الصفحات

الجمعة، ٢٨ شباط ٢٠١٤

(يسكنون في فرنسا، وعقولهم في دمشق)

صحيفة اللوموند 28 شباط 2014 بقلم إليزا مينيو Elisa Mignot

     محمد  (24 عاماً) هو سوري وطالب سابق في كلية الطب، يعيش حالياً في فرنسا، ويتابع طلب اللجوء الذي تقدم به إلى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من الجنسية (OFPRA). يعيش والداه في أحد أحياء العاصمة التي يسيطر عليها النظام. يسكن محمد مع لاجئين سوريين اثنين في أحد المنازل في مدينة مونتروي Montreuil في ضواحي باريس، وذلك بفضل تضامن أحد الرسامين السوريين الذي يعيش في فرنسا منذ عشر سنوات.
     من الصعب معرفة عدد السوريين الذين وصلوا إلى فرنسا. تلقى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من الجنسية 637 طلب لجوء عام 2012، وضعفي هذا الرقم عام 2013، وحصلت جميع هذه الطلبات تقريباً على الموافقة. تعهد فرانسوا هولاند باستقبال 500 شخص إضافي عام 2014. إنه عدد ضئيل بالمقارنة مع عشرة آلاف سوري وصلوا إلى السويد، وحوالي عشرين ألفاً في ألمانيا.
     هرب محمد من سورية بعد تعرضه للتعذيب بالكهرباء في نهاية عام 2011 بسبب قيامه بتنظيم بعض المظاهرات في الجامعة وانتقاده للنظام على الشبكات الاجتماعية. ذهب محمد أولاً إلى مصر، ثم حصل على تأشيرة دخول فرنسية من السفارة الفرنسية في القاهرة. إنه يتردد إزاء إعادة بناء حياته هنا على الرغم من تقدمه في تعلّم اللغة الفرنسية، إنه يحلم بالسويد، وقال: "قرأت على الأنترنت أن الحصول على صفة لاجىء أكثر سهولة في السويد".
     أصيب اللاجئون السوريون بالخيبة من الاستقبال في فرنسا. يبدو لهم إن الإجراءات والمهلة لا نهاية لها على الرغم من تعهد المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من الجنسية بإعطاء الأولوية لمعالجة طلباتهم. اعتمدوا أثناء عدة أشهر على المساعدات المقدمة من بعض السوريين والجمعيات بالإضافة إلى مساعدة مالية قدرها 11.35 يورو يومياً في حال تقدمهم بطلب لجوء. وصلت الدفعة الأولى من اللاجئين في صيف عام 2011، وكان أغلب أفرادها على اتصال مع السفارة الفرنسية في دمشق. بعد مرور عام على وصول الدفعة الأولى، لاحظت جمعيات مساعدة اللاجئين وصول بعض الناشطين والأطباء. كانوا في البداية بعض الرجال فقط، ثم رافقتهم العائلات الهاربة من الحرب والبؤس.
     وصل سامي  الكردي (37 عاماً) مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى مطار شارل ديغول في شهر تشرين الأول 2013، ويسكنون حالياً في مدينة كان (Caen) في منطقة النورماندي بأحد الأبنية المخصصة للمحتاجين. عندما وصل هذا الرجل القصير والأسمر إلى فرنسا، لم يكن لديه إلا رقم هاتف أحد أصدقائه في هذه المدينة. تم تسجيل أطفاله في المدرسة، ولم يعد يستيقظون مرتعبين بسبب الانفجارات. أما زوجته فهي حامل. بالنسبة له، لقد بدأ بتعبئة الاستمارات للحصول على صفة لاجىء.
     لا يُخف سامي معاناته، ويقول أنه كان رائدا في جيش بشار الأسد، وانشق عنه بتاريخ 26 شباط 2012 ليصبح الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر في حمص. عاش الرعب اليومي والدم والأعضاء البشرية الممزقة والقصف الأعمى وهاجس أن يحمل جثة أحد أطفاله بين يديه والخوف من الجيش السوري الذي يبحث عنه وقلة الطعام ونوعية المياه السيئة المسحوبة من الآبار... لقد اتخذ قرار الهرب مع زوجته وعائلته إلى لبنان أولاً، ثم إلى فرنسا بعد عدة أشهر لعدم إحساسه بالأمان فيه.
     يعيش سامي الكردي في فرنسا منذ ذلك الوقت، ولكن عقله في سورية. تعرض أصهرته للقتل بعد انشقاقه، ولكن والديه وشقيقاته ما زالوا في حمص. إنه لا يتحدث معهم كثيراً، ولكنه يتواصل معهم عبر الفيسبوك. لم تشاهد عائلته في حمص أي شيء من الهدنة الإنسانية التي سمحت بخروج 1150 شخص من حمص، ويؤكد أن النظام كان يقصف المدينة أثناء المفاوضات. ما زال يرسل صور الأطفال الدامية على الشبكات الاجتماعية، ويطلق نداءات المساعدة بلغته الانكليزية المتواضعة.
     لم يعد سامي الكردي إلا ظلاً لنفسه، ويسكنه هاجس موت الذين عرفهم وهاجس انهيار بلده. دخل هذا الجندي السابق إلى الجيش لكي "يدافع عن شعبه". ولكنه، بعد عشرين عاماً، نفر من هذا النظام الذي نظّم برأيه حرباً طائفية عبر تسليح العلويين وارتكاب المجازر ضد الطائفة السنية التي ينتمي إليها، وقال ساخطاً: "هل تعرفون أنه يتوفر كل شيء تقريباً في المناطق التي يسيطر عليها النظام؟ سرقوا كل شيء من بيتي وبيوت شقيقاتي ومن المناطق المحاصرة! قام النظام بتمرير رسالة: ستموتون من الجوع، هذا هو الثمن الواجب دفعه إذا لم تكونوا إلى جانبنا".
     يؤكد ياسر جاموس (26 عاماً) أنه معارض سلمي "حتى لو كان ذلك صعباً اليوم"، ويريد التذكير ببدايات الثورة التي كانت تطالب بالحرية والكرامة بدون سلاح. يعيش ياسر مع أخيه محمد الذي يصغره بعدة أشهر في إحدى الغرف في باريس. وصلا إلى فرنسا في شهر آذار 2013، وهاجرت بقية عائلته إلى السويد مؤخراً. لم يتوقف ياسر جاموس عن إدانة الهوس المَرَضي لوسائل الإعلام بالنزاع، وقال: "ليس جميع السوريين مقاتلين، لا أعرف أي شخص حمل السلاح. لا تتحدث الصحف والتلفزيونات إلا عن الناس الذين يقاتلون. ماذا عن العائلات والأطفال؟".
     يبذل ياسر وأخوه كل ما بوسعهما لكي يعرف الجميع الحياة اليومية للسوريين وشرح النزاع الذي يجتاح بلدهما. إنهما يغنيان موسيقا الراب، وأسسا عام 2007 فرقة موسيقية اسمها "لاجئو الراب" (Refugees of Rap) في مخيم اليرموك الفلسطيني بدمشق، أي في الحي الذي يعيشان فيه، هذا الحي الذي تدمر اليوم. أشار ياسر عابساً إلى أنه غادر سورية بعد تفكير طويل جداً. كيف يمكن أن يكتب الأغاني عن الحياة اليومية للسوريين دون أن يقف إلى جانبهم؟ كيف يمكن أن يدين حالة البلد، وهذا ما كان يفعله منذ عدة سنوات، دون أن يعيش في سورية؟، قال ياسر مقتنعاً: "ما الذي يمكن القيام به من أجل سورية في حال البقاء؟ بإمكاننا إيصال الرسالة في حال الرحيل"، حتى لو كان يعترف أحياناً بالشعور بالذنب لأنه هنا.
     أنهى الأخوان جاموس كتابة ألبوهما القادم، ويبحثان عن منتج. لقد بدءا جولة صغيرة في أوروبا داخل القاعات والمدارس والجامعات، وقاما بحوالي عشرين حفلة موسيقية في فرنسا والسويد والدانمارك. يحرص ياسر ومحمد على ترجمة أغنياتهما في كل مرة. إنهما يستوحيان نصوص أغنياتهما من الرسائل التي تصلهما يومياً من المعجبين بهما في سورية حول الطريقة التي سيموتون بها والقصف والبراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات المروحية والجوع. قال ياسر متنهداً: "تم تدمير استوديو التسجيل الذي نملكه قبل شهر، كان اسمه (صوت الشعب). نحن نحاول الاستمرار بالوجود".



الخميس، ٢٧ شباط ٢٠١٤

(في لبنان، صمت حزب الله بعد الهجوم الإسرائيلي ضد قافلة للأسلحة)

صحيفة اللوموند 27 شباط 2014 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephane

     كانت بيروت يوم الأربعاء 26 شباط تتحفظ عن التعليق على الغارات الجوية التي شنها الجيش الإسرائيلي مساء يوم الاثنين 24 شباط ضد إحدى المناطق الجبلية على الحدود اللبنانية ـ السورية. أشار مصدر مقرب من حزب الله إلى أن الغارة التي وقعت يوم الاثنين ضمن الأراضي اللبنانية استهدفت قافلة أسلحة قادمة من سورية إلى حزب الله بالقرب من قرية النبي شيت في البقاع. إذا تم تأكيد هذه المعلومات رسمياً، فإنها ستكون العملية الأولى التي تقوم بها إسرائيل داخل لبنان ضد نقل الأسلحة إلى حزب الله منذ بداية النزاع السوري. كان الجيش الإسرائيلي الذي حارب الحزب الشيعي خلال حرب عام 2006، قد استهدف بعض الأهداف المشابهة في سورية عدة مرات خلال العام الماضي، وحذر ضد  تعزيز قوة حزب الله عسكرياً.
     ساهمت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله، المنخرط عسكرياً إلى جانب دمشق، في إشاعة الغموض، فقد أشارت في البداية إلى أن القصف لم يحصل، وأنها عملية تحليق مكثف للطيران، ثم اعترفت لاحقاً بوقوع الغارات على الأراضي السورية. إن الحدود غير محددة بشكل دقيق في هذه المنطقة الوعرة التي تفصل بين سورية ولبنان. فيما يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اكتفى بالإشارة يوم الثلاثاء 25 شباط إلى أن بلده يقوم "بكل ما هو ضروري للدفاع عن أمن إسرائيل" دون أن يؤكد قصف الجيش الإسرائيلي للحدود اللبنانية ـ السورية.
     أظهر التصرف الإعلامي لحزب الله الارتباك الناجم عن هذا الهجوم. في الوقت الذي كانت فيه أغلب النشرات الإخبارية اللبنانية تفتتح أخبارها مساء يوم الثلاثاء 25 شباط بالغارات الإسرائيلية، وتتساءل عن مكان وقوعها بالضبط، كان هذا الخبر غائباً عن أخبار تلفزيون المنار التابع لحزب الله الشيعي. قال مصدر مقرب من حزب الله: "لم يتكبد الحزب خسائر بشرية، وبالتالي، ليست هناك ضرورة لردة الفعل. وحتى لو كانت هناك ضحايا ـ كما تقول صحيفة الديلي ستار اللبنانية ـ ، فإن حزب الله لديه أولويات أخرى حالياً، مع انخراط قواته في سورية". على الرغم من ذلك، يعتقد هذا المصدر أن خطاب حزب الله لن يتغير، وسيبقى الدفاع عن سيادة لبنان حجر الزاوية في سياسته تجاه إسرائيل. أضاف هذا المصدر قائلاً: "ولكن حزب الله وعرابه الإيراني لا يريدان فتح معركة حول نقل الأسلحة سراً".
     أشار سكان قرية النبي شيت إلى وقوع انفجارات قوية مساء يوم الاثنين 24 شباط في الهضاب المطلة على القرية، وذلك بعد أن حلقت الطائرات الإسرائيلية فوقها. إذا كانت الطائرات الإسرائيلية تنتهك الأجواء اللبنانية بشكل شبه يومي، فإن الأجهزة الأمنية أدانت التحليق  عدة مرات فوق البقاع.
     أدت غارات مساء يوم الاثنين إلى زيادة حدة الاضطراب السائد في البقاع الذي تنتشر فيه العصابات، واستهدفته بعض عمليات التفجير وإطلاق القذائف القادمة من الأراضي السورية. كانت المناطق المحيطة بقرية النبي شيت وبريتل قد تعرضت لبعض القذائف يوم الأربعاء 19 شباط، ونسبها سكان القرية إلى المتمردين السوريين. تمثل هذه المنطقة من البقاع مصدراً هاماً لمقاتلي حزب الله، وتضم بعض معسكرات التدريب التابعة للحزب.
     يبدو أن التوتر لن يتراجع، في الوقت الذي تستمر فيه معركة القلمون في سورية على الحدود اللبنانية. شن الجيش السوري بدعم من حزب الله هجوماً واسعاً ضد المتمردين من أجل استعادة السيطرة على هذه المنطقة المحاذية للبقاع. أكد تلفزيون المنار يوم الثلاثاء 25 شباط أن "الخبرة" المكتسبة في سورية سيتم الاستفادة منها خلال "المواجهة القادمة مع العدو الإسرائيلي"، وذلك في سعيه لتبرير تدخل حزب الله في سورية، هذا التدخل الذي أساء إلى سمعته في لبنان.


(وزارة الداخلية الفرنسية تريد إيقاف رحيل القاصرين إلى سورية)

صحيفة الفيغارو 27 شباط 2014 بقلم كريستوف كورنوفان Christophe Cornevin

     في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المقاتلين المتطوعين المرشحين للذهاب إلى سورية، تضع وزارة الداخلية الفرنسية اللمسات الأخيرة على خطة تهدف إلى قطع الطريق أمام الشبكات الجهادية. يعكف مسؤولو وزارة الداخلية بشكل خاص على الاكتشاف المبكر للقاصرين وتحييد الذي يمكن أن يتحولوا نحو العمل الراديكالي، وقال مسؤول رفيع المستوى في الوزارة: "تكمن الفكرة في اقتراح حلول على العائلات التي يتحول طفلها نحو الراديكالية، سواء عن طريق الذهاب إلى الجوامع الأصولية أو قراءة المواقع الإلكترونية التي تمجد بالإرهاب".
     عندما يشعر أحد الوالدين بأي شك، بإمكانه إبلاغ أقرب مركز للشرطة أو الجيش. في هذه الحالة، سيتم تحويل الملف إلى الأجهزة الأمنية لضمان "متابعة" هذا القاصر المشتبه به، وسيتم تسجيل اسمه على لائحة الأشخاص المطلوبين وفي نظام معلومات شينغن الذي تتركز فيه أوصاف المجرمين على الصعيد الأوروبي. قال أحد رجال الشرطة: "سيتم دق جرس الإنذار أوتوماتيكياً بمجرد ظهور هذا القاصر في أحد المطارات". في الوقت الحالي، تم اتخاذ إجراءات مشابهة في إطار النزاعات العائلية عندما يكون الوالدان يحملان جنسيتين في آن معاً بشكل خاص. صدر قانون في فرنسا عام 2010، وبدأ تطبيقه عام 2012، وينص على أن أحد الوالدين يستطيع المطالبة بمنع خروج طفله من فرنسا بدون موافقته.
     إن الحل الذي تتصوره وزارة الداخلية الفرنسية بخصوص المرشحين للجهاد يبقى محدوداً. خرج حوالي خمسة عشر قاصراً من فرنسا باتجاه معسكرات التدريب. كما أن بعض المرشحين للجهاد يركبون الحافلات المتجهة إلى استانبول التي لا يحتاج الأوروبيون إلى تأشيرة دخول من أجل دخولها، ثم يذهبون إلى الحدود السورية ـ التركية التي يتواجد المتمردون فيها.

     تُدرك وزارة  الداخلية الفرنسية أن هذه الطريقة "ليست الحل الخارق"، وقال أحد المسؤولين فيها: "ولكن يجب تجربة جميع الحلول لمكافحة هذه الظاهرة المعقدة جداً والمنتشرة على نطاق واسع". أشارت مجلة الإكسبريس الفرنسية إلى أن الجهاديين الأقل "أدلجة"، ولاسيما الذين  اعتنقوا الإسلام عبر الأنترنت، قد لا يتم حبسهم على ذمة التحقيق والاكتفاء باستدعائهم إلى مركز للشرطة بحضور طبيب نفسي مكلف بإقناعهم بالقيم الجمهورية.

الأربعاء، ٢٦ شباط ٢٠١٤

(العراق يشتري السلاح من إيران بعد أن تعالت واشنطن عليه)

صحيفة الفيغارو 26 شباط 2014 بقلم مراسلها في نيويورك موران بيكار Maurin Picard

     يتعزز محور بغداد ـ طهران باستمرار رغما عن واشنطن، وذلك منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق بشكل نهائي في شهر كانون الأول 2011. كشفت وكالة رويترز يوم الاثنين 24 شباط أن حكومة نوري المالكي الشيعية العراقية حصلت على أسلحة بقيمة 195 مليون دولار من جارها الإيراني، تتضمن هذه الأسلحة: قذائف وذخيرة ونظارات للرؤية الليلية وأنظمة اتصالات، وذلك بهدف مكافحة التمرد السني المتطرف.
     إنها إهانة كبيرة للولايات المتحدة التي تحرص على احتواء النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة بعد رحيل الجنود الأمريكيين من بلاد الرافدين. طلبت واشنطن بسرعة بعض التوضيحات حول هذا الموضوع الذي ربما يُشكل انتهاكاً لحظر الأسلحة المفروض على إيران بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1747 عام 2007. تُظهر هذه الإهانة أيضاً سياسة المماطلة الأمريكية التي كانت تمتنع عن بيع الأسلحة إلى نوري المالكي على الرغم من زيارته إلى واشنطن خلال شهر تشرين الثاني الماضي. لم يتمكن رئيس الوزراء العراقي  إلا من انتزاع الموافقة على بيع صواريخ هيلفاير Helfire وبعض طائرات المراقبة بدون طيار. ثم وعدت الولايات المتحدة بعد ذلك ببيع المزيد من صواريخ هيلفاير و24 طائرة مروحية مقاتلة من طراز أباتش AH-64 Apatche. وبعد عدة أسابيع، ذهب نوري المالكي إلى طهران، وحصل على صفقة أسلحة من حليفه الأكثر كرماً بشكل واضح.


(لماذا كان يجب عدم دمج إيران بـ "محور الشر" إطلاقاً)

الموقع الإلكتروني هوفنغتون بوست (Huffington Post) 24 شباط 2014 بقلم الباحث ديدييه شوديه Didier Chaudet

     الباحث ديدييه شوديه مختص بالشؤون الدبلوماسية والأمنية المتعلقة بأفغانستان وآسيا الوسطى. كما يهتم بالسياسة الخارجية الإيرانية، ولاسيما في دول الاتحاد السوفييتي السابق وجنوب آسيا. يعمل حالياً في معهد التنبؤ والأمن في أوروبا (Institut Prospective et Sécurité en Europe). عاش في آسيا الوسطى (في قيرغيزستان وكازاخستان بشكل خاص) والشرق الأوسط (مصر وسورية بشكل خاص).
     يجب أن نؤكد في البداية أننا نتحدث هنا عن إيران بصفتها طرف في السياسة الخارجية. يهدف هذا الحديث إلى شرح وفهم الحقائق الجغراسياسية، وليس إطلاق الأحكام على الوضع الداخلي. من جهة أخرى، نحن هنا في إطار عدة مقالات حول جنوب ـ غرب آسيا، وهي منطقة تتأثر بالتأكيد بمستقبل أفغانستان ومحيطه الإقليمي بعد عام 2014. ربما تقودنا النظرة الأوروبية إلى الاعتقاد بأن الشرق الأوسط أكثر أهمية بالنسبة لباريس من جنوب آسيا. ولكن عندما نعيش في هذه المنطقة، يمكن أن نؤكد على شيئين: الأول هو أن الخوف من المستقبل تجاه الغموض الأمني والسياسي والاقتصادي يمكن تلمسه بشكل واضح على الصعيد الإقليمي، والثاني هو أن أية زعزعة لاستقرار هذه المنطقة سينعكس تأثيرها أولاً على جيران أفغانستان... ثم سيصل ذلك حكماً إلى الغرب في لحظة أو أخرى.
     عندما نتحدث عن مستقبل أفغانستان ومحيطها الإقليمي، فإننا مجبرون على التفكير بإيران باعتبارها قوة قادرة على المساعدة في استقرار أفغانستان والباكستان، وليس في إطار التوترات حول الملف النووي الإيراني. هناك مصالح مشتركة بين طهران والغرب حول جميع الملفات الهامة مثل استقرار أفغانستان ومسألة اللاجئين وتجارة المخدرات والإرهاب الجهادي. في الحقيقة، أدرك الإيرانيون الخطر الذي تمثله "إمارة" الملا عمر قبل الأمريكيين بفترة طويلة. لم يُظهر الأمريكيون انزعاجهم من هؤلاء المتطرفين المعادين للشيعة، وبالتالي المعادين لإيران، خلال الفترة الممتدة من الاستيلاء على كابول عام 1996 وحتى عمليات التفجير التي ارتكبها تنظيم القاعدة ضد السفارات الأمريكية في شرق أفريقيا عام 1998. تراوحت ردود الفعل الأمريكية الرسمية تجاه استيلاء حركة الطالبان على كابول بين التصريحات الحيادية والإيجابية إلى حد ما، الأمر الذي أجبر الملا عمر في تلك الفترة على إفهام الأفغان والصحفيين الأجانب أنه ليس قوة مؤيدة للأمريكيين.
     لنتذكر تحليل أحد المختصين بأفغانستان زالماي خاليزاد Zalmay Khalizad، الذي أصبح سفير الولايات المتحدة في كابول لاحقاً، عندما دعا في تلك الفترة إلى "إعطاء الفرصة" لحركة الطالبان، وحث واشنطن على إقامة علاقات دبلوماسية معها. في تلك الفترة نفسها، كان الدبلوماسيون الأمريكيون ينتقدون إيران بسبب دعمها لتحالف الشمال بقيادة مسعود، وذلك على الرغم من أنهم يعرفون جيداً أن جزءاً من حركة الطالبان يفكر ضمن منطق "حرب الحضارات" ضد الجمهورية الإسلامية. عندما جاء فريق من الدبلوماسيين الأمريكيين في شهر شباط 1997 لعرض برنامج استعادة صواريخ ستينغر أرض ـ جو من حركة الطالبان، رفضت الحركة تسليمها. كان من الممكن أن يسمح تسليم هذه الصواريخ بالحصول على مبلغ مالي هام، ولكن حركة الطالبان كانت تتمنى الحفاظ عليها لكي تتمكن من استخدامها ضد إيران بعد سحق تحالف الشمال بقيادة مسعود. إن مصدر هذه المعلومات ليس اعترافات أحد العناصر السابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، بل من الكتاب المشهور جداً بعنوان: (Ghost Wars) بقلم ستيف كول Steve Coll. في مواجهة مثل هذا العداء، من الممكن أن نفهم لماذا انخرط الإيرانيون بشكل كامل إلى جانب الولايات المتحدة أثناء حملتهم ضد حركة الطالبان عام 2011، ولماذا تحركوا بفعالية للمساعدة في تحقيق الاستقرار السياسي في أفغانستان. بشكل إجمالي، يمكن الحديث عن انخراط حاسم لإيران في أفغانستان بعد عام 2001. تحركت إيران بسرعة لتهدئة أية مخاوف قومية في أفغانستان، وتم التوقيع في شهر كانون الأول 2002 على "بيان حسن الجوار" الذي أكد بقوة على احترام الإيرانيين لسلامة أراضي أفغانستان.
     لا شك أن النفوذ الاقتصادي الإيراني يتركز في غرب أفغانستان بشكل خاص. ولكن ليس هناك إمبريالية في هذا النفوذ، بل مجرد واقعية سياسية (Realpolitik): في حال سقوط الحكومة المركزية أو عودة حركة الطالبان إلى السلطة، يريد الإيرانيون ضمان علاقة جوار ودية مع أفغانستان. لقد استطاع سكان هذه المنطقة الاستفادة من هذه السياسة بشكل كبير: بنى الإيرانيون المستشفيات والمدارس فيها وأوصلوا الكهرباء إلى 350.000 أفغاني وبنوا الطرقات في منطقة حيرات (Hérat)، إنها سياسة نموذجية تجاه جارهم الأفغاني. بشكل إجمالي، هناك إدراك بأن إيران لا تستخدم أفغانستان كـ "ساحة للمعركة" ضد الأمريكيين. لا شك أن الجواسيس الإيرانيين يعملون بنشاط في أفغانستان (مثل نظرائهم الأمريكيين والصينيين والباكستانيين والهنود...). ولكن إذا أراد الإيرانيون، فبإمكانهم إزعاج القوات الأجنبية في أفغانستان كثيراً، ولكنهم لم يفعلوا ذلك أبداً. كما أن ضباط الحلف الأطلسي يعترفون بذلك.
     على الرغم من ذلك، اعتبر جورج بوش في كلمته بتاريخ 29 كانون الثاني 2002 أن إيران تُشكل جزءاً من "محور الشر" الذي يضم أيضاً عراق صدام حسين وكوريا الشمالية، وذلك على الرغم من المساعدة الثمينة التي قدمتها إيران في مكافحة حركة الطالبان. لماذا؟ هناك سببان رئيسيان لا علاقة لهما بـ "الحرب ضد الإرهاب" أو بأحداث 11 أيلول. السبب الأول هو إبراز الطموحات النووية الإيرانية. إنها مقاربة غريبة على أقل تقدير: من الصعب الاعتقاد بأن هذه الطموحات كانت مجهولة خلال شهري أيلول وتشرين الأول عام 2001 عندما كانت إيران تخدم المصالح الأمريكية. السبب الثاني الذي لا علاقة له مع تنظيم القاعدة وجميع التوترات في الشرق الأوسط هو فضيحة السفينة كارين Karine A التي كانت محملة بالأسلحة وأوقفتها القوات الإسرائيلية، وكان من المفترض وصولها إلى السلطة الفلسطينية. ولكن بعض الصحفيين الإسرائيليين بدعم من صحيفة هاآريتس الإسرائيلية أعربوا عن شكوكهم تجاه إيقاف هذه السفينة: تميل بعض المصادر المعروفة إلى التأكيد على أن تحميل هذه السفينة بالأسلحة حصل بشكل سري في إحدى مناطق التجارة الحرة في إيران في جزيرة كيش (île de Kish)، وليس في ميناء مثل بندر عباس، الأمر الذي كان سيجعل العملية أكثر بساطة ويعطيها صفة العملية الحكومية. من المحتمل أن هذه القضية كانت تتعلق بعملية تهريب قامت بها بعض الأطراف الخاصة التي تسعى إلى كسب الأموال بفضل تجارة الأسلحة.
     إذاً، إن أسباب هذا الدمج الشائن لإيران بمحور الشر ضعيفة، وأثارت الصدمة في طهران: أحس الإيرانيون بالإهانة عندما شاهدوا اسم بلدهم يقترن بنظام صدام حسين الذي اعتدى عليهم واستخدم غاز الخردل والساران في معركته ضد إيران. أدت الهجمات الكيميائية العراقية خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية إلى مقتل عشرين ألف جندي إيراني وجرح مئة ألف آخرين... الأمر الذي يدعو للسخرية هو أن الأرشيف الوطني الأمريكي يسمح لنا اليوم بمعرفة أن استخدام هذه الأسلحة البربرية اعتبره الأمريكيون في ذلك الوقت أمراً مقبولاً. كما أنه من المعروف أيضاً أن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA ساعدت صدام حسين في هذه الهجمات... إذاً، إن دمج العراق وإيران في هذا المحور كان أمراً مهيناً ولا أساس له من الصحة. كما أن إضافة كوريا الشمالية إلى هذا المحور أعطى طابعاً هزلياً لبيان البيت الأبيض.
     نجم عن التركيز على فكرة "محور الشر" في بداية عام 2002 نتائج ضارة جداً لـ "المعركة ضد الإرهاب". لم يكن هناك إلا محور واحد يجب محاربته بعد أحداث 11 أيلول هو المحور بين تنظيم القاعدة وحلفائه الطالبان. قام تنظيم القاعدة بالتخطيط وتنفيذ تفجيرات 11 أيلول، وأعلن الحرب على الغرب ضمن منطق "صدام الحضارات". قامت حركة الطالبان بحماية بن لادن ورجاله، كما قامت بحماية الإرهابيين المتطرفين السنة من أصل إيراني وباكستاني الذي يقاتلون في بلادهم. لقد تم تفويت الفرصة لإقامة علاقات هادئة مع إيران والقضاء على الجهاد الدولي، لأنه لم يتم التعامل بجدية مع الحرب الحقيقية ضد الإرهاب وضد هؤلاء الأعداء الخطيرين فعلاً على الاستقرار العالمي.

     نحن الآن في عام 2014، وهي سنة حاسمة بالنسبة لأفغانستان. عادت حركة الطالبان بقوة، وما زال تنظيم القاعدة مصدر تهديد. فيما يتعلق بالأمريكيين وحلفائهم، إنهم يسعون فقط إلى مغادرة كابول "بشرف". تفرض لعنة الجغرافية أن الإيرانيين ليس لديهم ترف مغادرة المنطقة، وسيكونون في خط المواجهة الأول. وكما كان عليه الحال في الماضي، ستكون مصالحهم اليوم في أفغانستان هي مصالح الأمريكيين والأوروبيين نفسها. إن الخطأ سيكون في الاستمرار باعتبار الملف الأفغاني عديم الأهمية أو ثانوي. من الممكن أن يسمح هذا الملف للدول الغربية بعد عام 2014 بإقامة علاقة دبلوماسية إيجابية مع إيران بمرور الوقت، وألا تكون هذه العلاقة أسيرة القضية النووية. لا شك أن ذلك سيساعد في النهاية على حل بعض الخلافات. وهناك نقطة لا يمكن إهمالها هي أن ذلك ربما يساعد الأمريكيين والأوروبيين على النجاح مع الإيرانيين في توفير الاستقرار في أفغانستان، هذا الاستقرار الذي لم ينجح الحلف الأطلسي بتحقيقه لوحده.

الجمعة، ٢١ شباط ٢٠١٤

(الحكومة اللبنانية في مواجهة الإرهاب بمجرد تشكيلها)

صحيفة اللوموند 21 شباط 2014 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     أشار الجيش اللبناني إلى أن التفجيرين الانتحاريين في بير حسن بالقرب من المركز الثقافي الإيراني في جنوب بيروت نجم عنهما مقتل ستة أشخاص على الأقل وجرح 129 آخرين بالإضافة إلى أضرار مادية كبيرة. لم يكن الحي الذي وقع فيه هذان الانفجاران محصناً، بعكس بقية الأماكن التي تعرضت لعمليات تفجير مثل المناطق  المحيطة بالسفارة الإيرانية وشوارع حارة حريك. تبنت المجموعة الجهادية كتائب عبد الله عزام هذه العملية. اعتبر رئيس الحكومة تمام سلام هذا الهجوم "رسالة تُعبر عن تصميم قوى الشر على نشر الفوضى"، ووعد بالرد عن طريق "التضامن" والالتزام "حول الجيش والأجهزة الأمنية".
     تتمثل المهمة الأساسية للحكومة الجديدة بتنظيم الانتخابات الرئاسية، باعتبار أن ولاية الرئيس ميشيل سليمان تنتهي في شهر أيار القادم. إذا جرت الانتخابات، سوف يتم تغيير الحكومة. ولكن الكثير من اللبنانيين يعتبرون أن تشكيل الحكومة هو نتيجة لتسوية محلية وإقليمية، وأنه يُعبّر عن الأمل بفتح الطريق نحو تهدئة الوضع في البلد المشغول بالنزاع السوري. ولكن الباحث السياسي غسان العزي اعتبر أنه "يجب أن نكون ساذجين لكي نعتقد أن عمليات التفجير ستتوقف بين ليلة وضحاها بعد تشكيل الحكومة".
     تشير بعض المؤشرات إلى تجذر الشبكات الجهادية في لبنان، فقد اكتشف الجيش يوم الأحد 16 شباط سيارة مليئة بأكثر من 240 كغ من المتفجرات في سهل البقاع بالقرب من الحدود السورية. وكان الجيش قد اعتقل قبل عدة أيام من ذلك أحد قادة كتائب عبد الله عزام التي ارتكبت عملية التفجير الانتحارية المزدوجة ضد السفارة الإيرانية في شهر تشرين الثاني.
     قال الباحث السياسي غسان العزي: "إن عملية بير حسن تم التخطيط لها قبل فترة طويلة، وليس لها علاقة مباشرة مع تشكيل الحكومة اللبنانية. سيكون لبنان في مواجهة المجهول في حال عدم وجود حكومة. ولكن مع الحكومة، إن محاولة أن نكون أقل تشاؤماً أصبحت أمراً مشروعاً". إن إحدى النتائج المنتظرة لتشكيل الحكومة الجديدة هي حصول تنسيق أكثر فعالية بين مختلف الأجهزة اللبنانية المتمزقة بسبب الخصومات السياسية.

     كما سمح تشكيل الحكومة باستشفاف إمكانية تهدئة الجدل السائد خلال الأشهر الماضية. أدانت جميع الأحزاب اللبنانية الإرهاب بشكل واضح. عزا مستشارو الرئيس هذا الانفراج الهش إلى "الجهود الدولية لفصل لبنان عن الأزمة الإقليمية". شجعت هذه الجهود "التقارب بين الطائفتين السنية والشيعية"، وهذا ما أكدته مشاركتهما في الحكومة. ولكن العداء ما زال قوياً، ولاسيما حول الملف السوري، الأمر الذي يسمح بالتنبؤ بحصول توترات سريعة بين وزراء الحكومة. دعا سعد الحريري، الذي يعيش خارج لبنان منذ ثلاث سنوات، مرة أخرى يوم الأربعاء 19 شباط إلى "انسحاب حزب الله" من سورية باسم "حيادية" بلده. ولكن رئيس حزب الله الشيعي حسن نصر الله كان قد أكد يوم الأحد 16 شباط أن مقاتليه المنخرطين اليوم على جبهة يبرود سيبقون إلى جانب دمشق، ووعد أنصاره بالنصر. أكد مسؤولو حزب الله هذه التصريحات يوم الأربعاء 19 شباط.

الخميس، ٢٠ شباط ٢٠١٤

(سورية المعذبة ستنبعث من مدينة حلب)

صحيفة اللوموند 20 شباط 2014 بقلم الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس جان بيير فيليو Jean-Pierre Filiu

     تقصف قوات بشار الأسد مدينة حلب ببراميل المتفجرات يومياً. ولكنكم لن تشاهدوا أية صورة، لأنه لا يمكن التأكد من صحة أفلام الفيديو غير المهنية عن طريق مصدر "مستقل". كما لن تشاهدوا الجثث العظمية لأشخاص ماتوا من الجوع، ولا أعضاءها المحطمة تحت الأنقاض في كل مكان بسورية. أعطت حملة تصفية الصحافة الأجنبية في سورية ثمارها، وأعتقد أنني كنت أحد آخر الشهود الغربيين الذين أقاموا في حلب، على الرغم خطف الصديقين ديدييه فرانسوا Didier François ونيكولا هينان Nicolas Hénin المختطفين منذ شهر حزيران 2013، وزميليهما إدوار إلياس Edouard Elias وبيير توريز Pierre Torres.
     إذاً، لن تشاهدوا هذه الصور، ولكن المراهقين في مدينة تولوز أو مدينة أفينيون الفرنسيتين اضطربت أفكارهم عندما اكتشفوا هذه الصور على الشبكات الاجتماعية. تُغذي هذه الصور قناعتهم بوجود مؤامرة واسعة ضد المسلمين في سورية. لهذا السبب، ذهبوا إلى سورية وهم معرضون للتلاعب بهم، وسيتم التلاعب بهم خلال فترة قصيرة، لأن تنظيم القاعدة يترصدهم على الحدود التركية. إنه ليس تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن عام 1988، بل تنظيم القاعدة في العراق الذي أسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي، وجعله عصابة مخيفة وشرسة ضد الشيعة في العراق. ثم تبنت هذه الحركة طموحه بعد واختفائه، وأصبحت "الدولة الإسلامية في العراق".
     إن الزعيم الحالي لهذه "الدولة" الجهادية هو العراقي أبو بكر البغدادي الذي أكد استقلاليته رافضاً الإعلان عن الولاء للمصري أيمن الظواهري، خليفة بن لادن. لقد  اعتمد لفترة طويلة على تواطؤ أجهزة بشار الأسد التي كانت ترى في التمرد الجهادي وسيلة للقضاء على الأهداف الأمريكية في العراق. لم يُعبّر البغدادي إلا عن الاحتقار والعداء تجاه العمليات الثورية التي أطاحت بالرئيسين بن علي ومبارك عام 2011. راهن الأسد الذي يواجه احتجاجاً غير مسبوق في بلده على التصعيد الدامي من أجل عسكرة ثم نزع المصداقية عن ثورة سلمية في البداية عن طريق تحويلها إلى "حركة جهادية". بهذه الطريقة، اختفى الناشطون السلميون في سجون النظام، وانتشرت الشبكات الجهادية خلال عام 2012.
     كانت المقاومة السلمية والعسكرية (الجيش السوري الحر) تحرص في ذلك الوقت على الحفاظ على مدينة الرقة كمدينة منفتحة، ولكن البغدادي شن هجوماً عليها في شهر آذار 2013 لكي يعلن إقامة دولته الإسلامية في العراق وبلاد الشام فيها. إن تصميم تنظيم القاعدة على إقامة "دولة جهادية" في العراق وسورية أدى إلى القطيعة مع جبهة النصرة التي ما زالت تعتبر سقوط بشار الأسد الأولوية المطلقة. بالمقابل، رضي البغدادي ببقاء الطاغية في دمشق، الذي رد له الجميل عن طريق تجنب قصف مواقع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام خلال قصفه الجوي.
     تعددت الاشتباكات بين الثوار والجهاديين اعتباراً من ربيع 2013. انتفضت عدة مدن بأكملها في شمال سورية ضد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام خلال صيف عام 2013. عرقل الجيش السوري الحر هجوماً جهادياً ضد الجبل العلوي، لأنه كان سيؤدي إلى تعميق الفجوة بين الطوائف. يلاحق جواسيس البغدادي الناشطين أنفسهم الذين نجوا من أجهزة الأسد. أطلق الائتلاف المعادي للأسد ثورته الثانية في شهر كانون الثاني، ولكن ضد تنظيم القاعدة هذه المرة. في النهاية، تم طرد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام من حلب. بالمقابل، سمح القصف الحكومي بتقدم تنظيم القاعدة في الرقة ومنبج. لن نؤكد بما فيه الكفاية أبداً أن حملة براميل المتفجرات ضد حلب تقصف مدينة محررة من العقبة الجهادية.
     لم يمنع ذلك ممثلو الأسد من التلويح بالفزاعة الجهادية خلال المفاوضات الأخيرة في جنيف، ولم يزعج ذلك رجال البغدادي في إغرائهم لـ "المتطوعين" القادمين حتى الحدود التركية لمساعدة "إخوانهم" في الإسلام. تعتبر الأمم المتحدة اليوم أن عدد المقاتلين الأجانب في سورية يتجاوز سبعة آلاف، وأغلبهم من العرب (التونسيين والليبيين والسعوديين). لم ينخرط جميع هؤلاء "المتطوعين" مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ولكن تنظيم القاعدة أعد سياسة منهجية لسرقة هذه الموارد البشرية.
     يخشى الأسد من أي يؤدي تفكيك ترسانته الكيميائية إلى حرمانه من ورقة أساسية لتحييد المجتمع الدولي، وسيبذل كل ما بوسعه لمساعدة البغدادي في تجذير الدولة الجهادية التي ستساعده على احتكار السلطة. أظهرت مفاوضات جنيف أنه لا جدوى من تدويل الأزمة السورية من الأعلى. لهذا السبب، من الضروري الإسراع بالعودة إلى عملية انتقالية من الأسفل، والاعداد لما بعد الأسد في سورية، وبالتحديد في حلب. حصل الروس من الأسد على عرض بوقف إطلاق النار في حلب كبادرة حسن نية قبل مؤتمر جنيف. فيما يتعلق بالدبلوماسية الأمريكية التي يختلط فيها التهور بالاستخفاف، لقد اعتبرت أنه من الأفضل الالتزام بهدف "يمكن إدارته" في حمص. وهكذا، استطاع عدة مئات من الأموات ـ الأحياء الخروج من الرعب في حمص، وبقي عدد مماثل لهم يموتون تحت براميل المتفجرات في حلب.
     ما زال يسكن في المدينة الثانية في سورية مليونا نسمة منقسمون حسب خط الجبهة المختلق بين القطاع الموالي في الغرب والقطاع المحرر في الشرق. يتعاون الوطنيون في الجانبين سراً من أجل تأمين احتياجات السكان الأساسية. يجب البدء بحلب من أجل إيقاف الانحدار نحو الجحيم في سورية، وإقامة وقف لإطلاق النار، وفتح المعابر بين القطاعين، أو حتى تشجيع عودة اللاجئين من تركيا. تملك العاصمة الاقتصادية لسورية إمكانيات كبيرة على الرغم من الدمار الذي أصابها. دفعت القوات الثورية ثمناً باهظاً للتخلص من تنظيم القاعدة. لا شك أن العسكريين السوريين لا يطلبون إلا إرسال مليشيات حزب الله التي يتزايد التوتر معها. يجب أيضاً أن يكون هناك إشراف دولي يسمح ببعض إجراءات الثقة أو حتى سلطة مختلطة على المدينة بأكملها.

     لا شك أن ظروف السكن ستكون أكثر صعوبة لمفوضي الأمم المتحدة في حلب بالمقارنة مع مثيلتها في جنيف. ولكن مستقبل سورية يوجد في حلب التي يمكن ويجب بناؤها بعد التخلص من الأسد وتنظيم القاعدة. إن البديل هو الدولة الجهادية، ولن يكون ممكناً احتواء العنف الإرهابي لهذا البديل في الشرق الأوسط إلى الأبد. يجب إنقاذ النساء والرجال في حلب. إذا لم نفعل ذلك من أجلهم، لنفعل ذلك من أجلنا.

الأربعاء، ١٩ شباط ٢٠١٤

(فشل مؤتمر جنيف 2 يُذكر الغربيين بعجزهم حول الملف السوري)

صحيفة اللوموند 19 شباط 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe ومراسلتها في واشنطن كورين لينس Corine Lesnes

     ما زال الوقت مبكراً للإعلان عن وفاة مؤتمر جنيف 2. لا أحد يستطيع التأكيد على أن المفاوضات بين المعارضة والنظام السوري لن تُستأنف بعد عدة أسابيع أو عدة أشهر، وذلك بعد جولتين من المفاوضات العقيمة كلياً. بالمقابل، يمكن التأكيد على أن هذه العملية تحقق رهان نظام بشار الأسد في ظل موازين القوى الحالية على الأرض وعلى الساحة الدبلوماسية. إن الدليل على ذلك هو: تسرع العواصم الغربية في تحميل النظام السوري مسؤولية فشل المفاوضات، والنفي الساخط لحاميه الروسي الذي دعا إلى مواصلتها، والرضى الذاتي في دمشق التي تحدثت عن "تقدم هام" بشكل يناقض الواقع.
     أعرب أحد الدبلوماسيين الغربيين عن سروره في نهاية الأسبوع الماضي لأن النقاشات فتحت عيون "جميع القادة الأوروبيين ومسؤوليهم داخل الأمم المتحدة الذين كانوا يعتقدون بأن النظام مستعد للتفاوض وأن العرقلة كانت بسبب المعارضة". في الحقيقة، ألمح الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي خلال مؤتمره الصحفي الأخير يوم السبت 15 شباط إلى انتقاد سياسة الممانعة التي مارسها وفد الحكومة السورية، وخرج بذلك عن الحيادية التي التزم بها حتى الآن بدقة. كما أعرب عن أسفه لأن وفد الحكومة السورية "رفض" التطرق إلى مسألة تشكيل سلطة انتقالية ـ على الرغم من أنها الهدف النهائي لمؤتمر جنيف 2 ـ ، وحث النظام على "طمأنة الطرف الآخر" حول نواياه.
     وماذا بعد؟ إن تقدم القوات النظامية حول حلب وجبال القلمون خفف بسرعة من حماس الذين أعلنوا انتصارهم بعد الجولة الأولى من المفاوضات، لأنه أظهر "نفاق النظام". كما أن إخلاء المدنيين في حمص الذي يشبه نصف استسلام والذي تفاوضت السلطات السورية عليه بدون استشارة المعارضة الموجودة في جنيف، أثار الإحساس بالمرارة. قال أحد مستشاري وفد المعارضة متنهداً: "ما الفائدة من كسب ثقة الإبراهيمي. إن الحل ليس بين يديه".
     على هامش المفاوضات، ومع ظهور أن النظام لا يسعى إلا إلى كسب الوقت، حض معارضو الأسد عرابيهم الغربيين والعرب على زيادة المساعدات لهم. من بين الإجراءات التي يلحون على المطالبة بها: إعطاء الائتلاف الوطني السوري، الواجهة السياسية للتمرد، معقد سورية في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بالإضافة إلى إعطاء الائتلاف الوطني السوري السفارات التي ما زالت تحت سيطرة ممثلي دمشق، أو على الأقل تقييد حرية حركة ممثليها ضمن دائرة لا تتجاوز عدة كيلومترات حول العواصم.
     فيما يتعلق بالحكومات الغربية التي أحست بعجزها حول الملف السوري، فإنها تفكر بالمرحلة القادمة. اعترف البيت الأبيض للمرة الأولى منذ الصيف الماضي أنه من الضروري حصول تغيير في مقاربته، دون أن يذهب إلى حد الاعتراف بفشل استراتيجيته. كما أكدت لوس أنجلوس تايمز أنه تم طلب مشورة البنتاغون مرة أخرى من أجل تقديم "أفكار جديدة". هل ستفكر إدارة أوباما مرة أخرى بالضربات العسكرية، ولاسيما ضد طائرات النظام، كما طالب ساندي بيرجر Sandy Berger المستشار السابق لبيل كلينتون؟
     استؤنف الجدل نفسه الذي أعقب استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية في شهر آب الماضي. إنه جدل بين الذين يعتبرون أن حصيلة سياسة باراك أوباما قد تتأثر بشكل سلبي إذا سمح باستمرار نزاع أدى إلى مقتل أكثر من مئة وأربعين ألف شخص من جهة، وبين الذين يعتبرون أن أي تدخل أحادي الجانب سيُغرق الولايات المتحدة داخل حرب طائفية من جهة أخرى. حذر زبيغنيو بريجينسكي، المستشار السابق لجيمي كارتر، قائلاً: "نحن أمام مشكلة إقليمية. إذا تدخلنا، فإنها ستكون مشكلتنا الإقليمية". أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مرة أخرى أنه "ليس هناك حل عسكري" وأن الحل الدبلوماسي ما زال الخيار المفضل، مشككاً في الوقت نفسه بالدور الروسي. لم يؤيد زبيغنيو بريجينسكي هذا الموقف، واعتبر أن مواجهة موسكو ستعطي نتائج عكسية، وقال: "إذا قمنا بتفجير الاتفاق حول إيران... ماذا سيكون إنجازنا؟".

     على المدى القصير، يبدو أن الموقف الذي اعتمدته الدول الغربية يرتكز على  استئناف مساعدة الجيش السوري الحر ـ الجناح المعتدل للتمرد. أشارت وول ستريت جورنال إلى أن صواريخ أرض ـ جو محمولة ربما وصلت للمرة الأولى إلى مستودعات الجيش السوري الحر في الأردن وتركيا. أعرب أحد ناشطي المعارضة عن ارتيابه من هذه المعلومات، وقال: "هناك ما يكفي من الأسلحة على الأرض. إن مشكلتنا هي نقص التنظيم. لم تبرهن أية كتيبة عن فعاليتها". وفيما يتعلق بالخناق الذي يضيق على المتمردين في حلب، قال هذا الناشط: "نحن نعيش إحدى الساعات الأكثر ظلاماً منذ بداية الثورة".

(الغرب وسورية والتائه من مدينة سان دوني)

صحيفة الليبراسيون 19 شباط 2014 بقلم برنار غيتا Bernard Guetta

     نشرت صحيفة الليبراسيون يوم الخميس 13 شباط مقالاً يمثل لكمة قوية على المعدة. إنه شاب فرنسي، بالتأكيد ليس من أصول فرنسية كما سيؤكد الأغبياء، ولكن من مدينة سان دوني الفرنسية كما يقول هذا الشاب بنفسه. إنه شاب فرنسي كان يحب الحياة والذهاب إلى الملاهي، ولم يكن عاطلاً عن العمل بل يكسب ثلاثة آلاف يورو شهرياً. يحكي هذا الشاب كيف "قرر أن يصبح إرهابياً في نظر القانون الفرنسي".
     قام هذا الشاب بذلك لأنه لم يعد يتحمل "لا مبالاة العالم" تجاه المأساة السورية. مع قراءة هذا المقال فقرة بعد فقرة، أحسست بالتعاطف يتصاعد في داخلي، وذلك بشكل يتناقض كلياً مع نفسي. يقول هذا الشاب أنه أصبح "جهادياً"، إنه خيار لا يمكنني الموافقة عليه، ويمثل كل ما أشمئز منه. أصبح هذا الشاب معجباً بأسامة بن لادن، هذا الواهم الذي كان يحلم بتسريع الحرب بين الإسلام والغرب، وقتل من المسلمين أكثر بكثير مما فعل الغرب، وأغرق العالم العربي في بؤس أكبر، وساهم في تراجع دولة القانون في الولايات المتحدة. أصبح هذا الرجل يمثل كل ما أكرهه.
     لا يفهم هذا الشاب شيئاً، ولا يعرف شيئاً، ويظهر بوضوح جهله أن بلده فرنسا بذلت كل جهدها لمساعدة التمرد السوري. الأسوأ من ذلك أيضاً هو تهوره الإجرامي عندما أخذ معه زوجته وابنتيه البالغتين من العمر ست وثماني سنوات إلى سورية. لا أستطيع تأييده بشيء، ولكنه اتصف على الأقل بفضيلة الاستنكار على الرغم من كل جحشنته وجهله السياسي. لم يعد يتحمل ما لا يمكن تحمله، لم يعد يتسامح مع العالم الذي لا يقوم بشيء فعلي ضد الأسد وعائلته الحاكمة التي تُهيمن على سورية، وأطلقت النار في ربيع عام 2011 على متظاهرين يطالبون بالديموقراطية بدون عنف، ورفضت أي تنازل بشكل دفع السوريين نحو رعب لا اسم له.
     سورية اليوم هي مئة وأربعين ألف قتيل، وأطفال يتعرضون للتعذيب والاغتصاب أمام آبائهم لنشر الرعب، وبلد مدمر، وأحياء ومدن يتم تجويعها وحرقها من السماء بشكل ممنهج،  وآباء لعائلات يتم اعتقالهم بمجرد خروجهم من جحيم حمص تحت حماية الأمم المتحدة، ودعوة متعمدة لتأجيج الإسلاميين الأكثر تطرفاً لكي تتمكن هذه الدكتاتورية الدموية من الاختباء وراء "مكافحة الإرهاب".
     نعم، توصلت في النهاية إلى أن هذا الجهادي التائه يتصف بمشاعر نبيلة أكثر مما يتصف به نواب مجلس العموم البريطاني الذي صوتوا على التدخل في العراق، ولكنهم رفضوا إطلاق الصواريخ ضد القواعد العسكرية للأسد. نعم، أنا شعرت بالتقدير تجاهه بشكل أكبر من التقدير تجاه هذه الأغلبية العمياء في الكونغرس الأمريكي التي منعت باراك أوباما من الاقتداء بفرنسا التي كانت تريد عدم السماح بالإفلات من العقاب بعد استخدام جزار دمشق للغاز القاتل في المعارك.
     إن جميع الوسائل متوفرة أمام هؤلاء النواب لكي لا يُخطئوا حول هذه النقطة، ولكن هذا الشاب لا يملك هذه الوسائل، وليس لديه إلا الاستنكار. إنه يُذكرني بأولئك المتطوعين في الكتائب الدولية الذين كانوا يعتقدون أن الطريقة الأفضل لمحاربة الفاشية الاسبانية هي الانضمام إلى كتائب ستالين بدلاً من الانضمام إلى الكتائب الديموقراطية. إنه معذور لأنه ليس رجل سياسة، في حين أن أولئك الذين من المفترض أن يكونوا رجال سياسة، ويحصلون على أجرهم لقاء ذلك، ليس لديهم عذر لأن نتائج خطأهم مخيفة.
     كان من الممكن إعادة التوازن إلى موازين القوى بين السلطة والتمرد، لو أن مراكز القيادة والمطارات التابعة للنظام السوري قد تم تدميرها كما كان يتمنى فرانسوا هولاند وباراك أوباما. إن دخول الديموقراطيات الغربية إلى الساحة، ربما كان لن يترك أي فسحة أمام الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، هذه المجموعة المتطرفة جداً لدرجة أنه حتى تنظيم القاعدة ابتعد عنها في النهاية، وهذا ما حصل أيضاً مع جهادي مدينة سان دوني الذي تركها بسرعة. وربما لم يكن المتمردون مضطرين اليوم للقتال على جبهتين: ضد هذه المجموعة وضد الجيش السوري وجنوده الإضافيين من حزب الله اللبناني. وربما اضطرت السلطة السورية للتنازل قليلاً والقبول بمفاوضات حقيقية في جنيف وتشكيل هيئة انتقالية تنفيذية مكلفة بتنظيم انتخابات حرة وإيجاد تسوية بين جميع مكونات الموزاييك السوري.
     ربما لن يحل ذلك كل شيء، وما زال الحل بعيداً، ولكنه سيترك فسحة للأمل. بينما يقتصر دور الأوروبيين الآن على التوسل أمام فلاديمير بوتين من أجل أن يقبل بالضغط على بشار الأسد لكي يتنازل ويقبل بإظهار القليل من المرونة. انتصرت البربرية، ويتزايد عدد أطفال الإسلام الضائعين في أوروبا، لأن الأنظمة الديموقراطية غير منطقية، ولأن السيد بوتين الذي يفكر بمستقبله وبأوكرانيا لا يريد انتصار تمرد شعبي على دكتاتور آخر. إن الطغاة في العالم يغذون الطغيان الجهادي.

     

الثلاثاء، ١٨ شباط ٢٠١٤

(علي لاريجاني: "الاتفاق ممكن")

صحيفة الفيغارو 18 شباط 2014 ـ مقابلة مع رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني ـ أجرى المقابلة جورج مالبرونو Georges Malbruont

سؤال: ما هي المساهمة التي تستطيع إيران تقديمها من أجل تسوية الحرب في سورية؟
علي لاريجاني: لا يوجد حل عسكري للنزاع، إن  الحل سياسي وسيأتي عبر تنظيم الانتخابات. من أجل تحقيق ذلك، يجب توفير الأمن ودفع الناشطين للتراجع وإغلاق الحدود التي يتدفق منها الأجانب وتنظيم مراقبة دولية على الانتخابات الرئاسية. نحن مع الديموقراطية. إذا كانت الولايات المتحدة قلقة على الديموقراطية، يجب عليها تنظيم انتخابات. وإذا كان بشار الأسد بهذا السوء كما تقول، فلن تتم إعادة انتخابه.
سؤال: العلاقات مع فرنسا صعبة. هل ساهمت الزيارة التي قامت بها مؤخراً 110 شركات فرنسية إلى طهران في نسيان الماضي؟
علي لاريجاني: ليس لدينا مشاكل كبيرة مع فرنسا. نحن لا ننسى مساعدتها للثورة الإسلامية، ولاسيما استقبالها للإمام الخميني في مدينة نوفل لوشاتو الفرنسية. بعد ذلك، دعمت الدبلوماسية الفرنسية العراق عبر تزويد صدام حسين بطائرات سوبر إتندار من أجل قصفنا. ما زال الإيرانيون يستغربون قليلاً سلوك دبلوماسيتكم. ويبدو أن فرانسوا هولاند شخصياً يشعر بقلق كبير من مجيء رجال الأعمال الفرنسيين قبل رفع العقوبات. يجب على فرنسا العمل بشكل أكبر بحسب مصالحها. كان لدينا في الماضي علاقات اقتصادية جيدة جداً.
سؤال: هل يدعم البرلمان بأغلبيته المحافظة المفاوضات حول الملف النووي، هذه المفاوضات التي تستأنف اليوم 18 شباط في فيينا؟
علي لاريجاني: تعتقد الجمهورية الإسلامية دوماً أن المشكلة النووية يمكن حلها عبر الدبلوماسية. لا يجب أن يكون موقفنا سلبياً تجاه هذه المفاوضات. هناك عدة آراء مختلفة في إيران، ولكن هناك توافق حول المصلحة الوطنية. إذا كان بعض النواب في البرلمان يعارضون هذه المفاوضات، فإن أغلبية المجلس تدعم المفاوضات النووية، ولكنها تراقب. كما أن المرونة البطولية التي تحدث عنها المرشد الأعلى من أجل البدء بالمفاوضات في العام الماضي، لا تعني تراجعاً. ما زال هناك نقص في الثقة بيننا وبين الأمريكيين، ولكن مشاكلنا يمكن تجاوزها. إن الولايات المتحدة وأوروبا قلقتان من امتلاك إيران للسلاح النووي. نحن لا نريد أن نكون محرومين من حقوقنا في مجال التخصيب. يجب علينا أن نجد اتفاقاً (deal)، وهذا ممكن بشرط عدم إضافة مواضيع أخرى إلى جدول الأعمال في فيينا مثل صواريخنا البالستية التي يقول الأمريكيون أنهم يريدون دراستها. في هذه الحالة، سيكون هناك الفشل.
سؤال: هل سيؤدي الاتفاق إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة؟
علي لاريجاني: إن المفاوضات النووية والعلاقات مع الولايات المتحدة، أو بشكل أكثر دقة مسألة افتتاح سفارة أمريكية في طهران، هما ملفان مختلفان. إن مشكلتنا معهم مركزية، ولها جذور عميقة.  انقطعت علاقتنا لأن واشنطن أساءت لنا عبر الدفاع عن الشاه الدكتاتور. إن الاتفاق مع الولايات المتحدة حول الملف النووي لن يكون إلا نقطة إيجابية في تسوية الخلاف. من أجل تصفية الخلاف كلياً، يجب تسوية بقية الخلافات مثل عودة الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة، والمشاكل التي يخلقها الوجود الأمريكي في المنطقة بالنسبة لإيران.
سؤال: تفاوضت طهران مع واشنطن من أجل تسهيل انسحاب القوات الأمريكية من العراق. هل يمكن حصول ذلك مرة أخرى في أفغانستان؟
علي لاريجاني: طلب الأمريكيون مساعدتنا في العراق، ووافقنا على تقديمها. نحن راضون عن رؤية انسحابهم من المنطقة، لأن وجودهم يتسبب بالمشاكل أكثر من حلها. لقد تدخلوا في أفغانستان من أجل مكافحة الإرهاب والقضاء على تجارة المخدرات. بعد مرور عشر سنوات، ازداد التهريب من 200 إلى 8000 طن، وتفاقم الإرهاب. ولكن هل يريدون حقاً الخروج من أفغانستان إذا حافظوا على تسعة مراكز عسكرية كما ينوون؟   


الاثنين، ١٧ شباط ٢٠١٤

(سكان القرى اللبنانية ينظمون أنفسهم في ميليشيات على الحدود السورية)

صحيفة اللوموند 17 شباط 2014 بقلم مراسلتها الخاصة في رأس بعلبك في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     قام رجل الأعمال المسيحي رفعت نصر الله (49 عاماً) المؤيد لحزب الله الشيعي بتشكيل مجموعة للدفاع الذاتي في رأس بعلبك (شمال شرق البقاع). كلف سكان القرى أنفسهم بمهمة منع تسلل المتمردين السوريين، وذلك في الوقت الذي استؤنفت فيه معركة القلمون حول مدينة يبرود يوم الأربعاء 12 شباط على الجانب الآخر من الحدود. يعتبر سكان هذه القرية أن المتمردين، ولاسيما المتطرفين الجهاديين منهم، يُشكلون تهديداً أكبر بكثير من الجيش السوري الذي قصفت مدافعه سهل البقاع عدة مرات. أكد رفعت نصر الله قائلاً: "أطلقت المجموعات المسلحة بعض القذائف الصاروخية على رأس بعلبك في منتصف شهر كانون الثاني. لقد هاجموا أراضينا الزراعية في الجبل، ولم يعد أحد يتجرأ على الذهاب إليها. هل يمكن أن نترك القرية لوحدها؟".
     تعتبر العديد من القرى أن القوى الأمنية ضعيفة جداً، ولهذا السبب قاموا بتشكيل لجان الدفاع الشعبي: هناك عدة دوريات بالقرب من رأس بعلبك في قرية فقيحة (Fakiha) المختلطة  بين السنة والمسيحيين. كما ظهرت حواجز التفتيش الليلية التابعة لحزب الله في قرية اللبوة الشيعية.
     كشف أحد عناصر ميليشيا رفعت نصر الله عن تمثال مشوه من البرونز قائلاً: "إنهما ساقا المسيح. سرق المتمردون هذا التمثال من معلولا، ونقلوه إلى عرسال. يقتل التكفيريون وينهبون في كل مكان يصلون إليه. ماذا يريد رئيسكم هولاند عبر دعمه للمتمردين: هل يريد تهديد حياة المسيحيين في الشرق الأوسط؟".
     أشار بعض وجهاء قرية رأس بعلبك إلى أن العديد من رجال رفعت نصر الله ينتمون إلى سرايا حزب الله للدفاع الشعبي، ولكن رجل الأعمال يؤكد أنه يتصرف بمبادرة خاصة منه، ويقوم بتجهيز حوالي أربعين رجلاً في الميليشيا ببعض الرشاشات التي يصل ثمن الرشاش الواحد منها إلى ستة آلاف دولار. يعتبر رفعت نصر الله أن الحراسة أصبحت ضرورية منذ بداية معركة القلمون في شهر تشرين الثاني 2013، ويقول: "نحن نحمي عائلاتنا فقط. إذا شاهدنا تحركات مشبوهة، نقوم بإبلاغ الجيش". أكد أحد عناصر الميليشيا أن نوبته انتهت بدون حوادث، ولكن سكان القرية يؤكدون أنهم شاهدوا بعض المتمردين.

     أكد رئيس بلدية القاع اللبنانية ميلاد رزق التابع لحزب البعث قائلاً: "يجب أن تبقى المشاكل السورية في سورية". أعرب مروان نصر الله الذي يشارك في الدوريات عن ارتيابه بالرعاة الذين يتجولون في الجبال القاحلة، ويشك بأنهم مخبرون للمتمردين السوريين وحلفائهم اللبنانيين، كما اعتبر أن هذه الدوريات تهدف إلى إيقاف "الإرهابيين" ومراقبة "آلاف اللاجئين السوريين في قرية القاع الذين يجهل ولاءاتهم". قادنا هذا الرجل إلى أراضي مليئة بالحجارة في غرب القرية وقال: "يستطيع أي شخص هنا إدخال سيارة مفخخة بعيداً عن رقابة الحواجز العسكرية".

(لبنان يعثر على حكومة)

صحيفة الفيغارو 17 شباط 2014 بقلم مراسلتها في لبنان سيبيل رزق Sibylle Rizk

     استمرت المساومات حتى اللحظة الأخيرة من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتألف من 24 وزيراً، وتحترم التوازنات السياسية والطائفية المعقدة في لبنان. لا يعتقد اللبنانيون بقدرة هذه الحكومة على الاستجابة للرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة في البلد. على أي حال، لن تستمر هذه الحكومة طويلاً، ويجب عليها تقديم استقالتها في موعد أقصاه 25 أيار بحلول نهاية ولاية الرئيس ميشيل سليمان. بالمقابل، إن هذه الولادة الصعبة للحكومة تُعبّر عن بداية توافق إقليمي ودولي حول لبنان: أي ضرورة الحفاظ على أمنه. قال السياسي أنطوان حداد: "كان يجب الاختيار بين الاستقرار أو السماح بالانجرار نحو جحيم الحرب السورية".
     ازدادت راديكالية الانقسامات في لبنان منذ بداية الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد، وساهم الانخراط العسكري لحزب الله في سورية إلى جانب الأسد في القضاء على السياسة اللبنانية الرسمية بالنأي بالنفس، ودفع بالمجموعات المتطرفة السنية ـ اللبنانية إلى أحضان المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة.

     أدى قرب موعد الانتخابات الرئاسية في لبنان إلى تسريع التوافق الإقليمي حول ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من المؤسسات اللبنانية: كانت الدولة مهددة بالانهيار بسبب عدم وجود حكومة مع عدم إمكانية انتخاب رئيس جديد، مع العلم أن البرلمان قام بتمديد ولايته في شهر حزيران الماضي بسبب عدم إجراء انتخابات تشريعية. قدم العرابون الإقليميون للمعسكرين المتنافسين في لبنان بعض التنازلات، قال أحد الدبلوماسيين: "قدمت إيران هذا التنازل في إطار مفاوضاتها حول الملف النووي، واستخلصت السعودية دروس سياستها غير المثمرة في بيروت، واختارت استئناف دعم المؤسسات بسبب عدم قدرتها على منافسة حزب الله على الصعيد العسكري في لبنان، باعتبار أن قناة المجموعات الجهادية خطيرة جداً".إذاً، أدت التنازلات المتبادلة إلى تجاوز المأزق الحكومي: وافق سعد الحريري على الجلوس إلى جانب حزب الله على الرغم من استمرار الأخير بالقتال في سورية. ولكن حزب الله تخلى عن حق النقض الذي كان يتمتع به حول قرارات الدولة منذ عام 2008.