الصفحات

الأحد، ٢٨ كانون الأول ٢٠١٤

(كيف تتحول السجون الخاصة إلى معامل)

عنوان الكتاب: (خلّصني من هذا الشحم! جولة صغيرة في الكابوس الأمريكي) ـ الكاتب: المخرج السينمائي الأمريكي  المعروف مايكل مور Michael Moore. صدرت الطبعة الانكليزية عام 1996 ـ 1997 وصدرت الطبعة الفرنسية عام 2000 عن دار نشر La découverte & Syros.

"الفصل 17
منشور إعلاني من شركة مايك بينال Mike’s Penal, INC
قال بوب تيسلر Bob Tessler رئيس شركة تعمل مع المساجين: "إن اليد العاملة في السجون متحمسة جداً، إنهم أشخاص يريدون العمل فعلاً. هذا ما يجعلها صفقة مربحة".

منشور إعلاني بعنوان: (عرض لا يجب تفويته)

    تطرح شركة مايك بينال مليون سهم للبيع بسعر خمسة وعشرين دولار للسهم الواحد، وتعرض عليكم فرصة المشاركة في مغامرة داخل قطاع تتصف آفاق نموه وربحيته بأنها الأكثر إثارة في الاقتصاد الأمريكي، أي قطاع السجون الخاصة!
     بشرائكم لأسهمنا تصبحون شريكاً لشركة مايك بينال، وهي شركة فريدة من نوعها لخدمة الناس والمساهمين في الشركة. لا تكتف شركة مايك بينال ببناء وإدارة السجون الخاصة. كما هو الحال بالنسبة لبقية السجون الحكومية والخاصة في بلدنا، توفر شركة مايك بينال اليد العاملة المسجونة لصالح بعض الشركات الرائدة في مجال عملها والقادرة على إنتاج السلع والخدمات بكلفة فائقة التنافسية.
     بالإضافة إلى ذلك، نعرض عليكم فرصة استثمارية بدون مخاطر تقريباً. في الحقيقة، لا شيء يسمح بالتوقع بنقص الأيدي العاملة المسجونة في الولايات المتحدة في المستقبل القريب.

قطاع في أوج نموه
     تضاعف عدد المساجين في الولايات المتحدة ثلاث مرات خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية. توفر السجون الأمريكية حالياً مليون ونصف مكان للمساجين، وكل معتقل يُكلف الحكومة خمسة عشرة ألف دولار سنوياً.
     بدأت بعض الشركات الخاصة منذ بعض الوقت باقتراح تقديم الخدمات نفسها إلى السلطات بكلفة أقل، بالإضافة إلى تحقيق أرباح كبيرة. تستقبل السجون الخاصة حالياً أكثر من خمسة وستين ألف سجن. حصلت بعض الشركات مثل American Express وSmith Barney على جميع الامتيازات المتعلقة بالاستثمار في صناعة السجون. قال أحد هؤلاء المستثمرين: "كنت أستثمر أموالي في الفنادق سابقاً، ولكنني متأكد أن معدل امتلاء السجون يبلغ 100 % يومياً!".
     لا يكتفي مساجين السجون الخاصة بالبقاء في زنزاناتهم ومشاهدة التلفاز أو ممارسة العادة السرية. إنهم يعملون لصالح أكبر الشركات الأمريكية مقابل 20 % من الحد الأدنى للأجور!
     نقلاً عن جيسي جاكسون Jesse Jackson، بلغت قيمة السلع والخدمات المنتجة من قبل مصلحة السجون الحكومية والخاصة تسعة مليارات دولار عام 1996. إن هذا التوفير في كلفة الأجور من المفترض أن يسمح للشركات الأمريكية بالتخلص من حوالي أربعمائة ألف عامل!

سوق واعدة
     إن السوق الكامن غير محدود. سيؤدي المعدل الكبير لإغلاق المعامل الذي تشهده الولايات المتحدة إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل الذين سينجرون في دوامة جهنمية من الانحطاط والبؤس. عندما سيخسرون منازلهم وسياراتهم ومدخراتهم، فإن الكثيرين منهم سيغرقون في الجريمة بشكل طبيعي، ومن هنا تأتي ضرورة توسيع نظام السجون.
     مع تآكل الدخول الضريبية للمؤسسات المحلية والمناطقية بسبب رحيل الشركات الأمريكية، لم يعد أمام هذه المؤسسات أي خيار باستثناء الاعتماد على السجون الخاصة لكي تتحمل كلفة المساجين الذين يزداد عددهم أكثر فأكثر. ما دامت البطالة تزداد بالوتيرة نفسها، فإن آفاق هذا القطاع لا يمكن أن تكون إلا مزدهرة.

شركاء من الدرجة الأولى
     صدرت مؤخراً بعض المقالات في المجلات الأسبوعية مثل The Nation وBusiness Week مؤكدة هذا التشخيص المُشجع. يكفي ذكر أسماء الشركات التي أصبحت تستعين باليد العاملة في السجون لتخفيض كلفة انتاجها:
ـ شركة AWA للطيران: تم تكليف جزء من إدارة حجوزات هذه الشركة إلى بعض المعتقلين في Ventura في كاليفورنيا. عندما تتصلون بهذه الشركة لحجز مكان على إحدى طائراتها، ربما يرد عليكم مجرم محنك!
ـ شركات IBM وTexas Instruments وDell Comuters: تعمل هذه الشركات العملاقة في مجال المعلوميات مع شركة تعهدات Lockhart في تكساس التي تقوم بصنع المدارات المطبوعة Circuits Imprimés بواسطة المساجين.
ـ شركة AT&T: تلجأ هذه الشركة إلى بعض السجون في كولورادو للحصول على خدمات التسويق الهاتفية.
ـ شركة ميكروسوفت Microsoft: يقوم المساجين في ولاية واشنطن بتوضيب مختلف أنواع المنتجات المعلوماتية لحساب شركة Exmark التي تزود شركة ميكروسوفت وثلاثين شركة أخرى.
ـ شركة Eddie Bauer: هناك مساجين آخرون في الولاية نفسها يصنعون البطانات القماشية لشركة Redwood Outdoor للألبسة التي تقوم بتزويد بعض الماركات التجارية مثل Eddie Bauer وUnion Bay.
ـ شركة Spalding: استعانت هذه الشركة ببعض المساجين في هاييتي للقيام بتعليب وإرسال كرات الغولف.
     وهذا ليس كل شيء. من الممكن أيضاً ذكر شركات Starbucks Coffee وBank of America وشركة Chevron. هناك إقبال كبير من قبل الشركات المهتمة بالأيدي العمالة في السجون، وهذا مفهوم. هل تجدون أنه من المجدي دفع رواتب العمال في النقابات بمعدل عشرين دولار للساعة بالإضافة إلى الأعباء الاجتماعية والرسوم وضرورة احترام جميع الأنظمة المتعلقة بعمل العمال غير المسجونين، وكل ذلك من أجل تعليب كرات الغولف؟ لا، بالتأكيد!
     إذا اخترتم الاستثمار في شركة مايك بينال، نحن نضمن لكم علاوة على ذلك أن المساجين سيكونون مؤهلين لتنفيذ المهمات التي نطلبها منهم: في الحقيقة، سيتم اختيارهم من قبلنا للقيام بالعمل نفسه الذي كانوا يقومون به قبل دخولهم السجن، وذلك مقابل 10 % من راتبهم السابق!

من هم منافسونا؟
     لا حاجة تقريباً للإشارة إلى أن بعض المقاولين الأكثر ابتكاراً لم يترددوا في دخول سوق السجون الخاصة. ولكن فرص النمو غير محدودة على الرغم من المنافسة. لنرى من هم هؤلاء المنافسون:
ـ شركة Corrections Corporation of America: إنها شركة رائدة في سوق صناعة السجون (لا يجب الخلط بين هذه الشركة مع وكالات هوليوود التي تحمل الاسم نفسه CCA)، وتسيطر على 48.3 % من هذا القطاع. تأسست هذه الشركة عام 1983 من قبل المستثمرين الذين يملكون جزءاً هاماً من شركة Kentucky Fried Chicken وبعض الشركات الأخرى، وشهدت نمواً منتظماً، وتدير اليوم سبعة وأربعين سجناً في أحد عشرة ولاية وفي بورتوريكو وأوستراليا وبريطانيا. كانت هذه الشركة الأكثر نجاحاً عام 1995 من بين الشركات الموجودة في تينيسي Tennessee. ارتفعت قيمة أسهمها بنسبة 360.5 %، وأصبحت تحتل المرتبة الرابعة بين الشركات التي شهدت النمو الأكبر في بورصة نيويورك.
ـ شركة Wackenhut: إنها من الأسماء الكبيرة في صناعة السجون! أسسها أحد الأعضاء السابقين في مكتب التحقيق الفيدرالي FBI اسمه George Wackenhut، ثم تحولت هذه الشركة  المختصة بالحماية الشخصية إلى إدارة السجون لاحقاً. تملك هذه الشركة حالياً أربعة وعشرين سجناً في الولايات المتحدة وبريطانيا وبورتوريكو واستراليا، وتستقبل هذه السجون ستة عشرة ألف سجين.
ـ شركة Esmor: تتخصص هذه الشركة بالسجناء ذي النوعية المنخفضة، وتستقبل السجناء الذين لا يريد أحد استقبالهم، ولاسيما عدد كبير من الأشخاص المحكومين بجرائم جنسية. تقوم هذه الشركة بإدارة ألفين وخمسمائة سجين، وتشهد نمواً سريعاً ومتعمداً. وصفتها مجلة Forbes في شهر كانون الثاني 1995 بأنها "الشركة الصاعدة".
ـ شركات أخرى: لنذكر من بينها شركة Management and Training Corporation وشركة US Corrections Corporation، وهي شركات من الحجم الصغير مثل شركة مارك بينال.

مواقع إنتاج مناسبة
     قررت شركة مارك بينال استهداف المناطق الأكثر تضرراً في الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي. ستكون شركتنا موجودة في كل مكان انهارت فيه مداخن المعامل. إن جميع هذه المناطق المتضررة وسكانها اليائسين ومعدلات الجرائم القياسية فيها يمثلون الزبائن المثاليين لشركة مارك بينال. إن الحياة ليست مسلية دوماً في بعض المدن مثل: Gary وIndiana وEest Saint Louis وIllinois وPennsylvanie، ستكون شركة مارك بينال حاضرة هنا لطمأنة المواطنين الشرفاء عبر إخلاء الشوارع من جميع الأوباش المجرمين.
     في العام الماضي، كان ترتيب المدن الأكثر ارتفاعاً في نسبة الجريمة كما يلي: Atlanta، Flint، Saint Louis، Tampa، Detroit، Kansas City، Newark، Little Rock، Baltimore، Bimingham. تنوي شركة مارك بينال اختراق جميع هذه الأسواق خلال السنوات الثلاثة الأولى من نشاطها. إن توفر المساجين سيكون غير محدود تقريباً.
    لن تتوان السلطات المحلية عن فرش السجاد الأحمر أمامنا عبر: تقديم الأراضي مجاناً، والإعفاءات الضريبية بنسبة 100 % والكثير من المساعدات الفيدرالية. ستأخذ الإدارة المحلية على عاتقها نفقات الإعمار والتجهيزات وستبني طرقاً جديدة وتمديدات الصرف الصحي والكابلات اللازمة لمؤسساتنا. سيتم تدريب جميع حراس السجن عبر البرامج الفيدرالية أو المحلية.
     يُضاف إلى ذلك الامتياز الخاص الذي نتمتع به وهو أن مديرنا العام هو مايكل مور Michael Moor الذي يتحدر من مدينة Flint، إحدى المدن العشرة في لائحة المدن الأكثر ارتفاعاً في معدلات الجريمة. إن معرفته المباشرة بهذا النوع من البيئة سيُعزز فرص نجاحنا كثيراً.

المباني والبنى التحتية
     لا تنوي شركة مارك بينال بناء سجون جديدة إطلاقاً بعكس بقية الشركات في قطاع السجون. قررنا عدم استخدام إلا الأبنية الموجودة أصلاً وتغييرها لهذه الغاية. يوجد في جميع المدن التي تنوي شركة مارك بينال التمركز فيها بعض الأبنية الصناعية التي توفر الإطار المثالي لاستقبال المساجين (بعد إدخال بعض التغييرات البسيطة)، ويوجد فيها أيضاً البنية التحتية اللازمة للإنتاج. من جهة أخرى، سيكون أغلب السجناء معتادين على هذه الأمكنة نظراً لأنهم أمضوا عدة سنوات فيها كعمال في أغلب الأحيان.

خدمات لا يمكن الاستغناء عنها
    لا تنوي شركة مارك بينال تركيز جهدها على نمط الإنتاج "الخفيف" الذي تفضله بعض الشركات الأخرى. نحن أكثر طموحاً: لماذا إنتاج القمصان عندما تستطيعون إنتاج السيارات؟ تنوي شركة مارك بينال الاتصال مع أضخم الصناعات في البلد لكي تقترح عليهم الخدمات التالية:
ـ تجميع الشاحنات: نحن نستطيع الحصول على المصنع والعمال الذين يعملون فيه في آن معاً. ما الذي يمنعنا من صناعة الشاحنات؟
ـ استوديوهات السينما: تحتاج هوليوود إلى استديوهات ضخمة وفرق تصوير كبيرة. يستطيع السجناء بناء الديكور والمشاركة بدور الكومبارس.
ـ التحاليل الطبية: السجناء هم عيّنات ممتازة وحقول تجارب مُحابية في أغلب الأحيان. فكروا فقط بالاكتشافات التي يمكن أن تكون ثمرة التجارب الطبية المتسلسلة! لنقضي على الإيدز بفضل شركة مارك بينال!
ـ الخدمات خارج السجون: إن السجناء المثاليين وأولئك الذين على وشك الاستفادة من الحرية المشروطة (وعد القضاة المحليون بإعطائها وفق الحدود الدنيا ما أمكن) يستطيعون العمل في سلسلة محلات ألعاب الأطفال Toys « R » Us (تتباهى هذه المحلات في Aurora التابعة لـ Illinois بالعمل الليلي الذي يقوم به المساجين لتزويد محلاتهم).

آفاق دولية
     تنوي شركة مارك بينال العمل مع بعض الدول التي لم تعد تستطيع إدارة سجنائهم بشكل صحيح. نحن نقصد الصين ونيجيريا بشكل خاص. نحن نستطيع استيراد سجنائهم وتحسين ميزاننا التجاري بفضل اليد العاملة المجانية تقريباً! فيما يتعلق بالدول التي لا توفر مثل هذه التسهيلات لأنه من غير القانوني فيها حالياً تسويق المنتجات المصنوعة من قبل السجناء، يجب ألا ننسى أننا نعيش في عالم يتغير فيه كل شيء بسرعة كبيرة.
     فيما يتعلق بالمجرمين الأمريكيين الأكثر خطورة على المجتمع، ستبني شركة مارك بينال سجوناً خاصة لهم في غواتيمالا والأورغواي والأردن. من الممكن تكليف هؤلاء المعتقلين عديمي التأهيل والكفاءة بأنواع مختلفة من الأعمال المنتجة التي لا يسمح قانون العمل الأمريكي بإنجازها على أراضي الولايات المتحدة.
     هناك ملاحظة إيجابية: أغلقت شركة DPAS الكاليفورنية مؤخراً أحد معاملها في المكسيك، وأعادت توطين كامل بنيته التحتية في معالجة المعطيات داخل سجن San Quentin في سان فرانسيسكو، وتقول الشركة أن "كلفتهم أقل بكثير"! يبرهن ذلك على أن شركة مثل مارك بينال يمكنها المساهمة في إستعادة فرص العمل الضائعة بسبب اتفاق حرية التجارة في أمريكا الشمالية إلى الولايات المتحدة.

     للحصول على المزيد من المعلومات حول مشاريعنا، راسلونا إلى عنوان شركة مارك بينال التالي: PO Box 831, Radio City Station, Newyork, Newyork 10101".


(توقف المدونة عن تغطية المقالات حول سورية والشرق الأوسط)

     تتوقف المدونة عن تغطية المقالات المنشورة في الصحافة الفرنسية حول سورية والشرق الأوسط بعد ثلاث سنوات من التغطية اليومية. احتاج هذا العمل إلى الكثير من الوقت والجهد، وسيقتصر عمل المدونة من الآن فصاعداً على بعض المقالات التي تعتبرها مفيدة وقادرة على إثارة التفكير في مجالات متنوعة جداً حسب القراءات التي تقوم بها المدونة باللغة الفرنسية سواء في الصحافة أو الكتب وحتى الكتب المترجمة إلى الفرنسية. لا تدع المدونة قدرتها على تغطية كل شيء، فهي عاجزة عن ذلك، ويبقى عملها قطرة ماء صغيرة في محيط هائج بالأحداث والتغيرات.
     تبدأ المدونة مقالاتها الجديدة بترجمة فصل من كتاب بعنوان: (خلّصني من هذا الشحم! جولة صغيرة في الكابوس الأمريكي) للمخرج السينمائي الأمريكي  المعروف مايكل مور Michael Moore. صدرت الطبعة الانكليزية عام 1996 ـ 1997 وصدرت الطبعة الفرنسية عام 2000 عن دار نشر La découverte & Syros. وهذه الترجمة مأخوذة عن الطبعة الفرنسية. هذا الفصل هو عبارة عن منشور إعلاني لإحدى الشركات الأمريكية المتخصصة في إدارة السجون ابتداءاً من تشغيل السجناء ومروراً بتحويل المعامل المغلقة إلى سجون، وانتهاءاً باستيراد السجناء من دول أخرى للعمل في السجون الأمريكية أو حتى عودة المعامل الأمريكية من المكسيك إلى داخل  السجون الأمريكية.

     يبقى التأكيد على أن المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي المدونة.

الأحد، ٢١ كانون الأول ٢٠١٤

(ساعة الاختيار في المشرق)

افتتاحية صحيفة الفيغارو 20 كانون الأول 2014 بقلم فيليب جيلي Philippe Gélie

     بُني التحالف الدولي ضد داعش حول مجموعة متناقضة من الشركاء ومتعارضة في بعض الأحيان، وبدأ بما هو أكثر ضرورة عبر القصف الجوي وتزويد الأكراد والقوات العراقية وبعض المجموعات المتمردة المعتدلة السورية بالسلاح، وترافق ذلك مع الإشراف العسكري في بغداد وكردستان. أعطت هذه الجهود ثمارها منذ عدة أسابيع، وتم احتواء الجهاديين في كوباني بسورية، وهم على وشك التراجع في جبل سنجار بالعراق. بالتأكيد، ما زالت الدولة الإسلامية تفرض قانونها البربري من الرقة إلى الموصل، ولكن النجاحات العسكرية الأولى للتحالف تُقرّبنا من اللحظة التي يجب أن نكون متأكدين فيها من أهدافنا وتحالفاتنا.
    عندما تضعف داعش، تتعزز قوة الباقين. استولى خصمه جبهة النصرة مؤخراً على إمارته الصغيرة في شمال سورية. في الوقت الذي تتفاوض فيه الأمم المتحدة حول هدنة في حلب، تخشى الدولة الغربية من تسهيل استيلاء بشار الأسد على هذه المدينة. أدان لوران فابيوس النزعة التي تعتبر أن نظام دمشق هو أقل الشرور، وذلك رداً على ممثلة الدبلوماسية الأوروبية التي تمنت "التفاوض مع الجميع".

     ما الذي نسعى إلى الحصول عليه في العراق وسورية؟هل سنواصل دعم الأكراد عندما سيطالبون بالحصول على دولة؟ هل يستطيع التحالف الانفتاح على موسكو وطهران مع احتمال فقدان شركائه السنة وفي مقدمتهم السعودية؟ تواجه فرنسا هذه المسألة على المدى القصير تاركة لواشنطن مهمة تحديد إستراتيجية ما زالت بالانتظار. انخرطت قواتنا في هذه الحرب لمدة طويلة. سيُطلب من الجمعية العمومية إعطاء الضوء الأخضر في شهر كانون الثاني، ومن حقه انتظار خيارات واضحة.

(تنظيم القاعدة في سورية يستولي على عشرات الدبابات من جيش بشار الأسد)

صحيفة الفيغارو 20 كانون الأول 2014 بقلم تييري بورت Thierry Portes

     أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الجمعة 19 كانون الأول إلى أن جبهة النصرة ـ ممثلة تنظيم القاعدة في سورية وبعض المجموعات الإسلامية استولوا على خمس وثلاثين دبابة وعشرين ناقلة جنود مليئة بالذخيرة في بداية الأسبوع الماضي خلال الاستيلاء على قاعدتين عسكريتين في شمال سورية. احتاج المقاتلون الإسلاميون إلى عدة ساعات فقط لإسقاط قاعدتي وادي ضيف والحامدية في محافظة إدلب خلال المعارك مع الجيش السوري، وأدت هذه المعارك إلى مقتل مئتي شخص من الطرفين.

     يعتبر المحللون أن هذه النجاح سيسمح لجبهة النصرة بفرض سيطرتها على هذه المنطقة بعد أن طردت منها المتمردين المدعومين من الدول الغربية قبل عدة أسابيع. من الممكن أن يسمح ذلك أيضاً لهذه المجموعة الجهادية بمهاجمة إدلب، آخر مدينة في هذه المنطقة ما زالت بأيدي نظام بشار الأسد.

(مع الصليب الأحمر في سورية)

صحيفة الفيغارو 20 كانون الأول 2014

     تحرص وزارة الدفاع الأمريكية كثيراً على تجنب وقوع ضحايا جانبيين، وطلبت من الصليب الأحمر الدولي إعلامها مقدماً بتنقلات قوافله في سورية. تقصف الطائرات الأمريكية منذ عدة أشهر بشكل خاص مواقع الجهاديين في مدينة كوباني وحولها التي تريد داعش السيطرة عليها.



الجمعة، ١٩ كانون الأول ٢٠١٤

(إسرائيل في مواجهة تزايد المخاطر)

صحيفة الفيغارو 18 كانون الأول 2014 بقلم مراسلتها الخاصة في إسرائيل إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     كانت الحدود في هضبة الجولان عندما كان جيش بشار الأسد يسيطر عليها قبل أربع سنوات هي الأكثر هدوءاً بالمقارنة مع جميع الحدود الإسرائيلية، ولكن العسكريين الإسرائيليين أصبحوا في حالة تأهب منذ سيطرة المعارضين السوريين على هذه المنطقة. قال أحد الضباط الإسرائيليين: "نحن نحصي وجود خمسة ألاف مقاتل معتدل وألفي سلفي وألف متطرف تقريباً". يخشى الجيش الإسرائيلي حالياً أن يؤدي تجدد المعارك إلى تدفق مفاجئ للاجئين على حدوده، كما يخشى أن يُسيطر جهاديو الدولة الإسلامية على بقية المجموعات المتمردة، ويتمركزون على طول الحدود بشكل يهدد المواقع الإسرائيلية.
     تابع الضابط الإسرائيلي قائلاً: "إنهم يكرهوننا، ولديهم برنامج سياسي طموح وزعامة قوية وأسلحة كثيرة. ولكن ليس لدينا نموذج للإنذار ولا نظام استخباراتي فعال ضد الدولة الإسلامية". هذا هو بالتحديد ما يفعله رجاله في الجولان حالياً: أي التعلم والفهم والحصول على المعلومات. وذلك لأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، نقلاً عن بعض المصادر الدبلوماسية وتقرير حديث للأمم المتحدة، ربما تسللت إلى الجانب السوري من الحدود، وبدأت الاتصال مع بعض مجموعات المعارضة. قال أحد الدبلوماسيين: "نحن نساعد المعتدلين على أمل منع المتطرفين من الاقتراب من حدودنا".
     ارتابت إسرائيل منذ البداية تجاه الربيع العربي بسبب تعدد الأطراف غير الحكومية على حدودها، وأصبحت تواجه اليوم عدداً كبيراً من المخاطر. بالتأكيد، عادت العلاقات الجيدة إلى طبيعتها بين القاهرة وتل أبيب، وما زالت المملكة الأردنية صامدة، وبرزت مصالح جغراسياسية مشتركة بين إسرائيل وبعض الدول السنية في المنطقة مثل قطر والسعودية. قال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين: "في الوقت الحالي، نجحنا بالبقاء خارج الفوضى الإقليمية، لأننا لسنا طرفاً رئيسياً في هذه النزاعات. ولكن الشرق الأوسط الذي اعتدنا عليه جميعاً قد مات، ونعيش اليوم في العصور الوسطى". في هذه البيئة غير المستقرة، تُعتبر سورية كخطر على إسرائيل، ولكنها بالتأكيد ليست الخطر الرئيسي. قال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين: "لا تمثل داعش تهديداً وجودياً لإسرائيل. فيما يتعلق ببشار الأسد، إنه شرّ نعرفه".
     ما زال التهديد النووي الإيراني يشكل القلق الأول لدى جميع التيارات السياسية في إسرائيل، ويتفق الجميع مع موقف الحكومة بأنه لا يجب أن تكون هناك قنبلة نووية إيرانية. توقفت حالياً النزعة نحو توجيه ضربات عسكرية ضد إيران، وحلت مكانها من جهة أولى: "الحرب الصامتة" عبر الهجمات المعلوماتية واغتيال العلماء، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ البرنامج النووي السري، ومن جهة ثانية، المفاوضات بين طهران والقوى العظمى. أصبح "الخط الأحمر" الجديد بالنسبة للضباط الإسرائيليين حوالي عام 2016.  قال أحد الدبلوماسيين: "حصلنا على نتيجة معتدلة بعد عشر سنوات من التعبئة الدولية: لم نتمكن من إيقاف البرنامج الإيراني، ولكننا نجحنا في تدويل المسألة. لدينا الآن فترة راحة. يكمن هدفنا في دفع مجموعة الست للاقتراب من موقفنا ما أمكن، ولكننا نخشى أن يفلت الموضوع من أيدينا".
     سمح مشروع "القبة الحديدية" الإسرائيلية منذ نشره عام 2011 بمنع سقوط أكثر من 90 % من القذائف التي أطلقتها حماس على إسرائيل. تتراوح كلفة اعتراض كل قذيفة ما بين ستين وسبعين ألف دولار، ويمكن أن يبدو هذا النظام المضاد للصواريخ باهظاً جداً، ولكن الحياة الاقتصادية ستتوقف بدونه أثناء كل حرب ضد حماس. تعزز شعور الإسرائيليين بالقوة مع الإعلان عن تركيب نظامين أخرين مضادين للصواريخ قريباً: الأول هو نظام David Sling لمواجهة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى حتى في حال إطلاقها من دول مجاورة ومحملة بأسلحة الدمار الشامل. الثاني هو نظام Arrow لمواجهة الصواريخ البالستية بعيدة المدى لمواجهة التهديد الإيراني.
     ما تزال إسرائيل هشة بانتظار تكريس حلم الحماية المطلقة من قذائف أعدائها. إن إسرائيل في حالة حرب مع حماس كل سنتين، وتشعر بالقلق من التهديد المتزايد من قبل حزب الله اللبناني. بالتأكيد، إن الذراع المسلح لإيران مشغول جداً بالقتال في سورية والعراق لدرجة أنه لا يمثل خطراً آنياً على إسرائيل. ولكن العسكريين والسياسيين الإسرائيليين يُحذرون من الخبرة التي يكتسبها حزب الله حالياً في المعارك، ومن الأسلحة الأكثر فأكثر تطوراً التي يحصل عليها عبر سورية وإيران وروسيا. قصف الطيران الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي قافلة لصواريخ أرض ـ أرض كانت متوجهة إلى حزب الله اللبناني. تؤكد إسرائيل دوماً أن نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله هو خط أحمر.
     يعترف الجيش الإسرائيلي بوجود "نقاط ضعف استراتيجية" في مواجهة تغير البيئة الإقليمية. اعترف أحد الضباط قائلاً: "لقد فقدنا الاتصال مع بعض الحقائق. في غزة لأنه ليس لدينا عناصر استخبارات فيها، وفي سورية لأننا لا نعرف الأطراف الجدد". تواجه إسرائيل صعوبة في مواجهة حرب العصابات. يأتي التهديد الأخير لإسرائيل من الداخل. قال أحد الضباط الإسرائيليين المقربين من الحكومة: "ليست المشكلة الفلسطينية هي التي توجج الفوضى في المنطقة، بل الفوضى الإقليمية هي التي تؤجج التطرف عندنا. من جهة أخرى، إذا كان داعش وتنظيم القاعدة متواجدان في كل مكان، لماذا لا يكونا أيضاً في إسرائيل؟". لم تخترع إسرائيل حتى الآن قبة حديدية لمواجهة التهديد الداخلي.


(بشار الأسد، كفى أكاذيباً!)

صحيفة اللوموند 17 كانون الأول 2014 بقلم الكاتب السوري المقيم في باريس نجاتي طيارة. ترجم المقال من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية عبد اللطيف إسرب

     يؤكد المجرم بشار الأسد في المقابلة التي أجراها مع مجلة باري ماتش الأسبوعية يوم السبت 29 تشرين الثاني سمعته بالكذب أيضاً، وذلك منذ الجملة الأولى في جوابه الأول عندما قال: "منذ الأيام الأولى كان هناك شهداء من الجيش والشرطة". لأن المدنيين فقط هم الذين ماتوا في الأيام الأولى للمظاهرات. في درعا، سقط برصاص قوات الأمن يوم الجمعة 18 آذار 2011 الطالب أكرم الجوابرة ثم حسام عبد الوالي عياش وأيهم الحريري وشاب من عائلة عون. لم يتعرض أي رجل من قوات الأمن للجروح في هذا اليوم. منذ بداية الأحداث، استخدمت السلطة العنف ضد المتظاهرين السلميين وغير المسلحين الذين كانوا يطالبون في درعا بالإفراج عن الأطفال ومعاقبة الذين قاموا بتعذيبهم وإقالة المحافظ. في حمص، جرت المظاهرة الثانية يوم 25 آذار 2011، وكانت تدعو إلى إلغاء حالة الطوارئ وإقالة المحافظ والإفراج عن الشابة طل الملوحي (20 عاماً) التي أصبحت رمز الاعتقال التعسفي، وما زالت في السجن.
     كنت شاهداً في أحداث حمص يوم 24 آذار 2011، ورويت ما شاهدته في العديد من المحطات الفضائية. صحيح أنه لم يكن هناك قتلى بالرصاص في ذلك اليوم، ولكن كان هناك العديد من الشباب الجرحى، ومات جندي شاب كان يحرس باب نادي الضباط مجروحاً بالحجارة التي ألقاها المتظاهرون عندما كانوا يدافعون عن أنفسهم هرباً من نيران عناصر الأمن. حطم المتظاهرون باب نادي ضباط السلطة، وهو رمز مكروه، وتسلق اثنين من المتظاهرين جدار البناء المركزي، واقتلعوا صورة الأسد، وأصبح مشهد دعسها بالأقدام رمز الثورة السلمية السورية.
     فيما يتعلق بالدعم القطري والتركي المزعوم للإرهابيين، اندهش الجميع في دمشق من تأخر قطر وتركيا في تقديم الدعم إلى الثورة. كان هذان البلدان أهم أصدقاء وشركاء النظام، وقام وزرائهما بجولات مكوكية مستمرة في الشهرين الأوليين بهدف تقديم النصائح الإصلاحية وحث النظام على الإصغاء للمطالب الشعبية. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر بشار الأسد أن القارئ غبي عندما يتكلم عن "بعض الأخطاء في الممارسة"! كما لو أن قتل آلاف المدنيين ونزوح ملايين السوريين وتدمير درعا وحمص وحلب ودمشق ليس إلا أخطاء صغيرة للاعب مبتدئ في كرة القدم أو لأحد الكشافة.
     قال بشار الأسد في جوابه الثاني: "عندما يهاجمك إرهابي بالسلاح.. كيف تدافع عن نفسك وعن الشعب، بالحوار؟ الجيش يستخدم السلاح عندما يكون هناك استخدام للسلاح من قبل الطرف الآخر. ليس من المنطقي القول بأننا نقصف المدنيين". إنه يناقض تصريحاته في بداية الأحداث عندما اعترف شخصياً بالطبيعة السلمية للمظاهرات خلال الأشهر الستة الأولى. إنه يكرر الخرافة القائلة بأن جميع المظاهرات المعادية لشخصه ليست إلا مؤامرة إرهابية يجب مواجهتها بقوة السلاح، وهي لغة تلقى ترحيباً في الغرب الذي تجتاحه أزمة اقتصادية ويعيش ذعراً كبيراً من الإرهاب الإسلامي. ولكن الأسد هو الذي استخدم إرهاب حزب الله وحرس الثورة وعناصر الأمن الداخلي الإيراني (الباسيجي) والدعم العسكري والمالي الروسي للدفاع عن نظام كان سينهار اليوم بدونهم بشكل يدعو للرثاء.
     يحتج بشار بإدعائه المعتاد على مصادر أرقام الأمم المتحدة، كما لو أنه يُخفي أرقاماً أفضل. إن الأمر الذي فاته، كما فات أولئك الذين أعدوا أجوبته، أن الضحايا الأكثر عدداً ليسوا في صفوفه! في الحقيقة، إن هذا  "العدد الأكبر" كما رأى الجميع على جميع الشاشات تقريباً هو من المتمردين وسكان المدن المدمرة عبر القصف والصواريخ والمدافع والدبابات وبراميل البارود، واستخدام جميع الأسلحة الممنوعة من قبل الغرب منذ البداية ضد المتمردين والجيش الحر.
     إن كذبته الأكبر والأكثر خزياً وإدعاءاً هي استخدامه المتكرر لصيغة (الدولة) عندما قال: "في سورية، لدينا دولة وليس نظاماً"، على الرغم من انتخابه بنسبة 99 % ووراثته السلطة عن والده، ويصيح بأنه سيحكم إلى الأبد ويقتل شعبه! إن دولته المزعومة ليست إلا مافيا عائلية وطائفية وعنيفة، وهي تشبه الدول التي كان يترأسها ميلوزيفيتش ونظام التمييز العنصري والنازيين. إنه يريد إظهار نفسه كرجل واقعي عندما يعترف بأنه لا يستطيع تحديد تاريخ لنهاية الحرب، وذلك بشكل يتناقض مع تصريحاته السابقة حول "الانتصارات المنتظرة" المزعومة. بالنسبة للجزء الكوميدي من المقابلة، إنه يتعلق بـ "الإجراءات الدستورية" لانتخاب الرئيس بالنظر إلى الطريقة المعروفة التي يتم خلالها تزوير نتائج الانتخابات في سورية منذ خمسين عاماً.
     يتعلق الجزء الثاني من المقابلة بالدولة الإسلامية. يجد بشار الأسد صعوبة في الإشارة إلى وجود وجود تنسيق بين طائرات التحالف الدولي وطائراته التي تشترك في تحقيق المهمة نفسها. ولكن الذي لم يقله هو أن غاراته المكثفة ضد الدولة الإسلامية أدت إلى مقتل 305 مدنياً في الرقة يومي 25 و26 تشرين الثاني 2014! بالإضافة إلى ذلك، يتجنب بشار الأسد أن يقول للصحفي كيف أفرج عن سبعمائة متطرف من سجن صيدنايا في شهر أيار 2011 وفي مقدمتهم زهران علوش وحسن عبود وأبو محمد الجولاني الذين سيصبحون بعد عدة أسابيع قادة الجيوش الإسلامية المسلحة التي ستمارس هيمنتها على الثورة السورية السلمية بهدف عسكرتها وأسلمتها.
     لا يمكن الانتهاء من تعداد القائمة الطويلة والمملة لهذه الأكاذيب. أنهي حديثي بهذا الإدعاء المؤسف عندما يُقدم نفسه كقبطان لا يفكر بحياته، بل في حياة ركابه! يشير كل شيء إلى أن السفينة السورية على وشك الغرق في مأساة غير مسبوقة بسبب هذا القبطان المزعوم. إن مسؤوليته واضحة في هذا الغرق، وبالتالي، إن أي حل لإنقاذ الغارقين سواء كان حلاً سياسياً أو عسكرياً، لا يمكن نجاحه إلا عبر إبعاد هذا المجرم بشار الأسد.


الخميس، ١٨ كانون الأول ٢٠١٤

(تنظيم القاعدة يستولي على معقل في شمال سورية)

صحيفة الفيغارو 17 كانون الأول 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     إنه خبر سيء للنظام السوري والدول الغربية. استولت ثلاث مجموعات متمردة ـ جبهة النصرة التي تمثل تنظيم القاعدة بالمشاركة مع فصيلين إسلاميين راديكاليين آخرين هما: جند الأقصى وأحرار الشام ـ يوم الاثنين 15 كانون الأول على القاعدتين العسكريتين في وادي ضيف والحامدية بمحافظة إدلب، وكانت هاتان القاعدتان محاصرتين منذ سنتين. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أنه ربما قُتِل حوالي مائتي جندي وجهادي في المعارك، وأن جبهة النصرة أسرت مئة وعشرين جندي على الأقل. أشار حزب الله اللبناني الذي يشارك في المعارك إلى جانب النظام إلى أن عدد المهاجمين من الجهاديين والإسلاميين بلغ أكثر من ثلاثة ألاف. اعترف التلفزيون السوري ضمناً، نقلاً عن مصدر عسكري، بخسارة وادي ضيف.
     إن هذه الهزيمة يمكن أن تمنع قوات النظام من التقدم باتجاه حلب المجزئة بين المتمردين والقوات النظامية منذ سنتين، والتي تسعى دمشق إلى استعادة السيطرة عليها. اضطر أكثر من ألف جندي إلى إخلاء هاتين القاعدتين العسكريتين اللتين تضمان مستودعات الديزل والفيول المخصصة لعربات الجيش. تمثل خسارة هاتين القاعدتين تقدماً أكيداً للمتمردين الذين اقتربوا من مدينة حماة ـ المعقل التاريخي للإخوان المسلمين ـ التي تحلم جبهة النصرة بالسيطرة عليها، وذلك حتى لو كانت السيطرة على هاتين القاعدتين ليست لها قيمة عملياتية حقيقية. إذاً، لن يكون هناك جدوى من الاختراق الذي حققه الجيش النظامي قبل شهر في مدينة مورك لفك الحصار عن هاتين القاعدتين العسكريتين. يبرهن تعاقب النجاحات والإخفاقات على جمود الوضع القائم بين الجيش والمتمردين على جميع الأراضي السورية.
     لكن رجال جبهة النصرة ما زالوا يتقدمون في قاعدتهم الخلفية الشمالية ـ الغربية المحاذية لتركيا. أخضعت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة قبل عدة أسابيع جبهة الثوار السوريين الأكثر اعتدالاً، واستولت خلال هذه المعارك الدامية على بعض الأسلحة الثقيلة التي أرسلتها الدول الغربية، والتي تم استخدامها ضد الجنود النظاميين في وادي ضيف والحامدية في بداية الأسبوع. تُهدد هذه التطورات الجديدة بتعقيد العملية الصعبة لتجنيد المعارضين المعتدلين من قبل الأمريكيين لتدريبهم في تركيا من أجل القتال بشكل أفضل ضد النظام وضد الجهاديين في داعش. اعتبر الناطقون الرسميون باسم جبهة النصرة أن هذا الانتصار الجديد يُبرهن على العكس بأنها كانت على صواب بمواجهة منافسيها داخل التمرد.

     لا تُخف جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة إرادتها بإقامة إمارة إسلامية صغيرة بين إدلب وحلب في مواجهة إمارة داعش التي تمتد من شرق سورية إلى العراق. إن سيطرة جبهة النصرة على هاتين القاعدتين يُذكر بسيطرة داعش على قاعدتين عسكريتين في محافظة الرقة خلال الصيف الماضي، وقيامها بإعدام مئات الجنود.

(سورية: العلويون في مأزق)

صحيفة الفيغارو 17 كانون الأول 2014 بقلم مراسلها الخاص في قرية بستان الباشا جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     قال العسكري المتقاعد أبو رامي: "مات ابني رامي (26 عاماً) دفاعاً عن أرضه التي يريد إرهابيو داعش سرقتها منا. سنقاتل حتى الموت، ليس أمامنا خيار آخر، وإلا سنموت جميعاً". إنه الانطباع السائد لدى الأقلية العلوية التي تعيش في القرى المبعثرة على الهضبة المطلة على الساحل المتوسطي. يرغب الإسلاميون الراديكاليون بالسيطرة على هذه المنطقة التي يسكنها أعداؤهم الأزليون.
     تسيطر الأقلية العلوية (12 % من السكان) على قمة القوات الأمنية وبنسبة أكبر بكثير من عددها، الأمر الذي يؤجج انتقادات المعارضين. رامي هو أحد الشهداء الستة عشر في قرية بستان الباشا العلوية (2000 نسمة) التي تقع على بعد خمسة عشرة كيلومتراً شمال اللاذقية. هذه القرية هي معقل عائلة أنيسة مخلوف، والدة بشار الأسد. إن الثمن الواجب دفعه للدفاع عن النظام مرتفع سواء في هذه القرية أو في أي مكان آخر. هناك العشرات أو حتى المئات من القتلى في كل قرية بسبب المعارك، وتصل جثثهم بشكل شبه يومي إلى مطار اللاذقية والمستشفى العسكري القريب منه. أصبحت صور الشهيد تطغى على صور بشار الأسد في كل مكان بهذه المنطقة.
     هل ماتوا دفاعاً عن النظام؟ أم عن منازلهم؟ إنه سؤال صعب في مجتمع تعلم إسكات أفكاره، ولكن الحرب الأهلية أطلقت الألسنة. قال أحد العسكريين في القرداحة: "هناك النظام، وهناك المؤسسات، أي المستشفيات والمدراس. تريد الدول الخارجية تدمير كل شيء، ولكنني أريد حماية منزلي وأرضي وأطفالي وبلدي. إن العلويين يحمون النظام قبل بشار، وربما بعده". هذا هو ترتيب الأولويات الذي كرره أحد جيرانه في بستان الباشا. إنهم يدركون جيداً أنهم يدافعون عن السلطة التي تحميهم من انتقام داعش وبقية المتمردين الإسلاميين. ولكنهم يعرفون أيضاً أنه بعد أربع سنوات من التضحيات أصبح مصيرهم مرتبطاً جداً بالسلطة. إن العلويين في مأزق، ولا يريدوا العودة إلى هيمنة تجار البورجوزاية السنية الذين كانوا يُشغلون بناتهم في أعمال شبه عبودية خلال سنوات الستينيات. إن معنوياتهم متقلبة دوماً. قال الوزير العلوي السابق محمد سلمان الذي يعيش تحت المراقبة حالياً: "تظاهر بعض العلويين ضد السلطة في بداية الثورة، ثم تم اعتقالهم. ولكن مع أسلمة التمرد وعجز إدارته عن طمأنة الأقليات، أحس العلويون بالخوف من بعض الشعارات مثل: المسيحيون إلى بيروت والعلويون إلى التابوت".
     تسلل المتمردون ليلاً إلى العديد من القرى العلوية في شهر آب 2013، وقتلوا بوحشية حوالي مئتي شخص، أغلبهم من الكبار في السن غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم. إنها صدمة عنيفة لهذه القرى المعزولة التي تحميها قوات الدفاع الوطني. تأسست بعد هذه المأساة ميلشيا جديدة اسمها (صقور الصحراء) بتمويل من أحد رجال الأعمال في اللاذقية اسمه أيمن جابر. يرتدي رجال هذه الميليشيا الزي الأزرق ويحظون بتقدير أكبر بالمقارنة مع وقوات الدفاع الوطني التي تُتهم دوماً بالسرقة في المدن المختلطة مثل اللاذقية.
     إن توفير الطمأنينة للأقلية العلوية هو أحد الأهداف الأساسية للسلطة. في بستان الباشا، يدفع رامي مخلوف رواتب عناصر الميليشيات وتعويضات عائلات الشهداء ويرسل الطعام إلى الفقراء. قال أبو رامي: "أعطانا رامي مخلوف ألفي ليرة من أجل جنازة ابني، ويدفع لنا خمس عشرة ألف ليرة شهرياً". لا أحد يدّعي أن رامي مخلوف يسعى إلى التوقف عن الأعمال السيئة. قال رجل أعمال لا يريد الكشف عن اسمه: "بدأ الناس يشعرون بالتقدير تجاه رامي مخلوف. عندما تدفعون، تكسبون القلوب. ولكن لا تعتقدوا أن جميع العلويين مثل رامي مخلوف، نحن فقراء! انظروا إلى قرانا".
     ينقسم المجتمع التقليدي العلوي إلى عشائر. لا تتسامح السلطة مع المعارضة داخل هذا المجتمع. تم اعتقال المعارض لؤي حسين في دمشق قبل شهر، واختفى عبد العزيز الخير قبل أكثر من سنتين. تظهر بعض الانتقادات السرية وراء الإجماع الظاهري. قال أحد سكان القرداحة: "عندما يذهب الكبار في السن لزيارة ضريح حافظ الأسد، إنهم يبكون أحياناً، ويصلون قائلين: كان من الممكن أن تكون الأمور معك مختلفة. لقد أدركوا أن بشار أدار الأزمة بشكل سيء". احتج العلويون في حمص مؤخراً ضد المحافظ غير القادر برأيهم على حمايتهم. إن مراسيم الدفن في أغلب الأحيان هي مكان للاعتراضات الصامتة، وحتى من قبل المسؤولين السابقين في النظام مثل قائد القوات الخاصة خلال الثمانينيات اللواء علي حيدر الذي انتقد بشار الأسد خلال جنازة أحد الجنود الشباب في قريته بيت ياشوط من بين مئتي جندي قُتلوا منذ عام 2011.
     قال رجل الأعمال الذي لم يرغب بذكر اسمه: "عاد أحد أقاربي المتطوعين في الجيش بإدلب بعد موت أخي. لم يتمكن من رؤية زوجته وأطفاله منذ ثلاثة أشهر. اضطر إلى تغيير سيارته ثلاث مرات، واللجوء إلى الحيلة. أخبرنا ببعض المعلومات الجديدة عن الجبهة. إن الجيش صامد، ولكن ينقصه الرجال، ولا يستطيع الحفاظ على المواقع التي يسيطر عليها. وصل قريب آخر لي من حلب التي يتمركز بها في أحد مواقع الحرس الجمهوري بالقرب من المطار، قال أن الأمور جيدة، ولكن الوضع صعب جداً في الشمال والشرق، واشتكى من أن قائده العسكري هو إيراني. ولكن الجميع يؤكدون بأنهم لن يتركوا البلد أبداً للإرهابيين، حتى ولو أن بعضهم سيطلبون محاسبة بشار". قال أحد المعلمين السنة الذين يتواصلون مع جيرانه العلويين: "إذا عاد الهدوء يوماً ما، يجب على بشار أن يحذر من العلويين الذين سيطالبون ببعض التغييرات، ولاسيما ضد أولئك الذين اغتنوا من حوله، لأن العلويين هم الذين دفعوا ثمن بقائه".
     ما زالت الأقلية العلوية تتحمل الألم دون كلام على الرغم من الصعوبات، ويبدو أن احتمال حصول انقلاب دولة داخلي ما زال مستبعداً بعكس التوقعات المستمرة من قبل قادة المعارضة. لم تغادر إلا بعض العائلات القليلة من هذه المنطقة إلى لبنان، ويسود شعور عام في هذه المنطقة الجبلية بأنهم يعيشون اليوم استراحة مؤقتة. ساهم التقدم الذي حققه الجيش عام 2014، ولاسيما إغلاق المدخل الشمالي إلى المنطقة العلوية، في بعث الطمأنينة. قال المُعلم السني المشار إليه أعلاه: "لقد أدركوا أن الولايات المتحدة لا تريد مهاجمة النظام. وعندما يشاهدون الفوضى في ليبيا ومصر، يقولون لأنفسهم أن جاذبية الثورة تضاءلت لدى جيرانهم السنة المعتدلين".
     استقبلت المنطقة العلوية عشرات آلاف اللاجئين من حلب وحمص وحماة، وأغلبهم من السنة، الأمر الذي غيّر التوازنات السكانية. قال أحد الصحفيين في طرطوس هامساً: "ليس من المعتاد رؤية النساء اللواتي يرتدين الحجاب". ما زال رجال الأعمال يستطيعون الذهاب إلى موسكو والسعودية بفضل مطار اللاذقية، وأعرب أحد الشباب المصرفيين عن سروره بأن الطريق إلى دمشق آمن، ويسمح له برؤية عائلته في العاصمة كل أسبوعين. على الرغم من ذلك، هناك قناعة لدى الكثيرين بأنه "لا يمكن ردم الهوة قبل عدة عقود" مع الإسلاميين السنة على الأقل. حصل العلويون على الأسلحة منذ بداية التمرد، وازدادت المراقبة على السنة. قال أحد عناصر قوات الدفاع الوطني: "إذا وصلت سلطة سنية راديكالية إلى دمشق يوماً ما، فإن العلويين سيواصلون الحرب انطلاقاً من جبالهم"، مشيراً إلى إقامة منشآت عسكرية استراتيجية بعيداً عن أعين الفضوليين في بعض القرى الجبلية. إنه لا يريد سماع أي حديث عن دولة للعلويين فقط في حال تدهور الوضع بالنسبة لبشار الأسد، ويقول: "نحن ضد تقسيم البلد. إن سورية ليست اللاذقية أو دمشق فقط، بل حلب وحمص ودرعا أيضاً".  




الثلاثاء، ١٦ كانون الأول ٢٠١٤

(فرنسا ربما سترسل بعض القوات إلى العراق للقيام بمهمة التدريب)

صحيفة الفيغارو 15 كانون الأول 2014 بقلم أدريان جولمز Adrien Jaulmes وآلان بارليويه Alain Barluet

     بدأت الحرب ضد الدولة الإسلامية في شهر آب 2014 بصفتها عملية جوية بحتة، ولكن القوات البرية الغربية بدأت تنخرط شيئاً فشيئاً على الأرض. ما زال عدد الجنود المنتشرين ضئيلاً جداً، ولكن وجودهم يتزايد. وعدت التصريحات الأولى للقادة الغربيين بأن الحملة العسكرية تتضمن الغارات الجوية فقط، ولكن المشكلة تكمن في أن القصف الجوي أظهر محدوديته. تأقلمت الدولة الإسلامية مع الضربات الجوية عبر توزيع قواتها والاختلاط بالسكان، الأمر الذي جعل الضربات الجوية أقل فعالية. على الصعيد البري، لم تُظهر قوات البشمرغة الكردية والجيش العراقي فعالية كبيرة ضد مقاتلي الدولة الإسلامية.
     رضخ باراك أباما أمام طلبات جنرالاته وسمح بنشر ثلاثة ألاف جندي أمريكي في العراق بعد أن عارض عودة القوات الأمريكية إلى العراق منذ انسحابها منه قبل ثلاث سنوات. يعمل هؤلاء الجنود على تدريب القوات العراقية والكردية بالإضافة إلى تحديد الأهداف على الأرض وتوجيه طائرات التحالف من الأرض. إن أي دعم جوي فعال للقوات البرية التي تقاتل العدو على الأرض يحتاج إلى هؤلاء المراقبين الجويين في الصفوف الأمامية على الرغم من التكنولوجية المتطورة الحالية.
     استبعدت بريطانيا في البداية إرسال القوات البرية، ولكنها تراجعت عن قرارها. يتواجد حالياً بعض الجنود البريطانيين في أربيل من أجل تدريب المقاتلين الأكراد، وسيتم إرسال حوالي مئتي مُدرب آخر في شهر كانون الثاني 2015. تشارك ألمانيا في العمليات الجوية فقط، ولكنها أرسلت الأسلحة إلى المقاتلين الأكراد، ومن الممكن أن ترسل حوالي مئة جندي إلى كردستان في إطار عملية التدريب. تنوي فرنسا أيضاً المشاركة في هذه المهمة، قالت هيئة أركان الجيش الفرنسي: "لم يبدأ هذا التدريب حتى الآن، ويجب علينا أيضاً دراسة شروط مشاركتنا بشكل أدق". قال مستشارو وزير الدفاع الفرنسي: "يجب تحديد أساليب هذه المشاركة". تجري حالياً بعض الاتصالات بين الأوروبيين والأمريكيين حول هذه المسألة. إن هذا الرهان هام باعتبار أن مثل هذا القرار يعني إرسال عشرات آلاف الجنود إلى العراق وربما أكثر، ولكن باريس رفضت ذلك حتى الآن.
     أرسلت باريس عشرات الجنود من القوات الخاصة إلى كردستان العراق في بداية شهر آب من أجل جمع المعلومات وتدريب المقاتلين الأكراد. كما أرسلت فرنسا لهم الرشاشات والمدافع عيار 20 ملم مجهزة بذخيرة خاصة لاختراق المدرعات على مسافة بعيدة. استمر إرسال هذه الأسلحة جواً على عدة دفعات حتى فصل الخريف، قالت هيئة الأركان الفرنسية: "لم يتم إرسال أسلحة جديدة إلى البشمرغة في شمال ـ شرق العراق منذ ذلك الوقت. نحن ننجز برنامجنا للتدريب حول الأسلحة التي تم تسليمها حتى الآن".
     أشار مصدر عسكري في باريس إلى أن القوات الخاصة الفرنسية ربما وصلت إلى بغداد منذ عدة أسابيع "لدراسة سياق التعزيز المحتمل للقوات الفرنسية على الأرض". يُقيم في المنطقة الخضراء في بغداد حوالي عشرة جنود من كوماندوس القوات الجوية، وهم على اتصال مع السلطات العراقية والضباط الأمريكيين. أضاف المصدر السابق قائلاً: "إن قواتنا الخاصة متواجدة هنا من أجل دراسة مهمة الجنود الفرنسيين على الأرض وتحديد الوحدات التي يجب نشرها في حال اتخاذ قرار بهذا الشأن"، ولاسيما من أجل تدريب الجيش العراقي.



الأحد، ١٤ كانون الأول ٢٠١٤

(المقابلة مع بشار الأسد هي مجرد جهد دعائي)

 صحيفة اللوموند 13 كانون الأول 2014 ـ مقابلة مع المؤرخ جان نويل جانوني Jean-Noël Jeanneney أجرت المقابلة رافاييل ريرول Raphaëlle Rérolle

      يجازف الصحفي دائماً بخطر أن يكون دمية في مشروع دعائي مضلل عندما يُجري مقابلة مع شخصيات سياسية مكروهة. هذا ما تُظهره المقابلة التي أجرتها مجلة باري ماتش في دمشق بتاريخ 29 كانون الأول مع بشار الأسد. يشير المؤرخ جان نويل جانوني إلى وجود عدة سوابق تاريخية مثل المقابلة التي أجراها برتراند دو جوفينيل Bertrand de Jouvenel مع هتلر عام 1936.
سؤال: يبدو أن إجراء مقابلة مع دكتاتور في إحدى المجلات هو أمر يتعلق بحرية الصحافة في الأنظمة الديموقراطية. ما هي التناقضات في هذا الأمر؟
جان نويل جانوني: يوجد توتر بين الفائدة من تنوير الرأي العام، وهذا ما تحتاجه جميع الديموقراطيات، وبين حرية السماح للدعاية المضللة وأكاذيب الطغاة. يجب على جميع الصحفيين أن يسألوا أنفسهم في مثل هذه الأوضاع: "هل أنا لسان حال هذا الكلام الذي يجب أن يضيء رأي قرائي، أم وسيلة لدعاية مضللة لصالح تصرفات بربرية؟".
سؤال: هل تعتقدون أنه كان من الملائم إجراء المقابلة مع بشار الأسد من قبل مجلة باري ماتش؟
جان نويل جانوني: أنا لا أعارض من حيث المبدأ نشر مثل هذه المقابلة. في ظل المأساة البشعة التي تشهدها هذه المنطقة من العالم، إن تنبؤات بشار الأسد المجنونة يمكن أن تشكل جزء إضافياً في الملف حول الأحداث في سورية. ولكن هذه المقابلة كما قرأناها، تطرح السؤال حول قوتها الرمزية.لا أستطيع تصور كيف تمكنت هذه المجلة اختيار تقديم هذه المقابلة بشكل خام، الأمر الذي يجعلها مجرد جهد دعائي. كان يجب أن تترافق هذه المقابلة مع مجموعة من المعلومات. أولاً، حول ظروف إنتاجها: لم تقل المجلة لنا شيئاً حول ظروف الحصول على المقابلة. ثانياً، لا نعرف فيما إذا النص قد تمت إعادة قراءته (نحن لا نشك بذلك، ولكن كان من الأفضل تأكيده!). الأمر الوحيد الذي نعرفه بفضل فيلم فيديو على الأنترنت، هو أن الصحفي اندهش من لباقة الدكتاتور بقوله: "إنه ودود واستقبله بحفاوة، وهو ليس سيء الأخلاق على الإطلاق"، وأنه رافقه حتى المدخل: يا له من رجل لطيف!
سؤال: مهما كانت التحذيرات، ألا تعطي المقابلة دوماً الوسيلة إلى الدكتاتور لكي يمارس خطابه الدعائي المضلل؟
جان نويل جانوني: من أجل نشر هذه الدعاية المضللة، كان من الضروري التعليق على كل كلمة من حديث الشخص، وإضفاء الطابع النسبي على تأكيداته، ونفي أكاذيبه ـ على سبيل المثال، عندما يدعي أنه لم يستخدم الأسلحة الكيميائية، على الرغم من أن كل شيء يبدو أنه يؤكد استخدامه لها. بلعت مجلة باري ماتش ذلك دون أن تقول كلمة واحدة. أضيف أنه لو أن المجلة أعطت الكلام إلى زعيم للمعارضة الديموقراطية في سورية، فإن التأثير سيكون مختلفاً تماماً. فيما يتعلق بالصور، هناك صورة صغيرة جداً تُذكر بـ "مدينة مسيحية مدمرة" ـ من دمّرها؟ إن صور الدمار الذي تسبب به بشار الأسد شخصياً كان من الممكن أن تكون أكثر بلاغة من الصورة الكبيرة التي تُظهره في غرفة الاستقبال: إنه مظهر حضاري يدعو للاطمئنان.
سؤال: بصفتكم مؤرخاً، هل بإمكانكم الإشارة إلى مثل هذه السابقة في إجراء المقابلات مع بعض الشخصيات المكروهة؟
جان نويل جانوني:  يخطر على بالي فوراً المقابلة  التي أجراها برتراند دو جوفينيل مع هتلر عام 1936. جرت المقابلة في برلين بتاريخ 21 شباط قبل فترة قصيرة من المصادقة على الميثاق الفرنسي ـ السوفييتي، وقبل عدة أيام من إعادة عسكرة الضفة اليسارية من نهر الراين بتاريخ 7 آذار 1936 بشكل ينتهك المعاهدات السابقة. كان برتراند دو جوفينيل صحفياً معروفاً، وأرسله مدير صحيفة فرانس سوار France-Soir بيير لازاريف Pierre Lazareff. كانت الصحيفة تريد نشر المقابلة في عددها الصادر يوم الأحد 1 آذار. روى برتراند دو جوفينيل أن هتلر جاء ليصحبه بلطف في غرفة الانتظار، وأنه كان متحضرا جداً عندما ترك مكتبه لكي يستقبل ضيفه حول طاولة منخفضة... شاهدوا الصدى اليوم...
سؤال: ماذا قال له هتلر؟
جان نويل جانوني: أكد أننا نقلنا موقفه تجاهنا بشكل كاريكاتوري، وأنه حان الوقت لكي تنتهي فرنسا وألمانيا من هذا العداوة المستمرة، وقال: "ليس جيداً أن تستخدم الشعوب قوتها النفسية عبر حقد عقيم". رد عليه برتراند دو جوفينيل بالإشارة إلى كتاب "كفاحي" الذي أظهر فيه هتلر عنفا كبيراً تجاه فرنسا الديموقراطية، ولكن الفوهرر رد بأنه كتب هذه الانتقادات في السجن عندما قام الرئيس الفرنسي ريموند بوانكاريه Raymond Poincaré بغزو منطقة الرور Rhur الألمانية. كانت فكرته بأن الأمر يقع على عاتق الرأي العام الفرنسي بالتقرب من ألمانيا التي كانت أغلبيتها الساحقة تثق بزعيمها الذي كان يقول لفرنسا: "لنصبح أصدقاء".
سؤال: هل تتغير المعطيات إذا كان البلد في حالة حرب؟
جان نويل جانوني: بالتأكيد. حتى لو كان هتلر ووزير خارجيته يتلاعبان بالإعلام الفرنسي، لم يكن عبثاً الاستماع إلى ما كان الفوهرر يريد قوله إلى فرنسا، ولكن بشرط أخذ جميع الاحتياطات التي لم يتم اتخاذها في ذلك الوقت، ولم تتخذها مجلة باري ماتش اليوم. عندما أجرى المذيع باتريك بوافر دارفور Patrick Poivre d’Arvor مقابلة مع صدام حسين في شهر آب 1990 لصالح القناة الأولى في التلفزيون الفرنسي TF1، كان غزو الكويت قد حصل فعلاً، ولكن الحرب الفعلية لم تكن قد بدأت آنذاك، ولم تبدأ إلا في شهر كانون الثاني اللاحق. أثار بث هذه المقابلة العديد من ردود الفعل في ذلك الوقت، ودعا رئيس الوزراء ميشيل روكار Michel Rocard الصحفيين إلى التساؤل حول دورهم في تغطية الأحداث في الخليج قائلاً: "إذا كانت حرية الصحافة هي شرف الديموقراطيات، فإنها أيضاً وسيلة للدكتاتوريات في بعض الأحيان". في تلك اللحظة، كان العديد من الفرنسيين ما زالوا يذهبون إلى بغداد على أمل التوصل إلى حل سلمي. عندما بدأت الحرب، كانت يجب تغيير القاعدة: إنها قضية تتعلق بالمبادىء الأولية للوطنية. ولكن على الرغم من ذلك، بثت المحطة الإخبارية CNN مقابلة مع طاغية بغداد في نهاية شهر كانون الثاني في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تواجه العراق على الأرض. اليوم، نحن لسنا في حرب مع بشار الأسد حتى لو أنها كانت على وشك الحدوث. عندما تبدأ الأعمال العدائية يجد الصحفيون أنفسهم أمام ذروة التناقض في عملهم، يتمثل هذا التناقض في البحث عن الحقيقة والتنازلات المشروعة أمام المصلحة الوطنية. فيما يتعلق بالحالة التي تشغلنا اليوم، فإننا لم نصل إلى هذه المرحلة تماماً. إنه سبب إضافي لكي نأسف أن التوازن بين فرادة المعلومات وملائمة تقديمها لم يتحقق على الرغم من أن تحقيقه أقل صعوبة."









السبت، ١٣ كانون الأول ٢٠١٤

(أكثر من 80 % من ضحايا الجهاديين هم من المسلمين)

الموقع الإلكتروني لصحيفة اللوموند 11 كانون الأول 2014 ـ مقابلة مع الباحث السياسي البريطاني بيتر نيومان Peter Neumann، مدير المركز الدولي لدراسة الراديكالية ICSR الذي تأسس عام 2008 ـ أجرى المقابلة مراسلها في لندن فيليب برنار Philippe Bernard

     ينشر الباحث السياسي بيتر نيومان يوم الخميس 11 كانون الأول بالتعاون مع محطة BBC World أول دراسة حول الكلفة الإنسانية للجهاد العالمي. أحصت الدراسة 5042 قتيلاً في شهر تشرين الثاني عبر 664 اعتداء.
سؤال: ما الذي أردتم إظهاره من خلال حصيلة  النزاعات المتواصلة في اربعة عشرة بلداً مختلفاً؟
بيتر نيومان: إن الكلفة البشرية الهائلة لهذا النزاع غير معروفة جيداً، وذلك في ظل الاهتمام الإعلامي الكبير باغتيال الغربيين. نحن نؤكد على حقيقة أن أكثر من 80 % من ضحايا الجهاديين هم من المسلمين. يُشكل ذلك نقطة ضعف كامنة بالنسبة لهذه الحركات التي تدعي القتال باسم الإسلام.
سؤال: هل هذه الحصيلة تشكل منعطفاً هاماً؟
بيتر نيومان: اختلف المشهد العام بشكل كامل خلال ثلاث سنوات.  في عام 2011، كان هناك اعتقاد بأن "الربيع العربي" سيسمح بطي صفحة تنظيم القاعدة. في الحقيقة، خلقت الثورات وضعاً غير مستقر، الأمر الذي أظهر الانقسامات الطائفية المدفونة منذ حقبة الدكتاتوريات، وسمح للمجموعات الجهادية بالعودة إلى الدول والقتال فيها. تُظهر دراستنا بالمعطيات والوقائع مدى تأثير هذا التحول.
سؤال: على أي أساس جمعتم هذه الأرقام؟ هل هي حقاً حرب وحيدة الشكل؟
بيتر نيومان: بالتأكيد، إن المجموعات المحلية مختلفة، ولكن القاسم المشترك بينها هو مفهوم الجهاد الذي حددناه بصفتين: الواجب الفردي الذي يقع على عاتق جميع الشباب من أجل القتال، ومشروع مجتمع لا توجد فيه انتخابات ولا حقوق ديموقراطية.
سؤال: ما هو الأمر الجديد في هذه الظاهرة؟
بيتر نيومان: ليس فقط حدة العنف، بل أيضاً حقيقة أن الدولة الإسلامية تقترح للمرة الأولى مشروعاً يبدو أنه أثار حمية أكثر من ستة عشرة ألف شاب جاؤوا من جميع أنحاء العالم، ومن بينهم آلاف الأوروبيين، للمشاركة في هذا المشروع. نحن نتابعهم، ونتكلم مباشرة مع بعضهم، ويمكنني القول أن بعضهم يؤمن فعلاً بأن خلافة جديدة على وشك البروز. لم يسبق لي أن شاهدت مثل هذا الشغف، ولا مثل هذه المشاركة من قبل النساء. أصبح لدينا جيل كامل انجذب نحو الفضاء الجهادي من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، ويعتبرون بن لادن كجدهم. إن الجيل القديم في طور تسليم الراية، وهو أمر نادر في تاريخ الحركات الإرهابية.
سؤال: لماذا كانت سورية محط الأنظار بشكل خاص؟
بيتر نيومان: أعطى النزاع السوري حياة جديدة للحركة الجهادية، لأن سورية هي مركز العالم الإسلامي وليست بعيدة عن القدس. لا أحد يتصور الخلافة في مقاديشو أو باماكو. كما أن نبوءات القرآن تحدد دمشق مكاناً لعودة الرسول.
سؤال: هل هناك دروس لكي يستقيها السياسيون من عملكم؟
بيتر نيومان: نعم. يجب إدراك أننا نواجه إيديولوجية متجذرة عالمياً، ويجب التوقف عن الاعتقاد بأننا سنقضي عليها عسكرياً فقط. لا بد من توفير الوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمحاربتها. سيكون ذلك معقداً جداً وطويلاً.
سؤال: هل التهديدات الإرهابية حقيقية في الدول الغربية؟
بيتر نيومان: لا أعرف إذا كنا سنواجه هجوماً غداً أو في الشهر القادم. ولكنني متأكد أنه في هذه اللحظة التي نتكلم فيها، هناك بعض الأشخاص الذين يجتمعون في سورية والعراق وينسجون العلاقات فيما بينهم. سيؤدي ذلك إلى بعض الهجمات الإرهابية يوماً ما. يجب ألا ننسى أنه مضت فترة أربعة عشرة عاماً بين نهاية حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي وهجمات 11 أيلول. إذا حصلت هجمات إرهابية، فإن المسلمين هم الذين سيدفعون الثمن الأعلى.
سؤال: كيف يتحول الشباب الأوروبيون إلى جهاديين؟
بيتر نيومان: العناصر الأولية معروفة: إنهم بعض أطفال المهاجرين الذين يبحثون عن انتماء، ويؤججون الانتقادات ضد المجتمعات الغربية التي لا يشعرون بالارتياح داخلها ويرفضونها في أغلب الأحيان. إن اللقاء مع الناشطين السلفيين وأجوبتهم الحاسمة يشكل حلاً لمعضلة الانتماء، ويحدد الأعداء، ويعطي انطباعاً بالفوقية. هناك قوانين لكل تصرف أو بادرة في الحياة اليومية، بشكل يضمن لهم الجنة في حال تنفيذهم لهذه القوانين. إنه أمر مغري بالنسبة لبعض الشباب.
سؤال: ما هو دور الشبكات الاجتماعية؟
بيتر نيومان: يُقال غالباً أن الدولة الإسلامية تملك استراتيجية معقدة للتجنيد عبر الشبكات الاجتماعية. هذا صحيح، ولكن الفكرة القائمة على أن مشاهدة أفلام الفيديو تدفع فجأة إلى اتخاذ قرار الذهاب إلى سورية، لا تتطابق مع الواقع. إنها عملية إدخال الشباب في المجتمع Sociabilisation التي يقوم بها البعض: تلتقي مجموعات الشباب في الجامع أو في مطعم كباب، ويتحولون معاً نحو الراديكالية. عندما يغادر أحدهم، يبدأ ضغط الصداقة داخل الجماعة بإظهار تأثيره، ويلحقه آخرون. هذا ما يفسر أن بعض المدن الأوروبية الصغيرة أنتجت مجموعة هامة من الجهاديين. إذا كان الأنترنت كافياً، فإن العملية ستكون أكثر انتشاراً.
سؤال: بالنسبة للجهاديين الذين تتحاورن معهم، هل يتحدثون معكم بثقة؟
بيتر نيومان: نحن نتابع على الأنترنت 550 مقاتل عبر حساباتهم في تويتر وفيسبوك. نحن جامعة وليس قسم للاستخبارات أو مجموعة من القراصنة. نحن لا نفتح حسابات مزيفة، ولا نغير أسماءنا. إن الأشخاص الذين نتحاور معهم في غوغل يرون أننا نتحدث مع رجال السياسة، وأن وسائل الإعلام تتحدث عنّا. إنهم يريدون استخدامنا كناطق رسمي عبر الحديث معنا.
سؤال: هل هناك بعض الدول الأوروبية التي "تُنتج" عدداً أكبر من الجهاديين بالمقارنة مع دول أخرى؟
بيتر نيومان: ليس هناك أي "نموذج" للاندماج يحمي من الانخراط الجهادي. إن الدول المعروفة بأنها أكثر تسامحاً مثل الدانمارك والنرويج والسويد وهولندا هم الدول الأكثر انتاجاً للمقاتلين الإسلاميين بالنسبة إلى عدد سكانها. إن بلجيكا مع ثلاثمائة مقاتل هي الدولة الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة وليس فرنسا.
سؤال: ما هو رأيكم بالإجراءات المخصصة لتجنب رحيل الجهاديين أو منعهم من العودة؟
بيتر نيومان: من المهم جداً منع الشباب عن الذهاب إلى سورية. من بين أولئك الشباب الذين يدعمون الدولة الإسلامية بحماس من وراء شاشة الكمبيوتر، لا أحد يستطيع تمييز الغبي المُخادع عن الشاب الخطير الذي قد يتحول إلى الفعل. نحن نتذكر في هذه الجامعة مسيرة الطالب البارع في الآداب روشونارا شودهري Roshonara Choudhry الذي تحول إلى الراديكالية عبر مشاهدة المواعظ الدينية على الأنترنت، وحاول طعن أحد النواب عام 2010 لأنه صوت لصالح الحرب في العراق. بالمقابل، إن منع عودتهم عبر سحب جوازات سفرهم أو حتى حرمانهم من الجنسية هي فكرة سيئة جداً. يعود بعض الجهاديين، ويعيش حوالي 20 % منهم خيبة أمل كاملة، ومن الممكن أن يكونوا أصواتاً قوية لردع البقية عن الرحيل. من أجل حماية المجتمعات، يجب أن يكون السجن مقتصراً على الجهاديين الخطيرين، ويجب تحويل أولئك الذين يعودون بصدمة كبيرة إلى مستشفى الأمراض العقلية، ويجب تحويل الذين أصيبوا بخيبة الأمل إلى برامج نزع الراديكالية وإعادة الدمج في المجتمع. هذا البرامج ليست عفواً شاملاً، ويمكن أن تترافق مع مراقبة دقيقة. إن منعهم من العودة يعني إلقاء عبء مسؤولياتنا على دول أخرى. كما يعني ذلك تكرار خطأ سنوات التسعينيات: منعت الدول العربية عودة الجهاديين من أفغانستان، وشكل هؤلاء الجهاديين نوعاً من الكتائب الجهادية العالمية التي انتشرت في جميع جبهات الإرهاب في البوسنة والشيشان، وارتكبت تفجيرات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة.