الصفحات

الثلاثاء، ١١ آذار ٢٠١٤

(الجوع سلاح حرب في سورية)

صحيفة الفيغارو 11 آذار 2014 بقلم مراسلتها في القاهرة دولفين مينوي Delphine Minoui ومراسلها في إسرائيل سيريل لوي Cyuille Louis

     هناك أولاً الصورة التي نشرتها الأمم المتحدة في نهاية شهر شباط، هذه الصورة التي تُظهر تجمعاً بشرياً جائعاً يمتد على مدى النظر بين الأبنية المدمرة في مخيم اليرموك الفلسطيني على أمل الوصول إلى مركز التموين. ثم نشرت منظمة العفو الدولية يوم الاثنين 10 آذار تقريراً يبعث على الخوف حول نتائج سوء التغذية المحلية الناجمة عن الحصار العسكري. بعد ثلاث سنوات تقريباً من بداية التمرد ضد بشار الأسد، إن الجحيم الذي يعيشه سكان مخيم اليرموك يُلخص لوحده الوضع اليومي المرعب في سورية. قال مسؤول منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط فيليب لوتر Philip Luther: "ترتكب القوات السورية جرائم حرب عن طريق استخدامها لتجويع المدنيين كسلاح حرب"، وتحدث عن "شهادات مؤلمة لبعض العائلات التي اضطرت إلى أكل القطط والكلاب ولبعض المدنيين الذين تعرضوا لنيران القناصة عندما كانوا يبحثون عن شيء يأكلونه".
     تأسس مخيم اليرموك عام 1954 على مسافة ثمانية كيلومترات جنوب دمشق، وتحول مع مرور السنوات إلى حي حقيقي مندمج في النسيج المدني الذي يتعايش فيه الفلسطينيون والسوريون. ولكن هذا الحي يتعرض منذ شهر تموز 2013 لحصار ممنهج من قبل قوات النظام التي تهاجم الأبنية المدنية ـ المدارس ومراكز العلاج والجوامع ـ تحت ذريعة طرد المتمردين منها، ومنعت دخول الطعام والدواء إلى آلاف السكان. حصل ذلك على الرغم من الهدنة التي تم التفاوض عليها في بداية العام في جنيف. في اتصال هاتفي مع صحيفة الفيغارو عبر السكايب، قال أحمد (اسم مستعار) وهو أحد اللاجئين الفلسطينيين التابعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويعيش في دمشق، ويذهب إلى مخيم اليرموك مرة واحدة على الأقل أسبوعياً: "استعاد السكان بعض الأمل في نهاية شهر كانون الثاني عندما تم التوصل إلى هدنة، ولكنه تلاشى بسرعة بسبب انتهاكها، ووجدوا أنفسهم محاصرين من جديد بين الجيش والمتمردين. كان عدة مئات من مقاتلي جبهة النصرة وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى قد وافقوا على إخلاء مخيم اليرموك، ولكنهم عادوا إلى المخيم بعد انتهاك الهدنة واستئناف النظام للقصف بشكل متقطع". كما أكد أحمد أن المساعدات الغذائية التي سلمتها الأمم المتحدة قبل شهر قد استهلكت، وأن السكان الذين ينخرهم الجوع اضطروا إلى استئناف بحثهم اليائس عن الطعام، وقال: "بالنسبة للذين يملكون المال، إنهم يشترون المواد الأساسية الضرورية بأسعار باهظة، ولكن أغلب السكان يضطرون إلى أكل الأعشاب والحيوانات الميتة من أجل البقاء على قيد الحياة".
     أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن حوالي مئتي شخص ماتوا بسبب قسوة الظروف الحياتية، منهم 128 بسبب الجوع، خلال ثمانية أشهر . يبلغ عدد السكان المحاصرين في المخيم حوالي عشرين ألف نسمة، ويعاني 60 % منهم على الأقل من سوء التغذية. إن أغلبية السكان لا يأكلون الفواكه والخضار منذ وقت طويل، ووصل سعر كيلو الرز إلى مائة دولار في السوق السوداء. يمثل مخيم اليرموك أحد الأمثلة المتعددة في المأساة السورية، وأشارت المنظمة إلى أن حصار مخيم اليرموك ليس إلا "الأكثر قتلاً في سلسلة الحصارات المسلحة في بقية المناطق المدنية سواء من قبل القوات المسلحة السورية أو مجموعات المعارضة المسلحة، ويبلغ عدد الأشخاص المحاصرين 250.000 نسمة في جميع أنحاء سورية".
     نجم عن استراتيجية الخنق نتائج فادحة على المستشفيات في مخيم اليرموك، واضطر أغلبها إلى إغلاق أبوابه بسبب نقص المعدات، وحتى الأساسية منها. أصابت هذه الكارثة بقية البلد. صدر تقرير جديد يوم الاثنين 10 آذار عن منظمة (Save The Children)، وقدّر هذا التقرير أن 60 % من المستشفيات تعرضت لبعض الأضرار أو للتدمير منذ بداية النزاع السوري. جاء في هذا التقرير: "تسود الفوضى في النظام الصحي السوري لدرجة أنه قيل لنا أن الأطباء يستخدمون الألبسة القديمة كرباطات طبية، وأن بعض المرضى يختارون إغماءهم عن طريق ضربهم بقضيب معدني بسبب عدم وجود مواد مخدرة".

     تعتبر الجمعية الطبية السورية ـ الأمريكية التي ذكرها التقرير الأخير أن عدد الأشخاص التي ماتوا بسبب أمراض مزمنة يبلغ 200.000 شخص منذ بداية النزاع لعدم توفر وسائل العلاج. ازدادت الأوبئة مثل الحصبة والتهاب السحايا. فيما يتعلق بشلل الأطفال الذي تم القضاء عليه في سورية عام 1995، أشارت منظمة (Save The Children) إلى أنه يُصيب ثمانين ألف طفل حالياً. بالإضافة إلى نقص الأدوية، يضاف نقص الموارد البشرية: هرب أكثر من نصف الأطباء خارج سورية خلال ثلاث سنوات من النزاع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق