الصفحات

السبت، ٢٥ أيار ٢٠١٣

(في سورية، لا يجب انتظار تفتت المجموعة القائدة)

صحيفة اللوموند 25 أيار 2013 ـ مقابلة مع الباحث سهيل بلحاج Souhail Belhadj الذي عاش في سورية بين عامي 2003 و2011 ـ أجرى المقابلة بنجامان بارت Benjamin Barthe

     تركز اهتمام وسائل الإعلام منذ اندلاع الثورة السورية في شهر آذار 2011 على الأطراف الفاعلة في التمرد والصعوبات التي يواجهها الصحفيون في الذهاب إلى دمشق، الأمر الذي جعل موضوع دراسة النظام في المرتبة الثانية. صدر كتاب بعنوان: (سورية بشار الأسد. تحليل لنظام استبدادي) عن دار نشر Belin، للباحث سهيل بلحاج (37 عاماً) الذي يحمل شهادة الدكتوراه من معهد الدراسات السياسية في باريس. لقد جاء هذا الكتاب في الوقت المناسب. أقام الكاتب في سورية بين عامي 2003 و2011، ويقترح في كتابه تحليلاً للسلطة السورية. يختلف هذا التحليل قليلاً عن التحليل الذي قام به سابقاً عالم الاجتماع ميشيل سورا Michel Seurat الذي مات أسيراً في لبنان عام 1986 وكتب نصوصاً مرجعية حول نظام الأسد، وصدرت مجدداً في كتاب بعنوان: (سورية. الدولة البربرية) عام 2012. يسمح كتاب سهيل بلحاج بفهم لماذا لم تستسلم عائلة الأسد تحت ضربات التمرد.

سؤال: مضى عامان على اندلاع الثورة السورية، وليس هناك أي مؤشر على تغيّر الوضع. كيف تُفسرون صلابة نظام بشار الأسد؟
سهيل بلحاج: يجب العودة إلى ما كتبه ميشيل سورا: الجيش والحزب والأجهزة الأمنية. هذه هي الأمور المهمة بالنسبة له خلال سنوات الثمانينيات، وما زالت مهمة حتى اليوم. إن العمل شبه العضوي لهذه المؤسسات الثلاثة كان العامل الأساسي في توحيد الدولة السورية. لم يتخل قادة الجيش عن بشار الأسد، بعكس ما حصل مع مبارك وبن علي. إن قادة الأجهزة الأمنية للنظام مُتفقون على أمر أساسي هو: خيار القمع، والمحافظة على التحالف مع روسيا وإيران وحزب الله، ورفض التدخل الغربي. بالتأكيد، اقترح نائب الرئيس فاروق الشرع التفاوض مع المعارضة، ولكن تم تحييده. ليست هناك نواة صلبة بما فيه الكفاية داخل حزب البعث من أجل إبراز بديل عن القمع.
سؤال: ألا يمكن تصوّر تفتت العائلة الحاكمة مع اتجاه النزاع نحو الراديكالية؟
سهيل بلحاج: اتصلت مع أحد القادة السنة في حزب البعث مساء يوم التفجير الذي أودى بحياة أربعة من كبار المسؤولين الأمنيين بدمشق في شهر تموز 2012. كان منهاراً على الهاتف، ولم يتوقف عن تكرار: "قتلوا العديد من أهلنا". لا يتم التأكيد على هذا العامل ضمن عوامل تماسك النظام، ولكن يبدو لي أنه عامل هام: يجمع قادة النظام الشعور بالانتماء إلى طبقة مُغلقة قامت ببناء سورية الحديثة، وجعلت من هذا البلد سلطة لا يمكن تجاوزها في الشرق الأوسط، بعد أن تصارعت الدول العظمى عليه طويلاً. إنه إيمان، ويتمسكون به بقوة، حتى ولو كان هذا الإيمان يستخف بانغلاق المجتمع المدني وقمع المعارضة. إن الامتيازات التي يُعطيها الانتماء إلى هذا الوسط ـ مثل الفيلا والدراسة في الخارج بالنسبة لأطفالهم ـ تحث بالتأكيد على التضامن. ولكنه يذهب إلى أبعد من ذلك. يبدو لي أنه لا يجب انتظار تفتت المجموعة القائدة. إن أعضاءها منخرطون في صراع وجودي، ويعرفون أنه إذا انتصر المتمردون، فإن مصيرهم سيكون سيئاً.
سؤال: إنه مبدأ "العصبية" حسب نظرية المفكر العربي ابن خلدون، واستعادها ميشيل سورا...
سهيل بلحاج: نعم، ولكنني لا أعتقد بـ العصبية الطائفية والعائلية والقبلية فقط. لو كان النظام السوري مجرد تعبير عن هيمنة أقلية واحدة هي الأقلية العلوية، لما كان بإمكانه الصمود فترة طويلة. إن الدليل على ذلك هو أن حافظ الأسد كان مديناً لما قام به الموالين السنة لتجنب إسقاطه من قبل أخيه رفعت عام 1984. هناك دليل آخر هو الدور الأساسي الذي قام به مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام، وهما من الأعمدة السنية للجمهورية البعثية، في وصول بشار إلى الرئاسة. في الحقيقة، إن التسلط البعثي هو نظام قائم على طائفتين، ومبني على تقاسم السلطة بين السنة والعلويين. يُلاحظ ذلك في جميع مستويات الدولة ومؤسساتها.
سؤال: ألا تخضع الأجهزة الأمنية لسيطرة العلويين؟
سهيل بلحاج: ليست هناك أية إحصائية جدّية تسمح بالتأكيد على أن العلويين هم الأغلبية في الأجهزة الأمنية. إنهم ممثلون بشكل مُفرِط، ولكنهم ليسوا الأغلبية حتى في المستويات العليا. لاحظوا وجود رجل سني هو اللواء علي مملوك الذي يقوم بإدارة الجهاز الأمني منذ صيف عام 2012، وأن مساعد بشار على رأس القيادة القومية لحزب البعث سعيد بختيار هو سني من أصل بدوي. أثناء المؤتمر العاشر لحزب البعث عام 2005، تم إعطاء جميع المناصب الأمنية داخل القيادة القومية إلى السنة. ولكن يجب ملاحظة أنه عندما لا يترأس العلوي أحد المناصب، فإنه غالباً ما يكون معاون رئيس هذا المنصب، وذلك بشكل يستطيع فيه مراقبة رئيسه.
سؤال: تؤكدون في كتابهكم على الدور المحوري للأجهزة الأمنية...
سهيل بلحاج: إنه، أو كان على الأقل، المؤسسة الأكثر تنظيماً في نظام السلطة السورية. لا تأت فعاليته من العنف الذي يمارسه عناصرها بقدر ما ياتي من تواجدهم الكبير داخل الدولة المركزية والحكومة المحلية ووسائل الإعلام وغيرها... هل هناك وسيلة أفضل لمراقبة المجتمع بالنسبة لمؤسسة مكلفة بمراقبته من أن تكون في قلب هذا المجتمع؟ وأختلف حول هذه النقطة مع تحليل ميشيل سورا الذي ركز اهتمامه على الآليات القمعية، ناسياً أن القمع لا يحل مكان السياسة، ولا يُقدم حلولاً لمشاكل السكن والبطالة. يستطيع القمع احتواء  التوترات الاجتماعية عدة سنوات، ولكنه لا يستطيع إبقاء نظام على المدى الطويل. أتذكر حادثة جرت في مكتب أحد المسؤولين المحليين لحزب البعث في ضواحي دمشق: انتفض أحد الرجال صارخاً ضد أحد جيرانه، واتهمه بأنه يريد سرقة أراضيه، وهدده بحمل السلاح. تم حل النزاع بهدوء، بفضل تدخل حزب البعث. إن سر بقاء الاستبداد السوري لفترة طويلة، قبل الثورة، هو أيضاً هذه الطريقة في القمع غير العنيف للخصومات الاجتماعية.
سؤال: أظهر التمرد في شهر آذار 2011 أن هذه الآلية انكمشت تدريجياً.
سهيل بلحاج: بالضبط. تزايد تقارب السلطة مع البورجوازية التجارية لدرجة جعلها حليفاً لها، وتراجع دعمها لأهالي الريف. الأمر المُحزن هو أن أغلب كبار المسؤولين في القيادة القومية للحزب إلى جانب بشار هم من الفلاحين والطبقات الدنيا في المدينة، الأمر الذي يدل على أن النظام أنشأ وسيلة للصعود الاجتماعي. ولكن الانحراف بدأ بالظهور مع قيام الرئيس بدفع نخبة جديدة إلى جهاز الدولة، وإصدار قوانين تحرير الاقتصاد عامي 2003 و2004، وانتقال أجزاء كبيرة من القطاعات الاقتصادية مثل الهاتف الجوال والنقل المشترك والمصارف لتصبح تحت سيطرة المصالح الخاصة. صحيح أن رواتب موظفي الدولة تضاعفت مرتين خلال السنوات العشرة الماضية، ولكن ذلك لم يكن كافياً للتعويض عن التضخم. خلال هذه الفترة، كان يدخل حوالي مئتا ألف شاب إلى سوق العمل سنوياً، وتحصل أقلية منهم فقط على عمل. إن استيلاء مجموعة وصولية حول بشار على ثمرات النمو، أفقد حزب البعث دعم الطبقات الشعبية التي بنى عليها قاعدته. قامت الأجهزة الأمنية وقادة الجيش المُتمسكين بالخيار القمعي بتهميش الإدارة المدنية للحزب بشكل نهائي في بداية التمرد، عندما كان مُثقفوها وقادتها المحليون يدعون إلى تلبية المطالب الشعبية.
سؤال: كيف تُفسرون تعامي النظام؟
سهيل بلحاج: عُرِضت على القيادة السورية بعض الخطط للخروج بهدوء من التسلط المغلق. كانت هذه الخطط تأخذ بعين الاعتبار مصالح حزب البعث والجيش. كان بشار يملك الوسائل لتطبيقها، ولكنه لم يفعل شيئاً. يبدو أن الخوف استحوذ عليه أيضاً مثل العلويين من إعادتهم إلى وضعهم كـ "منبوذين على الأرض"، كما كان يقول ميشيل سورا. إن خطأه الأول، حتى قبل القمع الوحشي، هو عدم السماح بهذا التطور. لم يكن الشعب السوري يستحق ذلك.
سؤال: بافتراض أن النظام سقط في نهاية المطاف، هل ستعرف المعارضة التخلّص من إرثها المسموم؟

سهيل بلحاج: أخشى أن أي نظام جديد سيحمل بعض علائم النظام القديم. إذا نظرنا إلى التاريخ السياسي السوري منذ الاستقلال، نُلاحظ أن القوة الوحيدة التي كانت قادرة على توفير الاستقرار للبلد كانت حزب البعث عبر سياسة استيعاب شاملة للمجتمع واستقطاب بعض النخب. إذاً، أنا أخشى من أن جميع هؤلاء المتمردين الذين عاشوا في نظام متسلط، سيقومون بمتابعة جزء من ممارساته. لا أرى كيف سيستطيع القادة السوريون الجدد توفير الاستقرار للبلد بدون الاعتماد على بعض هياكل النظام السابق وبدون خلق سلطة قوية قادرة على تجاوز الانقسامات الحالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق