الصفحات

الخميس، ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٤

(معركة الفرصة الأخيرة في حلب)

صحيفة اللوموند 20 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلها الخاص في مدينة غازي عنتاب التركية بنجامان بارت Benjamin Barthe

     إنه طريق ريفي صغير يبدأ من الأحياء الشمالية في حلب باتجاه الحدود مع تركيا، متعرجاً بين مواقع الجيش السوري ومواقع الدولة الإسلامية. إنه طريق كاستيلو باسم المطعم الموجود في بدايته، وهو الطريق الوحيد لتموين المتمردين المتحصنين في نصف حلب. إذا تمكنت القوات النظامية الموجودة على بعد عشرة كيلومترات من قطع هذا الطريق الحيوي، فإن الأحياء الواقعة تحت سيطرة المتمردين ستجد نفسها محاصرة. قال أحد ناشطي المعارضة اللاجئين في تركيا جمعة القاسم Jomah Al-Kasem: "إنه عبوة الأوكسجين الأخيرة التي بقيت لنا".
     كان الوضع العسكري معكوساً قبل عامين في نهاية عام 2012، وذلك عندما استولى المقاتلون المعارضون للأسد على القاعدة 46 غرب حلب باعتبارها القاعدة الأهم للنظام في هذه المنطقة. لم يكن باستطاعة الأحياء التي يسيطر عليها الجيش آنذاك الحصول على التموين إلا عبر الطائرات المروحية أو الطرق المتعرجة المعرضة لنيران معادية. ولكن القوات الحكومية استفادت في شهر تشرين الثاني 2013 من الانقسامات الحاصلة داخل معسكر المتمردين بسبب تصاعد قوة المجموعات الجهادية، وبدأت الهجوم بمساعدة الميليشيا الشيعية اللبنانية حزب الله، واستعادت المناطق المحيطة بمطار حلب الدولي، ثم استولت على أراضي أعدائها شيئاً فشيئاً عبر إلقاء براميل المتفجرات من الجو، وتقدمت بشكل بطيء ومؤكد باتجاه الشرق والشمال.
     أدى سقوط منطقة الشيخ نجار الصناعية في شهر تموز، ثم قرية حندرات في شهر تشرين الأول إلى قطع الطريقين الرئيسيين لتموين معارضي الأسد، وأجبرهم ذلك على الانسحاب باتجاه طريق كاستيلو. يسعى الجيش السوري للوصول إلى قريتي زهرة ونبل الشيعيتين اللتين يحاصرهما المتمردون، الأمر الذي سيؤدي إلى إحكام حصاره على حلب. أشار رئيس المجلس العسكري المحلي الجنرال زاهر الساكت Zaher Al-Saket إلى أن الثوار رفضوا فكرة "تجميد" المعارك في حلب التي طرحها المبعوث الجديد للأمم المتحدة الإيطالي ـ السويدي ستافان دو ميستورا Staffan de Mistura. إنه يخشى أن تسمح الهدنة في حلب للسلطة السورية التي تتظاهر بأنها "مهتمة" بخطة المبعوث الأممي بإرسال  تعزيزاتها إلى درعا التي تكبدت القوات الحكومية فيها عدة هزائم خلال الأشهر الأخيرة.
     يرص المتمردون صفوفهم مصممين على التشبث بطريق كاستيلو الذي يمثل مرادفاً لبقائهم على قيد الحياة. وافقت الكتائب التابعة للجيش السوري الحر، مثل كتيبة نور الدين الزنكي وكتيبة جيش المجاهدين وحركة حزم الذين يحصلون على الأسلحة الأمريكية عبر تركيا، على توحيد جهودهم داخل كتيبة جديدة باسم أحد أشهر شهداء التمرد عبد القادر صالح. قال أحد قادة المتمردين فارس بيوش Farès Bayouch: "على الورق، نحن أكثر عدداً بالرجال، تكمن مشكلتنا في عدم تنظيمنا والبطئ في عملية اتخاذ قرارنا. يتحرك جهاديو جبهة النصرة بشكل أسرع بكثير". قام هؤلاء المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة بطرد العديد من المجموعات التابعة للجيش السوري الحر، ولاسيما حركة حزم، من مواقعهم في محافظة إدلب في نهاية شهر تشرين الأول.
     قام قادة حركة حزم وجبهة النصرة في محافظة حلب بالتوقيع على ميثاق بعدم الاعتداء من أجل تجنب اتساع المعارك بينهما. ولكن هذا التقارب التكتيكي الناجم عن تقدم النظام، واجه اختباراً صعباً عبر قصف الطائرات الأمريكية التي استهدفت جبهة النصرة ثلاث مرات بالإضافة إلى الدولة الإسلامية. إن الرفض الأمريكي لقصف قوات النظام وضع الكتائب المدعومة من واشنطن في موقف غير مريح أكثر فأكثر، ليس فقط في مواجهة الجهاديين بل أيضاً تجاه قواعدهم الخاصة.

     إن الجبهة جامدة في الوقت الحالي مع الدولة الإسلامية. لقد استولى جنود "الخلافة"على العديد من القرى المحيطة بحلب خلال الصيف الماضي، ويركزون جهودهم حالياً على المدينة الكردية كوباني التي يواجهون فيها مقاومة أكثر شدة مما كان متوقعاً. قال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية نوا بونزي Noah Bonsey: "من الممكن أن تقرر الدولة الإسلامية إعادة إشعال المعارك مع الجيش السوري الحر بغض النظر عن نتائج المعارك في كوباني، وذلك لاغتنام حقيقة أن الجيش السوري الحر لم يعد قادراً على مواجهة القوات النظامية". بالنسبة للمتمردين في حلب، إن طريق كاستيلو يشبه رصاصة النار الأخيرة قبل الهزيمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق