الصفحات

الجمعة، ٣١ أيار ٢٠١٣

(الأسد يُدافع عن مواقفه على قناة حزب الله)

صحيفة الليبراسيون 31 أيار 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     إنه رمز هام: لا يدلي بشار الأسد بمقابلات صحفية إلا نادراً، ولكنه ظهر مساء البارحة 30 أيار على تلفزيون المنار التابع لحزب الله الذي تقوم قواته بدعم الجيش السوري. هناك رمز آخر هو: الاعتراف الضمني من قبل الرئيس السوري على هذه المحطة نفسها، بأن بلده استلم من روسيا صواريخ S-300 المتطورة التي يمكن استخدامها أيضاً للدفاع عن القواعد الخلفية لحزب الله في سورية.

     ظهر الرئيس في هذه المقابلة منتصراً، وأكد على ثقته بالانتصار، وأنه لن يتردد في ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية عام 2014 إذا كان الشعب يريد ذلك. فيما يتعلق بالاجتماع الدولي المسمى بجنيف 2، أكد على مشاركة سورية، وأضاف أن أي اتفاق للسلام سيُطرح على الاستفتاء الشعبي، الأمر الذي يبدو مستحيلاً نظراً لتفتت البلد إلى كيانات صغيرة، ويعني ذلك إفشال نتائج المؤتمر. عن سؤال حول الصواريخ الروسية، صرّح قائلاً: "سيتم تنفيذ جميع العقود السابقة مع روسيا، وتم تنفيذ جزء منها مؤخراً". يعني ذلك أن الدفعة الأولى وصلت، وأن سورية أصبحت مُحصنة: إذاً، سيكون من الصعب إقامة منطقة حظر جوي لدعم التمرد، وأن تأتي إسرائيل للقصف. هناك تهديد آخر هو: الحرب الأهلية التي أصبحت ذات بعد إقليمي، وأخذت شكلاً دولياً. قال الرئيس السوري: "هناك حرب أهلية ضد سورية وسياسة المقاومة (سورية وإيران وحزب الله ضد إسرائيل)، ولكننا واثقون جداً بالانتصار".

(سورية: "جرائم حرب من الجانبين")

صحيفة الليبراسيون 31 أيار 2013 بقلم مارك سيمو Marc Semo

     إنه يتكلم الفرنسية بطلاقة، ولكنه تردد قليلاً قبل لفظ صفة: "مُرعب، نعم إنه وضع مُرعب". بالنسبة لرئيس لجنة التحقيق حول انتهاكات حقوق الإنسان في سورية الدبلوماسي البرازيلي في الأمم المتحدة باولو سيرجيو بينهيرو، "تفاقم مستوى العنف بشكل كبير، واختلطت الطائفية المتزايدة مع الراديكالية وتصاعد الجرائم". سيقوم بينهيرو بتقديم تقرير إلى مجلس الأمن بتاريخ 4 حزيران، وسيكون التقرير الخامس لهذه اللجنة الدولية المستقلة التي أسسها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2011.
     اجتمع بينهيرو مساء يوم الأربعاء 29 أيار مع أربعة صحفيين بعد جلسة مُغلقة مع لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي. لم يتمكن أعضاء لجنة التحقيق البالغ عددهم 24 شخصاً من الذهاب إلى الأراضي السورية، ولكنهم يقومون بإجراء مقابلات مستمرة عبر SKYPE مع الناجين والشهود، وجمعوا العديد من العناصر المحددة ـ من ضمنها شبهات كبيرة باستخدام الأسلحة الكيميائية بشكل متفرق ـ ، ولكنهم لم يرغبوا بإعطاء التفاصيل قبل تقديم تقريرهم أمام مجلس الأمن في الأسبوع القادم.
     أكدت النائبة العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية حول يوغسلافيا السابقة كارلا ديل بونتي أنها "جرائم وحشية لا تُصدق. لم أشاهد ذلك من قبل إطلاقاً، وحتى في البوسنة". قام بارتكاب هذه الأعمال الوحشية كل من قوات النظام بمساعدة ميليشيات النخبة لحزب الله، والمتمردون الذين يزداد عدد المقاتلين الجهاديين في صفوفهم. قال سيرجيو باولو بينهيرو: "هناك اختلاف في مستوى الجرائم المرتكبة من قبل الطرفين، ولكن لا يوجد اختلاف في طبيعتها. إذا كان النظام قد ارتكب عدداً أكبر بكثير، فإن جميع الأطراف مسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بالغة الخطورة". سيطلب بينهيرو في تقريره مرة أخرى إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولكن مجلس الأمن هو  الوحيد الذي يستطيع إتخاذ مثل هذا القرار، لأن سورية لم تُصادق على اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

     قال أحد الدبلوماسيين في الأمم المتحدة: "إن أغلبية المتمردين اليوم لا يُفكروا بالديموقراطية وحقوق الإنسان. إنهم ليسوا مقاتلين من أجل الحرية، ولديهم تطلعات أخرى. إن المقاتلين الديموقراطيين التاريخيين الذين كانوا يؤمنون فعلاً بالموزاييك السوري وبالدولة العلمانية السورية، أصبحوا أقلية اليوم. من الصعب دوماً التمييز بين المتمردين "الأخيار" و"الأشرار" على الأرض"، وأشار إلى أنه يعارض تسليح المتمردين لأنه سيكون من المستحيل مراقبة الجهة التي ستصل الأسلحة إليها. كما اعتبر أن الأولوية العاجلة اليوم هي استئناف منطق المفاوضات "واجتماع جميع الأطراف على طاولة واحدة".

(الاتحاد الأوروبي يبحث عن إستراتيجية تجاه النزاع السوري)

صحيفة اللوموند 31 أيار 2013 بقلم مراسلها في بروكسل جان بيير ستروبانتس Jean-Pierre Stroobants

     يجب التأكيد في هذه المرحلة على أن فرنسا وبريطانيا لم تُشيرا إطلاقاً إلى إرادتهما بإرسال الأسلحة إلى المتمردين في سورية بشكل فعلي... لأنهما تعرفان جيداً الصعوبات العملية لذلك، ولأنهما تعرفان أيضاً أنه لا يمكن استبعاد مخاطر وصولها إلى "أيدي سيئة" على الأرض بسبب عدم وجود أية قوة مراقبة حقيقية على الأرض، ولأنه سيكون من الصعب جداً متابعة منطق مزودوج يشمل الخيارين العسكري والدبلوماسي.
     لم يتفق الأوروبيون على الطريقة الواجب اتباعها، ولكنهم متفقون على الهدف: يجب الضغط باتجاه حل سياسي. هذا هو السبب في تحديد موعد الأول من آب للسماح بتقدم المفاوضات. يعتبر المعسكر الأول داخل الاتحاد الأوروبي أن التهديد بتسليح المتمردين يمكن أن يدفع نظام بشار الأسد إلى استخدام جميع قواته في المعركة، وبالتالي إغراق بلده في الجحيم بشكل نهائي. أما المعسكر الآخر (باريس ولندن) فيعتبر أن ذلك يمكن أن يُقنع النظام السوري بالذهاب إلى طاولة المفاوضات. من الواضح أن الفرنسيين والبريطانيين أرادوا الاحتفاظ بدورهم في المفاوضات المحتملة في جنيف 2، وفي الوقت نفسه، قاموا بعمل ربما يكون مفيداً في المستقبل، إذا استطاعت قوات المعارضة الانتصار في النهاية.
     يُمثل موضوع إرسال الأسلحة محاولة لإزالة العراقيل أمام العملية الدبلوماسية، ولكن من غير المؤكد أن يكون لهذا الرهان تأثير حقيقي على الأرض، إنها مجازفة. ردت روسيا على هذه الخدعة بالإعلان عن تسليم دمشق صواريخ أرض ـ جو غداة اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل. أرادت موسكو من وراء ذلك تأكيد مواقفها بشكل واضح، تعتبر موسكو أن هذه الصواريخ تسمح بتجنب "تدخل خارجي" في سورية. ولكن يجب على روسيا أن تُلاحظ بأن صواريخ S-300 لن تُغيّر موازن القوى على المدى القصير. يُشير الخبراء إلى أنه لا بد من سنة على الأقل من أجل اندماج هذه الصواريخ ضمن النظام الدفاعي السوري ونشرها، بالإضافة إلى عدة أشهر إضافية من أجل تأهيل الفنيين القادرين على  استخدامها.
     هل ستكون الدبلوماسية الأوروبية قادرة على استدراك الوقت الضائع، على الرغم من عجزها عن تحديد إستراتيجية قادرة على توحيد دول الاتحاد الأوروبي وتقديم أمل بحل المأساة السورية؟ لا تُبشّر نقاشات يوم الاثنين 27 أيار بالخير. يجب على الدول الأوروبية إعداد حلول دبلوماسية مُقنعة، وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى طرف يتحلّى بالمصداقية إلى جانب واشنطن وموسكو، حتى ولو كان شركاء باريس ولندن يريدون تجنب اشتعال الوضع وانتشاره، وربما يخشون من أن يُساهم تسليح المعارضة في اندلاعه.


(التمرد المُحاصر في الغوطة)


صحيفة اللوموند 30 أيار 2013 بقلم مراسليها الخاصين في جوبر جان فيليب ريمي Jean-Philippe Rémy ولوران فان دير ستوكت Laurent Van der Stockt اللذان دخلا إلى سورية وبقيا لمدة شهرين مع المتمردين في دمشق والمناطق المحيطة بها (الحلقة الثالثة)

     كانت ليلة مملة لا تنتهي في منزل وسخ جداً في محيط دمشق المهدم. يعيش عبد الله أزمة وجودية، إنه شاب متمرد في كتيبة تحرير الشام. كان عبد الله يحاول أن يُعبّر عن فلسفة حياته ببضعة كلمات، وأن ينظمها كفلسفة للموت. بشكل أوضح: إنه  استعداد شخصي للتضحية، قال عبد الله: "جئت إلى دمشق مع أصدقائي للموت فيها. لقد فكّرنا قبل أن نتوصل إلى نتيجة أنه يجب القتال في دمشق، وأننا لن نرى نهاية هذه الحرب. ولكننا على الأقل سنساهم بموتنا هنا في نهاية نظام بشار. سنذهب كشهداء إلى الجنة مباشرة".
     كان عبد الله طالباً في كلية الطب، ووجد نفسه في الحرب. إنه من مدينة حمص، وقد أمضى أقل من سنة في القتال، وكأنها قرناً. قال عبد الله: "لقد تحطم كل شيء في مدينتي، المنزل والحياة والماضي والمستقبل...". هل يمكن حقاً أن نرغب الموت عندما لا يتجاوز عمرنا عشرين عاماً، وأن تكون هناك رغبات جامحة بحياة أفضل؟ قال عبد الله غاضباً: "أنا أكره الحياة، وكل شيء يربطني بها، ويمكن أن يجعلني ضعيفاً مثل: الراحة والسعادة. أنا أكره الجروح لأنها جلبت الخوف إلى داخلي على الجبهة. إذا كنت خائفاً، لا يمكن أن أكون مستعداً للموت، وهذا غير مناسب أبداً. ولكن سأشفي نفسي من هذا الخوف"، وكان يقول أيضاً أنه: "يحسد مقاتلي جبهة النصرة" التي تدفع نحو هذا التوجه بالتخلي عن الحياة إلى أبعد حد، مع الاحتفاظ بملذات جنة الشهيد.
     هل عبد الله من هذا النوع حقاً؟ لقد جُرِح في أحد الأيام على جبهة جوبر برصاص أحد قناصي الحكومة، ولكن جرحه كان طفيفاً. ربما شعر بأنه سيموت. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أنه شاهد في المستشفى الميداني الذي عولج فيه ممرضة شابة عمرها 15 عاماً، وقرر حينها فوراً أن يجعلها زوجته. سمحت ليالي التحضير لزواج عبد الله بقتل الليالي الطويلة المملة. شعر زملاؤه في الحرب فجأة بخيانة رغباتهم في التضحية، قال أحد زملائه بنبرة فظة: "نحن نفهم عمّا يبحث عبد الله: إنه يرغب بممارسة الحب. ولكن برأيي، إنه يستفيد أيضاً من أن الزواج أصبح رخيصاً جداً بسبب الحرب". قام عبد الله بالتوقيع على عقد الزواج أمام الشيخ بعد عدة أسابيع بين أصدقائه في الكتيبة، ولكنه لم يستطع إكمال زواجه، لأنه لم يحصل على  المهر المتواضع من أجل تكوين عائلة صغيرة. خلال هذه الفترة، تركت مجموعته المقاتلة بكاملها منطقة الغوطة للإقامة في جبال القلمون. لأن القوات الحكومية تُحاصر الغوطة التي قد تتحول إلى فخ.
     بدأ الاحتجاج ضد السلطة بالغليان في منطقة الغوطة منذ ربيع 2011 قبل وصول التمرد المسلح إليها. كانت الكتائب تتدرب في هذه المنطقة، وتُنظم نفسها، وتنطلق منها لشن الهجمات على دمشق. سمح الهجوم الأخير في بداية عام 2013 بدخول المتمردين إلى العاصمة، ثم توقف في حي جوبر. لقد بدأ الجيش بمحاصرة الكتائب في الغوطة، بدلاً من شن هجوم بري واسع لن يكون قادراً على هزيمة الجيش السوري الحر المصمم على القتال حتى آخر رجل داخل الأنقاض. ربما لم يدرك جميع المقاتلين والقادة حتى الآن مدى حجم هذه المناورة. يبدو الوضع أكثر مدعاة لليأس عند الخروج من هذه المنطقة، ولاسيما في مدينة الضمير التي يبدو كل شيء فيها هادئاً مع حلول الظلام. ولكن المعارك تجري بالقرب منها بشكل شبه يومي في مدينة عدرا التي تعرضت المجموعات المتمردة فيها إلى هجوم كيميائي من قبل السلطة. كما يوجد المطار العسكري على بعد خمسة كيلومترات من الضمير. أشار مسؤولو المتمردين في الضمير إلى أن طائرات الشحن الإيرانية تصل إلى هذا المطار حاملة الرجال والبضائع.
     لماذا يُطلق الجنود النار على المدنيين؟ من أجل منعهم من مغادرة مدينة يُسيطر عليها المتمردون، باعتبارها الحلقة الأخيرة في سلسلة الحصار الذي تقوم به السلطة السورية من أجل إغلاق الغوطة. إن مدينة الضمير عادة هي إحدى الطرق المؤدية إلى المنطقة، ويستخدمها المتمردون السوريون لإيصال تموينهم. لقد انقطع كل شيء: السلاح والذخيرة والأدوية وتنقلات القوات. هناك رجل في هذه المدينة بدأ يفقد صبره عند رؤية هذا الحصار. إنه أبو خليل رئيس إحدى الكتائب الصغيرة المشهورة في المنطقة، وهي تابعة لكتيبة تحرير الشام بقيادة فراس بيطار. إن أغلب مقاتلي هذه المجموعة من الغوطة والقلمون. كان أبو خليل المُحاصر في مدينة الضمير يكتم غيظه، ويتساءل حول الخيارات الإستراتيجية التي اتخذها المتمردون السوريون خلال الأشهر الأخيرة. لقد فشلت محاولة نقل الحرب إلى دمشق، ولكن لا أحد يريد تحمّل المسؤولية. قال أبو خليل: "كان يجب التركيز على خارج الغوطة والقضاء على جميع القواعد العسكرية واحدة تلو الأخرى، لأن هذه القواعد هي التي تجعل هذا الحصار ممكناً. من الممكن دراسة معركة دمشق بعد فتح الطرقات".
     للوصول إلى المدن الأولى في الغوطة التي يجري فيها الجزء الأساسي من المعارك، يضطر الرجال إلى السير على الأقدام ليلة كاملة عبر الطرق المتعرجة بين  المواقع الحكومية. قبل عدة ليالي، خرجت عدة كتائب من الغوطة باتجاه الضمير. ولكن تم اكتشافها أثناء عبورها في قنوات الري. قام الجنود بإطلاق النار مستخدمين جميع أنواع الأسلحة. وقع بعض القتلى، ونزفت دماء الجرحى طوال الطريق خلال عدة ساعات من  السير الإجباري، مما أدى إلى موتهم أيضاً، وتم دفنهم بسرعة في الحقول. تخلى الرجال عن الكثير من الأسلحة بسبب الرعب، على الرغم من الثمن الباهظ لكل بندقية كلاشينكوف وقذيفة هاون. لو لم تسقط العتيبة، لما كان ذلك ممكناً. العتيبة هي المدخل الرئيسي للغوطة، وقد سيطرت عليها القوات الحكومية بتاريخ 24 نيسان بعد 37 يوماً من المعارك. أشار المتمردون إلى أنه انتشرت ما بين أربعين إلى ستين دبابة في هذه المنطقة من أجل سحق قواتهم التي تنقصها الأسلحة المضادة للدبابات.
     استمرت الحرب منذ ذلك الوقت في المناطق المحيطة بالعتيبة. قررت عدة كتائب توحيد قواتها لكي يحاولوا فتح هذه المدينة من الخارج. كان رجال جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في خط القتال الأول في العتيبة، لأنهم اعتادوا على القتال في الجبهات الأكثر صعوبة. كما شاركت مجموعات أخرى في القتال مثل لواء الإسلام، من أجل فك الحصار عن الغوطة التي تمتد من المطار الدولي حتى الضمير.
     هل يستطيع السكان والمتمردون مقاومة صدمة الحصار؟ لحقت الأضرار بالجميع في دوما، إحدى المدن الكبرى في الغوطة (أكثر من مئة ألف نسمة قبل الحرب). أمام الجامع المركزي في الحجامة، توجد الكتابات البذيئة التي كتبها الجنود على الجدران عندما استعادوا المدينة. امتلأت الأبنية بالثقوب بسبب قنابل الميغ والهاون. على الساحة الرخامية أمام المأذنة، كانت آثار قذائف الهاون كثيرة لدرجة يبدو أنها جزء من الديكور. في محيط الجامع، كان جميع الرجال يتحدثون بعصبية في وقت واحد، لتحديد قوائم الشهداء الطويلة المُلصقة على الجدران.
     في إحدى ورشات المدينة، تعمل الآلات بلا توقف من أجل صنع مدافع الهاون من جميع العيارات ( من 60 ملم إلى 120 ملم) والذخيرة التي تتلاءم معها والقنابل البدائية وحتى المدافع عديمة الارتداد (سعرها الأولي 2000 دولار) التي تلمع سبطانتها مثل كروم سيارات الكاديلاك. كان هناك رجل يقوم بلحم الأجنحة الصغيرة لقذائف الهاون، ويقوم شخص آخر بتعبئتها بالمتفجرات.
     وصلنا إلى زملكا التي تحول جزء منها إلى حي للأشباح. إنها أحد مداخل دمشق، جسر يحاذي الأوتستراد، وتمت السيطرة عليه بعد شهرين من المعارك. يختبىء متمردو لواء الإسلام في أحد الأبنية الفارغة التي تحولت إلى مركزاً للقيادة. يُرفرف العلم الأسود لكتيبتهم على مركز المراقبة القديم الذي تم انتزاعه من النظام في شهر آذار. وعلى مقربة منه، هناك حطام إحدى الدبابات المدمرة أثناء المعارك. لم يعد التقدم ممكناً إلى أبعد من هذه النقطة باتجاه الحي المجاور في جوبر التي يتواجد فيها بعض العناصر المتقدمة من الجيش السوري الحر. إذا اتجهنا إلى الجنوب قليلاً، هناك نقطة مراقبة أخرى تمت استعادتها من القوات الحكومية خلال الأيام الأخيرة: إنها جسر ثاني فوق الأوتستراد، وتمثل مدخلاً آخراً لدمشق انطلاقاً من حي عين ترما بالقرب من "الفرقة الأولى" التابعة للضابط السابق في سلاح الجو الجنرال أبو محمد الكردي. تتوالى عدة مجموعات صغيرة لحراسة الموقع في عين ترما في حال حصول هجوم مضاد من قبل مدرعات الحكومة التي تتواجد على مسافة عدة مئات من الأمتار على مدخل دمشق. يتسلل المتمردون بين فوضى الدمار لتجنب النيران، ويدخلون أحد ورشات تقطيع الرخام لحماية أنفسهم من نيران العدو.
     بدأت المستشفيات تعاني من نقص في كل شيء. قال أحد الأطباء في مستشفى حمورية السري: "قبل شهرين، كان هناك طريقان للحصول على التموين: الأول عبر العتيبة والثاني عبر دمشق. يواجه البعض أخطاراً كبيرة يومياً من أجل إيصال كميات صغيرة من الأدوية عبر الحواجز. إذا تم القبض عليهم، سيُقتلون على الفور. هناك رجل يأتي كل يوم من مركز العاصمة بسيارته مع عدة كرتونات من الأدوية. لا أحد يعرف اسمه، ولا حتى أنا. إنه أحد الأبطال المجهولين للثورة". كان الطبيب كئيباً، والأمور سيئة جداً. كما هو الحال بالنسبة للكثيرين، لم يُكمل هذا الطبيب دراسته، وذهب إلى مدن الغوطة لممارسة طب الحرب. تنبأ الطبيب قائلاً: "لن يتركوا المدينة قبل تدميرها بشكل كامل. ثم سيُدمرون دمشق كما دمّروا حلب".


(تمام سلام: "لبنان بحاجة إلى حكومة محايدة")

صحيفة الفيغارو 31 أيار 2013 ـ مقابلة مع رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام ـ أجرت المقابلة مراسلتها في بيروت سيبيل رزق Sibylle Rizk

     يجب على النواب اللبنانيين الاجتماع يوم الجمعة 31 أيار لاتخاذ قرار تمديد ولايتهم سنة إضافية على الأقل. سيتم تحديد هذه المدة بالضبط خلال الاجتماع. هناك أغلبية واضحة للتصويت على التمديد، حتى ولو أعلن رئيس الجمهورية ميشيل سليمان عن نيته بتقديم طلب أمام المجلس الدستوري لإلغاء هذا التمديد. بهذه الطريقة، ستتجنب الطبقة السياسية اللبنانية تنظيم الانتخابات التشريعية المرتقبة بتاريخ 16 حزيران، في الوقت الذي يواجه فيه لبنان صعوبات متزايدة لاحتواء تداعيات الحرب السورية. إنه السبيل الوحيد المتبقي الذي يهدف أيضاً إلى تجنب الفراغ المؤسساتي على صعيد السلطة التشريعية، مع العلم أن رئيس الوزراء المُعيّن لم ينجح حتى الآن بتشكيل حكومة جديدة. يشرح تمام سلام في هذه المقابلة لماذا يريد تشكيل حكومة محايدة.
سؤال: هل تؤيدون تمديد ولاية البرلمان؟
تمام سلام: إنها الظروف التي تفرض هذا التمديد. إن انعدام الأمن في عدة مناطق لبنانية لا يُشجع على تنظيم الانتخابات. كما لم تنجح الأحزاب السياسية بالتفاهم حول قانون انتخابي جديد على الرغم من الجهود المبذولة في هذا الصدد. أصبح التمديد حتمياً لتجنب الفراغ المؤسساتي. صحيح أنه ليس مؤشراً جيداً حول صحة الديموقراطية اللبنانية، ولا يجب تجاهل ذلك. من جهة أخرى، إن رفض الفراغ المؤسساتي أمر إيجابي، وآمل أن يتغلب المنطق نفسه على المستوى التنفيذي.
سؤال: على الرغم من تعيينكم رئيساً للوزراء بأغلبية ساحقة من قبل النواب، لم تنجحوا بعد مضي شهرين بتشكيل حكومة كان هدفها الأولي تنظيم الانتخابات التشريعية. هل سيؤدي تأجيل انعقاد البرلمان إلى زيادة فرص نجاحكم؟
تمام سلام: قام 124 نائباً باختياري من أصل 128، أي أنه شبه إجماع. للأسف، بدأت الأحزاب بعد ذلك مباشرة بوضع العراقيل. وصلت درجة انعدام الثقة بين جميع الأطراف إلى ذروتها. لهذا السبب، حددت منذ البداية معايير الحكومة التي أتمنى تشكيلها: الأول، لا للثلث المعطل لأية جهة. سأكون الكفيل بالحفاظ على التوازن بين المكونات الثلاثة للحكومة، أي ممثلي 14 آذار و ممثلي 8 آذار وممثلي الوسط. المعيار الآخر هو رفض الوزراء الذين ينتمون إلى الأحزاب، لتجنب إقامة الحواجز داخل مجلس الوزراء. هذا ما جرى حتى الآن عبر تعطيل عمل السلطة التنفيذية. برأيي، يجب أن تبقى الأحزاب خارج الحكومة من أجل الحفاظ على مساحة من الحيادية والاستقرار. أشارت استطلاعات الرأي في الشهرين الماضيين إلى أكثر من 70 % من اللبنانيين يؤيدون مثل هذه الصيغة. سأضاعف جهودي في الأيام القادمة من أجل  التوصل إلى اتفاق، ولكنني لا أتمنى العمل بتسرع. إنها ليست مسألة تمديد المشاورات عدة أشهر كما جرت العادة. حان الوقت لكي أتحمل مسؤولية خياراتي بوضوح (أي تشكيل حكومة مع خطر عدم الحصول على ثقة البرلمان).
سؤال: إلتزم رئيس الوزراء المستقيل بسياسة "النأي بالنفس" عن الحرب في سورية. ألم يصبح لبنان مجبراً اليوم على اتباع سياسة احتواء تداعيات هذه الحرب؟
تمام سلام: إن لبنان بحاجة إلى البقاء بعيداً عمّا يجري في سورية التي أصبح الوضع فيها خطيراً. يجب الحفاظ بأي ثمن على الوحدة الوطنية. من الواضح أن الانخراط العسكري لحزب الله، لن يُسهّل الأمور. ولكن ذلك ليس سبباً للاستسلام. كان رئيس  الجمهورية واضحاً حول هذه النقطة: يجب علينا إقناع حزب الله بعدم الغرق أكثر من ذلك في سورية.
سؤال: سواء على الصعيد الأمني أو على صعيد استقبال اللاجئين السوريين، أليست الدولة اللبنانية مجبرة على الوقوف موقف العاجز؟
تمام سلام: لا بالتأكيد. يتحرك الجيش باستمرار لاحتواء بؤر العنف، كما حصل في طرابلس على سبيل المثال. فيما يتعلق باللاجئين الذين تجاوز عددهم 700.000 لاجىء (يجب أيضاً إضافة العمال السوريين، الأمر الذي يجعل عدد السوريين في لبنان أكثر من مليون)، لا يستطيع لبنان أن يتحمل عبء اللاجئين لوحده، لأنه عبء ثقيل اقتصادياً واجتماعياً. يجب على المجتمع الدولي أن يساعدنا على معالجة هذه المسألة الإنسانية. إن الدعم الحالي غير كافي أبداً.
سؤال: هل تؤيدون قرار الاتحاد الأوروبي برفع الحظر عن إرسال الأسلحة إلى المتمردين السوريين، أو هل تخشون من أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة العنف في لبنان؟
تمام سلام: على أي حال، إن أثر الحرب السورية على لبنان أصبح حقيقة. إن شعوري هو أنه يقع على عاتق الدول العظمى مسؤولية العمل من أجل حل سياسي يُعيد السلام إلى سورية. كان الخيار العسكري مُدمراً جداً، وتدفع سورية ثمنه باهظاً.
سؤال: قررت فرنسا اقتراح إدراج "الجناح العسكري لحزب الله" على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية، هل تؤيدون هذا المسعى؟
تمام سلام: الاتحاد الأوروبي حرّ بقراراته. فيما يتعلق بي، أعتبر حزب الله كحزب مقاومة، ولن يتغيّر ذلك ما دام بلدنا مُهدداً ومُحتلاً من أعدائنا الإسرائيليين الذين ينتهكون باستمرار سلامة وسيادة لبنان. إن انخراط حزب الله في سورية لن يُغيّر شيئاً من ذلك.


الخميس، ٣٠ أيار ٢٠١٣

(سورية: حرب إقليمية، حل إقليمي)

صحيفة الفيغارو 30 أيار 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     تتجاوز مأساة القصير الإطار السوري بشكل كبير. يوجد في هذه المدينة آلاف الأجانب التابعين للحركة الجهادية السنية جبهة النصرة، وهم يشاركون في معركة بالغة العنف ضد حوالي ألف رجل من الميلشيا الشيعية لحزب الله، جاؤوا لدعم قوات بشار الأسد. القصير هي المعقل الأخير للفتنة بين الأخوة الأعداء السنة والشيعة في الإسلام. إن هذه الفتنة تهدد سورية والعراق (خمسون قتيل شيعي يوم الاثنين 27 أيار) ولبنان (اطلاق قذائف صاروخية على الضاحية الجنوبية في بيروت يوم الأحد 26 أيار) والبحرين،  بالإضافة إلى السعودية على المدى الطويل.
     أصبحت هوّة الحقد عميقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويعتبر الكثير من السنة  أن العدو لم يعد إسرائيل بل "المحور الشيعي" الذي أدانه حسني مبارك وملك الأردن قبل عدة سنوات. في المشرق، هناك مواجهة بين السعوديين والقطريين من جهة وإيران وسورية من جهة أخرى بدعم من الميليشيات القادمة من لبنان والعراق. أصبح النزاع إقليمياً أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن أن يكون حلّه إلا إقليمياً. لكي يكون هناك فرصة لنجاح المؤتمر الدولي القادم في جنيف، يجب أن يجمع المؤتمر جميع الأطراف المتصارعة: النظام السوري ومعارضيه، وجيرانه الأتراك والأردنيين واللبنانيين، ثم السعودية ومصر وقطر وإيران. هذا ما تطالب به روسيا، وتعتقد الأمم المتحدة أنه لن يكون بالإمكان طلب خروج حزب الله من سورية بدون طهران.
     يتصف موقف الولايات المتحدة بالبراغماتية، فقد تفاوضت سابقاً مع إيران من أجل الانسحاب من العراق، وهي تفكر بالقيام بالشيء نفسه حالياً. ولكن ممالك الخليج وفرنسا وبدرجة أقل بريطانيا يُعارضون مشاركة إيران في هذا المؤتمر. تؤكد باريس بعناد أن إيران جزء من المشكلة، ولا يمكنها أن تكون جزءاً من الحل. قال أحد المحللين: "رفض لوران فابيوس لقائين مع نظيره الإيراني، ويشعر بالانزعاج عندما يُحدّثونه عن نظام طهران". إن تصلب موقف لوران فابيوس تجاه طهران يعود تاريخه إلى منتصف الثمانينيات عندما كان رئيساً للحكومة، وكانت باريس أنذاك مسرحاً لعمليات التفجير التي كانت تقف وراءها مجموعات تعمل ضمن الفلك الإيراني.
     سواء بدون مشاركة طهران أو مع مشاركتها في المؤتمر الدولي، هناك حاجة ماسة وعاجلة للتوصل إلى حل إقليمي في سورية بسبب وجود ما يتراوح بين 12000 و18000 جهادي أجنبي فيها، وأغلبهم يقاتل مع جبهة النصرة التي صنفتها الولايات المتحدة ضمن المنظمات الإرهابية، وتتمنى فرنسا أن تفعل الشيء نفسه. يتصدر هؤلاء الجهاديون المعركة في مواجهة الجيش النظامي الذي استعاد قواه. هناك 800 جهادي أوروبي، بالإضافة إلى مئات الليبيين والتونسيين والعراقيين والسعوديين والكويتيين والأتراك والشيشان والداغستانيين الذين يحتجزون رجلي دين من حلب منذ أكثر من شهر.
     يتمثل الخطر بسقوط السلطة في دمشق بيد الجهاديين، ولم يعد هذا الخطر مجرد فكرة طوباوية. ولكن لا يجب أن نخطىء: لن يُغادر جنود حزب الله سورية قبل أن يتركها القتلة المأجورين التابعين لتنظيم القاعدة. ولكن من يستطيع إجبارهم على الرحيل؟ الجواب هو العرّابون الإيرانيون والسعوديون والقطريون عندما يجتمعون حول طاولة المفاوضات.
     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الأقليات العلوية والمسيحية، بدأ الخطر الجهادي يُقلق فئات متزايدة أكثر فأكثر من السكان الذين بدؤوا يُظهرون غضبهم في الرقة. إن الرقة هي المدينة الرئيسية الوحيدة التي سقطت بأيدي المتمردين قبل شهرين. قال أحد المعارضين متأسفاً: "فشلت هذه التجربة الأولى للأسف". يقوم الإسلاميون المتطرفون بتطبيق الشريعة في الرقة منذ ذلك الوقت، وأصدرت محاكمهم مؤخراً قراراً بإعدام ثلاثة جنود بسبب انشقاقهم، الأمر الذي أدى إلى تظاهر السكان الذين لم يقوموا بالثورة من أجل استبدال الدكتاتورية البعثية بدكتاتورية أصولية.

     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من دفاع حزب الله عن نظام الأسد في مدينة القصير، يسعى حزب الله بشكل أساسي إلى حماية بنيته التحتية السرية كالغرف المحصنة والأنفاق الواقعة على الجانب الآخر من الحدود في منطقة الهرمل التي يُخفي فيها بعض أسلحته الإستراتيجية لمواجهة إسرائيل. لا يجهل حزب الله أنه بمجرد سقوط النظام الموالي لإيران في دمشق، فإن أعداءه السنة في الخليج سيستهدفون بغداد وبيروت بصفتهما المعقلين الأخيرين للمحور الشيعي. إذاً، هناك حاجة عاجلة لإيقاف نزيف الانقسام الطائفي.

(سورية: السور)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 30 أيار 2013

     بدأ جيش بشار الأسد بمهمة جديدة منذ منتصف شهر أيار هي: حفر الخنادق وتكويم الرمل، بهدف بناء سور أمني لمنع تسلل المتمردين. أشار بعض الشهود إلى وجود سور ترابي ارتفاعه خمسة أمتار وفوقه أسلاك شائكة على طول النهر الكبير مقابل قرية حكر الضهري اللبنانية. وكذلك الأمر بالنسبة لقرية وادي خالد اللبنانية المؤدية إلى حمص.
     بدأت أنقرة أيضاً ببناء حواجز اسمنتية ووضع أسلاك شائكة وكاميرات مراقبة على الحدود التركية ـ السورية. أعلنت تركيا عن بناء جدار مزدوج طوله 2.5 كم في المركز الحدودي التركي CILVEGOZU، من أجل تجنب عمليات تفجير جديدة من قبل النظام السوري.


(صحيفة اللوموند طلبت تحليل عيّناتها)

صحيفة اللوموند 29 أيار 2013

     طلبت صحيفة اللوموند تحليل العينات التي جلبتها من سورية عن طريق صحفييها في إطار التحقيق الذي تقوم به الصحيفة حول إحتمال استخدام الأسلحة الكيميائية في هذا النزاع. قام الأطباء السوريون بأخذ هذه العينات ميدانياً من ضحايا التسمم بالغازات السامة أثناء المعارك.
     يوجد مركز علمي وحيد في فرنسا يحق له القيام بمثل هذه التحاليل، وهو تابع لوزارة الدفاع الفرنسية. لذلك، تم تسليم هذه العينات للسلطات الفرنسية التي تعهدت بتسليم صحيفة اللوموند النتائج الكاملة للتحليل.

     لكي تدخل إحدى المواد في فئة الأسلحة الكيميائية، يجب أن تكون معروفة بشكل واضح كعناصر ممنوعة بموجب بميثاق منع الأسلحة الكيميائية المُوقّع عام 1993. إن الأعراض التي لوحظت لدى ضحايا استخدام الغازات السامة في سورية، تُشبه الآثار الناجمة عن المواد السامة الموجودة في الترسانة الكيميائية السورية.

(السيناتور ماكين يلتقي مع المتمردين داخل سورية)

صحيفة اللوموند 29 أيار 2013 نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية AFP

     أشار الناطق الرسمي باسم السيناتور الجمهوري الأمريكي جون ماكين إلى أن المرشح السابق للبيت الأبيض قام بعبور الحدود بين تركيا وسورية بتاريخ 27 أيار لكي يلتقي برؤساء المتمردين السوريين. من المعروف أن ماكين يعمل من أجل تسليح المتمردين السوريين.
     أشار الموقع الإلكتروني Thedailybeast.com إلى أن السيناتور بقي عدة ساعات في سورية، وإلتقى خلالها مع رئيس أركان الجيش السوري الحر الجنرال سليم إدريس الذي طلب من الولايات المتحدة تسليمه أسلحة ثقيلة، وإقامة منطقة حظر جوي، والقيام بضربات جوية ضد النظام السوري.

     كان السفير الأمريكي المُكلف بالملف السوري روبرت فورد قد قام بالزيارة نفسها قبل أسبوعين، وتطرق مع القادة العسكريين المتمردين في سورية إلى مسألة تزويدهم بالأسلحة.

(رأس التقدم المتمرد)

صحيفة اللوموند 29 أيار 2013 بقلم مراسليها الخاصين في جوبر جان فيليب ريمي Jean-Philippe Rémy ولوران فان دير ستوكت Laurent Van der Stockt اللذان دخلا إلى سورية وبقيا فيها لمدة شهرين مع المتمردين في دمشق والمناطق المحيطة بها (الحلقة الثانية)

     انحنى أبو محمد على صديقه الذي يتألم وينزف دمه. فجأة، دخل متمردون آخرون من كتيبة تحرير الشام إلى غرفة الاستقبال المهدمة، لكي يلجؤون إليها بالقرب من خط المواجهة في مدخل دمشق على مسافة حوالي عشرين متراً من الجنود النظاميين. كان الجو صاخباً وعصبياً ويُنذر بالشؤم، وبدأت بقعة الدم تتسع على الأرض بسرعة مُربكة. يجب إخراج هذا الصديق بأقصى سرعة من جوبر التي يُسيطر عليها متمردو الجيش السوري الحر منذ شهر شباط، وإرساله إلى أحد المستشفيات الواقعة تحت سيطرة المتمردين في منطقة الغوطة لتقديم الإسعافات الأولية. لا شك أنه سيعالج بشكل مؤلم جداً، ولكن نزيف دمه سيتوقف على الأقل.
     في صباح هذا اليوم، كان رجال كتيبة أبو محمد وقائدهم أبو جهاد المُلقب بـ "أركيلة" يُفكرون بشن هجوم ضد المنزل المُقابل الذي يُسيطر عليه جنود الحكومة. إنه هجوم روتيني في محاولة للتقدم عدة أمتار إضافية نحو ساحة العباسيين. تكبد المتمردون بعض الخسائر قبل أن يتقدموا متراً واحداً، ولم ينته الأمر عند هذا الحد. سقط مقاتل آخر على الأرض فاقداً الوعي على مسافة حوالي عشرين متراً منهم، ربما كان يحتضر، ولكنه سقط في مكان مُعرض لنيران الطرف الآخر. عندما يهدأ إطلاق النيران، يمكن سماع أجراس الكنائس في الحي المسيحي بالمدينة القديمة في دمشق على مسافة بضعة مئات من الأمتار. ما زالت العاصمة تعيش وتُصلي، إنها بعيدة وقريبة في آن معاً.
     كان أبو محمد بشوشاً في بداية هذا اليوم، وكان يضحك عندما أطلق اسم "مقاديشو" على جوبر. هناك غرف استقبال من أجل الحرب، وفجوات كبيرة في الجدران من  أجل التنقل، وشوارع لا يمشي فيها أحد. زالت ابتسامة أبو محمد مع وصول بعض الذخيرة داخل أكياس البلاستيك. استولى الرجال بسرعة على الذخيرة، وعادوا إلى إطلاق النار من وراء أكياس الرمل أو من الفتحات المثقوبة في الجدار الأكثر قرباً.
     استطاعت مجموعة من الرجال الوصول إلى الجريح، وبدؤوا طريق العودة الشاقة عبر متاهات المنازل المهدمة. من أجل البقاء على قيد الحياة أثناء طريق العودة، يجب سلوك متاهة الفجوات في الجدران بدون الخروج من المنازل بسبب القناصين الأعداء، والتخبط بوحل الأنفاق مثل الفئران الخائفة، والركض مُقرفصين داخل الخنادق. وصل الرجال مع الجريح الملفوف بغطاء وسخ إلى سيارة الإسعاف الأولى، وهي عبارة عن ميكروباص تلوثت مقاعده بشكل قبيح. انطلقت السيارة خارج جوبر باتجاه الغوطة، مُتعرضة لقذائف الدبابات التي تعمل على قطع مخرج الحي الوحيد الذي يُسيطر عليه التمرد في دمشق. إذا واتاه الحظ، سيتعافى الجريح، وسنراه قريباً في فوضى جوبر. لقد تشتت العائلات وتدمرت المدن، ولم يبق أمام المقاتلين المتمردين في سورية إلا كتائبهم كنقطة ارتكاز لهم.
     فشلت "معركة دمشق" الأولى في شهر تموز بسرعة، واستطاع جيش بشار الأسد شن هجوم معاكس في الأشهر اللاحقة لإبعاد المتمردين إلى المنطقة الزراعية في الغوطة. ثم استطاع المتمردون في بداية العام عكس التيار، وركّزوا قواتهم في جوبر. كان من المفترض أن يكون ذلك بداية المعركة النهائية عبر نقل الحرب إلى داخل العاصمة، وتوجيه الضربة القاضية للنظام السوري. لم تتحول العاصمة منذ ذلك الوقت إلى ساحة للقتال والانتصارات الحاسمة. استطاعت بعض العناصر المتقدمة من عدة وحدات تابعة للجيش السوري الحر (وأهمها كتيبة الإسلام) الوصول بسرعة إلى مقربة من ساحة العباسيين. لم تدفع القوات الحكومية بقوات النخبة إلى هذه المعركة، ولكنها غير مستعدة للتنازل عن شبر واحد من الأرض بسهولة. اعتبر الجنرال أبو محمد الكردي الذي انشق عن سلاح الطيران السوري وانضم إلى التمرد، أنه تم تحويل حوالي ستين بناء إلى أماكن محصنة مثل: الثكنات والأبنية الإدارية والعديد من أبنية المخابرات، بالإضافة إلى تجنيد أعداد كبيرة من عناصر الميليشيات من الشبيحة.
     تقوم المدفعية الحكومية بقصف جوبر بشكل كثيف انطلاقاً من جبل قاسيون. ولكن السلطة لم تبدأ هجوماً واسعاً في هذه المرحلة، بل تستنزف العدو عبر القذائف المدفعية وسلسلة من المعارك داخل كل منزل. لكي يتقدم متمردو كتيبة تحرير الشام نحو الأحياء المركزية في دمشق، يجب عليهم عبور عدة مجموعات من المنازل وعدة شوارع عريضة والهجوم على أبنية كبيرة في ساحة مكشوفة. إنها عقبات لا يمكن تجاوزها.
      لا يمكن المخاطرة بعبور الشوارع المُعبدة بسبب القناصين، وتستطيع الدبابات الحكومية المنتشرة في المحاور الرئيسية سحق أية محاولة للتوغل. لا يملك رجال كتيبة تحرير الشام إلا بعض الراجمات المضادة للدبابات من طراز M79، كرواتية الصنع، التي تمثل حصتهم المتواضعة من الأسلحة التي وصلت عبر بلد مجاور قبل عدة أسابيع. قال رئيس كتيبة تحرير الشام فراس بيطار: "هل تعتقدون أن الدول الغربية ستفهم أنه لكي تساعدنا على الانتصار بالحرب، فإننا بحاجة إلى أسلحة لتدمير الدبابات". كان ذلك في بداية شهر نيسان، وقد يأس المتمردون من الحصول على المساعدات الموعودة، في الوقت الذي تستعيد فيه السلطة السورية تقدمها العسكري.
     بالتأكيد، لا تستطيع مدرعات السلطة دخول الشوارع الضيقة في جوبر التي تتمركز بها قوات الجيش السوري الحر، إلا عن طريق تدمير كل شيء. إذاً، يضطر الطرفان إلى القتال مثل الكلاب عن طريق إظهار جميع أنواع التكتيك الدامية في حرب المدن داخل الأنقاض. تسقط القذائف الصاروخية على جوبر بشكل عنيف، وتهدم أسطحة المنازل، وتقتل المقاتلين بالصدفة.  في نهاية شهر نيسان، بدأت الهجمات الكيميائية الأولى على مواقع المتمردين في جوبر.
     قاتلت كتيبة تحرير الشام في مدن الغوطة فترة طويلة من أجل عبور المحلق الذي يدخل دمشق. فتحت كتيبة الإسلام الطريق في شهر شباط، ثم لحقتها بقية الكتائب لاختراق جوبر. انتشت الكتائب بهذا الانتصار ووصولهم إلى قرب ساحة العباسيين، وقام رجالها بتصوير انتصارهم، ونشروا صور انجازاتهم وتبجحهم على اليوتوب من أجل احتياجات القضية، وأيضاً من أجل إقناع مموليهم الأجانب، ولاسيما في الخليج، بإظهار كرمهم. كان ذلك فخاً. توقفت معركة جوبر في هذه المرحلة عند هذه الجدران التي تنهار شيئاً فشيئاً.
     سقط جريح ثاني صباح هذا اليوم، مما أثّر على معنويات رجال "الأركيلة". لم تستطع الكتيبة التقدم شبراً واحداً حتى الآن. هذا هو "أبو عرب" الحرامي السابق الفخور بعضلاته، لقد وجد الفائدة منها في معركة الكلاب هذه. لقد أصبح هو أيضاً شاحباً جداً بسبب الخوف والشجاعة والعنف. لقد قام للتو بوضع قنبلة في المنزل المعادي المقابل. ولكنه لم يشاهد الجنود الحكوميون على بعد عدة أمتار منه عندما الذين أطلقوا النار بكثافة.
     وقع انفجار آخر. حاول أبو جهاد الاستفادة منه لنجدة أحد المقاتلين المصابين، ولكن الجريح مات قبل الوصول إليه بقنبلة مزّقت جسده، ولكن لا أحد يعرف فيما إذا كانت قنبلة صديقة أم عدوة. قُتِل رجل آخر أيضاً قبل ساعة، كان يحمل أربيجي (RPG) في زاوية يعتقد أنها ملائمة للتسديد، ولكن لم يتسن الوقت له للضغط على الزناد، فقد اخترقت إحدى الرصاصات جبهته، ومات على الفور.
     فقدت الحرب في جوبر حيوية الأيام الأولى للتوغل. في الأيام الأولى للهجوم، لم يكن هناك صرخات  الحرب أو الانتصار في كل لحظة كما تفعل الوحدات المتمردة الحديثة العهد في الحرب، ولم يكن هناك هذه الشحنة الكبيرة من الإيمان كما هو الحال بالنسبة لعناصر جبهة النصرة. إن مقاتلي الكتائب مُتعبون. عندما يُظهرون صورهم التي إلتقطوها قبل عدة أشهر بواسطة هواتفهم، يظهر عليهم أنهم كبروا عشر سنوات بالسن بسبب لحاهم وشحوبهم وحزنهم واللائحة الطويلة للأصدقاء الذين سقطوا شهداء يوماً بعد يوم في هذه الحرب التي لم يتأكدوا تماماً بأنهم فهموها، ولكنهم لا يستطيعوا العودة عن هذا الطريق.
     يعرف الجميع أن الموت سيكون بأسوأ الأشكال. أطلق مقاتلو كتبية (لواء البحرة) النار من النوافذ. لقد وصل مقاتل من جبهة النصرة ليواصل حربه العالمية الطويلة مع ابنه البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، وغضب عندما اكتشف وجود صحفيين غربيين اثنين، وسأل: "هل هما مسلمان؟". تمت تهدئته بعد قليل في بناء مجاور، وتم سحب منفضة السجائر لكي لا يراها. تنظر الكتائب بعين الرضى للمساعدة من قبل مقاتلي جبهة النصرة، ولكنها ليست مستعدة للسماح لهم بإملاء سير الأمور في دمشق.
     كان هناك بين المتمردين مقاتل من حزب الله اللبناني قرر تغيير معسكره لأسباب غامضة. هناك أيضاً عضو من الطائفة العلوية. بقيت على الأرض بعض بقع الدماء بالقرب من المراحيض، أي في المكان الذي تم فيه القضاء على المقاتلين النظاميين أثناء الاستيلاء على البناء قبل عدة أيام. إلتقط المتمردون صور هويات شخصية أفغانية وعراقية وإيرانية، كما لو أن المرتزقة الدوليين جاؤوا للقيام بالجزء الأصعب من الحرب على الجبهات الحكومية التي يموتون فيها مثل الكلاب، من أجل الحفاظ على العناصر الأفضل والأكثر فعالية وإخلاصاً للمراحل القادمة.


الأربعاء، ٢٩ أيار ٢٠١٣

(الأسلحة الكيميائية في سورية: النقاش المخفي)

صحيفة اللوموند 28 أيار 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe ومراسلتها في نيويورك ألكسندرا جينيست Alexandra Geneste ومراسلتها في واشنطن كورين لينس Corine Lesnes

     اعترف أحد الدبلوماسيين في واشنطن قائلاً: "كلما تحدثنا بشكل أقل عن الأسلحة الكيميائية، كلما كان ذلك أفضل". انفردت صحيفة اللوموند يوم الثلاثاء 28 أيار بنشر تحقيق كان ثمرة عمل ميداني استمر لمدة شهرين في دمشق ومنطقتها، ويُشير إلى أن الجيش السوري يستخدم الغاز الحربي بتواتر أكبر بكثير مما كان يُعتقد حتى الآن، حتى ولو كانت الكميات المستخدمة تبدو أنها قليلة. تحاول القوى العظمى الغربية التكتم حول هذه المسألة الشائكة.
     ساهم الرهان الحالي حول المؤتمر الدولي في جنيف بحجب الأنظار عن النقاش حول "الخط الأحمر" الذي أعلن عنه باراك أوباما. هذا الخط الذي يُفترض به أن "يُغيّر المعادلة" في النزاع السوري. أكد مصدر دبلوماسي في الأمم المتحدة أن "الموضوع ما زال تحت المراقبة، ولكنه لم يعد في المرتبة الأولى"، وأضاف أن الأولوية حالياً هي للمفاوضات بين الأطراف المتخاصمة.
     أشار المنسق الخاص للأمم المتحدة من أجل عملية السلام في الشرق الأوسط الهولندي روبرت سيري Robert Serry أمام مجلس الأمن بتاريخ 22 أيار إلى "وجود معلومات متزايدة" حول استخدام الأسلحة الكيميائية في ساحة القتال السورية. وأكد دبلوماسي في الأمم المتحدة قائلاً: "نحن نواصل تلقي المعلومات حول وقوع حوادث جديدة منذ بداية شهر نيسان"، ولكن دون أن يُحدد تاريخها أو مكانها.
     قام المراسلان الخاصان لصحيفة اللوموند على خط الجبهة في جوبر بتقديم تفاصيل عديدة حول استخدام الأسلحة الكيميائية. كانت وسائل الإعلام الغربية حتى الآن تُقدّر عدد الهجمات بالغاز المُشتبه بها بحوالي ست هجمات: في حمص بتاريخ 23 كانون الأول 2012، وفي خان العسل (19 قتيلاً)، وفي العتيبة وعدرا (19 قتيلاً)، وفي الشيخ مقصود بحلب بتاريخ 19 نيسان وفي سراقب بتاريخ 29 نيسان. ولكن التحقيق الذي تنشره صحيفة اللوموند اليوم 28 أيار يُضيف العديد من الحالات المُشتبه بها إلى هذه القائمة.
     لا تريد الحكومات الغربية توفير الحجة لدمشق لإفشال المؤتمر الدولي، وتتجاهل مسألة الأسلحة الكيميائية في الوقت الحالي. كما أشار دبلوماسي غربي إلى أن تكتم المعسكر المعارض للأسد يهدف أيضاً إلى تجنب بث الرعب لدى السكان المدنيين.
     تمت مناقشة فرضية  مواجهة وضع طارىء على صعيد الأسلحة الكيميائية، وذلك على هامش النقاشات التي أجراها بعض المسؤولين السياسيين الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين في واشنطن بتاريخ 16 أيار حول النص الذي سيُقدم إلى المؤتمر الدولي في جنيف. كيف يمكن تأمين مستودعات هذه الأسلحة في حال الانهيار المفاجىء للسلطة المركزية؟ كيف يمكن تدميرها، مع العلم أن مثل هذه العملية بالغة الصعوبة وتحتاج إلى خبرة عالية جداً؟ أثارت هذه الأسئلة العديد من النقاط المُقلقة وغذّت الحذر على المستويات العليا. قال أحد الدبلوماسيين: "إن تحديد أماكن جميع هذه المستودعات، يجعلنا بحاجة إلى الروس الذين ما زال لديهم قنوات اتصال مع كبار الضباط السوريين".
     يقوم محققو الأمم المتحدة بدراسة جميع المعلومات المتوفرة خارج سورية بسبب عدم قدرتها على دخول الأراضي السورية، ويستجوبون الأطباء واللاجئين المُقيمين في الدول المجاورة الذين كانوا شاهدين على الهجمات الكيميائية المحتملة. أشار موقع الأنترنت الأمريكي Thedailybeast إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية تعمل في الكواليس من أجل تحديد هوية هؤلاء الأشخاص الأساسيين وجلبهم إلى تركيا.

     يعرف المحققون أن الوقت محدود. كلما تأخروا بالوصول إلى المواقع المعنية، كلما كانت العناصر المأخوذة أقل إقناعاً. وعندما سيستطيعون الوصول إلى هذه المواقع لتأكيد استخدام الأسلحة الكيميائية، سيكون من الصعب إثبات الجهة التي قامت باستخدامها. كما أن المهمة الموكلة إليهم لا تسمح لهم بذلك، وتقتصر على إثبات استخدام أسلحة سامة بشكل علمي.

(الحرب الكيميائية في سورية)

صحيفة اللوموند 28 أيار 2013 بقلم مراسليها الخاصين في جوبر جان فيليب ريمي Jean-Philippe Rémy ولوران فان دير ستوكت Laurent Van der Stockt اللذان دخلا إلى سورية وبقيا لمدة شهرين مع المتمردين في دمشق والمناطق المحيطة بها (الحلقة الأولى)
     لا يُشبه الهجوم الكيميائي على جبهة جوبر أي شيء يلفت الانتباه، أو شيء يمكن اكتشافه. هذا هو الهدف المنشود: عندما يُدرك مقاتلو الجيش السوري الحر في المواقع الأمامية بدمشق أنهم تعرضوا إلى مواد كيميائية من قبل القوات الحكومية، سيكون ذلك بعد فوات الأوان. في البداية، يُسمع صوت ضجة معدنية بسيطة تشبه القرقعة. لم يُثر هذا الصوت انتباه مقاتلي الفترة الصباحية في كتيبة تحرير الشام ضمن قطاع "البحرة 1" في حي جوبر. قال مسؤول العمليات في الكتيبة عمر حيدر المسؤول عن هذا القطاع المتقدم على بعد 500 متر عن ساحة العباسيين: "اعتقدنا أنها قذيفة هاون لم تنفجر، ولم يعرها أحد الانتباه".
     لم تنبعث أية رائحة أو دخان أو حتى مجرد صافرة للإشارة إلى إطلاق غاز سام بعد سماع هذا الصوت. ثم تظهر الأعراض عندما يسعل الرجال بشدة ويشعرون بالحرقة في عيونهم وينكمش بؤبؤ العين إلى أقصى حد وتصبح الرؤيا باهتة. وبعد فترة قصيرة، تظهر أعراض ضيق التنفس الحادة أحياناً بالإضافة إلى الإقياء والدوخة. يجب إخلاء المقاتلين المصابين بأقصى سرعة قبل أن يختنقوا.
     كان المراسلان الصحفيان الخاصان لصحيفة اللوموند شهوداً خلال عدة أيام متتالية في هذا الحي الذي اخترقته المعارضة في شهر كانون الأول. استطعنا خلال التحقيق الذي أجريناه خلال فترة شهرين في محيط العاصمة السورية، جمع عناصر شبيهة في محيط أوسع بكثير. إن خطورة الحالات وتعددها والتكتيك المستخدم لمثل هذه الأسلحة يُظهر أنها ليست مجرد استخدام غازات مسيلة للدموع على الجبهات، ولكنها مواد من فئة أخرى أكثر سميّة بكثير.
     تقترب خطوط العدو في جبهة جوبر كثيراً لدرجة يمكن توجيه الشتائم أحياناً. بدأت مشاهد الهجوم بالغاز بالظهور في هذا الحي بشكل متفرق خلال شهر نيسان. لا يوجد  استخدام واسع للغازات على مسافة عدة كيلومترات، بل يتم استخدامها عند الحاجة من أجل استهداف نقاط المواجهة الأكثر صعوبة مع العدو المتمرد الأكثر قرباً. هذا القطاع هو نقطة الدخول الأكثر عمقاً داخل دمشق بالنسبة لمجموعات الجيش السوري الحر.
     قطاع "البحرة 1" هو الأكثر تقدماً باتجاه ساحة العباسيين الإستراتيجية. واجه رجال أبو جهاد المُلقب بـ "الأركيلة" أول هجوم من هذا النوع مساء يوم الخميس 11 نيسان. تفاجأ الجميع في البداية. لقد سمعوا عن استخدام الغازات في الجبهات والمناطق الأخرى في سورية (ولاسيما في حمص ومنطقة حلب) خلال الأشهر السابقة، ولكن ما العمل عندما يواجهون هذه الظاهرة؟ كيف يمكن الوقاية بدون التخلي عن مواقعهم وإعطاء انتصار سهل للعدو؟ قال أحد المقاتلين: "تم إخلاء بعض الرجال، وبقي البعض الآخر مشلولاً من الرعب. ولكن لم يتم التخلي عن الموقع. أمرنا الجنود في المواقع الأمامية للجبهة أن يضعوا أقمشة مبللة لحماية وجوههم". بعد هذا الحادث فوراً، تم توزيع بعض كمامات الغاز على الرجال الذين يحرسون المواقع الثابتة بشكل خاص. ويكتفي البعض الآخر بوقاية بسيطة جداً مثل الكمامات الطبية.
     تعرضت أيضاً "القوات الخاصة" للمتمردين في لواء مراوي (Marawi) الغوطة إلى مواد كيميائية أكثر تركيزاً بالقرب من سوق اللحم الذي تتواجد فيه دبابات الحكومة، وذلك بالنظر إلى آثارها على المقاتلين. لقد وجدناهم بعد عدة ساعات في المستشفيات وهم يعانون من أجل البقاء على قيد الحياة. لم يترك المقاتلون في جوبر مواقعهم، ولكن الباقين منهم "شعروا بالرعب وحاولوا تهدئة أنفسهم بالصلاة" كما اعترف أبو عتال أحد مقاتلي "تحرير الشام". لقد مات رجل في كتيبة أخرى بالقطاع المجاور اسمه إبراهيم درويش بتاريخ 18 نيسان.
     تعرض الجزء الشمالي من جوبر إلى هجوم مشابه أيضاً. أكد قائد الفرقة الأولى في الجيش السوري الحر (تضم الفرقة خمسة كتائب) الجنرال أبو محمد الكردي أن رجاله شاهدوا الجنود النظاميين يتركون مواقعهم، ثم ظهر رجال "يرتدون ألبسة واقية من الأسلحة الكيميائية"، ثم وضع هؤلاء الرجال على الأرض "نوعاً من  القنابل الصغيرة التي تشبه الألغام"، وانبعثت منها مادة كيميائية في الجو. وأضاف أن رجاله قتلوا ثلاثة من هؤلاء الرجال المتخصصين. هل أخذوا الألبسة الواقية من الجثث؟ لا أحد يعرف... تحدث الجنود الذين تعرضوا للغاز مساء ذلك اليوم عن رعب كبير وعن تراجع إلى الوراء. لن يستطيع المدنيون أو المصادر المستقلة نفي أو تأكيد هذه المعلومات، لأنه لم يبق أحد في جوبر باستثناء المقاتلين المنتشرين في مختلف جبهات الحي.
     لم يمنع ذلك من ملاحظة النتائج المدمرة للغاز المستخدم من قبل الحكومة السورية على أبواب عاصمتها. وقع في أحد الأيام هجوم كيميائي على إحدى الجبهات في جوبر. شاهد مصور صحيفة اللوموند بتاريخ 13 نيسان المقاتلين الذين يحاربون في الأبنية المهدمة عندما بدؤوا بالسعال، ثم وضعوا كمامات الغاز بدون استعجال ظاهر، ولكن بعد أن تعرضوا فعلاً للغازات. قرفص بعض الرجال مُختنقين وتقيأوا. يجب الهرب فوراً من القطاع. لقد عانى مصور صحيفة اللوموند لمدة أربعة أيام من اضطرابات بالرؤيا والتنفس، وذلك على الرغم من أن انبعاث الغاز كان مُتركزاً في القطاع المجاور.
     بسبب عدم وجود شهادات مستقلة، ما زالت هناك شكوك كثيرة تُخيّم على حقيقة استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل عام من قبل القوات الحكومية التي تمتلك مخزوناً كبيرة منها، ولاسيما غازات الأعصاب مثل غاز الساران. أعلنت عدة دول مثل الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل أنها تمتلك عناصر مادية تشير إلى استخدام أسلحة من هذا النوع، ولكنها لم تكشف عن طبيعة براهينها بشكل دقيق، ولم تُقرر فيما إذا كانت استخدام مثل هذه الأسلحة يُشكل تجاوزاً لـ "الخط الأحمر" بشكل يؤدي إلى تدخل خارجي في سورية ضد النظام.
     تتهم السلطة من جانبها الجيش السوري الحر باستخدام الأسلحة الكيميائية أيضاً، الأمر الذي يزيد من الغموض. من أجل الاقتناع بحقيقة استخدام هذه المكونات من قبل الجيش السوري في بعض الجبهات، يجب استجواب الأطباء الذي يحاولون معالجة أو إنقاذ حياة المقاتلين الذين تعرضوا للغاز. بتاريخ 8 نيسان، أظهر الأطباء في مستشفى كفر بطنا الذي يُسيطر عليه المتمردون تسجيلات على الهواتف لمشاهد الاختناق وخروج بلغم مقزز من بلعوم أحد الرجال. أشار أحد الأطباء إلى أن ذلك حدث بتاريخ 14 آذار بعد تعرّض أحد الرجال للغاز في مدينة العتيبة شرق الغوطة التي تقوم القوات الحكومية بمحاصرتها منذ منتصف آذار لقطع طريق الامدادات الرئيسي.
     قام الطبيب حسن بوصف أعراض هؤلاء المرضى بشكل دقيق قائلاً: "يعاني الناس الذين يصلون من ضيق التنفس. يتقلص بؤبؤ عيونهم، وبعضهم يتقيأ، ولا يسمعون أي شيء، ولا يتحدثون، وتجمدت عضلاتهم التنفسية. إذا لم نعالجهم بسرعة كبيرة، سيموتون". يتطابق هذا الوصف مع جميع النقاط التي أشار إليها بقية الأطباء الذين تم الإلتقاء بهم في محيط دمشق خلال عدة أسابيع، ولكن مع بعض الاختلافات البسيطة. أكد المقاتلون الذين كانوا ضحايا الغازات أنها انبعثت من قذائف بسيطة أو قذائف صاروخية أو حتى على شكل قنبلة يدوية.
     وقع الهجوم الخامس من هذا النوع على جبهة جوبر بتاريخ 18 نيسان. يقول مقاتلو الجيش السوري الحر بقيادة عمر حيدر أنهم شاهدوا اسطوانة كبيرة مجهزة بآلية فتح تسقط بين أقدامهم، ويبلغ طولها حوالي عشرين سنتيمتراً. هل كانت هذه الإسطوانة سلاحاً كيميائياً، وفي هذه الحالة، ما هو نوع المواد المُنبعثة منها؟ للإجابة بدقة على هذا السؤال، يجب إعداد بروتوكول للتحقيق، ولكن ظروف النزاع تجعل ذلك صعباً. يجب أخذ عينات من المقاتلين الذين تعرضوا للغازات المنبعثة لدرجة موتهم أو اضطرارهم للذهاب إلى المستشفى، ثم إرسالها إلى مخابر متخصصة في الخارج. تم إعداد بعض هذه العينات، وتجري دراستها حالياً.
     منذ ذلك الوقت، تم توزيع كمامات الغاز في جوبر، بالإضافة إلى حقن الأتروفين (Atrophine)، وهي مادة مضادة للعوارض الناجمة عن غازات الأعصاب مثل الساران. يشتبه أطباء الغوطة باستخدام هذا الغاز الذي لا لون له ولا رائحة، وتتطابق آثاره مع الملاحظات المشاهدة ميدانياً. أشار مصدر غربي مُطلع إلى أن ذلك لا يمنع السلطة السورية من استخدام مزيج من العناصر، ولاسيما الغاز المسيل للدموع، من أجل التشويش على الأعراض الناجمة.
     إنه رهان هام في حال إثبات استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل قوات بشار الأسد. ولذلك لا بد من إخفائه. يتم استخدام الغازات على الجبهة بشكل متقطع، لتجنب انتشار المواد الكيميائية بشكل واسع، الأمر الذي سيوفر بسهولة مجموعة من البراهين التي لا يمكن دحضها. تكررت هذه الحادثة يوم الخميس 23 أيار، فقد أكد المتمردون وقوع هجوم كيميائي جديد في عدرا الواقعة شمال شرق دمشق. في النصف الثاني من شهر نيسان، أصبحت الهجمات بالغاز روتيناً غريباً في جوبر. اعتاد متمردو الجيش السوري الحر على وضع كمامات الغاز إلى جانبهم. وتم تنظيم جلسات دورية لتنظيف العيون بحقن السيروم الفيزيولوجية.
     يبدو أن الهدف من هذه الهجمات هو تكتيكي بشكل أساسي، في محاولة لزعزعة وحدات المتمردين في الأحياء التي لم يستطع الجنود النظاميون دخولها، بالإضافة إلى كونها اختباراً. إذا كانت القوات المسلحة السورية قد تجرأت على استخدام الأسلحة الكيميائية في العاصمة بدون ظهور ردة فعل دولية جدّية، ألا يمثل ذلك دعوة لمتابعة استخدامها على نطاق أوسع؟ ما زالت حالات استخدام الغاز معزولة. يعمل طبيب العيون الوحيد في المنطقة في مستشفى سبها الصغير، ولا يريد كشف مكان هذا المستشفى بدقة. أحصى لوحده 150 شخصاً تعرضوا للغازات خلال أسبوعين. وقام بتنظيم حمامات في المناطق التي تعرضت للغازات من أجل أن يستطيع المقاتلون المُعرّضون للمواد الكيميائية الاستحمام وتغيير ثيابهم لتجنب انتقال العدوى إلى عناصر المراكز الصحية.
     أكد طبيب في مستشفى حمورية الإسلامي الموجود داخل مرآب سرّي أنه استقبل بتاريخ 14 نيسان أحد الجنود من جبهة جوبر وهو يعاني من ضيق تنفسي شديد، وأن قلبه كان "ينبض بشكل مجنون"، وأنه أعطاه جرعات متتالية من الأتروفين والهيدروكورتيزون، وهو علاج يستخدم للأحصنة في الحالات الميؤوسة. وقبل يوم واحد، حاولت إحدى سيارات الإسعاف إخلاء الرجال المصابين بالغازات، ولكنها تعرضت لنيران القناصة وجُرِح سائقها. في صباح التالي، استطاعت سيارات الإسعاف عبور الطريق بسرعة قصوى تحت قصف إحدى الدبابات، ووصلت إلى منطقة الجبهة التي انتشرت فوقها سحابة من المواد الكيميائية. قال أحد الممرضين في مستشفى كفر بطنا دون أن يذكر اسمه خوفاً من الانتقام من عائلته الموجودة في المنطقة الحكومية: "عندما وصلنا إلى المكان، كان الجميع مطروحين على الأرض".
     عمّت الفوضى في هذا المستشفى الموجود في قبو المرآب لتجنب قصف طائرات الميغ والمدافع الحكومية. كان  الجنود مستلقين إلى جانب خمسة ممرضات انتقلت إليهم العدوى باللمس. تم إحصاء خمسة عشر جندياً مصاباً في ذلك اليوم، ويركض الجميع في الغرف لتوزيع الأوكسجين وإعطاء الحقنات. كانت الطبيب حسن مستلقياً في مكتبه الصغير مع كمامة للأوكسجين، وتم إعطاؤه حقنة أتروفين. كان يعمل في قسم الإسعاف، ثم فقد وعيه وبدأ يسعل بشدة. يُكافح هذا الرجل منذ عدة أشهر للحفاظ على عمل مركزه الصحي بمساعدة بعض المتطوعين،  وذلك على الرغم من الحصار الذي تفرضه الحكومة على هذه المنطقة. أدى هذا الحصار إلى جعل توفر الأدوية أمراً نادراً أكثر فأكثر.
     هناك نقص في أطباء التخدير، ويضطر الجراحون إلى استخدام المواد المخصصة لمعالجة الحيوانات مثل الكيتامين، ولم يعد المورفين متوفراً. لن يكفي مخزون الأتروفين لفترة طويلة. قام الطبيب بأخذ عينات، واستطاع إخراجها بصعوبة كبيرة من المنطقة بفضل التهريب. يجب الانتظار عدة أسابيع مع معرفة نتائج تحليل هذه العينات.
     ذهب مراسلا صحيفة اللوموند إلى ثمانية مراكز صحية في القسم الشرقي من الغوطة، ولم يعلن إلا مركزين اثنين عن عدم استقبالهما لمقاتلين أو مدنيين مصابين بالغاز. استقبل الأطباء في النشيبية حوالي ستين حالة في يوم واحد من جبهة العتيبة بتاريخ 18 آذار. لا تتوفر الوسائل الكافية لمواجهة تدفق هذا العدد من المصابين، ولاسيما الأوكسجين. مات خمسة أشخاص اختناقاً. وبعد عدة أيام، أدرك الأطباء خطورة الوضع، وأخرجوا جثث هؤلاء الضحايا من قبورهم بحضور السلطات المحلية والدينية، وقاموا بأخذ عينات، وحاولوا إرسالها إلى بلد مجاور. تم إعطاء هذه العينات إلى مجموعة صغيرة من المقاتلين الذين حاولوا اختراق الحصار الحكومي. في ذلك اليوم، قال الأطباء في النشيبية أنهم يجهلون فيما إذا كانت العينات قد وصلت إلى الجهة المقصودة. على بعد عشرة كيلومترات في مستشفى دوما الذي تُسيطر عليه كتيبة الإسلام، قال الأطباء أنهم استقبلوا 39 مريضاً بعد الهجوم الكيميائي على مدينة عدرا بتاريخ 24 آذار، وتوفي رجلان في المستشفى.
     قال أحد الأطباء أنه بعد مضي يومين: "أصبح المرضى كالمجانين". وأكد مروان، أحد المقاتلين الذين كانوا متواجدين أثناء الهجوم على عدرا، أنه شاهد "قذائف صاروخية تسقط على الجبهة وينبعث منها ضوء برتقالي"، وأنه أثناء نقله إلى المستشفى شاهد "ثلاثة رجال يموتون في العربات على الطريق". يموت المدنيون والعسكريون في منطقة الغوطة غالباً قبل وصولهم إلى مركز طبي بسبب  الفوضى السائدة في هذه المنطقة.
     أشارت المصادر المحلية في المنطقة إلى أن عدرا والعتيبة وجوبر هم النقاط الثلاث التي استُخدمت فيها الغازات منذ شهر آذار. ولكن هذه المواد تم استخدامها بشكل حذر في مناطق محددة في جوبر. أما في عدرا والعتيبة، فإن الكميات المستخدمة كانت أكبر بالمقارنة مع عدد المصابين في المستشفيات.


الثلاثاء، ٢٨ أيار ٢٠١٣

(مجاهدو الشعب المعارضين لإيران يقاتلون في سورية)

صحيفة الفيغارو 28 أيار 2013


     قُتِل عنصران من حركة المعارضة الإيرانية مجاهدي الشعب في منطقة إدلب قبل حوالي شهر، عندما كانا يُقاتلان إلى جانب المتمردين المعارضين لبشار الأسد. قام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشطب اسم هذه المنظمة من لائحة المنظمات الإرهابية. توجد قاعدة هذه المنظمة في العراق، ويوجد مقرها في ضواحي العاصمة الفرنسية. قامت أجهزة الاستخبارات العربية والغربية باستخدام هذه المنظمة ضد المصالح الإيرانية ومصالح حلفاء طهران مثل نظام بشار الأسد.

(سورية: الاتحاد الأوروبي يرفع الحظر على الأسلحة بشكل خفي)

صحيفة الفيغارو 28 أيار 2013 بقلم مراسلها في بروكسل جان جاك ميفيل Jean-Jacques Mével

     توصل وزراء الخارجية الأوروبيون في بروكسل مساء يوم الاثنين 27 أيار إلى إبقاء جميع العقوبات الاقتصادية والمالية على نظام بشار الأسد، ولكن بدون تطبيق هذا القانون الأوروبي على إمكانية إرسال الأسلحة إلى المتمردين السوريين. إنها تُمثل إلتزامات وطنية إضافية وليست اتفاقاً أوروبياً، الأمر الذي يُقلل من تأثيرها. لن تقوم أية دولة من دول الاتحاد الأوروبي بإرسال السلاح قبل 1 آب 2013 لكي لا يؤثر ذلك على المؤتمر الذي ترتسم ملامحه في جنيف بين النظام السوري والمعارضة والقوى العظمى.
     تفتقد هذه التسوية للانسجام بسبب خطر انهيار العقوبات المفروضة على نظام دمشق منذ سنتين. لقد تطرقت بريطانيا والنمسا علناً مساء يوم الاثنين 27 أيار إلى خطر انهيار السياسة الخارجية الأوروبية، على الرغم من الاختلاف الكبير في مواقف هذين البلدين. يدل هذا الانشقاق على الشلل الناجم عن قاعدة الإجماع في الاتحاد الأوروبي، وذلك في أصعب أوقات الأزمة السورية. ينتهي سريان مفعول العقوبات الأوروبية أوتوماتيكياً مساء يوم الجمعة 31 أيار،ويكفي أن ترفض دولة أوروبية واحدة تجديد العقوبات لكي تسقط جميع العقوبات المفروضة منذ صيف عام 2011 (مثل عدم منح تأشيرات الدخول وتجميد الحسابات المصرفية والمالية والحظر على النفط ومنع بيع السلاح).
     هذا هو السيناريو الذي لوّحت به بريطانيا، بدعم معتدل من باريس: "كل دولة تتصرف كما يحلو لها" على أمل تمرير رفع الحظر الجزئي على الأسلحة بالقوة. حذّر وزير الخارجية البريطاني عندما تحدث عن السيادة البريطانية قائلاً: "إن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو ما يصب في  مصلحة سورية. إنه أمر أكثر أهمية من معرفة فيما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيكون قادراً أم غير قادر على تشكيل جبهة مشتركة حول كل نقطة".
     كان يكفي أيضاً أن تُعارض دولة أوروبية واحدة الرفع الجزئي للحظر على الأسلحة لإفشال هذا المشروع الذي  تؤيده بريطانيا وفرنسا. وهذا هو بالضبط ما ارتسمت ملامحه في بروكسل بعد ظهر يوم الاثنين 27 أيار: إن النمسا وبدرجة أقل تشيكيا والسويد وفنلندة ورومانيا لا يريدون أن يقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب أحد الأطراف في هذه الحرب الأهلية. لم يحصل مثل هذا الأمر في السابق. عبّرت هذه الدول أيضاً عن قلقها من رؤية هذه الأسلحة تسقط بأيدي المتطرفين داخل التمرد مثل جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. قال وزير الخارجية النمساوي مايكل سبايندليغر Mechael Spindelegger: "لم يحصل الاتحاد الأوروبي على جائزة نوبل للسلام من أجل الانخراط بشكل مباشر في نزاع عبر إرسال الأسلحة"، وأعلن مساء يوم الاثنين 27 أيار "فشل" الاجتماع الأوروبي، ثم غيّر رأيه وشارك في محاولة جديدة للتوصل إلى تسوية بين دول الاتحاد الأوروبي.
     توصلت دول الاتحاد الأوروبي في ساعة متأخرة من مساء يوم الاثنين 27 أيار إلى تسوية تُبقي على جميع العقوبات الاقتصادية والمالية باستثناء إمكانية إرسال الأسلحة إلى المتمردين المعارضين للأسد. تعهدت كل دولة بشكل مُنفرد باحترام قواعد حسن السلوك حول تصدير الأسلحة.

     إن الحفاظ على موقف أوروبي موحّد ظاهرياً هو الذي سمح بإنقاذ هذه المفاوضات. لقد تراجعت ألمانيا وهولاندة عن مواقفهما التي كانت الأكثر تردداً إزاء إرسال الأسلحة من أجل إنقاذ تماسك الاتحاد الأوروبي. أشار وزير الخارجية الهولندي فرانز تيمرمانز Timmermans إلى أن تعديل الحظر لمصلحة التمرد "من الممكن أن يكون رسالة مفيدة إلى إلى الأسد" لكي يتفاوض بجدية مع المعارضة والقوى العظمى في جنيف. قام وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله بدور حاسم في التوصل إلى هذه التسوية. كانت الخيارات الأخيرة المطروحة على الطاولة تنص على الإبقاء على العقوبات الاقتصادية لمدة عام، وتترافق مع قرار سياسي مباشر بتخفيف الحظر. ولكن هذا القرار لن يصبح ساري المفعول إلا بعد شهر أو شهرين عند معرفة نتيجة مؤتمر جنيف.