الصفحات

السبت، ٣١ أيار ٢٠١٤

(هؤلاء الأغنياء السوريين الذين يساعدون نظام الأسد)

صحيفة اللوموند 31 أيار 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     الصفقات مستمرة في سورية على الرغم من الدمار الكبير الذي تنشره القوات النظامية والعقوبات التي تفرضها الدول الغربية، وما زالت حفنة من رجال الأعمال في دائرة السلطة  تجني الأرباح. حصلت صحيفة اللوموند على بعض الشهادات من بعض الذين يعرفون النظام السوري بشكل جيد جداً، وكشفوا عن جزء من النظام الخفي الذي يسمح للرئيس بشار الأسد بالحفاظ على ولاء المخلصين له وتمويل حربه ضد المعارضة.
     أصبحت تبعية دمشق وخضوعها لحلفائها ولاسيما إيران أكبر من أي وقت مضى، وذلك قبل عدة أيام مما يشبه الانتخابات الرئاسية بتاريخ 3 حزيران. قال أحد المقربين السابقين من عائلة الأسد: "لم يعد يدخل دولار واحد إلى خزينة الدولة بشكل نظامي. أصبحت آبار النفط تحت سيطرة المتمردين والأكراد. لم يعد الناس يدفعون الضرائب وفواتير المياه والكهرباء. لم يبق أمام النظام إلا الاحتيال والمساعدات المباشرة من إيران والعراق لدفع رواتب موظفيه".
     ما زال رامي مخلوف ملك التحايل. يسيطر رامي مخلوف على قطاعات كاملة من الاقتصاد السوري مثل الهاتف الجوال (سيرياتل)، وأشارت عدة مصادر متطابقة إلى أنه عرف كيف يحافظ على هيمنته. استثمر رامي مخلوف في مجال استيراد المنتجات الغذائية، ولاسيما القمح والرز والسكر والشاي، وذلك بمشاركة رجلي أعمال من الساحل هما: أيمن جابر وعبد القادر صبرا، بالإضافة إلى سمير حسن الذي كان يعمل سابقاً مع شركة نستله. ظهر سوق جديد بسبب سوء المحاصيل في العام الماضي وسيطرة التمرد على العديد من المناطق الريفية. كما أن المنتجات الغذائية غير خاضعة للعقوبات الأوروبية بعكس  النفط.
     خلقت الأزمة مصدراً آخر للثروة هو استيراد النفط، وتم تكليف القطاع الخاص بهذا العمل منذ فقدان الدولة لسيطرتها على مواقع استخراج النفط في دير الزور والحسكة. يُثير هذا السوق الكثير من المطامع لدرجة أن طهران منحت دمشق في شهر آب 2013 اعتماداً قدره 3.6 مليار دولار بهدف شراء النفط الخام والمنتجات النفطية. يحصل هؤلاء المحظوظين على النفط من إيران والعراق ومن بعض المجموعات المتمردة التي استولت على الآبار النفطية. أكدت بعض الحكومات الغربية في بداية العام أن بعض وسطاء النظام اشتروا النفط من جبهة النصرة، وهي مجموعة جهادية متواجدة في دير الزور.
     قال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية بيتر هارلنغ Peter Harling: "أدى النزاع إلى خلط الأوراق مرة أخرى من وجهة النظر الاقتصادية، وأجبر العائلات الكبيرة على الهجرة وإغلاق محلاتها، الأمر الذي سمح بظهور جيل جديد من الوصوليين". ينتمي أحد هؤلاء الوسطاء المشهورين حالياً في سوق القمح إلى عائلة الفوز (FOZ) من اللاذقية، وهو يعمل لحساب العميد ذو الهمة شاليش، ابن عمة بشار الأسد ورئيس أمنه الخاص، الذي استهدفته العقوبات الغربية.
     يختبىء هؤلاء المستفيدين من الحرب وراء العديد من الواجهات من أجل التهرب من العقوبات الدولية. أكد أحد أعضاء النخبة الاقتصادية الدمشقية قائلاً: "يملك رامي مخلوف مكتب محامين تحت أمرته، ويمضي هذا المكتب وقته في إنشاء الشركات الوهمية". اكتشف شرطة الخزانة الأمريكية والمفوضية الأوروبية جزءاً من هذه الشركات الوهمية، وتمت إضافة صندوق استثماري في جزر الكايمان Iles Caïmans وشركة قابضة في اللوكسمبورغ باسم Drex Technologies إلى اللائحة السوداء للشركات ورجال الأعمال المتهمين بتمويل نظام الأسد عام 2012.
     أشار رجل أعمال سوري واسع الاطلاع إلى رامي مخلوف نجح في وضع جزء كبير من ثروته بأمان، ولاسيما في إمارة دبي التي تعيش فيها بشرى الأسد شقيقة الرئيس السوري. تتباهى هذه الإمارة بأنها استقبلت جزءاً من ممتلكات نخب الشرق الأوسط التي تبحث عن السرية بعد بداية "الربيع العربي". أسر مصدر سوري قائلاً: "إن الدور الذي تقوم به دبي في منطقتنا منذ عام 2011 هو الدور نفسه الذي قامت به سويسرا خلال الحرب العالمية الثانية في أوروبا".
     يتمتع المدير العام لشركة سيرياتل رامي مخلوف بتسهيلات في روسيا عن طريق والده محمد الذي يعيش متنقلاً بين دمشق وروسيا التي تقوم بطباعة العملة السورية منذ اضطرار النمسا للتخلي عن عقدها مع سورية بموجب العقوبات الأوروبية المقررة في خريف عام 2011. سمح الكريملين في شهر كانون الأول 2011 للمصرف المركزي السوري بفتح بعض الحسابات بالروبل في المصارف الروسية، تهدف هذه الإستراتيجية إلى التحايل على العقوبات الغربية التي تمنع السوريين من القيام بعمليات تجارية بالدولار.
     تملك إمبراطورية مخلوف أيضاً مكتباً في رومانيا التي يعمل فيها وليد عثمان كسفير، وهو والد زوجة رامي. اتهم أيمن عبد النور الذي كان مستشاراً سابقاً لبشار الأسد قبل أن ينضم للمعارضة قائلاً: "إن نشاطات أطفاله في أوروبا، ولاسيما في فيينا وبوخارست، تدر الملايين من الدولارات نقداً التي يتم تحويلها إلى سورية عبر الحقيبة الدبلوماسية".
     تشمل عصابة الأغنياء السوريين أيضاً ماهر الأسد وعملائه: محمد حمشو وسامر الدبس وخالد قدور. يملك الأول نظام الاتصالات الرخيصة من الخارج باتجاه سورية VOIP (Voice Over Internet Protocol)، ويستعد للحصول من وزارة السياحة على رخصة لتطوير مشروع جزيرة اصطناعية بالقرب من طرطوس.
     يقوم هؤلاء الصناعيون بتحويل جزء من أرباحهم إلى الدولة مقابل الميزات التي حصلوا عليها. تقوم أموال سيرياتل بتمويل رواتب وأجور القطاع العام، بل وحتى رواتب الشبيحة والميليشيات المؤيدة للنظام. أشار الباحث الاقتصادي جهاد اليازجي الذي كتب تقريراً حول اقتصاد الحرب السوري إلى أن بعض شركات الحافلات وضعت حافلاتها تحت تصرف الجيش. إن المؤشر على مقاومة هذه الطبقة هو أنه لم ينضم أي رجل أعمال، أو تقريباً، ورد اسمه في اللائحة السوداء إلى المعارضة. تمكن بعض الأشخاص من إزالة اسمهم من اللائحة بعد أن ادعائهم بوجود تشابه في الهوية أمام المحاكم الأمريكية والأوروبية. ولكن يجب ألا نخطىء، كان النزاع كارثة بالنسبة للأغلبية الساحقة لرجال الأعمال السوريين. أشارت تقديرات خبراء الأمم المتحدة أن إجمالي الناتج المحلي السوري سيحتاج إلى ثلاثين عاماً للعودة إلى مستواه قبل الحرب بافتراض تحقيق معدل نمو سنوي قدره 5 %.







الجمعة، ٣٠ أيار ٢٠١٤

(السوريون في لبنان يحتفلون بالأسد)

صحيفة الفيغارو 30 أيار 2014 بقلم مراسلتها في بيروت سيبيل رزق Sibylle Rizk

     انتظر آلاف السوريين عدة ساعات في أرتال طويلة لدخول مبنى سفارتهم في لبنان يوم الخميس 29 أيار، كانوا يريدون التصويت من أجل بشار الأسد الذي ستتم إعادة انتخابه في دمشق بتاريخ 3 حزيران بعد ثلاث سنوات ونصف من اندلاع التمرد الشعبي ضده وتحول هذا التمرد إلى حرب أهلية بدون نهاية. تم تنظيم هذا الانتخاب بشكل مبكر في حوالي أربعين سفارة، وتم تمديده يوماً إضافياً في لبنان بسبب التدفق الكبير للناخبين يوم الأربعاء 28 أيار، الأمر الذي أدى إلى إطالة ذهول اللبنانيين.
     كان وصول الأعداد الهائلة من الناخبين إلى السفارة السورية بمثابة الغزو على طريق دمشق يوم الأربعاء 28 أيار، سواء كان ذلك بتنظيم من حزب الله أو نتيجة المفاجأة. قامت الشاحنات الصغيرة التي تعلق صور الأسد بنقل الناخبين إلى أطراف طريق دمشق، الأمر الذي أدى إلى شل حركة السيارات اللبنانية الغاضبة. أظهرت هذه الحشود الكبيرة ولائها إلى الرئيس السوري، وهتفت بعض المجموعات الصغيرة: "بالروح، بالدم، نفديك يا بشار"، الأمر الذي خلق صدمة حقيقية لدى اللبنانيين، لأن حكومتهم منعت السوريين من القيام بأية مظاهرة سياسية عامة.
     سار الناخبون كرجل واحد، وقال ناشر المرصد السوري Syrien Observer جهاد اليازجي: "أظهر السوريون قدرة النظام السوري على التعبئة سواء جاؤوا بقناعتهم أو خوفاً من الانتقام أو مجبرين". وكتبت السفير اللبنانية: "عاد السوريون إلى المعادلة السياسية اللبنانية، ولم يعودوا مجرد رقم على لائحة المهاجرين". وقارن بعض المحللين هذا الوضع مع انسحاب القوات السورية من لبنان في نيسان 2005. قال رئيس تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية ميشيل نوفل: "أصبح الوزن السكاني للسوريين يحل مكان نفوذهم العسكري".
     لم يُخطى تحالف 14 آذار المعادي لسورية، وطالب بطرد السوريين الذين صوتوا مع الأسد. وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية عن إرادته بإعادة النظر في وضع اللاجئين، هذا الوضع الذي يعطي الحق لجميع اللاجئين الذين يذهبون إلى سورية ويعودون منها بشكل مستمر الحق بالحصول على المساعدات. هناك مليون لاجىء مسجلين رسمياً لدى الأمم المتحدة، ولكن وزارة الداخلية اللبنانية أحصت 1.4 مليون سوري، أي ثلث سكان لبنان تقريباً.

     إن هذا الاستعراض لقوة الأسد يُثير الصدمة باعتبار أنه حصل على مسافة مئات الأمتار من القصر الرئاسي في بعبدا الذي أصبح خالياً من رئيسه منذ نهاية ولاية ميشيل سليمان بتاريخ 25 أيار، ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول تعيين خليفته. قال ميشيل نوفل: "إنه شكل للتذكير بأن العامل السوري لم يختف، وأن الفراغ المؤسساتي اللبناني ليس بمحض الصدفة، بل يمثل صدى للفراغ الناجم عن المرحلة الانتقالية التي يعيشها النظام الإقليمي والدولي الجديد".

(اللاجئون السوريون في لبنان يصوتون "من أجل انتخاب بشار")

 صحيفة الليبراسيون 30 أيار 2014 بقلم مراسلها في لبنان توما أبغرال Thomas Abgrall

     قال أحمد مزهواً: "إنظروا، جاء الشعب السوري بأسره للتصويت! إنه درس للدول الديموقراطية التي تقول بأنه لا توجد ديموقراطية في سورية". أحمد هو أحد العمال الحلبيين، وسار لمدة ساعة تحت الشمس للوصول إلى السفارة السورية في بيروت. تحدث أحمد عن "الديموقراطية"، ولكنه لا يتذكر اسم المرشحين الآخرين المنافسين للأسد كما هو الحال بالنسبة لأغلبية الناخبين. قال أحمد: "إن اسم المرشحين لا يهم، نحن جئنا لانتخاب بشار!". هناك عشرات الآلاف الذين جاؤوا للانتخاب مثله.
     تشكلت جموع بشرية غفيرة على مسافة عدة كيلومترات في طريق دمشق. كان الناخبون يرفعون الأعلام السورية وصور الرئيس السوري، ويرافقها أصوات أبواق السيارات. وصل أغلب الناخبين من الضاحية الجنوبية في بيروت أو من معقل حزب الله في جنوب لبنان. قال أحد السائقين اللبنانيين: "قام الحزب الاجتماعي القومي السوري في لبنان (المقرب جداً من النظام البعثي) باستئجار ثلاثمائة حافلة لكي يتمكن السوريون من المجيء للتصويت".
     أشار السفير السوري في لبنان إلى أن أكثر من مئة ألف شخص قاموا بتسجيل أسمائهم للمشاركة في الانتخابات. أي أنهم يمثلون أقلية ضئيلة جداً من اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم  مليون ونصف لاجىء. تم استبعاد اللاجئين الذين غادروا سورية بشكل غير شرعي، أي حوالي 20 % من اللاجئين. إذاً، لم يكن مفاجئاً أن يصوت الناخبون لصالح بشار الأسد. قال محمود: "إنه الوحيد القادر على الانتصار في الحرب وإعادة الأمن. نحن متعبون من هذه الغربة. لم يعد التغيير أولويتنا"، وأعرب عن أمنيته بعودة سورية كما كانت سابقاً. وأسهب أحد رجال الأعمال الحلبيين بالحديث في الاتجاه نفسه قائلاً: "نحن نعرف كيف سيكون الحكم مع بشار. إن المعارضة في الخارج هي إمعات صنعتها قطر والأمريكيون والإسرائيليون". من الصعب تقدير صدق بعض الناخبين عندما يقوم النظام بنشر الرعب حتى في لبنان. انتشرت شائعة بين اللاجئين مفادها أن الذين لن يذهبوا لانتخاب بشار الأسد، لن يتمكنوا من العودة إلى سورية. قال أحد اللاجئين القادمين من دمشق: "كان بعض الأشخاص يدعمون المعارضة سابقاً،ن ولكنهم أدركوا أن النظام قد ينتصر، ولذلك صوتوا من أجل إظهار ولائهم مرة أخرى. إنه يأملون بالعفو عن أقاربهم المعتقلين".
     إن هذا التصويت مهزلة انتخابية حسب الأسلوب البعثي المعروف. تعرض الناخبون للتفتيش على عدة حواجز للجيش اللبناني بالقرب من السفارة، وكانت هذه الحواجز تجبرهم على القرفصة وتدفعهم كقطعان الخراف. احتج أحد الرجال على طول الانتظار، فضربه بعض الجنود بالعصي. ساد الرعب بين الحشد الذي تراجع قليلاً بشكل يفسح المجال بظهور صورتين كبيرتين لبشار الأسد. عندما يدخل الناخبون إلى السفارة، كانوا يختارون بطاقة الاقتراع الوحيدة التي تظهر عليها صور المرشحين الثلاثة. قام البعض بالتأشير على صورة بشار، وكتب البعض الآخر: "نعم لبشار"، وقامت مجموعة ثالثة بقص صورة الرئيس ووضعها في المغلف. كان الغموض كاملاً.
     كان الناخبون يكتبون اسمهم وعنوانهم على ظهر المغلف، وأضاف بعض المتحمسين رقم هاتفهم. تشكلت مجموعات صغيرة حول أعضاء السفارة الذين كانوا يكتبون عناوين الناخبين الأميين. جاء رجل يضع على رأسه طاقية بألوان العلم السوري، ويلبس بذلة زرقاء اللون مع ربطة عنق حاملاً عدداً كبيراً من بطاقات الاقتراع، وقام بتوزيعها بعد التأشير على الحقل المخصص لبشار. ثم اتجه الحشد نحو رجل كان يمسك صندوقاً انتخابياً كبيراً من البلاستيك. وقف شاب من السفارة على الكرسي، وخطب أمام الحشد بلهجة ساخرة: "هل تعتقدون حقاً بالمرشحين الآخرين؟"، وقهقه الجميع. ثم تابع هذا الشاب قائلاً: "في سورية، ليس هناك إلا بشار وماهر". ثم هتف الجميع الشعار الأبدي: "الله وسورية وبشار وبس!".

     سيتم نقل صناديق الاقتراع إلى الجانب الآخر من الحدود لزيادة المشاركة إلى الحد الأقصى. ولكن النظام حقق هدفه من اليوم عبر تنظيم هذه العملية الدعائية الواسعة: أي أن يُظهر للدول العظمى وللسوريين أنه ما زال يملك قاعدة شعبية.

(السوريون في لبنان يتزاحمون من أجل التصويت في الانتخابات الرئاسية)

صحيفة اللوموند 30 أيار 2014 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     تدفق آلاف السوريين في لبنان إلى السفارة السورية في بيروت يوم الأربعاء 28 أيار من أجل التصويت بشكل مبكر في الانتخابات الرئاسية التي ستجري بتاريخ 3 حزيران، واضطروا للتدافع بالأيدي من أجل الوصول إلى السفارة السورية التي أحاطت بها حشود هائلة من السوريين. ليست هناك أية شكوك حول نتيجة الانتخابات باعتبار أن بشار الأسد سيفوز بها بالتأكيد، ولكن هذه الانتخابات تبدو سريالية لأنها تجري خلال الحرب، ولا يمكن الانتخاب إلا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، أي حوالي 50 % من الأراضي السورية. من المفترض تنظيم الانتخابات في أربعين بلداً تقريباً، ولكن أغلبية ممالك الخليج التي تدعم المعارضة السورية منعت تنظيم الانتخابات على أراضيها.
     أظهرت بعض المقابلات التي أجراها برنامج هزلي في لبنان عشية الانتخابات أن جميع السوريين الذين تم الالتقاء بهم في بيروت لم يعرفوا اسمي المرشحين الآخرين المنافسين تجاه بشار الأسد. لا شك أن ماهر الحجار وحسان النوري سيحصلان على القليل من الأصوات على الرغم من تمديد التصويت حتى يوم الخميس 29 أيار. كان العمال السوريون في لبنان أكثر عدداً من المهاجرين السوريين الذين شاركوا في الانتخابات، ولم يكن هناك مكان منعزل مخصص للانتخاب داخل قاعات التصويت. أعرب العديد من الناخبين عن شعورهم بأن بشار الأسد هو الوحيد القادر برأيهم على إنهاء الفوضى، ولكن الخوف من الانتقام أو من المنع من العودة إلى سورية في حال الامتناع عن التصويت يبدو أنه ساهم بشكل كبير في هذه المشاركة الكبيرة.
     أكدت بعض وسائل الإعلام اللبنانية المعارضة للنظام السوري أن حزب الله قام بحملات لجمع السوريين ونقلهم للانتخاب. أشار العديد من الشهود في أوساط العمال أو اللاجئين السوريين إلى تعرضهم لضغوط مختلفة قبل التصويت سواء من قبل حزب البعث والسفارة السورية أو من قبل  المجموعة المؤيدة للمعارضة السورية مثل الجماعة الإسلامية ـ الجناح اللبناني للإخوان المسلمين التي اشترطت تقديم مساعدتها إلى اللاجئين بامتناعهم عن التصويت.
     يعرف الجميع وحتى أكثر المؤيدين لبشار الأسد في لبنان أن نتيجة الانتخابات معروفة سلفاً. فيما يتعلق بالعدد المتزايد للسوريين الذين يعارضون النظام والمعارضة، فإنهم يشعرون بالاشمئزاز من تدمير بلدهم، ويؤكدون أن إعادة انتخاب بشار الأسد لن تسمح بوقف المعارك ولن تعيد له الشرعية المفقودة.


(أبو بكر البغدادي، بن لادن الجديد)

صحيفة اللوموند 30 أيار 2014 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     لا تتوفر إلا صورتين ضبابيتين لأبو بكر البغدادي، وهما بقياس صورة الهوية الشخصية. نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI الصورة الأولى له، ويبدو فيها ممتلىء الخدين دون أن يحلق ذقنه بشكل جيد. ونشرت وزارة الداخلية العراقية الصورة الثانية له، ويظهر فيها أكثر نحفاً مع لحية وشارب. في الحقيقة، لا أحد يعرف وجه أبو بكر البغدادي زعيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وذلك على الرغم من أنه لم يسبق لأي زعيم جهادي قيادة عدد مماثل من المقاتلين والسيطرة على مساحة واسعة من الأراضي وامتلاك مثل هذه الموارد المالية. لم يكن أسامة بن لادن بمثل هذه القوة حتى أثناء قمة مجده في أفغانستان قبل تفجيرات 11 أيلول.
     أبو بكر البغدادي هو "الجهادي غير المرئي" الذي يعيث رجاله من أبواب بغداد حتى ضواحي دمشق، ومن الحدود الأردنية حتى الحدود التركية. إنه سلطة وقوة بلا وجه. لا أحد يستطيع القول أنه التقى به، ولا حتى الرهائن الغربيين الذين اعتقلهم رجاله في سورية، وكانوا محظوظين بالهرب من جحيمهم. يهرب أبو بكر البغدادي من الصور ولا يتكلم، بينما كان بن لادن يحرص على الظهور مثل نجوم الغناء في أفلامه الدعائية، ويحب أيمن الظواهري الاسهاب في الحديث عدة ساعات في أفلامه على الأنترنت. تُعزى بعض التسجيلات الصوتية إلى أبو بكر البغدادي دون إمكانية التأكد من صحتها. إن هذا الصمت وهذا الغياب يعززان أسطورته، وتتكلم أعماله بالنيابة عنه، وتحل وحشيته مكان خطاباته، الأمر الذي نشر أسطورته في جميع المواقع الجهادية من أندونيسيا إلى موريتانيا مروراً بالضواحي الأوروبية.
     من المعروف فقط أن أبو بكر البغدادي وُلِد في محافظة ديالا في شرق العراق، أي في المنطقة التي يتقاتل فيها الأكراد والشيعة والسنة في صراع دامي تمتزج فيه عمليات التفجير الانتحارية مع الاغتيالات. من المعروف أيضاً أن عائلة البغدادي تنتمي  إلى قبيلة السامرائي، وأنه يحب ربط سلالته بسلاله الحسيني من أحفاد الرسول. بالإضافة إلى ذلك، درس البغدادي في جامعة بغداد الإسلامية، وليس له ماضي عسكري، وبدأ خطواته الأولى في الجهاد بعد الغزو الأمريكي للعراق مع بعض المجموعات المتمردة الصغيرة التي انتشرت في ذلك الوقت. بعد مرور عقد من الزمن، أصبح أبو بكر البغدادي على رأس عشرة آلاف مقاتل تقريباً في العراق وما بين سبعة وثمانية آلاف مقاتل في سورية. يُسيطر رجاله على جزء كبير من محافظة الأنبار (الفلوجة وجزء من الرمدي) العراقية، ووصل حتى أبواب بغداد، ويُرهب مناطق نيفين وصلاح الدين. وفي سورية، إنه يهيمن على محافظتي دير الزور والرقة، ويستثمر الآبار النفطية بالقرب من الحسكة، وينشط رجاله في مناطق اللاذقية وحلب وإدلب وحماة وحتى دمشق. يتدفق المتطوعون من جميع أنحاء العالم باتجاه سورية: من أوروبا وآسيا الوسطى وأستراليا والقوقاز والمغرب العربي والخليج، وينضمون إلى أكبر جهاد عالمي حتى الآن. تختار أعداد كبيرة منهم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بدلاً من جبهة النصرة على الرغم من أن الأخيرة هي الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سورية.
     تشترك الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بعدة قواسم مشتركة مع تنظيم القاعدة: العلم الأسود مع الشهادة الإسلامية، والخطاب، والهدف المتمثل بإقامة دولة إسلامية تُطبق الشريعة الإسلامية بشكل صارم. على الرغم من ذلك، بدأ صراع حتى الموت بينهما، وأصبحت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام أكبر تهديد لتنظيم القاعدة منذ إنشائه في المناطق القبلية الباكستانية عام 1988 من قبل أسامة بن لادن. بدأت الأعمال العدائية بينهما في نهاية شهر آذار 2013 عندما أعلنت الدولة الإسلامية في العراق اندماجها مع جبهة النصرة التي يقودها أبو محمد الجولاني باعتبارها الجناح السوري للمجموعة. إن العلاقات بينهما قديمة ولا تُحصى منذ الجهاد في العراق، ولكن هذا الاندماج كان عملية عدائية، وسرعان ما رفضته المنظمة السورية بأدب ولكن بحزم. لكل بلده، ولكل جهاده.
     أدرك أيمن الظواهري هذا التهديد، ودعم جبهة النصرة، ولكن لا شيء يستطيع إيقاف تقدم أبو بكر البغدادي. يعرف الظواهري أن الأخير لم يُقدم الولاء له بعد الأشهر التي أعقبت موت بن لادن. هناك نزاع قديم بين الداعية الإيديولوجي المصري والزعيم العراقي الشاب التي يمثل أحد تلامذة أبو مصعب الزرقاوي الذي ذبح بيده رجل الأعمال الأمريكي نيكولاس بيرغ Nicolas Berg عام 2004، وارتكب العديد من المجازر وعمليات التفجير الانتحارية ضد الشيعة، الأمر الذي منحه بعض الشعبية في السعودية التي تُعامل المذهب  الشيعي بصفته هرطقة. ولكن تنظيم القاعدة شجب إستراتيجية أبو مصعب الزرقاوي خوفاً من تحويل الجهاد العالمي إلى فتنة طائفية بين المسلمين. أصدر الظواهري أمراً للزرقاوي لإيقاف عمليات التفجير ضد الشيعة، ولكن بدون جدوى. في النهاية، استطاع الطيران الأمريكي قتل أبو مصعب الزرقاوي في منطقة ديالا التي يتحدر منها البغدادي.
     وهكذا استعاد الظواهري السيطرة على تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين عبر "مفوض سياسي" مصري هو أبو حمزة المهاجر (اسمه الحقيقي يوسف الدرديري) الذي أدار الفرع العراقي بالمشاركة مع أمير عراقي من المجموعة. اندمجت هذه المجموعة مع عدة مجموعات أخرى، وأصبح اسمها: الدولة الإسلامية في العراق. في شهر نيسان 2010، قُتِل أبو حمزة والأمير العراقي، واستلم أبو بكر البغدادي زمام القيادة في منظمة ضعيفة ولكنها ملتحمة وأكثر خبرة بالحرب. هناك هوة بين جيل الظواهري وجيل البغدادي: عاش الأول الجهاد الأفغاني، واكتسب الثاني خبرته من الجهاد العراقي. الظواهري هو من المنظرين الذين يتكلمون باسهاب عن أثر الثورات العربية أو عن تاريخ الإخوان المسلمين في مصر، أما البغدادي فهو من ممارسي العنف، وجعل من العنف حجته الأساسية في تجنيد رجاله. أصبح العراق مع البغدادي مدرسة لتدريب الناشطين الشباب الذين جذبهم العنف الوحشي من جميع أنحاء العالم.
     يستفيد الظواهري من الهالة المحيطة بتفجيرات 11 أيلول، ولكنه لا يملك أي أرض آمنة، ويعيش خارج العالم العربي. إنه يُنظّر للجهاد البعيد ضد العدو الغربي من أجل إدهاش الجماهير الإسلامية. أما البغدادي، فقد اكتسب خبرته من إمارة الفلوجة عندما سيطر المتمردون على المدينة عام 2004، ثم سقوطها بيد الجيش الأمريكي. إنه يعطي الأولوية للجهاد القريب من أجل إقامة دولته الإسلامية في قلب العالم العربي ضد الأعداد المباشرين ابتداء من المسلمين الذين يعارضون مشروعه. بدأت الصراعات على الزعامة داخل تنظيم القاعدة بعد موت بن لان، وكشف أبو بكر البغدادي عن طموحه، وأصبح أهم قادة تنظيم القاعدة. عندما استلم البغدادي زعامة الدولة الإسلامية في العراق في شهر أيار 2010، قام بتنظيم ستين هجوماً في الوقت نفسه، الأمر الذي أدى إلى مقتل مئة وعشرة أشخاص في يوم واحد. وفي خريف العام نفسه، أمر بالهجوم على كاتدرائية بغداد، مما أدى إلى مقتل 46 مصلياً. كانت رسالته واضحة ومفادها أن تنظيم القاعدة لم يمت في العراق، وأن الدولة الإسلامية استلمت الراية.
     اندلعت الثورة في سورية عام 2011. كان الشعب يطالب بالمزيد من الحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن التمرد شابته بعض النزعات الطائفية أيضاً: لم تعد الأغلبية السنية تحتمل هيمنة الأقلية العلوية على المناصب الهامة، ولاسيما في الأجهزة الأمنية. إن هذه الأرضية ملائمة لخطاب البغدادي المعادي للشيعة. يعتقل النظام السوري أعداداً كبيرة من معارضيه ويعذبهم، وأفرج بشكل يثير الاستغراب عن بعض القادة الجهاديين المعتقلين في سجونه. لماذا أفرج عن هؤلاء المتطرفين الذين سيستخدمون سلاحهم بشكل منطقي ضد النظام الكافر لعائلة الأسد؟ لأن ذلك سيساهم في "إدارة" طائفية للأزمة بشكل يسمح بتوحيد جميع الطوائف ضد التهديد السني الأصولي. ولأن الأجهزة السورية التي أمضت وقتها منذ عام 2003 بإدارة وإدخال وإخراج الجهاديين العابرين باتجاه العراق، تعرف "زبائنها" تماماً، إذا لم تكن تتلاعب بهم عن بعد. تعرف الأجهزة السورية أن الهدف الأول لبعض هؤلاء الجهاديين هو إقامة خلافة إسلامية تطبق الشريعة بشكل صارم، وليس إقامة الديموقراطية في الشرق الأوسط. لم تتأخر نتائج هذه السياسة بالظهور. أعلنت جبهة النصرة عن تأسيسها في شهر كانون الثاني 2012 بزعامة أبو محمد الجولاني، وهو سوري تدرب في العراق. برز الجولاني بشكل مدهش وحصل على تعاطف شريحة واسعة من السكان بفضل جرأته ونزاهته. لم يخف الجولاني تعاطفه مع الدولة الإسلامية، واستفاد من موجتها. ظهرت المجموعة العراقية على الساحة السورية باسمها الخاص في بداية عام 2013.
     ظهر أن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام لا تسعى إلى المواجهة مع الجيش السوري بخلاف جبهة النصرة، وتركزت جهودها حول السيطرة على المراكز الحدودية من أجل الحصول على استمرارية أرضية مع العراق. تسيطر الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على الأراضي التي يحررها الآخرون. كانت الرقة أول محافظة تتخلص من النظام، وقامت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتنظيم إعدام الجنود العلويين في الساحات العامة من أجل إثارة الصدمة لدى السكان. كما استولت على مستودعات الأسلحة التابعة للجيش السوري الحر في مناطق أخرى، وتقتل بعض قادته عند الحاجة دون تبني المسؤولية. كما استهدفت المناطق النفطية بصفتها مصدراً هاماً لعمليات التهريب المربحة، وقامت بـ "تخزين" الرهائن الغربيين بشكل سري للغاية. تعززت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في شهر آذار 2013 بشكل يسمح لها بالعمل على ضم جبهة النصرة إليها وإعلان سلطتها الكاملة.
     يستحوذ على أبو بكر البغدادي هاجس التجربة العراقية وبروز ميليشيات الصحوة السنية المعادية لتنظيم القاعدة. لهذا السبب، قام بتصفية جميع المعارضين المنافسين في المناطق التي يُسيطر عليها. إن الهدف الأساسي لداعش هو المتمردون العلمانيون وبقية المجموعات الإسلامية. خلال هذا الوقت، يتجنب جيش بشار الأسد استهداف الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وقام بعض المقربين من النظام بشراء النفط الذي يبيعه الجهاديون. هل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "صنيعة" بعض أجهزة الأسد كما يقول المعارضون العلمانيون؟ يقول الباحث المتخصص بالحركات الجهادية في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية EHESS دومينيك توما Dominique Thomas: "إن قول ذلك يعني الذهاب بعيداً جداً في نظرية المؤامرة. أولاً، ذهب الجهاديون الذين تم الإفراج عنهم إلى مجموعات أخرى غير الدولة الإسلامية. ثانياً، لا يجب إقامة علاقة سببية معكوسة في سياق حربي غامض جداً ومُتغير". يبقى أن العلاقات القديمة ما زالت تُغذي نظرية التواطؤ بين دمشق والدولة الإسلامية. هناك أمر مؤكد كما يقول دومينيك توما: "جنّدت المنظمة أعداداً كبيرة من البعثيين العراقيين السابقين" الذين حافظوا على اتصالات وثيقة مع دمشق.
     وجد البغدادي الفرصة سانحة لإقامة نواة دولة تمتد بين سورية والعراق، وذلك بسبب سياسة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي قدم دعمه إلى بشار الأسد لأنه هو أيضا يواجه تمرداً سنياً في محافظة الأنبار، هذا التمرد الذي ساهم نوري المالكي في صنعه عبر اضطهاد الطائفة السنية منذ سقوط صدام حسين. من المتعذر الإمساك بالبغدادي لأنه يتنقل باستمرار بين جانبي الحدود. يؤمن النفط السوري وابتزاز الموظفين العراقيين وتجارة الآثار القادمة من المناطق السورية المحررة مصدراً مالياً هاماً للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام.
     ظهر أن تجارة الرهائن رابحة أيضاً. بدأ التفكير بهذه التجارة وتنفيذها بتصميم منذ نهاية عام 2012 وحتى خريف عام 2013. استولت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على حوالي ثلاثين غربياً من الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني. تتضمن هذه الإستراتيجية الحصول على أكبر عدد ممكن من الرهائن، لأن الغربيين يُعتبرون كغنيمة وعلامة على السلطة. كانت أجهزة الاستخبارات الغربية تنظر برعب إلى لائحة الرهائن الطويلة دون أن يتبنى أحد مسؤوليتها ودون أي طلب للفدية في المرحلة الأولى. ما هو الهدف من كل ذلك: هل هم درع بشري أم عملة للمقايضة؟ ذهب البعض إلى درجة الاعتقاد بأن الهدف هو بناء سجن غوانتامو معاكس، أو سجن أبو غريب للغربيين. لا شك أن هذه الفكرة أغرت المرشحين الأوروبيين للجهاد الذين تم استخدامهم كسجانين لمواطنيهم البريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين. بدأت المفاوضات في نهاية شتاء عام 2014، وتم الإفراج تدريجياً عن اثني عشرة رهينة مقابل الفدية. أشار جميع الرهائن إلى تعصب داعش ورغبتها بالحصول على الاعتراف بجميلها: لم يتوقف السجانون عن القول أمام الرهائن: "نحن مثل أي دولةَ! ألم ترى أننا منظمون بشكل جيد"، وكانوا فخورين بحصولهم على الاعتراف الغربي، ولاسيما فرنسا بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
     فهمت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام البيئة الجغراسياسية في المنطقة، وهاجمت  الميليشيات الكردية لحزب الاتحاد الديموقراطي الذي يُسيطر على كردستان السورية، وحصلوا بذلك على رضا الحكومة التركية التي تسمح بمرور الأسلحة والجهاديين عبر حدودها حتى نهاية شتاء عام 2014 على الأقل.
     عندما بدأت بعض المجموعات الإسلامية مثل أنصار بيت المقدس المصرية وأنصار الشريعة في تونس وليبيا بالتقرب من الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في نهاية عام 2013، اقتنع الظواهري بفكرة الحرب المفتوحة ضد خصمه. إذاً، يدعم زعيم تنظيم القاعدة سراً الهجوم الكبير الذي شنه الليبراليون في الجيش السوري الحر وبقية المجموعات الإسلامية المتمردة ضد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. أحست جبهة النصرة بالإحراج، وتحدثت عن هدنة ووساطة حتى اغتيال المبعوث الشخصي للظواهري من قبل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. تم إعلان الحرب داخل تنظيم القاعدة، وانسحبت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام من حلب، ولكنها تمكنت من ترسيخ مواقعها بسرعة بفضل تحالفاتها القبلية في محافظتي الرقة ودير الزور. بدأت حكومة المالكي في العراق بشن الهجوم على الفلوجة دون جدوى، وأصبحت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تهدد ضواحي بغداد منذ شهر نيسان.
     يتنبأ الأستاذ في معهد العلوم السياسية جان بيير فيليو Jean-Pierre Filiu الذي نشر مؤخراً تقريراً لصالح مؤسسة كارنيجي، أن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ستستأنف الهجوم في سورية، وأنها ستضرب الغرب عاجلاً أم آجلاً. في الوقت الحالي، يمنح مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي FBI خمسة وعشرين مليون دولار للقبض على الظواهري وعشرة ملايين دولار للقبض على البغدادي. سيُدرك الأمريكيون قريباً أن تنظيم القاعدة هو الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام من الآن فصاعداً. 


الخميس، ٢٩ أيار ٢٠١٤

(مارين لوبين تفرض قانونها)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 28 أيار 2014 بقلم الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري Michel Onfray

     انقسم المشهد السياسي الفرنسي إلى نصفين: اليسار واليمين. ولكن هذين النصفين أيضاً ينقسم كلاهما إلى نصفين آخرين: الليبراليين والمعارضين للتيار الليبرالي. إذاً، يوجد في فرنسا أربعة تيارات سياسية كبيرة، ولكنها لا تمثل في الحقيقة إلا تيارين اثنين يختلفان عما نتصوره... إذاً، يفترض هذا الانقسام بين اليمين واليسار أن يكون هناك انقسام آخر بين يمين اليمين ويمين اليسار من جهة، وبين يسار اليمين ويسار اليسار من جهة أخرى. لن نستغرب أن يكون يمين اليسار (حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية) ويسار اليمين (الحزب الاشتراكي) أكثر قرباً من بعضهما البعض بالمقارنة مع قرب يمين اليمين (حزب الجبهة الوطنية) من يمين اليسار، وقرب يسار اليسار (حزب جبهة اليسار) من يسار اليمين.
     فشل حكم الحزبين (Bipartisme) القديم في تحقيق أهدافه: شهدت فرنسا سابقاً حكم الحزبين بين فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران، ثم بين جاك شيراك وفرانسوا ميتران، ثم بين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، وكان الرؤساء الفرنسيون يعطون الانطباع بوجود تعارض بين الحزبين. في الحقيقة، لم يكن هذا التعارض إلا ظاهرياً، ولا يظهر إلا عبر الخطابات خلال الانتخابات. عندما وصل فاليري جيسكار ديستان إلى السلطة، مالت سياسته نحو اليسار. عندما وصل فرانسوا ميتران إلى السلطة، مالت سياسته نحو اليمين. وكان الرئيسان يتبعان سياسة متشابهة إلى حد كبير.
      من إحدى علائم هذا الاختلاط: أن "الرئيس المحافظ" سمح بالإجهاض، وأن "الرئيس التقدمي" فرض سياسة صارمة. هناك أيضاً علائم أخرى: قام جاك شيراك الذي يدعي أنه وريث ديغول بإلغاء الخدمة العسكرية، وهي مبادرة قادرة على إرضاء اليسار المعادي للتوجهات العسكرية. كما قام فرانسوا هولاند الذي يُفترض أنه وريث جان جوريس Jean Jaurès بتحويل فرنسا نحو الليبرالية مع اتفاقية ماستريخت Maastricht عام 1992، وهو خيار يُرضي جداً الوسط واليمين. مثال آخر أيضاً: قام فرانسوا ميتران بإدخال فرنسا في حرب الخليج، ورفض جاك شيراك القيام بذلك في حرب العراق: يتصرف الرئيس الاشتراكي كدعاة الحرب، ويتصرف الرئيس الديغولي كدعاة السلم...
     استمر هذا العداء المزيف بين اليمين واليسار على شاشات التلفزيون. في الحقيقة، كان اليمين يتكلم باتجاه اليمين، واليسار يتكلم باتجاه اليسار، ثم يحكم اليمين واليسار باتجاه الوسط باعتبارهم ليبراليين يؤمنون بقيم السوق. ما زالت الخطابات فقط منقسمة بين اليسار واليمين، أما الممارسات فكانت توافقية لصالح أوروبا الليبرالية التي كرسها فرانسوا ميتران كدين إجباري عام 1983. قام فرانسوا ميتران بتقديم اتفاقية ماستريخت باعتبارها المستقبل والتقدم والحل لجميع المشاكل: وقدم لنا أوروبا الليبرالية باعتبارها الطريق الوحيد. إذا أراد أي شخص أن يرفض أوروبا الليبرالية دون أن يرفض أوروبا بحد ذاتها، يتم اعتباره عدواً لأوروبا وصديقاً للنزعات القومية. ألقى فرانسوا ميتران كلمة في البرلمان الألماني، وكال المديح لشجاعة الجنود الألمان خلال الحرب العالمية الثانية مؤكداً أن القوميات تعني النزعة القومية، وأن النزعة القومية تعني الحرب! في مثل هذه الظروف، من يستطيع الدفاع عن الأمة؟
     كان يجب على أوروبا الليبرالية أن توفر السلام والازدهار والعمالة الكاملة والصداقة بين الشعوب والقوة بين بقية الأمم. من يستطيع القول أنه يريد الحرب والانحطاط والبطالة والحقد بين الشعوب والعجز الدولي؟ ولكن الذين صوتوا على اتفاقية ماستريخت (صوت جان لوك ميلانشون عليها بنعم، وليس أنا...) لم ينعموا بالسلام بل حصلوا على الحرب في أوروبا الوسطى، ولم يبرروا وجود الجنود الأوروبيين في بعض النزاعات في جميع أنحاء العالم؛ ولم يحصلوا على الازدهار لأن حرية السوق ولّدت الفقر: أصبح الفقراء أكبر عدداً وأكثر فقراً، وتراجع عدد الأغنياء وأصبحوا أكثر غنى؛ ولم يتحقق الازدهار الموعود بالنسبة للطبقات الفقيرة لأن الانتقال إلى اليورو كان فرصة لرفع الأسعار في الوقت الذي لم ترتفع فيه الرواتب والأجور؛ كما لم يحصلوا على العمالة الكاملة: لم يكن عامل التمديدات الصحية البولوني خيالاً بل حقيقة لأن اليد العاملة القادمة من بعض الدول كانت أكثر ربحية بسبب انخفاض الرواتب والأجور فيها وعدم توحيد أنظمة العمل الأوروبية بما يتناسب مع الأنظمة الأكثر حماية لليد العاملة، وهكذا أصبح من مصلحة رب العمل الذي يتعرض للمنافسة الدولية تخفيض كلفة الإنتاج عبر نقل معمله إلى بلد آخر أو عبر تشغيل العمال القادمين إلى فرنسا الذين يجري استغلالهم بالنظر للقانون الفرنسي؛ كما لم يحصلوا على الصداقة بين الشعوب: إن المنافسة التي تفرضها الليبرالية على عمال الدول الأوروبية لم تلعب دوراً في تشجيع التعاطف بين العمال الذين يتنافسون بين بعضهم البعض؛ كما لم يحصلوا على القوة من أوروبا القوية، لأن الليبرالية التي تهيمن على أوروبا منذ ربع قرن لم تكن في صالح أوروبا الاجتماعية.
     كانت حسابات فرانسوا ميتران متعالية وشخصية: لقد بذل جهده في المجال الأوروبي، ووضع فرنسا في المرتبة الثانية لاهتماماته عبر تخليه عن السياسة اليسارية ووضعه فرنسا جانباً من أجل الاهتمام ببناء أوروبا التي كان يعتقد أنه من الأسهل له ربطها باسمه. لقد فشلت أوروبا الليبرالية. إن يمين اليسار ويسار اليمين يتقاسمان السلطة بفضل دستور عام 1958 الذي يشجع على حكم الحزبين (Bipartisme). لقد فشل حكم الحزبين. صوت الشعب الفرنسي عام 2005 بأعداد كبيرة مشيراً إلى أنه لا يريد أوروبا الليبرالية، وأنه كان يريد أوروبا أخرى، أوروبا الاجتماعية. لم يصوت ضد أوروبا، بل من أجل أوروبا أخرى. ولكن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية والحزب الاشتراكي معاً احتقرا هذا التصويت الشعبي ، وصوتا معاً كرجل واحد ضد تصويت الشعب عام 2008، وأدرك الشعب آنذاك أنه خُدِعَ من قبل أولئك الذين يقولون بأنهم يمثلونه، ويكتفون بالدفاع عن إيديولوجية الجهة التي تدفع لهم رواتبهم.
     فشل حُكم الحزبين، ونجم عنه حُكماً لحزبين آخرين تتواجه فيه جبهتان: حزب الجبهة الوطنية وحزب جبهة اليسار. إن الذين يرفضون حكم الحزبين السابقين (حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية والحزب الاشتراكي)، وجدوا أنفسهم أمام حكم حزبين آخرين هما: حزب الجبهة الوطنية وحزب جبهة اليسار، وأظهرت الانشقاقات المتبادلة بين الحزبين الآخرين إمكانية الانتقال بينهما. أصبح بعض الأعضاء السابقين في نقابات العمال أو في الحزب الشيوعي الفرنسي يدعمون مارين لوبين، وبعض الذين كانوا يصوتون لليسار أصبحوا يصوتون لحزب الجبهة الوطنية.
     هناك نقاط مشتركة هامة تجمع بين الجبهتين مثل: الرفض المشترك لأوروبا الليبرالية، والإدانة نفسها لمنطق اتفاقية ماستريخت، والشكوك الصريحة تجاه اليورو، والغضب نفسه ضد الأحزاب التي تدافع عن أوروبا الليبرالية، والإدانة نفسها لجميع وسائل الإعلام تقريباً التي يملكها رجال المصارف وتمثل وسيلة يومية لنقل الإيديولوجية الليبرالية، والهموم نفسها التي تعبر عنها الطبقات الفقيرة، والإدانة نفسها للنخب الفاشلة، والدفاع نفسه عن الدولة والخدمات العامة ـ هذا الأمر الأخير جديد بالنسبة للجبهة الوطنية. فيما يتعلق بالأحداث الراهنة، هناك توافق واضح بين مارين لوبين وجان لوك ميلانشون حول مسألة التدخل في سورية ودعم بوتين والدفاع عن جيروم كيرفييل Gérôme Kerviel (كان يعمل في قسم المضاربات المالية في مصرف Société Générale وتمت إدانته قضائياً لأنه تسبب بخسارة قدرها 4.82 مليار يورو للمصرف عام 2008) الذي تحول إلى ضحية للنظام.
     إن الخلاف الوحيد بين الجبهة الوطنية وجبهة اليسار هو مسألة الإسلام الذي يمثل خطرا بالنسبة للأول وفرصة مواتية بالنسبة للثاني. لهذا السبب حصل الأول على ضعفي أصوات الثاني. تتصف مارين لوبين بالبراغماتية، وتطرح الأسئلة التي يطرحها الجميع؛ أما جان لوك ميلانشون فيتصف بأنه إيديولوجي، ويعتبر أن هذه الأسئلة غير مشروعة على الرغم من أنها مطروحة. لو كان ميلانشون الماسوني العلماني غاضباً من الإسلام كما هو غاضب من جميع الأديان باستثناء الإسلام، فإن موازين القوى ستنقلب. في هذه الحالة، ستصبح الحياة السياسية الفرنسية منظمة حول جان لوك ميلانشون، وسيكون ذلك أمراً مرغوباً بشكل أكبر من أجل إعطاء المزيد من الصبغة اليسارية ليسار الحكومة...
     هناك شريحة من السكان لا تعترف بهذه الخيارات الأربعة المطروحة، وهي تجمع أولئك الذين أدركوا أن الليبرالية بالنسبة لأوروبا المعاصرة تشبه ما كانت عليه الماركسية ـ اللينينية في النصف الثاني من القرن العشرين: عندما يُشار إلى الأخطاء، يقال أن السبب هو الحاجة إلى المزيد مثل القول بأن نقص تطبيق الماركسية يُفسر قصور الماركسية، وأصبح نقص تطبيق الليبرالية اليوم يُبرر الوضع الذي نعيشه اليوم! شاهد الذين لم تخنهم الذاكرة أن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية والحزب الاشتراكي يدافعون عن عالم لا يريدونه.
     هناك شريحة أخرى من السكان لا تعترف بالخيار المعادي لليبرالية: إنها تريد أحياناً جزءاً من مارين لوبين، ولكن بدون أفكارها المتعلقة باليمين الكاثوليكي مثل العودة إلى تطبيق حكم الإعدام ورفض الإجهاض والدفاع عن العائلة الكاثوليكية وإدانة الحداثة باسم التقاليد؛ كما تريد هذه الشريحة أحياناً أخرى جزءاً من ميلانشون (هذا هو الحال بالنسبة لي...)، ولكن بدون أفكاره اليسارية المتعلقة بروبسبيير Robesbierre الذي كان يقطع الرؤوس، وبدون اليسار الحاقد وخياراته الشعبوية بدلاً من الخيارات الشعبية، وبدون البرنامج الإديولوجي للسنوات الممتدة من عام 1950 وحتى عام 1970 حول تمجيد الزعيم...
     هناك شريحة أخرى لم تعد تعترف بهذه الاحتمالات الأربعة: إنها واضحة وتشعر بالخيبة، وهي تعرف أن القانون الليبرالي للعبة الانتخابية الليبرالية ستُفرز ليبرالياً يمينياً أو يسارياً، ولكنه ليبرالياً في النهاية. ستكون هناك نقاشات تلفزيونية بين المرشحين الليبراليين، ولكنهم سيصوتون على القوانين نفسها في البرلمان الأوروبي. تعرف هذه الشريحة أيضاً أن معارضي الليبرالية لن يحصلوا إلا على بعض المقاعد المتحركة التي تسمح لهم بالتعبير عن آراء عامة الناس دون أن يثمر كلامهم عن أية نتيجة. سيردّ الليبراليون أن هذه الانتقادات تُبرهن على الطابع الديموقراطي لمؤسستهم! تعرف هذه الشريحة أيضاً أن هؤلاء المحامين عن حقوق الشعب سيحصلون على رواتبهم لقاء هذا العمل، وسيحصلون على حماية الأحزاب التي تختارهم ليكونوا أعضاء داخلها، هذا هو مبدأ لائحة المتحزبين الذين سيحصلون على أجر أعلى بكثير من أجر هذه الشريحة...
     على أي حال، استفادت مارين لوبين من أوروبا من أجل الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2017، أو حتى الانتخابات الرئاسية التي تليها. أصبحت مارين لوبين تمثل القوة السياسية التي ستُبنى عليها جميع استراتيجيات وتكتيكات الأحزاب الأخرى. لقد بدأت تفرض قانونها... أنا لست غاضباً منها، لأنها أحد الأعراض، بقدر الغضب من جميع الذين جعلوا ذلك ممكناً منذ عام 1983. لا يمكن إهانة شعب دون أن يرغب هذا الشعب باستعادة كرامته يوماً ما، حتى ولو أخطأ في الوسيلة. إن السماح لمارين لوبين باحتكار استعادة كرامة الشعب المحطمة بعد ثلاثين عاماً من الليبرالية، ليس قدراً محتوماً. إذا كان اليسار راغباً بذلك، فإنه أمر سهل جداً: تكفي الإرادة. ولكن الإرادة لم تعد موجودة في قاموس المصطلحات الاشتراكية منذ وقت طويل، لأن أوروبا الليبرالية تمنع الأمم من أن تريد شيئاً آخر غير الذين تريده أوروبا الليبرالية. 


الأربعاء، ٢٨ أيار ٢٠١٤

(حرمان سفينة روسية من التوقف في إسرائيل)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 28 أيار 2014


     منعت السلطات الإسرائيلية في اللحظة الأخيرة احدى السفن العسكرية الروسية من دخول ميناء حيفا. إنه إجراء نادر ومناقض للأعراف، ولاسيما أن إسرائيل تسعى جاهدة لعدم إثارة غضب موسكو. ولكن كان من الضروري إعطاء بعض الضمانات للأمريكيين الذين ينتقدون الموقف المتراخي للدولة العبرية في الأزمة الأوكرانية. كما كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الداخلية (Shin Beth) تشتبه بعملية تجسس روسية، وعارضت توقف السفينة الروسية في ميناء حيفا.

(صفقة الميسترال)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 28 أيار 2014

     لوران فابيوس غاضب ضد جون كيري الذي أدان مؤخراً مرة أخرى استعداد فرنسا لتسليم روسيا سفينتين حربيتين من طراز "ميسترال" قريباً. أشارت وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنه لا يحق لواشنطن إعطاء الدروس إلى باريس. كما أكد مسؤول فرنسي رفيع المستوى أن الأمريكيين قاموا مؤخراً بنقل تكنولوجيات عسكرية متطورة إلى روسيا. ما هي هذه التكنولوجيات؟ أجاب هذا المسؤول الفرنسي: "في الوقت الحالي، لا نرغب بقول المزيد، ولكن اذا استمرت  الانتقادات....".




الثلاثاء، ٢٧ أيار ٢٠١٤

(المفقودون في خلية محمد المراح)

صحيفة الليبراسيون 27 أيار 2014 بقلم جان مانويل إسكارنو Jean-Manuel Escarnot وباتريسيا تورانشو Patricia Tourancheau

     قام جهاديو منطقة وسط البيرينيه Midi-Pyrénées الفرنسية بترتيب منازلهم جيداً قبل رحيلهم إلى سورية. لقد ذهب حوالي خمسة عشر إسلامياً راديكالياً من مدينتي تولوز وألبي Albi إلى سورية خلال الفترة الممتدة بين شهري كانون الثاني وأيار 2013 على الرغم رقابة الشرطة. كانت سعاد المراح آخر هؤلاء الجهاديين عندما غادرت تولوز بتاريخ 9 أيار مع أطفالها الأربعة. إن أعضاء هذه الشبكة هم من السلفيين المقربين من أشقاء محمد المراح، وقاموا بدورات تدريبية لدى "الشيخ" الفرنسي ـ السوري أوليفييه كوريل Olivier Corel للطائفة الإسلامية في مدينة أرتيغا Artigat الفرنسية.
     كشفت صحيفة جورنال دوديمونش Journal du dimanche الفرنسية أن صبري إسعيد Sabri Essid (29 عاماً) ذهب إلى سورية في نهاية شهر آذار، وأنه كان على علاقة وثيقة مع محمد المراح الذي اغتال سبعة جنود فرنسيين ويهود في مدينتي مونتوبان Montauban وتولوز خلال شهر آذار 2012، وأنه أصبح الأخ غير الشقيق لمحمد المراح بعد أن تزوح والده محمد إسعيد (60 عاماً) مع والدة محمد المراح. كان صبري إسعيد (فرنسي من أصل تونسي) تحت مراقبة الإدارة العامة للأمن الداخلي، وهرب إلى سورية برفقة أخيه وزوجته وابن زوجته وأطفالهما الثلاثة. قامت زوجة أب صبري إسعيد بإبلاغ الشرطة عن اختفائه في بداية شهر نيسان. استمر صبري إسعيد في علاقته مع سعاد المراح ووالدتها بعد مقتل محمد المراح، وكان يرافقهما أحياناً أثناء التسوق في حي ميراي Mirail بمدينة تولوز.
     ظهر صبري إسعيد على رادارات الشرطة منذ عام 2002. كان يرافق الأخوين جان ميشيل كلان Jean-Michel Clain (33 عاماً) وفابيان كلان Fabien Clain (35 عاماً) اللذين يتحدران من جزيرة رينيون Ile de la Réunion الفرنسية بالإضافة إلى محمد المغربي Mohamed Megherbi والفرنسي الذي اعتنق الإسلام توما بارنوان Thomas Barnouin، وجميعهم من أحياء إيزارد Izards وميراي Mirail في تولوز. كان الجميع ينتمون إلى مجموعة إسلامية تتمركز حول أوليفييه كوريل الذي وُلد في سورية والذي أسس طائفة إسلامية في قرية Lanes بمدينة أرتيغا الفرنسية. يقوم أوليفييه كوريل بتنظيم دورات تدريبية لتعليم "الدين الحقيقي" في منزله ذي الحجارة الحمراء والنوافذ المغلقة بالأغطية. تعتبر أجهزة الاستخبارات الفرنسية أن أوليفييه كوريل "أميراً" أو "شيخاً روحياً"، وهو يقوم بإعطاء دروس دينية تترافق بتحليلات استراتيجية دولية. تمارس سعاد المراح إسلاماً متزمتاً، وسبق لها ارتياد هذا المكان الهام في مدينة أرتيغا، وكانت تقول لنا عن أوليفييه كوريل: "إنه عالم وشيخ نطلب نصيحته. لديه بعض الأحصنة، واكتشف أطفالي الفروسية والفخار في منزله".
     إن أكثرهم مثابرة مثل: صبري إسعيد وتوما بارنوان والإخوين كلان ومحمد المغربي يقومون بالتبشير الديني في تولوز، وينشرون بعض النصوص حول تفسير القرآن. تزوج محمد المغربي من إحدى شقيقات الأخوين كلان. تجتمع هذه المجموعة ليلاً في قاعة الصلاة بإحدى المباني السكنية سوناكوترا (Sonacotra) في حي إيزارد. هجرت هذه المجموعة جوامع تولوز منذ عام 2004 لأنها معتدلة جداً بنظرهم، وأصبحوا يجتمعون في المنازل. ذهب توما بارنوان لدراسة الدين في إحدى المدارس القرآنية بالمدينة المنورة في السعودية. ذهب صبري إسعيد والأخوان كلان ومحمد المغربي إلى مدينة أوتريشت Utrecht الهولندية، وعادوا منها حاملين الكتب الإسلامية وتسجيلات الخطب الدينية لبيعها في أسواق تولوز. ذهب الأخوان كلان ومحمد المغربي إلى مصر عام 2005 للإقامة في مدرسة قرآنية.
     قبضت الشرطة على صبري إسعيد عام 2005 بسبب رسالة مجهولة المصدر تتهمه بالإعداد لعملية تفجير ضد القنصلية الأمريكية في مدينة ليون الفرنسية وبعض المراكز التجارية الكبيرة في تولوز، ولكنه خرج حراً بعد اعتقاله على ذمة التحقيق. تشددت مواقف المجموعة، وأصبحت تتحدث حولها علناً عن الجهاد. أفلت صبري إسعيد وتوما بارنوان من رقابة الشرطة في شهر تشرين الثاني 2006، وذهبا إلى سورية بهدف المرور إلى العراق والجهاد ضد الأمريكيين. تعرضا للاعتقال في أحد المنازل على الحدود، وتمت إعادتهما إلى فرنسا. رافقهما في هذه الرحلة رجل آخر هو ميلود شاشو Miloud Chachou الذي مات في العراق أثناء إحدى التفجيرات في الفلوجة.
     عند نزولهما من الطائرة في باريس، تم اعتقالهما بتهمة "المشاركة في عصابة على علاقة بعمل إرهابي". قام محمد المراح بـ "مساعدة" رفيقه وأخيه غير الشقيق صبري إسعيد في سجنه. فيما يتعلق ببقية أعضاء مجموعة أرتيغا الذين كانوا يستعدون للالتحاق بهما في العراق، تم اعتقالهم في منطقة تولوز، وتم العثور على وصية في منزل محمد المغربي. تمت محاكمة المجموعة في باريس عام 2009، وحُكِم على صبري إسعيد بالسجن لمدة أربع سنوات، ثم خرج بعدها ليعمل في مجال الرافعات. تشتت أعضاء هذه المجموعة، ثم عادوا إلى واجهة الأحداث عام 2012 مع العمليات التي ارتكبها محمد المراح. شارك صبري إسعيد خفية في مراسيم دفن محمد المراح، وقال أحد رجال الشرطة: "كنا نشعر بقلقهم".
     يجمع توما بارنوان حفنة من الشباب حوله في حي كانتبو Cantepau الصعب. تراقب الشرطة هذه المجموعة، وشاهدت عدة تدريبات على القتال بالأيدي خلال شهر كانون الثاني. لم تمنع هذه المراقبة بعض الشباب في مدينتي ألبي وتولوز من الذهاب إلى سورية خلال شهر شباط. اختفى كل من صبري إسعيد ومحمد المغربي وتوما بارنوان وأربعة من رفاقهم بمدينة ألبي واحداً تلو الآخر. قامت العائلات بإبلاغ الشرطة عن رحيلهم. علّق أحد العناصر الأمنية قائلاً: "إن الصفات المشتركة لعناصر مجموعة أرتيغا تبعث على القلق. إنهم رجال غامضون، وربما يزداد نفوذهم بعد عودتهم في حال عودتهم". لهذا السبب، يقوم قاضي مكافحة الإرهاب مارك تريفيديك Marc Trévidic بالتحقيق حول المجموعة التي يُطلق عليها اسم: أرتيغا 2 منذ شهر أيلول 2013، وقال أنه "من الممكن أن ترتكب هذه المجموعات بعض عمليات التفجير داخل فرنسا".



الاثنين، ٢٦ أيار ٢٠١٤

نتائج الانتخابات الأوروبية 25 أيار 2014

      جرت الانتخابات الأوروبية في فرنسا يوم الأحد 25 أيار، وحقق حزب الجبهة الوطنية انتصاراً تاريخياً فيها، واحتل المرتبة الأولى بنسبة 25.41 % من الأصوات، متقدماً على حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الذي حاز على 20.77 % من الأصوات، ثم الحزب الاشتراكي بنسبة 13.97 %، ثم تحالف أحزاب الوسط بنسبة 9.81 %، ثم تحالف أحزاب البيئة بنسبة 8.89 %، وأخيراً حزب جبهة اليسار بنسبة 6.25 %. إنها المرة الأولى التي يتمكن فيها حزب الجبهة الوطنية من الفوز بإحدى الانتخابات الفرنسية. بالمقابل، إنها أسوأ نتيجة في تاريخ الحزب الاشتراكي منذ تأسيسه. ستسمح هذه النتائج لحزب الجبهة الوطنية بالحصول على 23 ـ 25 مقعد في البرلمان الأوروبي (مقابل ثلاثة مقاعد في انتخابات عام 2009)، وسيحصل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية على 18 ـ 21 مقعد، والحزب الاشتراكي على 13 مقعداً، وتحالف أحزاب الوسط على 6 ـ 8 مقاعد، وتحالف أحزاب البيئة على ستة مقاعد، وحزب جبهة اليسار على 3 ـ 5 مقاعد.  بلغت نسبة الامتناع عن التصويت في الانتخابات الأوروبية 56.85 %، ولم تحطم الرقم القياسي الذي حققته الانتخابات الأوروبية عام 2009 (59.4 %) بعكس ما توقعته استطلاعات الرأي قبل بدء الانتخابات.
     طالبت رئيسة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبين بحل البرلمان الفرنسي والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، ولكن الرئيس الفرنسي لن يقوم بحل البرلمان وسيتابع سياسته الاقتصادية الجديدة التي بدأها مع تعيين مانويل فالس رئيساً للحكومة الفرنسية. يشير المحللون إلى أن هامش المناورة المتاح أمام فرانسوا هولاند أصبح ضيئلاً جداً بين الاتحاد الأوروبي التي يطالبه بمتابعة سياسته التقشفية لتخفيض عجز الموازنة الفرنسي وبين المواطنين الفرنسيين الذين يعانون من هذه السياسة التقشفية وصوتوا ضدها في هذه الانتخابات. فيما يتعلق بحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، يشير المحللون إلى أنه أصبح من الصعب بقاء رئيسه جان فرانسوا كوبيه في منصبه بعد حلوله في المرتبة الثانية خلف حزب الجبهة الوطنية، بالإضافة إلى الفضائح المالية التي زعزعت الحزب في الآونة الأخيرة، ويخشى بعض المحللين من اندلاع النزاعات الداخلية داخل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة. أصبح حزب الجبهة الوطنية الحزب الأول في فرنسا بعد هذه الانتخابات، ولكن الطريق ما زال طويلاً أمامه للفوز بالانتخابات التشريعية أو الرئاسية عام 2017 لأنه بحاجة إلى أحزاب أخرى تقبل بالتحالف معه وتسمح له بالفوز في الانتخابات القادمة، وربما قد يستفيد حزب الجبهة الوطنية من النزاعات الداخلية داخل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية لكي يتحالف مع بعض تياراته.
     على الصعيد الأوروبي، حققت الأحزاب المعارضة لأوروبا تقدماً كبيراً في الدانمارك والنمسا وبريطانيا واليونان وإيطاليا، وتراجعت قليلاً في هولندا. تشير التوقعات إلى هذه الأحزاب ستحصل على حوالي 140 مقعداً في البرلمان الأوروبي، ولكن تأثيرهم يعتمد على قدرتهم في تشكيل مجموعة برلمانية تضم 25 معقداً  على الأقل وأن تمثل ربع أعضاء الاتحاد الأوروبي على الأقل، أي أنها بحاجة إلى مفاوضات صعبة فيما بينها على الصعيد الأوروبي. فيما يتعلق بالأحزاب اليمينية المحافظة في أوروبا، فقد تمكنت من الفوز بالعدد الأكبر من المقاعد مع 212 مقعداً مقابل 185 مقعداً لأحزاب اليسار الأوروبية، وحصلت أحزاب الوسط الليبرالية على71 مقعداً. بدأ مرشح الأحزاب اليمينية المحافظة في أوروبا جان كلود جونكر بالتفاوض مع بقية الأحزاب الأخرى من أجل تشكيل أغلبية برلمانية تسمح له بالوصول إلى منصب رئيس المفوضية الأوروبية. يشير المحللون إلى هذه المفاوضات بين المجموعات البرلمانية الأوروبية ستكون صعبة، وربما لن تسمح بتشكيل الأغلبية المطلوبة داخل البرلمان الأوروبي (376 صوتاً من أصل 751). لهذا السبب، يتوقع بعض المحللين بأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ستستغل هذا الوضع لكي تطرح مرشحاً آخر من خارج رؤساء المجموعات البرلمانية الأوروبية، ويتحدث المحللون عن بعض الأسماء مثل المدير السابق لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي الذي يدعو إلى سياسة اقتصادية قريبة من سياسة المستشارة الألمانية.

     سيجتمع رؤساء حكومات ودول الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء 27 أيار لمناقشة اسم الشخص الذي سيحل مكان رئيس المفوضية الأوروبية الحالي جوزيه مانويل باروزو. ثم ستجري المشاورات لتشكيل المجموعات البرلمانية داخل البرلمان الأوروبي خلال شهر حزيران، ثم سيجتمع قادة الاتحاد الأوروبي يومي 26 و27 حزيران لتعيين مرشحهم لرئاسة المفوضية الأوروبية مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات الأوروبية، ثم سيعقد البرلمان الأوروبي جلسته الأولى أيام 1 و2 و3 تموز من أجل انتخاب رئيس البرلمان الأوروبي، ثم سيقوم البرلمان الأوروبي أيام 14 و15 و16 و17 تموز بالتصويت على قبول أو رفض الشخصية المرشحة لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية، ثم سيقوم قادة الاتحاد الأوروبي في شهر تشرين الثاني بتعيين رئيس جديد للمجلس الأوروبي بدلاً عن هيرمان فان رومبوي.

الجمعة، ٢٣ أيار ٢٠١٤

(الشرطة الفرنسية تلاحق أخت محمد المراح)

صحيفة الفيغارو 23 أيار 2014 بقلم كريستوف كورنوفان Christohpe Cornenin

     تلاحق الشرطة الفرنسية سعاد المراح (35 عاماً)، الأخت الكبرى لمحمد المراح الذي قتلته الشرطة الفرنسية بتاريخ 22 آذار 2012. اختفت سعاد المراح منذ 14 أيار، ويقول أقرباؤها أن تمضي إجازة في تونس. ولكن مصدراً مطلعاً أكد أن "المعلومات المتوفرة" تدفع للاعتقاد بأنها وصلت إلى المنطقة السورية ـ التركية التي يعبر منها الجهاديون الفرنسيون المعادون لنظام الأسد. تشير المعلومات التي حصلنا عليها إلى أن خطيبها يتواجد في هذه المنطقة منذ شهر نيسان الماضي. ربما غادرت سعاد المراح مع أطفالها الأربعة الذين تبلغ أعمارهم على التوالي: تسعة أشهر، عامان ونصف، عشرة أعوام، اثنا عشر عاماً. قامت الأجهزة الأمنية الفرنسية بتفتيش منزلها في حي ميراي Mirail بمدينة تولوز يوم الخميس 22 أيار "على خلفية اختفاء مُقلق لأطفال قاصرين".
     لوحقت سعاد المراح سابقاً بتهمة "الترويج للإرهاب"، ولكن القضية تم إغلاقها في شهر كانون الثاني 2013. تم تصوير سعاد المراح بدون علمها في تحقيق تلفزيوني في شهر تشرين الثاني 2012، وقالت فيه آنذاك: "أنا فخورة بأخي الذي قاتل حتى النهاية... أعتقد أن أسامة بن لادن شخص جيد... أنا أكره جميع اليهود الذين يقومون الآن بقتل المسلمين".
     تتقيد سعاد المراح بإسلام متشدد، وترتدي دوماً حجاباً أسوداً كاملاً في الأماكن العامة. ولدت سعاد المراح في الجزائر عام 1978، ولحقت بوالدها في تولوز عام 1981 برفقة والدتها وإخوتها. كانت تتعرض للضرب مع أختها عائشة من قبل بعض إخوتها. يقول البعض أن توجهها نحو الراديكالية بدأ عام 2001 بسبب اعتقال زوجها الأول للمرة الثانية، ويقول البعض الآخر أن السبب هو حالة اكتئاب نفسي. تطلقت سعاد المراح وتزوجت مرة أخرى من أحد المقربين من الحركة السلفية، واعتنقت شيئاً فشيئاً إيديولوجية التكفيريين المتطرفين السنة في مصر، هذه الإيديولوجيا التي تُشرّع اغتيال المسلمين المعارضين لنظرياتهم، ويُشتبه بأنهم وراء عمليات اغتيال الشيعة في العراق. أكد أخوها الكبير أن سعاد قالت في أحد الأيام أنها سترتكب "عملية تفجير انتحارية" في مترو تولوز.
     أشارت بعض التقارير التي نُزعت عنها صفة السرية في شهر آب 2012 إلى أنه سعاد المراح كانت تحت المراقبة منذ عام 2010، أي قبل أن يتجه أخوها نحو العنف الراديكالي. وأكد تقرير لمكافحة التجسس بتاريخ 19 آذار 2010 أن سعاد كانت "تتبنى اسلاماً راديكالياً، وتُقيم علاقات مع الحركات السلفية الراديكالية" لأنها اشترت أربعة بطاقات طائرة إلى القاهرة من أجل متابعة التعليم الديني في مدرسة قرآنية.
     أسرّ مصدر في وزارة الداخلية الفرنسية أنه "في هذه القضية ليس هناك تقصير من قبل الشرطة، بل هناك عيوب في النظام القانوني الحالي الذي لا يمنع الرحيل في الوقت الحالي". تنص خطة مكافحة الجهاد التي أصدرها وزير الداخلية برناركازنوف Bernard Cazeneuve بشكل خاص على إضافة أوصاف المشتبه بهم إلى لائحة الأشخاص الملاحقين وإلى نظام معلومات شينغن بالإضافة إلى مصادرة جوازات سفرهم.


الخميس، ٢٢ أيار ٢٠١٤

(إرهاب: مراد فارس، المكلف بتجنيد الجهاديين)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 22 أيار 2014 بقلم أوليفييه توسير Olivier Toscer

     قامت شرطة مكافحة الإرهاب في فرنسا بالقبض على ستة شباب جهاديين في ستراسبورغ بتاريخ 13 أيار بعد عودتهم من سورية. بعد عدة ساعات من القبض عليهم، ، كان مراد فارس (29 عاماً) يكتب تعليقاً مختصراً على صفحته في الفيسبوك من مكان تواجده في منطقة حلب، وقال فيه: "كان لا بد أن يحصل ذلك...". مراد فارس هو فرنسي من أصل مغربي، وهو الشخص الرئيسي الذي يقوم بتجنيد الجهاديين الفرنسيين لحساب جبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة. كشفت مجلة النوفيل أوبسرفاتور في شهر آذار الماضي أن هذا الشخص هو الذي يُروج للجهاد المقدس، وأغرى شباب ستراسبورغ للذهاب إلى الجبهة السورية في شهر كانون الأول الماضي. كما أغرى أيضاً المراهقين ياسين (15 عاماً) وأيوب (16 عاماً) من مدينة تولوز، بالإضافة إلى الطالبة ليلى في المدرسة الثانوية بمدينة أفينيون ، وعمران (17 عاماً) من مدينة نيس. قال مصدر قضائي: "إن مراد فارس هو الهدف الحقيقي من عملية ستراسبورغ".
     يسعى قاضيا مكافحة الإرهاب لورانس لوفير Laurence Le Vert وإيزابيل كوزي Isabelle Couzy إلى كشف أساليب التجنيد التي يتبعها مراد فارس الذي يتحدر من عائلة مغربية من مدينة أغادير، وتقيم في مدينة Thonon-les-Bains منذ وقت طويل. حصل مراد فارس على الشهادة الثانوية ـ الفرع العلمي بامتياز، وتابع دراسته بشكل متقطع في مدينة ليون دون أن يثابر عليها. ثم تحول إلى العمل في المطاعم، وغرق بالإسلامية شيئاً فشيئاً. قام بتغيير اسمه إلى مراد حجي بعد قيامه بالحج إلى مكة، وبدأ بإنتاج الأفلام الجهادية، وأهمها: "المهدي والخلافة الثانية" الذي يمثل 45 دقيقة من الدعاية الدينية الكاذبة على خلفية فيلم كارثي وخدع سينمائية عالية الدقة، وشاهد هذا الفيلم 350.000 شخص على الأنترنت. أكد أحد خبراء وزارة الداخلية الفرنسية قائلاً: "يدعي هذا الفيلم أن المهدي سيظهر في سورية من جديد، وكان السبب وراء العديد من الطموحات الجهادية".
     مراد فارس هو النجم الصاعد "للساحة الجهادية". باع منزله بمدينة La Croix-Rousse في شهر تموز الماضي، وأمضى ثلاثة أيام في منزل والديه بمدينة Thonon-les-Bains، ثم غادر منزل العائلة مع حقيبة سفر صغيرة، ووعد والديه برؤيتهم مرة أخرى، واستقل سيارة يقودها "إخوانه". كان يريد الذهاب إلى الشام، كما يُطلق على سورية في القرآن. كتب على صفحته في الفيسبوك بعد وصوله بفترة قصيرة: "نعم، أنا إرهابي وأفتخر بذلك!!! إنه أمر إلهي". اعتباراً من هذه اللحظة، أصبح بمثابة المفقود بالنسبة لعائلته. بعد عدة أشهر، وافق للمرة الأخيرة على لقاء والديه اللذين جاءا إلى الحدود التركية ـ السورية لإقناعه بالعودة إلى فرنسا. ولكنه بقي ضمن إسلاميته الراديكالية.
     انضم مراد فارس إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ـ الجناح المسلح والأكثر وحشية للجهادية السورية. بدأ يعمل لحساب "الأمير" عمر ديابي Oumar Diaby، وهو من أصل سنغالي وكان يعيش في مدينة نيس الفرنسية، وأصبح زعيم كتيبة تضم حوالي خمسين مقاتلاً فرنسياً. تتركز المهمة الأساسية لمراد فارس في استخدام سمعته كمنتج للأفلام الإسلاموية من أجل تغيير تفكير الشباب الفرنسيين المعجبين به. قال أحد المقربين من الملف: "إن أسلوبه بسيط، ويعتمد على اصطياد المعجبين به على الفيسبوك، ثم يرسل لهم رسائل خاصة تتضمن أرقام الهواتف التي يمكن للمرشحين إلى الجهاد الاتصال بها عند وصولهم إلى الحدود السورية. ثم يقوم بتنظيم القوافل لكي يعبروا الحدود".
     بهذه الطريقة، ذهب أربعة عشر شاباً تتراوح أعمارهم بين 23 و25 عاماً من حي مينو Meinau الشعبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية إلى تركيا عبر مطار فرانكفورت الألماني في منتصف شهر كانون الأول الماضي. استقبلهم مراد فارس على الحدود السورية، وأرسلهم إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. حصلت انشقاقات خطيرة داخل الحركات الجهادية في بداية شهر كانون الثاني، وقرر مراد فارس وعمر ديابي وأغلب الذين قاموا بتجنيدهم بتغيير معسكرهم. قال عمر ديابي إلى مجلة النوفيل أوبسرفاتور قبل شهرين لتبرير انضمامهم مع أسلحتهم إلى المجموعة الجهادية الأخرى التابعة رسمياً لتنظيم القاعدة: "إن أعضاء الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام عديمي التربية، ويظهر سلوكهم المنحرف بمجرد امتلاكهم للسلاح".
     بقي شباب مدينة ستراسبورغ مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام حتى وقوع عمليات انتقامية بين أصحاب اللحى، وأدت إلى مقتل اثنين من شباب ستراسبورغ. أحس ستة من شباب ستراسبورغ بالخوف بعد هذه العمليات الانتقامية، وانسحبوا إلى خلف الحدود التركية. قال أحد ضباط الاستخبارات الفرنسية: " لسوء حظهم، إذا كان حرس الحدود الأتراك يغضون الطرف عمداً عندما يدخل الإسلامويون إلى سورية، فإنهم أكثر انتباهاً بكثير عندما يريد الإسلاميون نفسهم العودة إلى بلادهم". اعتقلت تركيا الشباب الستة من مدينة ستراسبورغ، وطردتهم باتجاه فرنسا، ولكن بعد أن حذرت شرطة مكافحة الإرهاب الفرنسية بوصولهم.
     عاد الجهاديون المبتدئون إلى فرنسا في بداية شهر نيسان، ووضعتهم شرطة مكافحة الإرهاب تحت رقابة دقيقة وسرية. قال مصدر مقرب من التحقيق: "أظهرت عمليات التنصت أنهم ما زالوا مرتبطين جداً وراديكاليين. بعد مرور شهر، كانت هناك خشية من قيامهم بالسعي إلى تشكيل خلية هنا، وقررنا اعتقالهم لمعرفة ماذا سيقولون عن مراد فارس الذي قام بتجنيدهم". لم يتم العثور على أي سلاح أو مشروع للقيام بعملية تفجير. قال أحد قضاة مكافحة الإرهاب: "عندما يعود الجهاديون إلى فرنسا، سنقبض عليهم في لحظة أو أخرى". يعمل مراد فارس حالياً على اعداد فيلم جديد للدعاية المضللة خلال الشهر القادم.