الصفحات

الثلاثاء، ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٥

أوروبا والشراكة الأمريكية مع اليابان وعشرة دول آسيوية أخرى في المحيط الهادي

المدونة: تستمر الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. بدأت الصين مشروع طريق الحرير الجديد وأسست المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية، وردت الولايات المتحدة بالتوقيع على اتفاقية الشراكة مع اليابان وعشرة دول آسيوية أخرى عبر المحيط الهادي، بالإضافة إلى المفاوضات المستمرة بين الولايات المتحدة وأوروبا للتوقيع على اتفاقية شراكة مماثلة.

افتتاحية اللوموند 9 تشرين الأول 2015
     تم التوقيع يوم الاثنين 5 تشرين  الأول 2015 على اتفاقية الشراكة الأمريكية مع اليابان وعشرة دول أخرى على المحيط الهادي (شراكة المحيط الهادي ـ Partenariat Transpacifique). ستكون هذه الشراكة أكبر اتفاقية تجارية تم التوصل إليها حتى اليوم في حال مصادقة برلمانات الدول الموقعة عليها.. تمثل الدول الموقعة عليها 40 % من التجارة العالمية. إن أوروبا معنية بهذه الاتفاقية سواء رضيت أم لم ترض. لم يكن التوقيع على هذه الشراكة سهلاً، واستغرقت مفاوضاتها عدة سنوات بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا وتشيلي والمكسيك والبيرو وبروناي وماليزيا وفييتنام وسنغافورة واستراليا ونيوزنلندة.
     أطلق الرئيس الأمريكي باراك أوباما فكرة إقامة شراكة مزدوجة في بداية ولايته الأولى: الأولى، تربط الولايات المتحدة مع منطقة المحيط الهادي؛ والثانية، تربط الولايات المتحدة مع أوروبا. إن هذه الشراكة المزدوجة هي إحدى أهم محاور دبلوماسية الرئيس الأمريكي. تشكل شراكة المحيط الهادي ما يسميه باراك أوباما بـ "الانعطاف" الأمريكي باتجاه آسيا. تؤكد شراكة المحيط الهادي على الإرادة الأمريكية بالبقاء قوة عظمى في المحيط الهادي من أجل مواجهة الصين التي أظهرت إرادتها في الهيمنة على هذه المنطقة الأكثر نمواً في العالم. لم يتم توجيه الدعوة إلى الصين للانضمام إلى هذه الشراكة، على الرغم من أنها الشريك التجاري الأول للدول الأعضاء في شراكة المحيط الهادي.
    ما زال نص شراكة المحيط الهادي غير معروف بشكل كامل، لكن خطوطه العريضة معروفة. هناك تخفيض عام في التعرفة الجمركية لآلاف المنتجات والخدمات في جميع القطاعات (وحتى الزراعية منها). هناك اتفاق حول طريقة تسوية النزاعات بين المستثمرين الخاصين والحكومات. يعتقد أغلب الاقتصاديين أن المكاسب المنتظرة المتعلقة بالنمو والعمالة ستكون ضيئلة.
     تعتمد شراكة المحيط الهادي بشكل أساسي على المعايير التي تُلزم الموقعين عليها في مجالات البيئة وقانون العمل وحماية الملكية الفكرية والقواعد الصحية. إن مستوى هذه المعايير أعلى من مستواها في الصين. تعتبر واشنطن أنه إذا توصلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التوقيع على اتفاقية من النوع نفسه ـ يجري حالياً التفاوض بينهما حول الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار ـ ، فإن الصين ستكون مجبرة على الالتزام بهذه المعايير. إذا لم تلتزم الصين بهذه المعايير، فإنها هي التي ستفرض معاييرها الأقل تشدداً بكثير على التجارة العالمية، سواء فيما يتعلق بقانون العمل أو الملكية الفكرية أو الحفاظ على الطبيعة.
     ستحتدم النقاشات في الكونغرس الأمريكي والبرلمان الياباني بشكل خاص. يرتاب قسم كبير من الحزب الديموقراطي الأمريكي بالمزايا الحالية لمثل هذه المرحلة الجديدة من تحرير التجارة، ويبرزون مخاطر حصول موجة أخرى من إغلاق المعامل الأمريكية وانتقالها إلى دول أخرى. يطرح المعارضون لهذه الشراكة المسألة المتعلقة بقدرة الولايات المتحدة على فرض احترام المعايير الجديدة على دول مثل فييتنام وماليزيا في مجال قانون العمل والبيئة، ويخشون من توجيه ضربة جديدة إلى الطبقة المتوسطة الأمريكية التي تعاني سلفاً من العولمة الاقتصادية.
    

     

الاثنين، ٢٨ أيلول ٢٠١٥

(كيف ستكون دولة إسرائيل بعد عشرين عاماً؟)

صحيفة الفيغارو 14 أيلول مقالاً 2015 بقلم مراسلها في إسرائيل سيريل لوي Cyrille Louis

     يمثل العامل السكاني في إسرائيل موضوعاً متفجراً أكثر من أي بلد آخر. يتطرق البعض إلى هذا الموضوع لكي يتنبأ بإقامة حكم ديني يُسيطر عليه اليهود المتطرفون. يستخدم البعض الآخر هذا الموضوع لإدانة النفوذ المتزايد لـ "الطابور الخامس" العربي. ينظر الجميع إلى هذا الموضوع بالشكل الذي يلائمه لكي يؤكد قراءته للنزاع مع الفلسطينيين. قال الأستاذ في الجامعة العبرية في إسرائيل سيرجيو ديلابيرغولا Sergio DellaPergola متأسفاً: "تنظر أغلبية الطبقة السياسية إلى أعمالنا من زاوية إيديولوجية بحتة"، ودعا إلى دراسة موضوعية حول تأثير التقلبات التي حصلت خلال العقود الأخيرة على تركيبة المجتمع الإسرائيلي. كما قال رئيس الدولة الإسرائيلية روفين ريفلين Reuven Rivlin: "نحن نتحدث عن تحولات ستُعيد هيكلة هويتنا نفسها"، ودعا مواطنيه إلى "مواجهة ما يجب تسميته بنظام إسرائيلي جديد".
     ماذا بقي من الصهيونية العلمانية التي دافع دافيد بن غوريون عنها؟ إن المشروع الأصلي لمؤسس إسرائيل كان إقامة دولة عصرية واشتراكية وبعيدة عن الطابع الديني، ولكنه سيجد اليوم صعوبة في التعرف على الدولة التي  أسسها. شهد هذا البلد الصغير تقلبات هائلة خلال سبعين عاماً، وتأثر بموجات الهجرة المتتابعة القادمة من شمال أفريقيا في الخمسينيات، ثم من الاتحاد السوفييتي خلال التسعينيات، كما تأثر بالتزايد الكبير للسكان العرب الذين بقوا في منازلهم بعد حرب عام 1948. لقد تغير وجه المجتمع الإسرائيلي. تتصف النخبة الأشكنازية بالعلمانية، وجسدت في الماضي "الأرستقراطية" الصهيونية، ويجب عليها التعامل اليوم مع بقية المجموعات الاجتماعية التي وسعت نفوذها تدريجياً حتى أصبحت تهدد هيمنة النخبة الأشكنازية. إن الأقلية اليهودية المتطرفة Haredi التي تنبأ بن غوريون بحتمية انصهارها في الوطن القومي، ستُشكل أكثر من ربع الشعب الإسرائيلي في منتصف القرن الواحد والعشرين. إن حجم الأقلية العربية التي لا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية، أقل بقليل من الأقلية اليهودية المتطرفة. لن تصل نسبة أنصار الدولة العلمانية والليبرالية إلى أكثر من ثلث السكان، ويمارس بعضهم طقوس الديانة اليهودية بشكل شخصي، لكنهم يرغبون بفرض القيود عليها في الأماكن العامة. إن الصهاينة المتدينين مقتنعون بأن إقامة الوطن القومي لليهود على أرض إسرائيل القديمة هو تعبير عن إرادة إلهية، و وتتجاوز نسبتهم الـ 15 % من السكان.
     تتعايش هذه "القبائل" الأربعة، كما أسماها الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين مؤخراً، ولكنها لا تتفاعل مع بعضها البعض. بنت كل قبيلة مدارسها، وأسست وسائل إعلامها ومدنها ومشاريعها السياسية. قال رئيس الدولة: "لنأخذ طفلاً من بيت إل Beit El (مستوطنة صهيونية متدينة في الضفة الغربية) ومن مدينة رهط (مدينة عربية في صحراء النقب)، ومن هرتزليا (مدينة غنية في شمال تل أبيب)، ومن بيتار إيليت Beitar Illit (مستوطنة لليهود المتطرفين)، ليس فقط إنهم لا يعيشوا إلى جانب بعضهم البعض، بل تعلموا أيضاً قيماً ومفاهيم مختلفة جذرياً عن دولة إسرائيل".
    هل سيتمكن الاقتصاد الإسرائيلي من التغلب على مثل هذه "الثورة"السكانية؟ يتنبأ أغلب المحللين أن هذه التحولات ستؤثر في النهاية بشكل ملموس على النمو الاقتصادي (أكثر من 3 % حالياً) وعلى موازنة دولة إسرائيل. إن الجزئين اللذين يتزايد عددهما بشكل أسرع داخل المجتمع (أي الأقلية اليهودية المتطرفة والعرب) هم الاقل اندماجاً في سوق العمل. قال المدير العام السابق لوزارة الاقتصاد أفي بن باساط Avi Ben Bassat: "إن المشكلة أكثر حدة لدى الرجال المتدينين المتطرفين (يعمل 46 % منهم فقط) الذين تُملي عليهم قناعاتهم الدينية تفضيل دراسة التوراة، وذلك الأمر بالنسبة للنساء العربيات (58 %) اللواتي يشجعهن العرف الاجتماعي على البقاء في المنزل". إن النتيجة الطبيعية المتوقعة لهذا الوضع هي ارتفاع نسبة الفقر كثيراً لدى الأقلية اليهودية المتطرفة (52 %) ولدى العرب (53 %) بالمقارنة مع بقية السكان (17 %). بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الكثيرون أن درجة الاعتماد على المساعدات الاجتماعية المخصصة للعائلات الكبيرة الحجم لدى المتطرفين اليهود تؤثر تلقائياً على الإنفاق العام.
     لكن التوافق يتفتت عندما يتعلق الأمر بتحديد العلاج لهذه المشاكل. قال آفي بن باساط: "يجب حث هؤلاء السكان بشكل فعلي على الانخراط في سوق العمل"، ونصح بـ "تعليق المساعدات المقدمة إلى أولئك الذين يرفضون العمل عن قناعة، وإيقاف تمويل المدارس التلمودية عندما ترفض تعليم المواد العامة". ينصح البعض الآخر بالتركيز على مكافحة التمييز في دخول سوق العمل، ويحذرون من مقاربة مفرطة في القسوة بشكل يهدد بإثارة غضب المعنيين. اعتبر سيرجيو ديلابيرغولا أنه "يجب التصرف بهدوء وحذر لمواكبة عملية الاندماج التي بدأتها هذه المجموعات بنفسها"، ودعا إلى عدم التركيز على النقاط السوداء مؤكداً أنه "يمكن تبني فرضية أن هذا التوجه نحو سوق العمل سيترافق في النهاية مع انخفاض نسبة الولادة".
     هل يمكن أن تكون "إسرائيل الكبرى" يهودية وديموقراطية في آن معاً؟ إن العامل السكاني سيُجبر المسؤولين الإسرائيليين عاجلاً أم آجلاً على التعبير عن موقفهم تجاه ملايين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتهم، إلا إذا أدت المفاوضات غير المتوقعة إلى إقامة دولة دائمة وذات سيادة في الضفة الغربية بشكل سريع. إن الحكم الذاتي النسبي الذي يتمتع به الفلسطينيون منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993 لا يمكن تمديده إلى الأبد في ظل غياب الأفق السياسي. إذاً، يجب على الدولة العبرية أن تقول فيما إذا كانت ستمنحهم المواطنة الكاملة مع خطر تحولهم إلى الأغلبية في إسرائيل. يتمتع السكان العرب في أراضي فلسطين التاريخية (أي في إسرائيل وقطاع غزة والضفة الغربية) بديناميكية كبيرة على الصعيد السكاني، ويعادل عددهم حالياً عدد السكان اليهود (أي 6.3 مليون نسمة لكل منهما). يرفض أغلب الإسرائيليين هذه الأرقام، ويؤكدون أن سكان قطاع غزة (1.8 مليون نسمة) لا يعيشوا رسمياً تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي الذي قرره أرييل شارون عام 2005. لكنهم ينسون بسرعة أن سكان قطاع غزة ما زالوا خاضعين لحصار صارم، ولم يتخلوا إطلاقاً عن المشاركة في دولة واحدة مع فلسطينيي الضفة الغربية والقدس الشرقية. على المدى الطويل الأجل، من غير المستبعد أن يصبح عدد السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل معادلاً لعدد السكان اليهود.
     على الرغم من هذا الأفق، ما زال قادة اليمين الإسرائيلي القومي المتطرف يدعون إلى ضم الفلسطينيين ودمجهم داخل "إسرائيل الكبرى". ينصح البعض منهم بأن يستفيد العرب المقيمين فيها من المساواة في الحقوق، ولكن دون أن يتمكنوا من التصويت في الانتخابات الوطنية. يراهن البعض الآخر على معدل الولادة الذي ينخفض حالياً من أجل الحفاظ على الهيمنة السكانية اليهودية.
     ما هو العقد الاجتماعي من أجل إسرائيل في القرن الواحد والعشرين؟ إذا تحققت التوقعات السكانية، فإن الصهيونية ستصبح أقلية إيديولوجية خلال عشرين عاماً. وافق أغلب اليهود المتطرفين والعرب على وجود الدولة العبرية، لكن الصلة التي تربط بينهما داخل هذه الدولة ما زالت غير موجودة. قال الباحث في مركز مجموعة الأزمات الدولية أوفر زالزبيرغ Ofer Zalzberg: "إنهم لا يؤدوا الخدمة العسكرية، ولا يرددوا النشيد الوطني، ولا يحيوا العلم"، واعتبر أن هذه المعطيات الجديدة ستفرض نفسها عاجلاً أم آجلاً على المجتمع الإسرائيلي لكي يفكر بـ "بعض التغييرات الجذرية" إذا لم يكن يريد انفجار هذا المجتمع. أضاف أوفر زالزبيرغ قائلاً: "إن جزء كبيراً من السكان، ولاسيما اليسار الصهيوني والعلماني، يفضلون غض النظر بدلاً من الاعتراف بأن العقد الاجتماعي في طور التقادم". حاول الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين في كلمته أمام مؤتمر هرتزليا الخامس عشر في بداية شهر حزيران إثارة الوعي، وتساءل قائلاً: "هل هناك قاسم مشترك في القيم بشكل يسمح بصهر هذه "القبائل" المختلفة حول دولة يهودية وديموقراطية في آن واحد؟" مدركاً أن الجواب ليس بهذه السهولة.
     هناك الكثير من خطوط الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي: العرب ضد اليهود، العلمانيون ضد المتدينون، أنصار "إسرائيل الكبرى" ضد أنصار الحل القائم على أساس دولتين. يتنبأ بعض المراقبين المتشائمين بأن هذه الانتقسامات ستتعمق حكماً. يعتبر أوفر زالزبيرغ أن "المعطيات السكانية الجديدة ستُجبر هذه "القبائل" على تصور تحالفات جديدة من أجل التفكير بشكل جماعي بهوية مشتركة".


الجمعة، ١٨ أيلول ٢٠١٥

(الرياض تهدم "اليمن السعيد")

صحيفة الليبراسيون 11 أيلول 2015 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     لا شك أن المتمردين الحوثيين هم مجانين هائجين ومتعصبين، ولا شك أن حلفائهم في رجال الحرس الجمهوري للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ليسوا أفضل منهم. إن ذلك ليس سبباً يسمح للسعودية وشركائها العرب بتجويع السكان في المناطق المتمردة عبر حجز السفن التي تحمل المؤن (يستورد اليمن 90 % من غذائه)، ولا بقصف هذا البلد البائس دون تمييز بين المدنيين والمتمردين. إن التحالف العربي لا يغتال فقط حاضر ومستقبل هذا البلد، بل يغتال ماضيه أيضاً. الدليل على ذلك هو أن الطائرات السعودية F16 استهدفت أيضاً المواقع الأثرية بشكل واسع. تعرض واحد وثلاثون موقعاً أثرياً للقصف خلال شهر حزيران، بالإضافة إلى المواقع الموجودة في منطقتي صعدة وحجة اللتين لا يُعرف عنهما شيئاً، وربما دمرتهما القنابل بشكل كامل.
     إن التدمير الأكثر فداحة هو تدمير متحف الذمار الذي يضم قطع أثرية يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد. قالت عالمة الآثار الأمريكية ـ اللبنانية لمياء الخالدي التي تعمل في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية: "تم تدمير هذا المتحف بشكل كامل عبر القصف الجوي. تم تدمير كل شيء خلال عدة دقائق، ولاسيما العمل الذي لا يُعوّض للحرفيين القدامى والكتبة الناسخين بالإضافة إلى جهود الباحثين الأجانب الذين أمضوا عدة سنوات من حياتهم في دراسة هذا الإرث والحفاظ عليه. حوّلت الطائرات السعودية هذا المتحف والقطع الأثرية التي يحويها (12500 قطعة أثرية) إلى أنقاض". أشار مدير المنظمة اليمنية للآثار والمتاحف مهند السياني إلى أن خمسة وعشرين موقعاً وصرحاً أثرياً تهدم أو تضرر منذ بداية النزاع في شهر آذار 2015.
     تتمثل الكارثة الأخرى في تدمير سد مأرب المشهور في المدينة الأسطورية للملكة سبأ، هذا السد الذي بُني في الألف الأولى قبل الميلاد، وبقي يعمل حتى القرن السادس. قالت لمياء الخالدي: "تعرّض السد للقصف بتاريخ 31 أيار، وتضرر بشكل خطير. لم يكن هناك أي سبب لقصف هذا الصرح التاريخي. إنه ليس هدفاً عسكرياً، ويقع في منطقة صحراوية على ضفة صحراء رملة السبعتين، ولا يتمتع بأية أهمية استراتيجية... إن تدنيس هذه المواقع والصروح الأثرية، وتدمير البنى التحتية للمدن الأثرية اليمنية، يُعبّر عن الإرادة الممنهجة والمقصودة بتدمير الإرث اليمني العالمي".
     إن ما يجري مع المواقع الأثرية اليمنية يشبه ما تقوم به الدولة الإسلامية في المواقع الأثرية بتدمر ونينوى. تحاول السعودية ببساطة إزالة الماضي الشهير لليمن السعيد قديماً. كما لو كانت إهانة أن يكون مهد الإنسانية على حدودها، كما لو كانت عقدة دونية ثقافية بالنسبة لبلد الوحي القرآني، هذا البلد الذي أزال أنقاضه التاريخية ومعابده وكنائسه والكنائس اليهودية لعصور ما قبل الإسلام.
     بالتأكيد، إن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على كبح مثل هذه الكارثة الثقافية. لكن يجب أيضاً على فرنسا، الصديقة الكبيرة للقادة السعوديين, أن تهتم بهذا الموضوع، وتحثهم على الاعتدال. للأسف، إن قادتنا مهتمون ببيع طائرات الرافال، وتوقفوا عن القراءة. لو قرأوا، كانوا سيتذكرون أن جزءاً من خيالنا الأدبي موجود في اليمن. كتب الكثير من الأدباء الفرنسيين صفحات رائعة عن هذا البلد، مثل: رامبو وجوزيف كيسيل وأندريه مالرو ورومان غاري وميشيل ديون وبول نيزان وهنري دونفريد.


الجمعة، ١١ أيلول ٢٠١٥

(إسرائيل تتزود بالنفط من أكراد العراق)

صحيفة اللوموند 29 آب 2015 بقلم لوي أمبير Louis Imbert

     تشتري إسرائيل كميات كبيرة من النفط من إقليم كردستان العراقي منذ عدة أشهر، وذلك عبر بعض الشركات التجارية الدولية وبدون موافقة السلطات في بغداد. إن هذه المبيعات التي ربما حصلت بأسعار مخفضة تهدد بإفساد العلاقات بين المنطقة الكردية والحكومة المركزية، نظراً لأن الشركة الحكومية SOMO هي الوحيدة المخولة ببيع النفط العراقي. حصلت هذه المبيعات في الوقت الذي يغرق فيه إقليم كردستان العراقي في أزمة سياسية ومالية خطيرة، كما تواجه بغداد صعوبات كبيرة في مكافحة منظمة الدولة الإسلامية.
     أشارت الفايننشال تايمز نقلاً عن مصادر مجهولة داخل الشركات التجارية وشركات النقل إلى أن هذه المبيعات بلغت حوالي تسعة عشرة  مليون برميل نفط بين بداية شهر أيار و11 آب. تبلغ قيمة هذه المبيعات حوالي تسعمائة مليون يورو بأسعار السوق خلال الفترة المذكورة، أي ما يعادل 77 % من متوسط الطلب الإسرائيلي. تبقى هذه الأرقام موضع شك، ولكن هذه النزعة مؤكدة. بدأت عمليات التسليم في بداية العام بعد فترة قصيرة من التوقيع على اتفاق النفط والموازنة بين بغداد وأربيل التي تمثل مقر حكومة إقليم كردستان، ولكن الطرفين سرعان ما جمدا هذا الاتفاق. تسارع تصدير النفط الكردي ـ العراقي خلال الأشهر الأخيرة.
     يمر هذا النفط عبر خط الأنابيب الذي يصل حتى ميناء سيحان التركي على البحر المتوسط. تقوم تركيا بتسهيل عمل هذا الخط منذ فترة طويلة، وفتحت حساباً مصرفياً لأربيل في المصرف الحكومي التركي HALK، وتقوم بتخزين النفط الكردي بانتظار المشترين. تشير المعلومات إلى أن بعض الشركات التجارية المسجلة في سويسرا  مثل شركتي Vitol وTrafigura تقوم بدور الوسيط، وهي تُعتبر من الشركات القليلة القادرة لوحدها على توفير الخدمات اللوجستية الضرورية لمثل هذه المبيعات السرية.
     حاولت أربيل القيام بمثل هذه المبيعات عام 2014، ولكنها تعرقلت بسبب الدعاوى القضائية التي رفعتها بغداد داخل ولاية تكساس الأمريكية وفي العديد من الدول الأوروبية. قال مدير شركة الاستشارات النفطية بيتروستراتيجي Pétrostratégie بيير تيرزيان Pierre Terzian: "يسعى الأكراد إلى تجنب الملاحقات القضائية التي تمثل مشكلة تطرح نفسها على أغلب المشترين. إن البلد الوحيد القادر على تجنب الملاحقات القضائية هو إسرائيل. من الصعب رؤية أن يقوم العراق بملاحقة المشترين قضائياً داخل إسرائيل". تقوم إسرائيل بمساعدة حليف إقليمي، وتؤمن لنفسها مصدراً ثميناً للنفط. قال الباحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية CNRS هوشام داود Hosham Dawod: "لا تخف إسرائيل أهدافها الساعية إلى تشجيع استقلال كردستان، إنه استثمار سياسي مباشر".
     أشارت الفايننشال تايمز إلى أن العديد من  الشركات الأوروبية تشتري النفط الخام الكردي ـ العراقي: في إيطاليا واليونان وقبرص وبدرجة أقل في فرنسا. لم ترد وزارة الخارجية الفرنسية على سؤال لتأكيد هذه المعلومات. اعتبر مدير مجلة  النفط والغاز العربي Pétrole et Gaz arabes فرانسيس بيران Francis Perrin أنه إذا تأكدت صحة هذه المعلومات "فإن فرنسا تعرف بالتأكيد من أي يأتي هذا النفط. ولكن يمكنها القول أن ذلك ليس مشكلتها نظراً لأن النفط يمر عبر شركة سمسرة وسيطة".
     استدانت أربيل الكثير من الأموال من الشركات النفطية الأجنبية التي استثمرت في البنى التحتية داخل المنطقة الكردية. يسعى مسعود بارزاني حالياً إلى أن يفرض تمديد ولايته الرئاسية التي حصل عليها عام 2013 لمدة عامين تحت ذريعة أنه لا يمكن تنظيم الانتخابات في الوقت الحالي. قال الباحث هوشام داود: "هناك أزمة حادة حول الرئاسة وصلاحياتها التي تعتبرها الأحزاب الأخرى بأنه مُفرطة جداً. تتمثل إحدى هذه الصلاحيات بتحديد السياسة النفطية بدون مشاورات داخلية، الأمر الذي تسبب بخلق أزمات متكررة مع بغداد وبقية دول المنطقة". ربما تتفاقم هذه التوترات، وتتحول إلى مواجهات مسلحة بين الأحزاب الكردية على الرغم من قرب التهديد الجهادي.




الثلاثاء، ١ أيلول ٢٠١٥

(الصين: طريق الحرير الجديد)

صحيفة اللوموند 16 ـ 17 آب 2015 بقلم مراسلها الخاص في كازاخستان بينوا فيتكين Benoït Vitkine

     تريد الصين توسيع نفوذها في كازاخستان وبقية دول آسيا الوسطى عبر الاستثمارات الضخمة في مشاريع البنية التحتية التي ستسمح لها بالتحكم في صادراتها إلى أوروبا بشكل أفضل. إنه رهان جيوسياسي أساسي بالنسبة لبكين.
     ستصبح كازاخستان مركزاً حيوياً هاماً للعولمة خلال السنوات القادمة، وذلك بعد أن كانت خلال سنوات عديدة مكاناً تتواجه فيه امبراطوريتان هما: الاتحاد السوفييتي وجمهورية الصين الشعبية. بدأ بناء المستودعات في منطقة قورغاس Khorgos الواقعة على الحدود بين الصين وكازاخستان. توجد ستة مسارات للسكك الحديدية: ثلاثة مسارات حسب المعايير الصينية، لكي تستخدمها القطارات القادمة من شمال ـ غرب الصين حتى مدينة قورغاس؛ ثم تقوم بإفراغ حمولتها في القطارات الأخرى الواقفة على المسارات الثلاثة الأخرى للسكك الحديدية المبنية حسب المعايير السوفييتية القديمة، لكي تتابع طريقها باتجاه أوروبا. من المفترض أن يبدأ تشغيل السكك الحديدية الأولى خلال هذا العام عبر روسيا أولاً، ثم عبر محاور أخرى لاحقاً هي: المحور الغربي باتجاه بحر قزوين، والمحور الجنوبي باتجاه تركمانستان وإيران وتركيا.
     في الوقت الحالي، يوجد خط حديدي واحد يربط الصين بأوروبا، وهو يمر على بعد عدة كيلومترات شمال قورغاس قبل أن يغير اتجاهه نحو روسيا، لكي يصل في النهاية إلى مدينة دويسبورغ Duisbourg الألمانية. تستغرق رحلة هذا الخط الحديدي أربعة عشرة يوماً، مقابل حوالي الشهرين بالنسبة للطريق البحري. ما زالت كلفة الشحن بالقطارات أكبر بضعفين، ولكن سرعة التسليم أصبحت معياراً هاماً بالنسبة لبعض البضائع ولاسيما الالكترونية منها. ستصبح السكك الحديدية مربحة عندما يبدأ الأوروبيون باستخدام القطارات العائدة لإرسال بضائعهم إلى المستهلكين الصينيين. بدأ أيضاً تعبيد الطرقات في كل مكان على امتداد آلاف الكيلومترات، وتعمل الجرافات الصينية حالياً في الطريق المؤدي إلى عاصمة كازاخستان الاقتصادية ألماتي Almaty. إنها بداية الطريق السريع البري المستقبلي بين غرب الصين وأوروبا الغربية.
     يُطلق على جميع هذه المشاريع اسم "طريق الحرير الجديد"، وهو تعبير قامت الصين بتحديثه في إشارة إلى شبكة الطرق البرية التجارية التي كانت تربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا خلال قرون عديدة. كانت منطقة قورغاس تمثل مرحلة هامة منذ وقت طويل، وستصبح قريباً مركزاً أساسياً في التجارة العالمية. يذهب المشروع الصيني إلى ما هو أبعد من كازاخستان، قال الدبلوماسي الصيني  Wu Jianmin أحد المسؤولين عن تشجيع الطموحات الصينية: "العالم بحاجة إلى النمو في آسيا. توجد ثلاثة مراكز عالمية يجب ربطها مع بعضها البعض هي: أوروبا التي تمثل بؤرة الأزمة المالية والمستهلك الأكبر للانتاج الصيني، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتبارهما بؤرة النزاعات وانتاج الطاقة، وآسيا الشرقية التي تمثل بؤرة النمو العالمي". يهدف هذا المشروع أيضاً إلى نشر الاستقرار لدى الدول المجاورة للصين.
     يشمل "طريق الحرير الجديد" مساراً بحرياً وآخر برياً. بدأت الصين بتوسيع شبكتها باتجاه المحيط الهادي ومنغوليا وجنوب آسيا... أعلن الرئيس الصيني شي جينغ بينغ في منتصف شهر نيسان عن خطة استثمارية في الباكستان قدرها 46 مليار دولار من أجل المساهمة في تطوير البلد وضمان طريق آمن باتجاه مرفأ غوادر Gwadar الذي يمثل المدخل الصيني في المحيط الهندي. من المفترض أن يكون المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية أحد المساهمين الأساسيين في هذا المشروع. تم تدشين هذا المصرف في شهر تشرين الأول 2014، وتبلغ موازنته مئة مليار دولار. قال الباحث والدبلوماسي الفرنسي ميشيل فوشيه Michel Foucher الذي كان من أوائل الذين درسوا المشاريع الصينية بخصوص البنى التحتية: "ينظر الصينيون بشكل شمولي كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، ولكنهم ينظرون إلى السنوات الخمسين القادمة. لم ينته الاعداد لمفهوم (طريق الحرير) بشكل كامل، ولكنه يتجاوز مسألة النقل، وينوي إقامة ممر استثماري يبدأ من الصين لكي يسمح لها بدخول الدول المعنية".
     تحتل كازاخستان المكانة الأولى في هذا المشروع الصيني نظراً لموقعها الجغرافي أولاً، والثروات الطبيعية الهائلة التي تملكها مثل النفط والغاز واليورانيوم وبعض المعادن الأخرى ثانياً. يساهم هذا المشروع أيضاً في تطوير واستقرار منطقة Xinjiang الصينية التي تسكنها أقلية الويغور التركية المسلمة، هذه الأقلية المتذمرة التي تثير قلق بكين. قال ميشيل فوشيه: "ما دامت المسألة الأفغانية لم تجد حلاً، فإن كازاخستان هو البلد الوحيد الذي تعتمد عليه الصين في المنطقة. إن بقية دول آسيا الوسطى في طريق مسدود". تمثل كازاخستان أيضاً مثالاً "للرهان الإقليمي الأكبر". إذا كان المشروع الصيني مبني على بعض التقلبات الجيواستراتيجية الغامضة، ولاسيما فيما يتعلق بإيران أو بصراع النفوذ الحالي مع الولايات المتحدة في المحيط الهادي، فإن كازاخستان أصبحت من الآن فصاعداً ساحة للمواجهة مع روسيا باعتبارها القوة الإقليمية العظمى الأخرى.
     على الرغم من التقارب الأخير بين روسيا والصين، لا تنظر موسكو بعين الرضى إلى المشاريع الصينية في البنى التحتية التي تتجنب أراضيها وربما تؤدي إلى تهميشها. كما لا تشعر موسكو بالارتياح لفكرة ترسيخ الوجود الصيني في منطقة تعتبرها تابعة لمنطقة النفوذ الروسي. نظم المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في شهر كانون الأول 2014 مؤتمر World Policy Conference في سيؤول، وجرى فيه حوار بين المندوبين الصيني والروسي يكشف عن طبيعة الرهانات المستقبلية: عندما تحدث المندوب الصيني عن "طريق الحرير الجديد"، رد المندوب الروسي قائلاً: "ليست لدينا إلا فكرة غامضة جداً حول الدور الذي يفترض أن تلعبه روسيا في هذا المشروع. هل سنبقى على جانب الطريق، وننظر إلى القطارات المارة؟ نحن بإمكاننا أن نكون أحد الراكبين في القطار، وربما سائق هذا القطار...". تبدو هذه الفرضية طموحة. بالتأكيد، تتمتع موسكو بالعديد من الميزات في المنطقة مثل استخدام اللغة الروسية. إن العلاقات قديمة، وتكرست مرة أخرى عبر دخول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي حيز التنفيذ في الأول من شهر كانون الثاني. لكن هذه المنظمة ما زالت قوقعة فارغة، والتواجد الروسي يتآكل يوماً بعد يوم بسبب التوسع الصيني.
     تمثل الطاقة إحدى المجالات الرئيسية لهذه المنافسة الروسية ـ الصينية. قال رئيس أهم المصارف الاستثمارية الكازاخستانية Visor Capital عيدان كاريبزهانوف Aïdan Karibzhanov: "انتصر الصينيون في مجال النفط، وما زال الروس يسيطرون على الغاز". لكن الصين على وشك تدارك تأخرها في مجال الغاز مع افتتاح خط أنابيب الغاز بين تركمانستان وكازاخستان والصين عام 2009، وهناك خط أنابيب ينقل النفط بين كازاخستان والصين، بالإضافة إلى مشروع بناء خط أنابيب لنقل النفط لكي يمر في منطقة قورغاس. تميل المنافسة بين روسيا والصين إلى مصلحة الصين بشكل واضح، قال الخبير الكازاخستاني قسطنطين سيروجكين Kostantin Syroïejkine الذي يقدم استشاراته إلى الصين وكازاخستان: "لا يملك الروس الوسائل لمنافسة الصينيين، ولكن ذلك يبعث على المزيد من القلق. كيف ستكون ردة  فعل الروس؟". يخشى القادة الكازاخستانيين من نظرة موسكو لما تعتبره منطقة نفوذها، نظراً للاعتداء الروسي على أوكرانيا.
     بدأ الوجود الصيني يثير المخاوف في دول المنطقة ولاسيما في كازاخستان، وهناك خوف قديم في هذا البلد من الصين. قال قسطنطين سيروجكين: "يدعي الصينيون أنهم اهتمامهم ينحصر في المجال الاقتصادي فقط، ولكن الأمر عندما يتعلق بمشاريع البنى التحتية لوسائل النقل، فإنه يتعلق أيضاً بالناحية الجيوسياسية. يبعث ذلك على خوف بعض السكان وجزء من النخبة الكازاخستانية التي تخشى فقدان السيادة". لهذا السبب، بدأت الصين بتطوير استراتيجية للنفوذ ولـ "القوة الناعمة"، وافتتحت أربعة مراكز كونفوشوسية في كازاخستان، ومنحت أكثر من عشرة آلاف منحة دراسية إلى الشباب الكازاخستانيين من أجل الدراسة في الجامعات الصينية. كما تأسس حولي عشرين معهداً في الصين للدراسات المتخصصة بآسيا الوسطى.
     تعلمت كازاخستان منذ وقت طويل كيفية البحث عن دعم خارجي آخر للتخلص من فكي الكماشة الروسية ـ الصينية. ما زال الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لكازاخستان التي ما زالت تحافظ على علاقات جيدة مع أوروبا والولايات المتحدة. كما تريد كازاخستان أن تفرض رهانها الخاص داخل المشاريع الصينية، وألا تكون مجرد بلد ترانزيت. تستثمر كازاخستان أموالها من أجل الحصول على الحد الأقصى من العوائد المالية الناجمة عن الترانزيت، وتحاول الاندماج داخل الطرق التجارية المستقبلية، وذلك بعكس قيزغيزيستان التي بدأت فيها مشاريع بناء البنى التحتية ولكن برؤوس أموال وعمال صينيين.









الجمعة، ٢١ آب ٢٠١٥

(الملف النووي الإيراني: ماذا يريد نتنياهو؟)

صحيفة الفيغارو 8 آب 2015 ـ بقلم الباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية CNRS ران هاليفي Ran Halévi

     بدأت تتدهور العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض بعد الاتفاق حول الملف النووي الإيراني. كانت هذه العلاقات سيئة منذ انتخاب باراك أوباما، وتحولت إلى مواجهة لا سابق لها. تبذل الحكومة الإسرائيلية كل ما بوسعها لإفشال الرئيس الأمريكي. يبدو أن نتنياهو ما زال متردداً بين شن هجوم إعلامي مدوي في الولايات المتحدة أو حملة إعلانية أكثر حذراً ولكن بالعدائية نفسها لدى أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذين سيصوتون قريباً على اتفاق فيينا.
     في الحالتين، ستكون الأضرار هي نفسها. لا يتعلق الأمر فقط بالعلاقات بين الحكومتين. تتحدث بعض البرقيات المُقلقة التي وصلت إلى القدس عن الحيرة العميقة لدى الطائفة اليهودية الأمريكية التي وقعت بين ارتباطها بالدولة العبرية وولاء أغلبيتها العظمى إلى الرئيس الأمريكي. لا شك أن الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة معرضة لخطر التمزق بشكل أكبر بسبب الحرب السياسية لنتنياهو الذي لا يتردد في التوجه بالحديث مباشرة إليها عبر كلماته المفاجئة وغير الموفقة.
     ما زال نتنياهو جازماً بقوله أن هذا الاتفاق سيء، ويعطي الإيرانيين شيك على بياض للحصول على القنبلة بعد عشر سنوات، ويضع تحت تصرفها الأموال المحجوزة حتى الآن، هذه الأموال التي ستستخدمها طهران من أجل تعزيز قدرتها على إلحاق الضرر في المنطقة. كما يعتبر أنه كان يجب على الدول الغربية تعزيز العقوبات لإخضاع الإيرانيين، وأنه إذا رفض الكونغرس الأمريكي هذا الاتفاق، فإنه سيرغم الإيرانيين على تقديم المزيد من التنازلات.
     رفض المسؤولون الأمريكيون هذه الحجج، ويقولون أن خيار "أفضل الاتفاقات" غير موجود. لقد تنازلت إيران حول بعض المطالب الإسرائيلية الأكثر أهمية. من الوهم الاعتقاد بأن رفض الكونغرس لهذا الاتفاق سيجعله في موقع أفضل، ولن يؤدي ذلك إلا إلى إبعاد الطرفين عن بعضهما البعض لفترة طويلة وعزل الولايات المتحدة على الساحة الدولية وعودة النظام الإيراني إلى السباق نحو السلاح النووي الذي سيحصل عليه خلال عدة أشهر.
     بالتأكيد، يحمل اتفاق فيينا بعض المخاطر الأكيدة ابتداءاً من تحول إيران إلى قوة نووية على المدى الطويل وانتهاءاً بالنقاط الغامضة حول فعالية عمليات التفتيش. من الممكن انتقاد أوباما لأنه انخرط في المفاوضات معطياً الانطباع بأن فشل المفاوضات لم يكن ممكناً، الأمر الذي عزز المواقف الإيرانية. لكن هذه التسوية تبقى اختراقاً هاماً على صعيد المراقبة على الأسلحة، ولها الفضل بأنها موجودة ولاسيما أنه ليس هناك خيار آخر.
     لا يريد نتنياهو سماع ذلك، كما أن الأمر الذي يزيد من خطورة الخلاف مع واشنطن هو الطابع غير المفهوم للأهداف التي يريدها. كان نتنياهو يكرر خلال سنوات عديدة أن حصول إيران على القنبلة النووية سيشكل خطراً قاتلاً على إسرائيل، وأن القضاء على هذا التهديد يمثل الأولوية القصوى. أصبح نتنياهو يطالب اليوم بأن يتضمن الاتفاق اعترافاً إيرانياً بالدولة العبرية، ووقف الدعم الإيراني للإرهاب، وهي أمور مستحبة ولكن لا علاقة لها ببقاء إسرائيل التي تملك جيشاً قوياً. يجب التساؤل فيما إذا نتنياهو يريد حقاً التوصل إلى اتفاق، وذلك في الوقت الذي لا يعترف فيه بأي مخرج آخر غير تفكيك القدرات النووية الإيرانية، وهو أمر بعيد الاحتمال.
     هل يريد نتنياهو إجهاض اتفاق فيينا بمساعدة أصدقائه في الكونغرس، وإعطاء دفعة جديدة للخيار العسكري بسبب الوضع الكارثي الذي سينجم عن إجهاضه؟ من المعروف أن الهجوم العسكري لن يؤدي إلا إلى تأخير البرنامج النووي عدة سنوات، بينما تسمح التسوية الحالية بتأخيره عشر سنوات على الأقل. في الحقيقة، ليس هناك أي شيء واضح في موقف نتنياهو. لكن سلوكه يدفع للحيرة: إن فكرة قيام زعيم دولة حليفة بحملة لدى النواب الأمريكيين والرأي العام الأمريكي ضد الحكومة الأمريكية سيزعج أكثر المخلصين للدولة العبرية في الولايات المتحدة سواء كانوا يهوداً أم لا. أدان اوباما مؤخراً مثل هذا التدخل في الشؤون الداخلية بشكل عنيف وغير معتاد.
     تمثل القضية الإيرانية رهاناً هائلاً بالنسبة لأوباما ونتنياهو معاً: إذا انتصر أوباما في الكونغرس، فإن نتنياهو سيخسر القليل من المصداقية التي ما زال يحظى بها؛ ولكن إذا صوت الكونغرس ضد الرئيس الأمريكي، فإن العالم بأسره سيخسر ابتداءاً من دولة إسرائيل.


الاثنين، ١٧ آب ٢٠١٥

(الملف النووي الإيراني: ماذا بعد الاتفاق؟)

صحيفة الليبراسيون 7 آب 2015 ـ بقلم مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية European council on Foreign Relations مارك ليونارد Marc Leonard

     إذا صادق الكونغرس الأمريكي على الاتفاق مع إيران (وهذا غير مؤكد)، فإنه لن يبعث على الكثير من الأمل بالسلام في المنطقة المشتعلة في ليبيا وسورية واليمن. ما هو تأثير هذا الاتفاق حول الملف النووي على هذه المنطقة المشتعلة؟ يتمثل السيناريو الأكثر كارثية في أن تتصرف إيران كما يحلو لها، وأن يتمكن المرشد الأعلى وحرس الثورة من زرع الفوضى في المنطقة دون رادع. هل سيتمكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من التأثير على السياسة الإيرانية في المنطقة بشكل أكثر فعالية عن طريق "سياسة الانخراط" بدلاً من "سياسة الاحتواء"؟ هل يمكن أن تقوم إيران بدور بناء في المنطقة؟ ما زالت هذه الأسئلة بدون جواب.
     يشعر الذين يزورون طهران بالدهشة من الطابع المعقد جداً للسياسة والمجتمع الإيراني. تكمن المفارقة في أن الثورة الدينية أفرزت المجتمع الأكثر علمانية في المنطقة. إن أكثر من سبعين بالمئة من الإيرانيين ولدوا بعد الثورة الإيرانية، وهم أكثر براغماتية واعتدالاً وانفتاحاً تجاه الغرب بالمقارنة مع بقية الدول في الشرق الأوسط. إذا أردتم فهم انحطاط القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، فيجب الذهاب إلى طهران. أصبحوا قلة نادرة أولئك الذين يهتفون "الموت لأمريكا!"، وعندما نسمع هذا الهتاف، فإنه يعكس الحنين أكثر من كونه صرخة من أجل مستقبل إيران.
     اجتمعت في العام الماضي مع بعض الضباط الإيرانيين الذين أكدوا لي أن الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم أصبحت في طريقها نحو ولادة نظام متعدد الأقطاب. إنهم يعتبرون أن الولايات المتحدة لم تعد الشيطان الأكبر، وأن السعودية هي الشيطان الأكبر. يشتكي الإيرانيون من السعوديين الذين يحفرون الآبار النفطية أكثر فأكثر من أجل تخفيض سعر النفط وإضعاف إيران. كما يشعرون بالقلق من التعاون العسكري المكثف بين دول مجلس التعاون الخليجي، ومن تصاعد قوة السعودية في أفغانستان والعراق ولبنان وسورية. ألاحظ هنا وجود المخاوف نفسها في الرياض. يعيش السعوديون هاجس الخوف من النشاط الإيراني في البحرين والعراق ولبنان وسورية واليمن. تدل هذه المواجهة بين إيران والسعودية على وجود شرق أوسط جديد تتواجه فيه القوى المحلية التي أصبحت مستقلة. لم تعد واشنطن هي التي تحدد وتدافع عن النظام الإقليمي: تُعتبر الولايات المتحدة اليوم كمصدر تستخدمه طهران والرياض في الصراع القائم بينهما. ما هو الدور الذي يمكن أن تأمل به الولايات المتحدة وأوروبا في هذا الشرق الأوسط الجديد؟
     من غير المؤكد أن يصوت الكونغرس على الاتفاق النووي مع إيران، ويجب على أوباما ألا يدخر جهداً من أجل طمأنة الرياض وتل أبيب حول أن الولايات المتحدة لن تتخل عنهما لمصلحة طهران أو لتوجيه اهتمامها نحو آسيا. من الممكن أن تواصل الولايات المتحدة تنسيق ضرباتها مع إيران ضد الدولة الإسلامية في العراق وسورية، ولكنها ستحرص على العمل بحذر لكي لا يتم توجيه الانتقادات لها بأنه متساهلة جداً مع إيران.
     إن الرهانات في هذه المنطقة أكثر أهمية بالنسبة لأوروبا بالمقارنة مع الولايات المتحدة، وهناك عراقيل أقل في علاقات أوروبا مع دول المنطقة. أشار الباحث المتخصص بالشأن الإيراني إيلي جيرانمايه Ellie Geranmayeh في تحليل هام بعنوان: (Engaging with Iran: a european agenda) إلى وجود فرصة تاريخية لبناء استراتيجية إقليمية على أساس الاتفاق المتعلق بالملف النووي الإيراني. تستطيع الممثلة الأوروبية العليا للشؤون الخارجية والأمنية فيدريكا موغريني أن تستفيد من المفاوضات حول الملف النووي من أجل فتح سفارة أوروبا في طهران، والتفكير بالطريقة الملائمة لكي تتمكن العلاقات الاقتصادية من تشجيع الانفراج في العلاقات الثنائية. لكن يجب عليها أيضاً التفكير بإمكانية إعادة تشكيل مجموعة 3+1 (فرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي) لكي لا تركز جهدها على الملف النووي بل على عملية السلام في الشرق الأوسط.
     على المدى الطويل، يجب محاولة إيجاد الحلول للتخفيف من التوتر بين إيران والسعودية، الأمر الذي يتطلب إعادة مناخ الثقة والأمن في اليمن، وتنسيق حملة مكافحة الدولة الإسلامية في العراق وسورية، ومناقشة المسائل الشائكة الأخرى مثل الدور الذي يلعبه حزب الله أو حتى العلاقات مع إسرائيل. بشكل عام، لا بد من بعض الوقت للتوصل إلى نتيجة. تعيش طهران والرياض في الوقت الحالي فترة من عودة الحظوة، وما ستربحه العاصمتان أكثر مما ستخسرانه. أظهر التوقيع على الاتفاق مع إيران أهمية استراتيجية الصبر. يجب الآن التحلي بالابتكار الدبلوماسي نفسه إذا أردنا التوصل إلى السلام في المنطقة. يجب على أوروبا والولايات المتحدة ودول المنطقة الغارقة في نزاع لا يمكن لأي طرف الانتصار فيه أن تأمل بإنهاء النزاع قبل أن تبدأ حرباً جديدة لمدة ثلاثين عاماً تجتاح المنطقة بأسرها.


الأربعاء، ١٢ آب ٢٠١٥

دومينيك دوفيلبان: "بعد الاتفاق مع إيران، لنواصل المعركة من أجل السلام"

صحيفة الفيغارو 18 تموز 2015 بقلم رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان

     كان الاتفاق مع إيران ضرورياً، وهو يُظهر إلتزام المجتمع الدولي في مكافحة انتشار السلاح النووي وتوفير الضمانات والجدول الزمني. قلت دوماً منذ عام 2003 أن الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ونظام التفتيش والمراقبة هم مفاتيح أي اتفاق جدي. لنكن واضحين، إن الاتفاق مع إيران لن يصنع السلام في الشرق الأوسط ما دام المناخ الإقليمي متدهوراً. هذا الاتفاق هو نقطة الانطلاق وليس نقطة الوصول. إن الوقوف في منتصف الطريق سيفتح دوامة الأخطار والخيبات وعدم الاستقرار.
     وصلت جميع الدول إلى طريق مسدود، وفي مقدمتهم الدول غير العربية. فيما يتعلق بإيران، هناك الخطر بأن يتشدد موقفها على الصعيدين الداخلي والخارجي لكي تتجنب مزايدات الليبراليين والمحافظين في سياق الخلافة المفتوحة للمرشد الأعلى والتدخلات الإيرانية المتعددة في سورية والعراق واليمن ولبنان. فيما يتعلق بإسرائيل، ستتردد بين مواصلة الخط الحالي المعادي لإيران بشكل يحولها إلى حليف للسعودية بحكم الأمر الواقع، وبين توجيه سلاحها وخطابها ضد الدولة الإسلامية التي تقترب من حدودها أكثر فأكثر بشكل يحسن من صورتها لدى الغرب ولكن سيؤجج الحقد لدى الشعوب السنية.
     تواجه تركيا تهديداً وجودياً. تقف أنقرة في طليعة الدول المعادية لنظام الأسد، وتخشى من ظهور كردستان الكبير على أبوابها. إن الرأي العام التركي منقسم. أصبحت تركيا مركز انطلاق الجهاديين القادمين من أوروبا والقوفاز وآسيا الوسطى. إما أن تواصل تركيا سياستها العثمانية الجديدة في مواكبة الشعوب السنية في راديكاليتهم، أو أن تضطلع بدور نقطة التوازن بين أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
     تتجه هذه التقلبات نحو حرب كبيرة في الشرق الأوسط تتواجه فيه الراديكالية العربية السنية وتحالف واسع من القوى غير العربية، الشيعية أو غير المسلمة، وحتى الغربية. إن أول الضحايا سيكونون الأنظمة التي ستحاول التوصل إلى تسوية. يتجه الرأي العام في السعودية نحو الراديكالية لصالح فرضيات الدولة الإسلامية بشكل يهدد شرعية العائلة المالكة، ويوقظ المزايدات المعادية للشيعة داخل النظام سواء في التدخل في اليمن أو في مواجهة الأقلية الشيعية في شرق السعودية. يعود سبب الاستقرار في مصر إلى القمع المتزايد يومياً بشكل سيؤدي حتماً إلى الإفراط وفقدان الشعبية. بدأت بعض دول الخليج بالانخراط في المهرجانات العالمية الكبرى مثل معرض دبي عام 2020 وكأس العالم في قطر عام 2022 في سياق أمني متدهور جداً.
     الدرس الآخر لهذا الاتفاق مع إيران هو أن حذر الدول العظمى وانخراطهم من أجل الحوار والتوازن هو وحده القادر على إعطاء النتائج. على الصعيد الدبلوماسي، إن الاتفاق النهائي أقل أهمية من المساعي المبذولة. إذاً، من الضروري مواصلة التفاوض لكي يشمل الأمن الإقليمي. يجب أن تنفتح مجموعة الست اليوم على القوى الإقليمية مثل تركيا والسعودية ومصر وإيران من أجل الوصول إلى هيكل إقليمي للأمن في الشرق الأوسط.
     يعني العمل الدبلوماسي تجنب انقطاع الخيط والمزج بين مستويات الحوار. يجب فتح ثلاثة مسارات بشكل مباشر: الأول هو سياسي وأمني، والثاني هو اقتصادي واجتماعي للاستجابة إلى احتياجات النمو والمشاريع العابرة للأوطان عبر بعض وسائل التمويل المشتركة، والثالث يجب أن يكون ثقافياً مع تشجيع الحوار بين الطوائف وتشجيع التنوع في المنطقة. إن أسوأ الأمور هو ألا يكون هناك شيء يُقال.
     بالنسبة لفرنسا اليوم، يعني ذلك أن تقوم بدورها المتوازن وبالحوار. لنتجنب أي شكل من التحالفات في منطقة ستكون تدخلاتنا فيها مثقلة دوماً بالكثير من التفسيرات. لنتجنب تكرار العمليات العسكرية التي لا يمكن التحكم بنتائجها. على الرغم من الخطر الحقيقي على الأرض الفرنسية، يجب علينا تجنب التحالف المقدس ضد التطرف السني الذي سيكون مبنياً على الأفكار السابقة لأنظمة  المنطقة وسيغذي الطموحات الإرهابية.
     انتهت الخطوة الأولى، وبدأ زمن المبادرات الجديدة من أجل السلام.


الاثنين، ٣ آب ٢٠١٥

(مايكل هايدن: "العراق لم يعد موجوداً، وكذلك سورية")

 صحيفة الفيغارو 6 تموز 2015 ـ مقابلة مع المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA ووكالة الأمن القومي NSA مايكل هايدن Michael Hayden ـ أجرت المقابلة مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     كان مايكل هايدن جنرالاً في سلاح الجو الأمريكي، وكان في مركز أجهزة الاستخبارات الأمريكية خلال رئاسة بوش. كان رئيس وكالة الأمن القومي NSA (1999 ـ 2005)، ونائب رئيس لجنة تنسيق الاستخبارات في إدارة الاستخبارات الوطنية DNI (2005 ـ 2006)، ورئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية (2006 ـ 2009)، ويعمل حالياً مستشاراً في شركة Chertoff الخاصة التي تعمل في مجال الأمن الصناعي.

سؤال: تسلمتم رئاسة وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأمريكية خلال فترة مضطربة بين عامي 1999 و2009. هل أصبح عالم اليوم أكثر خطورة؟
مايكل هايدن: رأيت عالماً أكثر خطورة خلال عملي العسكري مثل: أزمة الصواريخ في كوبا، والمواجهة بين الجيوش الأمريكية والسوفييتية في معبر شارلي، وقواتنا النووية المتأهبة خلال أزمة عام 1973 في الشرق الأوسط... ولكنني لم أشاهد إطلاقاً عالماً أكثر تعقيداً من عالم اليوم، ولاسيما في الشرق الأوسط وفي الدولتين اللتين كان اسمهما في الماضي العراق وسورية. هناك الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة والأكراد والسنة والشيعة والعلويون. عندما تبدأون بمعالجة مشكلة تنظيم القاعدة، وتحققون بعض التقدم، فإن بقية الأمور تتفاقم...
سؤال: هل النفوذ الأمريكي في طور التراجع في الشرق الأوسط؟
مايكل هايدن: من الصعب جداً أن تكون هناك سياسة محددة. لننظر إلى الحقيقة أمامنا: لم يعد العراق موجوداً، وكذلك سورية. لبنان شبه مهزوم، وكذلك ليبيا. إن اتفاقيات سايكس بيكو التي وضعت هذه الدول على الخارطة عام 1916 لم تكن تُعبّر إطلاقاً عن الوقائع على الأرض، وتعود هذه الوقائع اليوم لتذكرنا بنفسها بشكل عنيف جداً. ستبقى المنطقة في حالة عدم الاستقرار خلال السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة. لا أعرف إلى أين نذهب، ولكنني أعتقد أن السياسة الهادفة إلى إعادة إحياء هذه الدول لن تنجح.
سؤال: لكن إدارة أوباما ما زالت تحاول الحفاظ على العراق موحداً...
مايكل هايدن: في الحقيقة، إنها السياسة الرسمية لهذه الإدارة. وهذا الأمر يؤثر على قراراتنا حول إعطاء السلاح إلى الأكراد على سبيل المثال. برأيي، الأكراد هم أفضل حلفائنا في المنطقة، وسيبقون أفضل حلفائنا مهما حصل لأن مصلحتهم تقتضي هذا التحالف مع الغرب. لكن إذا حرمنا أنفسنا من بعض الخيارات لأننا نعتقد بأننا قادرون على إعادة إحياء العراق أو سورية، فسنكون السبب في تفاقم المشكلة. هل ترون جيشاً عراقياً على وشك استعادة محافظة الأنبار؟ أنا لا أرى ذلك! هل ترون جيشاً عراقياً قادراً على استعادة الموصل؟ لن يحصل ذلك. إن الجيش الذي استعاد تكريت هو الميليشيا الشيعية المدعومة بالضباط الإيرانيين. فيما يتعلق بسورية، هل تتصورون مستقبلاً يمكنها أن تستعيد فيه توازنها؟ ربما يوجد مقعد سوري أو عراقي في الأمم المتحدة، ولكن هذه الدول تلاشت...
سؤال: هل يمكن تصور دولة عراقية فيدرالية لا مركزية. يعتقد بعض المراقبين أنه هذا هو الحل، لأن القوى الإقليمية مثل إيران والعراق لن تقبل أبداً بكردستان مستقل... من يستطيع دعم هذا المشروع باستثناء الولايات المتحدة؟
مايكل هايدن: الدعم الأمريكي، هذا كثير! أنا أفهم معارضة التفتت... ولكن إذا عدنا للتاريخ، سترون أن العراق كان يتألف من ثلاث ولايات عثمانية هي: ولاية الموصل الكردية وولاية بغداد السنية وولاية بصرى الشيعية. إن ما نسميه اليوم بالعراق لم يكن موجوداً. إن هذه الحقائق القديمة هامة. أكرر مرة أخرى: لا أعتقد أن العراق وسورية سينبعثان من جديد. يجب البحث عن بدائل أخرى. لهذا السبب، أنا أطالب بتسليح الأكراد مباشرة.
سؤال: يستطيع الأكراد الدفاع عن كردستان، ولكنهم غير قادرين على تدمير الدولة الإسلامية. كيف يمكن مكافحتها؟
مايكل هايدن: أولاً، يجب علينا قصفها وإضعافها، لأنها يحق لنا الدفاع عن أنفسنا! يجب استخدام القوة الجوية وقصف المواقع اللوجستيكية ومراكز القيادة والقادة. ثانياً، يجب علينا احتواء توسعها لأن القلق من رؤية الدولة الإسلامية تتقدم باتجاه سيناء أكبر بكثير من القلق الناجم عن سيطرتها على الرقة. يجب علينا حماية حلفائنا المصريين والسعوديين والأتراك والإماراتيين... ثالثاً، يجب علينا مساعدة المسلمين الذين يستطيعون مكافحة الدولة الإسلامية دينياً، لأن هذه المعركة تتعلق بالإسلام في الحقيقة.
سؤال: ماذا تقصدون؟
مايكل هايدن: إن المعركة الدائرة داخل الإسلام حالياً يمكن مقارنتها بالمعركة التي شهدتها المسيحية في القرن السابع عشر خلال حرب الثلاثين عاماً. يعتبر المؤرخون أن تاريخ الحداثة الأوروبية يعود إلى معاهدة وستفاليا Westphalie عام 1648، وظهر حينها مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة. لم يتوصل الإسلام إلى هذه التسوية، وربما لن يتوصل إليها أبداً. لا يمكننا معرفة ذلك. لكننا نُخطئ عندما نقول أن هذه المعركة لا علاقة لها بالإسلام. لنكن واضحين: تتعلق هذه المعركة بالإسلام حتى لو كانت لا تتعلق بالإسلام بأكمله أو بجميع المسلمين! يجب علينا مساعدة المعتدلين.
سؤال: لكن أين توجد هذه القوة المعتدلة في الإسلام؟
مايكل هايدن: إنها موجودة على الهامش. يمثل الرئيس المصري السيسي بديلاً مهما كانت إدارته السياسية قاسية وسيئة. لقد ألقى كلمة هامة في جامعة الأزهر، ودعا فيها إلى ثورة في الإسلام. من المحتمل أنه هذا هو السبب في استئناف مساعدتنا العسكرية إلى القاهرة.
سؤال: هل غياب الحلفاء الموثوقين فعلاً لدى السنة يُفسّر أن إدارة أوباما يبدو أنها تراهن على التقارب مع إيران في حال الاتفاق على الملف النووي؟
مايكل هايدن: يجب طرح هذا السؤال على حكومتنا. برأيي الشخصي، إن عام 1979 بالنسبة لتنظيم القاعدة ولإيران في آن معاً يُكرس المقاربة الإيديولوجية التي تجعل من النزاع مع الغرب قاعدة لا يمكن تجاوزها.
سؤال: لكن إيران دولة لها مصالح قومية على المدى الطويل بشكل يتجاوز  الإيديولوجية...
مايكل هايدن: تساءل كيسنجر في أحد الأيام: هل إيران دولة أم مشروع؟ لست متأكداً بأن النظام الإيراني أجاب على هذا السؤال بشكل قاطع...
سؤال: هل يعني ذلك أنكم قلقون من الاتفاق النووي الذي ربما يتم توقيعه مع طهران؟
مايكل هايدن: أنا قلق جداً. حتى التوقيع على اتفاق جيد سيعطي الشرعية إلى إيران كدولة صناعية نووية قادرة على صناعة السلاح النووي خلال 12 شهراً. وسيسمح باستقبالها ضمن عائلة الأمم، ويرفع العقوبات عنها دون معرفة فيما إذا كان الإيرانيون ينوون فعلاً تغيير سياستهم في الهيمنة وزعزعة استقرار المنطقة...
سؤال: لنتحدث عن أوروبا: هل أدرك الأمريكيون أخيراً أن الإسلام أصبح مشكلة وجودية بالنسبة للأوروبيين، وليس فقط مشكلة إرهاب؟
مايكل هايدن: عندما كنت رئيساً لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، كان المحللون العاملون معي يفكرون بالسيناريوهات المستقبلية في أوروبا. أتذكر أنه تم طرح سيناريوهين متطرفين: يتصور الأول أن أوروبا أصبحت نوعاً من مدينة الملاهي، وخسرت نفوذها، ولكن من الممتع زيارتها؛ كان اسم السيناريو الثاني: أوروبستان، ويؤكد على الأخطار الناجمة عن أسلمة أوروبا، وهي مشكلة لم يعطها الأمريكيون الاهتمام الكافي.
سؤال: هل أنتم قلقون من النزعة العدوانية الروسية في أوروبا؟
مايكل هايدن: يتصرف بوتين بثقة، ولكنه لا يملك الأوراق اللازمة في رهانه. تمثل هذه النزعة العدوانية مشكلة جدية على المدى القصير وليس على المدى الطويل، لأن روسيا قوة في طور الانحطاط. إن جميع صفات القوة العظمى الروسية في خطر مثل: الصناعة المزدهرة ورجال الأعمال والديموقراطية وحتى الغاز والنفط. إن الوسائل الوحيدة للقوة الروسية تعود إلى العصر السوفييتي أي: الفيتو في الأمم المتحدة وما تبقى من القوة العسكرية والنووية...
سؤال: ذهب بعض النواب الروس إلى درجة التساؤل فيما إذا كان اعتراف روسيا قانونياً باستقلال دول البلطيق...؟
مايكل هايدن: من الصعب القول فيما إذا كان التهديد ضد دول البلطيق حتمياً. هناك شيء يدعو للشفقة في عودة النزعة العدوانية الروسية على حدود الحلف الأطلسي ومحاولة الرهان مرة أخرى على الماضي المجيد. لكنني أعترف بأن العملية العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم كانت تتصف بالحرفية العالية، وهذا يعني أنه يجب أن نكون حذرين جداً ولاسيما على المدى القصير. أريد رؤية مقاربة أمريكية أكثر حزماً في أوكرانيا من أجل منع بوتين من القيام بشيء غبي بسبب مبالغته بقوته.  أنا سأقوم بتسليح الأوكرانيين!
سؤال: هل أصبحت الصين في طور التحول إلى عدو الولايات المتحدة مع سياستها الجديدة في بحر الصين الجنوبي أو على جبهة الحرب على الأنترنت؟
مايكل هايدن: الصين ليست عدواً للولايات المتحدة. لا شك أن العلاقة ستكون تنافسية وربما تكون تنازعية. بالتأكيد، أنا قلق من التحرك العسكري الصيني في بحر الصين ومن تجسسها الإلكتروني على الولايات المتحدة. ولكن يجب عليكم معرفة أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تمضي الكثير من الوقت أيضاً في القلق حول المشاكل الهيكلية للصين وفي تقدير قوتها... لتلخيص التحديات التي تنتظرنا، يمكنني القول أن الخطر الفوري هو الدولة الإسلامية، وهو خطر جدي ولكنه ليس حيوياً بالنسبة للولايات المتحدة. تمثل إيران ومسألة انتشار السلاح النووي تهديداً أكثر جدية، ولكن ما زال أمامنا القليل من الوقت. تمثل الصين التهديد الأكثر جدية، ولكن ما زال أمامنا وقت أطول. إن الصين ليست عدونا، ولكنها السؤال الأكثر أهمية من أجل مستقبل السلام الشامل.



الخميس، ٢٣ تموز ٢٠١٥

(طريق إيران نحو الغرب يمر عبر جنوب القوقاز)

يتراجع الاهتمام أكثر فأكثر بالشرق الأوسط وحروبه ونزاعاته المستمرة لصالح جنوب غرب آسيا، ولم يعد النفط العربي يحظى بالاهتمام الذي كان يحظى به سابقاً، واصبح النفط في إيران والقوقاز أكثر أهمية وأماناً بالمقارنة مع النزاعات المستمرة في الشرق الأوسط. يعني ذلك أن انتظار الحلول الخارجية لهذه النزاعات سيطول كثيراً.

(طريق إيران نحو الغرب يمر عبر جنوب القوقاز)
صحيفة اللوموند 9 تموز 2015 بقلم  غايدز ميناسيان Gaïdz Minassian

     في الوقت الذي دخلت فيه المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني مرحلتها الأخيرة بهدف التوصل إلى اتفاق، تتساءل الأطراف المعنية حول العوائد الجيو ـ اقتصادية التي يمكن أن تجنيها من إعادة طهران إلى الرهان الدولي. إذا نجحت إيران في تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي، فإن مسألة توزيع ثرواتها النفطية والغازية ستحتل المرتبة الأولى في أولويات جميع المستثمرين. تحتل إيران المرتبة الرابعة في احتياطي النفط العالمي والمرتبة الثانية في احتياطي الغاز العالمي.
     ما العمل بهذا الاحتياطي الهائل في المصادر الطبيعية في حال رفع العقوبات الدولية؟ أصبحت البنى التحتية الصناعية في إيران بالية، ويجب أن تقوم طهران بتحديثها وإيجاد أسواق التصريف ولاسيما في الغرب. لكن يبدو أن جميع الطرق مغلقة في هذا الاتجاه باستثناء جنوب القوقاز (أرمينيا وأذربيجان وجورجيا). من الغرب، هناك المناطق الخاضعة للدولة الإسلامية التي تمنع أي مشروع واسع النطاق لأسباب أمنية. من الشمال الغربي، هناك مشكلة التنافس مع تركيا، وهي مشكلة تتعلق بالحصول على صفة القوة الإقليمية. من الجنوب (قناة السويس ورأس الرجاء الصالح)، إن التكاليف مرتفعة جداً.
      إذاً، لم يبق إلا جنوب القوقاز الذي يمكن أن يمر عبره النفط والغاز الإيراني وبقية مشاريع الاتصالات باتجاه أوروبا الغربية والشمالية. إن هذا الممر من الجنوب إلى الشمال يقترح طريقين: الأول، أرمينيا ـ جورجيا ـ البحر الأسود، والثاني، أذربيجان ـ جورجيا ـ البحر الأسود. لكن هذا الممر يصطدم بالنزاع حول مرتفعات كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان من جهة، وبالتوتر بين إيران وأذربيجان (هناك ما بين 14 إلى 17 مليون إيراني من أصول أذرية في شمال إيران، ولم يتحدد وضع بحر قزوين). تميل إيران باتجاه الطريق الأرمني ـ الجورجي، وألمح العديد من مسؤولي النظام الأصولي إلى ذلك مُعتبرين أن هذا الطريق "المسيحي" سيكون أكثر أماناً لأنه أقل كلفة وسيسمح بالحفاظ على الورقة الرسمية المتمثلة بـ "الحوار بين الحضارات". إن أرمينيا هي الدولة المسيحية الوحيدة المجاورة لإيران.
     لم يتقرر أي شيء في طهران حتى الآن على الرغم من النوايا الإيرانية الحسنة وترحيب الدول الغربية، كما أن فرضية كسر العزلة الاقتصادية عبر الممر من الجنوب إلى الشمال تصطدم بالارتياب الروسي. في هذا الخصوص، ليست هناك إلا قلة نادرة من المراقبين الذين ربطوا بين المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني ومفاوضات الشراكة الشرقية بين الاتحاد الأوروبي والدول الناجمة عن تفكك الاتحاد السوفييتي (روسيا البيضاء وأوكرانيا ومولدافيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان). إلى حد ما، إن التوقيع على اتفاق الشراكة بين هذه الدول ذات السيادة والاتحاد الأوروبي يستبق الخارطة العالمية الجديدة في حال تطبيع العلاقات بين إيران ومجموعة الست. انتبهت روسيا إلى هذا الأمر، وبذلت كل ما بوسعها لمنع أرمينيا وأوكرانيا من التوقيع على هذا الاتفاق الجديد للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وهذه الدول التي تعيش مرحلة ديموقراطية انتقالية. من المعروف أن روسيا فشلت في أوكرانيا، ووقعت كييف على اتفاق مع بروكسل. لكن فيما يتعلق بأرمينيا الحليف التقليدي لروسيا، مارست موسكو الضغوط على نظام سيرج ساركيسيان لكي ينضم إلى الاتحاد الأوراسي، وحصلت من أريفان عام 2013 على اتفاق ينص على سيطرة شركة غازبروم على جميع مستوردات أرمينيا من الغاز حتى عام 2043.
      لم تغلق موسكو الباب أمام مشروع مرور النفط والغاز الإيراني عبر أرمينيا بشرط أن تستفيد منه. تريد موسكو أيضاً تجنب أن تسبقها الدول الغربية كما حصل خلال سنوات حكم الرئيس يلتسين (1991 ـ 2000) أثناء التوقيع على اتفاقات بناء الأنابيب بين الشركات الغربية وأذربيجان. بالنسبة لموسكو، إنها لا تريد بأي شكل من الأشكال أن تعيش مرة آخرى كابوس الممر من الجنوب إلى الشمال كما حصل مع الممر بين الشرق والغرب.
      فيما يتعلق بالغرب، إن مصالحة ثلاثية الأبعاد. أولاً، الاستفادة من الثروات الإيرانية عبر تطوير الممر من الجنوب إلى الشمال. ثانياً، تنويع مصادره في الحصول على الطاقة من أجل الأسواق الأوروبية. ثالثاً، السماح لجنوب القوقاز بأن يكون مفترق طرق حقيقي. إن هذا الوضع كمفترق طرق أكثر أهمية بالنسبة للدول الثلاثة في جنوب القوقاز لأنه سيسمح لها على المدى الطويل بالارتباط مع آسيا ولاسيما مع الصين التي تتزايد مشاريعها التنموية في دول آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية وإيران. إن طهران من الشركاء المميزين للصين، وتهتم بمشروع "طريق الحرير الجديد" الذي أطلقه الصينيون بعيداً عن أية تبعية للولايات المتحدة.
      من وجهة النظر هذه، إذا نفذ الصينيون جميع مشاريعهم الكبيرة باتجاه آسيا الوسطى والباكستان وإيران، فإنهم سيصلون إلى جنوب القوقاز الذي يتواجد فيه المستثمرون الصينيون حالياً. وبهذه الطريقة، سيختزل الصينيون المسافة الجغرافية التي تفصلهم عن الأسواق الأوروبية. سيسمح ذلك للصينيين أيضاً بتجنب منطقة القراصنة على السواحل الصومالية والمناطق الصعبة في مضيق باب المندب وقناة السويس أو حتى الطريق المُكلف عبر جنوب أفريقيا. إن افتتاح هذا الممر من الجنوب إلى الشمال عبر جنوب القوقاز يعتمد على تسوية الملف النووي الإيراني، وهو الأفق الذي سيرسم ملامح عالم أصبح صينياً ـ أمريكياً.

          

الجمعة، ١٠ تموز ٢٠١٥

(هنري لورانس: جذور المأساة الحالية في العالم العربي)

مجلة اللوبوان الأسبوعية 28 أيار 2015 ـ مقابلة مع هنري لورانس Henry Laurens، الباحث المتخصص في الشرق الأوسط ورئيس قسم التاريخ المعاصر للعالم العربي في الكوليج دوفرانس. أجرى المقابلة فرانسوا غيوم لوران François-Guillaume Lorrain ورومان غوبير Romain Gubert

سؤال: من أي جاء العرب؟
هنري لورانس: بالمعنى الحرفي للكلمة، العرب هم الذين يتحدر نسبهم من شبه الجزيرة العربية. إنه نظام سلالة النسب الذي نجده في التوراة. إن جدهم الأول المشترك هو إسماعيل ابن ابراهيم. دخل العرب في الإسلام مع النبي محمد، وبدأوا بغزو الهلال الخصيب بأكمله من فلسطين حتى العراق. أدت هذه الفتوحات منذ القرن السابع حتى القرن الحادي عشر إلى ظهور ظاهرة التعريب، حتى لو كان هناك بعض العرب في الهلال الخصيب قبل الفتوحات. كانوا تجاراً وبدو، وهذه الكلمة الأخيرة كانت تشير إلى العرب خلال فترة طويلة. كانت الهوية العربية تتعارض مع هوية الشعب الفارسي خلال القرون الأولى من الفتوحات، ولكن هذه الهوية العربية ذابت في نهاية الفتوحات، وأصبحت تتحدد بالدين والمهنة ومكان الإقامة وليس بالهوية العربية.
سؤال: هل أدرك الأوروبيون خلال الحروب الصليبية أنهم يقاتلون ضد العرب؟
هنري لورانس: لا. كانوا يحددون أعداءهم عبر كلمة (ساراسين) Saracène التي كان الروم يستخدمونها لوصف البدو في الصحراء. ثم تحولت كلمة (ساراسين) إلى سارازان Sarasin.
سؤال: ماذا عن اللغة العربية؟
هنري لورانس: إنها لغة القرآن. شهدت هذه اللغة تطور مذهلاً مع انتشار هذا الدين، ووصلت إلى المغرب وتخوم الهند. الأمر الذي يسمح اليوم للمسلم الأندونيسي أن يفهم المسلم المغربي. كانت هناك أيضاً لغة التجار والبحارة السائدة حول البحر المتوسط Lingua franca، وهي لغة شفهية فقط، ولم يبق منها إلا القليل من الشهادات باستثناء ما نقله موليير عن تركيا في كتابه (البورجوازي النبيل) Bourgeois gentilhomme.
سؤال: كيف تنتشر الثقافة العربية في أوروبا؟
هنري لورانس: قام المسيحيون العرب بدور أساسي. أدت محاولة روما للسيطرة على المسيحية الشرقية إلى بروز المارونيين، أي هؤلاء المسيحيين اللبنانيين الذين ذهبوا إلى كل مكان، وأصبحوا ناقلي الثقافة العربية. كان المارونيون أول أساتذة اللغة العربية في الكوليج دوفرانس عام 1650. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من المبادلات التجارية، لا يجب إهمال دور المسيحية الكاثوليكية. إن أوروبا الكاثوليكية هي أوروبا الجنوب، وكانت على اتصال دائم مع العرب.
سؤال: تحدثتم عن القرن السابع عشر. ما هي النظرة التي كان يحملها الأوروبيون آنذاك عن العرب بعد أربعة قرون من نهاية الحروب الصليبية؟
هنري لورانس: إنها نظرة تاريخية. شهد القرن السابع عشر والثامن عشر ولادة التاريخ العالمي الذي يرتكز على نزعة المقارنة بين الحضارات. يرتكز التصور العام أيضاً على الغزوات. شكلت الغزوات الجرمانية في أوروبا خلال القرنين الرابع والخامس بداية الحداثة، ولكنها أدت أيضاً إلى تدمير المعارف القديمة القادمة من روما واليونان ومصر. بالمقابل، استعادت غزوات العرب في الجنوب هذه المعارف القديمة، وحملت معها الثقافة. لكن العرب اختنقوا تدريجياً بسبب المماليك في مصر أولاً، ثم العثمانيين الذين هيمنوا على حوض المتوسط والبلقان ابتداء من القرن الخامس عشر. يمكن تلخيص ذلك بأن العرب يُعتبرون كشعب كبير قبل بروز أوروبا، ولكنهم خرجوا من التاريخ. على العكس من ذلك، كان يُنظر إلى العثمانيين وامبراطوريتهم المستبدة كآلة فعالة جداً سحقت العرب وتهدد أوروبا آنذاك.
سؤال: ما هو الحدث الذي أدى إلى ولادة الوعي العربي؟
هنري لورانس: دعا نابليون بونابرت إلى هذا الوعي أثناء حملته إلى مصر من أجل إثارة التمرد ضد الإمبراطورية العثمانية، ولكن دون جدوى. لم يكن هناك أي شخص يعتبر نفسه عربياً في بداية القرن التاسع عشر، وكان لا بد من انتظار التفكك البطيء للامبراطورية العثمانية ابتداء من عام 1820. هناك عدة أسباب لهذا التفكك هي: الضربات العنيفة التي وجهتها أوروبا، والتوسع الروسي باتجاه الجنوب، ودخول بريطانيا في الرهان، ودول البلقان التي تستعيد حريتها. كان يجب على الإمبراطورية العثمانية أن تتبنى هياكل الدولة المعاصرة على النمط الغربي من أجل البقاء على قيد الحياة. اختفت البنية الاجتماعية القديمة القائمة على السلطة الهرمية التي يجد فيها كل شخص مكانه سواء كان جيداً أم سيئاً، وحل مكانها مجتمع أكثر مساواة ويبحث فيه كل شخص عن مكانه. إذاً، تمت إعادة تحديد الهويات الذاتية. تسارعت هذه التغيرات عبر انتشار الأفكار والاستدراك المذهل للتأخر.
سؤال: ماذا حصل؟
هنري لورانس: تم استدراك أكثر من ثلاثة قرون خلال عدة عقود في بداية القرن التاسع عشر. أخفق العالم العربي والإسلامي في اللحاق بثورة الطباعة. أصبحت بعض المناطق مثل تونس ومصر شبه مستقلة ذاتياً. اندلعت الثورة في مصر عام 1880، وكان شعارها "مصر للمصريين". كانت هذه الحركات الوطنية مبنية على العداء ضد الأجانب والعثمانيين. استدركت هذه المنطقة أربعة آلاف عام بين عامي 1820 و1880. تم فك رموز اللغة الهيروغليفية عام 1820، ثم رموز اللغة المسمارية الآشورية عام 1840 ثم اللغة السومرية عام 1880. ساهم هذا التقدم أيضاً في إعادة تحديد الهويات في سورية التي اكتشفت بعلبك وتدمير والماضي المجيد بأكمله. يُضاف إلى ذلك الدور الكبير للمستشرقين الأوروبيين الذين ركزوا على هذا الماضي. إذا كان الماضي مجيداً، فإن المستقبل يمكن أن يكون كذلك أيضاً. وهكذا بدأت أجيال المثقفين القوميين العرب الفرانكوفونيين بقراءة "الحضارة العربية" للباحث العبقري غوستاف لوبون Gustanve Le Bon. إن النهضة الأدبية المرتبطة بتبسيط اللغة العربية سبقت النهضة السياسية.
سؤال: ماذا عن الإسلام في ذلك الوقت؟
هنري لورانس: كان في ذروة الأزمة. لأن العرب المسلمين كانوا يتساءلون كيف يمكن أن يكونوا خاضعين للآخرين على الرغم من امتلاكهم لأفضل دين في العالم؟ اكتشفوا الفكر الغربي والفكر البروتستانتي التي كان يبدو أنه قمة الحداثة في نهاية القرن التاسع عشر. تم تبني النموذج البروتستانتي الذي لم ننته من دفع ثمنه حتى اليوم. عاد البروتستانت إلى زمن المسيحيين الأوائل لاستعادة النصوص الحرفية. بهذه الطريقة، بدأت أولى الحركات السلفية.
سؤال: تحقق هذا الوعي في ذلك الوقت، ولكن متى أخذ شكله السياسي على نطاق واسع؟
هنري لورانس: تسارع هذا الوعي مع وصول "الشباب الأتراك" إلى قمة السلطة في الإمبراطورية العثمانية عام 1908. ذهبت المساومات باتجاه إعطاء المزيد من الحكم الذاتي العربي، وبدأ التفكير بامبراطورية تركية ـ عربية على النموذج النمساوي ـ الهنغاري. حاول الجميع تحريض السكان خلال الحرب العالمية الأولى. حاول الألمان تحريض الجزائريين والمغاربة، وحاولت فرنسا وبريطانيا تحريض العرب ضد العثمانيين المتحالفين مع ألمانيا. ظهر في تلك الحقبة لورانس العربي الذي أيقظ المملكة العربية. وفجأة بدأ القبول بحق الشعوب في تقرير مصيرها لدى غير المسيحيين. عندما تمرد الشريف حسين في مكة عام 1916، كان خطابه إسلامياً بالدرجة الأولى. ولكن الفرنسيين والبريطانيين شرحوا له أنه يجب إعطاء صبغة قومية وعربية لقناعاته. أصبح التمرد عربياً عندما وصل إلى دمشق عام 1918. توجه الأمير فيصل بحديثه إلى العرب سواء كانوا يؤمنون بالمسيح أو بمحمد. كان يجب الظهور كعربي من أجل دخول دمشق. عندما وصل فيصل إلى دمشق مع مستشاريه البريطانيين، توجه بالحديث إلى الأمة العربية السورية. تشكل العرب الفلسطينيون عام 1920. ولدت العروبة العراقية عندما وصل فيصل إلى السلطة في العراق عام 1921. وهكذا تشكل ما أسميه بصيغة (العربي +): تأخذون الهوية الإقليمية وتُضيفون عليها الهوية العربية. تبنت جميع الدول التي ستولد هذه الصيغة. يتشكل العالم العربي من الشعوب: المصرية والعراقية والسورية... وهذه الشعوب تشكل الأمة العربية.
سؤال: ماذا عن مصر؟
هنري لورانس: تحرر جهاز الدولة منذ عام 1850، ودعم الهوية المصرية. إنها النزعة الفرعونية. استقلت مصر عام 1922، ولكنها أدركت أنه يجب عليها التمتع بهوية عربية من أجل ممارسة النفوذ على جيرانها. قال المثقفون المصريون عام 1930 أن مصر دولة ذات ثقافة عربية، ولكنهم صححوا مقولتهم بعد عشرة سنوات وقالوا أنها دولة عربية. دخل المثقفون المصريون في العروبة في الوقت الذي كانت تتطور فيه حركات الإخوان المسلمين الذين كانت نظرتهم عربية في البداية. عندما دخلت مصر في العروبة، لحقتها أفريقيا الشمالية في نهاية سنوات الثلاثينيات. كان الفرنسيون يأملون بأن تنحصر القومية العربية داخل الشرق الأوسط، ولكن النخبة المثقفة المغاربية تبنتها أيضاً. أخذت الحركات الوطنية مع علماء الدين الجزائريين صبغة عربية.
سؤال: متى وصلت القومية العربية إلى ذروتها؟
هنري لورانس: ساد شعار "من المحيط إلى الخليج" خلال سنوات الخميسينيات. تأسست الجامعة العربية عام 1945، وقامت بدور هام جداً في استقلال المغرب. كانت القضيتان الجزائرية والفلسطينية أكبر قضيتين عربيتين حتى عام 1962، وأصبحت الثانية هي القضية الوحيدة بعد ذلك. لكن بعض الدول تأسست حوالي عام 1920 تحت رعاية الفرنسيين والبريطانيين، ونجم عن ذلك مشكلة أساسية أخرى. بنت هذه الدول نفسها مع الإيديولوجيات العربية التي تنفي مشروعية الدولة. إذا أرادت هذه الدول أن تكون أكثر قوة، فيجب عليها إلغاء الحدود الموروثة من الاستعمار. يتفق الجميع على المبدأ، ولا أحد يُطبقه. لا ترغب الدول النفطية بتقاسم النفط مع الدول الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، هناك الأنظمة المتسلطة. أثار جمال عبد الناصر الجماهير، ولكنه لم يشجع المصريين على أن يصبحوا مواطنين، ولم يشجع المجتمعات المدنية على التعبير عن نفسها. هناك خمسون مشروع اندماجي بالإضافة إلى التوقيع على خمسين اتفاق، ولم ينجح أي منها باستثناء الاتحاد لمدة ثلاث سنوات بين مصر وسورية (1958 ـ 1963)، لكن سورية أرادت التحرر بسرعة من الهيمنة المصرية. هيمن الخطاب القومي العربي حتى عام 1970، ولكنه لم يتمكن تحقيق نفسه بسبب الاختلافات في مستوى الغنى وغياب الديموقراطية. استقر العالم العربي بعد عام 1970، ولم تعد هناك ثورات. أصبحت الدول متسلطة، وظهر التعارض بين القومية العربية والإسلاموية. إن جمال عبد الناصر هو الذي خلق الانشقاق بين العروبيين والإسلاميين.
سؤال: لماذا حصل هذا التغير الاستبدادي؟
هنري لورانس: أدى التأخر عن الحداثة الغربية إلى الاستعاضة عنها بالنزعة الاستبدادية واللجوء إلى القوة. هذا هو الحال بالنسبة لإيران الشاه وتركيا الكمالية ومصر عبد الناصر وسورية والعراق البعثيتان. حذت بعض هذه الدول نموذج الثورات الشعبية في أوروبا الشرقية. هناك سبب آخر يكمن في أن التدخل الخارجي هيمن على التاريخ. إذا كنت طرفاً محلياً، فسأعتمد على القوى الخارجية التي ستقسم البلد. إن النظام الدكتاتوري هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الاستقلال الوطني. هذا ما قاله عبد الناصر إلى نهرو: إذا كان لديك أحزاب برلمانية، فإنهم جميعاً عملاء للخارج، وتمولهم عدة دول. السبب الأخير، هو الريع النفطي. إذا قامت الدولة بإعادة توزيع هذا الريع، فإنها تشتري المجتمع والهدوء السياسي.
سؤال: هل لعب العامل الديني دوراً أيضاً؟
هنري لورانس: احترم الزعماء القوميون العرب الدين الإسلامي دوماً. كانوا يدركون أنهم غير قادرين على مكافحة المعتقدات الشعبية حتى لو أرادوا محو أمية الجماهير. يجب معرفة حجم الصدمة التي فرضها هؤلاء الزعماء القوميون على شعوبهم القروية وغير المتعلمة بأغلبيتها: إنه سير حثيث وصدمة ثقافية مذهلة. إنها قفزة تبلغ ثلاثة قرون في الزمن.
سؤال: ماذا تعنون بذلك؟
هنري لورانس: يطلب من هذه الشعوب منذ سنوات الستينيات أن تطيع الدولة، لكن هذه الشعوب تعتبر أن العشائر والشبكات العائلية فيها هي الصلة الاجتماعية الوحيدة التي يجب إطاعتها. ينطبق الأمر نفسه على الشعوب العربية التي هاجرت إلى أوروبا في الحقبة نفسها. هناك حديث عن "الاندماج". ولكن الأوروبيين احتاجوا إلى ثلاثة قرون للخروج من الجهل، ونحن نطلب من هؤلاء الناس الذين يعيشون منذ مئات السنين مع قيم ريفية أن يتأقلموا فوراً مع قيمنا.
سؤال: كيف تفسرون نجاح الإخوان المسلمين والسلفية؟
هنري لورانس: إن رجال الدين السنة غير مؤهلين أو مؤهلين بشكل سيء، وذلك بعكس رجال الدين الشيعة المؤهلين بعناية قبل ممارستهم لمسؤولياتهم. هل الأنظمة استبدادية؟ إن الدين هو المجال الوحيد التي تمتع بالحرية، نظراً لحذر الدولة تجاهه. أدى تحرر رجال الدين إلى تصور برنامج إسلامي يريد القطيعة مع السياسة. يعتبر السلفيون أن القانون الديني كامل. يرتكز هذا القانون على الطوباوية المثالية  للسنوات الأولى من الإسلام، وعلى إلغاء السياسة وإزاحتها وفرض نموذج أصلي مكانها.
سؤال: وماذا عن نجاح الجهاد؟
هنري لورانس: هناك مشكلة اجتماعية أكثر من كونها مشكلة دينية لدى الذين يتبنون الجهاد. إن دور المرأة والمشاكل الاجتماعية في الدول العربية تمنع زواج الشباب. هناك كبت جنسي هائل لأن الجنس خارج الزواج ممنوع، ولاسيما أن هؤلاء الشباب يطلعون بسهولة على الثقافة والصور الغربية. يمثل الجهاد أيضاً ثورة جنسية بالإضافة إلى البحث عن المغامرة والاحتجاج الاجتماعي تجاه الغرب. نشاهد ذلك في الخطاب الذي يتبناه داعش في التجنيد، وهذا أمر ثابت.
سؤال: هناك تركيز على الجهاديين. هل هو العامل الوحيد الذي يجذب الأجيال الجديدة؟
هنري لورانس: لا إطلاقاً. تُخفي الحركات الإرهابية حقيقة أخرى. هناك ثورة في الوعي منذ ظهور تلفزيون الجزيرة عام 1995، ثم تلفزيون العربية لاحقاً، ثم ظهور المدونات ووسائل التواصل الاجتماعية حالياً. كان من المستحيل في الدول العربية قبل منتصف التسعينيات سماع أي شيء آخر غير الأصوات الرسمية التي تسيطر الدول عليها إلى حد ما. كان هناك فقر في النقاشات، وكانت وسائل الإعلام تمنع أي تفكير لدى الشباب. أصبح الجميع الآن قادراً على تكوين فكرة عما يحصل في سورية دون أن يكون متعلقاً بما تقوله وسائل الإعلام الرسمية. هناك وعي جماعي في طور التشكل في العالم العربي. ألاحظ أيضاً أن جزءاً من الشباب يطالبون بقيم الإلحاد ويرفضون الإملاءات الدينية والقيم التقليدية. هناك بعض الناس في مصر وتونس لا يقدموا أنفسهم بالمقارنة مع المشروع الديني. إنه بروز النزعة الفردية العربية.