الصفحات

الأربعاء، ٣١ تموز ٢٠١٣

(الجيش السوري يستعيد السيطرة على مدينة حمص)

صحيفة اللوموند 31 تموز 2013 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     حققت الحكومة السورية انتصاراً عسكرياً جديداً في الهجوم المضاد الواسع الذي شنته بمساعدة حلفائها اللبنانيين في حزب الله، وذلك بعد شهرين تقريباً من سيطرتها على القصير. لقد استعاد الجيش السيطرة على حي الخالدية آخر المعاقل الهامة للتمرد في حمص يوم الاثنين 29 تموز، واستعاد بذلك محور الاتصال الهام بين الشريط الساحلي والعاصمة دمشق.
     كان التمرد يُسيطر على حي الخالدية منذ شهر أيلول 2011، ولم ينجح الجيش في طرد المتمردين منه حتى بعد الهجوم على حي باب عمرو في شهري شباط وآذار 2012. استطاع المتمردون الانتشار في الأحياء السكنية المكتظة، والتنقل من منزل لآخر ومن بناء لآخر عن طريق ثقب الجدران لتجنب نيران القناصة.
     قالت وكالة الأنباء الرسمية سانا أن الجيش "سحق المعاقل الأخيرة للإرهابيين، وقام بتفكيك عشرات العبوات الناسفة في المنازل والشوارع"، وأشارت إلى أن كاميرات التلفزيون الحكومي تجولت في الحي المدمر الذي تم "تطهيره من الإرهابيين". أصبح وجود المتمردين في حمص يقتصر على بعض جيوب المقاومة الرمزية في المركز التاريخي للمدينة.
     قامت وحدات الهجوم الأمامية للحركة الشيعية اللبنانية حزب الله بشن المعارك الأخيرة، إن هذه الوحدات معتادة على المعارك وجهاً لوجه في المدن. تعرض ضريح وجامع خالد بن الوليد، أحد أصحاب الرسول محمد المبُجلين لدى السنة، لأضرار كبيرة ـ وحتى الإساءة إليه بشكل مقصود ـ أثناء هذا الهجوم، الأمر الذي سيؤدي إلى تأجيج البعد الطائفي للنزاع السوري. غادر أغلب المدنيين السنة في حي الخالدية هذه المنطقة منذ بداية الهجوم، وأصبحوا يخشون من عدم السماح لهم بالعودة إلى منازلهم، وأن تأتي العائلات العلوية والشيعية مكانهم نظراً لاحتراق السجلات العقارية أثناء المعارك.
     يُمثل السقوط الرمزي لحمص فشلاً جديداً للتمرد الذي أصبح أكثر انقساماً وتفتتاً من أي وقت مضى. يُسيطر التمرد على كامل المناطق الشمالية والشرقية، ولكن هذه المناطق تشهد منذ أسبوع حرباً داخلية مدمرة للسيطرة على المراكز الحدودية بين الدولة الإسلامية ـ الفرع العراقي لتنظيم القاعدة والقوات الكردية المحلية التي تعارض بشار الأسد أيضاً. أدى هذا النزاع إلى مقتل 130 شخصاً خلال أسبوع، وأجبر الأحزاب العربية في التمرد على تحديد موقفها بشكل يُهدد بتقسيم التمرد إلى نصفين. ربما قام رجال الدولة الإسلامية باحتجاز الأب اليسوعي باولو داوغليو منذ يوم الاثنين 29 تموز، وذلك بعد أن جاء من الرقة للقيام بوساطة. على الرغم من ذلك، حقق التمرد بعض التقدم في أقصى الشمال بحلب والمناطق المحيطة بها، وفي درعا بفضل تسريع تسليمهم الأسلحة السعودية.



(اللاجئون السوريون في مصر لم يعد مُرحّباً بهم)

صحيفة اللوموند 31 تموز 2013 بقلم مراسلتها الخاصة في القاهرة هلين سالون Hélène Sallon

     لجأ أكثر من 160.000 سوري إلى مدينة 6 تشرين التي تبعد  ثلاثين كيلومتراً عن العاصمة القاهرة. يدخن أسامة الأركيلة، ويراقب الشارع بدقة خوفاً من البلطجية، لأن المقهى الذي يملكه تعرض للهجوم الأسبوع الماضي، وكان المهاجمون يصرخون: "لا نريد سوريين هنا". غادر أسامة دمشق قبل أربعة أشهر لأنه كان مطلوباً بسبب دعمه للتمرد، ثم دفع مبلغ 650.000 دولار لشراء رخصة تسمح له باستثمار المقهى لمدة ثلاث سنوات، ولكنه يسعى إلى بيعها بأي ثمن. غادر الكثير من السوريين مدينة 6 تشرين، وينتظر البعض انتهاء شهر رمضان. أرسل أسامة زوجته وأطفاله إلى لبنان، ويأمل بدخول السويد سراً.
     لم تعد مصر واحة للسلام لـ 300.000 سوري لجؤوا إليها منذ شهر آذار 2011. إنهم متهمون بتأييد معسكر أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي الذي كان يؤيد التمرد السوري. ولكن أسامة قال: "نحن جئنا إلى هنا بحثاً عن حياة هادئة. لو كنا نريد القتال من أجل قضية، كنا سنبقى في سورية".

     لم يتعرض إلا قلة من السوريين للعمليات الانتقامية، ولكن هناك قلق من تشديد سياسة استقبالهم. أكدت السلطات المصرية الجديدة تقاربها مع نظام بشار الأسد، واتخذت سلسلة من إجراءات تقييد دخول وإقامة السوريين في مصر. كما أشارت المفوضية العليا للاجئين إلى أن السلطات المصرية قامت بتغيير مسار بعض الطائرات التي تحمل ركاباً سوريين وأعادتها إلى دمشق أو اللاذقية. وقامت منظمات حقوق الإنسان باتهام السلطات المصرية بشن حملة مقصودة لطرد السوريين.

(الإسلاميون يختطفون رجل دين يسوعي في سورية)

موقع الأنترنت لصحيفة الفيغارو 30 تموز 2013 بقلم سونيفا روز Sunniva Rose

     اختطف الإسلاميون رجل الدين المسيحي باولو دالوغليو في شوارع الرقة، وهو شخصية دينية محترمة انضمت إلى المعارضة السورية. سقطت مدينة الرقة بأيدي جهاديي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة في شهر آذار الماضي، يبدو أن هذه المنظمة لم ترض عن تصريحاته التي أدانت أعمال العنف التي ارتكبتها ضد السكان الأكراد في مدينة تل أبيض على الحدود التركية.
     كان الأب باولو متواجداً في سورية منذ الأسبوع الماضي. لقد قرر الذهاب إلى الرقة على الرغم من تحذيره من تزايد عمليات الخطف التي تقوم بها المجموعات الإسلامية ضد المعسكر الليبرالي. قال أحد الدبلوماسيين الغربيين: "لقد أصرّ على الذهاب". كتب الأب باولو على صفحته في الفيسبوك قبل فترة قصيرة من اختفائه: "أشعر بالسعادة لسببين: الأول هو أنني في مدينة محررة، والثاني هو الاستقبال الرائع الذي قوبلت به. يمشي الناس في الشوارع بحرية وانسجام. إنها صورة الوطن الذي أتمناه لجميع السوريين".
     كتب الأب باولو في كتابه الأخير هذا العام: "لدي إيمان كامل بأنه حتى مع إسلاميي تنظيم القاعدة الموجودين هنا، سنقوم جميعاً بتجربة اعتناق الإيمان بالله". ولكنه كان يعترف بأخطار راديكالية المعارضة السورية، وقال في مقابلة مع صحيفة الفيغارو في شهر أيار: "الخطر هو ألا ينجح الإسلاميون الديموقراطيون بالسيطرة على الإسلاميين الراديكاليين المرتبطين بتنظيم القاعدة. يجب أن تضمن السلطة أمن الجميع: المثقفين والصحفيين والمسيحيين".


(سورية: اختفاء الراهب اليسوعي باولو دالوغليو)

صحيفة الليبراسيون 31 تموز 2013


     هل تعرض الراهب اليسوعي الإيطالي باولو دالوغليو للخطف في سورية؟ انتشرت معلومات متناقضة مساء البارحة 30 تموز حول مصير هذا المعارض ضد نظام بشار الأسد. أعلن العديد من الناشطين أن الراديكاليين في الرقة اختطفوه في شمال سورية، ولكن الجمعية الكاثوليكية العالمية لمساعدة الكنائس المحتاجة أشارت إلى أن الأب اليسوعي لم يُختطف. لقد ذهب للتفاوض حول الإفراج عن الناشطين المعتقلين لدى قادة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، الاسم الجديد لتنظيم القاعدة في العراق.

(اختناق غزة وعزل حماس)

صحيفة اللوموند 31 تموز 2013 بقلم مراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent Zecchini

     حصل مؤخراً حدثان يُظهران عزلة حماس: الأول هو قرار السلطات المصرية بملاحقة الرئيس المصري السابق محمد مرسي قضائياً بسبب علاقاته مع حركة المقاومة الإسلامية. الثاني هو قرار حكومة إسماعيل هنية بإغلاق مكتب تلفزيون العربية لاتهامه بنشر "معلومات كاذبة" حول المساعدة التي تُقدمها حماس إلى الإخوان المسلمين المصريين. يؤكد الخبر الأول أن حماس أصبحت العدو اللدود للعسكريين المصريين الذين يتهمونها بمساعدة التمرد الإسلامي في سيناء. يُظهر الخبر الثاني أن حماس لم تعد تعرف ما العمل للحصول على رضى جارها القوي الذي يملك الوسائل القادرة على خنق 1.7 مليون شخص في غزة اقتصادياً، وهذا ما بدأ القيام به.
     بدأ العقاب الجماعي الذي يفرضه الجيش المصري على غزة قبل الانقلاب بفترة قصيرة، وما زال مستمراً بشكلين: الأول، تدمير حوالي 70 % من أنفاق التهريب تحت الحدود، هذه الأنفاق التي تؤمن 60 % من احتياجات السكان، وتُشكل الرئة الاقتصادية لقطاع غزة. الثاني، خنق معبر رفح الذي يمثل نقطة الخروج الوحيدة لسكان غزة. أطلقت المنظمات الإنسانية نداء تحذيرياً حول النتائج الاجتماعية لهذا الحصار الذي يُذكّر بالحصار الذي بدأته إسرائيل عام 2008.
     وجّهت الموجة المعاكسة للربيع العربي ضربة قوية للأحزاب الإسلامية في المنطقة، ولاسيما إلى الإخوان المسلمين الأردنيين وحماس اللتين تزعزعتا بسبب إعادة النظر بإستراتيجيتهما السياسية. يبدو أن الملك الأردني عبد الله الثاني خرج مُعززاً بعد انقطاع العلاقة بين جبهة العمل الإسلامي والرئيس مرسي، ولكنه ربما يكون نجاحاً مؤقتاً. تشعر المعارضة الإسلامية الأردنية بشكوك متزايدة تجاه النظام الديموقراطي الذي يمكن إزالته بسرعة كما حصل في مصر. أدى ذلك إلى تزايد الرغبة بالراديكالية. فيما يتعلق بحماس، فإنها أكبر الخاسرين. أكد مسؤولو حماس أن الحركة تعرضت للقمع كثيراً (في الأردن ولبنان وسورية)، وأن العسكريين المصريين يستخدمونها مؤقتاً في حملتهم لنزع المصداقية عن حقبة مرسي. يشعر مسؤولو حماس بالقلق.
     قطع رئيس المكتب السياسي خالد مشعل في شهر شباط 2012 الجسور مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان يحثه على قتال المعارضة السورية. اعتبرت حماس أن التضامن مع دكتاتور دموي غير مجدي على الرغم من المساعدة التي قدمها النظام العلوي لها خلال عدة سنوات. أدى ذلك إلى فقدانها لدعم عرابها القوي في دمشق وإيران وحزب الله اللبناني.
     لم يكن تغيّر التحالفات خطيراً جداً ما دامت مصر الإخوان المسلمين تُمثل البديل. وكان بإمكان غزة الاعتماد أيضاً على ملايين الدولارات التي وعدت بها قطر، وعلى استعجال تركيا الحريصة دوماً على الظهور كقوة إقليمية باعتبارها بطلة القضية الفلسطينية. ولكن أمير قطر الجديد تميم بن حمد آل ثاني يبدو أنه لا يميل كثيراً إلى فتح خزائنه أمام منظمة ما زالت الدولة الغربية تعتبرها إرهابية. كما أن التدهور المفاجىء للعلاقات بين مصر الجديدة وأنقرة أدى إلى تأجيل مشروع زيارة رئيس الوزراء التركي إلى غزة حتى إشعار آخر.
     هل أصبحت حماس مجردة من الدعم المالي والعسكري؟ يُمثل تدمير الأنفاق خسارة كبيرة بالنسبة لحكومة اسماعيل هنية، كما قامت إيران التي تمول 60 % من موازنتها بتخفيض تحويلاتها المالية والعسكرية بشكل كبير. ولكن طهران ربما تقوم بتليين موقفها حتى ولو كانت تتمنى "معاقبة" حماس: لا تملك إيران وسيلة عسكرية أفضل لمواجهة إسرائيل في المنطقة. إن عزلة حماس تُهدد بوقوع ضحيتين جانبيتين: الأولى هي المصالحة الفلسطينية. أدت إستراتيجية محمود عباس باستئناف المفاوضات مع إسرائيل إلى ظهور انتقادات لاذعة من قبل حكومة غزة. لن يكون رئيس السلطة الفلسطينية مرغماً على تشكيل حكومة وحدة وطنية إلا في حال فشل عملية السلام. الضحية الثانية والأساسية هي مصير سكان غزة. تشير جميع المؤشرات إلى أن حماس المعزولة سياسياً ومالياً، تُشدد قبضتها على الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. ربما يتعرض سكان غزة في الأشهر القادمة إلى عقوبة مزدوجة هي الفقر وتشديد القمع السياسي.


الثلاثاء، ٣٠ تموز ٢٠١٣

(سورية: الجيش على وشك السيطرة على حمص بشكل كامل)

صحيفة الفيغارو 30 تموز 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     استعاد الجيش النظامي السيطرة على حي الخالدية الهام في حمص بعد شهر من بداية الهجوم عليه، ولم يعد يترك للمتمردين إلا المدينة القديمة التي يتجمع فيها حوالي ألف متمرد منذ أكثر من عام. اعترف أحد المتمردين لوكالة الصحافة الفرنسية AFP قائلاً: "خسرناالمعركة، ولكن لم نخسر الحرب".
     يتعرض المتمردون المحاصرون في معقلهم الأخير لقصف مكثف بالمدفعية والطائرات، ولم يعد أمامهم خيار آخر غير الاعتراف بهزيمتهم. كان المتمردون قد تعرضوا لضربة قوية يوم السبت 27 تموز عندما تخلوا عن جامع خالد بن الوليد التاريخي في مركز حي الخالدية، وأشارت دمشق إلى أن هذا الجامع تحول إلى "مركز لتخزين الأسلحة والذخيرة". ما زال مجهولاً عدد المقاتلين الذين قتلهم الجيش النظامي بدعم حليفه حزب الله اللبناني، كما حصل في بداية شهر تموز أثناء استعادة القصير.
     أكدت وسائل الإعلام الرسمية تفكيك عشرات العبوات الناسفة في المنازل والشوارع بحي الخالدية المليء بالأنفاق. غادر المدنيون هذا الحي قبل أكثر من أسبوعين، وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمي قائلاً: "سيطر الجيش على حي فارغ وأرض محروقة وأنقاض".
     انتقد المتمردون المجتمع الدولي والمعارضة بعد هزيمتهم بسبب التخلي عنهم، وذلك بعد الوعود التي لم يتم الوفاء بها بإرسال الأسلحة وفتح ممرات إنسانية. قال أحد المعارضين في الخارج: "إنهم حاقدون جداً". وأضاف أحد الناشطين في حمص (أبو رامي): "نحن نُلقي مسؤولية ما يحصل في حمص على المجتمع الدولي والمعارضة".
     إن استعادة الخالدية سيسمح للجيش بالتقدم نحو المدينة القديمة في حمص، وهي المعقل الأخير تقريباً الذي ما زال بأيدي معارضي بشار الأسد في هذه المدينة التي كانت "عاصمة الثورة". كان المقاتلون يتسللون عبر حي الخالدية للوصول إلى المدينة القديمة التي خرج منها المدنيون، ولم يبق فيها إلا المقاتلون الذين يبلغ عددهم أقل من ألف مقاتل نقلاً عن أحد المعارضين في الخارج. ربما غادر بعض المقاتلين المدينة القديمة. بالنسبة للمقاتلين الذين ما زالوا في المدينة القديمة، ربما بدأت مفاوضات للسماح لهم بالخروج باتجاه الشمال، ولكن أحد المعارضين في الخارج قال: "ولكن أغلب المقاتلين الإسلاميين يرفضون الخروج من المدينة"، وأشار إلى أن إستراتيجية الجيش أصبحت واضحة: "الاستمرار بالاستفادة من غياب ردة الفعل الدولية للتقدم ببطىء وعدم تكبد الخسائر".

     إن سقوط حمص بشكل كامل بعد شهرين من سقوط القصير، سيسمح للنظام بتأمين الطريق الواصل بين دمشق والساحل معقل الطائفة العلوية، وسيحرم المتمردين من الاتصال مع معاقلهم في المنطقة الشمالية التي يسيطرون فيها على قطاعات واسعة من الأراضي.

(لماذا أخطأنا إلى هذه الدرجة حول سورية؟)

صحيفة الفيغارو 30 تموز 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     استعاد الجيش السوري يوم الاثنين 29 تموز السيطرة على حي الخالدية الذي يمُثل آخر المعاقل الكبيرة للمتمردين في حمص، هذه المدينة التي أطلقت عليها المعارضة ضد حكومة بشار الأسد اسم "عاصمة الثورة". يبدو أن النظام البعثي ما زال حيّاً على الرغم من شهادات الوفاة التي لم يتوقف عن إصدارها الدكاترة الغربيون البارزون مثل آلان جوبيه ودافيد كاميرون وهيلاري كلينتون... علناً منذ سنتين. يبدو أن هذا النظام يرفض، بوقاحة، الخضوع لتنبؤات وأوامر القوى العظمى في الحلف الأطلسي وممالك الخليج الفارسي.
     كانت وسائل الإعلام والحكومات الغربية مذهولة منذ صيف عام 2011 من المصير (غير المتوقع) الذي خبأه التاريخ لبن علي ومبارك والقذافي، وقالوا لنا أن الدكتاتور السوري لن يبق إلا عدة أسابيع. تسرّعت فرنسا ساركوزي بإغلاق سفارتها في دمشق على الرغم من أنه دعا الدكتاتور لرئاسة العرض العسكري للعيد الوطني الفرنسي بتاريخ 14 تموز 2008، مُعتبراً أنه سيفتحها بدون شك بعد عدة أشهر عندما تصل سلطات جديدة ستكون بالتأكيد مُفعمة بالمثل الديموقراطية. أدى ذلك إلى أننا حرمنا أنفسنا من وسيلة هامة جداً للحصول على المعلومات حول هذا البلد، وتخلينا عن إمكانية التأثير على مجريات الأحداث في العاصمة السورية إلى الدبلوماسية الروسية فقط.
     كيف يمكن تفسير أن الغرب أخطأ إلى هذه الدرجة حول الملف السوري؟ هذا الخطأ هو نتيجة مزيج من الجهل التاريخي، والنظرة السياسية الثنائية القائمة على الصراع بين الخير والشر، والتفكير الدبلوماسي الذي ينظر إلى أمنياته باعتبارها حقائق (Wishful thinking). إن جهلنا بالتاريخ المعقد للمشرق جعلنا نعتقد بأن الملف السوري يمكن اختصاره بصراع بين الجديد والقديم، وبمعركة عادلة بين الشباب الديموقراطيين ضد المستبدين القدماء. لقد تجاهلنا أنه يوجد في سورية خط انقسام أكثر عمقاً بكثير، هذا الانقسام الذي درسه الباحث والمستعرب ميشيل سورا Michel Saurat المعروف بعدم تعاطفه مع نظام عائلة الأسد. إنه انقسام بين علمانية البعث وإسلاموية الإخوان المسلمين. يضم المعسكر الثاني بعض السنة، ويضم المعسكر الأول بعض السنة أيضاً (مثل زوجة بشار أو رئيس الأجهزة السرية علي مملوك) بالإضافة إلى العلويين والمسيحيين والدروز والأقليات العرقية التي لا تتحمل فكرة أن يُفرض عليهم يوماً ما أي نظام ديني شمولي. شهدت حلب تمرداً عسكرياً قبل جيل واحد. لماذا كان يحتج المتمردون السنة آنذاك؟ كانوا يحتجون ضد الدستور العلماني الذي قام "بحياكته" حافظ الأسد والد الرئيس الحالي. وافق الجنرال الأسد بعد ذلك توخياً للمصالحة على بند يؤكد أن "المسلم" فقط يمكن أن يصبح رئيساً للبلد.
     السبب الثاني للتعامي الغربي هو أننا شربنا بسرور الحليب الذي رضعناه من ثدي النظرة السياسية الثنائية. أجرى رئيس الوزراء البريطاني مؤخراً مقابلة مع الـ BBC، ولم يتردد فيها بالحديث عن "الأخيار" (good Guys) و"الأشرار" (bad guys) في سورية مثل أفلام الكاوبوي. إن هذه النظرة الثنائية النابعة من الصحافة التلفزيونية الهوليوودية، أدت في النهاية إلى تشويش الرأي العام. أليس المتمردون اليوم ـ إنهم الأخيار حكماً باعتبارهم ضحايا الشرير بشار ـ هم الذين يعلنون بصوت عال إعجابهم ببن لادن، ويذبحون الباعة المتجولين لأنهم ربما لم يحترموا الرسول، ويخطفون الصحفيين؟
     لم نعد نفهم شيئاً مما يحصل في سورية لأن نظرتنا للمجتمعات العربية مشوبة بالنظرة الأوروبية المركزية. لم نكن نريد منذ البداية أن نرى في المتمردين إلا ديموقراطيين حقيقيين يُشبهون شبابنا في مدرسة البوليتينيك الفرنسية الذين ماتوا من أجل الحرية في شهر تموز عام 1830.  قمنا بإخفاء كل ما يُعكر هذا التصور لأطول فترة ممكنة مثل: الانقسامات العميقة للمعارضة وأعمال الترهيب ضد المسيحيين في المناطق "المحررة"، والإسلاموية العنيفة للكتائب الأكثر فعالية على الأرض. كانت الدول الغربية تعتقد أن "العيار الصغير" لبشار لن يقاوم ضغوطهم النفسية فترة طويلة بعد أن انتصروا على رؤساء دكتاتوريين عنيدين مثل: ميلوسوفيتش وصدام حسين والقذافي. لم يتوقعوا أن الدكتاتور سيراهن على تقسيم جيوسياسي تقليدي جداً هو: السماح بكشف العدو (الوهابية السنية) وحشد القوى الحليفة (روسيا وإيران) ثم الانتقال إلى الهجوم المضاد بهدوء.



الاثنين، ٢٩ تموز ٢٠١٣

(الحرب الأهلية في سورية تُهدد التراث الثقافي العالمي)

صحيفة اللوموند 26 تموز 2013 بقلم المؤرخة المختصة ببلاد الرافدين فيرونيك غراندبيير Véronique Grandpierre

     أدى النهب الذي تعرض له متحف بغداد وتدمير الأسد المشهور باسم Shaduppum أمام الكاميرات إلى تحذير الرأي العام تجاه العواقب الأثرية للنزاعات المسلحة في الشرق الأوسط. ينطبق هذا الأمر اليوم على سورية منذ 15 آذار 2011.
     تتركز الأولوية بالتأكيد على عشرات آلاف القتلى والجرحى، وتضحيتهم وبطولتهم، وتدمير منازلهم، واختلال الخدمات، وامكانية انتشار الأوبئة، والمساعدة الإنسانية التي يجب إيصالها. إنه أمر مفهوم، ولكن سورية هي أيضاً بلد يتمتع بغنى ثقافي استثنائي مثل: إيبلا ومكتبتها بألواح الفخار المصفوفة في رفوف من القرن الثالث قبل الميلاد، وماري وقصر الملك زيمري ليم Zimri-Lim الذي يمتد على مساحة 2.5 هكتار من القرن الثاني قبل الميلاد، وتدمر التي قاومت بشجاعة الفرس الساسانيين ثم الرومان، ودمشق عاصمة الأمويين وجامعها المشهور الذي انتهى بناءه عام 715 واستخدمت ديكوراته نموذجاً في الشرق وإسبانيا، ومدينة الواقفة Rafika التي اختارها الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمة له، وهو خليفة ألف ليلة وليلة.
     هناك العديد من المواقع المسجلة ضمن التراث العالمي لليونيسكو مثل: المدن القديمة لدمشق في وسط البلد، وبصرى في الجنوب، وحلب في الشمال، وتدمر في الصحراء، وقلعة الحصن، وقلعة صلاح الدين، والمدن البيزنطية في الجبال الكلسية التي حافظت بشكل جيد على بقايا الكنائس والمنازل ونقوش أبوابها، والحمامات. أصبحت جميع هذه المواقع مسجلة على قائمة أخرى في اليونيسكو منذ 20 حزيران هي قائمة التراث العالمي المهدد!
     تصلنا صور تدمير هذه الأمكنة ونهبها: الصراع على قلعة حلب، والمعارك داخل الجامع الكبير في المدينة، وآثار قذائف الهاون على واجهة معبد بل في تدمر... بالتأكيد، لا يهدف هذا الطرف أو ذلك إلى تدمير هذه المواقع الأثرية. ليست هناك أية إيديولوجية أو دين أو إرادة سياسية تتدخل في هذا الاتجاه. لا يوجد اليوم إلا الأمكنة الإستراتيجية وهي نفسها الأمكنة الإستراتيجية في الماضي!
     كانت قلعة حلب حتى فترة قريبة موقعاً سياحياً هاماً، وهي تقع على نتوء صخري يُطل على المدينة. إن من يُسيطر عليها، سيُسيطر على مفاتيح المدينة. صمدت هذه المدينة أمام الفرس، ولم يدخلها البيزنطيون إلا بالحيلة. ينطبق الأمر نفسه على قلعة الحصن التي قال عنها الكاتب البريطاني لورانس T. E. Lawrence (1888 ـ 1935): "إنها أجمل من جميع قصور العالم".
     فيما يتعلق بلؤلؤة الصحراء تدمر، وجوهرة الملكة المشهورة زنوبيا التي كان يخشاها الرومان طويلاً، فإن الدبابات تحتل القلعة التي تُطل على المدينة وبساتين النخيل والصحراء. في الجهة المقابلة، يتمركز القناصون في قمة معبد بل الذي يُمثل البناء المرتفع الوحيد على الطريق الواصل بين الفرات والعراق من جهة والبحر المتوسط من  جهة أخرى.
     هناك بعض المدن المُعرّضة أكثر من غيرها. وفي داخل المدن، تتعرض مآذن الجوامع للقصف بسبب موقعها وليس بصفتها مكاناً للعبادة. وقعت معارك عنيفة بالقرب من الجامع الكبير في حلب حول المأذنة التي بناها السلطان تتش (Tutush) أول سلطان سلجوقي في نهاية القرن الحادي عشر. هذه الجوهرة التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً هي نموذج معماري للعالم بأسره نظراً لواجهتها المُقسمة إلى أربعة أجزاء يفصل فيما بينها كتابات كوفية، ولكنها تحولت إلى أنقاض في شهر آذار. اندلعت الحرائق الناجمة عن القصف في المدينة القديمة، كما تهدم الجزء الأكبر من الأسواق القديمة التي كان يحلو التنزه فيها بمنأى عن شمس الصيف الحارة أو أمطار وبرد فصل الشتاء...
     لن ينتهي هذا الدمار إلا بوقوف المعارك. يجب الإسراع بإثارة انتباه العالم حول العواقب الأخرى الناجمة عن هذا الدمار مثل: نهب المتاحف والمواقع الأثرية التي لم تعد محمية. بالتأكيد، لقد أشارت السلطات السورية إلى أنها قامت بحماية "المقتنيات الهامة" في متحفي دمشق وحلب، ونقلتها إلى خزائن المصرف المركزي. ولكن كم هو عددها؟ وما هي هذه المقتنيات؟
     تتركز التنمية السياحية في سورية على غنى تراثها المحلي. هناك 38 متحف في جميع أنحاء سورية، وتضرر حوالي 12 متحفاً منهم. بالنسبة لمتحف دورا أوربوس، تم اقتلاع أبوابه ونوافذه، وأصبح معرضاً لجميع الأطماع. تعرض متحف قلعة جعبر للنهب أيضاً، هذا المتحف الذي كان يحتوي على الأثار التي تم العثور عليها أثناء عمليات التنقيب في بعض المواقع الأثرية مثل موقع إيمار Emar قبل بناء سد الطبقة. من المعروف ما هي حالة متحف حمص...

     بالنسبة لبعض المواقع الأثرية مثل إيبلا ودورا أوربوس ووادي القبور في تدمر، فإنها تتعرض لعمليات تنقيب سرية من قبل عصابات منظمة. كما تم تفكيك حجارة المدن البيزنطية في الجبال الكلسية مثل موقع البارة الأثري. وفي أفاميا، أظهرت الصور الجوية الحديثة الدمار المنتشر على جانبي الأعمدة الرومانية المشهورة. إن جزءاً كاملاً من تاريخ سورية في طريقه للاختفاء تحت أعيننا، إنه جزء من تاريخنا أيضاً.

(أنقرة قلقة من الرهان الكردي في سورية)

صحيفة الفيغارو 27 تموز 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     "دولة" كردية قبل "الدولة" العلوية! في الوقت الذي يواصل فيه المقاتلون الأكراد تقدمهم تجاه الجهاديين في شمال سورية، إن احتمالات إقامة دولة كردية صغيرة لم تعد خيالية بعد الحديث في بداية النزاع عن المنطقة العلوية. أكد صلاح مسلم الأسبوع الماضي أن منظمته حزب الاتحاد الديموقراطي، المقربة من حزب العمال الكردستاني، تسعى إلى إنشاء مجلس مستقل لإدارة المناطق الكردية في سورية خلال الحرب الأهلية. تشعر أنقرة بالقلق من هذا السيناريو، وتُعارض بروز أي كيان كردي مستقل على حدودها مع سورية. لا شك أن هذا الخلاف كان محور المحادثات التي أجراها صلاح مسلم مع إدارة أجهزة الاستخبارات التركية أثناء زيارته السرية والقصيرة جداً إلى استانبول يوم الخميس 25 تموز.
     في الوقت الذي تتفاوض فيه تركيا منذ نهاية العام الماضي من أجل التوصل إلى حل سياسي لنزاعها مع حزب العمال الكردستاني، وجهت أنقرة تحذيراً إلى حزب الاتحاد الديموقراطي من أية نزعة استقلالية، وذلك بعد أن استعاد الأكراد السيطرة على العديد من المدن في شمال سورية، وطردوا الجهاديين منها. تواصلت المواجهات بين الأكراد والجهاديين في الأيام الأخيرة، ولاسيما في قرية المشرفة بالقرب من مدينة رأس العين التي كان الجهاديون يمرون عبرها قبل استعادتها من قبل الأكراد الأسبوع الماضي. انتشرت المعارك منذ ذلك الوقت إلى بعض المدن في المناطق المجاورة بالحسكة والرقة. أصبح التعايش بين العرب والأكراد في الرقة أكثر فأكثر صعوبة، كما لو أن الانقسام لم يعد بين الجهاديين والأكراد، بل بين العرب والأكراد بشكل عام.
     لا يقبل المتمردون السوريون الطموح الكردي بإقامة منطقة حكم ذاتي، ويتهمون الأكراد بأنهم يلعبون على الحبلين. انسحبت القوات الحكومية من المناطق الكردية منذ منتصف العام الماضي، وتركت المجالس المحلية الكردية تُسيطر عليها. أدى ذلك إلى عودة مشاعر الريبة العميقة بين الطائفتين، وتفاقمت هذه المشاعر بسبب عجز المعارضة السورية عن ضم الممثلين الأكراد إلى مؤسساتها. إن تزايد التوترات بين الأكراد والعرب يعطي مؤشراً لما ستكون عليه سورية ما بعد الأسد، أي دولة مفتتة إلى عدة مناطق طائفية مع استمرار المواجهات فيما بينها.
     كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن رسالة ربما أرسلها بشار الأسد بنهاية عام 2012 إلى وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أفيغدور ليبرمان، مستفسراً فيها عن ردة فعل الدولة العبرية تجاه إقامة دولة علوية. أشارت الغارديان إلى أن إسرائيل لم تعارض هذا المشروع الذي ستنجم عنه حركات نزوح باتجاه الجولان الذي تحتله الدولة العبرية.


(تركيا تعرض مساعدتها للأكراد السوريين)

صحيفة الفيغارو 29 تموز 2013

     أكد رئيس المجموعة الكردية السورية الرئيسية أن تركيا غيّرت موقفها تجاه الأكراد في سورية، وتعهدت بتقديم مساعدة إنسانية لهم، وذلك غداة اجتماع غير مسبوق مع المسؤولين الأكراد.


(سفير فرنسي جديد في إسرائيل)

موقع الأنترنت لصحيفة الفيغارو 26 تموز 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot


     سيكون باتريك ميزوناف Patrick Maisonnave السفير الفرنسي الجديد في إسرائيل، خلفاً للسفير كريستوف بيغو Christophe Bigo الموجود في تل أبيب منذ عام 2009. كان باتريك ميزوناف حتى الآن مديراً لإدارة الشؤون الإستراتيجية في وزارة الخارجية الفرنسية. إنه من المؤيدين بقوة لمكافحة انتشار السلاح النووي، ولهذا السبب سيحوز على رضى المسؤولين الإسرائيليين الذين جعلوا من التهديد الإيراني التحدي الرئيسي للسنوات القادمة. قال دبلوماسي إسرائيلي: "نحن مسرورون جداً من أن السفير الجديد جاء من إدارة الشؤون الإستراتيجية لوزارة الخارجية الفرنسية، لأنها تُصغي باهتمام إلى ما تقوله إسرائيل".

الجمعة، ٢٦ تموز ٢٠١٣

(عندما كان بشار طفلاً خجولاً...)

مجلة اللوبوان الأسبوعية 25 تموز 2013 بقلم كلير مينيال Claire Meynial

     لا يعرف ماذا يفعل بيديه حتى عندما يكون جالساً. وضع يده الأولى على ركبته فاتحاً أصابعه، وتتجاوز يده الأخرى مسند الكرسي. يبدو على الزعيم السوري دوماً هيئة المراهقين، بشاربه الصغير ورقبته الطويلة التي تنتهي برأس مائل قليلاً باتجاه صحفيي صحيفة الثورة الرسمية التي تحتفل بالذكرى الخمسين لتأسيسها بتاريخ 11 تموز. على الرغم من ذلك، إن بشار الأسد واثق بنفسه، وقال: "إذا لم أكن متفائلاً، لن أستطيع المقاومة إلى جانب الشعب السوري. ولو لم يكن الشعب السوري متفائلاً، لما استطاع المقاومة... إذاً، يجب الاعتقاد أنه بدون التفاؤل، لن يكون هناك إيمان، وبدون الإيمان لن يكون هناك تفاؤل". إنها طبيعة بشار الخاصة التي تتسم بهدوء مذهل بالنسبة لأي شخص تابع الأحداث منذ سنتين: أكثر من مئة ألف قتيل و1.8 مليون لاجىء وشعب ممزق وخائف من الإسلاميين، واستخدم غاز الساران ضد شعبه... ولكن بشار ما زال يتنفس. استعاد الجيش تقدمه على الأرض في فصل الربيع بمساعدة الميليشيا الشيعية اللبنانية حزب الله. يظن أحد المقربين منه سابقاً "أنه مطمئن، وربما يلعب التنس في هذه اللحظة. إنه لا يلعب إلا بجهة اليمين، ولكنه يحب ذلك. أو ربما يشاهد فيلماً. لماذا يقلق؟ إن حزب الله يحارب من أجله". كيف أصبح بشار الأسد دكتاتوراً يتمتع مع زوجته الجميلة بمشاهدة الأفلام التي تطغى على ضجيج المعارك في قصره الدمشقي؟ إنها قصة رجل جاءت به الصدفة إلى الحكم، وأصبح طاغياً باختياره.
     في البداية، كان حافظ، هذا الأب الغائب ولكن القاسي. كان مقدراً للإبن البكر اللامع باسل أن يخلف والده. كان الأب القوي يعطي كل شيء إلى ابنته المدللة بشرى ذات الشخصية القوية مثل بقية الفتيات العلويات. الطفل الثالث هو بشار، وبعده ماهر العنيف مثل باسل، ثم مجد الذي كان مصاباً حتى موته عام 2009 بمرض عقلي بالتأكيد، ولكن لا أحد يتجرأ على الحديث عنه. كان بشار يبحث عن مكانه. كانا منزوياً ومُرتبكاً لكونه ابن الرئيس. قال أحد السوريين الذين عرفوه: "في إحدى الرحلات المدرسية إلى الجولان،  كان عمره 13 عاماً. توقفت الحافلة على حاجز عسكري للحصول على إذن المرور. طلب منه رفاقه أن يتدخل، كان يكفي أن يكشف عن هويته. ولكنه بقي جالساً، ويديه على حقيبته المدرسية، قائلاً: أن الجنود يقومون بعملهم". إنه رزين، وبقي مخلصاً لبعض الأصدقاء أثناء دراسته التي لم تكن مُتميزة. قال أحد زملائه القدماء في الصف متنهداً: "لم يكن سيئاً، كان متوسطا في كل شيء. ولكن كيف يمكن معرفة ذلك؟ من هو الأستاذ الذي سيتجرأ على توجيه سؤال صعب أو إعطائه علامة ضعيفة؟". ولكنه تذكّر أن بشار في سن الخامسة عشر انتقل من الشعبة الأولى للمتفوقين في الثانوية الفرنسية بدمشق إلى الشعبة الثانية لأنه لم يكن يتمتع بالمستوى المطلوب. كان هذا الشاب الخجول يضع يده على فمه عندما يتكلم، لأنه كان معقداً من تأتأته وزأزأته التي لم يتخلص منها أبداً.
     كان باسل فارساً مشهوراً، ويشارك في الحفلات والمشاجرات مع الفتيات وسيارات الفيراري. أما بشار فكان يتحدث بصوت هادىء، وبقي مع صديقته الدرزية، ويركب سيارة بيجو 505. تم توزيع دور الدكتاتور المستقبلي، واختار الطب. بدأ دراسة اختصاص طب العيون في مستشفى تشرين العسكري، ثم ذهب إلى مستشفى Western Eye في لندن، وكان مرتاحاً لأن لا أحد يعرفه هناك. إلتقى مع فتاة سنية جميلة اسمها أسماء الأخرس في إحدى حفلات السفارة، إنها ابنه السكرتيرة الأولى في السفارة، وبدأت عملاً واعداً في مصرف للأعمال. ولكن حياة هذا الشاب في لندن انتهت بشكل مفاجىء بتاريخ 21 كانون الثاني 1994، عندما كان باسل يقود سيارة المرسيدس 500 كما لو أن قوانين الفيزياء يجب أن تخضع لإرادته، ولكن هذه السيارة تحولت إلى قبره بالقرب من مطار دمشق. أمضى بشار 15 شهراً في إنكلترا، كانت بمثابة جرعة أوكسجين، ولكنها لم تكن كافية للتأثر بما يسمى بالعادات الغربية التي ستخدع العالم بأسره.
     تابع في سورية تأهيلاً مكثفاً لمهنة الرئيس التي تنتظره. عهِد به حافظ إلى المخلصين له، ولاسيما محمد ناصيف خيربيك، أحد أعضاء الطائفة العلوية القوية ومدير الأمن الداخلي ثم مدير الأمن العام، الذي كان مسؤولاً عن توثيق العلاقات مع إيران. قال الباحث السياسي المختص بالشرق الأوسط خطار أبو دياب: "لم يكن من السهل ممارسة الحكم، والانفتاح على الولايات المتحدة مع البقاء إلى جانب روسيا، والحديث مع إيران وإسرائيل في الوقت نفسه". دخل بشار الأكاديمية العسكرية في حمص، وأصبح عقيداً عام 1999. كان شخصية مجهولة تماماً في بلده، ويجب تكوين صورة له. تم تكليف بعض المستشارين بهذه المهمة مثل أيمن عبد النور، أحد أعضاء حزب البعث. قال أيمن عبد النور الموجود حالياً في دبي: "كان الجميع معجباً بباسل، ولكن بشار يفتقد للكاريزما، ولم يكن رياضياً. قمنا بخلق الوسائل لتقديمه عبر: مهمة مكافحة الفساد والتكنولوجيات الجديدة والإصلاحات". أسس باسل الجمعية السورية للمعلوماتية عام 1989، وتم تعيين بشار رئيساً لها بشكل مفاجىء، وأصبح من المولعين بالتكنولوجيات المتطورة والحديثة. إن الطالب ليس لامعاً، ولكنه يعمل بجد. سلّمه حافظ الملف اللبناني الشائك والمُربح، هذا الملف الذي كان يحتكره نائب الرئيس عبد الحليم خدام، وتزدهر فيه أعمال التهريب. عندما مات حافظ في 10 حزيران عام 2000، بدأنا بالتعرف على الوريث الذي يسير خلف نعش والده في القرداحة. كان جاك شيراك الرئيس الغربي الوحيد موجوداً، وكذلك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
     يجب الإسراع بالعمل، تم تغيير الدستور لتخفيض الحد الأدنى لسن الرئيس من أربعين إلى أربعة وثلاثين عاماً. تمت ترقيته إلى قائد للقوات المسلحة، وتم تعيينه أميناً عاماً لحزب البعث، واقترحه مجلس الشعب كرئيس، ثم حصل على 97.29 % من الأصوات في الاستفتاء الذي جرى بتاريخ 10 تموز 2010. وعد في خطابه الرئاسي بالديموقراطية والإصلاحات. تزوج سراً بتاريخ 31 كانون الأول 2012 بالأنيقة أسماء التي تمثل جزءاً هاماً من تدابير الدعاية الإعلامية. سمح بشار للمثقفين خلال ثمانية أشهر بالتعبير عن آرائهم عبر "ربيع دمشق" الذي انتهى بسرعة. كانت سورية تريد أن تأمل بإمكانية التنفس مستقبلاً. تركت مجموعة من التكنوقراط في الأربعين من عمرهم نيويورك ولندن وباريس للمشاركة في هذا التجديد الذي يبعث على الحماس بالنسبة لشعب نمنعه فجأة من طقوس عبادة الشخصية. قال المصور عمار عبد ربه: "في أحد محلات بيع السندويش العصرية، أظهر مالك المحل إلى بشار صورة لحافظ تحت صندوق المحاسبة. قال له بشار: كان عليك أن تضع صورة والدك الذي أسس هذا المكان. شعر الرجل بالذهول".
     لم تكن البدايات سهلة بالنسبة لبشار الذي تغاضى عن ظهوره في اللافتات إلى جانب حافظ وباسل مع عبارة: "قائدنا، مثلنا، أملنا". كان يجب عليه أن يفرض نفسه، على الرغم من أنه ورث هذا المكانة. لم تساعده عائلته التي تريد الحفاظ على مصالحها الخاصة، ولم يساعده "الحرس القديم" التي يتكون من القدماء والشباب المتمسكين بامتيازاتهم، ولم تساعده حكومته التي كان بعض أعضائها يطلق عليها اسم "بكالوريا ـ 3" ويقولون أنه يأخذ برأي آخر من يتحدث معه. أحس الشارع بذلك، وسخر منه، وأطلق عليه اسم "الزرافة". ولكنه كان يعمل على الرغم من ذلك. اقترح جاك شيراك عام 2003 مساعدته في تجديد الإدارة الحكومية وأرسل مستشارين اثنين. كان تنظيم الإدارة متأثراً بالاتحاد السوفييتي، أوصى جاك فورنييه Jacques Fournier وماري فرانسواز بيشتيل Marie-Françoise Bechtel بتبسيط الإدارة. أكدت ماري فرانسواز بيشتل قائلة: "في لقائنا الثاني، أخرج تقريرنا الذي وضع عليه ملاحظاته، وطرح أسئلة دقيقة". يعطي بشار الانطباع بأنه رجل يتردد بين الانفتاح الاقتصادي والسياسي، ويريد الإصلاح، ولكنه أخطأ بسذاجته. قال جاك فورنييه: "أكد بشار لنا أن حزب البعث كان يتخذ القرارات سابقاً، ولكنه هو الذي يتولى زمام الأمور من الآن فصاعداً". تم تطبيق إحدى الإجراءات المطلوبة المتعلقة بإنشاء الأمانة العامة للحكومة، ولكن المهمات اللاحقة لم تحظ بالاهتمام نفسه.
     بدأ الانفتاح الخجول ينغلق شيئاً فشيئاً. تعرّض مثقفو "ربيع دمشق" للاعتقال، ودفعوا ثمنه بسرعة. لا شك أن المنصب يُغيّر الرجل الذي يتأثر بالتملّق. قال المستشار السابق أيمن عبد النور: "ألقى بشار كلمة ناجحة في قمة الجامعة العربية عام 2003، بمساعدة القليل من الملاحظات المكتوبة. كان من السهل التفوق بالمقارنة مع زعماء من جيل آخر مثل مبارك والقذافي. قيل له أنه يتمتع بموهبة خارقة، الأمر الذي جعله يضطرب. لقد غيّر حركاته ومصطلحاته، كان يستخدم تعابير الخلافة، واعتقد أنه المهدي". إنها ألوهية غير منفصلة عن المظاهر المادية. اختار بشار النموذج الصيني، أي التجارة بدون الديموقراطية. ولكنه لم يستخدم الفوائد من أجل تخدير النزعات السياسية، بل من أجل إغناء عائلته وفي مقدمتهم رامي مخلوف الذي سيُصبح بعد فترة قصيرة الرجل المكروه في سورية، إنه يسيطر على الهواتف الجوالة والعقارات والمصارف والمنتجات الكمالية... اعتبرت الفايننشال تايمز عام 2011 أن رامي مخلوف يُسيطر على حوالي 60 % من اقتصاد سورية.
     استفادت هذه الإمبراطورية في بداياتها خلال العقد الأول من سنوات عام 2000 من التهريب مع لبنان. طلب بشار عشية الانتخابات الرئاسية اللبنانية تغيير دستور لبنان، الذي كان القاعدة الخلفية للضباط السوريين، من أجل تمديد ولاية إميل لحود بدلاً من المخاطرة بانتخاب رفيق الحريري الذي كان رئيس الوزراء آنذاك. أثار ذلك غضب رفيق الحريري الذي تم استدعاءه إلى دمشق في شهر آب 2004، وحصلت مشادة عنيفة بينه وبين بشار. لم ينس عبد الحليم خدام الذي لجأ اليوم إلى قصره الباريسي الفخم هذه المشادة، وقال: "استمر اللقاء أقل من ربع ساعة، ولكن الحريري خرج مصدوماً لدرجة أنه أنفه كان ينزف. قام وزير الداخلية غازي كنعان باستدعاء طبيب، وكان بشار يصرخ بأنه سيكسر لبنان على رأسه إذا عارضه". تعرض رفيق الحريري للاغتيال بتاريخ 14 شباط 2005، ولم يتوصل التحقيق الدولي إلى التأكد من تورطه المباشر، ولكن الجميع يُشير بأصابع الاتهام إلى بشار. غضب شيراك الصديق  الحميم للحريري، وعانت سورية من المهانة على الصعيد الدولية، واضطرت سورية إلى سحب قواتها من لبنان.
     كان ذلك منعطفاً هاماً بالنسبة لبشار. تعرض للإهانة، وأصبح طاغية متمسكاً بالسلطة في عمر الأربعين. استقال عبد الحليم خدام، وانتحر غازي كنعان في الوقت المناسب، وغادر التكنوقراط بالطائرة، وظهرت اللافتات التي تُمجد بالرئيس في الشوارع، تحت شعارات غريبة مثل: "كلنا معك". تم انتخاب بشار رئيساً مرة أخرى في استفتاء بنسبة 97.62 % في عام 2007، وذلك بعد حملة تعتمد على شعار "نحن نحبك". أشارت إحدى السوريات إلى أنه في هذا البلد "الذي يكفي فيه تعليق صورة لك مع الرئيس على السيارة لكي لا تتعرض للمخالفة"، انقطع اتصال بشار مع الواقع.
     فيما يتعلق بالعلاقات مع بقية دول العالم، كانت باردة جداً حتى انتخاب نيكولا ساركوزي الذي أعاد إدخاله في الرهانات. كان يأمل بفصله عن إيران، وأن يقوم بدور في عملية السلام مع إسرائيل، وضمه إلى الاتحاد من أجل المتوسط. قال وزير الخارجية الفرنسي آنذاك برنار كوشنير: "كانت فرنسا مُعجبة بالجانب العلماني فيه. بالتأكيد، كان فناناً بالكذب، ويؤكد بأنه لن يسمح بمرور الإرهابيين العراقيين، في حين كانت الجميع يعرف ذلك. كانت تبدو عليه البساطة مع ألبسته الرسمية المصنوعة لدى Savile Row، ولكنه كان صارماً جداً". جلس بشار على المنصة الرئاسية أثناء العيد الوطني الفرنسي بتاريخ 14 تموز 2008. لقد تغير من مبتدىء يشعر بالخوف إلى محترف بالعلاقات العامة، ويمدح ألبوم كارلا بروني في مقابلة مع إذاعة BFM الفرنسية، ثم أظهرته مجلة باري ماتش عام 2010 مع أسماء كـ "عاشقين في باريس". إن أول من اعتقد بذلك كان ساركوزي شخصياً، قال برنار كوشنير: "لقد حذرته، ولكنه كان يقول لي: إن من يتزوج مثل هذه الإمرأة، لا يمكن أن يكون قاتلاً". بالإضافة إلى جمالها، إن أسماء إمرأة لامعة وتنشط من أجل قضية المرأة.
     لم يتأثر السوريون كثيراً بالدعاية الإعلامية حول جمال أسماء. نزلوا إلى الشارع بتاريخ 15 آذار 2011 غاضبين من عودة أطفالهم من الاعتقال والتعذيب لأنهم كتبوا شعارات ضد بشار. رفض بشار أن يفهم. قال الباحث المختص بسورية ولبنان فابريس بالانش Fabrice Balanche ساخراً: "الصفقات التجارية مستمرة، واستأنف علاقاته مع الخارج، ويناديه أمير قطر بـ "أخي"، وهكذا تتم معاملة الدكتاتور!". ساهمت خصخصة البلد وانتشار الفساد في تزايد غنى بشار وعصابته لدرجة غير محتملة بالنسبة للشعب الذي دفع ثمن الانفتاح الاقتصادي. قال المعارض ورئيس حلقة الاقتصاديين العرب سمير عيطة: "إذا أضفنا تصفية مزارع الدولة، والهجرة الريفية، ووصول 1.5 مليون لاجىء عراقي، وتسونامي 350.000 شاب يصلون إلى سوق العمل سنوياً ولا ينجح إلا ستين ألفاً منه بالحصول على عمل، فإن الظروف أصبحت متوفرة لقيام ثورة حتى في بلد ديموقراطي!". ولكن سورية وأجهزتها الأمنية الخمسة ليست نظاماً ديموقراطياً. واجه بشار هذا الوضع كممثل عن الأقلية العلوية التي تشعر دوماً بأنها مهددة.
     يعرف بشار أنه سيخسر السلطة إذا وافق على الإصلاحات، واختار القمع بعد ثمانية أشهر من الاحتجاجات السلمية التي تطالب بالحرية والكرامة ورفع حالة الطوارىء المستمرة منذ عام 1963. قال معاون مدير مبادرة الإصلاح العربية Arab Reform Initiative سلام كواكبي: "لقد استعان بالآلة الأمنية، وأعاد الضباط القدماء الذي عملوا مع والده" وقاموا بتطبيق الأساليب القديمة. اعتبر أحد الدبلوماسيين أن الفتى الذي كان قابلاً للتأثر أصبح "جرافة إيديولوجية" لا تعاني من أي تناقض. بالمقابل، إنه يصغي للمستشارين الإيرانيين الخبراء بنظرية المؤامرة الخارجية. لاحظ سلام كواكبي قائلاً: "أحرز بشار بعض النقاط في المعركة الإعلامية. لقد وضع منذ البداية سيناريو الإسلاميين الراديكاليين، وتحقق ذلك. أفرج عن بعض المجاهدين في شهر أيلول 2011 من أجل تغيير طبيعة الاحتجاج، وأصبح لدى الغرب ذريعة الآن لكي لا يساعد الإرهابيين".
     اكتشف الغرب فجأة أن رجل السياسة المبتدىء أصبح خبيراً بالتلاعب، ويعرف كيف يُربك محاوره باختلافات ضبابية. قال أحد السوريين متأسفاً: "في عام 2011، طلب منه أحد أعضاء وفد الجامعة العربية أن يسحب دباباته من الشوارع. فأجابه: ماذا تقصدون تماماً بالشوارع؟ شوارع باتجاه واحد أم باتجاهين؟ شوارع مرصوفة أم معبدة؟ مع أو بدون رصيف؟ ثم قهقه ضاحكاً". إنه يُطبق هذا الأسلوب الرهيب في المقابلات: يُحيل الصحفية الروسية إلى ما حصل في الشيشان، ويُحيل الصحفي الأمريكي إلى غوانتانامو، ويمدح الصحفية اللبنانية من تلفزيون المنار بالحديث عن "مقاومة" إسرائيل. يلجأ أحياناً إلى الكذب دون أن يرف له جفن، سألته باربرا وولترز من تلفزيون CNN: "تعرض مطرب مشهور للذبح بعد أن كتب أغنية ضدك، هل رأيتم الصور؟"، فأجابها: "مشهور؟ ربما مشهور في الولايات المتحدة، ولكن ليس في سورية". تكفي نقرة واحدة على اليوتوب لرؤية ألاف الشباب وهم يرفعون أيديهم ويهتفون بكلمات المنحوس ابراهيم قاشوش: "إرحل يا بشار!"، "يُحيط بك الحرامية مثل رامي"، "اهتم بحرف السين" في إشارة مباشرة إلى الزأزأة التي تُثير غضبه...

     يُكرر بشار في أحاديثه بالبرلمان كلمات مذهلة أمام جمهور يقف إلى جانبه. قال متأثراً في آخر كلمة له في الأوبرا بتاريخ 6 تموز: "أنظر إلى وجوه الأطفال في سورية، ولا أرى ابتسامة أو ضحكة بريئة". كان يقف لوحده على المنصة، أمام ديكور جنائزي من عدد هائل من صور "الشهداء" الذين قتلهم "الإرهابيون"، وشكّلت هذه الصور العلم السوري. كان الحضور منفعلاً، إنهم يمثلون نصف سورية الصغير الذي يدعمه أكثر من أي وقت مضى بدافع الخوف أو المصلحة. قام حراسه الشخصيين بإبعاد الحاضرين المتجمعين حوله، عندما كان يُحييهم بيده، وكانت ضحكته ممزوجة بالانزعاج. إنه متأكد من انتصاره، ومتأكد من إعادة انتخابه بأكثر من 97 % عام 2014. تدعي العديد من المصادر أنه في هذا اليوم، كان الجيش السوري الحر يخطط لعملية تفجير، ولكن بشار الأسد لم يسمح بظهور علائم ذلك عليه. إنه محمي بدائرة ضيقة، ومنزوي داخل 1 كيلومتر مربع داخل دمشق، وخدع العالم بأسره. أخيراً، أصبح هذا الرجل الشاب المرتبك جديراً بوراثة والده.

(يقع على عاتق فرنسا مسؤولية تاريخية في سورية)

صحيفة اللوموند 26 تموز 2013 ـ مقابلة مع أحمد الجربا وسليم إدريس ـ أجرى المقابلة بنجامان بارت Benjamin Barthe وريمي أوردان Rémy Ourdan وإيف ميشيل ريولز Yves-Michel Riols

سؤال: كيف جرى لقاءكم مع فرانسوا هولاند؟
أحمد الجربا: أظهر الرئيس هولاند تأثراً كبيراً بما يحصل في سورية. كانت فرنسا من بين أوائل الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني السوري، وقدمت لنا دوماً دعماً سياسياً كبيراً. على الصعيد الإنساني، قامت باريس بالكثير أيضاً. ولكن على الصعيد العسكري، هناك صعوبات تمنع فرنسا من التحرك. نحن نفهمها، ولكننا نعتبر أيضاً أنه بعد سنتين من المجازر ورفع الحظر الأوروبي عن الأسلحة، فإن الفرصة أصبحت متاحة لحماية المدنيين السوريين من وحشية النظام. يقع على عاتق فرنسا مسؤولية تاريخية.
سؤال: بماذا تردون على أولئك الذين يقلقون من وصول الأسلحة إلى أيدي سيئة، أي إلى المجموعات الجهادية التي يتزايد عددها  على الأرض أكثر فأكثر؟
أحمد الجربا: هذا الخوف غير مبرر. وضعت قيادة الجيش السوري الحر خططاً من أجل وصول هذه الأسلحة إلى  العسكريين المحترفين والوحدات المعتدلة. كما وضعنا آلية لمعرفة الجهة التي تصل إليها الأسلحة. إن المجموعات الجهادية ترفض سلطتنا. لماذا سأعطي السلاح إلى المقاتلين الذين لا يعترفون بوجودنا؟
سؤال: هل تطرقتم إلى إمكانية فرض منطقة حظر جوي؟
أحمد الجربا: يُمثل ذلك جزءاً من نقاشاتنا. تطرقنا إلى إمكانية إعداد مناطق آمنة في شمال سورية، بحيث يتمكن الإئتلاف من الإقامة بها. سيدفع الفرنسيون بهذا الاتجاه، وسنتحدث أيضاً بهذا الاتجاه في لقاءاتنا القادمة. نأمل أن تتحول منطقة الحظر الجوي إلى حقيقة في الأشهر القادمة. سيكون ذلك مرحلة حاسمة لإسقاط نظام بشار الأسد.
سؤال: فيما يتعلق باحتمال انعقاد مؤتمر جنيف 2 بين ممثلين عن النظام والمعارضة، يبدو أنه احتمال يبتعد بسرعة. هل تخليتم عنه؟ هل يمكن أن يكون حل الأزمة التي تمزق سورية عسكرياً؟
أحمد الجربا: لم نقل أبداً خلال الأشهر الماضية أننا نعارض المفاوضات. نحن لا نريد القتال من أجل القتال. نحن مع حل سياسي وسلمي، ولكن بشرط أن يتوافق مع أهداف الثورة.
سؤال: ما هو رأيكم بالمجموعات الجهادية التي يبدو أنها مهتمة بفرض الشريعة أكثر من اهتمامها بإقامة دولة القانون؟ ما هو موقفكم بهذا الخصوص؟
أحمد الجربا: سورية بلد معتدل. عاشت المكونات المختلفة للشعب السوري بانسجام خلال آلاف السنين. يجب ألا ننكر اليوم أننا نواجه مشكلة التطرف. إن مظاهر التطرف غير مقبولة. إنه خط أحمر. نحن نتصرف بمزيج من الليونة والحزم. ولكن يجب أن ندرك جيداً بأنها ظاهرة عابرة. كلما سقط النظام بسرعة، كلما اختفت هذه الظاهرة بسرعة.
سؤال: كان من المفترض أن يكون استخدام الأسلحة الكيميائية خطاً أحمراً بالنسبة للمجتمع الدولي. تم إثبات استخدام هذه الأسلحة، ولكن لم تحصل أية ردة فعل...
أحمد الجربا: إنه أمر واقع، ونحن نأسف لذلك. استخدم النظام مؤخراً هذه الأسلحة مرة أخرى في حي الخالدية بحمص وفي ضواحي دمشق. البراهين متوفرة. ولكن يبدو أن المجتمع الدولي لا يهتم بها.
سؤال: أكدت الولايات المتحدة أنها زودتكم بأسلحة خفيفة، هل هذا صحيح؟
 أحمد الجربا: الحقيقة هي أننا لم نحصل على أية أسلحة من الولايات المتحدة. نحن نحصل على مساعدة إنسانية عاجلة، ولكن لم نحصل على أية أسلحة حتى اليوم. صوّت الكونغرس الأمريكي يوم الثلاثاء 23 تموز على قرار يؤيد تسليح تمردنا. ربما يكون ذلك خطوة في هذا الاتجاه.
سؤال: ما هو الوضع الميداني للمعارك؟ أعطى النظام الانطباع مؤخراً بأنه استعاد تقدمه.
سليم إدريس: على الصعيد العسكري، ما زالت موازين القوى لصالح النظام. ولكننا مستمرين بالتقدم على الرغم من ذلك، ولاسيما في إدلب والشرق ودرعا. لم ينجح النظام في تحطيم مقاومتنا على الرغم من قصفه المستمر. إنه لا يسيطر على القابون حتى الآن على سبيل المثال. ما زالت معنوياتنا جيدة، وما زلنا متأكدين من الانتصار.
أحمد الجربا: تتعرض المدينة القديمة في حمص للحصار والقصف منذ عدة أشهر. على الرغم من ذلك، يرفض مقاتلونا الانسحاب. كانت حمص وستبقى عاصمة الثورة السورية.
سؤال: كم هو عدد المقاتلين الأجانب الذين يمكن أن يعتمد عليهم النظام؟ بالمقابل، كم هو عدد الرجال الذين يمكن أن يحشدهم التمرد؟
سليم إدريس: يحظى النظام بدعم عشرين ألف مقاتل أجنبي، أغلبهم (15000) من ميلشيات حزب الله، والبقية من حرس الثورة الإيراني وبعض الحوثيين من اليمن والعراقيين والأفغان. من جهتنا، لدينا ثمانين ألف رجل مجهزين بأسلحة خفيفة، ومنهم حوالي خمسين أو ستين ألف ينشطون على الأرض.
سؤال: هل لديكم الشعور بأن المجتمع الدولي تخلى عنكم؟

أحمد الجربا: إن ما يحصل في سورية لا يمكن أن يقبله أي دين في الإنسانية. أحصينا أكثر من 250.000 قتيل، إذا أضفنا المختفين إلى جميع القتلى الذين تم دفنهم. ولكن مهما كانت الظروف، وحتى لو تخلى العالم بأسره عنا، سنحقق هدفنا بإسقاط النظام.

(تكثيف المساعدة السعودية إلى المتمردين في الشمال)

 صحيفة اللوموند 26 تموز 2013


     أشارت بعض مصادر المعارضة إلى أن السعودية كثفت عمليات تسليم الأسلحة إلى المتمردين السوريين في شمال سورية من أجل طرد قوات النظام من حلب ومنطقتها. أكد مصدر في المعارضة إلى وكالة الأنباء الفرنسية AFP قائلاً: "قررت السعودية أن حلب، المدينة والمحافظة، يجب أن تسقط بأيدي المتمردين. تصل الأسلحة والذخيرة يومياً من أجل هذه المعركة، ومنها قذائف مضادة للدبابات". اعتبر هذا المصدر أن المتمردين يستعدون لشن هجوم واسع للاستيلاء على هذه المنطقة، وأن الخطوة القادمة ستكون السيطرة على الأكاديمية العسكرية الواقعة على المدخل الجنوبي لمدينة حلب، والتي تُمثل قاعة العمليات بالنسبة للجيش نقلاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.
     ما زالت المواجهات مستمرة بين المتمردين الأكراد والجهاديين، وقُتِل 17 مقاتلاً على الأقل من الطرفين يوم الثلاثاء 23 تموز خلال المعارك العنيفة في منطقة الحسكة، نقلاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان. يتقدم المقاتلون الأكراد في هذه المنطقة، ويسعون إلى إقامة منطقة حكم ذاتي.


(الدول الغربية تتردد بتقديم المزيد من الدعم إلى التمرد)

صحيفة اللوموند 26 تموز 2013 بقلم إيف ميشيل ريولز Yves-Michel Riols

     تأتي زيارة الرئيس الجديد للإئتلاف الوطني السوري أحمد العاصي الجربا إلى باريس في الوقت الذي تشعر فيه العواصم الغربية بشكوك عميقة حول الطريق الواجب اتباعه تجاه النزاع في سورية. في الوقت الذي يبدو فيه أن قوات النظام تُحقق بعض التقدم على الأرض، تتردد الدول الغربية في تعزيز مساعدتها إلى المتمردين الذين يُقاتلون بأسلحة غير متكافئة ضد نظام بشار الأسد. تتمثل إحدى مؤشرات هذه الحيرة بأن السلطات الأمريكية لن تستقبل أحمد العاصي الجربا أثناء زيارته إلى نيويورك للإلتقاء بأعضاء مجلس الأمن.
     يُلاحظ أن الوضع لم يتوضح حتى الآن، وقال دبلوماسي فرنسي: "لن يكون هناك حل عسكري. إذاً، إن المبالغة بالمراهنة على ورقة الحرب، لا معنى لها". وقال مصدر في قصر الإليزيه: "إن تسليم الأسلحة بحد ذاته، ليس سياسة"، وأكد على ضرورة تعزيز الفعالية "العملياتية" للمتمردين. واعتبر أحد المقربين من الملف قائلاً: "إن احتياجات المعارضة تتجاوز الحصول على الأسلحة. يقاتل المقاتلون بالشحاطة وبنادق الكلاشينكوف. تحتاج قيادة الجيش السوري الحر أيضاً إلى دعم لوجستي وتدريب ومعلومات استخباراتية لتعزيز مصداقيتها".
     هل سيكفي ذلك لتغيير موازين القوى؟ قال الباحث الفرنسي ـ اللبناني في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن إميل حكيم Emile Hokayem : "الدبلوماسية الغربية تجاه سورية ينقصها الوضوح. هناك تعب كبير في الغرب من الشرق الأوسط، سواء بالنسبة للمثقفين أو الشعب. لم يعد يُنظر إلى النزاع السوري إلا عبر مرآة الإرهاب والإسلاموية، وذلك بعد سنتين من الحرب في هذا النزاع الذي كان يُنظر إليه في البداية كتمرد شعبي ضد نظام استبدادي". يعني ذلك أن المعركة الأولى أمام أحمد الجربا ستكون معركة الرأي العام.


الخميس، ٢٥ تموز ٢٠١٣

(رئيس المعارضة السورية يطلب أسلحة من هولاند)

صحيفة الفيغارو 25 تموز 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbruont

     لم يُخف الرئيس الجديد للمعارضة أحمد الجربا الطابع العاجل لمهمته أمام فرانسوا هولاند الذي استقبله يوم الأربعاء 24 تموز في قصر الإليزيه، وذلك بعد أن أجاب على أسئلة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي يوم الثلاثاء 23 تموز. أراد أحمد الجربا طمأنة السلطات الفرنسية من أجل الحصول على السلاح والمساعدة الإنسانية، لكي يستطيع مواجهة السلطة السورية التي حققت بعض التقدم الميداني في الأشهر الأخيرة. أكد زعيم إحدى القبائل في شرق سورية أحمد الجربا قائلاً: "نحن نطلب من فرنسا دعماً سياسياً كاملاً ودعماً دبلوماسياً ومساعدة إنسانية عاجلة ومساعدة عسكرية".
     لكي يحظى بدعم مستضيفيه، أدان أحمد الجربا ووفده كلام رئيس جبهة النصرة الجهادية الذي رفض "الانتخابات" مُفضلاً "الحرب المقدسة والشريعة" لحكم سورية الغد. قال النائب الفرنسي سيرج جانكان Serge Jeanquin الذي شارك في جلسة الاستماع لأجوبة أحمد الجربا ورئيس الجيش السوري الحر الجنرال سليم إدريس: "قال لنا الجربا وأصدقائه بوضوح أن جبهة النصرة تجاوزت خطاً أحمراً"، وأضاف نائب أخر قائلاً: "ولكن عندما دخلنا في التفاصيل، ظهر أن قادة المعارضة عاجزون عن الإجابة حول وحدة قيادة الجيش الحر وعلاقاته مع الجهاديين. استعرض الجنرال إدريس أمامنا قيادة جيشه وأقسامه اللوجستية والاستخباراتية، وقال لنا في النهاية أن المعركة غير مركزية. أدركنا حينها أنه لا يُسيطر على أشياء كثيرة ميدانياً. باختصار، طلبوا منا تزويدهم بالسلاح بدون رقابة. خرجنا من هذا الاجتماع بالكثير من الشك والقليل من اليقين".
     حرص فرانسوا هولاند عبر استقباله لأحمد الجربا على تأكيد الدعم الفرنسي الثابت للمعارضة التي قامت بتوسيع نفسها وضم مكونات علمانية وليبرالية تلبية لمطالب الدول الغربية. أكدت نائبة رئيس الإئتلاف الوطني السوري للشؤون الإنسانية السيدة سهير أتاسي: "كانت فرنسا والإمارات العربية المتحدة أول دولتين تعملان مع الفرع الإنساني للإئتلاف. للأسف، هناك فجوة كبيرة بين الاحتياجات وما تُقدمه الدول المانحة". إن الفرع الإنساني داخل الإئتلاف هام جداً باعتبار أن ستة ألاف سوري يُطردون من منازلهم يومياً بسبب أعمال العنف. كما أدانت السيدة أتاسي الدول أو المجموعات التي تعتبر المساعدة الإنسانية كوسيلة للسلطة وتعزيز نفوذهم داخل المعارضة المنقسمة.

     في الوقت الذي أعلن فيه مصدر داخل المعارضة عن معركة حلب الجديدة التي بدأها المتمردون بناء على طلب ممولهم السعودي، ينوي الإئتلاف قريباً إنشاء "حكومة مؤقتة" في المناطق الشمالية والشرقية التي انسحب منها الجيش النظامي. إنه مشروع قديم للمعارضة. إن سيطرة المجموعات الجهادية على هذه المناطق لا تسمح للمعارضة بفرض إدراتها المحلية حتى الآن. بسبب عدم وجود أسلحة فرنسية وتردد باريس في تسليح المتمردين، ربما حصل المتمردون مؤخراً على أسلحة سعودية من أجل تحرير حلب ومحافظتها، أي في المنطقة التي تنوي المعارضة إقامة حكومتها المؤقتة فيها. 

(هولاند يستقبل المعارضة السورية)

صحيفة الليبراسيون 25 تموز 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

      لم ينجحا بالإقناع على الرغم من أن فرانسوا هولاند استقبلها البارحة 24 تموز، ولكنه نجاح دبلوماسي. لم ينجح رئيس الإئتلاف الوطني للمعارضة السورية أحمد الجربا ورئيس الجيش السوري الحر الجنرال سليم إدريس بإعطاء ضمانات كافية حول مسألة الحصول على الأسلحة التي يطلبونها من الدول الغربية لتغيير المعطيات في هذا الملف، بل على العكس تماماً.
     أكد فرانسوا هولاند الدعم الفرنسي "السياسي والإنساني" إلى الإئتلاف الوطني السوري، ولكنه تجنب  الحديث عن الدعم العسكري، وقال بعد انتهاء الاجتماع: "تقف فرنسا إلى جانب الإئتلاف وتعمل على الصعيدين السياسي والإنساني، بالإضافة إلى العمل على صعيد خطة الممرات التي يمكن فتحها لتقديم الدعم الضروري للسكان"، وأكد أنه يجب "مواصلة الضغط العسكري" على النظام السوري، ولكنه أضاف مُسرعاً أن الضغط العسكري: "تقع مسؤوليته على الإئتلاف وجيشه".
     كانت باريس قد وعدت سابقاً بتقديم السلاح إلى المتمردين، ولكنها تراجعت بشكل كامل. أجرى رئيسا الإئتلاف والجيش السوري الحر عدة لقاءات في باريس منها اللقاء مع لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، ولكنهما عبّرا عن "خيبتهما" لانعدام الدعم العسكري الغربي. أعربت لجنة الشؤون الخارجية عن خيبتها أيضاً، ولخص النائب الإشتراكي فرانسوا لونكل François Loncle الوضع معبّراً عن قلقه من وضع المعارضة "الخطير جداً والهش بسبب وقوعها بين جيش بشار الأسد والعناصر الجهادية والسلفية التابعة لتنظيم القاعدة. إذا كان الوضع لا يبدو ميؤساً منه، فإن أقل ما يمكن قوله أن وضعهم خطير"، وانتقد المعارضين قائلاً: "لقد قللوا من عدد وقدرة هذه الحركات السلفية على إلحاق الضرر، واعتبروها أقلية ضئيلة جداً".
     إذاً، لن يكون هناك أسلحة خوفاً من وقوعها بأيدي الجهاديين. لقد تم التطرق إلى هذا الموضوع خلال الاجتماع الذي استمر حوالي الساعة مع هولاند. فيما يتعلق بالممرات الإنسانية، ليست هناك أية فرصة حالياً لكي يتبنى مجلس الأمن قراراً بهذا الصدد بسبب الموقف الروسي. من جهة أخرى، بدأ خبراء الأمم المتحدة البارحة 24 تموز زيارتهم إلى دمشق بهدف الحصول على منفذ إلى جميع الأراضي السورية من أجل محاولة التوصل إلى الحقيقة حول استخدام الأسلحة الكيميائية.



(الجهاديون لم يفهموا شيئاً)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 25 تموز 2013 ـ مقابلة مع الباحث المختص بالعالم العربي والإسلامي جان بيير فيليو Jean-Pierre Filiu ـ أجرى المقابلة رونيه باكمان René Backmann

سؤال: كيف تُفسرون المواجهات داخل التمرد السوري؟
جان بيير فيليو: كنت في زيارة للجزء المحرر من حلب التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، وعدت قبل فترة قصيرة. لم أشهد أية اشتباكات بين الميليشيات على الرغم من وجود نشاط واضح للميليشيات. بالمقابل، هناك شائعات في شمال سورية بأكمله وشهادات حول المواجهات المتزايدة والدامية بين الجيش السوري الحر والمجموعات الجهادية التي تنقسم إلى جزئين كبيرين هما: جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (ملاحظة: اختصرها الباحث باسم "الدولة" واستخدمها للدلالة على الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام). رفضت جبهة النصرة الاندماج مع الجناح العراقي لتنظيم القاعدة، الأمر الذي أدى إلى انشقاق داخلي وولادة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وهي تمثل الفرع المحلي لتنظيم القاعدة، ويُطلق عليها هناك اسم "الدولة". في الحقيقة إن الاشتباكات هي بين "الدولة" والجيش السوري الحر. بشكل عام، تبدأ الاشتباكات بسبب حركات الاحتجاج أو حتى التمرد التي يقوم بها السكان ضد وحشية الجهاديين الأجانب في أغلب الأحيان، وتزايد عمليات الترهيب التي يقومون بها. اندلع تمرد من هذا النوع مؤخراً في قرية دانا غرب حلب، وذلك عندما تدخل الجيش السوري الحر لحماية السكان، أدى تدخله إلى قتل اثنين من ضباطه وقطع رأسيهما. يبدو أن "الدولة" ما زالت متمسكة بممارسات الترهيب، ولم تتعلم شيئاً من إدارتها الكارثية للمحافظات الغربية العراقية، وما زالت تتصرف ككيان خارجي ذو أهداف شمولية لفرض رؤيتها للإسلام على شعب يمكن أن يُقال عنه كل شيء، ولكن لا يمكن القول أنه شعب غير مسلم.
سؤال: ما هي نتائج هذه الانقسامات على القدرة العسكرية للتمرد؟
جان بيير فيليو: على الصعيد الميداني، ما زال الجيش السوري الحر هو الجهة المسيطرة، على الرغم من وجود عدة كتائب وتيارات وممارسات مختلفة جداً تحت علمه، ابتداءاً من الثوار الأكثر تصميماً وحتى العصابات التي تنضم إلى المعسكر المنتصر. يعتبر سكان شمال سورية أن التمرد هو المعسكر المنتصر. بدأ السكان هنا بالتأقلم مع الثورة والإدارة البديلة للحياة اليومية، على الرغم من تصوراتنا العسكرية لهذه الحرب ونتائجها المرعبة. تعيش هذه المناطق المدعومة من تركيا بشكل أفضل من المناطق الحكومية، وقامت بابتكار مؤسسات جديدة. إذا نظرنا إلى كل ذلك، دون أن أنسى حمص الواقعة تحت القنابل والقصير المدمرة، لا أعتقد أن النزاعات داخل التمرد تُضعف الإمكانيات القتالية للجيش السوري الحر وحرب العصابات بشكل عام. لأن "الدولة" التي لا تُفرّق بين جيش بشار والثوار الذين لا يُطيعوا أوامرهم الدينية، هي في الحقيقة جزء حقيقي في الجبهة الثورية، وتحتل مواقع عسكرية هامة. نشهد اليوم برأيي عملية تصفية وتوضيح. سيكون من النفاق اتهام الثورة السورية بالضعف عندما تبدأ بالتخلص من الجهاديين، في حين أننا كنا نطلب منهم قبل فترة قصيرة إبعاد الجهاديين لكي نستطيع مساعدتهم. لنكن واضحين: ما زال القضاء على الجهاديين أمر بعيد المنال، ولكنني أعتقد أنهم وصلوا إلى ذروة قوتهم في فصل الربيع.
سؤال: تقول الدول الغربية أنه من المستحيل إرسال الأسلحة إلى التمرد لأن ذلك يُهدد بخطر وقوعها بأيدي الجهاديين، وسيُضعف...
جان بيير فيليو: إنه أمر بسيط جداً: إذا أراد الأوروبيون والولايات المتحدة بديلاً حقيقياً، وفرضه على بشار الأسد ونظامه، فيجب عليهم تسليح الثورة، ليس فقط لكي تسمح لها بالدفاع عن الشعب وتغيير موازين القوى، بل أيضاً من أجل هيكلة مقاومة فعالة حول قطب مُهيمن. تكفي بعض الأشياء البسيطة مثل الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ أرض ـ جو لتكبيد الجيش السوري خسائر كبيرة على صعيد الدبابات والطائرات واختراق الخطوط المعادية. يجب القول أن جيش بشار هو نمر من ورق، على الرغم من دباباته وطائراته وصواريخه وأسلحته الكيميائية.
سؤال: ما هي ردة فعل السوريين تجاه موقف الدول الغربية؟
جان بيير فيليو: تعتقد أغلبية الشعب السوري أن العالم تخلى عنهم، وأنه لا يمكنهم الاعتماد إلا على أنفسهم لمواجهة بشار وروسيا وإيران. يعرف السوريون أن الاستنكاف الغربي يعني بالنسبة لهم المزيد من القتلى دون جدوى. ولكنهم اختاروا المقاومة، ولن يتراجعوا عنها.