الصفحات

السبت، ٢٣ آب ٢٠١٤

(كيف قررت فرنسا تزويد المتمردين السوريين بالأسلحة)

صحيفة اللوموند 23 آب 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe وسيريل بن سيمون Cyril Bensimon وإيف ميشيل ريولز Yves-Michel Riols

      انكشف الغطاء بهدوء عن سر حافظت عليه رئاسة هولاند بشكل جيد: إنه تسليح المتمردين السوريين من قبل فرنسا. اعترف رئيس الجمهورية يوم الثلاثاء 19 آب للمرة الأولى في مقابلة مع صحيفة اللوموند بوجود عمليات تسليم الأسلحة، ثم أسرّ موظفان رفيعا المستوى ومنخرطان في هذه العمليات ببعض التفاصيل الإضافية. أشار أحدهم إلى أن المعدات المُرسلة كانت تتضمن رشاشات من عيار 12.7 ملم وعدة قاذفات أر بي جي (Lance-roquettes) وستر واقية ضد الرصاص ومناظير ليلية ووسائل اتصال، ولكنها لا تتضمن أية "معدات يمكن استخدامها ضدنا لاحقاً" مثل المتفجرات. أضاف هذا الموظف أيضاً أن هذه الأسلحة المُرسلة تشبه الأسلحة المرسلة حالياً إلى قوات البشمركة في العراق، وقال: "إنها أسلحة يمكن استخدامها فوراً، ولا تحتاج إلى تأهيل أو صيانة".
      إن الجهة الوحيدة التي استفادت من هذه المساعدة هي الكتائب التابعة للجيش السوري الحر ـ الجناح المعتدل للتمرد ضد الأسد. أشار مصدر دبلوماسي إلى أن الجبهة الإسلامية التي تمثل تحالفاً من المجموعات الإسلامية أو حتى السلفية لم تتلق أي سلاح فرنسي. من الصعب تحديد تاريخ وصول الدفعات الأولى بدقة. من المحتمل جداً أن تاريخ وصولها يعود إلى شتاء أو ربيع عام 2013. قامت السلطات الفرنسية بالتمهيد لتسليم الأسلحة عبر إعداد خارطة جغرافية لتوزع المجموعات المتمردة بالتعاون مع رئيس الجيش السوري الحر العميد سليم إدريس، وذلك بهدف تجنب وصول الأسلحة الفرنسية إلى المجموعات الجهادية أو السلفية التي كانت في أوج ازدهارها في ذلك الوقت. تم امتحان عملية مراقبة وصول الأسلحة إلى الجهات المحددة ميدانياً من خلال عمليات إيصال الأسلحة غير الفتاكة مثل المعدات الطبية وعلب الطعام إلى الجيش السوري الحر.
     بدأ العمل بهذه الشبكة فعلاً خلال فصل الصيف بعد أن قرر الاتحاد الأوروبي بتاريخ 29 أيار 2013، تحت ضغط باريس ولندن، رفع الحظر عن إرسال الأسلحة إلى سورية. كان فرانسوا هولاند قد أشار قبل شهرين من قرار الاتحاد الأوروبي المذكور إلى أن فرنسا مستعدة في جميع الأحوال لتسليح معارضي نظام الأسد حتى في حال عدم وجود توافق أوروبي، وصرّح بعد اجتماع قمة بروكسل بتاريخ 14 آذار: "في حال كانت هناك عرقلة بسبب دولة أو دولتين، فإن فرنسا ستتحمل مسؤولياتها في هذه الحالة".
     كان اجتماع مجموعة أصدقاء سورية في الدوحة بتاريخ 22 حزيران 2013 مرحلة هامة. اتفق العرابون الغربيون والعرب على زيادة المساعدة العسكرية وتوزيع الأدوار فيما بينهم من أجل الاستجابة للطلبات الملحة للائتلاف الوطني السوري ـ الواجهة السياسية للمعارضة ضد الأسد. قال البيان الختامي للاجتماع: "من الضروري الإسراع بإرسال المعدات والتجهيزات إلى المعارضة على الأرض، وأن يقوم كل بلد بذلك على طريقته الخاصة"، كما أكد هذا البيان على أن أي "دعم عسكري" يجب عن أن يمر عبر الجيش السوري الحر. قال أحد المقربين من الملف: "إنها طريقة لكي نقول إلى القطريين والسعوديين أنه يجب عليهم عدم دعم المجموعات المنافسة للتمرد".
     في ذلك الوقت، كان هناك شعور بالوضع الطارئ يُحرّك الدول الأعضاء في مجموعة أصدقاء سورية. اتهمت باريس رسمياً دمشق باستخدام الساران كسلاح كيميائي بتاريخ 4 حزيران 2013 بعد تحليل العينات التي جلبها أحد الصحفيين في صحيفة اللوموند من ضواحي دمشق. كان استخدام الأسلحة الكيميائية يتم بكميات ضئيلة في ذلك الوقت، وبشكل يختلف كثيراً عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل مئات الأشخاص بتاريخ 21 آب 2013. كان ذلك تجاوزاً لـ "الخط الأحمر" الذي حددته العواصم الغربية الكبرى، واعتبرت السلطات الفرنسية أنه من الضروري الرد على ذلك.
     هناك عامل هام آخر في قرار فرنسا بالمساهمة في تسليح المتمردين، يتعلق هذا العامل باقتراب مؤتمر جنيف 2 للسلام الذي جمع ممثلي النظام والائتلاف الوطني السوري. اعتبرت فرنسا وشركاؤها أنه من المهم تعزيز القدرات العسكرية للمعارضة بشكل لا تصل فيه إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف.
     فشلت جميع هذه الحسابات. انعقد مؤتمر جنيف 2 في شهري كانون الثاني وشباط بدون تحقيق أية نتيجة. فشلت جهود العميد إدريس في هيكلة الكتائب. كما قام مقاتلو الجبهة الإسلامية بنهب مستودعات الأسلحة التابعة للجيش السوري الحر على الحدود السورية ـ التركية في شهر كانون الأول 2013. كما شن النظام هجوماً مضاداً في حمص ودمشق، وهيمن المتمردون الإسلاميون على خصومهم القوميين في الشمال. ساهمت خيبات الأمل هذه في ردع السلطات الفرنسية عن توسيع جهودها، أسرّ أحد الدبلوماسيين قائلاً: "من المؤكد أن هذه الصعوبات لم تشجعنا حقاً في الذهاب إلى أبعد من ذلك".

     إذا صدقنا تصريحات فرانسوا هولاند يوم الخميس 21 آب، فإن إرسال الأسلحة لم يتوقف. كما أن الجيش السوري الحر بحاجة أكبر للأسلحة لأنه أصبح محاصراً في شمال سورية بين قوات النظام من جهة والراديكاليين المتطرفين في الدولة الإسلامية من جهة أخرى. قال فرانسوا هولاند يوم الخميس 21 آب: "لا يجب علينا التراخي في الدعم الذي قدمناه إلى هؤلاء المتمردين الذي هم وحدهم يشاركون في العقلية الديموقراطية"، ولكنه أضاف أن فرنسا لا تستطيع "أن تقوم بذلك لوحدها، وأن ذلك يتم بالتعاون مع أوروبا والولايات المتحدة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق