الصفحات

الجمعة، ٢٥ تشرين الأول ٢٠١٣

ملاحظة

تتوقف المدونة عن العمل اعتباراً من يوم السبت 26 تشرين الأول ولغاية 3 تشرين الثاني 2013 ضمناً.


(عودة شهر العسل بين فرنسا والسعودية)

صحيفة الفيغارو 25 تشرين الأول 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     الرياض بدلاً عن الدوحة. كانت قطر محور السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط في عهد نيكولا ساركوزي، ولكن فرانسوا هولاند يفضل السعودية بشكل واضح من الآن فصاعداً. تتوافق وجهات النظر الفرنسية والسعودية حول الأزمتين الهامتين اللتين تهزان الشرق الأوسط أي: سورية والملف النووي الإيراني. لم تعد تحصى زيارات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات السعودي الأمير بندر بن سلطان إلى باريس.
     يكرر الفرنسيون والسعوديون معارضتهم لامتلاك طهران للقنبلة النووية، وينوون مواجهة النفوذ الإيراني لدى الشيعة في العراق والخليج ولدى حزب الله الذي وضعته فرنسا مؤخراً على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية. تراقب باريس والرياض بقلق التقارب الذي بدأ بين إيران والولايات المتحدة، ويخشى الفرنسيون إبعادهم من السوق المربح لإعادة إطلاق الاقتصاد الإيراني. كما تخشى السعودية وجيرانها في الخليج وإسرائيل من أن يدفعوا ثمن استئناف العلاقات بين واشنطن وطهران.
     هل برود العلاقة الأمريكية ـ السعودية سيفسح المجال أمام باريس التي تأمل بالفوز بعدة عقود صناعية قريباً، حتى ولو اضطر فرانسوا هولاند إلى تأجيل زيارته المرتقبة إلى الرياض في شهر تشرين الثاني بسبب المشاكل الصحية للملك السعودي. ينظر البعض بارتياب إلى بروز هذا المحور الجديد بين باريس والرياض، هذا المحور المعادي لإيران أو حتى المعادي للشيعة.

     حذر أحد الدبلوماسيين من أن الأسلحة التي تمولها السعودية لا تذهب بأكملها إلى المتمردين المعتدلين فقط في سورية، وانتقد المساعدة ـ التي يرسلها القطاع الخاص بالتأكيد ـ السعودية إلى تنظيم القاعدة الإرهابي في سورية والعراق. قال وزير سابق للخارجية: "دبلوماسية العقود ليست علماً بحتاً"، على الرغم من وجود سلة من العقود بقيمة ثلاثين مليار دولار تقريباً (الطاقة النووية المدنية والأسلحة والسكك الحديدة...الخ). أشار البعض الآخر إلى المسألة الهامة المتعلقة بعملية نقل الخلافة الجارية في المملكة التي تضم عشرة آلاف أمير، ولا أحد يعرف من هو المعسكر الذي سينتصر.

(تركيا في مواجهة تمرد الأقلية العلوية)

صحيفة الفيغارو 14 تشرين الأول 2013 بقلم مراسلتها في استانبول لور مارشاند Laure Marchand

     يقع حي Gülsuyu (ماء الزهر باللغة العربية) على الضفة الآسيوية من مدينة استانبول. تمثل الأقلية العلوية التركية (فرع ليبرالي منشق عن الإسلام) أغلبية سكان هذا الحي الذي يقف في خط المواجهة الأول ضد رجب طيب أردوغان. قال أحد المتعاطفين الثوار عابدين ساري Abidin Sari: "نحن قلب المعارضة، ولهذا السبب نحن موجودون بكثرة في المظاهرات في Gezi".
     تعرض العلويون الأتراك للاضطهاد في عهد الإمبراطورية العثمانية ومنذ تأسيس الجمهورية عام 1923. يتمرد العلويون الأتراك ضد سياسة الحكومة التي يعتبرونها مؤيدة للسنة بشكل مفرط. قُتِل ستة متظاهرين منذ بداية التمرد: ثلاثة من العلويين الأتراك (Alévis) وثلاثة من العلويين العرب (Alaouites). هناك بعض التشابه بين هاتين الطائفتين، ولكن القرابة بينهما بعيدة في الحقيقة. تعود أصول العلويين الأتراك إلى جبال الأناضول، بينما يتركز العلويون العرب في منطقة هاتاي التي تتكلم اللغة العربية وتشكل جزءاً من العائلة العلوية السورية. ولكن الطائفتين تتعرضان للتمييز الديني من قبل أنقرة. حذر الأستاذ في جامعة استانبول أحمد ألتان Ahmet Altan قائلاً: "هناك توتر كبير جداً، نحن ننزلق نفسياً نحو مناخ الحرب الأهلية".
     اعتبر المتظاهرون أن قيام أردوغان بوضع حجر الأساس لجسر على البوسفور بتاريخ 29 أيار يمثل استخفافاً بهم من قبل الإسلاميين المحافظين في السلطة. تم إطلاق اسم السلطان سليم الأول على هذا الجسر، أي باسم الحاكم الذي أمر بارتكاب المجازر الكبرى ضد العلويين الأتراك في القرن السادس عشر. لم يمنحهم رئيس الوزراء إلا اسم إحدى الجامعات في إطار مجموعة "الإجراءات الديموقراطية" التي تم الإعلان عنها في نهاية شهر أيلول لتلبية الطلبات المتزايدة من قبل العلويين الأتراك، أعرب الأستاذ في مركز تجمع العلويين في حي Gülsuyu (Cemevi) حسن سيليك Hasan Selik عن سخطه قائلاً: "يهدف هذا الإجراء إلى التمويه على الإصلاحات الموجهة إلى ناخبيه السنة".
     تقوم الطائفة العلوية كل يوم خميس بتنظيم بعض الاحتفالات الدينية في المركز (Cemevi) التابع لها في هذا الحي، ويرقص فيها الرجال والنساء، ويتحدثون فيها عن الإسلام والشعر وبعض الابتهالات الشامانية. إن هذه الشعائر جعلتهم مُعتبرين كهراطقة في أغلب الأحيان حتى الآن. ترفض السلطات التركية إعطاء صفة مكان العبادة لأماكن اجتماع العلويين (Cemevi). كما ازادت انتقادات هذه الأقلية بسبب زيادة دروس الديانة السنية في المدرسة مؤخراً وعدم وجود موظفين كبار أو وزراء علويين.
     تتنافس صور مؤسس الجمهورية التركية أتاتورك مع الصور التي تمثل (علي) على جدران مراكز اجتماع العلويين (Cemevi). شهدت الحقبة الجمهورية بعض الاضطهاد وتخللتها بعض المجازر. في عام 1993، مات 35 مثقفاً علوياً تركياً في حريق داخل أحد الفنادق افتعله بعض المسلمين المتعصبين في مدينة Sivas في الأناضول. ولكن نائب رئيس مركز اجتماع العلويين Ergin Yilmaz قال: "حملت الإيديولوجية الكمالية معها النظام العلماني الذي كان يحمينا".
     تفاقم هذا الرهان الداخلي التركي بسبب تداعيات النزاع السوري. يعتبر البعض أن البعد الطائفي لسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم تجاه سورية هو أمر خطير على تماسك المجتمع، قال أحمد ألتان: "إذا تصرفت الدولة باعتبارها دولة سنية في الخارج، فهناك خطر بانفجار المجتمع في الداخل". لم يتردد بعض رجال السياسة بتشبيه العلويين الأتراك بالعلويين العرب. في الشهر الماضي، قام رئيس بلدية أنقرة من حزب العدالة والتنمية Melih Gökçek بوصف العلويين الأتراك في المدينة الذين يواجهون قوات حفظ النظام بسبب بناء مجمع ديني بأنهم "جنود الأسد". نشرت محطة Halk TV مقابلة مع الرئيس السوري الذي وعد فيها بأن "تركيا ستدفع ثمناً باهظاً" بسبب قيامها بتسهيل مرور الجهاديين إلى سورية. يشعر العلويون الأتراك بأن الحكومة وضعتهم في خط المواجهة الأول، قال عابدين ساري: "نحن خائفون بالتأكيد من أن يهجموا علينا يوماً ما".

     يتراوح عدد العلويين الأتراك ما بين عشرة وخمس عشرة مليون نسمة، أي حوالي 20 % من السكان. يشرب هؤلاء المسلمين النبيذ ولا يصوموا رمضان، وتعرضوا للمجازر تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. لقد اندمجوا في الإيديولوجيا الكمالية التي كانت تضمن لهم بعض الأمن على الرغم من التمييز الديني المستمر ضدهم في الحقبة الجمهورية (سنوات 1930 و1970 و1990). لقد تحطم هذا الميثاق مع السلطة اليوم.

الخميس، ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٣

(حماس تستأنف العلاقة مع طهران)

صحيفة الفيغارو 24 تشرين الأول 2013


     من المفترض أن يذهب قريباً وفد من الحركة الإسلامية الفلسطينية إلى طهران لاستئناف العلاقات المقطوعة بسبب الأزمة في سورية. سيترأس الوفد مدير المكتب السياسي لحماس خالد مشعل الذي غادر دمشق في إشارة إلى معارضته للقمع الذي قام النظام السوري به. أدى رحيله من دمشق إلى تدهور العلاقات مع إيران التي تمثل أحد ممولي حماس. ولكن حماس وجدت نفسها معزولة على الساحة الإقليمية بعد إبعاد حليفها محمد مرسي من رئاسة مصر.

(عزلة لا تُطاق للمعارضة السورية)

افتتاحية صحيفة اللوموند 23 تشرين الأول 2013

     إنه السؤال الهاجس للتمرد السوري منذ  البداية: من يستطيع الحديث باسمه؟ من يستطيع الإدعاء بتمثيله بشكل كامل وفرض الطاعة على عدة مجموعات مسلحة على الأرض في مواجهة نظام بشار الأسد؟ يسعى الأمريكيون والروس إلى الدعوة من جديد إلى مؤتمر للسلام حول سورية. من الممكن أن ينعقد مؤتمر جنيف 2 في نهاية شهر تشرين الثاني بشكل موازي مع تفكيك الترسانة الكيميائية لنظام بشار الأسد. كان هذا الاحتمال على جدول أعمال المحادثات في لندن يوم الثلاثاء 22 تشرين الأول بمشاركة مجموعة الدول المسماة بـ "أصدقاء سورية" التي تنوي تشجيع العملية الانتقالية في هذا البلد. إن الطرف المحاور لهذه المجموعة هو الحركة الأساسية في المعارضة أي الإئتلاف الوطني السوري الذي يُفترض به مواجهة ممثلي دمشق في جنيف. ولكن الصفة التمثيلية للإئتلاف الوطني السوري موضع نزاع. لقد تعرض الإئتلاف إلى هزيمة سياسية في الشهر الماضي عندما قالت حوالي 12 مجموعة متمردة أغلبها من الوحدات الجهادية أنها لا تعترف إطلاقاُ بهذه المنظمة.
     تتألف النواة الصلبة لهذا الإئتلاف من الإخوان المسلمين، ثم عرف الإئتلاف كيف ينفتح على عدد آخر من مكونات المجتمع السوري من الديموقراطيين والعلمانيين والأكراد والمسيحيين... إنه يضم بلا شك نساء ورجال شجعان ويتمتعون بالكفاءة. ما زال الإئتلاف الوطني السوري ضعيفاً بسبب الخصومات القديمة المستمرة في الخارج، ويواجه صعوبة في تشكيل "حكومة" في المناطق المحررة من قبل المتمردين، كما يجد صعوبة في الحصول على الإجماع في الداخل على الرغم من أنه الممثل الوحيد للمعارضة في الخارج. يعود السبب في ذلك إلى تاريخ التمرد السوري إلى حد كبير. في البداية، انطلق التمرد السلمي من مختلف قطاعات المجتمع، وتحدى آلاف السوريين النظام خلال ثمانية أشهر عبر المظاهرات في الشارع. إن وحشية القمع هي التي قادتهم إلى التحول نحو الكفاح المسلح كنوع من ردة فعل للدفاع عن النفس. وهكذا، وضع جزء من التمرد نفسه تحت سيطرة الدول التي تريد تسليحه فعلاً.

     لم تتردد السعودية وقطر وتركيا في دعم الوحدات الجهادية بشكل مباشر إلى حد ما، وكانت هذه الوحدات الجهادية مقربة من تنظيم القاعدة أحياناً. ساهم هذا التوجه في تحقيق رهان النظام في الداخل، وأخاف عدداً من الأقليات السورية، كما أثار ارتياباً متزايداً لدى الرأي العام الغربي في الخارج. يجب على الأمريكيين والروس الذين كانوا شهوداً سلبيين أن يدعموا المكونات الديموقراطية للمعارضة إلى أقصى حد، ولاسيما مع إمكانية العودة إلى مؤتمر جنيف مرة أخرى.

(الإئتلاف الوطني يخاطر بمصداقيته مع تراجع نفوذه)

صحيفة الليبراسيون 23 تشرين الأول 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     تعتبر المعارضة السورية المعتدلة التي يمثلها الإئتلاف الوطني أن مؤتمر جنيف 2 هو مؤتمر جميع الأخطار. وهنا يكمن هذا المأزق: هل يجب مقاطعته أم لا؟ إن عدم المشاركة سيُغضب الدول الغربية التي تصر على مشاركته. ولكن أية مشاركة في هذا المؤتمر ستعرضه بالمقابل إلى انتقادات بقية مكونات التمرد، ولاسيما الإسلاميين. عبّر رئيس الإئتلاف أحمد الجربا عن هذا المأزق بالإشارة إلى أن المعارضة ستخسر مصداقيتها إذا استسلمت أمام الضغوط الدولية للمشاركة في محادثات لا تهدف إلى رحيل بشار الأسد، وقال في كلمة مخصصة لإلقائها في مؤتمر "أصدقاء سورية": "لن يصدقنا الناس بعد اليوم، وسينظرون إلينا كخونة للثورة ولدماء المتمردين".
     تفاقمت المعضلة التي تواجهها المعارضة المسماة بالمعتدلة مع انقساماتها الداخلية. يُطالب المجلس الوطني السوري الذي يمثل الجزء الأساسي من الإئتلاف بإيقاف المعارك كشرط مسبق قبل المؤتمر، ويهدد بالانشقاق في حال المشاركة في المؤتمر. كما يُطرح أيضاً السؤال المتعلق بقدرة الإئتلاف الوطني على تطبيق اتفاق محتمل، وذلك في الوقت الذي يُحصى فيه حوالي ألف مجموعة مسلحة مختلفة، وأغلبها لديها أهدافها الخاصة. لأن نقطة ضعفه الرئيسية هي أن المجموعات الإسلامية  أصبحت محور قوة المعارضة المسلحة من الآن فصاعداً. أما الجيش السوري الحر الذي يمثل الجناح العسكري للإئتلاف الوطني، فما زال يتفتت ويتراجع على الأرض.
     أشارت دراسة حديثة صادرة عن مركز الدراسات البريطاني IHS Jane’s إلى أنه لم يعد هناك إلا أقلية من المتمردين التابعين إلى مجموعات غير إسلامية أو قومية. إن عدد المجموعات المتمردة المقبولة من الولايات المتحدة والتي تدعو الدول الغربية إلى تسليحها، لا تمثل إلا ثلث إجمالي عدد المقاتلين الذين يشكلون اليوم القوات المعارضة للحكومة، ويبلغ عددهم مئة ألف رجل. اعتبر كاتب هذه الدراسة تشارلز ليستر Charles Lister أن "التمرد خاضع لمجموعات لديها الحد الأدنى من المقاربة الإسلامية للنزاع. لايمكن التأكد من صحة الفكرة القائلة أن المعارضة تتألف من قوات غير دينية". أشارت الدراسة إلى أن نسبة الجهاديين والمتطرفين المتدينين تبلغ حوالي نصف القوات المتمردة، ومنها أكثر من عشرة آلاف مقاتل في صفوف فرعي تنظيم القاعدة: جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام.
     تأسست جبهة النصرة بتاريخ 24 كانون الأول 2012، وتضم ما بين خمسة وسبعة آلاف مقاتل، وتنشط في 11 محافظة سورية من أصل 13. تأسست الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتاريخ 9 نيسان 2013، وهي الأكثر تطرفاً وتريد نشر الجهاد إلى خارج البلد، وتضم حوالي خمسة آلاف مقاتل. من جهة أخرى، هناك ثلاثين ألف متمرد يمكن اعتبارهم "إسلاميين معتدلين". لا يضم الجيش السوري الحر إلا ما بين 25.000 و30.000 مقاتل.

     إن الدليل على عزلة التمرد المعتدل، أي الإئتلاف والجيش السوري الحر، هو الانتقادات التي تعرض لها مؤخراً من قبل حوالي عشرة مجموعات متمردة مقاتلة. كما خسر الجيش السوري الحر العديد من أفضل قادته التي ماتوا في المعارك ضد المجموعات الإسلامية. تم تأسيس هيكلية أخرى لاستقبال المجموعات الإسلامية هي التحالف الإسلامي الذي انضم إليه لواء التوحيد، وهو الكتيبة المتمردة الأكثر أهمية في حلب. تشعر الدول الغربية بالمزيد من القلق تجاه هذا التحالف الإسلامي الذي تقوده جبهة النصرة. أكدت الدراسة الصادرة عن مركز الدراسات البريطاني IHS Jane’s: "في حال فرضية التوصل إلى اتفاق سلام، من المحتمل استمرار التمرد الجهادي في سورية، الأمر الذي يهدد البنى التحتية مثل مطاري دمشق وحلب بالتعرض لأخطار جسيمة". بالإضافة إلى ذلك، يعترف المحللون اليوم أن هذه المجموعات الراديكالية، ولاسيما لواء التوحيد وجبهة النصرة، هي الأكثر تحركاً داخل المعارضة.

(انزعاج سعودي متزايد من الحليف الأمريكي)

صحيفة الفيغارو 23 تشرين الأول 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbruont

     إنها نوبة غضب سعودية جديدة ضد الحامي الأمريكي. أعلن الرجل القوي رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان يوم الثلاثاء 22 تشرين الأول أن الرياض "ستبتعد" عن الولايات المتحدة بسبب سلبيتها في الأزمة السورية والإشارات التي ترسلها إلى إيران. أشار مصدر سعودي مقرب من السلطة في الرياض أن الأمير بندر الذي كان سفيراً في واشنطن خلال 22 عاماً أدلى بهذه التصريحات أمام بعض الدبلوماسيين الأوروبيين.
     يربط السعودية بالولايات المتحدة ميثاق قائم من نصف قرن، تضمن الولايات المتحدة بموجبه أمن الرياض مقابل التزود المنتظم بالنفط. ولكن هذا التحالف الإستراتيجي تعرض في الفترة الأخيرة إلى عدة ضربات. ما زالت الرياض غاضبة من تراجع باراك أوباما عن قصف نظام بشار الأسد في نهاية شهر آب بعد الهجوم الكيميائي المنسوب إلى دمشق. أصبح الأمير بندر مهندس الانخراط السعودي في النزاع السوري بعد انسحاب قطر من واجهة الأحداث، ويقوم بتمويل مشتريات الأسلحة إلى المتمردين الذي يقاتلون ضد الجيش النظامي وحزب الله، العدو اللدود الآخر للسعوديين.
     لكي تحتج السعودية على الجمود الأمريكي في سورية، رفضت الأسبوع الماضي أن تشغل مقعد عضو في مجلس الأمن، وذلك في إشارة إلى غضب بالغ يندر حدوثه في تاريخ الأمم المتحدة. لا شيء يشير في الوقت الحالي إلى أن السعودية ستعود عن قرارها. كما أن الرياض غاضبة أيضاً من رؤية الأمريكيين والإيرانيين يبدؤون تقارباً حول الملف النووي، وستكون السعودية ضحية هذا التقارب. تدعم المملكة الوهابية فكرة قصف جارها الإيراني، ولكن دون أن تقول ذلك علناً. تخشى السعودية من امتلاك طهران للقنبلة النووية، الأمر الذي يعزز سيطرة إيران على مضيق هرمز الذي يمر النفط الخليجي عبره. بالإضافة إلى ذلك، يُدين السعوديون المطامع الإيرانية المتعلقة بالطوائف الشيعية التي تعيش في المحافظات الشيعية في المملكة ولدى جيرانها في البحرين واليمن، دون أن ننسى دعم طهران إلى دمشق بالتأكيد.

     إن إيران والسعودية يمثلان قطبي النفوذ داخل الإسلام: تدافع طهران عن الشيعة، وتدافع السعودية عن السنة. قال المصدر السعودي الذي قام بتسريب تصريحات الأمير بندر: "لا تريد السعودية بعد اليوم أن تجد نفسها في موقف التبعية" تجاه واشنطن. من المعروف أن الأمير بندر هو صديق لعائلة بوش وللجمهوريين، وبأنه لا يتردد أبداً. لقد تدهورت علاقاته مع واشنطن مؤخراً، وانتقده الأمريكيون لأنه يقدم المساعدة إلى الراديكاليين الإسلاميين في سورية. يبقى تأكيد هذا التصريح الذي يحقق مصالح فرنسا التي تشارك السعودية بمخاوفها حول الملفين السوري والإيراني. إن المؤشر على العلاقات الجيدة بين البلدين هو قيام الملك عبد الله باستقبال وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان بشكل  استثنائي خلال زيارته الأخيرة إلى جدة. قال أحد المسؤولين السعوديين: "كان الملك قد رفض سابقاً رؤية ثلاثة وزراء للدفاع منهم وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل".

(الامتحان الثنائي بين إيران والولايات المتحدة)

صحيفة الفيغارو 17 تشرين الأول 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     ستستأنف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في جنيف يومي 7 و8 تشرين الثاني القادم. ستقوم مجموعة الست بدراسة تفاصيل الاقتراحات الإيرانية الجديدة. يبدو أن الملف النووي الإيراني انتقل بهدوء إلى إطار ثنائي بعد الحملة الإعلامية التي قام بها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني في نيويورك. اجتمعت معاونة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان Wendy Sherman مع نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم الثلاثاء 15 تشرين الأول دون أن يرشح أي شيء عن هذا الاجتماع. يشعر المحللون والدبلوماسيون بالقلق من احتمال تهميش بقية الدول العظمى التي تتفاوض في هذا الملف، ومنها فرنسا.
     من الممكن بسهولة تفسير الرغبة بتسوية المسألة النووية الإيرانية وجهاً لوجه بين الولايات المتحدة وإيران. إن القوة العظمى الأولى في العالم و الدولة الكبيرة في الشرق الأوسط ستصبحان الشريكتين القادمتين على الصعيدين السياسي والاقتصادي. يرتاب البعض بأن باراك أوباما الذي يعتبر نفسه رجل سلام منذ وصوله إلى البيت الأبيض وطهران التي تريد تجنب استخدام العنف بأي ثمن، مستعدان للاكتفاء بـ "اتفاق سيء" حول الملف النووي الإيراني. وصلت نتائج الانفراج السياسي بين الولايات المتحدة وإيران إلى بريطانيا، فقد أعلنت لندن وطهران عن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ نهاية عام 2011.
     هل ستكون فرنسا الطرف الخاسر كما يخشى مصدر مقرب من الملف؟ حافظت الدبلوماسية الفرنسية على الموقف نفسه حول الملف النووي الإيراني، إنه موقف صلب ولكنه منسجم، ويهدف إلى منع طهران من امتلاك السلاح النووي مهما كلف الثمن. قال أحد الدبلوماسيين: "تريد فرنسا تجنب حصول مساومة بين الأمريكيين والإيرانيين". هل ستصبح فرنسا أكثر تدخلية من واشنطن حول المسألة الإيرانية؟ تشعر فرنسا بالانزعاج من سياسة باراك أوباما المترددة في القضايا الدولية، قالت الباحثة المتخصصة بالشؤون الأمنية في دول الخليج مارجوري بورديس Marjorie Bordes: "إذا تمت تسوية المسألة على الصعيد الثنائي مع واشنطن، من المحتمل جداً إبعاد باريس. بعد اللقاء الأول بين هولاند وروحاني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجب على فرنسا مواصلة جهودها داخل مجموعة الست وفرض تأثيرها على المفاوضات بشكل ملموس".

     من المبكر جداً معرفة الاتجاه الذي ستأخذه المفاوضات، قال أحد المقربين من الملف: "ما دام الروس مُكللين بهالة نجاحهم في سورية، سيكون موقفهم بناء حول إيران. إذاً، من مصلحة الأمريكيين إشراك الروس في العملية. فيما يتعلق بالاختلافات في وجهات النظر بين فرنسا والولايات المتحدة، يبدو أنها اختلافات تكتيكية أكثر من كونها اختلافات إستراتيجية".

(فرنسا تحاول الحفاظ على نفوذها في الملف الإيراني)

صحيفة الفيغارو 15 تشرين الأول مقالاً 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     تواجه فرنسا بحذر شديد الجولة الجديدة من المفاوضات التي بدأت يوم الثلاثاء 15 تشرين الأول في جنيف بين إيران ومجموعة الست. تبنت فرنسا موقفاً متشدداً جداً تجاه أزمة انتشار السلاح النووي الإيراني، ودخلت السياسة الفرنسية مرحلة مضطربة مع بداية المفاوضات في جنيف. من جهة أولى، هناك الانفتاح الذي أظهره الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، وهو يحمل في طياته بعض الأمل للمرة الأولى. من جهة أخرى، إن الموقف الأمريكي المعتدل منذ انتخاب باراك أوباما أضعف الصوت الفرنسي برأي البعض. قال مصدر دبلوماسي: "كما هو الحال بالنسبة للإيرانيين الذين يريدون رفع العقوبات، إن الأمريكيين مستعجلون للانتهاء من الملف. لم تعد النداءات الفرنسية الداعية للتشدد مسموعة، ولم تعد فرنسا في محور الرهان".
     أشار أحد الدبلوماسيين إلى أن فرنسا تُحافظ على إمكانية استخدام "قدرتها على إلحاق الضرر" في جنيف. هل ستذهب فرنسا إلى حد عرقلة تسوية محتملة مع طهران؟ تعتبر باريس أن أزمة انتشار السلاح النووي الإيراني ملفاً هاماً بالنسبة لها، وأنه يجب تسويته بشكل عاجل وراديكالي إذا احتاج الأمر. حذر أحد الدبلوماسيين قائلاً: "إن تمسك فرنسا بموقفها المتشدد، يهدد بمعاملتها في الملف الإيراني كما تمت معاملتها في الملف السوري". كانت فرنسا مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية ضد بشار الأسد، ولكنه تم التخلي عنها في النهاية في منتصف الطريق، ووقعت ضحية جانبية للاتفاق الأمريكي ـ الروسي حول تفكيك الأسلحة الكيميائية.

     تعتبر باريس أن مفاوضات جنيف حول الملف النووي الإيراني هي وسيلة لإزالة الإهانة السورية والحفاظ على نفوذها في الملف النووي الإيراني. اعتبر مصدر دبلوماسي أنه "إذا أردنا البقاء داخل المنافسة، يجب الدخول في رهان المفاوضات، وإلا، فإن المنافسة ستجري في مكان آخر". لأنه توجد رغبة في واشنطن وطهران بتسوية الأزمة بطريقة ثنائية، أكد مصدر دبلوماسي قائلاً: "إن الاقتراب من الموقف الأمريكي سيسمح لفرنسا بالخروج من المأزق والبقاء داخل الملف".

الثلاثاء، ٢٢ تشرين الأول ٢٠١٣

(الدول الغربية تحاول توحيد المعارضة السورية)

صحيفة الفيغارو 22 تشرين الأول 2013 بقلم آلان بارليويه Alain Barluet

     يبدو أن انعقاد مؤتمر السلام حول سورية ما زال معلقاً أكثر من أي وقت مضى بمشاركة المعارضة التي ما زالت الإنقسامات تتآكلها. تزايدت الضغوط في الأيام الأخيرة على أهم القادة السياسيين في التمرد من أجل إقناعهم بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2 الذي تحدد موعد انعقاده في شهر تشرين الثاني. يقوم بهذه الضغوط أولئك الذين "يتحدثون" عادة مع المعارضة مثل الدبلوماسيون الأمريكيون والفرنسيون والعرب بشكل أساسي. ضمن هذا الإطار، إلتقى جون كيري يوم الاثنين 21 تشرين الأول في باريس مع ممثلي الدول العربية، قبل أن يذهب إلى لندن يوم الثلاثاء 22 تشرين الأول للمشاركة في اجتماع "أصدقاء سورية" أي اجتماع 11 دولة التي تُشكل "الجبهة المعارضة لبشار الأسد" مع المعارضة السورية. في الوقت نفسه، كان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي يواصل جولته في الشرق الأوسط، وزار العراق يوم الاثنين 21 تشرين الأول بعد أن زار القاهرة يوم الأحد 20 تشرين الأول. حذر الأخضر الإبراهيمي من أن المؤتمر ليس متوقعاً بدون معارضة سورية "تحظى بالمصداقية".
     ولكن المجلس الوطني السوري، المجموعة الأكثر أهمية داخل المعارضة، أعلن أنه لن يذهب إلى جنيف، وهدد بالإنشقاق في حال مشاركة بقية الإئتلاف بالمؤتمر. سيكون هذا الموضوع محور اجتماع المعارضة في استانبول الذي كان مرتقباً خلال الأسبوع القادم، ثم تأجل حتى بداية شهر تشرين الثاني. يُعبّر تردد المعارضة السورية عن الارتباك السائد في صفوفها، وعن الانقسامات التي تتآكلها، والانشقاقات التي أضعفتها، وتغلفل غنغرينة الجهاديين فيها. إن الاتفاق الروسي ـ الأمريكي بتاريخ 14 أيلول الماضي، والتخلي عن الضربات الغربية ضد بشار، والتخلي عن إرسال الأسلحة إلى المتمردين، اعتبره المتمردون كـ "تخلي" غربي عنهم. بالنسبة لبشار، تعزز موقفه، كما أن المسألة الحاسمة المتعلقة برحيله كشرط مسبق لتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات، لم تعد مطروحة بالشكل التي كانت مطروحة به سابقاً. تعرف المعارضة ذلك وتتشنج: إنها ترفض بشكل قاطع الدخول في عملية تُصادق على بقاء الزعيم السوري في السلطة.

     بالنسبة للأمريكيين والروس، إنهم يعملون بنشاط في محاولة لاستئناف العملية السياسية. إن من مصلحة موسكو وواشنطن الاستفادة من الديناميكية الناجمة عن الاتفاق حول الأسلحة الكيميائية، ساهم هذا الاتفاق بالعودة المدهشة لموسكو إلى الساحة الدبلوماسية. هناك بعض الأفكار المطروحة مثل تنظيم انتخابات رئاسية  تحت إشراف دولي. هل سيستخدم الروس نفوذهم لكي لا يُشارك بشار فيها؟ أكد بشار يوم الاثنين 21 تشرين الأول أنه سيرشح نفسه للانتخابات القادمة في شهر حزيران 2014. تعتبر دمشق أن رحيل بشار الأسد لن يكون على جدول أعمال مؤتمر السلام. ولكن جون كيري حذر قائلاً: "لن تنته هذه الحرب ما دام بشار في المكان الموجود به حالياً". تعتبر المعارضة أن إبعاده هو حجر الزاوية في العملية الانتقالية. تعمل فرنسا في التوجه نفسه، ولديها أولوية أخرى هي "وحدة" المعارضة. إن عدم تحقيق هذين الهدفين سيضع مصداقية الدبلوماسية الفرنسية على المحك.

(مخيم الزعتري بين المافيات والمصاعب)

صحيفة الفيغارو 22 تشرين الأول 2013 بقلم مراسلها الخاص في مخيم الزعتري جورج مالبرونو Georges Malbruont

     سيُغادر (غسان ـ 40 عاماً) مخيم الزعتري بعد عدة أيام لكي يعبر الحدود سراً، ويدخل مدينته نوى الواقعة على مسافة ثلاثين كيلومتراً. قال (غسان) الذي كان عاملاً سابقاً في مجال البناء، وحمل السلاح ضد نظام بشار الأسد قبل عامين: "سأحمل الأدوية إلى الجرحى". إنه عضو في كتيبة شهداء اليرموك الناشطة في جنوب سورية التي يسيطر التمرد على جزء كبير من هذه المنطقة، ويذهب (غسان) بشكل منتظم لمساعدة جرحى الثورة. كان يقف هذا اليوم إلى جانب (عمران ـ 20 عاماً) الذي يستلقي على فرشة من القش داخل مقطورة في المخيم. كان هذا الرجل تحت الصدمة بعد أن فقد ساقيه بسبب انفجار لغم زرعه الجيش النظامي تحت سيارته، ولم يكن يقول إلا "الحمد  الله!". قال (غسان): "بدأنا بمعالجته في مكان الحادث، ثم نقلناها إلى المخيم"، وأكد أنه دفع 300 دينار إلى عناصر الشرطة الأردنية لنقله، وأضاف متأسفاً: "لم يسمح الأردنيون لأفراد عائلته بمرافقته".
     مخيم الزعتري هو أكبر مخيم للاجئين خارج سورية مع حوالي مئة ألف لاجىء بعد خمسة عشر شهراً من افتتاحه. أصبح هذا المخيم مدينة تترافق فيها المآسي الشخصية مع أعمال التهريب المربحة لزعماء المافيا. قال كيليان توبياس Kilian Tobias، أحد المسؤولين في المفوضية العليا للاجئين: "عندما وصلت لإدارة هذا المخيم، كان 93 % من السكان يأتون من درعا الواقعة على مسافة أربعين كيلومتراً. ولكن درعا تعيش دوماً بفضل التهريب في الشاحنات بين تركيا وسورية والأردن". تابع زعماء التهريب عملهم في مخيم الزعتري، وكان ذلك أكثر سهولة مع شركائهم الأردنيين الذين ينتمون في أغلب الأحيان إلى القبيلة نفسها. يُحافظ (أبو خليل) على علاقات مع سبع عائلات أردنية في مدينة المفرق المجاورة، ويقوم ببيع أماكن المحلات داخل المخيم بما يعادل 2500 يورو.
     حافظ اللاجئون في مخيم الزعتري على حس التجارة أو حتى على السرقة. يوجد في المخيم إنارة عامة، قال كيليان توبياس غاضباً: "قام التجار بوصل كابلاتهم بالإنارة العامة". بفضل ذلك، تستفيد 70 % من الخيام والمقطورات في الزعتري من الكهرباء، الأمر الذي أدى إلى تحميل المفوضية العليا للاجئين أعباء مالية أكبر. وهكذا ظهر كارتل احتكاري للكهرباء حول (أبو عادل) و(أبو يرموك) اللذان يشرفان على حوالي 350 عامل كهرباء. هناك أيضاً كارتل احتكاري لإعادة بيع حوالي 25.000 خيمة مخصصة لإيواء اللاجئين. تُشير تقديرات المفوضية العليا للاجئين إلى أن حوالي ثمانية ملايين دينار يتم تداولها شهرياً في مخيم الزعتري. قال أحد العسكريين في المستشفى الفرنسي: "تفاجأنا قليلاً عندما شاهدنا أحد الأطفال يحمل آخر موديل من IPad".
     تقوم هذه المافيات بتمويل المتمردين، وسيطرت شيئاً فشيئاً على المخيم الذي يرفض الأمن الأردني دخوله منذ وقت طويل. نجا أحد الضباط الأردنيين من القتل على أيدي اللاجئين في فصل الربيع الماضي، وأدى قيام إحدى المنظمات غير الحكومية بتوزيع معجون الأسنان إلى جرح سبعة من عناصر المنظمة الإنسانية. اضطرت السلطات الأردنية أخيراً إلى إرسال جواسيسها إلى مخيم الزعتري، كما تمت دعوة الزعماء التقليديين لتقديم المساعدة واستعادة السيطرة على المخيم من زعماء المافيا.
     بدأ الأمريكيون والبريطانيون بتدريب بعض الأردنيين والسوريين للحفاظ على الأمن. يتراجع الكره تجاه الغرب "العاجز عن إسقاط الأسد" شيئاً فشيئاً، لكي يحل مكانه المزيد من التفهم والواقعية. قال أحد العاملين في المجال الإنساني: "لقد توقفوا عن التفكير بأنهم سيُسقطون بشار قريباً. ويعرفون بأنهم باقون هنا لفترة من الوقت". كما قال كيليان توبياس: "كان الشباب يعلنون في الميكروفونات حتى شهر رمضان عن وصول بعض الأسلحة، وأنهم بحاجة إلى متطوعين للقتال. ولكن هذه النداءات لم تعد موجودة الآن".
     كما هو الحال بالنسبة لأغلب المخيمات في العالم، سيبقى مخيم الزعتري فترة طويلة. سيحصل جميع اللاجئين بحلول نهاية العام على هوية شخصية حديثة (Biométrique)، وسيتم افتتاح محلات بيع كبيرة (Supermarché) في الصحراء. قال كيليان توبياس: "المساعدة التقليدية ليست فعالة جداً هنا. إن السوريين في طريقهم نحو إضفاء طابعهم على المخيم. يجب علينا أن ندفعهم نحو الشعور بالمسؤولية، وأن نتكيف معهم عبر خصخصة نشاطاتنا".


(المستشفى العسكري الفرنسي في الزعتري ربما يُغلق أبوابه قبل نهاية العام)

صحيفة الفيغارو 22 تشرين الأول 2013 بقلم مراسلها الخاص في مخيم الزعتري جورج مالبرونو Georges Malbruont

     من المفترض حسم مصير المستشفى العسكري الفرنسي في الزعتري بحلول شهر كانون الأول. أعرب وزير الدفاع الفرنسي عن رغبته بإغلاقه، ولكن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يعارض إغلاقه.

     عند افتتاح هذا المستشفى في شهر آب 2012، كان جرحى الحرب يتدفقون عليه في الحالات الطارئة. تقوم الأردن اليوم بتضييق الدخول إلى أراضيها، ويتواجد عدد كبير من المنظمات غير الحكومية داخل المخيم. تساءل أحد العسكريين قائلاً: "ما الفائدة من وجود منظمة أطباء بلا حدود باللباس العسكري؟". هناك ثمانون عسكري يعملون في هذا المستشفى، ولكن حفنة منهم فقط تعمل في المجال الطبي. تم تحصين هذا المستشفى بعد التهديد بالضربات التي كانت فرنسا تتمنى توجيهها ضد دمشق. تخشى فرنسا أن تكون هدفاً لعملية تفجير، ولكن القضية سياسية، وتحرص وزارة الخارجية الفرنسية على إبقاء هذا الوجود، في حين تريد وزارة الدفاع توفير مليوني يورو سنوياً.

الاثنين، ٢١ تشرين الأول ٢٠١٣

(الصحافة المضطهدة في سورية الحرة)

صحيفة الليبراسيون 21 تشرين الأول 2013 بقلم مراسلتها الموقتة في بيروت ماري كوسترز Marie Kostrz

     دخل بعض الرجال المسلحين في شهر حزيران إلى مبنى صحيفة Henta في تل أبيض بشمال سورية، إنهم عناصر المجموعة الجهادية للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التابعة لتنظيم القاعدة، وأمروا بإيقاف نشرها، وهددوا بقصف البناء. انفجر غضب الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بعد نشر مقال ينتقد الخلافة الإسلامية. منذ ذلك الوقت، هرب الصحفيون الثلاثة إلى الخارج. قالت رئيسة تحرير الصحيفة بشرى جود Bochra Jood: "إن بروز الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام جعل عملنا أصعب بكثير. إن توزيع أي صحيفة أصبح معقداً فعلاً في شمال سورية، إلا إذا كانت تدعو إلى وجهة نظر متطرفة للإسلام. في السابق، كان هاجسنا الوحيد هو أن يقوم النظام باعتقال أعضاء الصحيفة في السلمية". وأكدت أن إثنين من عناصر الصحيفة ما زالا معتقلين. في الوقت الحالي، تشعر الصحيفة بالخوف أيضاً من بعض المجموعات التي تقاتل ضد بشار الأسد. بدأت هذه الصحيفة بالصدور في شهر آذار 2012 في مدينة السلمية الواقعة على مسافة خمسين كيلومتراً من حمص، ويتم توزيعها في المناطق المحررة منذ سبعة أشهر.
     تشعر بقية الصحف الموزعة في المنطقة المتمردة بهذا الخوف أيضاً، على الرغم من أن صدورها منذ عام 2011 كان يُعتبر نتيجة إيجابية للثورة. أراد بعض السوريين في جميع  أنحاء البلد توفير مصادر معلومات تتناقض مع الصحف التي تُسيطر عليها السلطة. أدانت هذه الصحف أعمال الترهيب المرتكبة ضد السكان، وكان هدفها حتى الآن بث المزيد من التعددية في الساحة الإعلامية السورية.
     إذا كانت أغلب هذه الصحف منشورة على الأنترنت، فإن الكثير منها أيضاً تنشر نسخة ورقية لكي تكون المعلومات متوفرة للجميع. أدى قمع النظام إلى إيقاف هذه المبادرات. قال (ناطور)، رئيس تحرير صحيفة (عنب بلدي) الموزعة سراً في داريا عام 2012: "من المخاطرة توزيع أعداد الصحيفة عندما يتعرض خمسة من أعضائها للاعتقال، ولذلك قررنا إيقافها". على الرغم من ذلك، يتم توزيع 900 عدد من صحيفة (عنب بلدي) أسبوعياً في المنطقة المحررة. ولكن كما هو الحال بالنسبة لصحيفة Henta، ظهرت بسرعة عقبة أخرى أمام الصحيفة. قال (ناطور): "واجه الموزعون بعض المشاكل مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، لأن صحيفتنا تنتقد جميع  أطراف النزاع. طلبوا منا تغيير اللهجة أو التوقف عن توزيعها في المناطق التي يسيطرون عليها". لم يكن ممكناً تجاهل هذه النصيحة، ولم تعد هذه الصحيفة متوفرة في المناطق التي تُسيطر عليها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. أشار رئيس تحرير الصحيفة إلى أنه لم يكن يعتقد إطلاقاً بأنه سيواجه مثل هذا الخطر، واعترف قائلاً: "ولكن الثورة مختلفة الآن".
     تفرض الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام نفسها أكثر فأكثر، وتدهور الوضع كثيراً في الفترة الأخيرة. قالت مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلين بلا حدود سوازيغ دوليه Soazig Dollet: "لاحظنا منذ شهر أيار تزايداً كبيراً جداً في أعمال الترهيب التي ترتكبها المجموعات المسلحة الراديكالية، ولاسيما الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ضد بعض الجهات السورية العاملة في مجال الإعلام". وأشارت هذه المنظمة إلى أن حوالي ستين صحفياً تم اعتقالهم منذ شهر أيار من قبل المجموعات المسلحة المعارضة للنظام السوري أو من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي في المناطق الكردية. إن حزب الاتحاد الديموقراطي هو حزب مسلح ومقرب من ميليشيات حزب العمال الكردستاني، ويُدير شمال ـ شرق سورية بيد من حديد منذ رحيل قوات النظام في خريف عام 2012. إن المؤسسات التي حلّت مكان النظام في المنطقة المحررة، تشارك أيضاً في هذه الرقابة. قامت اللجنة التشريعية في حلب خلال شهر أيار بمنع ثلاث مطابع في المدينة من العمل مع صحيفة (بسمة حلب) التي نشرت على الصفحة الأولى من عددها الثاني عشر صورة إحدى المظاهرات الناقدة للتوجه الديني المحافظ لهذه اللجنة.
     إذا كان تداخل الإسلام مع السياسة لا يُسهل مهمة هذه الصحف الجديدة، فإن المشكلة تأتي أيضاً من نقص التجربة الديموقراطية في سورية. بعد ثلاثين عاماً من النظام الدكتاتوري، ما زال الكثير من أطراف الثورة يرفضون أن يكونوا هدفاً لهذه الحرية الناشئة للتعبير. تلقى العاملون في مجلة (الغربال) في قرية كفرنبل بالقرب من إدلب عدة تهديدات بالموت. إنها مجلة ساخرة وناقدة للنظام والقوى السياسية والمسلحة التي تُسيطر على القرية منذ شهر آب 2012. لم يتم قبول هذه الحرية. أدان أحد السكان بتاريخ 9 تموز الماضي نقص فعالية المساعدة الإنسانية  التي توزعها القرية المجاورة، فقام المجلس المحلي باعتقاله، وتم إجباره بعد التعذيب على إجراء مقابلة أخرى يمدح فيها قادة هذا المجلس. قال محمد سلوم مؤسس هذه المجلة: "تعرض الصحفي الذي أجرى هذا اللقاء للاعتقال أيضاً، كما اعتدى عليه المتمردون بالضرب مرتين. يجب أن يعتاد الناس على سماع آراء مختلفة". ولكن عداء السكان بدأ بالتزايد أيضاً، قال محمد سلوم: "إنهم خائفون من الحديث معنا". أصبحت الحماية أمراً ضرورياً لمواجهة هذه الصعوبات، ولكن حرية الصحافة تتعرض للتقييد في أغلب الأحيان. قررت صحيفة (ولات) Welat التي تصدر باللغتين العربية والكردية في القامشلي تجنب بعض المواضيع، واعترف أحد الصحفيين قائلاً: "لا نتحدث إطلاقاً عن حزب الاتحاد الديموقراطي، لأننا نعرف بأن ذلك سيجلب لنا المشاكل".
     تقوم بعض المنظمات التي تدعم هذه الصحف بمساعدة الصحفيين على التقليل من الأخطار. إنه أمر "عاجل" كما قال مدير العلاقات العامة في جمعية دعم وسائل الإعلام الحرة أرمان هورو Armand Hurault. تقوم هذه الجمعية بتمويل ثماني صحف سورية، وتملك فريقاً يعمل في تركيا ويقرأ جميع الصحف قبل طباعتها. قال أرمان هورو: "إذا اعتبرت الجمعية أن أحد المقالات يمكن أن يُعرّض الصحفيين للخطر، فإنها  تقرر عدم نشر العدد في المناطق الأكثر خطراً، أو حذف المقال، أو حتى عدم توزيع الصحيفة في بعض الحالات القصوى".

     بالمقابل، من الصعب تقديم المساعدة في حالة التعرض للهجوم. اعترف أحد المسؤولين في منظمة أوروبية تُقدم الدعم في تدريب الصحفين قائلاً: "نساعد الصحفيين عبر إعطائهم النصائح حول تأمين معلوماتهم إلى أقصى حد، ولكن ليس بإمكاننا حمايتهم". انتقد بعض العاملين في هذا المجال العزلة التي يواجهها الصحفيون، قال أحد المدربين: "إنهم لا يحظوا بدعم كاف من قبل المعارضة السياسية السورية في الخارج. لا تُظهر هذه المعارضة تضامنها مع الصحفيين في أغلب الأحيان، لأنها تُفضل الاستفادة من الانتصارات العسكرية للمجموعات التي تهدد الصحفيين. في الوقت الحالي، لا تُلح أية منظمة على تغيير مضمون وسائل الإعلام  التي تدعمها، ولكن ذلك سيحصل بالتأكيد لأنها لا تتحمل إلا الصحف التي تدافع عن إيديولوجياتها". يجب على المدى الطويل طرح مسألة استقلالية وسائل الإعلام. قامت كل مجموعة سياسية بتأسيس صحيفة لها، كما تلعب التوجهات السياسية لموظفي هذه المنظمات دورها أيضاً. قال المدرب المشار إليه أعلاه: "لقد سبق لي أن شاهدت بعض المدربين وهم يطردون بعض الصحفيين من دروسهم، لأنهم يعتبرونهم ذي ميول دينية متطرفة". في مثل هذا السياق، من المهم مساعدة هؤلاء الصحفيين على تعزيز قوتهم وتمويل نفسهم بأنفسهم. ولكنه أمر صعب أثناء الحروب.

(الرهان الكبير حول الرهائن في سورية)

صحيفة الليبراسيون 21 تشرين الأول 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     في الوقت الذي استفحل فيه وباء خطف الرهائن في سورية، تم الإفراج عن تسعة حجاج لبنانيون شيعة يوم السبت 19 تشرين الأول بعد اعتقال استمر 17 شهراً. أفرج المتمردون عنهم مقابل الطيارين التركيين اللذين تم أسرهما في جنوب بيروت خلال شهر آب من قبل مجموعة شيعية مجهولة. من المفترض أن يُفرج نظام بشار الأسد أيضاً عن مئتي سجين سوري كما طالب خاطفو الحجاج. لم يُعرف حتى منتصف يوم البارحة 20 تشرين الأول فيما إذا تمت تلبية هذا الطلب.
     رافقت عمليات الإفراج عن الرهائن ضجة إعلامية، وسلطت الضوء على تجارة الرهائن في سورية، وكرست انتصاراً دبلوماسياً وسياسياً هاماً لقطر. تم إبرام هذه الصفقة بنجاح بفضل الدوحة. لم يكن وزير الخارجية القطري خالد العطية متواضعاً عندما أكد يوم السبت 19 تشرين الأول أن جهود بلده فقط هي التي سمحت بالإفراج عن الرهائن. ولكن من المحتمل أن تركيا قامت بدور سري في المفاوضات، باعتبار أن الحجاج الشيعة كانوا معتقلين في مدينة إعزاز الواقعة على مسافة عدة كيلومترات من الحدود التركية. ربما تدخلت السلطة الفلسطينية أيضاً، لأن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي شكر محمود عباس بحرارة.
     كان يقال أن الدور القطري تراجع على الساحة السورية منذ أن فرض السعوديون نفسهم كالعرابين الأهم للتمرد، ولكن الدوحة أظهرت خبرتها في هذه القضية. ما زال مجهولاً المقابل الذي دفعته قطر، باعتبار أن عمليات الخطف تؤدي غالباً إلى دفع فدية مالية كبيرة. أشارت صحيفة الشرق الأوسط السعودية إلى أن الكتيبة المتمردة "حصلت على مئة مليون يورو" في إطار عملية التبادل، وأضافت أن دمشق "أفرجت عن 158 سجين، وتركت لهم الخيار بالذهاب إلى المكان الذين يريدونه".


(نقص المقاتلين لدى الجيش في سورية)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 17 تشرين الأول 2013

     هل بشار الأسد مهدد بنقص عدد المقاتلين؟ هذا ما تدرسه أجهزة الاستخبارات الغربية بالنظر للمعلومات التي حصلت عليها من سورية. إلتحق قبل عدة أشهر 6 % فقط من عدد الشباب في سن أداء الخدمة العسكرية.

     تم استبعاد بعض الوحدات المقاتلة بسبب عدم استعدادها أو ولائها المتغير. يعتمد الأسد على وحدات النخبة المخلصة للنظام وعلى "الميليشيات" الأجنبية، وبدأت تظهر مشكلة استبدال هذه الميليشيات على الأرض.

(الدول الغربية تبحث عن متمردين معتدلين في سورية)

صحيفة الفيغارو 14 تشرين الأول 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     تسعى أجهزة الاستخبارات منذ عدة أشهر إلى تحديد هوية القادة الإسلاميين "المعتدلين" الذين يمكن أن تعتمد عليهم باريس للإشراف على تسليم الأسلحة إلى المتمردين الذين يقاتلون ضد جيش بشار الأسد وميليشياته. في الحقيقة، اضطرت أجهزة الاستخبارات إلى التسليم بالأمر الواقع: تتراجع سيطرة المتمردين على الأحداث أكثر فأكثر تجاه الراديكاليين الإسلاميين. ظهر بوضوح أن البحث عن المقاتلين "المعتدلين" لم يكن مثمراً. لم تكن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA أكثر حظاً، فقد استطاعت العثور على حوالي خمسين متمرداً "يمكن الوثوق بهم" من حيث المبدأ، وأرادت إرسالهم إلى الأردن من أجل تدريبهم. ولكنها واجهت مشاكل جدية، ولم ينجح إلا نصفهم في عبور الحدود. قال أحد الضباط الفرنسيين: "في النهاية، تم اعتبار عشرة منهم فقط جديرين بالثقة من أجل تلقي التدريب".
     بالنسبة للسعودية التي تقف في مقدمة الدول الداعمة للعمليات السرية ضد الأسد، فإنها تواجه أيضاً صعوبات كبيرة في تدريب "المتمردين الجيدين" الذين سيحلون مكان الجيش السوري الحر الذي بدأ يتفكك تجاه منافسيه الجهاديين والسلفيين. تقوم السعودية منذ أكثر من ستة أشهر بتدريب حوالي أربعمائة عنصر كل ثلاثة أشهر للإشراف على "الجيش الوطني" الجديد، ثم يتسلل هؤلاء العناصر إلى سورية لدعم المتمردين. ولكن الضابط الفرنسي اعترف قائلاً: "ولكنهم لا يشكلون إلا قطرة ماء تجاه ثمانين أو مئة ألف جندي لدى النظام للدفاع عنه. تم تدريب 1600 رجل خلال عام. بهذه الوتيرة، سنكون بحاجة إلى عدة سنوات إضافية قبل تغيير موازين القوى".
     باختصار، من الضروري الإسراع بالتوصل إلى حل سياسي للنزاع تجاه سلطة ما زالت تحصل على دعم عسكري من روسيا وإيران وحزب الله. كما أن هذه المشاكل تزيد من تعقيد المعادلة الصعبة في إرسال السلاح إلى المتمردين. أظهرت التجارب الأخيرة لإرسال السلاح أنها لم تكن مُقنعة، ولاسيما فيما يتعلق بسفينة الأسلحة التي انطلقت من كرواتيا، وأفرغت حمولتها على الشواطىء التركية، ثم واجهت خيبات جدية بعد عبور الأسلحة للحدود السورية. اعترف أحد الدبلوماسيين الذين تابعوا إرسال هذه الأسلحة قائلاً: "إنها قصة مختلفة تماماً. بعد وصول هذه الأسلحة بأسبوع تقريباً، أدركنا أن الصواريخ المضادة للدبابات الممولة من السعودية والموجهة إلى الجيش السوري الحر قد تم استخدامها من قبل تنظيم القاعدة في الهجمات في شمال سورية". وأشار هذا الدبلوماسي إلى أن أجهزة الاستخبارات الغربية المتواجدة على الحدود التركية "تزعزعت بسبب وقوعها بالفخ". وهذا هو السبب في التحذير الذي وجهه فرانسوا هولاند عندما طالب بمراقبة عمليات إرسال الأسلحة.
     ماذا حصل عندما وصلت شحنة الأسلحة إلى الأراضي السورية؟ في البداية، استلم الجيش السوري الحر الأسلحة عبر نقاط اتصاله على الأرض، أي القادة الذين انشقوا عن الجيش النظامي وليس لديهم علاقة مع الإسلاميين. ولكن هؤلاء القادة في موقف ضعيف اليوم، أكد أحد المعارضين قائلاً: "قامت مجموعات أخرى بمهاجمة قوافل الأسلحة التي حصل عليها  الجيش السوري الحر. إن هذه المجموعات ليست جهادية بالضرورة، ولكنها قالت للجيش السوري الحر أن حصوله على هذه الأسلحة هو بفضلهم".
     يُفضل قادة الجيش السوري الحر في أغلب الأحيان التوصل إلى اتفاق مع بقية المتمردين من أجل تجنب معارك جديدة بين المتمردين، وتم بيع بعض الأسلحة لهم خلال عملية تقاسم الذخيرة على الرغم من أن ذلك لم يكن متوقعاً من قبل الذين أصدروا الأوامر. وهكذا وصلت بعض هذه الأسلحة إلى الجهاديين في الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التابعة لتنظيم القاعدة من خلال عمليات البيع وإعادة البيع. لقد أعلن تنظيم القاعدة على موقعه الإلكتروني أن مجموعته عثرت على بعض الأسلحة في الصحراء لكي لا تُحرج مجموعات  الجيش السوري الحر التي زودتها بالاسلحة.
     إن هذا العجز في الرقابة على تدفق الأسلحة أثار غضب العديد من الدول الغربية الراعية للمتمردين، ومنهم فرنسا. ولكنها ليست الجهة الوحيدة الغاضبة. لم تقم واشنطن حتى الآن بدعوة الجنرال سليم إدريس الذي يترأس الجيش السوري الحر منذ عشرة أشهر. هناك مصاعب في العثور على دعائم قوية، وعجز عن  العثور على مصادر للمعلومات... لاحظ الضابط الفرنسي المشار إليها أعلاه: "هناك اجتماع دوري بين رؤساء أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية في تركيا. ولكنهم يعودون في أغلب الأحيان بدون معرفة ما يجري داخل سورية".
  .

(تزايد كبير في عدد المقاتلين الأجانب في سورية)

صحيفة اللوموند 17 تشرين الأول 2013 بقلم جاك فولورو Jacques Follorou

     تغيرت مستويات عمل الشبكات الجهادية المتجهة نحو سورية خلال فصل الصيف. أشار مسؤول في أجهزة الاستخبارات الفرنسية إلى أن صمود النظام الذي كان من المتوقع سقوطه سريعاً، والهجمات الكيميائية التي قامت بها القوات الموالية لبشار الأسد، شجعت على اتساع هذه الشبكات في فرنسا والدول الأخرى. أضاف هذا المسؤول أنه "لم يشاهد مثل هذا الأمر حتى في أفغانستان". لاحظ الدبلوماسيون وأجهزة الاستخبارات الغربية حصول تزايد كبير في عدد الجهاديين القادمين من القوقاز ولاسيما من الشيشان. تم تحديد نقطتا عبور في أوروبا: العاصمة النمساوية فيينا التي تمثل مركزاً لمرور المرشحين القوقاز للجهاد قبل وصولهم إلى تركيا ثم إلى سورية. كما أشارت الأجهزة الفرنسية مثل الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية (DCRI) إلى وجود شبكة أخرى تمر عبر مدينة نيس في جنوب فرنسا، يجد بعض المقاتلين المتمرسين ملجأ لهم في هذه المدينة بفضل الجالية الشيشانية التي يبلغ عددها  حوالي عشرة آلاف شخص. إنهم يقيمون في فرنسا خلال فترة دراسة طلبهم للجوء السياسي في فرنسا، ثم يغادرون إلى تركيا. قال أحد أعضاء الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية (DCRI): "يستفيد الكثيرون منهم من مطار نيس الدولي، ومن الصعب اقتفاء أثرهم".
     حصل تطور هام آخر هو وصول الجهاديين إلى سورية انطلاقاً من إستراليا التي أصبحت بلداً مُصدراً للإسلاميين الراديكاليين. شهدت إستراليا، كما هو الحال بالنسبة لكندا ولكن بنسبة أقل، تزايد التعبئة في المدن الإسترالية منذ ثلاثة أشهر حول المسائل المتعلقة بالنزاع السوري. اغتنم بعض المؤيدين والمعارضين لبشار الأسد الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية بتاريخ 7 أيلول لكي يحاولوا كسب تأييد الرأي العام لقضيتهم. تشير المعلومات التي حصلت عليها فرنسا بفضل التعاون الدولي إلى أن أغلب الإستراليين الذين تم اكتشافهم في سورية يحملون الجنسيتين السورية والإسترالية، بالإضافة إلى بعض الذين اعتنقوا الإسلام.
     لاحظت بعض الدول مثل إيطاليا تزايد الدعوات السلفية لاعتناق الإسلام، وحض المرشحين الجدد للجهاد على الذهاب إلى سورية. شهدت هذه الحركة بعض  التراجع منذ عدة سنوات بعد الضربات التي وجهتها لها أجهزة الاستخبارات الإيطالية. كانت أجهزة الاستخبارات الإيطالية قد ساعدت وكالة الإستخبارات الأمريكية CIA على خطف أحد رجال الدين المسلمين في ميلانو عام 2003 على الرغم من أنه مواطن إيطالي. أخيراً، ظهرت بعض الدول التي كانت غائبة عن رادارات مكافحة الإرهاب، فقد اكتشفت أجهزة الاستخبارات للمرة الأولى  وجود أحد مواطني اللوكسمبورغ في صفوف الجهاديين في سورية.
     وصل اتساع الشبكات الجهادية السورية إلى فرنسا أيضاً. أشار مصدر في إحدى الوزارت الفرنسية إلى أن عدد الفرنسيين الذين ذهبوا إلى سورية تضاعف منذ شهر أيار الماضي وأصبح عددهم في شهر تشرين الأول "أكثر من 400، ومنهم 200 متواجدين في سورية". أكدت التقارير المُرسلة إلى المنسق الوطني للاستخبارات آلان زابولون Alain Zabulon أن مواصفات هؤلاء الأشخاص تغيرت أيضاً. لوحظ في فصل الربيع قيام بعض طلاب المرحلة الثانوية أو بعض التجار في الخمسين من عمرهم بزيارات قصيرة بهدف الرغبة في المشاهدة أكثر من الموت في سبيل الجهاد، ولكن نوايا هؤلاء المقاتلين أصبحت أكثر تماسكاً من الآن فصاعداً. قال أحد الأشخاص الذين قرأوا هذه التقارير: "أصبحت قناعاتهم أكثر قوة، وتتراوح أعمارهم بين 20 و35 عاماً. إنه توجه نحو النضوج على الرغم من قلة خبرتهم في القتال، ويبقى سعيهم فردياً وقائماً على علاقات الصداقة، ولا يتصل بشبكة منظمة، وغالباً ما يتم التكفل بهم عند وصولهم إلى أول حاجز في سورية".
     لاحظت الأجهزة الغربية خلال الأشهر الأخيرة أن بعض الأشخاص الذين يسكنون في هولندة وفرنسا وبلجيكا اجتمعوا في بلجيكا دون معرفة سابقة، ثم ذهبوا إلى سورية عن طريق تركيا بعد أن تعارفوا على بعضهم عبر الأنترنت، وأعربوا عن إرادتهم في القتال من أجل الجهاد. أعرب بعض المسؤولين الفرنسيين عن أسفهم إلى صحيفة اللوموند بسبب: "قلة النشاط الذي تبذله أنقرة لملاحقة الجهاديين الذين يمرون عبر أراضيها".

     رداً على هذا التسارع في رحيلهم من فرنسا، تدين عائلات المقاتلين أكثر فأكثر أبناءها أو آباءها الذين ذهبوا للقتال في سورية. إن هذه العائلات في أغلب الأحيان هي مصدر المعلومات التي تحصل عليها السلطات الفرنسية، ويعترف المسؤولون الفرنسيون في اللقاءات الخاصة بخشيتهم من المستقبل. لا شيء يشير إلى أن التوجه الملاحظ منذ فصل الصيف سيتراجع. إن هذا القلق يُفسر بلا شك سبب موافقة الإليزيه ورئاسة الحكومة الفرنسية على بذل جهود إضافية في مجال مكافحة الإرهاب على الرغم من التقشف في الموازنة. خصصت الحكومة الفرنسية مبلغ 55 مليون يورو بالإضافة إلى توظيف 430 شخصاً بين عامي 2014 و2019 لحساب الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية (DCRI) التابعة لوزارة الداخلية. كما أشارت رئاسة الحكومة الفرنسية إلى أن التهديد الجهادي هو السبب في تخصيص 920 مليون يورو و345 وظيفة لحساب الإدارة العامة للأمن الخارجي (DGSE).

(أيها الجهاديون: أفرجوا عن الرهائن الصحفيين في سورية مقابل معالجة الجرحى مجاناً)

صحيفة اللوموند 17 تشرين الأول 2013 بقلم رئيس جمعية فرنسا ـ سورية ـ ديموقراطية جاك بيريز Jacques Bérès

     تم الإعلان رسمياً عن اعتقال أربعة صحفيين فرنسيين كرهائن في سورية. أحد هؤلاء الصحفيين نيكولا هينان Nicolas Hénin هو صديق عزيز جداً منذ سنوات عديدة. عشنا معاً كامل الهجوم الأمريكي على بغداد التي بقي فيها عدة أشهر لصالح إذاعة فرانس أنفو. حافظنا منذ ذلك الوقت على اتصالات وثيقة، وإلتقينا في بعض جبهات النزاع مثل: بنغازي في ليبيا وحمص في سورية. كان نيكولا هينان يعمل كصحفي، وأنا أعمل كطبيب جراح في الحرب كما أفعل منذ حوالي خمسين عاماً لصالح أطباء بلا حدود Médcins sans Frontières أو المساعدة الطبية الدولية Aide médicale internationale.
     إن السؤال الذي يطرح نفسه على الجميع هو: كيف يمكن الإفراج عن الرهائن؟ تقوم الأجهزة الفرنسية بعمل هام وضروري على الأرض، ولا مجال للتدخل في عملها، ولكن من الممكن تصور حل قائم على العلاقة الجدلية مع الفدية. فيما يتعلق بالمجموعات الجهادية الراديكالية التي يُبرر مفهومها للجهاد خطف الرهائن، من الواضح أنه لا ينقصها المال والسلاح والذخيرة. ولكنها بحاجة إلى أمرين هما: سمعة أفضل والحصول على العلاج الطبي والأطباء الجراحين الضروريين. انطلاقاً من ذلك، يمكن أن يكون هناك أسلوب للتفاوض يسمح لهذه المجموعات بالانتقال من وضع خاطفي الرهائن إلى وضع مُحرري الرهائن. أنا أضم صوتي إلى صوت جميع الذين يطلبون الإفراج عن نيكولا هينان وبيير توريز Pierre Torrès، ولكنني أقترح أيضاً مخرجاً آخر للأزمة بشكل يقبله الذين سيُطلقون سراحهما. إذا كان الجهاديون الذين يكافحون من أجل الخلافة الإسلامية بشكل يتطابق مع قراءتهم للقرآن يعطون بعض الأهمية "لنزع الصفة الشيطانية" عنهم، ويهتمون بضرورة معالجة الجرحى في المناطق التي يسيطرون عليها، فإنني أقترح عليهم مقابل الإفراج عن الصحفيين الإثنين تقديم المعالجة الجراحية للجرحى في منطقة الرقة خلال فترة شهرين، أي ما يعادل حوالي خمسمائة عملية جراحية بمعدل ثمانية جرحى يومياً. إن هذه المهمة قابلة للتنفيذ ومُنهكة ضمن ظروف الحرب الحالية.
     يجب أن يكون واضحاً أنني لا أتحدث هنا عن تبادل للرهائن يعطي الشرعية لعملية الخطف. أنا لا أقترح تقديم نفسي كرهينة طوعية بدلاً من الرهائن، أو حتى كرهينة إضافية، ولكنني أقترح فقط تقديم خدمة طبية يمكن أن تنقذ حياة بعض السوريين. إذا وافقت المجموعات التي تعتقل نيكولا وبيير على هذا العرض، فإنني آمل أن تكون مصداقية كلامهم مثل مصداقية كلام صلاح الدين بصفته العدو الأول بامتياز للصليبيين. ليست لدي أية نزعة للشهادة أو للمصالحة بين الأديان، ولكن إما أن يتجاهل الجهاديون عرضي ويرفضونه، أو أن يقبلونه. إذا وافقوا على العرض ولم يحترموا كلامهم، فإن مصداقيتهم ستتلاشى داخل العالم العربي ـ الإسلامية بأسره.


(شمال سورية هو أرض الجهاد والخطف)

صحيفة اللوموند 17 تشرين الأول 2013 بقلم كريستوف عياد Christohpe Ayad

     لم تتسرب إلا معلومات قليلة جداً حول مصير الصحفيين الفرنسيين الأربعة المخطوفين في الرقة. من المعروف فقط أن المجموعات المتمردة هي التي اختطفتهم، ويبدو أن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام أو جبهة النصرة هما اللتان خطفتا نيكولا هينان وبيير توريز. ولكن الخاطفين لم يتبنوا مسؤولية الخطف ولم يطالبوا بمطالب سياسية أو مالية بشكل علني على الأقل. تظهر بين فترة وأخرى بعض البراهين حول وجودهم على قيد الحياة، الأمر الذي يدل على وجود بعض الاتصالات.
     لم يشهد أي نزاع في الماضي مثل هذه "الصناعة" للخطف، ربما باستثناء الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990. يتميز النزاع في سورية أيضاً بالصمت المحيط بجميع عمليات اختفاء الصحفيين، وتعزز هذا الصمت بصمت العائلات ووسائل الإعلام والحكومات. يبدو أن الخاطفين لا يريدوا ولا يطلبوا شيئاً، كما لو أنهم يقومون بـ "تخزين" الرهائن بانتظار الاستفادة منهم يوماً ما.
     تعاني العائلات والحكومات المعنية من صعوبات كبيرة للوصول إلى الخاطفين بسبب الشائعات الكثيرة المحيطة بعمليات خطف الرهائن، ولا يبذل الخاطفون جهدهم للتعريف بأنفسهم. هذا ما أظهرته الوساطة الشاقة لأجهزة الاستخبارات الإيطالية لمعرفة المكان والجهة التي كانت تعتقل الصحفي الإيطالي دومينكو كويريكو Domenico Quirico ورفيقه البلجيكي بيير بيشنان Pierre Piccinini. يبدو أنه تم الإفراج عنهما مقابل فدية، وذلك بعد أن عبرا نصف سورية، وتغيرت الجهة الخاطفة عدة مرات أثناء اعتقالهما الذي بدأ في شهر نيسان.
     بدأت هذه الظاهرة صيف عام 2012 مع الصحفي الأمريكي المستقل أوستن تايس Austin Tice، ولا أحد يعرف الجهة التي اختطفته. ظهر فيديو غريب على الأنترنت، وشوهد فيه محاطاً بجهاديين يلبسون ألبسة جديدة جداً لدرجة دفعت ببعض المراقبين إلى القول بأنها تمثيلية يقف وراءها النظام السوري بهدف إثارة الصدمة داخل الرأي العام الغربي. في الفترة نفسها تقريباً، قام أحد الوسطاء المحليين بـ "بيع" الصحفي البريطاني وزميله الهولندي إلى مجموعة جهادية دولية صغيرة تتواجد في أحد المخيمات بالقرب من الحدود التركية. تم الإفراج عنهما بعد محاولة هرب فاشلة وعدة عمليات إعدام وهمية بواسطة تدخل مفاجىء لبعض المتمردين "النظاميين" التابعين للجيش السوري الحر.
     تسارعت وتيرة عمليات الاختطاف والاختفاء في خريف عام 2012. تعرض الأمريكي جيمس فولي James Foley، الذي أمضى ستة أسابيع في سجون القذافي أثناء الثورة الليبية، وزميله البريطاني إلى الخطف بين إدلب وتفتناز، هذه المنطقة التي تحولت إلى المكان المفضل للجهاديين والعصابات في شمال سورية. تزايدت الحوادث في حلب، وليس بالضرورة أن تكون المجموعات الأكثر خطورة هي المجموعات الدينية (باستثناء  المجموعات التي تغلب عليها العناصر الأجنبية على ما يبدو). إن التهديد بالخطف أجبر الصحفيين على العمل مع بعض الوسطاء أو الصحفيين المحليين أو بعض الأشخاص المجهولين الذين يتدبرون أمورهم بالعمل كمرشدين أو مترجمين مقابل مبلغ مالي يتغير حسب العرض والطلب وحسب الخطر وغلاء البنزين.
     بدأت المرافقة المسلحة التي تقدمها المجموعات المتمردة مقابل المال بالظهور مع تزايد عمليات الخطف. ولكن الحماية التي يقدمها شيخ قبيلة يحظى بالاحترام أو زعيم حرب يخشاه الآخرون في منطقته، لم تعد كافية. أصبح الوجهاء السوريون وزعماء المتمردين هدفاً للخطف. لم يعد أحد يعرف من يقوم بالخطف، وعلى ماذا يسيطر، وانتشرت الشكوك بتسلل النظام. إنه هوس ليس غريباً بعد أربعة عقود من الدكتاتورية البعثية.

     كما هو الحال في العصور الوسطى في شمال سورية، كان المرتزقة المحليون يقومون بعمليات الخطف في الأمارات المجاورة عندما كانت بلاد الشام تشبه مجموعة من الأراضي المتلاصقة ببعضها البعض. أدت عمليات الخطف الأخيرة التي استهدفت ثلاثة صحفيين إسبان في شهر أيلول إلى إقناع وسائل الإعلام الغربية بعدم الذهاب إلى شمال سورية. تم تجاوز مرحلة أخرى هذا الأسبوع مع اختطاف ستة موظفين لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر وموظف لدى الهلال الأحمر يوم الاثنين 14 تشرين الأول، تم الإفراج عن هذا الأخير بالإضافة إلى ثلاثة عناصر من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليوم نفسه. لم تُعرف جنسية الأشخاص الثلاثة الذين بقوا بأيدي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي يبدو أنها تقف وراء معظم عمليات الخطف. إنهم ليسوا أول الرهائن العاملين في المجال الإنساني. هنا أيضاً، ساهم الصمت الذي إلتزمت به المنظمات غير الحكومية الحريصة على التفاوض بسرية في تقليل الخطر.

(في سورية، إنها جائزة نوبل للاستخفاف)

صحيفة اللوموند 19 تشرين الأول 2013 ـ مقابلة مع الرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود (MSF) جان إيرفيه برادول Jean-Hervé Bradol الذي عاد من سورية مؤخراً بعد أن أمضى شهرين في مدينة الباب بالقرب من حلب ـ أجرى المقابلة كريستوف عياد Christophe Ayad

     كان جان إيرفيه برادول رئيساً لمنظمة أطباء بلا حدود بين عامي 2000 و2008، ويدير اليوم مركز دراسات غير حكومي اسمه CRASH. عاد مؤخراً من سورية بعد أن أمضى شهرين في مدينة الباب الواقعة على مسافة ثلاثين كيلومتر من مدينة حلب. تقوم منظمة أطباء بلا حدود بإدارة مستشفى في حلب، وتدعم المعدات الطبية في المنطقة.
سؤال: ما هو الوضع في منطقة الباب؟
جان إيرفيه برادول: إنها تعيش جميع المشاكل التي يمكن ملاحظتها أثناء النزاعات، ولاسيما عندما نقترب من خط الجبهة مثل السفيرة التي نقدم فيها دعماً للنازحين (توزيع الخيام والطعام وأدوات الطبخ). شاهدنا إطلاق النيران والقصف خلال مدة شهر في كل مرة ذهبنا فيها لتنظيم المساعدة. في بعض الأحيان، تستهدف القذائف المركز الطبي المتقدم ـ لم يعد هناك مستشفى حكومي ـ في لحظة وصول الجرحى. لم يبق في السفيرة إلا نصف عدد سكانها الذي كان يبلغ مئة وعشرين ألف نسمة. أصبح القصف أقل على الباب بالمقارنة مع بداية العام، ولكن هناك طائرة تحلق ليلاً بشكل يومي فوق المدينة. تعرضت المدينة مرتين لقصف بصواريخ سكود خلال فترة إقامتي. دمرت إحدى الطائرات مستشفانا للمرة الثالثة في منتصف شهر أيلول، وقتلت 11 شخصاً منهم طبيب وأحد الفنيين في المخبر وثمانية مرضى أغلبهم من جرحى الحرب.
سؤال: هل تأثرتم بانعدام الأمن؟
جان إيرفيه برادول: هناك عدم استقرار كبير وتوترات بين المجموعات المسلحة وعصابات وأخطار بالخطف. في بداية شهر أيلول، أصبح عبور الحدود التركية أكثر صعوبة بسبب المواجهات بين مجموعات المعارضة في إعزاز. من الآن فصاعداً، أصبحت جميع المعابر الحدودية في الشمال غير مؤكدة، الأمر الذي يزيد عزلة السوريين والصعوبات التي يواجهونها. تعرض بعض عناصر منظمة أطباء بلا حدود إلى الاعتقال لمدة ثلاثة أسابيع في شمال غرب سورية خلال الشهرين الأخيرين، كما تم خطف وقتل أحد الأطباء الجراحين المعارضين للمجموعات الإسلامية. كما تعرض أحد زملائي إلى إطلاق النار. في جميع الحالات، كان الضحايا من السوريين. لا يوجد استقرار. يتغير كل شيء بشكل مستمر.
سؤال: من يقوم بإدارة المدن المحررة؟
جان إيرفيه برادول: هناك مجالس بلدية مدنية منتخبة، وتملك وسائل محدودة جداً. ولكن المحاكم الإسلامية تفرض نفسها أكثر فأكثر كمركز للسلطة في الجزء الشرقي من منطقة حلب، وتقوم بدور قضائي وإداري. على سبيل المثال، إن هذه المحاكم هي التي سمحت لنا بالعمل.
سؤال: هناك حديث كثير حول تصاعد قوة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام.
جان إيرفيه برادول: إنها ظاهرة واقعية جداً، وتطورت بسرعة كبيرة منذ فصل الربيع. السوريون منقسمون. تملك هذه الحركة قاعدة اجتماعية حقيقية، وتتمتع بشعبية حقيقية لدى جزء من الشباب، ولكن هناك جزء آخر ينتقدها بشدة. تضم هذه الحركة بعض الأجانب، ولكن هناك أيضاً الكثير من السوريين. يعتمد كل شيء على وضع هذه المجموعة في حال كونها في السلطة لوحدها أو أنها مجبرة على التحالف مع الآخرين. تشكل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام جزءاً من نظام  التحالفات داخل المعارضة. تريد هذه المجموعة مثل بقية المجموعات إظهار إنها قادرة على تقديم خدمات مفيدة إلى السكان مثل توزيع الطحين والخبز والمازوت والغاز ومكافحة الجريمة واعادة فتح المدارس.
سؤال: هل تسعى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام إلى فرض أهداف أصولية؟
جان إيرفيه برادول: نعم، وهي ليست الوحيدة. هناك مجموعات أخرى تعمل ضمن المنطق نفسه مثل لواء التوحيد ولواء الإسلام وأحرار الشام. ولكن تطبيق الممنوعات (مثل بيع السجائر وإغلاق المحلات أثناء صلاة الجمعة) لا يمثل أولوية بالنسبة لهذه المجموعات الإسلامية.
سؤال: كيف يجري التعامل مع المنظمات الأجنبية غير الحكومية؟
جان إيرفيه برادول: إنه أمر قابل للتغير. لا يُسمح للأجانب بالإقامة في جرابلس، ولكنهم يستطيعون زيارتها لفترة قصيرة انطلاقاً من تركيا التي تشرف على برامجهم. هناك حذر متبادل وبعض العلاقات الضرورية. تشك المجموعات الأصولية بأننا نتجسس عليها وبأننا نقوم بتبشير ديني، ولكنها تعترف بضرورة تقديم شكل من المساعدة والخبرة الغربية على الصعيد الطبي مثلاً.
سؤال: ما هو الوضع العام للسكان؟
جان إيرفيه برادول: هناك انطباع بأن نصف السوريين نازحون. غادر سكان السفيرة باتجاه الحدود، وهناك بعض الناس الذين جاؤوا من دمشق بدلاً عنهم، وهم يتحدرون من هذه المنطقة، ولكنهم لا يستطيعوا العيش أو العودة إلى منازلهم. أصبح كل شيء أكثر صعوبة. المدارس مليئة بالنازحين، وهناك إرادة باستئناف النشاطات المدرسية، إنها معضلة حقيقية. كما يبدو أن الأفراد والمؤسسات استنفذت مدخراتها. يبقى نظام التضامن المحلي التي يجعل الناس يأكلون بشكل سيء، ولكن ليس هناك مجاعة حتى الآن باستثناء بعض ضواحي دمشق بسبب تعرضها للحصار. هناك شبكة ضمان صغيرة أخرى هي إمكانية حصول بعض موظفي الدولة على رواتبهم بشرط أن يُخاطروا بالذهاب إلى المنطقة الحكومية للحصول عليها.

سؤال: وعلى الصعيد الطبي؟

جان إيرفيه برادول: لم تعد المستشفيات تعمل في هذه المنطقة. لم يكن بالإمكان تجديد مخزون الأدوية، وهناك انهيار للنظام الصحي. يمكن أن يموت الناس اليوم بسبب حادث سيارة أو قصور قلبي أو ولادة صعبة بسبب نقص الأدوية والمعالجة. النظام الصحي الخاص باهظ الثمن في أغلب الأحيان وبنوعية سيئة. هناك أوبئة محلية مثل الحصبة واللايشمانيا والتيفوئيد. إن الأمر المثير للاستغراب في أزمة بهذا الحجم هو غياب المنظمات الإنسانية الكبيرة المعتادة مثل: الأمم المتحدة والصليب الأحمر أو الهلال الأحمر. إنها تعمل انطلاقاً من المناطق الحكومية ولا تستطيع عبور خطوط الجبهة. إذاً،  تذهب جميع مساعدتها إلى دمشق والنظام. على سبيل المثال، تقوم وزارة الصحة بتوزيع الأدوية. لا تذهب وكالات الأمم المتحدة إلى المناطق الأكثر حاجة لأسباب قضائية وإدارية تتعلق باحترام سيادة الدولة السورية. تتواجد منظمة أطباء بلا حدود في هذه المناطق بشكل سري، لقد طلبنا من دمشق الحصول على إذن بالعمل منذ سنتين بدون جدوى. نجح قرار في الأمم المتحدة بفرض دخول مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى مواقع الأسلحة الكيميائية، ولكن دون أن يتغير شيء بالنسبة لسكان الغوطة الذين تعرضوا للغاز، وما زالوا تحت الحصار والقصف ومحرومين من الطعام والدواء. إنها جائزة نوبل للاستخفاف.