الصفحات

الاثنين، ٣١ آذار ٢٠١٤

(الإفراج عن صحفيين إسبانيين، الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام يمكن أن تفرج عن رهائنها)

صحيفة الليبراسيون 31 آذار 2014 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     تم الإفراج عن رهينتين اسبانيتين في سورية هما: مراسل صحيفة إلموندو El Mundo في الشرق الأوسط خافيير إسبينوزا Javier Espinosa والمصور المستقل ريكاردو غارسيا فيلانوفا Ricardo Garcia Vilanova يوم السبت 29 آذار بالقرب من الحدود التركية. كان الصحفيان قد اختطفا في مدينة الرقة من قبل المجموعة الجهادية الأكثر راديكالية في سورية وهي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام.
     هناك حوالي ثلاثين أو أربعين صحفي وعامل في المجال الإنساني معتقلين في سورية بالإضافة إلى الأب اليسوعي باولو دالوغليو. إن عددهم غير معروف لأن بعض المنظمات لا تُعلن عن خطف موظفيها، وتسعى إلى التفاوض مع الخاطفين مباشرة. إن 95 % من الرهائن هم بأيدي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ومعظمهم معتقلون في الرقة كما هو الحال بالنسبة للصحفيين الفرنسيين الأربعة الرهائن في سورية. إن بقية الرهائن يحملون الجنسيات الأمريكية والبريطانية والإيطالية والدانماركية... ومن بينهم ثلاث نساء يعملون في منظمة طبية.
     من الصعب معرفة أهداف الخاطفين. من المعروف فقط أن الرهائن لا يتمتعون بالقيمة نفسها، وأن قيمتهم تعتمد بشكل أساسي على جنسياتهم. يدل الإفراج عن ثلاثة صحفيين اسبان خلال شهر آذار على أن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام منفتحة على التفاوض، وهذا خبر ممتاز. تتبنى هذه المنظمة عقيدة أكثر تطرفاً من تنظيم القاعدة، وتجذب عدداً من الجهاديين الأوروبيين القادمين من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا بشكل خاص. كان الصحفي الاسباني مارك مارجينداس Marc Marginedas أول رهينة تُفرج عنها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتاريخ 2 آذار، ولم تكن تقبل بالإفراج عنهم قبل هذا التاريخ بخلاف بقية المجموعات المتمردة. تُشير السلطات من جهتها إلى أن الخاطفين لا يسعوا إلى التفاوض.
     لم يكن الإفراج عن الرهينتين الاسبانيتين مفاجأة. أشارت بعض الأجهزة المتخصصة إلى أنها كانت تعرف بأن "النافذة مفتوحة". لا يمكن تفسير أسباب ذلك، ولكن ربما يكون ذلك بسبب الهزائم العسكرية الأخيرة للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تجاه بقية المجموعات المتمردة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم احتياجاتها المالية.



(المتمردون السوريون يتوغلون نحو الشاطىء بمساعدة سرية من الجيش التركي)

صحيفة اللوموند 29 آذار 2014 بقلم مراسلها في استانبول غيوم بيرييه Guillaume Perrier وبنجامان بارت Benjamin Barthe

     تقدمت الكتائب  المتمردة في جبل التركمان في بداية الأسبوع، وفاجأت نظام الأسد الذي كان يركز جهوده للسيطرة على المنطقة الحدودية مع لبنان. وصل المتمردون إلى البحر المتوسط للمرة الأولى بتغطية ضمنية من الجيش التركي الذي أسقط طائرة مقاتلة سورية، وسمح بعبورهم عبر الأراضي التركية. ولكن هذا الاختراق الذي أوقف سلسلة من الهزائم المقلقة للمعارضة، يبدو أنه توقف بسبب قوة النيران الكثيفة لدى القوات النظامية.
     قصف الطيران السوري يوم الخميس 27 آذار هضبة إستراتيجية اسمها النقطة 45. أشارت وكالة الأنباء الفرنسية AFP نقلاً عن مصدر عسكري سوري إلى أن القصف أجبر المتمردين على التخلي عن هذه الهضبة المرتفعة التي تطل على محافظة اللاذقية. بشكل موازي، قصف الجيش النظامي المناطق المحيطة بالقرية الأرمنية كسب التي استولى عليها المتمردون يوم الأحد 23 آذار، كما استولوا في الوقت نفسه على المركز الحدودي التابع لها.
     أشار رامي عبد الرحمن من المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن دمشق حشدت آلاف الجنود وعناصر الميليشيات من الطائفة العلوية. تُسيطر السلطة السورية شيئاً فشيئا على مواقع المتمردين منذ سقوط القصير في شهر حزيران 2013، ولا يمكنها السماح بتقدم خصومها داخل معقلها دون أن ترد بسرعة وقوة. كما قُتِل رئيس لجان الدفاع الوطني هلال الأسد، ابن عم بشارالأسد، خلال المعارك في كسب.
     قالت الناشطة المعارضة للأسد رانيا قيصر أثناء زيارتها لباريس: "إن النظام غاضب جداً، وأرسل العديد من التعزيزات إلى الساحل. سيؤدي ذلك إلى تخفيض الضغط على الجبهات الأخرى. تعززت معنويات الثوار بعد هذا الهجوم المفاجىء". ولكن الباحث السياسي رضوان زيادة، عضو الحكومة المؤقتة للمعارضة، كان أقل حماساً وقال: "هناك ضغط شعبي قوي جداً من أجل نقل المعركة إلى أرض الأسد، ولكن بما أن النظام يسيطر على الجو، فإن الهجوم لن يذهب بعيداً. هناك خطر كبير بوقوع تجاوزات في اللاذقية التي تسكنها العديد من الأقليات. إنها إستراتيجية قصيرة النظر". هل سيستطيع رجال جبهة النصرة تجنب أعمال الترهيب الطائفية؟ يعتبر هؤلاء الراديكاليون أن الأرمن والعلويين هراطقة بالإضافة إلى الاشتباه بهم بأنهم يدعمون النظام.


الانتخابات البلدية الفرنسية ـ الدورة الثانية 30 آذار 2014

     حقق حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية انتصاراً كبيراً في الدورة الثانية للانتخابات البلدية الفرنسية يوم الأحد 30 آذار، واستطاع انتزاع رئاسة بلدية 155مدينة يتجاوز عدد سكانها تسعة ألاف نسمة من الحزب الاشتراكي، وصرح رئيسه جان فرانسوا كوبيه أنه أصبح الحزب الأول في فرنسا. كما استطاع حزب الجبهة الوطنية الفوز برئاسة خمس عشرة بلدية وبأكثر من 1200 معقد في المجالس البلدية (بالمقارنة مع ستين مقعداً عام 2008) محققاً بذلك الأهداف التي وضعاً الحزب لنفسه قبل بداية الانتخابات. النتيجة الإجمالية لجميع الأصوات وفي جميع المدن الفرنسية هي: 45.91 % لليمين و 40.57 % لليسار و6.84 % لحزب الجبهة الوطنية و0.06 % لليسار المتطرف و6.62 %.
     اعتبر معظم المراقبين أن هذه النتيجة تمثل صفعة قوية للحزب الاشتراكي والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي أصبح مجبراً على إجراء تعديل حكومي واسع ربما سيشمل تغيير رئيس الحكومة أيضاً، ومن المنتظر أن يعلن الرئيس الفرنسي عن التعديل الحكومي يوم الاثنين 31 آذار. وأشار المراقبون إلى أن هذه النتائج تمثل عقاباً لسياسة الرئيس الفرنسي على الصعيد الاقتصادي.
     وصلت نسبة الامتناع عن التصويت في الدورة الثانية إلى رقم قياسي هو 36.3 % على الرغم من أن الانتخابات البلدية هي أكثر الانتخابات شعبية في فرنسا.
     أشار قادة حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية إلى أن نتائج هذه الانتخابات ستسمح له باستعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ الفرنسي خلال الانتخابات المنتظرة في شهر أيلول القادم، نظراً لأن أعضاء المجالس البلدية يمثلون الجزء الأكبر من الناخبين في مجلس الشيوخ.
     يأمل حزب الجبهة الوطنية الاعتماد على التقدم الذي حققه في الانتخابات البلدية من أجل الفوز في الانتخابات الأوروبية بتاريخ 5 أيار القادم، مستفيداً من الغضب الشعبي تجاه السياسة الأوروبية للحزب الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية.


الجمعة، ٢٨ آذار ٢٠١٤

(الأطفال التائهون)

افتتاحية صحيفة الليبراسيون 28 آذار 2014 بقلم إريك ديكوتي Eric Decouty

     يجب على الدول الغربية أن تواجه تهديداً إرهابياً جديداً. يتجسد هذا التهديد بالشباب وأصحاب الجنح غير المتدينين في الماضي، ولكنهم اعتنقوا الإسلام الراديكالي تحت تأثير بعض إخوانهم أو في أغلب الأحيان عبر المتابعة الدائمة لمواقع الأنترنت. إنهم أطفال تائهون وقعوا بأيدي بعض الإرهابيين المتمرسين لكي يصبحوا جهاديين مستعدين للموت في سورية أو أي مكان آخر. تحوّل مئات الفرنسيين إلى "مجانين الله" خلال عدة أسابيع، كما هو الحال بالنسبة لأعضاء خلية كان ـ تورسي (باسم المدينتين الفرنسيتين Cannes وTorcy) التي يعتبرها القضاء الفرنسي أنها المجموعة الأكثر خطورة منذ نهاية سنوات التسعينيات. لأن الكثيرين من هؤلاء الرجال يدعون إلى توسيع حربهم حتى أرض الكفار في الغرب. ولكن أنظمتنا الديموقراطية اليوم لا تملك الوسائل الكافية لمواجهة خطر هؤلاء الشباب الذي يصعب تعقبهم، ولا تستطيع العدالة ملاحقتهم قبل هروبهم للمشاركة في الحرب، ولا يمكن الإمساك بهم بعد عودتهم من الجهاد.

     تعتمد برامج "نزع الراديكالية" في فرنسا على معالجة هذا الخطر قضائياً بعكس الوضع في بعض الدول الأوروبية. من الممكن ملاحقة بعض الشباب فور عودتهم من سورية دون أن يرتكبوا جنحة أو جريمة. ازدادت المراقبة عليهم منذ قضية محمد المراح، ولكن القوانين والإجراءات الأمنية والقضائية ما زالت محدودة. يجب على المسلمين المعتدلين أن يتحملوا حصتهم من المسؤولية أمام الاتساع المتزايد لهذا التهديد، وأن يشرحوا للجهاديين السابقين ـ كما هو الحال في بريطانيا ـ أن تنظيم القاعدة لا علاقة له بالإسلام الحقيقي.

(سورية تجذب الجهاد العالمي)

صحيفة الليبراسيون 28 آذار 2014 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     حتى السعودية بدأت بالتراجع عن نشر الإيديولوجية الجهادية في العالم بعد أن قامت بذلك لفترة طويلة، ولم تعد تقبل بذهاب مواطنيها للقتال في سورية. وإذا تمكنوا من الذهاب إليها، فإنهم يعرضون أنفسهم لعقوبات بالسجن تتراوح بين ثلاثة وعشرين عاماً. من المؤكد أن نظام الملك عبد الله يقلق من عودة الذين ذهبوا للقتال إلى جانب المجموعات الأكثر تطرفاً في سورية، وأن يرتكبوا عمليات تفجير دامية كما حصل في سنوات عام 2000.
     كانت أفغانستان ومنطقة القبائل الباكستانية تجذب الجهاديين من جميع أنحاء العالم في السابق، ولكن هذه المناطق فقدت قدرتها على جذب الجهاديين لصالح الدوامة السورية. وذلك لدرجة أن مئات الباكستانيين يتوجهون اليوم إلى بلاد الشام على الرغم من أن حربهم هي في أفغانستان أو ضد الحكومة "الكافرة" في إسلام أباد. إنهم يرسمون الحدود الجديدة للجهاد، وأصبحت هذه الحدود تشمل سورية ومحافظة الأنبار العراقية ولبنان...
     بدأت الحرب في سورية كحركة ديموقراطية لا تتسم بالعنف، وترفض أي تدخل خارجي، ولكنها أصبحت أيضاً راية يتجمع وراءها العالم الإسلامي السني بأسره. إن الجهاديين السعوديين هم الأكثر عدداً إذا نظرنا إلى عدد قتلاهم في المعارك، ثم يأتي بعدهم التونسيون والليبيون بالإضافة إلى بعض الشيشان والقوقازيين. يقوم رجل الدين السعودي عبد الله محمد المحيسن بقيادة القوات المتمردة السورية في المعركة المحتدمة في شمال اللاذقية، ويقود الجهادي الشيشاني مسلم الشيشاني كتيبة جبهة النصرة ـ الجناح السوري الرسمي لتنظيم القاعدة. يبلغ العدد الإجمالي للأجانب الذين جاؤوا للقتال مع المجموعات الجهادية ما بين 12.000 و13.000. إذاً، إنها ظاهرة غير مسبوقة باعتبار أن عددهم لم يتجاوز خمسة وعشرين ألفاً طوال فترة الجهاد ضد السوفييت والنظام الشيوعي في كابول بين عامي 1980 و1992.
     يكمن أحد أسباب تدفق الأوروبيين للمشاركة في الجهاد السوري (حوالي ألفي أوروبي) في سهولة الوصول إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة التمرد عبر تركيا. ولكن الجهاديين لا يأتوا فقط من أجل القتال ضد النظام العلماني لبشار الأسد، فقد جاء الكثيرون منهم أيضاً من أجل مواجهة ما يسمونه بـ "الهرطقة" الشيعية التي يتبع لها الدين العلوي لعائلة الأسد. تفاقمت هجرة المقاتلين السنة بعد مشاركة حزب الله اللبناني وحوالي خمس عشرة مجموعة شيعية عراقية إلى جانب النظام. أشار الصحفي الباكستاني زاهد حسين Zahid Hussein إلى أن المواجهة مع العدو الشيعي هي الحافز الأساسي للمجموعات السنية الباكستانية مثل: Lashkar-e أو Tehrik-e Taliban المرتبطتان جداً بتنظيم القاعدة، وكتب مؤخراً في أحد مقالاته بصحيفة The Dawn: "تشير بعض التقارير إلى أن مجموعة Tehrik-e Taliban أقامت قاعدة لها في سورية".

     هذا ما تخشاه أيضاً وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA التي أشارت عبر نيويورك تايمز إلى أن عشرات المقاتلين سافروا من الباكستان إلى سورية خلال الأشهر الأخيرة من أجل الاعداد لإقامة "قواعد إطلاق" الهجمات الإرهابية المستقبلية في أوروبا والولايات المتحدة. اكتشفت وكالة الاستخبارات الأمريكية وجود أبو خالد السوري، وهو أحد المقاتلين القدماء في تنظيم القاعدة وكان مقرباً من أسامة بن لادن، الذي قُتِل في شهر شباط من قبل مجموعة منافسة. كما اكتشفت وجود الراديكالي السعودي سنافي النصر الذي أصبح أحد المحللين الاستراتيجيين في جبهة النصرة، وهناك جائزة مالية لقتله.

(فرنسا ما زالت تسعى إلى استراتيجية ملائمة ضد الشبكات الجهادية باتجاه سورية)

صحيفة اللوموند 28 آذار 2014 بقلم جاك فولورو Jacques Follorou

     ما زالت الأنظمة الديموقراطية الغربية، ومنها فرنسا، تحاول العثور على حل للعدد المتزايد من مواطنيها للذهاب من أجل الجهاد في سورية. حاولت السلطات الفرنسية مرة أخرى يوم الاثنين 24 آذار تكييف إجراءاتها لمواجهة تهديد يمكن أن يضرب العواصم الأوروبية وليس الأرض السورية، وهذا ما تنبأ به مؤخراً مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان أمام بعض النواب الأمريكيين.
     انعقد المجلس العسكري المصغر في قصر الإليزيه يوم الاثنين 24 آذار حول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وكان مخصصاً "للوضع في سورية ومكافحة الشبكات الجهادية والراديكالية العنيفة". أكد بيان صادر عن قصر الإليزيه أنه "تم تبني استراتيجية، واتخاذ قرار خطة العمل". وأضاف البيان الرسمي المقتضب: "سيتم عرضها لاحقاً". تدل هذه الصيغة على صعوبة السيطرة على هذه الظاهرة المنتشرة على أبواب أوروبا واخمادها، وذلك في منطقة يسهل الوصول إليها بالنسبة لأشخاص لا يمكن اكتشافهم.
     استطاعت صحيفة اللوموند الاطلاع على الخطوط الرئيسية لهذه الاستراتيجية والإجراءات الأكثر أهمية. تشمل الإجراءات المقترحة ثلاثة مجالات: الاستخبارات والمراقبة والوقاية من الإسلام الراديكالي. يعتمد أساس هذه العقيدة كثيراً على التقرير الذي قدمه يان جونو Yann Jounot في نهاية شهر تشرين الأول 2013  إلى رئيس الحكومة حول الوقاية من الراديكالية، وكان يان جونو في ذلك الوقت مسؤولاً رفيع المستوى في الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني.
     فيما يتعلق بمجال الاستخبارات، من المفترض القيام بجهود جدية حول خطة التعاون وتبادل المعلومات مع الأجهزة السرية التركية. لاحظت الأجهزة الغربية منذ بداية الحرب الأهلية في سورية أن بعض الأوروبيين القادمين من هولاندة وفرنسا وبلجيكا بشكل خاص لا يعرفون بعضهم البعض، وأنهم يلتقون في تركيا بعد أن تعارفوا على الأنترنت، وأعربوا عن إرادتهم في القتال من أجل الجهاد. أعرب بعض أعضاء أجهزة الاستخبارات الفرنسية عن أسفهم لقلة الجهود التي بذلتها تركيا منذ ثلاث سنوات من أجل ملاحقة الجهاديين الذين يمرون عبر أراضيها. بالنسبة للأتراك، إن ملاحقتهم تعني أيضاً أنها تجعل هؤلاء الجهاديين عدواً لهم على الأراضي التركية.
ـ  من جهة أخرى، تنوي الدولة الفرنسية تشديد الرقابة على حدودها من أجل مواجهة تزايد رحيل الفرنسيين (هناك حوالي 250 فرنسي يقاتلون حالياً في سورية). سيتم توسيع الرقابة على رحلات الذهاب والإياب بين فرنسا وهذه المنطقة. سيتم منع خروج القاصرين من فرنسا بشكل ممنهج، ولن يقتصر مجال عمل رجال الشرطة وأجهزة الاستخبارات على الأشخاص المشتبه بهم، وسيشمل فئة أوسع من السكان نزولاً عند رغبة رجال الشرطة.
     قرر المجلس المصغر توفير الإمكانيات البشرية والتقنية من أجل القيام بذلك. ولكن يجب أولاً إيجاد الإطار القانوني لهذه الإجراءات التي تؤدي إلى توسيع دائرة الأشخاص المشتبه بهم كثيراً. لم يتم الانتهاء من إعداد الوسائل القانونية، ولاسيما أن هذه الإجراءات تمس الحريات واتفاقيات حرية التنقل داخل اتفاقية شينغن. يُفسّر ذلك بشكل كبير هذا التفاوت بين انعقاد المجلس المصغر والإجراءات المعلنة عنه.
     أخيراً، صادق رئيس الجمهورية على التزام الحكومة بالمقاربة الوزارية التي تؤكد على الجانب الوقائي، وهو المجال الذي تفضله الدول الأنغلوساكسونية. في الحقيقة، يُخطىء الجواب الفرنسي عبر اعتماده الكلي على "استخدام القمع"، الأمر الذي سيمنع على سبيل المثال كما قال المجلس من الحصول على "معايير مشتركة لاكتشاف" الأشخاص المشتبه بخطورتهم.

     سيتم إشراك البلديات ووزارة التربية والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ببعض حملات التوعية من أجل تعزيز الروح الانتقادية لدى الذين يتطلعون نحو الجهاد بفضل "خطاب مضاد ومُعلل". سيتم تنسيق هذه الأعمال في مراكز الوقاية التابعة للشرطة. ستتضمن مهمة هذه الخلايا أيضاً الحديث مع العائلات المعنية بحالات الراديكالية. أشار أحد المشاركين في المجلس المصغر إلى أنه سيتم التقرب من الجهاديين المبتدئين المحتملين والاقتراح عليهم القيام ببعض النشاطات المتفرعة مثل "العمل في المجال الإنساني بدلاً من الجهاد".

الخميس، ٢٧ آذار ٢٠١٤

(إسلاميو جبهة النصرة يتسللون إلى شمال سورية)

صحيفة الليبراسيون 27 آذار 2014 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     استطاع المتمردون الوصول إلى البحر المتوسط للمرة الأولى بعد الهجوم المفاجىء الذي سمح لهم يوم الثلاثاء 25 آذار بالسيطرة على قرية سمرة المطلة على البحر. كان المتمردون قد استولوا قبل ذلك على منطقة كسب الأرمنية بالقرب من الحدود مع تركيا، وأصبحوا يسيطرون على مركزها الحدودي. تضم منطقة كسب حوالي خمسة آلاف نسمة، ثلثيها من الأرمن والباقي من العلويين. إن سيطرة المتمردين على هذه المنطقة ستسمح لهم بالتقدم باتجاه اللاذقية. أشار الباحث فابريس بالانش Fabrice Balanche مدير مجموعة الأبحاث والدراسات حول البحر المتوسط والشرق الأوسط إلى أن المتمردين عبروا الحدود نحو غرب وجنوب ـ شرق كسب من أجل محاصرتها وقطع الطرق التي تصلها بمدينة اللاذقية. إذاً، إنها هزيمة للنظام باعتبار أن اللاذقية وطرطوس هما من المعاقل الهامة للنظام وعائلة الأسد. ولكن أحد مصادر النظام أكد إلى وكالة الأنباء الفرنسية AFP أن الجيش السوري ما زال يسيطر على الجبال المحيطة بقرية سمرة وأن "المعارك الضارية" ما زالت مستمرة.
     قام بشن هذا الهجوم انطلاقاً من تركيا كل من متمردي جبهة النصرة ـ الفرع السوري لتنظيم القاعدة بالتحالف مع بعض المجموعات الإسلامية الأخرى وبعض الجهاديين الأجانب. تشير المعلومات التي حصلت عليها صحيفة الليبراسيون إلى أن المتمردين يبدو أنهم استفادوا من دعم بعض الدبابات التي ربما أرسلتها السعودية، وسمحت تركيا بمرورها عبر أراضيها. إن هذا الهجوم هو النجاح الأول للمتمردين بعد عدة أشهر من الهزائم، ولاسيما في منطقة القلمون التي استعادتها قوات النظام بفضل الدعم الحاسم الذي قدمه حزب الله. إنه أيضاً فشل للجيش السوري الحر الذي يمثل أحد المكونات القومية للمعارضة، فهو لم يشارك في الهجوم على كسب. قال الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر في فرنسا فهد المصري: "إنه ليس نجاحاً للتمرد. ليست هناك أية فائدة من هذا الهجوم. بل على العكس، إنه في مصلحة النظام الذي سيستغله لتخويف المسيحيين الأرمن والعلويين".
    كسب هي إحدى المدن الأرمنية النادرة التي نجت بإعجاز من مجزرة الإبادة التي نظمتها السلطات التركية (من شهر نيسان 1915 حتى شهر تموز 1916) بسبب انعزالها بلا شك. قامت فرنسا بفصل كسب عن لواء اسكندرون عندما تنازلت عنه إلى تركيا عام 1939، وذلك خشية من طرد سكانها كما حصل مع المدن الأرمنية في موسى داغ (Mussa Dagh).
     يُذكّر سيناريو كسب بما حصل في رأس العين خلال شهر كانون الأول 2012، عندما دعمت تركيا هجوم بعض الإسلاميين ضد هذه المدينة الكردية في شمال ـ شرق سورية. هذا هو السبب في المخاوف التي أعرب عنها فابريس بالانش قائلاً: "إن السيطرة على المركز الحدودي ليست إلا ذريعة، إنها استراتيجية تطهير عرقي ضد السكان الأرمن في كسب. إن الجزء الأكبر من القوات المتمردة يتألف من السكان التركمان في المنطقة. قُتِل أحد قادة العملية في بداية الهجوم، ويدعى أبو صهيب التركماني. يحمل هجوم المتمردين اسم (أنفال) للتذكير بالهجوم الذي شنه صدام حسين ضد الأكراد خلال سنوات الثمانينيات". لا يوافق جميع المحللين على هذا الرأي، ويعتبر بعضهم أن وقوع الهجوم ضد منطقة ذات أغلبية أرمنية هو بمحض الصدفة. في بعض أفلام الفيديو الصادرة عن المتمردين، يمكن مشاهدتهم وهم يحمون إحدى الكنائس، ويُطمئنون بعض السكان العجزة غير القادرين على الهرب.

     قُتِل يوم الأحد 23 آذار ابن عم بشار الأسد مع سبعة من مقاتليه، إنه هلال الأسد الذي كان يقود قوات الدفاع الوطني في اللاذقية. الأمر الذي يدعو للدهشة هو مدى اتساع الدعم الذي قدمته الحكومة التركية (التي تواجه انتخابات بلدية صعبة يوم الأحد 30 آذار) إلى ميليشيات جبهة النصرة التي استطاعت المرور عبر الأراضي التركية واستفادت من الحماية الجوية للجيش التركي. أكد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو البارحة 26 آذار أن أنقرة مستعدة للقيام بعمليات عسكرية تتجاوز حدودها. يأتي هذا التصريح بعد التهديد الذي وجهته الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، المنافس الأكبر لجبهة النصرة، بتفجير ضريح سليمان شاه، جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية، الواقع داخل الأراضي السورية على مسافة 25 كيلومتراً من الحدود مع تركيا.

(برهان قوي على استخدام غاز الساران في سورية)

صحيفة الليبراسيون 27 آذار 2014 بقلم مراسلها الخاص في حلب لوك ماتيو Luc Mathieu

     كان ينقص الدليل القاطع على استخدام غاز الساران لقصف منزل الميكانيكي ياسر يونس في حي الشيخ مقصود في حلب يومي 13 و14 نيسان 2013. استطاعت صحيفة الليبراسيون أخيراً الحصول على هذا الدليل القاطع. أكد تقرير "سري" لتحليل العينات التي حملها معه المراسل الخاص لصحيفة الليبراسيون من حلب بتاريخ 4 أيار 2013 على استخدام غاز الساران في هذا القصف. قام بإعداد هذا التقرير المركز الكيميائي للإدارة العامة للجيوش (DGA) التابع لوزارة الدفاع الفرنسية. يتوافق هذا البرهان مع شهادات الضحايا والجيران ورواية مدير مستشفى عفرين الطبيب السوري حسن كوا الذي أكد استقباله لأول ضحايا هذا الهجوم لمعالجتهم.
     لا يمكن تأكيد مسؤولية النظام عن هذا الهجوم بشكل قاطع. إن تحليل العينات المأخوذة من مكان الحادث لا يسمح بتحديد الجهة التي استخدمته: النظام أم المتمردين. ولكن أغلب المحللين يؤكدون مسؤولية النظام السوري عن هذا الهجوم.


(باريس ـ بكين: صداقة قدرها 18 مليار)

صحيفة الليبراسيون 27 آذار 2014 بقلم ليا لوجون Léa Lejeue

     تم التوقيع على خمسين عقداً تجارياً بين فرنسا والصين بقيمة 18 مليار يورو خلال زيارة الرئيس الصيني إلى باريس. تشمل هذه العقود مجالات صناعة السيارات والطائرات والصناعات الغذائية والفضائية والنووية. ولكن كما هو الحال مع بكين، سيتم تنفيذ العديد من هذه العقود في الصين وليس في فرنسا، وستتجسد عبر تأسيس بعض الشركات الفرنسية في الصين. يعني ذلك أن العديد من الشركات الصينية ستحصل على المصانع والتكنولوجيا الفرنسية.
     أشارت وزارة الاقتصاد الفرنسية إلى أن الرسالة واضحة وهي أن الاستثمارات الصينية مُرحّب بها فرنسا. كان حجم الاستثمارات الصينية في فرنسا 575 مليون يورو عام 2005، ووصل إلى 4.2 مليار يورو عام 2012.
     يصل عجز الميزان التجاري الفرنسي تجاه الصين إلى 26 مليار يورو، وتمثل الصين 40 % من العجز التجاري الفرنسي عام 2013.


الأربعاء، ٢٦ آذار ٢٠١٤

(سورية: المتمردون يُهاجمون بفضل أسلحة جديدة)

صحيفة الفيغارو 26 آذار 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     كان من المنتظر أن يأتي هجوم المتمردين انطلاقاً من الجنوب عبر الأردن بفضل المساعدة اللوجستية السعودية. ولكن رد معارضي الأسد جاء أخيراً من شمال سورية عبر تركيا بفضل الأسلحة الجديدة التي أرسلتها قطر، وذلك بعد هزائم الأسبوع الماضي في يبرود وقلعة الحصن. شمل الهجوم المضاد ثلاث مناطق: الهجوم الأول على حلب التي خسر فيها النظام أحياء الليرمونة وجبل الشوينة المطلة على غربي حلب، وتكبد فيها بعض الخسائر. أدى هذا التقدم إلى إضعاف الحي الحكومي في الزهرة الواقع شمال ـ غرب حلب، يتواجد في هذا الحي مركز أجهزة المخابرات الجوية الذي يسعى المتمردون إلى السيطرة عليه منذ عدة  أشهر. وقع الهجوم الثاني في محافظة إدلب التي تخلى فيها النظام عن بعض المواقع القريبة من خان شيخون، ولم يعد النظام يملك في هذه المنطقة إلا القواعد العسكرية في وادي ضيف والحميدية المحاصرة التي يصلها التموين عبر الجو. أخيراً، بدأ الهجوم الثالث على منطقة اللاذقية منذ أسبوع من قبل ثلاث مجموعات إسلامية (جبهة النصرة وشام الإسلام وأنصار الإسلام)، كانت هذه المنطقة بعيدة نسبياً عن المعارك حتى الآن، وتسكنها أغلبية علوية، وهي أحد المعاقل الرئيسية للنظام.
     استولى المتمردون يوم الاثنين 24 آذار على مركز كسب الحدودي، أحد آخر نقاط العبور الرسمية التي بقيت بأيدي النظام على الحدود مع تركيا. كما سيطروا على مدينة كسب الأرمنية الواقعة على مسافة ستة كيلومترات من الحدود مع تركيا، وما زالت المعارك محتدمة في القرى الصغيرة المجاورة. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن سلاح الطيران رد بإطلاق براميل المتفجرات على المنطقة القريبة من جبل التركمان، وأحصى 170 قتيلاً على الأقل من الجانبين. اتهمت دمشق تركيا بتقديم مساعدة قوية إلى الجهاديين. أسقط الطيران التركي طائرة سورية يوم الأحد 23 آذار بعد انتهاكها للمجال الجوي التركي نقلاً عن السلطات التركية، ولكن سورية نفت انتهاكها له.
     قال الباحث فابريس بالانش Fabrice Balanche: "يريد المتمردون قطع الطريق الواصل بين قرية كسب الأرمنية واللاذقية التي يسودها هدوء نسبي منذ بداية النزاع قبل ثلاث سنوات". ربما استولى المتمردون أيضاً يوم الثلاثاء 25 آذار على ميناء سمرة بالقرب من الحدود مع تركيا، الأمر الذي قد يسمح لهم بالحصول على نقطة تموين بحرية خاصة بهم. إن هذا الهجوم الذي لا يُهدد النظام، لم يأت بمحض الصدفة. أعرب أحد مسؤولي المعارضة عن سروره قائلاً: "حصلنا على الأسلحة التي وعدتنا بها قطر، ولاسيما صواريخ أرض ـ جو". تسعى قطر عبر إرسال هذه الأسلحة إلى تعزيز قدرة التحرك لدى المجموعات المقربة منها على حساب بقية المجموعات المدعومة من خصمها السعودي.

     إن المقصود بهذا الهجوم هو إظهار أن التمرد لم يقل كلمته الأخيرة في الوقت الذي تنعقد فيه القمة العربية في الكويت حول المأساة السورية. ويأتي ذلك بعد عدة أيام من كلام روبرت فورد، المسؤول المستقيل عن الملف السوري في وزارة الخارجية الأمريكية، عندما قال متأسفاً بعد عودة إلى الولايات المتحدة: "سيبقى الأسد في السلطة على المدى المتوسط الأجل، ولم تنجح المعارضة في طمأنة الأقلية العلوية من أجل التخلي عن الأسد".

(فرنسا تفرش السجاد الأحمر للرئيس الصيني)

صحيفة الفيغارو 26 آذار 2014 بقلم مراسلها في الصين باتريك سان بول Patrick Saint-Paul

     لن تبخل فرنسا في تنظيم استقبال باذخ أثناء الزيارة الأولى للرئيس الصيني شي جين بينغ الذي وصل مساء يوم الثلاثاء 25 آذار إلى مدينة ليون الفرنسية. ليس من قبيل الصدفة أن يخصص الرئيس الصيني الجزء الأساسي من جولته الأوروبية إلى فرنسا التي سيبقى فيها ثلاثة أيام. إنها زيارة ـ دولة، ويطغى عليها الطابع الاقتصادي، وتندرج في إطار الاحتفال بالذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والصين. تأمل باريس وبكين إعطاء دفعة جديدة للعلاقات بين البلدين. كان فرانسوا هولاند أول رئيس أوروبي يستقبله الرئيس الصيني شي جين بينغ في شهر نيسان 2013، وأعلن فرانسوا هولاند أنه سينظم استقبالاً "استثنائياً" للرئيس الصيني.  تعتمد باريس على حادثة تاريخية هامة في 27 كانون الثاني 1964 عندما كان الجنرال ديغول أول زعيم غربي يعترف بالصين الشيوعية في ذروة الحرب الباردة، ولكن فرنسا لم تتمكن إطلاقاً من جني ثمار هذا الرهان الجريء.
     فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي، تنوي باريس الاستفادة من زيارة الرئيس الصيني لكي تفرض السجاد الأحمر أمام الشركات والمستثمرين الصينيين، وتحاول إنعاش العلاقات الاقتصادية الثنائية التي تتسم بالبطىء أحياناً. سيتم التوقيع في قصر الإليزيه يوم الأربعاء 26 آذار على شراكة استراتيجية للمصادقة على دخول شركة دونغ فينغ Dongfeng الصينية والدولة الفرنسية في رأسمال شركة PSA لصناعة السيارات، ومن المنتظر الإعلان عن بيع طائرات إيرباص، بالإضافة إلى التوقيع على "تدعيم الشراكة الصناعية" بين شركة إيرباص للطائرات المروحية والصين. في المجال النووي، تأمل شركة أريفا Areva التوقيع على بعض العقود. بالمحصلة، سيتم التوقيع على ثمانين اتفاقاً في مختلف المجالات الاقتصادية.
     على الصعيد الدبلوماسي، ستتطرق المحادثات بين الرئيسين الفرنسي والصيني إلى إيران وسورية وكوريا الشمالية وأفريقيا وأوكرانيا، وذلك غداة اجتماع قمة السبع في لاهاي. أظهرت الصين موقفاً حيادياً حذراً إزاء موسكو بخصوص الملف الأوكراني. سيذهب الرئيس الصيني إلى برلين وبروكسل يوم الجمعة 28 آذار.




(سياسة التوازن للدبلوماسية الصينية)

صحيفة الفيغارو 26 آذار 2014 بقلم أرنو دولاغرانج Arnaud de la Grange

     ترتكز السياسة الخارجية الصينية على مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكن الوضع في أوكرانيا يطرح مشكلة على هذا المبدأ. إن معارضة التدخل في الشؤون الداخلية أمر جيد، ولكن أي نوع من التدخل؟ هل هو التدخل الغربي في الشؤون الأوكرانية ومناطق النفوذ الروسي، هذا التدخل الذي شجبه الصديق فلاديمير بوتين؟ أم أنه تدخل جنود لا يحملون أي إشارة تدخل على هويتهم في أوكرانيا من أجل قطع طرق الاتصال بين شبه جزيرة القرم وكييف؟ هذه هي المعضلة التي تواجهها الدبلوماسية الصينية منذ عدة أسابيع.
     كان باراك أوباما بانتظار الرئيس الصيني في قمة الأمن النووي في لاهاي، وحضّه على مساعدته في الملف الأوكراني باسم "الانسجام" مع مبادئه في الدفاع عن سيادة الدول. يريد الرئيس الصيني الموافقة على هذا المبدأ المتعلق بسيادة الدول على أراضيها، وهو لا يحب الاستفتاءات ولاسيما تلك المتعلقة بالحكم الذاتي، ولا يرغب أبداً برؤية  أطراف خارجية  تتدخل فجأة بالمسائل المتعلقة بالتيبيت والإيغور. ولكن الرئيس الصيني ابتعد عن الموقف الأمريكي المتعلق بالإجراءات "الهجومية والعقابية مثل العقوبات" ضد موسكو، وحاول أن ينتزع من أوباما بعض الضمانات عندما طلب منه "التمييز بين الخير والشر" في النزاعات الحدودية بين بكين وجيرانها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، ولاسيما مع اليابان.
     في هذه القضية، ليس هناك أي شيء بسيط بالنسبة للصين. فيما يتعلق بالأزمات الدولية الكبرى مثل سورية، تقوم الصين وروسيا بدور الثنائي الواقعي منذ عدة سنوات، واقتربتا من المعسكر الرافض للتدخل الغربي. ولكن فيما يتعلق بالملف الأوكراني، إن هذا التوافق الدبلوماسي ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على خيار الرئيس الصيني، فهناك التاريخ أيضاً. قال الرئيس الصيني علناً أن تفكيك الاتحاد السوفييتي كان مأساة يجب على الصين أن تتجنبها. ضمن هذا الأفق، أشار فرانسوا غودمون François Godement رئيس برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية European Council on Foreign Relations إلى أن انفصال شبه جزيرة القرم يمكن أن يبدو عليه ملامح إعادة توحيد إمبراطورية. يُحب الرئيس الصيني أيضاً فكرة إبعاد الحلف الأطلسي عن الحدود الروسية، وذلك في الوقت الذي تتواجد فيه الأساطيل الأمريكية بالقرب من الصين. إنه مُعجب بلا شك بمفهوم "منطقة النفوذ" الروسية، لأن الصين تهدف إلى القيام بالشيء نفسه في المحيط الهادي الآسيوي.

     إذاً، تُمارس الصين سياسة توازن دبلوماسية. إنها تعلن عن دعم انتقادي تجاه بوتين، أو عن إدانة متضامنة حسب الظروف... استطاعت الصين التخلص من هذه المشكلة بنجاح من خلال الالتزام بموقف غامض. الدليل على ذلك هو أن موسكو وواشنطن أعربتا عن سرورهما من الموقف الصيني، وتبرزان الدعم الصيني لهما. من المفترض أن يحافظ الرئيس الصيني على هذا الموقف خلال لقائه مع فرانسوا هولاند.

الثلاثاء، ٢٥ آذار ٢٠١٤

(دخول سورية في حسابات الانتخابات التركية)

صحيفة الفيغارو 25 آذار 2014 بقلم مراسلتها في استانبول لور مارشاند Laure Marchand

     دخلت الحرب في سورية بشكل مدوي في حملة الانتخابات التركية، وتجسّد ذلك بقيام طائرة حربية تركية بإسقاط طائرة ميغ 23 سورية يوم الأحد 23 آذار. إن توقيت هذا الحادث يؤجج الجدل حول إمكانيات وجود خلفيات أخرى وراءه، فقد وقع الحادث في أسبوع الانتخابات المحلية التركية المرتقبة في 30 آذار. اتهمت المعارضة التركية رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بأنه يقوم بمناورة لتحويل الأنظار عن فضائح الفساد والمصاعب التي يواجهها على الصعيد الداخلي.
     استطاع المتمردون السوريون السيطرة على مدينة كسب يوم الاثنين 24 آذار، وكانوا قد استولوا قبل يوم واحد على المركز الحدودي الاستراتيجي في هذه المنطقة العلوية التي تمثل معقل عائلة الأسد.
     تساءل الكاتب التركي قدري غيرزل Kadri Gürsel المتخصص بالسياسة الخارجية قائلاً: "إن السؤال المشروع هو معرفة فيما إذا كانت الطائرة السورية تمثل تهديداً خطيراً ضد الأمن التركي، إنه أمر غير مُقنع  إطلاقاً، ولم يستمر تحليق الطائرة السورية إلا عدة ثواني. إن الحكومة في وضع صعب، وهي تستغل هذه الحادثة".
     أصبحت الأحداث في سورية مقترنة بالأحداث في تركيا منذ أسبوع. قام ثلاثة أشخاص، اثنان من ألبانيا وآخر من كوسوفو باعتبارهم جهاديين قادمين من سورية، بإطلاق النار يوم الخميس 20 آذار أثناء تفتيش روتيني في الأناضول، الأمر الذي أدى إلى مقتل شرطي وجندي. أشار وزير الداخلية التركي إفكان علا Efkan Ala إلى أن الرجال الثلاثة كانوا في مهمة للذهاب إلى استانبول ونشر الفوضى فيها قبل الانتخابات.
     أخيراً، تهدد السلطات التركية باحتمال التدخل في سورية من أجل الدفاع عن ضريح سليمان شاه، جد مؤسس السلالة العثمانية، الذي يقع داخل قطعة أرض تركية في منطقة حلب، وقد تخلت فرنسا عن هذه الأرض إلى تركيا في اتفاقية أنقرة عام 1921. يوجد 25 جندي تركي في هذه الأرض. هددت مجموعة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتدمير الضريح في حال عدم انسحاب الجنود الأتراك. قال الرئيس التركي عبد الله غول: "إنها قطعة الأرض الوحيدة التي تقع خارج وطننا. سيتم الدفاع كما لو أننا ندافع عن أمتنا".


(الكويت كوسيط في "الحرب الباردة" بين قطر والسعودية)

صحيفة اللوموند 25 آذار 2014 بقلم مراسلها الخاص في الكويت بنجامان بارت Benjamin Barthe

     يحمل أمير الكويت صباح الأحمد الصباح الذي يبلغ عمره ثمانين عاماً على عاتقه الأمل بحل الأزمة المستمرة منذ ثلاثة أسابيع بين السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. يأمل أمير الكويت بالتفاوض على تهدئة التصعيد في هذه "الحرب الباردة" أثناء القمة العربية المرتقبة في الكويت يومي 25 و26 آذار. قالت الوزيرة السابقة رولا داشتي، المقربة جداً من القصر الأميري: "لن يكون ذلك سهلاً لأن الدوحة والرياض تتمسكان بمواقفهما حتى الآن. ولكن الأمير حقق عدة نجاحات في مجال الوساطة سابقاً".
     سحبت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءهم من قطر في بداية الشهر، وهددت السعودية والإمارات العربية المتحدة باتخاذ عقوبات إضافية إذا استمرت الدوحة بدعم الإخوان المسلمين الذي تعتبرهم "منظمة إرهابية" من الآن فصاعداً. أشارت الصحافة الكويتية إلى أن المرحلة الثانية من العقوبات الانتقامية ستكون "المقاطعة" الاقتصادية والدبلوماسية ضد قطر، مع اتخاذ إجراءات أخرى مثل إغلاق المجال الجوي السعودي والإماراتي أمام طائرات شركة الطيران القطرية. أسرّ أحد الدبلوماسيين المقربين من هذا الملف قائلاً: "إن الكويتيين قلقون جداً، ويُذكرهم السلوك القطري تجاه السعودية بالموقف الكويتي تجاه العراق قبل هجوم قوات صدام حسين عام 1990. إنهم يعتقدون بأن هذه الأزمة ستنتهي بشكل سيء حتماً.  كان غزو عام 1990 صدمة كبيرة لهم، واستخلصوا منه العبرة: إن بلداً غنياً وصغيراً مثل بلدهم، ومحاطاً بدول كبيرة مثل العراق وإيران والسعودية، لا يجب أن يُخاطر بنفسه على الساحة الدولية".
     تتمسك الكويت منذ ذلك الوقت بموقف وسطي بين السعودية وحليفها الإماراتي وتابعها البحريني من جهة، وقطر وعُمان اللتين تعارضان بقوة التقيّد بمواقف الرياض من جهة أخرى. سمحت هذه الاستراتيجية للشيخ الصباح باقتراح مساعيه الحميدة في جميع الخلافات بالمنطقة مثل النزاع الحدودي بين البحرين وقطر في نهاية التسعينيات أو قضية التجسس بين الإمارات العربية المتحدة وعُمان عام 2011، بالإضافة إلى انجازه الكبير في التقريب بين ملك السعودية عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد عام 2009.
     يبدو أن الأزمة بين الرياض والدوحة هي الأكثر استفحالاً بين الأزمات التي تدخل فيها الأمير الكويتي. تعتبر السعودية والإمارات العربية المتحدة أن خطابات الشيخ يوسف القرضاوي على تلفزيون الجزيرة بمثابة تهديد غير مقبول لاستقرارهما. يُلاحق القادة السعوديون والإماراتيون جميع الجمعيات التي تدور في فلك الإخوان المسلمين بدون هوادة، وذلك خوفاً من إصابتهم بعدوى حركات التمرد التي أسقطت العديد من نظرائهم.
     يُضاف إلى هذه الحسابات بعض الاعتبارات المتعلقة بالسياسة الخارجية. إن النشاط الدبلوماسي للدوحة، ورفضها للانقلاب العسكري في مصر، وتدخلها في شؤون المعارضة السورية، وتمسكها بالمحافظة على علاقات ودية مع إيران، تعتبره الرياض تهديداً لزعامتها الإقليمية. كما ترفض قطر وعُمان المشروع الهادف إلى تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد سياسي، خوفاً من يؤدي إلى هيمنة السعودية، وينتهي بمواجهة مع طهران. قال الباحث السياسي عبد الله الشايجي: "إن خطر التصعيد حقيقي، كما أن السعودية خائفة جداً من تقارب الولايات المتحدة مع إيران".
     كان الكويتيون والكثير من المراقبين في الخليج ينتظرون أن يتبنى الأمير القطري الجديد موقفاً أقل تشدداً من والده حمد، ولكنهم أخطأوا بالتقدير. قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت غانم النجار: "يخاف القطريون دوماً من السعوديين، وتتمثل طريقتهم في حماية أنفسهم بإفتعال الكثير من الضجيج". يعتبر مستشارو الأمير الكويتي أن ثبات موقف السياسة القطرية يمثل مؤشراً على أن حمد آل ثاني ورئيس وزرائه السابق حمد بن جاسم ما زالا يتحكمان بالسياسة القطرية في الكواليس، أكدت رولا داشتي قائلة: "إن تميم لا يُقرر، الأمر الذي يجعل هذه القضية صعبة الحل".
     في هذا السياق، لا أحد ينتظر أن يتوصل الأمير الصباح إلى نتيجة في قمة الكويت. من المنتظر أن يصل الرئيس الأمريكي إلى الرياض يومي 28 و29 آذار، ولا شك أن هذه الأزمة ستكون امتحانا له نظراً لأنها تتعلق باثنين من حلفائه.


الاثنين، ٢٤ آذار ٢٠١٤

(طائرة حربية تركية تُسقط طائرة ميغ سورية)

صحيفة الليبراسيون 24 آذار 2014 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     تجاهلت طائرة الميغ السورية التحذيرات، فأسقطتها طائرة F16 تركية. أدانت دمشق البارحة 23 آذار "اعتداء سافراً" متهمة تركيا بإسقاط إحدى طائراتها العسكرية في منطقة كسب الحدودية. رد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: "سيكون ردنا قوياً إذا انتهكتم مجالنا الجوي. أهنىء رئيس أركان القوات المسلحة وطياريه الشجعان. أهنىء قواتنا الجوية".
     أشار الجيش التركي إلى أن طائرتين مقاتلتين سوريتين دخلتا المجال الجوي التركي صباح الأحد 23 آذار، وأنه تم تحذيرهما أربع مرات للخروج منه، ولكن إحدى الطائرات لم تمتثل وتابعت تحليقها. أقلعت طائرة تركية، وأطلقت صاروخاً أدى إلى إسقاط طائرة الميغ السورية على الجانب الآخر من الحدود. إنه الحادث الأكثر خطورة بين البلدين منذ العام الماضي عندما أسقط الأتراك طائرة مروحية سورية. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الطائرة المقاتلة السورية تم إسقاطها عندما كانت تقصف في منطقة اللاذقية التي يُعتقد أن النظام قام بتخزين أسلحته فيها منذ بداية الثورة.
     تعددت عمليات القصف التي تقوم بها القوات النظامية في  شمال سورية منذ بداية العام. استعادت قوات بشار الأسد تقدمها على الأرض مؤخراً، وتحاول محاصرة مدينة حلب من الغرب والشرق وذلك في الوقت الذي تستمر فيه المعارك في هذه المدينة. ما زالت المعارضة تسيطر على القرى الواقعة شمال حلب فقط.
     استفادت قوات الأسد من الحروب الداخلية في التمرد. أدت المعارك بين جهاديي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام وبقية المجموعات المسلحة إلى مقتل أكثر من 3300 شخص خلال أقل من ثلاثة أشهر، الأمر الذي فتح ثغرة أمام الجيش السوري.


(باراك أوباما يزور أوروبا لدعم حلفائه الأوروبيين)

صحيفة اللوموند 23 ـ 24 آذار 2014 بقلم مراسلتها في واشنطن كورين لينس Corine Lesnes

     أعرب الأوروبيون عن رضاهم لنجاحهم في دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى بروكسل التي سيزورها للمرة الأولى منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وسيُلقي فيها كلمة بتاريخ 26 آذار. يريد الرئيس الأمريكي إظهار أن الانعطاف الأمريكي باتجاه آسيا لا يعني تجاهل التحالفات التقليدية في أوروبا. ستستمر جولة أوباما خمسة أيام اعتباراً من 25 وحتى 30 آذار، وسيزور خلالها لاهاي وبروكسل والفاتيكان والسعودية.
    كان المفترض أن تتركز القمة الأوروبية ـ الأمريكية على الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار (TTIP)، ولكن الأزمة الأوكرانية والعقوبات ضد روسيا ستطغى على المحادثات التجارية. فضّل باراك أوباما أن يوجه رسالة حازمة عبر العقوبات التي استهدفت الشخصيات المحيطة بالرئيس الروسي، وذلك بغض النظر عن الانعكاسات المعلنة على بقية الملفات. في الوقت الحالي، يؤكد الأمريكيون أن جلسة المفاوضات التي انعقدت مؤخراً مع إيران في فيينا لم تتأثر بالتوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، ويعتبرون أنه إذا كان الوجود الروسي ضرورياً من أجل تبني العقوبات، فإن إيران تملك الآن مفاتيح تسوية الخلافات النووية. فيما يتعلق بسورية، أعرب الأمريكيون عن سرورهم إزاء تسريع إخلاء الأسلحة الكيميائية مؤخراً. أشارت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أنه تم إخراج حوالي نصف مخزون الأسلحة الكيميائية حتى الآن.
     يطمح الرئيس الأمريكي بانضمام الأوروبيين إلى العقوبات الأمريكية ضد روسيا، وأشار الباحث في معهد بروكنغز جيريمي شابيرو Geremy Shpiro إلى أنه يجب على باراك أوباما أن يقوم بدور الوسيط بين المصالح الخاصة لكل من الألمان والبريطانيين والفرنسيين، وقال: "لن تكون العقوبات الأمريكية فعالة إلا إذا وافق على الأوروبيون"، واعتبر أنه يمكن التوصل إلى تسوية "يتخذ فيها البريطانيون بعض العقوبات المالية، ويتخذ الفرنسيون بعض العقوبات في مجال التسليح، ويتخذ الألمان بعض العقوبات في مجال الطاقة".

     سمح باراك أوباما بضخ ثلث الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الأمريكي في السوق العالمية، وذلك من أجل تخفيف الضغط عن الأوروبيين إذا حاول فلاديمير بوتين استخدام سلاح الغاز. يريد الأوروبيون أن تذهب واشنطن إلى ما هو أبعد من ذلك عبر السماح بتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا أوتوماتيكياً كما هو الحال مع الدول التي وقعت على اتفاق حرية التجارة مع الولايات المتحدة.

الانتخابات البلدية الفرنسية ـ الدورة الأولى 23 آذار 2014

     جرت الدورة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية يوم الأحد 23 آذار. أجمعت الصحف الفرنسية على أن اليسار تكبد هزيمة فادحة في الدورة الأولى للانتخابات البلدية، حصلت قوائم الحزب الاشتراكي وحلفائه على 43 % من الأصوات في جميع المدن الفرنسية، وحصل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية وحلفائه على 48 % من الأصوات، بينما حصل حزب الجبهة الوطنية على 7 % تقريباً. أكدت الصحف الفرنسية أن هذه النتائج تمثل عقوبة قاسية لليسار وللحكومة الفرنسية.
     شهدت الدورة الأولى من الانتخابات البلدية ارتفاعاً قياسياً في نسبة الامتناع عن التصويت للانتخابات البلدية، وصلت هذه النسبة إلى 38.6 % من الناخبين المسجلين (بالمقارنة مع نسبة 33.46 % في الدورة الأولى للانتخابات النيابية عام 2008).
     أشارت الصحف الفرنسية إلى أن حزب الجبهة الوطنية حقق نجاحاً كبيراً في هذه الانتخابات واستطاع الوصول إلى الدورة الثانية من الانتخابات البلدية يوم الأحد 30 آذار في حوالي مئتي مدينة فرنسية من أصل 598 قائمة انتخابية له في جميع أنحاء فرنسا. تمكن الحزب من الفوز بحوالي 500 معقد في المجالس البلدية منذ الدورة الأولى، مع العلم أنه كان يراهن على الفوز بحوالي ألف مقعد في هذه المجالس قبل البدء بالانتخابات.
     أشار المراقبون إلى أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ربما سيكون مضطراً لإجراء تعديل حكومي أو حتى تغيير رئيس الحكومة إذا تأكدت هزيمة الحزب الاشتراكي في الدورة الثانية من الانتخابات البلدية.


الجمعة، ٢١ آذار ٢٠١٤

(سقوط يبرود: تداعيات الصدمة تُهدد لبنان)

صحيفة الليبراسيون 21 آذار 2014 بقلم مراسلها في لبنان توما أبغرال Thomas Abgrall

     استعاد الجيش السوري ومقاتلي حزب الله السيطرة على معقل المتمردين في مدينة يبرود القريبة من لبنان، وأدى ذلك إلى تصعيد التوتر داخل لبنان.
     هل يمثل سقوط يبرود فشلا هاماً بالنسبة للمتمردين؟ كان المتمردون يحصلون على الأسلحة القادمة من لبنان عبر يبرود، وكان جزءاً منها يذهب إلى ضواحي دمشق. كما كانت يبرود مركزاً طبياً للمقاتلين الجرحى. إن سقوط يبرود سيزيد من صعوبة تموين المتمردين من لبنان على الرغم من أنهم ما زالوا يسيطرون على بعض القرى الحدودية مثل رنكوس وفليطة وحوش عرب. تعتبر جبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة والقوة المقاتلة الرئيسية في يبرود أنه تم "بيع" المدينة إلى النظام، وقال النظام الرسمي باسمها عبد الله عزام الشامي: "انسحبت إحدى أهم الفصائل المتمردة من هضبة مار مارون، وكان ذلك مفاجأة لنا".
     هل خرج حزب الله معززاً؟ تُشكل السيطرة على يبرود انتصاراً عسكرياً بالنسبة للميليشيا الشيعية التي لم تخسر إلا 19 مقاتلاً في هذه المعركة نقلاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان. إنها خطوة هامة بالنسبة لحزب الله من أجل السيطرة على المنطقة الأخيرة التي ما زالت بأيدي المتمردين على الحدود السورية ـ اللبنانية، وإيقاف إطلاق القذائف التي تسقط على القرى الشيعية في سهل البقاع. ولكن هذه المنطقة الحدودية الجبلية يصعب الوصول إليها ويبدو أن السيطرة عليها معقدة، كما أن انسحاب المقاتلين الراديكاليين إلى لبنان ربما يؤدي إلى تزايد عمليات التفجير في معاقل حزب الله. من الناحية السياسية، أصبح الحزب أكثر ضعفاً. دعا أحد أهم حلفائه الجنرال المسيحي ميشيل عون يوم الأربعاء 19 آذار إلى "انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية" بشكل يستهدفه ضمنياً.
     هل ستتفاقم التوترات الطائفية في لبنان؟ هناك خطر بتفاقم التوترات الطائفية كما حصل بعد انتصار حزب الله في مدينة القصير في شهر حزيران 2013. استؤنفت المعارك في طرابلس منذ أسبوع بين الميليشيات السنية والعلوية، مما أدى إلى مقتل ثلاثة عشر شخصاً وجرح مئة آخرين. إن الشارع السني في حالة غليان، ويقطع الطرقات يومياً في جميع أنحاء لبنان. اعتبر الأستاذ والباحث في العلوم السياسية عماد سلامة أن "شعور السنة بالحرمان تجاه انتصارات حزب الله تُهدد بخطر حدوث المزيد من الهجمات الطائفية". ولكنه أشار إلى أنه من غير المحتمل بروز تمرد شامل، وقال: "إن السنة منقسمون جداً لدرجة تمنعهم من القيام بعمل جماعي، ولا يستطيعوا منافسة القوة العسكرية لحزب الله".



(الجهاديون الفرنسيون: "أمير " يبوح بأسراره)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 20 آذار 2014 بقلم أوليفييه توسير Olivier Toscer

     في صباح ذلك اليوم، كان عمر ديابي  Oumar Diaby (38 عاماً) الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والسنغالية في سيارته على طريق مدينة حريتان (Hraytan) شمال حلب. لقد أصبح "أمير" الجهاديين الفرنسيين في سورية منذ الصيف الماضي، وأخبر مجلة النوفيل أوبسرفاتور بـ "الخبر السعيد" المتعلق بوصول الفتاة ليلى (15 عاماً) من مدينة أفينيون الفرنسية للانضمام إلى الجبهة السورية في نهاية شهر كانون الثاني. تلقى والد الفتاة اتصالاً هاتفياً لطلب الزواج من ابنته، ورفض ذلك. ولكنه لم يعد يعرف شيئاً عن ابنته منذ ذلك الوقت.
     تواصلت مجلة النوفيل أوبسرفاتور مع عمر ديابي، الذي يقود الكتيبة الفرنسية في سورية، عبر الفيسبوك لمدة ثلاثة أسابيع منذ بداية شهر آذار. تحدث عمر ديابي عن خفايا عمليات تجنيد عناصر هذه الكتيبة البالغ عددهم حوالي ثمانين شاباً جهادياً فرنسياً وصلوا عبر عدة مجموعات منذ الصيف الماضي. إنهم مجانين الله، وأعدت الأجهزة السرية قوائم بأسمائهم حسب الأصول، وسيتعرضون لعقوبات بالسجن بتهمة الإرهاب في حال عودتهم إلى فرنسا. أكد عمر ديابي قائلاً: "في جميع الأحوال، لن أعود قبل أن تنتهي الحرب، ولن تنتهي قبل عودة النبي إلى الأرض هنا في دمشق". وُلد عمر ديابي في داكار، وكان طفلاً عندما وصل إلى مدينة نيس الفرنسية، وأصبح زعيماً لعصابات المراهقين، ودخل السجون الفرنسية منذ أن كان عمره عشرين عاماً بتهم القتل والسرقة والسطو المسلح. تعرف على الإسلام الراديكالي عندما خرج من السجن عام 2000، وكان يُلقي مواعظه في الضواحي الفقيرة لمدينة نيس الفرنسية تحت اسم "الأخ أمسين" (Frère Amsen). بدأ العمل بإنتاج أفلام فيديو إسلامية منذ عام 2005، وكانت هذه الأفلام أكثر تأثيراً بكثير على الفاشلين دراسياً بالمقارنة مع قراءة النصوص المقدسة.
     أثار عمر ديابي انتباه شرطة مكافحة الإرهاب بالصدفة أثناء تفتيش روتيني في محطة نيس للقطارات في كانون الأول 2011. كان عمر ديابي ملاحقاً منذ ثلاثة سنوات بتهمة السرقة مع عصابة منظمة في إطار بيع قطع غيار السيارات المسروقة. توصل التحقيق معه إلى أنه كان يخطط للذهاب إلى تونس ثم أفغانستان عبر ليبيا. قبل ثلاثة أيام من اعتقاله، قام عمر ديابي المعروف بأنه أحد الرموز الأساسية للعمل الجهادي بتنظيم اجتماع إسلامي هام. شارك في هذا الاجتماع حوالي ثلاثين شخصاً، من بينهم ثلاثة شباب من الضواحي الباريسية الذين ألقت شرطة مكافحة الإرهاب القبض عليهم في مطار مدينة سانت إيتيين الفرنسية قبل ذهابهم إلى سورية عبر تركيا، وصدر بحقهم حكماً بالسجن لمدة تترواح بين سنتين وأربع سنوات بتهمة الانتماء إلى عصابة بهدف القيام بأعمال إرهابية.
     خرج عمر ديابي من السجن في ربيع عام 2012 مع إلزامه بوضع إسوارة إلكترونية، وتزامن خروجه من السجن مع القبض على هؤلاء الشبان الثلاثة. كان عمر ديابي يستعد في ذلك الوقت لشن هجوم من أجل الجهاد على الأنترنت. كان ذلك في شهر نيسان 2012 مع الصدمة التي أثارتها قضية محمد المراح، وقررت الحكومة آنذاك ملاحقة الإسلاميين الفرنسيين، واعتقلت العديد منهم مثل مجموعة فرسان (Forsane) الأصولية لإنتاج أفلام الفيديو المؤيدة للجهاد والمعروفة بنشاطها ضد قانون منع ارتداء النقاب الإسلامي. لم تعتقل الشرطة عمر ديابي في ذلك الوقت، ولكنها قامت بتجميد أمواله بسبب علاقاته مع هذه المجموعة. قام بعد ذلك بإنتاج فيلم وثائقي عن اضطهاد الغرب للإسلام، ولاقى الفيلم أصداء واسعة لدى الأوساط الجهادية.  في العام التالي، غادر مدينة نيس إلى داكار في السنغال بسبب شعوره بخطر طرده من فرنسا.
     بدأ عمر ديابي بالانخراط فعلاً في جبهة الحرب المقدسة انطلاقاً من السنغال في شهر تموز الماضي. ذهب في البداية إلى موريتانيا مع عشرة أشخاص، ومنها إلى تونس، ثم ركبوا الباخرة حتى تركيا، ثم دخلوا إلى منطقة حلب في سورية. قال الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط رومان كاييه Romain Caillet المتخصص بدراسة هجرة الإسلاميين الراديكاليين داخل الدول الإسلامية: "تهدف جبهة النصرة إلى قتال نظام بشار الأسد، في حين تريد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بناء دولة إسلامية تشمل سورية والعراق وتطبيق الشريعة الإسلامية فيها بشكل حازم. يتنقل المقاتلون الفرنسيون باستمرار بين هاتين المجموعتين، وغالباً ما يتم ذلك بشكل مفاجىء بعد إعجابهم بحديث هذا العالم السلفي أو ذاك". انضم عمر ديابي إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وقال: "إن عناصر الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هم شباب جاهلون بدون تأهيل ديني جدي. كما أنهم لصوص سابقون يظهر سلوكهم المنحرف بمجرد إعطائهم السلاح". نجح عمر ديابي بفرض شخصيته، ويبدو أن مجموعته الصغيرة لا تعرف الأزمة، وقال: "يحصل المقاتلون على الطعام والسكن مجاناً. إنهم يحصلون على غنيمة الحرب أثناء المعارك، ونعطيهم القليل من المال من أجل ملذاتهم الشخصية".
     عندما بدأت الكتيبة الفرنسية تعمل بشكل جيد، ذهب عمر ديابي إلى تركيا في خريف عام 2013 لإعادة جزء من عائلته إلى السنغال وفرنسا. انتقلت قيادة الكتيبة الفرنسية أثناء غيابه إلى رجل آخر اسمه الحربي أبو الحسن الذي جاء من حي Croix Rousse بمدينة ليون الفرنسية، وورد اسمه على رأس ملفات مكافحة الإرهاب لدى الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية (DCRI)، واسمه الحقيقي هو مراد حاجي Mourad Hadji الذي قام أيضاً بإعداد فيلم فيديو إسلامي ـ كارثي شاهده أكثر من 250.000 شخص على اليوتوب. يبلغ عمر مراد حاجي حوالي ثلاثين عاماً، وهو من أصل مغربي، ووصل إلى سورية في شهر تموز الماضي برفقة عشرة رجال تقريباً. انضم في البداية إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ثم أعلن ولائه إلى جبهة النصرة في خريف عام 2013 برفقة عمر ديابي وجميع رجاله.
     إن المهمة الأساسية بالنسبة لرجل يُعرّف نفسه بأنه "إرهابي وفخور بذلك، باعتبار أن كل شخص يقول أنه مسلم يجب أن يكون إرهابياً" هي مهمة إستراتيجية هامة جداً: أي تجنيد المقاتلين الجدد. قال الصحفي دافيد تومسون David Thomson الذي ألف كتاباً هاماً حول هذا الموضوع بعنوان: (الجهاديون الفرنسيون)، وأصبح هذا الكتاب مرجعاً حول المقاتلين الفرنسيين على الجبهة السورية: "في الواقع، إن المهمة في غاية السهولة. يكتفي الجهاديون في سورية بترصد المرشحين المتأثرين بأفلام الدعاية المضللة على الشبكات الاجتماعية. وعندما يصبح المرشحون مستعدين للقدوم، يقوم الجهاديون بتزويدهم عن طريق الأنترنت بأرقام الهواتف التي يجب الاتصال بها عندما يصلون إلى الحدود التركية ـ السورية، ثم يأتون لإحضارهم بالسيارة من الحدود".
     استطاع مراد حاجي في شهر كانون الثاني الماضي تجنيد وإحضار الشابين ياسين (15 عاماً) وأيوب (16 عاماً) من مدينة تولوز الفرنسية. لقد عاد هذان الشابان إلى فرنسا بعد بقائهما ثلاثة أسابيع في سورية، وواجها تهمة الإرهاب بمجرد وصولهما إلى فرنسا. قال سليم (19 عاماً) أحد أعضاء مجموعة عمر ديابي في مدينة روبيه (Roubaix) الفرنسية: "غادر هذان الشابان سورية قبل البدء بالتدريب. لقد ارتكبا أكبر خطأ في حياتهما عندما أدارا ظهرهما للجهاد. لم يكونا حازمين بما فيه الكفاية. من جهة أخرى، قالا لنا أنهما جاءا بعد أن انتابتهما فورة غضب".
     وصل الشقيقان يوسف شريف Youssef Chérif (22 عاماً) وعمران شريف Omran Chérif (17 عاماً) إلى سورية في الوقت نفسه تقريباً قادمان من مدينة نيس الفرنسية. يبحث الأخ الأكبر حالياً عن "أخت جادة" راغبة بالسفر والقدوم إلى سورية من أجل الزواج به. أما الأخ الأصغر فما زال يُعبّر عن عواطفه الحارة تجاه والدته، وكتب لها: "أنا أحبك، وأطلب منك السماح عن كل ما تعانين منه بسببي" بجانب صورة له وهو يحمل البندقية إلى جانب أحد المقاتلين.
     بلال بنيامين Bilal Benyamin (23 عاماً) هو طالب من مدينة غرونوبل الفرنسية من أصل تونسي، ولكنه لا يتحدث مع أي شخص. تعرض هذا الشاب إلى رصاصة في قلبه أثناء الهجوم على أحد مواقع "الشبيحة" خلال الشهر الماضي. قال الأمير ديابي فخوراً: "إنه شهيدنا الأول". أثناء هذا الهجوم، تعرض سليم القادم من مدينة روبيه الفرنسية إلى جروح خفيفة في ساقه. فكّر سليم بالذهاب للمعالجة في مستشفى المدينة المجاورة التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وقال: "ولكن بدلاً من معالجتي، وجدت نفسي في زنزانة خلال عشرة أيام". ولكن عمر ديابي نجح بإخراجه من الزنزانة في النهاية. يبدو أن سليم لم يفقد حماسه الانتحاري قائلاً: "أنا أنتظر الشهادة، إذا أعطاني الله إياها. هذا هو الهدف النهائي لوجودي هنا".


الخميس، ٢٠ آذار ٢٠١٤

(سورية: العدالة تنتظر في فرنسا)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 20 آذار 2014


     تعرض ثلاثة متظاهرين معارضين لبشار الأسد للضرب من قبل بعض أنصار الرئيس السوري في باريس في شهر آب 2011. لم تتم محاكمة المعتدين المُفترضين حتى الآن بعد مرور عامين ونصف على الحادث. كان من المقرر انعقاد جلسة المحاكمة بتاريخ 25 نيسان 2013، ثم تأجلت حتى تاريخ 13 آذار الماضي للمرة الثالثة. أعرب محامي الضحايا عن غضبه قائلاً: "في الوقت الذي نحتفي فيه بالذكرى الثالثة للثورة السورية، يبدو أن فرنسا عاجزة ليس فقط في سورية بل على أرضها أيضاً"، وتساءل عن الأسباب الحقيقية لهذا التأجيل المستمر. إن أحد المشتبه بهم هو من عائلة تربطها علاقة مصاهرة مع ماهر الأسد.

(ما هي نتائج ضم شبه جزيرة القرم على الصعيد الدولي؟)

صحيفة الفيغارو 19 آذار 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     إن ضم شبه جزيرة القرم يُشوش بشكل عميق على النظام القائم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991. قال مدير مؤسسة كارنيجي في موسكو ديمتري ترينان Dmitri Trenin: "أهلاً وسهلاً في الحرب الباردة الثانية". من الممكن أن يُؤدي هذا الحدث الهام إلى تغيير المعطيات داخل القارة الأوروبية وفي العلاقات الدولية لفترة طويلة. أدى ابتلاع شبه جزيرة القرم بشكل كامل إلى عودة الولايات المتحدة إلى أوروبا بعد أن تخلت عن القارة العجوز لصالح آسيا، ورحّب الكثيرون بهذه العودة الأمريكية. من الممكن أن يؤدي جفاء العلاقات بين الشرق والغرب إلى تعقيد إدارة الملفات الدبلوماسية الهامة في الوقت الحالي، سواء فيما يتعلق بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان أو الحرب في سورية وما نجم عنها حول تفكيك الأسلحة الكيميائية. ولكن الضربة القوية التي وجهها زعيم الكريملين تمثل ضربة قاسية لنظام الأمن العالمي في أوروبا والعالم بشكل يهدد النظام النووي العالمي الذي انبثق بعد نهاية الحرب الباردة.
     وقعت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، ثم انضمت إليهم فرنسا والصين، على مذكرة بودابست بتاريخ 5 كانون الأول 1994.  تعهدت الدول الخمس العظمى في مجلس الأمن بإعطاء أوكرانيا الضمانات حول احترام استقلالها وسيادتها وسلامة حدودها مقابل التخلي عن كونها قوة نووية. كانت أوكرانيا تملك ثالث ترسانة نووية في العالم في ذلك الوقت، هذه الترسانة التي ورثتها من الاتحاد السوفييتي، وقد تعهدت القوى العظمى بتحمل مسؤولية خاصة في الحفاظ على نظام ما بعد الاتحاد السوفييتي من أجل إقناع أوكرانيا بالتخلي عن هذه الترسانة. لعبت مذكرة بودابست دوراً أساسياً في الخروج من الحرب الباردة. أكد فلاديمير بوتين في نهاية سنوات عام 2000 على الضمانات المتعلقة بسلامة أراضي أوكرانيا، وذلك أثناء التوقيع على معاهدة ستارت الجديدة (New Start) لنزع الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة.
     إذاً، إن انتهاك روسيا للضمانات المعطاة إلى أوكرانيا يخلق سابقة سيئة جداً. إن الضعف النسبي لردة الفعل الغربية تجاه ضم جزء من أوكرانيا يُشكك بكل المبررات الداعمة لعدم انتشار الأسلحة النووية. لا شك بأن المسؤولين الإيرانيين الذين وقعوا على اتفاق مؤقت مع المجتمع الدولي في شهر تشرين الثاني حول البرنامج النووي السري بعد نزاع استمر عشر سنوات، سيقرؤون بعناية ردة الفعل الأمريكية والأوروبية. تخلت ثلاث دول عن السلاح النووي خلال عشرة سنوات تحت الضغط الدولي هي العراق وليبيا وأوكرانيا، ثم شهدت هذه الدول انهيار سيادتها الوطنية بشكل أو بأخر: تعرض العراق لاجتياح القوات الأمريكية والبريطانية التي طردت صدام حسين من السلطة، تعرضت ليبيا لقصف الطيران الفرنسي والبريطاني بدعم من واشنطن، وتم طرد العقيد القذافي من قصره. تم اقتطاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا بدون إطلاق رصاصة واحدة.
     ما هي الدروس التي ستستخلصها إيران؟ استؤنفت المفاوضات الهادفة إلى تحويل الاتفاق المؤقت إلى حل دائم في فيينا يوم الثلاثاء 18 آذار، ستكون هذه المفاوضات امتحاناً للموقف الإيراني والروسي. نجحت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في الحفاظ على موقف موحد تقريباً تجاه إيران حتى الآن، ولكن ربما تصبح موسكو أقل ميلاً لتقديم التضحيات باسم الموقف الموحد، ولاسيما في حال تشدد الموقف الإيراني.
     سيتم تحليل الدروس الأوكرانية في أماكن أخرى في العالم لدى الدول الآسيوية المستفيدة من المظلة النووية الأمريكية مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وكذلك الأمر في الشرق الأوسط حيث تهدد القوى السنية فيه مثل السعودية ومصر وتركيا بالبدء بسباق نووي من أجل مواجهة إيران الشيعية النووية. إن الأحداث الأوكرانية تُشكك بقيمة الضمانات الخارجية، وتهدد بتعزيز إرادة بعض الدول في الحصول على السلاح النووي.

     يمثل الموقف الروسي في أوكرانيا خطراً على اتفاق عدم انتشار الأسلحة النووية، كما يهدد المراحل الجديدة المحتملة لنزع السلاح النووي بين الولايات المتحدة وروسيا. كان باراك أوباما يحلم بـ "عالم بدون أسلحة نووية"، ولكن هذا الحلم يبدو أنه تلاشى تماماً.