الصفحات

الثلاثاء، ٧ تموز ٢٠١٥

(التفكك في مكافحة الجهاد)

     يبدو أن صحيفة اللوموند بدأت تدرك خطورة انزلاقها مع "المحور السني" العربي، وتأثير ذلك على مصداقيتها كصحيفة تدافع عن الديموقراطية حقوق الإنسان والمرأة. يظهر هذا التغير من خلال بعض المقالات التي نشرتها خلال الأسابيع الماضية ولاسيما افتتاحية العدد المؤرخ بـ 3 حزيران 2015. هل السبب هو عدم وجود رئيس تحرير رسمي للصحيفة منذ استقالة آخر رئيسة تحرير ناتالي نوغايرد في شهر أيار 2014  وحتى تعيين جيروم فينوغليو Jérôme Fenoglio رئيساً لتحرير  الصحيفة بتاريخ 30 حزيران 2015؟ أم أنه تغير داخل الصحيفة؟ أم أنه محاولة للابتعاد قليلاً عن السياسة الخارجية الفرنسية الرسمية التي ترتكز بشكل كامل على ممالك الخليج؟ بانتظار الأيام والمقالات القادمة...

(التفكك في مكافحة الجهاد)
افتتاحية صحيفة اللوموند 3 حزيران 2015

     إنه ليس تحالفاً الذي يجتمع في باريس يوم الثلاثاء 2 حزيران باسم مكافحة الدولة الإسلامية، بل هو مجموعة غريبة تختلط فيها المصالح المتعارضة ولا تملك استراتيجية مشتركة، الأمر الذي يضمن أياماً مشرقة أخرى للجهاديين في العراق وليبيا وسورية ومناطق أخرى. تدّعي اثنتان وعشرون دولة برعاية الولايات المتحدة أنها نقطة انطلاق المعركة الجارية ضد الدولة الإسلامية، ولكنهم يتداعون تحت وطأة التناقضات والكثير من اللا واقعية والنفاق.
     ولدت الدولة الإسلامية من انهيار الدولة العراقية، هدية جورج بوش الابن، ثم سيطرت الأغلبية الشيعية العربية على ما تبقى من البلد. تقوم الفصائل الشيعية في السلطة ببغداد بتعذيب الأقلية السنية العربية. تزدهر الدولة الإسلامية على أرضية هذه المعركة الطائفية، وتقدم نفسها بنجاح كمدافع عن السنة، وتستفيد من الدعم الأساسي وكفاءات الأطر المدنية والعسكرية للنظام السابق. إن الدولة الإسلامية هي الجهاد بالإضافة إلى البعث. ما زالت حرب عام 2003 مستمرة.
     شنت الولايات المتحدة منذ عشرة أشهر أكثر من أربع آلاف غارة جوية ضد الدولة الإسلامية. حققت هذه الغارات بعض النجاح، ولكنها لم تنجح في إضعاف هذه المجموعة التي استولت مؤخراً على مدينة الرمادي في العراق ومدينة تدمر في سورية. إن المشكلة سياسية أكثر منها عسكرية. يمكن استعادة السيطرة بسرعة على المدن التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية عبر القصف المكثف، ولكن ما دام نظام بغداد يرفض تقاسم السلطة مع السنة، فإن تهميش السنة سيُبقي على تمرد الجهاديين وسينبثق في مكان آخر.
     تملك الدولة الإسلامية احتياطياً لا ينفذ من المقاتلين الذين يأتي جزء منهم بفضل السعودية التي تتحالف مع فرنسا وتدعي أنها في طليعة المعركة ضد الجهاديين. التفسير: تشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف أعضائها ـ أي مئة وعشرة بلدان ـ يزودون الدولة الإسلامية بالمقاتلين (إن عدد الدول التي تزود القبعات الزرق أقل بكثير). من هم؟ إنهم شباب جاؤوا من أفريقيا وآسيا والعالم العربي وأوروبا، واعتنقوا جميعهم العقيدة السلفية التي تمثل النسخة الفاسدة من الإسلام الذي تنشره السعودية في جميع أنحاء العالم منذ عدة سنوات.
     هناك تناقضات أخرى: على الصعيد الميداني في العراق، إن أكثر الذين ساهموا في كبح تقدم الدولة الإسلامية هم إيران والميلشيات الشيعية التابعة لها والأكراد. إنهم ليسوا في باريس، لماذا؟ لأنه قبل مكافحة الدولة الإسلامية، تريد السعودية وبقية دول الخليج إعطاء الأولوية إلى كبح التوسع الإيراني. إن الدولة الإسلامية أمر ثانوي بالنسبة لهم. في سورية، ليس نظام دمشق الذي يقف في المقدمة لمكافحة الدولة الإسلامية، بل تحالف بين عدة مجموعات تسيطر عليها جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة!
     الأمر الوحيد الواضح هو أن وسائل تدخل الدول الغربية محدودة، لأنها لا تتمتع بالشعبية في هذه المنطقة بشكل عام، ولأن مجرد وجودهم العسكري يملؤ صفوف الجهاديين بالمقاتلين. لا يتم اتخاذ قرار مكافحة الدولة الإسلامية في باريس أو واشنطن بقدر ما يتم بين النظامين الدينيين الذين يتواجهان في الشرق الأوسط: إيران والسعودية. يجب أن يتركز الجزء الأساسي من الجهود الدبلوماسية على دفعهما باتجاه فتح حوار سياسي ـ استراتيجي. بانتظار ذلك، يجب العيش على وتيرة حرب استنزاف طويلة ضد الجهاديين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق