الصفحات

الخميس، ٢١ آب ٢٠١٤

(الأسلحة الكيميائية في سورية: الثمن الباهظ لانتصار أوباما)

 افتتاحية صحيفة اللوموند 21 آب 2014

     يبدو أن عملية تدمير الترسانة الكيميائية السورية وصلت إلى نهايتها بعد عام على مجزرة الساران التي ذهب ضحيتها مئات السكان في ضواحي دمشق بتاريخ 21 آب 2013. هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي يوم الاثنين 18 آب في بيان يظهر فيه الرضى الذاتي، مؤكداً أن آخر ستمائة طن من العناصر الكيميائية السامة التي صرّح عنها النظام السوري في خريف عام 2013، ونقلها ببطء حتى ميناء اللاذقية، قد تم التخلص منها على متن سفينة أمريكية في البحر المتوسط.
     أصاب الضعف دبلوماسية أوباما تحت ضغط الأزمات المتوالية في الشرق الأوسط (ليبيا وغزة ولاسيما العراق)، وتعرضت دبلوماسيته لنيران الانتقادات، ولكن باراك أوباما لم يفكر بالسماح لأي شخص آخر بالإعلان عن هذا النبأ الجديد عندما قال: إنها "مرحلة أساسية" و"نجاح هام في مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل". تعتبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن هذا النجاح لا يمكن إنكاره، وأنها عرفت كيف تتغلب على التحدي المتمثل بإخلاء هذه المواد المؤذية جدا مثل غاز الخردل أو الساران من بلد يعيش حرباً أهلية وبزمن قياسي.
     كان من الأفضل أن يكون باراك أوباما أكثر تحفظاً. أولاً، لأن الولايات المتحدة لم تنته من تدمير مخزونها من الأسلحة الكيمائية حتى الآن على الرغم من مضي أكثر من عشرين عاماً على التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر امتلاك الأسلحة الكيميائية. ثانياً، لأن الاتفاق الروسي ـ الأمريكي الذي كان السبب في قرار الأمم المتحدة رقم 2118 لم يؤد إلى تخفيف سرعة السباق نحو الهاوية في سورية. بل  على العكس، لقد قُتِلَ سبعين ألف سوري على الأقل خلال عام واحد، وبالتالي وصل إجمالي عدد القتلى إلى حوالي مئة وثمانين ألفاً.
     حقق بشار الأسد ضربة ممتازة بواسطة التخلي عن ترسانة قديمة إلى حد كبير، وتجنب بذلك تدخلاً عسكرياً غربياً كان من الممكن أن يكون قاضياً بالنسبة له، أو على الأقل، إضعاف قوته واستئناف التمرد. بالمقابل، حافظ على أسلحته الحقيقية للدمار الشامل المتمثلة ببراميل المتفجرات وصواريخ سكود التي تسحق أحياء بأكملها في حلب، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة التي تستهدف المستشفيات أو الطوابير المصطفة أمام المخابز، وقوافل الدبابات التي تهدم كل ما يتحرك في حمص. يُقال أنها أسلحة "تقليدية"، ولكنها أكثر تدميراً بألف مرة مما دمره غاز الساران في سورية.

     بدأ المتمردون بتقليد جلادهم بعد التخلي عنهم عبر إطلاق وابل من قذائف الهاون على الأحياء الغنية في العاصمة. فيما يتعلق بوحوش الدولة الإسلامية بصفتهم منتجات مشتقة من الفوضى التي حافظت عليها السلطات السورية بعناية، لقد عادوا بقوة إلى شمال سورية. إن التسوية بين واشنطن وموسكو لم تكن تهدف إلى حرمان دمشق من أسلحتها الكيميائية بقدر منع المجموعات الجهادية من الاستيلاء عليها. ستبقى هذه التسوية في دفاتر التاريخ كنموذج لتحويل الأنظار وللنفاق الدبلوماسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق