الصفحات

الأربعاء، ١٢ آذار ٢٠١٤

(ما هي حصيلة سياسة لوران فابيوس بعد سنتين في وزارة الخارجية؟)

صحيفة الليبراسيون 12 آذار 2014 بقلم مجموعة الدراسات Les Arvernes التي تضم بعض كبار موظفي الدولة، ولاسيما في وزارتي الخارجية الفرنسية والاقتصاد وبعض أستاذة الجامعات وبعض الباحثين الاقتصاديين

     في الوقت الذي تتالى فيه الأزمات الدولية، أصبح صوت فرنسا غير مسموع أكثر فأكثر، وتتشتت الأهداف الأولوية لوزارة الخارجية الفرنسية على خلفية التراجع المستمر لإمكانياتها المادية والبشرية. كان وزير الخارجية الفرنسي الحالي لوران فابيوس قد وعد بدبلوماسية نفوذ من أجل خدمة فرنسا والفرنسيين. ما هي حصيلة هاتين السنتين بعد وصوله إلى وزارة الخارجية الفرنسية؟
     إذا كان الخطاب يعتمد على الإرادة والفعل (الإرادوية)، فإن حقيقة إدارة لوران فابيوس لوزارة الخارجية الفرنسية ليست على مستوى الطموحات المعلنة: إن موقف فرنسا حول بعض الأزمات الإقليمية غير مسموع حالياً، ولاسيما في الشرق الأوسط (في مصر بشكل خاص)، أو زالت المصداقية عنه كما هو الحال في سورية التي اضطرت فيها فرنسا إلى التراجع بالنهاية بعد العديد من الخطابات الإرادوية، وبعد أن تخلى عنها الأمريكيون حول مشروع الضربات العسكرية المحتملة. في الحقيقة، ما هي السياسة الفرنسية تجاه العالم العربي؟
     فيما يتعلق ببقية الملفات الهامة، تتصف مواقف فرنسا أيضاً بأنها باهتة أكثر فأكثر، سواء تجاه الأحداث في أوكرانيا (حيث اكتفت بتكرار المواقف الدبلوماسية الألمانية والبولونية) أو تجاه روسيا أو تجاه بقية الأزمات الهامة (مثل الأحداث في السودان التي أدت إلى مقتل أكثر من مئة ألف شخص منذ شهر كانون الأول، وما زالت فرنسا غائبة عنها بشكل مأساوي). ولكن هذا الموقف الفرنسي التسويفي، أو حتى التابع، لا يتوافق مع التقاليد الدبلوماسية لفرنسا. برهنت الدبلوماسية الفرنسية في الماضي على جرأتها: عندما اعترفت بجمهورية الصين الشعبية عام 1964، أي قبل خمسة عشرة عاماً من القرار الأمريكي من إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين، وكذلك عندما دافعت في الكنيست الإسرائيلي عام 1982 قبل جميع الدول الأخرى عن الحل السياسي القائم على أساس دولتين كرد على النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. أين أصبحت هذه المواقف الديغولية ـ الميتراندية المستقلة والعظيمة؟
     أرادت وزارة الخارجية الفرنسية بقيادة لوران فابيوس أن تكون حاضرة في جميع المواضيع، وحتى تلك البعيدة عن مجال عمل وزارة الخارجية. إذا كان تشجيع الدبلوماسية الاقتصادية يشكل بحد ذاته هدفاً يستحق الثناء، فإنه من الأجدر أن تهتم به وزارة الاقتصاد، ولاسيما تحت إدارة الخزينة المكلفة بقيادة السياسة الاقتصادية لفرنسا؟ يبدو أن وزارة الخارجية الفرنسية تريد تغطية جميع المواضيع الدولية في جميع  الميادين (الاقتصادية والثقافية والعلمية وإقامة المشاريع....) بشكل يُحول الوزارة إلى نوع من السكين السويسرية المتعددة الاستخدامات، ولكن ذلك لا يتوافق مع مهمتها ولا مع الكفاءات المتوفرة لديها. للأسف، أدت هذه السياسة ،من الناحية العملية وبسبب التراجع الكبير في الموارد البشرية والمادية، إلى التشتت وغياب الأهداف الواضحة والدقيقة بشكل يهدد بإهمال الأهداف ذات الأولوية على الصعيد الدولي بالنسبة لبلد هو أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن: أي إيصال الصوت الدبلوماسي والسياسي الفرنسي المستقل إلى العالم.
     لا شك أن التراجع المستمر بالوسائل المادية والبشرية لم يبدأ مع وصول لوران فابيوس (انخفض عدد موظفي الوزارة 10 % منذ عام 2007، بالنسبة لوزارة لا تمثل إلا 1 % من موازنة الدولة). إن هذا التراجع هو أيضاً نتيجة عجز الموازنة المرتبط بالأزمة الاقتصادية الحالية، ولكن هذا التراجع ما زال مستمراً على الرغم من أن العديد من الدول المتطورة مثل الولايات المتحدة حافظت بل وزادت موازناتها الدبلوماسية، بشكل موازي للدول الصاعدة (الصين والبرازيل) التي زادت موازناتها الدبلوماسية بشكل كبير.

     بدلاً من تسمية الكثير من الوزراء المفوضين داخل وزارة الخارجية الفرنسية، هؤلاء الوزراء الذين يملكون وسائل مادية وبشرية كبيرة مع عدد كبير من المكاتب التي لا تتناسب مع مهماتهم الرسمية الحقيقية (هل من الضروري وجود وزير مفوض مكلف بشؤون الفرانكوفونية فقط؟)، وبدلاً من الاستمرار بتسمية سفراء حسب المهمات على الرغم من أن دورهم ومهماتهم تبدو أنها من أجل تأمين عمل مريح وأجر عال لهم (مثل الرئيسة السابقة لبلدية مدينة شارلفيل ميزيير التي تم تعيينها مؤخراً سفيرة مفوضة للتعاون الإقليمي في المحيط الهندي)، من الأفضل أن يعمل لوران فابيوس من أجل سياسة خارجية فرنسية أكثر وضوحاً وانسجاماً، وأن تكون قادرة على متابعة أهداف دقيقة مع عدد أقل من الوزراء المفوضين والمستشارين الفنيين، وزيادة الموارد البشرية والمادية على الأرض من أجل توفير هامش للمناورة أمام سفرائنا، وتمكينهم من التحرك وأن يحملوا بقوة صوت ورسالة فرنسا إلى العالم عالياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق