الصفحات

الأربعاء، ٢٢ أيار ٢٠١٣

(درس أولي بالدبلوماسية)


صحيفة الفيغارو 21 أيار 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     حرصت فرنسا على إسماع صوتها بعد أن اتفق الأمريكيون والروس في موسكو على تنظيم مؤتمر دولي حول سورية يتحاور فيه ممثلون عن نظام الأسد والتمرد. تسرّعت فرنسا بالقول يوم الجمعة 17 أيار أنها لا تريد مشاركة إيران في هذا المؤتمر، وذلك في الوقت الذي ما زالت فيه معالم مثل هذا المؤتمر غامضة. قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية يوم الجمعة 17 أيار: "إن الرهان يتعلق باستقرار المنطقة بأسرها. لا نرى كيف يمكن لبلد يُمثل تهديداً على هذا الاستقرار أن يشارك في هذا المؤتمر. إذا أرادت إيران المشاركة في تحسين الاستقرار الإقليمي، فإن هناك بعض الأجوبة التي يجب تقديمها وبعض الإلتزامات الدولية التي يجب احترامها". إن سذاجة مثل هذا الموقف تبعث على الاستغراب.
     إيران هي الحليف الإستراتيجي لسورية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وعرّاب حزب الله الشيعي اللبناني القوي، وهي طرف أساسي في الرهان الإقليمي. لماذا نريد استبعادها من مؤتمر للسلام يُعالج نزاعاً تتدخل فيه بشكل واضح؟ ولكن ملف تخصيب اليورانيوم من قبل  النظام الإيراني يعود تاريخه إلى عهد الشاه، ولا علاقة له إطلاقاً مع الحرب الأهلية الحالية في سورية! من جهة أخرى، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، هناك مؤتمرات متكررة مع الإيرانيين، وكان آخرها في كازاخستان بتاريخ 6 أيار 2013. تفاوضت إيران في هذا المؤتمر مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا.
     أليست الدبلوماسية منذ الأزل هي فن التحدث مع الخصوم والمنافسين والأعداء المُحتملين؟ وأكثر من ذلك، إن الإيرانيين ليسوا أعداء حقيقيين لفرنسا. تحافظ فرنسا وإيران على علاقات دبلوماسية منذ عهد الملك لوي الثالث عشر والشاه عباس، ولم يشنوا أبداً الحرب على بعضهم البعض. إذا كان هدف وزارة الخارجية الفرنسية إيقاف حمام الدم في سورية، يجب عليها أن تتحدث مع جميع الأطراف القادرين على التأثير بالحل النهائي. تُمثل إيران جزءاً أساسياً من هؤلاء الأطراف. هل يجب أن يؤدي وجود خلاف سياسي مع أحد الأطراف إلى منع حكومة كبيرة من الحديث معه؟ على العكس تماماً! إنه درس أولي في الدبلوماسية. وبدونه، لما استطاع هنري كيسنجر البدء بالحوار مع الصين في عهد ماو...
     يبعث العنف الحالي للدبلوماسية الفرنسية تجاه إيران على الشفقة. يوجد في الخليج الفارسي كلب أمريكي كبير جالس على أسطوله البحري الخامس وعلى أكثر من عشرات القواعد العسكرية: لقد سكت منذ رحيل ديك تشيني من البيت الأبيض. وهناك أيضاً كلب صغير يتزحلق على قاعدة صغيرة تضم 500 رجلاً في أبو ظبي: إنه لا يكف عن النباح، في حين أن الجميع يعرف بأنه لا يملك القدرة على العضّ.
     بالتأكيد، نحن متفقون مع حلفائنا الأمريكيين على تجنب أي انتشار للأسلحة النووية في الشرق الأوسط. ولكن رهاننا منذ حوالي 12 عاماً أعطى نتائج معاكسة في الملف الإيراني. بدلاً من أن نكون البلد الغربي الذي يتمثل دوره بمحاورة النظام في طهران، كنّا أول من ينبح عليه. إن الأمر الغريب هو أن إيديولوجية المحافظين الجدد ما زال صوتها مسموعاً في وزارة الخارجية الفرنسية، في حين أنها طُرِدت من واشنطن منذ وقت طويل.
     إن القاعدة الأساسية في الدبلوماسية هي التعامل مع الحقائق كما هي على الأرض. هل إيران وسورية لا يقودهما الزعماء المُتنورون الذين نرغب بهم؟ هذا أمر مؤسف، ولكن هذا هو الواقع. كان من الخطأ إغلاق السفارة الفرنسية في دمشق من قبل آلان جوبيه في شهر آذار 2012. لأن النظام ما زال موجوداً بعكس جميع توقعات الحكومات ووسائل الإعلام، ولم تعد فرنسا تملك نقطة اتصال في دمشق قادرة على الحصول على المعلومات بشكل فعال. من العبث الموازنة بين كثافة الحوار الذي نُجريه مع إحدى الدول وبين تعاطفنا معها. عندما نواجه خلافاً مع إحدى الدول، ولكننا لا نريد إعلان الحرب عليها، فإن المنطق يقضي بأن نتحدث معها حتى النهاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق