الصفحات

الاثنين، ٣ آذار ٢٠١٤

(سورية: قطرة الماء)

صحيفة اللوموند بتاريخ 2 ـ 3 آذار 2014 بقلم ستيفان فوكار Stéphane Foucart

     إن البحث عن الأسباب البيئية للأزمات الاجتماعية والسياسية الكبرى هو عمل مغري وفي بعض الأحيان محفوف بالمخاطر. في العدد الأخير لنشرة (Middle Eestern Studies)، قامت الباحثة فرانسيسكا دوشاتيل Francesca de Châtel في جامعة Radboud بمدينة Nimègue الهولندية بدراسة حالة خاصة هي الأزمة السورية: ربطت هذه الباحثة المختصة بمسائل تنظيم إدارة المياه في الشرق الأوسط بين الجفاف الذي ضرب سورية بين عامي 2006 و2010 واندلاع التمرد في شهر آذار 2011، هذا التمرد الذي أدى إلى الكارثة الحالية. ولكن هذه الباحثة لا تعتبر أن نقص المياه هو السبب بمقدار ما هو عجز نظام دمشق على إدارة الأزمة الكامنة التي نجمت عن نقص المياه، وذلك في سياق نصف قرن من عدم تنظيم إدارة المصادر المائية.
     إن الأرقام المذكورة مُعبّرة جداً. تُشير الأمم المتحدة إلى أن 1.3 مليون سوري على الأقل في المناطق الريفية تأثروا بموجة الجفاف الكبيرة، ومنهم 800.000 تأثروا بها "بقسوة". ربما هاجر أكثر من ثلاثمائة ألف مزارع في شمال شرق سورية خلال عام 2009 فقط بسبب عجزهم عن الحفاظ على عملهم تحت تأثير أربعة صدمات هي: الجفاف ونزع الضوابط عن سوق المواد الزراعية الأولية (تضاعفت أسعار الأسمدة ضعفين في شهر أيار 2009) وتوقفت الدولة عن تقديم بعض الإعانات وجفاف المياه الجوفية.
     هذا هو الجانب الأكثر تعبيراً عن الإدارة العشوائية لمصادر المياه من قبل دمشق: ارتفع عدد الآبار من 135.000 بئر عام 1999 إلى حوالي 230.000 بئر عام 2010، مع معدلات ضخ لا يمكن تبريرها، ويزداد حجمها خمسة أضعاف من عقد لآخر منذ سنوات الثمانينيات. كانت النتائج حتمية. بدأ مخزون المياه يميل نحو الجفاف، وذلك في الوقت الذي يعتمد فيه 60 % من أصل 1.35 مليون هكتار من الأراضي المروية في البلد على هذا المخزون مباشرة... في عام 2008، استوردت دمشق القمح للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً.
     أبدت فرانسيسكا دوشاتيل حرصاً كبيراً على عدم تحميل الجفاف المسؤولية الكاملة لاستياء الشعب السوري، ولكن الجفاف لعب دوراً حتمياً. لم تكن الباحثة الهولندية أول من اقترح مثل هذه العلاقة. صدرت مؤخراً دراسة جماعية بإشراف كيتلان ويريل Caitlin Werrell وفرانسيسكو فيميا Francesco Femia (Center for Climate and Security, Washington) وآن ماري سلوتر Anne-Marie Slaughter (جامعة برينستون)، واعتبرت هذه الدراسة أن التغير المناخي الحالي قام بدور الفتيل في اندلاع حركات التمرد التي هزت العالم العربي ابتداءاً من شهر كانون الأول 2010: هذه الحركات التي تزامنت مع ظروف مناخية قاسية جداً في العديد من الدول الكبرى المنتجة للقمح مثل أستراليا وكندا والصين وروسيا وأوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر القمح مرتين، وتُعتبر الدول العربية من الدول المستوردة الرئيسية له.

     تتجاهل فرنسا هذه الدراسات الأكاديمية التي يحوم حولها الشك بارتكاب جريمة بشعة هي القضاء والقدر. على العكس من ذلك في الولايات المتحدة، اعتبرت نيويورك تايمز أن هذه الفرضية "مُقنعة" على الرغم من جرأتها في الربط بين "الربيع العربي" والتغير المناخي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق