الصفحات

الخميس، ٩ أيار ٢٠١٣

(العراق بين دكتاتورية ناعمة وميثاق وطني جديد)


صحيفة الفيغارو 9 أيار 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     يواجه العراق تحدياً مزدوجاً بعد مرور عشر سنوات على سقوط صدام حسين أي: الانحراف الدكتاتوري لرئيس الوزراء نوري المالكي الذي أدى إلى عودة أجواء الحرب الأهلية، وقدرة العراقيين على اختيار نظام حكم يسمح لجميع الطوائف بالعيش معاً، إذا كانوا يرغبون بذلك حتى الآن. هناك خياران أمام العراقيين: إما الحفاظ على الدولة الفيدرالية التي يفرضها دستور العراق منذ عام 2004، أو العودة إلى الدولة المركزية على أمل تجنب انقسام البلد الذي تهزّه عودة أعمال العنف الطائفية.
     لا يملك نوري المالكي حالياً الوسائل التي تُمكّنه من استعادة الشمال الكردي، وهو بحاجة إلى طيران قوي من أجل تحقيق طموحاته. ولكن الأمريكيين يُماطلون في تسليمه طائرات F-16 التي وعدوه بها.
      لن يتخلّى المالكي والشيعة عن السلطة بسرعة، ولاسيما منذ أن أقنعهم الإيرانيون بتقديم المساعدة من أجل الإبقاء على بشار الأسد في سورية، مقابل تجديد الدعم للقضية الشيعية العراقية. يحظى رئيس الوزراء العراقي ببعض الدعم من واشنطن التي ما زالت تعتبره ضماناً لاستقرار العراق، ولهذا السبب سمح لنفسه بإساءة استخدام السلطة، وقمع المتظاهرين السنة بشكل مُهين، وإرسال شرطته لمهاجمة الصحف التي تتحدث عن فساد بعض العقود المبرمة مع روسيا، هذه العقود التي تورّط فيها ابنه بشكل كبير.
     يمكن تحديد التناقض الكبير في العراق على الشكل التالي: لقد وصل رئيس الوزراء إلى الحكم  بفضل تقطيع أوصال الدولة العراقية، ولكنه لا يتردد اليوم في إساءة استخدام السلطة من أجل الضغط على خصومه بعد أن استعاد السيطرة على الجهاز الأمني. يميل خصومه السنة أكثر فأكثر إلى التخلص من سيطرة بغداد من أجل فصل المناطق الغربية في العراق.
     هل يستطيع الأكراد الاستفادة من الأزمة الحالية والمضي حتى الاستقلال؟ الجواب هو بالنفي بلا شك. قال أحد الدبلوماسيين العرب: "إذا أعلن البارزاني الاستقلال. سيواجه جميع مشاكل الاستقلال بدون الاستفادة من إيجابياته. سيكون بحاجة إلى سنتين أو ثلاث للحصول على عوائد نفطية تُعادل ما يحصل عليه من الحكومة المركزية بموجب الفيدرالية". كما أنه في حال انقسام البلد، فإن الأتراك سيُطالبون بمنطقة نفوذ لهم لدى أكراد العراق.
     لا يريد السنة أيضاً نظاماً يُزعجهم. كان الإخوان المسلمون يُعارضون بعنف الدولة الفيدرالية، ولكنهم يدافعون اليوم عن إقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي، وانضمت إليهم القبائل في هذه المطلب. ولكن قبل تجاوز هذا الخط الذي لا يمكن التراجع عنه لاحقاً، فإن السنة ربما سينتظرون سقوط سلطة الأسد في سورية ووصول نظام سني حليف في سورية.
     أخيراً، فيما يتعلق بالشيعة في جنوب العراق ولاسيما في محافظة البصرى الهادئة والمزدهرة، فإنهم يحلمون أيضاً بالانفصال عن السلطة المركزية التي لا تُعطيهم إلا جزء بسيط من العوائد النفطية على الرغم من أنهم يعيشون فوق  الجزء الأساسي من آبار الذهب الأسود. قال الوزير الكردي السابق أمين باختيار: "يجب الحذر، إن استمرار العنف يمكن أن يؤدي إلى التقسيم بحكم الواقع". من أجل إبعاد هذا السيناريو الكارثي على المدى القصير، يتمثل الحل بإعادة بناء الميثاق الوطني والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة لانتخاب رئيس حكومة جديد قادر على إعادة الاستقرار إلى العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق