الصفحات

الأربعاء، ٢٦ آذار ٢٠١٤

(سياسة التوازن للدبلوماسية الصينية)

صحيفة الفيغارو 26 آذار 2014 بقلم أرنو دولاغرانج Arnaud de la Grange

     ترتكز السياسة الخارجية الصينية على مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكن الوضع في أوكرانيا يطرح مشكلة على هذا المبدأ. إن معارضة التدخل في الشؤون الداخلية أمر جيد، ولكن أي نوع من التدخل؟ هل هو التدخل الغربي في الشؤون الأوكرانية ومناطق النفوذ الروسي، هذا التدخل الذي شجبه الصديق فلاديمير بوتين؟ أم أنه تدخل جنود لا يحملون أي إشارة تدخل على هويتهم في أوكرانيا من أجل قطع طرق الاتصال بين شبه جزيرة القرم وكييف؟ هذه هي المعضلة التي تواجهها الدبلوماسية الصينية منذ عدة أسابيع.
     كان باراك أوباما بانتظار الرئيس الصيني في قمة الأمن النووي في لاهاي، وحضّه على مساعدته في الملف الأوكراني باسم "الانسجام" مع مبادئه في الدفاع عن سيادة الدول. يريد الرئيس الصيني الموافقة على هذا المبدأ المتعلق بسيادة الدول على أراضيها، وهو لا يحب الاستفتاءات ولاسيما تلك المتعلقة بالحكم الذاتي، ولا يرغب أبداً برؤية  أطراف خارجية  تتدخل فجأة بالمسائل المتعلقة بالتيبيت والإيغور. ولكن الرئيس الصيني ابتعد عن الموقف الأمريكي المتعلق بالإجراءات "الهجومية والعقابية مثل العقوبات" ضد موسكو، وحاول أن ينتزع من أوباما بعض الضمانات عندما طلب منه "التمييز بين الخير والشر" في النزاعات الحدودية بين بكين وجيرانها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، ولاسيما مع اليابان.
     في هذه القضية، ليس هناك أي شيء بسيط بالنسبة للصين. فيما يتعلق بالأزمات الدولية الكبرى مثل سورية، تقوم الصين وروسيا بدور الثنائي الواقعي منذ عدة سنوات، واقتربتا من المعسكر الرافض للتدخل الغربي. ولكن فيما يتعلق بالملف الأوكراني، إن هذا التوافق الدبلوماسي ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على خيار الرئيس الصيني، فهناك التاريخ أيضاً. قال الرئيس الصيني علناً أن تفكيك الاتحاد السوفييتي كان مأساة يجب على الصين أن تتجنبها. ضمن هذا الأفق، أشار فرانسوا غودمون François Godement رئيس برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية European Council on Foreign Relations إلى أن انفصال شبه جزيرة القرم يمكن أن يبدو عليه ملامح إعادة توحيد إمبراطورية. يُحب الرئيس الصيني أيضاً فكرة إبعاد الحلف الأطلسي عن الحدود الروسية، وذلك في الوقت الذي تتواجد فيه الأساطيل الأمريكية بالقرب من الصين. إنه مُعجب بلا شك بمفهوم "منطقة النفوذ" الروسية، لأن الصين تهدف إلى القيام بالشيء نفسه في المحيط الهادي الآسيوي.

     إذاً، تُمارس الصين سياسة توازن دبلوماسية. إنها تعلن عن دعم انتقادي تجاه بوتين، أو عن إدانة متضامنة حسب الظروف... استطاعت الصين التخلص من هذه المشكلة بنجاح من خلال الالتزام بموقف غامض. الدليل على ذلك هو أن موسكو وواشنطن أعربتا عن سرورهما من الموقف الصيني، وتبرزان الدعم الصيني لهما. من المفترض أن يحافظ الرئيس الصيني على هذا الموقف خلال لقائه مع فرانسوا هولاند.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق