن رأس النظام.


(تمديد المفاوضات مع إيران)

صحيفة الفيغارو 27 تشرين الثاني 2014 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin

     أعطت القوى العظمى نفسها مهلة سبعة أشهر جديدة في المفاوضات مع طهران حول البرنامج النووي الإيراني. إن هذا التمديد هو أقل الشرور، بالنظر إلى العواقب المأساوية التي يمكن أن تنجم عن انقطاع الحوار. ولكن هذا التمديد يفتح الطريق أمام التساؤل التالي: هل استمرار المحادثات بدون نهاية سيكون النتيجة الوحيدة التي يمكن أن يتطلع إليها الطرفان؟
     لا تستطيع الولايات المتحدة، ولا تستطيع إيران المخاطرة بقطع الحوار. لأنه سيحرر طهران من أية عقبة في طريقها نحو القنبلة النووية، وسيُسرّع التصعيد الذي سيؤدي إلى نزاع عسكري. إذاً، كان يجب ابقاء الاتصال. ربما تحقق تقدم هام ـ ولكن غير محدد بدقة ـ خلال الأيام الأخيرة، وهذا يكفي لتبرير المهلة الإضافية. إنه الوسيلة الوحيدة للحفاظ على أفضل الفرص المتوفرة منذ عدة عقود من أجل فرض بعض القيود على القدرة النووية الإيرانية، وبالتالي المساهمة في أمن إسرائيل والاستقرار الإقليمي.
     هل نرى النصف المليء من الكأس أم النصف الفارغ منه؟ يتحدث أصحاب الخيار الأول عن موازين القوى مع روسيا، ولاحظوا أن الملف الإيراني يتميز بأنه ما زال في أيدي الدبلوماسيين، في حين أن العقوبات المتخذة ضد روسيا بسبب تصرفها في أوكرانيا لم يترافق مع أية مفاوضات. يقول أصحاب الخيار الثاني أن هذا الوضع يُذكّر بـ "عملية السلام" التي بدأت في أوسلو عام 1993 بين إسرائيل والفلسطينيين. كان من المفترض أن يؤدي الجدول الزمني الذي تبنته هذه العملية إلى اتفاق نهائي عام 1999 على أبعد تقدير. لكن المفاوضات راوحت في مكانها، وتجاهلت التواريخ الحاسمة، ثم فقدت اتصالها بالواقع، وأصبحت عديمة الفائدة.
     يعرف الجميع تماماً ما هي الخطوط العريضة لاتفاق ممكن في الملف الإسرائيلي ـ الفلسطيني. كما أن سنة من المفاوضات الجدية حول الملف النووي الإيراني كانت كافية لرسم الخطوط الأولى لمعاير الحل التقنية. لقد توفر الوقت أمام الخبراء لإعداد التفاصيل النهائية لخططهم وسيناريوهاتهم المتعلقة بعدد أجهزة الطرد المركزية التي تستطيع طهران الحفاظ عليها، ورفع العقوبات، ومدة الاتفاق، ... الخ. يبقى أن لحظة اتخاذ القرار يبدو أنه لم يحن وقتها.
     متى سيحين الوقت؟ لا شيء يدل على أنه سيكون من السهل الإعلان عن اختراق في شهر حزيران القادم، أي التاريخ المُرتقب للتوصل إلى اتفاق ـ إطار. من الممكن أن تحصل أمور كثيرة بانتظار هذا الموعد بشكل يؤدي إلى بلبلة سياق المفاوضات، وذلك كما حصل في المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية بعد اغتيال اسحاق رابين عام 1995 وموجة عمليات التفجير الانتحارية عام 1996 والانتفاضة الثانية.
     كلما طال أمد المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، كلما ستؤثر العوامل الخارجية على النتيجة النهائية. في الوقت الحالي، سيبدأ قريباً عمل الكونغرس الأمريكي الجديد الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وهذا هو الامتحان الأول. هل سيتم تبني عقوبات جديدة للضغط على طهران بشكل يهدد بإفشال المفاوضات؟ من غير المستبعد أن المفاوضين الإيرانيين يريدون تحدي الفئات الأكثر عداء في الكونغرس الأمريكي لكي ينفذوا تهديداتهم، وبالتالي يجبرونهم على طرح أوراقهم. في ظل السياق السياسي الجديد في الولايات المتحدة، ليس بالضرورة أن تكون مصلحة الجمهوريين في تبني الموقف نفسه الذي تبنوه قبل عام.
     إن السياق الإقليمي للحرب في العراق وسورية ضد "الدولة الإسلامية" لم يكن موجوداً قبل عام واحد عندما بدأت المفاوضات حول الملف النووي. سيكون هذا السياق الإقليمي حاسماً خلال الأشهر القادمة. تحرص الولايات المتحدة وإيران على تحسين جهودهما المشتركة حول هذه الجبهة، ومن المفضل الإبقاء على سرية هذه الجهود. إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أي اتفاق حول الملف النووي الإيراني ستعتبره إسرائيل غير مرضي، كما هو الحال بالنسبة للسعودية ودول الخليج، فإنه من الأفضل عدم اختبار الشيطان وتهديد المعركة المشتركة ضد الجهاديين. هذا هو السبب الحقيقي في تمديد المفاوضات التي يتجاوز تأثيرها الملف النووي بوضوح.


الخميس، ٢٧ تشرين الثاني ٢٠١٤

(البيت الأبيض يبحث عن استراتيجية عسكرية جديدة في العراق وسورية)

صحيفة الفيغارو 27 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلتها الخاصة في هاليفاكس (كندا) إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     إن الاستراتيجية الأمريكية في العراق وسورية مسؤولة بشكل غير مباشر عن إقالة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل، وستكون التحدي الأساسي لوزير الدفاع الأمريكي القادم. كانت هذه الاستراتيجية أيضاً محور النقاشات في  المنتدى السادس حول الأمن الذي جرى في هاليفاكس (كندا) يومي 22 و23 تشرين الثاني. اعتبر المحللون في واشنطن أن رحيل وزير الدفاع الأمريكي ضروري لتغيير التعامل العسكري والاستراتيجية المطبقة حيال داعش. تم اختيار تشاك هاغل لإخراج الولايات المتحدة من نزاعات الشرق الأوسط، وكان يشارك باراك أوباما في شكوكه حيال التدخل في العراق، وبدأ عمله في اللحظة التي استأنفت بها الولايات المتحدة الحرب. إن تفكك سورية والصعود المفاجئ لقوة جهاديي الدولة الإسلامية جعله شخصاً غير ملائم للوضع الحالي، وذلك في الوقت الذي تلاشت فيه المكاسب الأمريكية في المنطقة.
     تواجه الإدارة الأمريكية صعوبة في تحديد استراتيجية منسجمة لمكافحة داعش في سورية والعراق منذ بداية الأزمة. تُركّز الولايات المتحدة جهودها حول العراق منذ بداية الأزمة لأن الانتصار فيه يبدو ممكناً. قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى مكلف بهذا الملف: "نحن متفائلون نسبياً لأن شركاءنا في الحكومة والقوات الأمنية العراقية محددون بشكل واضع ويتعاونون معنا. ولكن ذلك لا يحل أي شيء في المشكلة السورية". لا تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد على أحد في سورية، نظراً لأن المعارضة المعتدلة اختفت تقريباً على الأرض. أضاف هذا المسؤول الأمريكي قائلاً: "لكي يكون هناك حلفاء في سورية، يجب إما التعاون مع النظام، أو القتال ضد بشار الأسد والدولة الإسلامية في الوقت نفسه. ولكنها ليست خيارات في الوقت الحالي. إن مواجهة الحضور الإيراني في العراق ومواجهة النظام السوري في الوقت نفسه هو رهان يصعب تحقيق التوازن فيه".
     إن حصيلة التدخل العسكري الأمريكي في المشرق غير حاسمة. لقد تم إيقاف تقدم الجهاديين في العراق، ولكن لم تتم تصفية جيوب المقاومة على الرغم من تكثيف الضربات الجوية. يتزايد عدد الجنود الأمريكيين على الأرض تدريجياً، وسيصل عددهم قريباً إلى ثلاثة ألاف تقريباً، ولكن هذه الزيادة ما زالت بطيئة ومحدودة جداً. قال الجنرال الأمريكي دافيد بيركينز David Berkins المسؤول عن التوجه العقائدي وتدريب القوات المسلحة: "يسمح القصف بكسب المعركة، ولكن السلطات الوطنية لوحدها هي القادرة على تحقيق انتصار استراتيجي".
     إن الوضع أسوأ في سورية: أدى القصف الجوي للأمريكيين وحلفائهم إلى تعزيز نظام بشار الأسد. إن حلب هي المدينة الكبيرة الوحيدة التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة، ولكنها أصبحت مهددة بالسقوط بأيدي جنود الجيش السوري الذي يحاصرها. يدفع باراك أوباما نتائج تراجعه في سورية في نهاية شهر آب 2013، عندما تخلى عن فرض احترام "الخط الأحمر" بعد الهجمات الكيميائية التي شنها النظام في ضواحي دمشق، كما يتهم البعض باراك أوباما بالتردد تجاه داعش.
     تحتاج الإدارة الديموقراطية إلى انتصار عسكري بعد فشلها في الانتخابات الأخيرة، وهي تبحث عن استراتيجية تسمح لها بمكافحة جهاديي الدولة الإسلامية في سورية والعراق بشكل أكثر فعالية، ولكن دون الوقوع مجدداً بالأخطاء السياسية لجورج بوش. أكد السيناتور الديموقراطي تيم كين Tim Kaine قائلاً: "إن تغيير النظام لا يجب أن يكون السياسة الخارجية للولايات المتحدة مرة أخرى". لقد استخلص البيت الأبيض دروس الحروب السابقة في العراق وأفغانستان، وأكد مسؤول أمريكي رفيع المستوى قائلاً: "بالنظر إلى خبرتنا، يجب علينا الانتباه. لا يجب إطلاقاً بعد اليوم التسبب بانهيار دولة كما فعلنا في العراق. من الأفضل التحرك عبر المفاوضات السياسية".
     لا شك أن القيام بتعديل طفيف على هامش الاستراتيجية الأمريكية لن يكون كافياً بالنسبة للمعارضين الجمهوريين، ولاسيما بالنسبة لجون ماكين، أكثرهم نشاطاً والمرشح لرئاسة لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. انتقد جان ماكين أثناء المنتدى السادس حول الأمن في هاليفاكس إخفاقات البيت الأبيض في سورية، وقال: "بدون منطقة حظر جوي، وبدون مساعدة حقيقية إلى المعتدلين، وبدون القصف ضد بشار الأسد، ستكون الولايات المتحدة شريكة بجريمة ضد الإنسانية. نحن نقصف الإسلاميين، في الوقت الذي يقصف فيه النظام المعارضين المعتدلين. إن الخيار بين داعش وبشار الأسد هو أمر مرعب". أعرب جون مالين عن قلقه تجاه تراجع الزعامة الأمريكية في العالم منذ انتخاب باراك أوباما، ودعا إلى أن تعود الولايات المتحدة "أمة ضرورية" للأمن في العالم، ولاسيما في الشرق الأوسط.


(ضربات التحالف تُعرقل داعش)

صحيفة الفيغارو 27 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلتها في القاهرة دولفين مينوي Delphine Minoui

     بدأت الحملة الدولية ضد داعش بإعطاء ثمارها، ولكن بدون الحديث عن انتصار. تواجه الدولة الإسلامية سلسلة من الهزائم في سورية والعراق. تمكن الأكراد في كوباني من دفع الجهاديين إلى التراجع عن بعض المواقع الاستراتيجية، بالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي تكبدها الجهاديون على الصعيد البشري والمادي والنفسي. كما واجه الجهاديون هزائم أخرى في العراق، عندما استعاد الجيش العراقي السيطرة على سد العظيم ومصفاة بيجي خلال الأسبوع الماضي بمساعدة الميليشيات الشيعية والعشائر السنية والقصف الجوي للتحالف الدولي. فيما يتعلق بمنطقة الأنبار، وهي أكبر المناطق العراقية، ما زال الوضع أكثر حرجاً. قال الباحث السياسي العراقي هشام الهاشمي: "ما زالت الدولة الإسلامية تسيطر على 80 % من منطقة الأنبار".

     يسود الاعتقاد بأن ضعف الجيش العراقي وانحطاط التمرد السوري المعتدل يشكلان عقبات يصعب تجاوزها على المدى القصير. لا يتجاوز عدد الضربات الجوية في العراق خمسة عشرة ضربة يومياً، قال المحلل العراقي سجاد جياد Sajad Jiyad: "ما زال داعش في موقف هجومي وليس دفاعي في العراق. إذا كانت الضربات الجوية قد أبطأت تقدم الجهاديين، فإنها لم تضعفهم. إنهم منظمون جداً، وتم مؤخراً اكتشاف أنهم يملكون خنادق محصنة تحت الأرض في الموصل. بالإضافة إلى ذلك، إنهم يسيطرون على الحدود العراقية ـ السورية بشكل يسمح لهم بنقل قواتهم وأسلحتهم بسهولة. يؤيد بعض المراقبين فكرة إرسال جنود إلى الأرض، ولكن برأيي يجب مضاعفة عدد الضربات الجوية من أجل إضعاف داعش".

(لندن تمزج بين الضربات الجوية وقوات الكوماندوس)

صحيفة الفيغارو 27 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلها في لندن فلورانتان كولومب Florentin Collomp

     أشارت وزارة الدفاع البريطانية إلى أن القوات الجوية البريطانية قامت بثماني وثمانين مهمة في العراق منذ انضمامها إلى قوات التحالف الدولي، منها ست وعشرين "ضربة ناجحة". نشرت بريطانيا ثماني طائرات تورنادو، ثم أضافت إليها في بداية شهر تشرين الثاني بعض الطائرات بدون طيار من طراز Reaper التي شنت عشرة عمليات بنجاح.
     شاركت القوات البريطانية في المعركة من أجل استعادة السيطرة على مصفاة بيجي في شمال العراق، واستخدمت القنابل الموجهة بدقة من طراز Paveway وصواريخ هيلفاير Helfire. كما استهدفت أيضاً الخنادق المحصنة للدولة الإسلامية وسياراتها البيك آب والشاحنات والبلدوزرات المستخدمة لحفر الأنفاق، بالإضافة إلى مراكز القيادة والمراقبة في منطقة كركوك والمركز اللوجستي في إحدى ثكنات الجيش العراقي التي استولى عليها الجهاديون. كما شاركت أيضاً طائرات الشحن العسكرية والتجسس التابعة لسلاح الجو البريطاني.
     يبدو أن عدد الضربات الناجحة يبقى متواضعاً بالنظر إلى الوسائل المتوفرة، كما أن تدمير العربات التقليدية للعدو عبر القنابل الموجهة بدقة يُكلف ملايين اليوروات لكل قنبلة منها. يمكن تفسير ندرة النجاحات العسكرية أيضاً عبر صعوبة تحديد الأهداف التي يجب قصفها في ظل القواعد الصارمة جداً التي تهدف إلى تجنب أية ضحية جانبية.
     إذا كانت لندن قد تعهدت بعدم إرسال قوات على الأرض، فإن القوات الخاصة SAS تتدخل بشكل إضافي أثناء عمليات الكوماندوس في العراق، أو حتى في سورية أحياناً. رفض وزير الدفاع البريطاني تأكيد أي تدخل للقوات الخاصة SAS، ولكن صحيفة الديلي ميل Daily Mail سربت معلومات ـ ربما يكون التسريب منظماً ـ مفادها أن هذه العمليات ربما سمحت بقتل حوالي مئتي جهادي خلال الهجمات المفاجئة ليلاً في أغلب الأحيان. إنه عدد لا يستهان به بالمقارنة مع مقتل ثمانمائة جهادي في العمليات الجوية.                                                                                                         


الأربعاء، ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٤

(فابريس بالانش: "النظام بذل كل ما بوسعه لمنع أية حياة طبيعية في المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين")

صحيفة الليبراسيون بتاريخ 25 تشرين الثاني 2014 ـ مقابلة مع الباحث المختص بالجغرافية السياسية لسورية فابريس بالانش Fabrice Balanche، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات حول البحر المتوسط والشرق الأوسط ـ أجرى المقابلة جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

سؤال: لماذا أخطأت أغلبية المحللين حول قرب سقوط النظام؟
فابريس بالانش: هناك سبب لهذا التفسير الخاطئ لمجريات النزاع يكمن في استخدام أدوات العلوم الإنسانية والسياسية والاجتماعية غير الملائمة لحالة الحرب، ولأن نظام الأسد ليس نظاماً "عادياً". كان يجب اللجوء إلى أدوات الاستراتيجية العسكرية والاستراتيجية المضادة للتمرد بعد تحول الأزمة السورية نحو العنف الشامل. أعطت قوات النظام انطباعاً بأنها تخلت عن أراضي واسعة تحت ضغط المتمردين، ولكنها فعلت ذلك لكي تُركّز جهودها على المناطق الاستراتيجية والمدن ومحاور الاتصالات الحيوية، ثم استأنفت الهجوم. ولكن المقصود قبل أي شيء آخر كان السماح بهروب العناصر غير الموثوقة من أجل تجنب خيانتهم في ذروة مرحلة الهجوم. إن انشقاقات الضباط القادة وبعض أعضاء الحكومة خلال صيف عام 2012 لم يكن إلا تطهيراً "طوعياً" وليست المرحلة التي تسبق الموت. تم استبدال جميع هذه الأطر بسرعة عبر دفعة من الجيل الجديد التي تريد إثبات ولائها عبر فعاليتها. أخيراً، وجد النظام في مكافحة الإرهاب الإسلامي الإيديولوجيا المضادة للتمرد والضرورية لتعبئة معسكره. يسيطر النظام حالياً على 40 % من الأراضي السورية، ولكنها تضم ثلاثة أرباع السكان المقيمين الذين يقدر عددهم بثماني عشرة مليون نسمة، نظراً لأن خمس ملايين نسمة أصبحوا لاجئين في الخارج.
سؤال: كيف قاد الأسد الهجوم المضاد للتمرد؟
فابريس بالانش: لا يمكن مقارنة هذا الهجوم من حيث عدد الضحايا والدمار مع الهجوم المضاد الذي شنته الدول الغربية في أفغانستان والعراق، ولكن المبادئ هي نفسها: أي عزل المتمردين عن السكان المدنيين، ومحاولة كسب السكان إلى جانبهم. ليس المقصود بالضرورة كسب قلوب الناس كما كان عليه الحال بالنسبة لشعار الجنرال دافيد بيتراوس في العراق، بل إثارة مشاعر الخوف بشكل أكبر مما يثيره الخصم من أجل إجبار المدنيين على البقاء في معسكره. من الضروري أيضاً الحفاظ على الأمن وحسن سير المؤسسات في المناطق التي تسيطرون عليها لكي تُثبتون للمدنيين بأنكم تمثلون النظام والأمن. لم يعد السكان يتطلعون إلا إلى عودة السلام بعد عدة أشهر من النزاع الدامي، وتخلوا عن مطالبهم السياسية: إنهم لا يسيروا وراء القضية الأكثر عدالة، بل وراء القادر على إعادة الأمن بأسرع وقت ممكن. بشكل موازي، بذل النظام كل ما بوسعه لمنع أية حياة طبيعية في المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين من أجل تجنب إدارة أية منطقة بشكل جيد وتحولها إلى نموذج مضاد. إن القصف الأعمى على المناطق المدنية وتدمير البنى التحتية يدخل في نطاق هذه الاستراتيجية. يُضاف إلى ذلك عدم قدرة المعارضة على تشكيل جيش حقيقي.
سؤال: هل النظام مهدد بنقص في المقاتلين؟
فابريس بالانش: صحيح أن الطائفة العلوية مُنهكة، وتخشى من تعرضها للقتل في حال انتصار التمرد، وأنها في مأزق. حصلت بعض الحركات الغاضبة لدى السكان العلويين ضد قادة الجيش بعد استيلاء الدولة الإسلامية على مطار الطبقة في شهر آب وذبح الجنود، ولكنهم رصوا صفوفهم سريعاً. يقوم حزب الله الذي يضم عشرين ألف جندي بالتعويض عن القوات التي تنقص النظام، بالإضافة إلى المتطوعين الشيعة العراقيين. يقوم الإيرانيون بتقديم المشورة حول الاستراتيجية، وتم استخدامهم كإطار لإنشاء قوات الدفاع الوطني في ربيع عام 2012 من أجل تحمل مسؤولية الشرطة والسماح للجيش بشن الهجمات. يتم تأهيل الأطر في إيران، ويقوم حزب الله بتدريب الرجال ميدانياً. لا يمكن نجاح مكافحة التمرد بدون المساعدة الإيرانية الكبيرة والمساعدة الروسية أيضاً. إن أحد نقاط قوة مكافحة التمرد هو التمتع بحلفاء أقوياء، بينما اتصف حلفاء المتمردين بالفتور. إن حلفاء المتمردين مثل تركيا والسعودية وقطر يدعم كل منهم مجموعة مختلفة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم انقسامات التمرد.
سؤال: هل الاستيلاء على حلب هو الهدف الأولي بالنسبة للنظام؟

فابريس بالانش: إن استعادة المدينة الثانية في سورية، حتى لو كان نصفها مدمراً، يُشكل بالنسبة لبشار الأسد انتصاراً رمزياً واستراتيجياً وإعلاناً بنهاية التمرد في شمال ـ غرب سورية. ثم سيكون كافياً احتواء الأخين التوأمين الإسلاميين داعش وجبهة النصرة في الشرق وبعض الجيوب القريبة من جبال لبنان. إن تدميرهما ليس مرغوباً لأن الأسد يعرف بأن أوباما يعتبر بأنه لم يعد خطراً وأن الدولة الإسلامية هي الخطر. من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى تهدئة حدة معارضي الأسد وحلفائهم الإقليميين.

(شبح بريطانيا غير قابلة للحكم في مواجهة الأحزاب المتطرفة)

صحيفة الفيغارو 24 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلها في لندن فلورانتان كولومب Florentin Collomp

     اعتاد الحزبان التقليديان الحاكمان في بريطانيا حزب المحافظين وحزب العمال على الفوز بـ 90 % من أصوات الناخبين،  ولكنهما يجدان صعوبة حالياً في الفوز بـ 65 % من أصوات الناخبين. إن أياً من الحزبين غير قادر على الفوز بالأغلبية المطلقة في الانتخابات القادمة. إن الريبة بالمؤسسة السياسية تشجع على صعود الأحزاب المتطرفة والقوميين والأحزاب الهامشية.
     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الانشقاقات الهامة لبعض نواب حزب المحافظين وانضمامهم إلى الحزب المعادي لأوروبا UKIP (United Kingdom Independence Party)، فإن طبيعة الحياة السياسية البريطانية ونظامها الانتخابي يبدو أنهما على وشك الانهيار تجاه تشتت أصوات الناخبين. يمثل النظام السياسي البريطاني ركيزة للاستقرار في الأزمة التي تواجهها أوروبا، ولكنه بدأ مرحلة من التردد العميق. إن الأحزاب والمحللين السياسيين غارقين في ورطة الحيرة تجاه النتائج المنتظرة للانتخابات العامة في شهر أيار القادم. قال رئيس معهد استطلاعات الرأي YouGov بيتر كيلنر Peter Kellner أنه "لم يشهد إطلاقاً مثل هذا المستوى من الحيرة قبل فترة قصيرة من الانتخابات".
     أدت نجاحات حزب UKIP إلى إعادة خلط الأوراق. إنه حزب مهووس بعدائه لأوروبا، وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أنه يحافظ على أكثر من 15 % من الأصوات بشكل يسمح له بالفوز بعشرة أو عشرين معقداً في البرلمان البريطاني، وذلك على حساب مقاعد الحزب المحافظ بشكل أساسي. النتيجة، من الممكن أن يخسر المحافظون بزعامة دافيد كاميرون فرصتهم في الفوز بالانتخابات القادمة على الرغم من الانتعاش الاقتصادي.
     في المقابل، هناك حزب العمال بزعامة إد ميليباند Ed Miliband الذي يفتقد للكاريزما، ولا يتمتع بالشعبية، ويتعرض للانتقاد داخل حزبه، ولم ينجح بالاستفادة من حالة عدم الرضى تجاه الحكومة كما هو مفترض بالنسبة لحزب معارض. يتعرض حزب العمال للمنافسة أيضاً من قبل حزب UKIP لدى الطبقة العمالية، كما يتعرض للتهديد في الشمال من قبل القوميين الاسكتلنديين الذين ازدادت شعبيتهم على الرغم فشل الاستفتاء حول استقلال اسكتلندا. أصبح الحزب الوطني الاسكتلندي Scottish National Party الحزب الثالث في بريطانيا، ومن الممكن أن يحصل على خمسين مقعداً في غرفة العموم على حساب حزب العمال.
     انهار الليبراليون ـ الديموقراطيون بعد مشاركتهم في التحالف الحكومي مع حزب المحافظين، وحصل حزب الخضر على جزء من الأصوات التي خسرها حزب العمال. لقد تراجع حكم الحزبين، وفسح المجال أمام ظهور العديد من الأحزاب كما هو الحال في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. يعتبر دينيس ماكشين Denis MacShane، وزير سابق في حكومة طوني بلير، أن هذا الوضع يُذكر بالوضع في فرنسا أثناء الجمهورية الرابعة بين عامي 1946 و1958، أي: "الكثير من أحزاب المعارضة، والقليل من الاقتراحات".
     إذاً، يتجه الوضع نحو برلمان بدون أغلبية. يعتمد النظام الانتخابي البريطاني على تنظيم انتخابات من دورة واحدة، وهو ليس مهيئاً لضمان التمثيل النسبي للناخبين المشتتين داخل تحالف واحد. من الممكن أن تظهر تحالفات جديدة غير مسبوقة وأكثر خطورة بعد التحالف الهش بين المحافظين والليبراليين ـ الديموقراطيين. يشعر حزب UKIP بالسرور لأنه أصبح صانع الملوك، ويملي شروطه لدعم الحكومة القادمة، أي تنظيم استفتاء حول أوروبا في صيف عام 2015. من الممكن أن يتحول الحزب الوطني الاسكتلندي أيضاً إلى قوة للارتكاز عليها، ولكن دون أن يغيب عن الذهن هدفه النهائي المتمثل باستقلال اسكتلندا. إن وجود حكومة غير مستقرة ومشتتة بين العديد من الأحزاب المتعارضة سيُعرض الحكومة إلى خطر سقوطها بعد عدة أشهر من وصولها إلى السلطة. 



الثلاثاء، ٢٥ تشرين الثاني ٢٠١٤

(تغير مفاجئ)

افتتاحية صحيفة الليبراسيون 25 تشرين الثاني 2014 بقلم ألكسندرا شوارتزبرود Alexandra Schwartzbrod

     يشهد الشرق الأوسط تحولات جديدة مفاجئة ستُغيّر مجرى الحروب فيه. إذا نظرنا إلى التطورات الأخيرة على الأرض، يبدو لنا ظهور تحالف فعلي بين الولايات المتحدة ونظام بشار الأسد في مواجهة جهاديي الدولة الإسلامية. باختصار، تعتبر الولايات المتحدة أن الدولة الإسلامية أصبحت العدو الأول، وأنها تقبل بأي شيء ماعدا سفاحي المنظمة الجهادية. وذلك حتى لو كان الثمن هو الحفاظ على النظام السوري الذي يستخدم الطائرات المروحية لإلقاء براميل المتفجرات على السكان المدنيين.

     يعتبر بشار الأسد أن الهدف الأول هو الانتصار على التمرد بفضل مساعدة حزب الله وإيران وروسيا وبشكل غير مباشر الولايات المتحدة التي تقصف مواقع الدولة الإسلامية. إنه على وشك الانتصار في حلب كما تشير الشهادات التي ننشرها. يستأنف طاغية دمشق التقدم في حلب، وذلك في الوقت الذي يقصف فيه الأمريكيون جهاديي الدولة الإسلامية في كوباني لمنعهم من السيطرة على هذه المدينة الكردية، كما يقصفوهم في مدن أخرى. إنه نوع من توزيع المهام الذي يركز على المصالح القصيرة الأمد، ويقع ضحيته السكان المدنيون والمتمردون السوريون المعتدلون.

("الرهان هو بقاء الثورة على قيد الحياة")

صحيفة الليبراسيون 25 تشرين الثاني2014 بقلم مراسلتها الخاصة على الحدود التركية ـ السورية هالة قضماني

     قال بسام حاجي مصطفى Bassam Hajji Mustapha، قائد أحد الكتائب النادرة التي تقدم نفسها كعلمانية وعضو "مجلس قيادة الثورة" الذي يضم الكتائب المحلية للتمرد المسلح في سورية، أثناء زيارته إلى تركيا: "لا أحد يهتم بالمعركة الحاسمة التي تدور في حلب. يستمر حمام الدم يومياً منذ عدة أشهر. يموت المدنيون بالعشرات تحت براميل المتفجرات التي ترميها طائرات النظام، ويموت جنودنا على الجبهات التي نقاتل فيها. إن الرهان هو بقاء الثورة السورية في الشمال على قيد الحياة".
     تتزايد التحذيرات حول خطر سقوط حلب منذ قيام قوات بشار الأسد بشن عملية "استعادة" حلب في بداية العام. أصبح تهديد الحصار واضحاً خلال الصيف، عندما استعادت القوات الحكومية السيطرة على المنطقة الصناعية في شمال ـ غرب حلب ومدينة حندرات التي تجري فيها المعركة الحاسمة بين الطرفين. إذا سقطت حندرات، سيقع الجزء الكبير الذي يسيطر عليه المتمردون في حلب بفخ البرد والجوع مع ثلاثمائة  ألف نسمة تعيش فيه. كثف نظام الأسد حملته الجوية خلال الأيام الأخيرة ساعياً إلى تعزيز تقدمه العسكري والسياسي بنظر العالم الذي يعتبره اليوم كأقل الشرور بالمقارنة مع الدولة الإسلامية. قامت المعارضة المسلحة غير الجهادية برص صفوفها في حلب تحت ضغط الرأي العام والسلطات المدنية من أجل مواجهة هذا التهديد. قام ائتلاف المعارضة يوم الاثنين 24 تشرين الثاني بتشكيل خلية أزمة لـ "إنقاذ حلب"، وطلب خطة للمعركة من هيئة أركانه والمجلس العسكري، وأعد مساعدة لوجستية وإنسانية بالتشاور مع المجالس المدنية المحلية.
     اعترف بسام حاجي مصطفي قائلاً: "إن خطر الحصار ليس فورياً". قام رئيس المجلس العسكري في حلب العقيد زهير الساكت بجولة في المدينة لدى المقاتلين والسكان يوم الاثنين 17 تشرين الثاني لكي يؤكد لهم أن حلب لن تُحاصر من قبل النظام، وقال: "نحن نقاوم بأعجوبة عبر وسائلنا المحدودة والذخيرة التي تصلنا بالقطارة". ظهر هذا التصميم أيضاً في رسالة إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستافان دو ميستورا Staphan de Mistura للإشارة إلى أن التمرد لن يوافق على التنازلات بدون مقابل في خطته لـ "تجميد" المعارك على الجبهات في حلب. من الصعب معرفة حقيقة موازين القوى على الأرض نظراً لتعاقب التصريحات المتباهية وصرخات التحذير.
     ساد الهدوء في جبهة هامة بالنسبة للمتمردين السوريين الذين يواجهون الدولة الإسلامية في المعرة الواقعة في منتصف الطريق بين حلب والحدود مع تركيا. إن تجميد هذه الجبهة سمح للمجموعات المتمردة بمقاومة هجمات القوات المؤيدة للنظام في حندرات. قال أحد المقاتلين في شمال سورية: "تضم القوات المؤيدة للنظام في حندرات عدداً قليلاً من السوريين، ويقودها ضابط لبناني من حزب الله. يوجد بين السجناء الذين وقعوا بأيدينا بعض الإيرانيين والباكستانيين، إنهم لا يستطيعوا القتال بجدية على أرض ليست أرضهم". يشن المتمردون حرب استنزاف في مواجهة قوات مؤيدة للنظام بدون قناعة وجهاديين تحت الضغط. يبدو أن المعركة في شمال سورية تدور بين ثلاثة أطراف أصابهم الضعف، وأعرب بسام حاجي مصطفى عن خشيته قائلاً: "ولكن الخطر يمكن أن يأتي اليوم من طرف رابع هو جبهة النصرة".
     استعاد تنظيم القاعدة مؤخراً السيطرة على جزء كبير من منطقة إدلب، وطرد منها "الثوار" غير الإسلاميين التابعين لجمال معروف، ولا يتسامح مع خلافة البغدادي المنشقة.  قال بسام حاجي مصطفي: "في الوقت الحالي، إن تنظيم القاعدة لا يهاجمنا، ولكنه يستطيع شن بعض المعارك الخطيرة بشكل يؤدي إلى إفراغ جبهة حندرات في مواجهة النظام". بدأ هجوم قبل يومين بمبادرة من جبهة النصرة ضد قريتين علويتين محاصرتين في شمال حلب، وتحاول قوات الأسد فك هذا الحصار. اعتادت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة على مثل هذا النوع من العمليات عبر مهاجمة قوات الأسد أولاً، ثم إضفاء الشرعية إلى سيطرتها على التمرد المعتدل. لم تتوضح معركة حلب حتى الآن، وما زال ذلك بعيداً.




(التمرد المعتدل في طريقه نحو الزوال)

صحيفة الليبراسيون 25 تشرين الثاني 2014بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     بدأ القصف الأمريكي ضد مواقع الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في شمال وشرق سورية بتاريخ 22 أيلول. قال توما بييريه Thomas Pierret، الأستاذ المحاضر في إدينبيرغ في اسكتلندا: "من وجهة النظر العسكرية، إن هذا القصف لا يغير شيئاً إطلاقاً. تتركز أغلبية خسائر الدولة الإسلامية في كوباني، ولم يكن هناك أي تأثير للقصف في بقية أنحاء سورية. على الصعيد السياسي، إن الحصيلة كارثية. لا يمكن للدولة الإسلامية أن تحلم بأفضل من ذلك لتحسين صورتها وذلك بعد أن كانت أغلبية السوريين تكرهها. فيما يتعلق بالمجموعات المتمردة المعتدلة والمدعومة من الولايات المتحدة، لقد أصبحوا في وضع لا يُطاق". لم تخسر الدولة الإسلامية أي موقع في سورية منذ نهاية شهر أيلول باستثناء تراجع الجهاديين في كوباني. ما زالت هذه المجموعة تسيطر على مناطق واسعة في الشرق ودير الزور والرقة بالإضافة إلى بعض القرى على الحدود مع تركيا.
     تحولت الضربات الأمريكية أيضاً إلى عامل مثالي للتجنيد. قال أحد جهاديي جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة: "انضم أغلبية الجهاديين الذين كنت أقاتل معهم إلى الدولة الإسلامية خلال الأسابيع الماضية. حتى لو كنا مختلفين معهم حول الطريقة التي أقاموا بها خلافتهم، فإنهم مسلمون سنة يتعرضون للقصف الأمريكي. من الطبيعي مساعدتهم". الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن متمردي المجموعات المعتدلة انضموا أيضاً إلى الدولة الإسلامية. إن هذه الظاهرة واضحة جدا في إدلب. يعود سبب هذه الانشقاقات أيضاً إلى تشتت المتمردين المعتدلين في جبهة الثوار السوريين وحركة حزم الذين يحصلون على تمويلهم وأسلحتهم من الولايات المتحدة والسعودية، إنهم ليسوا سلفيين ولا جهاديين ولا حتى إخوان مسلمين، ويشكلون المعارضة شبه المثالية ضد النظام السوري بالنسبة لواشنطن.
      لقد تعززت صورة جبهة الثوار السوريين في شهر كانون الثاني الماضي عندما نجحوا في طرد الدولة الإسلامية من المنطقة. ولكن العلاقات توترت شيئاً فشيئاً مع جبهة النصرة على خلفية النزاع من أجل السيطرة على تهريب النفط إلى تركيا. تحول هذا النزاع إلى حرب مفتوحة في بداية شهر تشرين الثاني، وتمكنت جبهة النصرة خلال عدة أيام من طرد جبهة الثوار السوريين وحركة حزم، واستولت على جزء من أسلحتهم وسيارات البيك آب والدبابات. قال أرون لاند Aron Lund المسؤول عن موقع Syria in Crisis التابع لمؤسسة كارنيجي: "كانت المواجهة مع جبهة النصرة متوقعة. كان الجهاديون يعرفون بأن هذه المجموعات تحصل على الأسلحة من الولايات المتحدة، وأنها ستنقلب في النهاية ضد تنظيم القاعدة. ربما كان القصف الأمريكي هو العامل الذي تسبب بذلك".
     بالمقابل، يبدو أن تنظيم القاعدة الذي استهدفته الضربات الأمريكية ايضاً لم يعد قادراً على مواجهة الدولة الإسلامية. تتحدى هاتان المجموعتان بعضهما البعض منذ محاولة الدولة الإسلامية بامتصاص جبهة النصرة عام 2013. قرر زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني في شهر أيلول الانتقال إلى الهجوم، ودعا أغلب ضباطه إلى اجتماع في المعرة. قال أحد أعضاء جبهة النصرة: "كانت رسالته أنه يجب علينا الآن القتال ضد الدولة الإسلامية"، ولكن أغلب المقاتلين رفضوا طلبه، لأنهم يترددون حيال فكرة فتح جبهة جديدة. ثم أضاف هذا الجهادي قائلاً: "أصبح الوضع أسوأ منذ القصف الأمريكي. كيف تريدون أن نذهب للقتال ضدهم في الوقت الذي يتعرضون فيه للقصف؟". أشارت وكالة أسوشيتد برس AP إلى أن اجتماعاً للمصالحة بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة انعقد بتاريخ 2 تشرين الثاني في أتارب. هل توصل هذا الاجتماع إلى نتيجة؟ قال أرون لاند: "لا أعتقد بإمكانية التوصل إلى اتفاق شامل حالياً، ولكن المجموعتين اللتين تتعرضان للقصف الأمريكي يمكنهما التوصل إلى اتفاقات تكتيكية ومحلية بين القيادات".
     لم تعد الدولة الإسلامية تخشى أيضاً من خصمها الرئيسي داخل التمرد السوري المتمثل بمنظمة أحرار الشام. إن هذه المنظمة السلفية والقومية كانت إحدى أقوى المجموعات في شمال سورية، وشن مقاتلوها الهجوم ضد الدولة الإسلامية في شهر كانون الثاني 2014 بسبب غضبهم من عمليات الاغتيال ضد العديد من  قادتهم. أصاب الضعف مجموعة أحرار الشام بعد عملية التفجير الغامضة التي قتلت قادتهم في شهر أيلول، ثم تعرضت إلى ضربة جديدة بتاريخ 6 تشرين الثاني عندما قصفت الولايات المتحدة مركز قيادتها في باب الهوى. أثارت هذه الضربة ذهول المحللين، قال أحد الدبلوماسيين: "برأيي، لا يمكن أن يكون ذلك خطأ". أعرب أحد مؤسسي مجموعة أحرار الشام عن غضبه في مقابلة مع موقع Syria in crisis قائلاً: "إنه عمل لا يمكن تبريره. نحن نعتبر ذلك محاولة لقتل الثورة وتجاهل المجرم الحقيقي وهو نظام بشار الأسد". قال توما بييريه: "الواقع هو أن الإدارة الأمريكية تقول بوضوح أن الهدف ليس إسقاط الأسد. في الحقيقة، ليس لديها أية خطة باستثناء الخطة المبهمة جداً حول تدريب ألف متمرد خلال سنتين. إنها لا تقدم أي أفق إلى السكان الذين يتعرضون للقصف ويعيشون تحت سيطرة الدولة الإسلامية. إنه أمر مُروع".




الاثنين، ٢٤ تشرين الثاني ٢٠١٤

(موجة الصدمة النفطية المعاكسة)

صحيفة الفيغارو 24 تشرين الثاني 2014 بقلم الباحث الاقتصادي نيكولا بافريز Nicolas Baverez

     إن انخفاض سعر النفط بنسبة 32 % خلال الأشهر الخمس الماضية يشكل اضطراباً اقتصادياً وإستراتيجياً. لم يكن أحد يتوقع انخفاض سعر برميل النفط برنت إلى أدنى من ثمانين دولاراً للبرميل الواحد، وذلك بعد أن كان يتأرجح بين 100 و120 دولار منذ عام 2010. يمكن تفسير هذا الانخفاض أولاً عبر صدمة العرض المترافقة مع الثورة التكنولوجية والجغراسياسية.
     سيطرت النظريات المالتوسية المتعلقة بارتفاع الطلب على أسواق الطاقة لفترة طويلة بسبب تزايد عدد السكان. ولكن الابتكارات المتعلقة بالهيدروكربونات غير التقليدية أظهرت خطأ هذه النظريات، الأمر الذي سيسمح للولايات المتحدة بأن تصبح مرة أخرى الدولة الأولى المنتجة لها في العالم مع نهاية هذا العقد وإعادة توطين الصناعات فيها. أصبحت الولايات المتحدة تُنتج تسعة ملايين برميل نفط يومياً بشكل يغطي 60 % من احتياجاتها الحالية (16 مليون برميل يومياً) بعد أن كانت تُغطي 40 % من احتياجاتها عام 2010. ستصبح الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفط قبل عام 2020.
     في الوقت الحالي، هيمنت زيادة الانتاج الأمريكي من النفط على بقية الاعتبارات الأخرى المتعلقة بعوامل المخاطرة المتعلقة بارتفاع درجة حرارة المناخ وتحديد سقف ارتفاع درجات الحرارة بدرجتين مئويتين بحلول عام 2100، وبكارثة فوكوشيما التي تسببت بارتفاع كبير في سعر الغاز في آسيا، وبالتوترات الاستراتيجية الناجمة عن تفكك الدول في الشرق الأوسط والحرب الباردة الثانية التي بدأتها روسيا.
     ما زال انتاج النفط في العراق وليبيا ديناميكياً على الرغم من الفوضى، كما أن العقوبات الدولية لم تؤثر على الاستثمارات النفطية الروسية (عشرة ملايين نفط يومياً). اتسعت صدمة العرض النفطي بسبب تباطؤ النمو العالمي الذي يهدد بالاتساع من الاستثمار إلى الاستهلاك. تراجع النمو في الدول الصاعدة بسبب إعادة توجيه النموذج الصيني نحو الاستهلاك الداخلي بدلاً من النموذج القائم على الصادرات، وهذا هو السبب الذي يُفسر إلى حد كبير تراجع التجارة العالمية التي انخفض معدل نموها السنوي من 6 % بين عامي 1990 و2008 إلى 2.2 % حالياً.
     يترافق انخفاض سعر النفط أيضاً مع بعض العوامل الجغراسياسية الحاسمة. أدى انخفاض سعر النفط إلى إضعاف عدد من الدول المتمردة على المجتمع الدولي مثل روسيا وإيران وفنزويلا. من جهة أخرى، يحقق هذا الانخفاض المصالح السعودية في إطار الشكل الجديد وغير المسبوق للشرق الأوسط الذي يشهد تشكيل محور بين المملكة الوهابية ومصر وإسرائيل في مواجهة المحور الشيعي المكون من إيران والعراق وسورية وحماس وحزب الله. هذا هو السبب الكامن وراء القرار السعودي بعدم تخفيض إنتاجها النفطي والحفاظ على مستوى انتاج الدول المصدرة للنفط البالغ ثلاثين مليون برميل يومياً.
     من المفترض أن تساهم جميع الأسباب المذكورة أعلاه في بقاء سعر النفط حول ثمانين دولاراً للبرميل الواحد لفترة طويلة، إلا إذا تدهور الوضع الدولي. تمثل الصدمة النفطية المعاكسة أمراً إيجابياً بالنسبة للاقتصاد العالمي، وسيزداد إجمالي الناتج المحلي PIB العالمي 0.2 % مع الإبقاء على معدل منخفض للتضخم. تمثل هذه الصدمة النفطية المعاكسة أيضاً تحويلاً للثروة بمقدار ثلاثة مليارات دولار يومياً من الدول المنتجة للنفط إلى الدول المستهلكة له.
     ساهمت هذه الصدمة النفطية المعاكسة في تعزيز الانتعاش الاقتصادي الأمريكي، ووصل معدل النمو السنوي في الولايات المتحدة حالياً إلى أكثر من 3 % على الرغم من استقرار الاستثمار والعمالة في قطاعات الهيدروكربونات غير التقليدية. من الممكن أن تستفيد أوروبا أيضاً بمعدل 0.2 % في النشاطات الاقتصادية. سيكون تأثير هذه الصدمة النفطية المعاكسة حياديا على اليابان بسبب انخفاض سعر عملتها بنسبة 25 %. بالمقابل، ستتعرض الدول الكبرى المصدرة للنفط لخسائر كبيرة في مواردها المالية، ولاسيما روسيا ـ التي يتسارع تدهور سعر عملتها وهروب رؤوس الأموال منها ـ  وإيران والعراق والبرازيل وفنزويلا ونيجيريا وأنغولا والجزائر.
     تبرز ثلاثة دروس من هذه المعطيات النفطية الجديدة. أولاً، إن تزايد الصدمات والمفاجآت الاستراتيجية أصبح العلامة المميزة للقرن الواحد والعشرين الذي يُجبر الأفراد والشركات والدول على التأقلم بشكل دائم. ثانياً، إن إفلاس التنبؤات المالتوسية لا يعني التشكيك بضرورة أن يكون هناك إدارة اقتصادية للطاقة والمواد الأولية، وإعطاء الأولوية للابتكارات التكنولوجية بدلاً من إدارة النقص في الموارد عبر الضرائب. ثالثاً، إن انهيار سعر النفط، مثل انهيار سعر اليورو، يُشكل بالوناً من الأوكسجين بالنسبة لفرنسا وأوروبا، ولكن لا يجب استخدامه كوسيلة للحفاظ على الوضع القائم بل كوسيلة لتسريع الإصلاحات الأساسية القادرة لوحدها على توليد النمو والعمالة بشكل دائم.


الأحد، ٢٣ تشرين الثاني ٢٠١٤

(فرنسا تشدد حربها ضد داعش)

صحيفة الفيغارو 22 تشرين الثاني 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot وآلان بارليويه Alain Barluet

     تتصاعد قوة الحرب ضد داعش بالتعاون بين الولايات المتحدة وفرنسا، وإن كانت هذه الحرب لا تخلو من الصعوبات. تجاوز الانخراط العسكري الفرنسي مرحلة جديدة يوم الأربعاء 19 تشرين الثاني مع الإعلان عن نشر ست طائرات ميراج 2000 D في قاعدة الأزرق الأردنية بالقرب من الحدود العراقية. سيؤدي ذلك إلى اقتراب الطائرات الفرنسية من المناطق التي تتدخل فيها بالعراق.
     من المفترض أن تبدأ مرحلة الهجوم المضاد بعد عدة أشهر بالتعاون مع الجيش العراقي والبشمركة على الأرض، وذلك بعد انتهاء مرحلة الاحتواء. من الآن فصاعداً، تتركز الطائرات الفرنسية المخصصة للقصف في الأردن، وتتركز الطائرات المخصصة للاستخبارات في الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع طائرة  تجسس من طراز Atlantique 2.
     وصل مؤخراً حوالي عشرة عناصر من القوات الخاصة الفرنسية إلى بغداد، وهم من جنود النخبة في كوماندوس المظليين CPA 10. إنهم مكلفون بمهمة مزدوجة: الأولى هي المشاركة في تحديد الأهداف من أجل قصفها بالطائرات الفرنسية المقاتلة. ما زالت باريس ترفض انتشار جنودها على الأرض مؤكدة أن هذا الدور يقتصر على القوات المحلية. ولكن مصدراً عسكريا في باريس قال إلى صحيفة الفيغارو: "إن القوات الخاصة موجودة في بغداد أيضاً من أجل دراسة ظروف احتمال تعزيز القوات الفرنسية على الأرض. إن قواتنا الخاصة موجودة هنا من أجل دراسة ما هي المهمة التي سيُكلف بها الجنود الفرنسيون على الأرض، وما هي الوحدات التي يجب نشرها في حال اتخاذ قرار بهذا الشأن يوماً ما".
     تلعب العلاقات الفرنسية ـ الأمريكية دوراً حاسماً في هذا السياق. فيما يتعلق بسورية، يتعاون الفرنسيون والأمريكيون حول برنامج (التدريب والتجهيز) Train and Equip الذي أعدته واشنطن بخصوص المتمردين المعتدلين السوريين. أكد مصدر واسع الإطلاع قائلاً: "هذا البرنامج في طور التنفيذ". بالمقابل، لا تميل باريس إلى المشاركة في البرنامج الأمريكي (التدريب وتقديم المشورة والمساعدة) Train, Advise and Assist بخصوص تأهيل الجيش العراقي، بسبب انشغال القوات الفرنسية في أفريقيا ومحدودية إمكانياتها.
     انزعجت بغداد من فرنسا بسبب تركيزها على تقديم المساعدة إلى الأكراد. ولذلك لا تريد باريس إعطاء الانطباع بإهمالها للسلطة المركزية في العراق لصالح كردستان. تعرف باريس أن إعادة تشكيل السلطة السياسية في العراق تمر عبر بغداد، ويُلاحظ أن الولايات المتحدة بدأت "مرحلة جديدة" في انخراطها ضد داعش في العراق. بدأت واشنطن بنشر جنودها على الأرض بالإضافة إلى إرسال ألف وخمسمائة مستشار عسكري إضافي، كما أرسلت معدات جديدة. كما يملك الأمريكيون طائرات مسلحة بدون طيار وعشرات الطائرات المروحية المقاتلة أباتش. قال خبير متخصص بالعراق: "تحتاج الطائرة بدون طيار إلى وجود فريق عمل كامل. تحتاج طائرة أباتش إلى فريق يضم عشرين جندياً. أرسل الأمريكيون مئتا جندي من  أجل الطائرات المروحية وما يعادلهم من الفنيين. من المحتمل أن يتجه الوضع نحو نشر عدة ألاف جندي أمريكي آخرين على الأرض. إن أوباما ليس متحمساً، لكن بعض الأصوات حوله يؤيدون بقوة هذا التوجه".
     هناك أمر يثير حيرة الفرنسيين في بغداد هو الاستعدادات الجارية لإعادة تشغيل قاعدة الحماية الأمريكية FOB Prosperity (Forward Operating Base)، وهي إحدى القاعدتين العسكريتين الأمريكيتين في المنطقة الخضراء اللتين تم تجميدهما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في نهاية عام 2011. استعاد الجيش العراقي مؤخراً بعض المواقع من الجهاديين، ولكن الفرنسيين والأمريكيين ما زالوا مُقتنعين بأن استعادة الموصل سيتطلب وقتاً ودعماً هاماً من القوات العراقية.



السبت، ٢٢ تشرين الثاني ٢٠١٤

(عرقلة تقدم داعش في سورية والعراق)

صحيفة الفيغارو 22 تشرين الثاني 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     تعرقل تقدم داعش في العراق وسورية بعد مئات الضربات الجوية من قبل التحالف الدولي ضد مواقعه ومقتل المئات من عناصره. قال محلل غربي في بغداد على الهاتف: "أصبحت تحركات القوافل اللوجستية لداعش أكثر فأكثر صعوبة. فيما يتعلق بمدافعه، إنها تتعرض للقصف حالما تتحرك". لم يستخدم الأمريكيون طائراتهم المروحية أباتش إلا مرة واحدة عندما هاجموا مواقع داعش التي تهدد مطار بغداد، واضطر الجهاديون إلى التراجع بعد ذلك.
     في سورية، تتركز قوات الدولة الإسلامية حول كوباني منذ أكثر من شهرين، وحقق الأكراد فيها تقدماً خلال اليومين الماضيين بفضل الدعم الجوي الأمريكي. قال خبير آخر بعد عودته من سورية: "جعل الأمريكيون من كوباني مصيدة، عندما سمحوا للجهاديين بالتجمع حولها من أجل استهدافهم بشكل أفضل". لقد مات أكثر من خمسمائة إرهابي في كوباني خلال شهرين من القصف.
     اضطرت داعش إلى إفراغ أغلب الجبهات الأخرى سواء في دير الزور أو في ريف حلب باعتبارهما المعقلين الرئيسيين لها بالإضافة إلى "عاصمتها" الرقة. هاجم الجهاديون مؤخراً بئرين نفطيين في محافظة دير الزور، ولكنهم اضطروا للتخلي عنهما سريعاً أمام الجيش النظامي. تمثل محافظة دير الزور منطقة إستراتيجية بالنسبة للدولة الإسلامية التي جعلتها قاعدتها الخلفية ليس فقط بسبب آبار النفط الموجودة فيها بشكل يسمح لها بتمويل نفسها عبر تهريب النفط، بل أيضاً لأن الجهاديين يخفون فيها أهم مستودعاتهم للأسلحة التي سرقوها من الجيش العراقي خلال استيلائهم على الموصل في شهر حزيران. لم ينجح الجهاديون حتى الآن بالسيطرة على مدينة دير الزور على الرغم من المحاولات العديدة، ويجب عليهم تقاسمها مع نظام بشار الأسد.
     اضطربت خطط داعش في منطقة شمال حلب أيضاً بسبب معركة كوباني. قال أحد الصحفيين في بيروت: "اضطرت الدولة الإسلامية منذ معركة كوباني إلى التخلي عن مهاجمة بقية المجموعات المتمردة المنافسة في منطقة شمال حلب مثل لواء التوحيد المقرب من الإخوان المسلمين". من جهة أخرى، اضطرت داعش إلى السماح لجبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة بفرض سلطتها على منطقة إدلب التي تطمح جبهة النصرة بإنشاء إمارة صغيرة فيها بدعم من مجموعة جند الأقصى بزعامة القطري عبد العزيز القطري.

     إذا كانت الضربات ضد داعش قد استطاعت التقريب بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة لفترة محددة، فإن الوساطة الأخيرة للإعلان عن هدنة بينهما قد فشلت. ما زال السكان المحليون ينظرون بشكل سيء إلى داعش التي تضم في صفوفها بعض العراقيين والكثير من الأجانب، وذلك بعكس جبهة النصرة التي يشكل السوريون أغلب عناصرها. باختصار، تنحني داعش أمام العاصفة في سورية والعراق، ولكنها هزيمتها ما زالت أمراً بعيداً. قال أحد الدبلوماسيين: "تعرض الجهاديون لضربة قوية، ولكن قدرتهم العسكرية ما زالت هامة، والأموال التي يملكونها ما زالت تسمح لهم بشراء ولاءات العشائر الضرورية لبقائهم على قيد الحياة".

(جو بايدن في زيارة شائكة إلى تركيا)

صحيفة اللوموند 22 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلتها في استانبول ماري جيغو Marie Jégo

     من المفترض أن يزور نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن تركيا يوم الجمعة 21 تشرين الثاني للاجتماع برئيس الوزراء التركي والرئيس التركي. تهدف هذه الزيارة إلى تلطيف العلاقات بين البلدين بعد التردد التركي في الانضمام إلى التحالف الدولي الذي يقصف جهاديي الدولة الإسلامية في العراق وسورية.
     لم تستجب تركيا إلى المطالب الأمريكية المتعلقة باستخدام قاعدة أنسيرليك الجوية من قبل طائرات التحالف الدولي. بالمقابل، ترفض واشنطن الاستجابة للمشروع التركي المتعلق بإقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي على حدودها مع سورية. كما تشعر واشنطن بالارتباك تجاه المطلب التركي الآخر حول إعطاء الأولوية نفسها لمكافحة نظام بشار الأسد ومكافحة الدولة الإسلامية.
     تتفق أنقرة وواشنطن على تدريب وتجهيز مقاتلي الجيش السوري الحر. وصلت طائرتا شحن أمريكيتين إلى مطار أتاتورك في استانبول قبل يومين من وصول جو بايدن، وتحملان على متنهما المعدات المخصصة لألفي عنصر في الجيش السوري الحر الذين يجري تدريبهم تحت إشراف الضباط الأمريكيين والأتراك في منطقة Kirsehir في الأناضول الوسطى. ولكن رجب طيب أردوغان قال يوم الأربعاء 19 تشرين الثاني أنه "لم يتم اتخاذ أي إجراء حاسم بهذا الخصوص". ما زالت العلاقات الباردة مستمرة بين أنقرة وواشنطن حول سورية والمسألة الكردية والعلاقات مع إسرائيل وقبرص.


(عالم الغد كما يراه فلاديمير بوتين)

صحيفة اللوموند 22 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلتها في موسكو إيزابيل ماندرو Isabelle Mandraud

     تشير المعلومات إلى وجود متزايد أكثر فأكثر للسفن الروسية على حدود المياه الإقليمية، وللطائرات الروسية في المجال الجوي للحلف الأطلسي الذي أحصى تواجدها أكثر من مئة مرة عام 2014، أي ثلاثة أضعاف تواجدها خلال العام الماضي. تتزايد إشارات الإنذار حدة أكثر فأكثر حول الوضع في شرق أوكرانيا التي تمثل محور الأزمة بين الشرق والغرب، وأصبح الغرب يؤكد أنه يستعد لـ "حرب شاملة". ردت الدبلوماسية الروسية بقولها: "إنها هذيانات"، ونفت تحليق الطائرات العسكرية ووصول القوافل العسكرية إلى دونباس في شرق أوكرانيا. يُحذر الغرب من وجود خطر، وأن فلاديمير بوتين يستعد للحرب.
     ظهرت روسيا معزولة جداً في قمة العشرين في استراليا خلال شهر تشرين الثاني، وذلك بعد إقصائها من قمة الثمانية في واشنطن خلال شهر نيسان الماضي. غادر الرئيس الروسي قمة العشرين بدون المشاركة في الاجتماع الختامي. لا يجب تفسير هذه البادرة من خلال المزاج السيء فقط، بل أيضاً باعتبارها إرادة مقصودة بتجاوز إطار العلاقات الدولية الناجمة عن نهاية الحرب الباردة. إن فلاديمير بوتين مصمم على تغيير النظام القائم عبر التشكيك بالحدود والمؤسسات العابرة للقوميات والقواعد الدولية، بالإضافة إلى استخدام القوة والدعوة إلى التعبئة العامة عبر الدبلوماسيين والجيش ووسائل الإعلام.
     طرح فلاديمير بوتين بنفسه هذا الموضوع بهذه الصيغة في كلمته التي ألقاها في سوتشي أمام نادي فيلداي Vildaï للحوار خلال شهر تشرين الأول الماضي، هذا النادي الذي يضم أهم رجال الأعمال الروس وبعض المحللين الأجانب. أكد فلاديمير بوتين قائلاً: "هناك عالم جديد مع قواعد جديدة أو رهان بدون قواعد؟ أعتقد أن هذه الصيغة تُعبّر بدقة عن المنعطف التاريخي الذي وصلنا إليه اليوم"، ثم أعطى مفتاحاً لقراءة مبسطة: سيكون ذلك إما مع موسكو أو ضد موسكو. وأضاف قائلاً: "ترافقت التغيرات في النظام العالمي ـ وكل ما نراه اليوم يشكل أحداثاً بهذا الحجم ـ بالحرب والنزاعات على الصعيد العالمي، على الأقل عبر سلسلة من النزاعات المحلية المكثفة. أعتقد أن النزاع في أوكرانيا لن يكون الأخير بالتأكيد".
     يعتبر الكريملين أن الولايات المتحدة تُهيمن على عالم اليوم، وتتصرف "بالشكل الذي يتصرف به الأغنياء الجدد عندما يجدون أنفسهم فجأة أمام ثروة كبيرة"، يجب أن نفهم من تعبير "الثروة الكبيرة" هذا الفراغ الذي تركه اختفاء الاتحاد السوفييتي على موازين القوى. لا تتحمل روسيا هذا الوضع، وتتهم عدو البارحة بالمناورة. قال الرئيس الروسي: "نشهد اليوم  الانتشار المتزايد للفوضى بدلاً من الدول المستقرة وذات السيادة؛ وبدلاً من الديموقراطية، هناك دعم من أجل شعب يبعث على الكثير من الشك ابتداء من الفاشيين الجدد وانتهاء بالإسلاميين الراديكاليين، سواء فيما يتعلق بالثورات الملونة في شرق أوروبا أو الانتفاضات العربية... حاول زملاؤنا السيطرة على هذه العمليات إلى حد ما، واستغلال النزاعات الإقليمية حسب مصالحهم، ولكن العفريت هرب من المصباح". يُقال أن زعيم الكريملين مصدوم بسبب سقوط القذافي، وهو مقتنع بأنه هو شخصياً مهدد أيضاً.
     إن نظرية "المؤامرة" ليست جديدة، وقد رسم فلاديمير بوتين ملامحها منذ عام 2007 في كلمة حول الأمن العالمي في ميونيخ، عندما تحدث عن "حرب باردة تركت لنا قنابل لم تنفجر". من بين هذه القنابل التي لم تنفجر، هناك توسيع الحلف الأطلسي داخل منطقة نفوذ الاتحاد السوفييتي سابقاً، هذا التوسع الذي تم اعتباره كإهانة ورغبة متعمدة في إلحاق الضرر. ولكن الأمر الجديد يكمن في حقيقة أن روسيا انتقلت من الكلام إلى التطبيق العملي، وأصبحت هي نفسها طرفاً في الفوضى التي تعزو سببها إلى الغرب.
     أصبح كل شيء مسموحاً لزعزعة استقرار المسرح العالمي الذي لم يعد يلائم الرئيس الروسي، مثل ضم شبه جزيرة القرم، والاستخفاف باستقلال أوكرانيا، ودعم المتمردين المؤيدين لروسيا في شرق أوكرانيا، واستراتيجية التوتر في المناطق الأخرى مثل موالدافيا وترانسنيستريا Transnistrie، والعديد من المناورات العسكرية في كل مكان من القطب الشمالي إلى المحيط الهادي، دون نسيان الهجمات المتكررة ضد المنظمات الدولية المُعتبرة بأنها تحت نفوذ غربي.
     أعلنت روسيا مؤخراً عبر ممثلها أناتولي فيكتوروف Anatoli Viktorov أنها "قلقة من النزعة نحو طلب انعقاد مجلس الأمن في الأمم المتحدة حول مشاكل متعلقة بحقوق الإنسان في هذا البلد أو ذاك". كما ظهر للمرة الأولى أن روسيا تريد إعادة النظر بالمراقبة على التسلح عبر إلقاء مسؤولية توقف المفاوضات على الولايات المتحدة التي "انسحبت بشكل أحادي الجانب من المعاهدة حول الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية (ABM) عام 2002". قال الرئيس الروسي في سوتشي: "إن أوكرانيا هي أحد الأمثلة على النزاعات التي تؤثر على توازن القوى العالمية، وسينبثق منها التهديد القادم الحقيقي التي سيدمر النظام الحالي لاتفاقيات المراقبة على الأسلحة". يأمل فلاديمير بوتين الاستفادة من هذا الوضع الذي تزعزع استقراره بعمق من أجل التوصل كما قال إلى "تسوية عالمية جديدة بين القوى المسؤولة".