الصفحات

السبت، ١١ أيار ٢٠١٣

(سورية: باريس في مؤخرة الثنائي الروسي ـ الأمريكي)


صحيفة الفيغارو 11 أيار 2013 بقلم آلان بارليويه Alain Barluet

     قام أحد المُطّلعين على الملف السوري بوصف الموقف المتناقض الذي تعيشه الدبلوماسية الفرنسية حالياً بعد اتفاق الولايات المتحدة وروسيا على العمل سوياً على الشكل التالي: "أرادت فرنسا القيام بدور ريادي في هذه الأزمة. المشكلة هي أن القيادة العامة قررت استدعاء  القوات". الرهان هو طي صفحة هذا الوضع الكريه الذي أدى إلى مقتل أكثر من سبعين ألف شخص وجرح مئات الآلاف بالإضافة إلى ملايين اللاجئين والنازحين منذ سنتين.
     سواء كان الأمر خدعة تهدف إلى كسب الوقت أو بداية لمخرج سياسي حقيقي للنزاع، فإن الاتفاق الروسي ـ الأمريكي يشبه منعطفاً هاماً في المسلسل السوري الدامي. أخذ لوران فابيوس علماً بهذا الاتفاق يوم الأربعاء 8 أيار، وأعلن في صحيفة اللوموند أنه يؤيد حلاً سياسياً، وأنه كان يؤيد "منذ وقت طويل" اجتماعاً (يُسمى جنيف 2 باللغة الدبلوماسية) يهدف إلى إقامة حكومة انتقالية في دمشق. يقول البعض أنها طريقة للصعود في قطار واشنطن وموسكو. واعترف وزير الخارجية الفرنسي قائلاً: "لوحدنا، لا نستطيع حل هذا النزاع".
     قليلاً جداً؟ أو متأخراً جداً؟ تبدو باريس اليوم في المؤخرة بعد أن كانت في المقدمة على الجبهة السورية. ولكن هذا النشاط السابق لم يتم القيام به بشكل مدروس، ولم يكن مع الأطراف المناسبة. كما أدى إلى زيادة الغموض، ولم تكن قراءته واضحة، الأمر الذي دفع بأحد المُحللين إلى القول: "لم يسبق أن كانت مصالحنا والنتائج الإستراتيجية لقراراتنا غير مُحددة وغير واضحة بهذا الشكل، ولم يجر تقويمها". وأضاف هذا الخبير أن المبادرات كانت في أغلب الأحيان مبنية على "اعتبارات إعلامية". دافع لوران فابيوس بعد وصوله إلى وزارة الخارجية الفرنسية خلفاً لسلفه آلان جوبيه عن إحالة بشار إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء بهذا الشأن بعد مرور عام على ذلك على الرغم من استمرار المجازر.
     كانت باريس من أوائل العواصم التي قررت أن "بشار يجب أن يرحل"، وكررت ذلك باستمرار بشكل يُشرّف دبلوماسيتنا لولا ازدياد الفجوة بين الموقف المُعلن والواقع مع مرور الوقت. أدى التشبث بهذا المطلب إلى "الاصطدام" بالموقف الروسي، وكان مُعاكساً لإمكانية التوصل إلى مخرج تفاوضي، وربما كان هذا المخرج ممكناً آنذاك. يتفق الدبلوماسيون والعسكريون على أن بشار "ليس على وشك الرحيل"، حتى ولو كان رهان الانتصار غير قابل للتحقيق على الأرض بسبب جمود خطوط الجبهة تقريباً بين الجيش والمتمردين. دعت وزارة الخارجية الفرنسية يوم الجمعة 10 أيار مرة أخرى إلى "حل يستبعد بقاء بشار". ولكن جون كيري أشار قبل ثلاثة أيام أمام نظيره سيرغي لافروف أنه لا يقع على عاتق الأمريكيين اتخاذ القرار بهذا الشأن...
     كانت باريس أيضاً في طليعة الدول التي اعترفت رسمياً بإئتلاف المعارضة السورية على الرغم من تشتته، وكانت النتائج متواضعة جداً. لأن أولئك الذين كانت الدبلوماسية الفرنسية تنوي الاعتماد عليهم مثل معاذ الخطيب تهرّبوا، وتم تهميشهم بسبب المقاتلين الجهاديين. هنا أيضاً وبشكل متناقض بالنسبة لبلد يؤكد دوماً دعمه إلى المعارضين "المعتدلين"، واكبت فرنسا صعود قوة الأجنحة الراديكالية في التمرد عبر علاقاتها مع قطر. أعلن لوران فابيوس بشكل متأخر عن نيته بتصنيف جبهة النصرة المرتبطة علناً بتنظيم القاعدة على قائمة المنظمات الإرهابية. ولكن إمكانية إضافة الجناج العسكري لحزب الله ما زالت موضع جدل في باريس.
     يسود الغموض نفسه والرهان الخطير نفسه فيما يتعلق بالمشروع الذي تبنته باريس بقوة لمساعدة المتمردين عسكرياً. لم يتم التغلب على هذه المعضلة المُتمثلة بالسماح للمقاومين الذين يتعرضون للقصف بالدفاع عن أنفسهم، ولكن مع تجنب سقوط أسلحتنا بأيدي الإرهابيين: ولم يتبدد الغموض في نهاية شهر آذار عندما استبعد فرانسوا هولاند إرسال الأسلحة على المدى القصير. من المحتمل حل معادلة الحظر الأوروبي المعقدة قانونياً، داخل الاتحاد الأوروبي المُنقسم، في نهاية هذا الشهر عبر عدم اتخاذ أي قرار... قال أحد المراقبين: "تحركت الولايات المتحدة في النهاية لأنها لا ترغب بالوقوع في نزاع جديد. وتعيش روسيا هاجس فكرة استعادة مكانها على الساحة الدولية". بالنسبة لفرنسا، يبدو أنها ستتراجع نحو دور ثانوي في سورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق