الصفحات

الخميس، ٣٠ أيار ٢٠١٣

(سورية: حرب إقليمية، حل إقليمي)

صحيفة الفيغارو 30 أيار 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     تتجاوز مأساة القصير الإطار السوري بشكل كبير. يوجد في هذه المدينة آلاف الأجانب التابعين للحركة الجهادية السنية جبهة النصرة، وهم يشاركون في معركة بالغة العنف ضد حوالي ألف رجل من الميلشيا الشيعية لحزب الله، جاؤوا لدعم قوات بشار الأسد. القصير هي المعقل الأخير للفتنة بين الأخوة الأعداء السنة والشيعة في الإسلام. إن هذه الفتنة تهدد سورية والعراق (خمسون قتيل شيعي يوم الاثنين 27 أيار) ولبنان (اطلاق قذائف صاروخية على الضاحية الجنوبية في بيروت يوم الأحد 26 أيار) والبحرين،  بالإضافة إلى السعودية على المدى الطويل.
     أصبحت هوّة الحقد عميقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويعتبر الكثير من السنة  أن العدو لم يعد إسرائيل بل "المحور الشيعي" الذي أدانه حسني مبارك وملك الأردن قبل عدة سنوات. في المشرق، هناك مواجهة بين السعوديين والقطريين من جهة وإيران وسورية من جهة أخرى بدعم من الميليشيات القادمة من لبنان والعراق. أصبح النزاع إقليمياً أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن أن يكون حلّه إلا إقليمياً. لكي يكون هناك فرصة لنجاح المؤتمر الدولي القادم في جنيف، يجب أن يجمع المؤتمر جميع الأطراف المتصارعة: النظام السوري ومعارضيه، وجيرانه الأتراك والأردنيين واللبنانيين، ثم السعودية ومصر وقطر وإيران. هذا ما تطالب به روسيا، وتعتقد الأمم المتحدة أنه لن يكون بالإمكان طلب خروج حزب الله من سورية بدون طهران.
     يتصف موقف الولايات المتحدة بالبراغماتية، فقد تفاوضت سابقاً مع إيران من أجل الانسحاب من العراق، وهي تفكر بالقيام بالشيء نفسه حالياً. ولكن ممالك الخليج وفرنسا وبدرجة أقل بريطانيا يُعارضون مشاركة إيران في هذا المؤتمر. تؤكد باريس بعناد أن إيران جزء من المشكلة، ولا يمكنها أن تكون جزءاً من الحل. قال أحد المحللين: "رفض لوران فابيوس لقائين مع نظيره الإيراني، ويشعر بالانزعاج عندما يُحدّثونه عن نظام طهران". إن تصلب موقف لوران فابيوس تجاه طهران يعود تاريخه إلى منتصف الثمانينيات عندما كان رئيساً للحكومة، وكانت باريس أنذاك مسرحاً لعمليات التفجير التي كانت تقف وراءها مجموعات تعمل ضمن الفلك الإيراني.
     سواء بدون مشاركة طهران أو مع مشاركتها في المؤتمر الدولي، هناك حاجة ماسة وعاجلة للتوصل إلى حل إقليمي في سورية بسبب وجود ما يتراوح بين 12000 و18000 جهادي أجنبي فيها، وأغلبهم يقاتل مع جبهة النصرة التي صنفتها الولايات المتحدة ضمن المنظمات الإرهابية، وتتمنى فرنسا أن تفعل الشيء نفسه. يتصدر هؤلاء الجهاديون المعركة في مواجهة الجيش النظامي الذي استعاد قواه. هناك 800 جهادي أوروبي، بالإضافة إلى مئات الليبيين والتونسيين والعراقيين والسعوديين والكويتيين والأتراك والشيشان والداغستانيين الذين يحتجزون رجلي دين من حلب منذ أكثر من شهر.
     يتمثل الخطر بسقوط السلطة في دمشق بيد الجهاديين، ولم يعد هذا الخطر مجرد فكرة طوباوية. ولكن لا يجب أن نخطىء: لن يُغادر جنود حزب الله سورية قبل أن يتركها القتلة المأجورين التابعين لتنظيم القاعدة. ولكن من يستطيع إجبارهم على الرحيل؟ الجواب هو العرّابون الإيرانيون والسعوديون والقطريون عندما يجتمعون حول طاولة المفاوضات.
     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الأقليات العلوية والمسيحية، بدأ الخطر الجهادي يُقلق فئات متزايدة أكثر فأكثر من السكان الذين بدؤوا يُظهرون غضبهم في الرقة. إن الرقة هي المدينة الرئيسية الوحيدة التي سقطت بأيدي المتمردين قبل شهرين. قال أحد المعارضين متأسفاً: "فشلت هذه التجربة الأولى للأسف". يقوم الإسلاميون المتطرفون بتطبيق الشريعة في الرقة منذ ذلك الوقت، وأصدرت محاكمهم مؤخراً قراراً بإعدام ثلاثة جنود بسبب انشقاقهم، الأمر الذي أدى إلى تظاهر السكان الذين لم يقوموا بالثورة من أجل استبدال الدكتاتورية البعثية بدكتاتورية أصولية.

     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من دفاع حزب الله عن نظام الأسد في مدينة القصير، يسعى حزب الله بشكل أساسي إلى حماية بنيته التحتية السرية كالغرف المحصنة والأنفاق الواقعة على الجانب الآخر من الحدود في منطقة الهرمل التي يُخفي فيها بعض أسلحته الإستراتيجية لمواجهة إسرائيل. لا يجهل حزب الله أنه بمجرد سقوط النظام الموالي لإيران في دمشق، فإن أعداءه السنة في الخليج سيستهدفون بغداد وبيروت بصفتهما المعقلين الأخيرين للمحور الشيعي. إذاً، هناك حاجة عاجلة لإيقاف نزيف الانقسام الطائفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق