الصفحات

الخميس، ١٥ آب ٢٠١٣

(يجب دمج إيران في أي نقاش حول مستقبل الشرق الأوسط)

صحيفة اللوموند 15 آب 2013 بقلم رئيس المعهد الفرنسي للتحليل الإستراتيجي فرانسوا جيريه François Géré

     كما هو الحال بالنسبة لأي رجل سياسة يصل إلى السلطة، يجب على الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني إعطاء الأولوية للوضع الداخلي في بلده. يجب عليه تهدئة السخط الاجتماعي العام الناجم عن ثماني سنوات من الإدارة الاقتصادية السيئة. ساهمت العقوبات الاقتصادية في تفاقم الوضع الاقتصادي، ولكنها ليست السبب في هذا الوضع. إن إنعاش الوضع الاقتصادي يفترض بيئة دولية هادئة، أو حتى مسالمة. إذاً، يجب على الرئيس الإيراني معالجة ملفين دوليين هما: الملف النووي العسكري وسورية.
     تعرض الرئيس الإيراني لامتحانه الأول على الصعيد الدولي، وهو يتعلق بوجود دولة إسرائيل. تمت ترجمة التصريح الرئاسي الأول بشكل سيء، ثم تم استبدال الترجمة بالنفي. الترجمة خيانة، ولكن من قام بالترجمة؟ هل كانت هناك إرادة بإرباك حسن روحاني الذي يواجه الكثير من الخصوم داخل إيران؟ هل يمكن استخدام تصريحاته حسب الغاية المرجوة بشكل يؤدي إلى تحويل الرئيس الجديد إلى خليفة متواضع لأحمدي نجاد أو إلى رئيس معتدل خفف من مستوى العدوانية ليعود إلى نبرة محمد خاتمي؟ هل يسعى الرئيس الإيراني إلى موقف سياسي ـ إسترتيجي غامض تجاه إسرائيل لكي يتكيف مع الموقف الإسرائيلي؟
     يقوم رؤساء  الحكومة الإسرائيلية بشكل منتظم بإصدار بيان للتذكير يُلمحون فيه إلى أن إسرائيل تملك السلاح النووي (يُعزى إلى إسرائيل أنها تملك 150 ـ 200 رأس نووي منذ عشرين عاماً) دون أن تملكه، مع القدرة على امتلاكه في حال الضرورة. اللبيب من الإشارة يفهم! ولاسيما بالنسبة لأولئك الذين يحاولون دخول مغامرة الحصول على القنبلة مثل العراق (تدمير مفاعل تموز عام 1981) وسورية (قصف عام 2007) وبشكل أخطر إيران التي أصبحت هدفاً لعملية محتملة تُثير خلافات كبيرة.
     يهتم بنيامين نتنياهو منذ عام بلعبة "الخط الأحمر"، هذه اللعبة الدبلوماسية التي برهنت على عدم فائدتها وضررها خلال الحرب الباردة، وعادت للظهور من جديد بسبب عدم وجود أفكار مبتكرة بلا شك. استعاد الرئيس أوباما هذه اللعبة في حال استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، ولكن تم استخدام غاز الساران، وهناك براهين على ذلك. ماذا فعلت الولايات المتحدة؟ القليل جداً. ظهر أن تحديد خط أحمر أكثر خطورة على الجهة التي تفرضه من الخطورة على العدو. لأنه يعني الإلتزام بفرض احترامه، وعدم فرض احترامه يعني فقدان الإرادة السياسية، وهو أمر مؤذي بشكل دائم.
     أصبحت إيران دولة قادرة على صنع بعض الأسلحة النووية البدائية خلال فترة قصيرة إذا قررت ذلك. تنوي إيران الحفاظ على هذا الوضع دون السعي إلى تحقيق أكثر من ذلك. ينجم عن ذلك لعبة خطيرة مع العتبة النووية، الأمر الذي يُفسر الغموض الظاهر في المفاوضات المُجهضة خلال السنوات الأخيرة. يهدف خصوم إيران من هذه النقاشات المملة إلى القضاء على أية قدرة عسكرية نووية في إيران، وهذا ما يرفضه جميع القادة الإيرانيين بمختلف انتماءاتهم.
     سيكون من مصلحة إيران الحصول على موقف إستراتيجي نووي شبيه بالموقف الإسرائيلي. سيسمح لها ذلك بأن تكون على قدم المساواة تقريباً مع إسرائيل على الصعيد الدبلوماسي، وسيخلق غموضاً في المنطقة، وسيزيد تعقيد أسس التحالفات ومواقف جميع الأطراف الإقليمية وحلفائهم ولاسيما الولايات المتحدة.
     في الحقيقة، عالج البنتاغون هذا السيناريو. تستطيع الولايات المتحدة تقديم نفسها بصفتها الدرع الوحيد لمواجهة إيران في حال تحولها إلى قوة نووية، وذلك بفضل توسيع الردع النووي والأنظمة الإقليمية المضادة للصواريخ التي باعتها بأسعار باهظة. تحدث الفيلسوف ريمون آرون Raymond Aron عن: "السلام غير المحتمل، والحرب المستحيلة" لوصف الحرب الباردة، يمكن أن ينطبق ذلك على الشرق الأوسط، وسيخلق معه استقراراً نسبياً.
     لا يتحمل الامتحان الثاني لنوايا الرئيس روحاني الغموض نفسه، لأنه يتعلق بالإلتزام تجاه سورية. هل تريد إيران المساهمة باستقرار النزاع وتجنب تقسيم سورية (ولبنان)؟ أم أنها تسعى إلى إشعال الوضع بشكل تكون نتيجته النهائية لصالحها مع انتصار حزب الله وبشار الأسد؟ إن أفضل طريقة لمعرفة إرادة الرئيس الجديد هي رؤية أوراقه خلال مؤتمر جنيف غير المحتمل، حتى ولو لم يكن هناك أي وهم بامكانية تحقيق السلام في سورية.
     إن إبقاء إيران خارج هذا الحوار يُشكل خطأ دبلوماسياً يتصف بتبجح ساذج. من الملائم إعطاء مقعد لجميع الأطراف المباشرة وغير المباشرة، على الأقل من أجل معرفة نواياها المبيتة لعرقلة الحل. إذاً، يقع محور الرهان في النقطة الفاصلة بين نهاية الحرب في سورية والموقف النووي الإيراني. إنهاء الحرب هنا، وجعلها عديمة الفائدة هناك. لا حاجة للقول أن النتيجة ستؤثر كثيراً على العلاقات مع إسرائيل.

     قال بنيامين نتنياهو: "كان سعيد جليلي ذئباً متنكراً بمظهر الذئب. حسن روحاني هو ذئب متنكر بمظهر حمل". هل سيكون بنيامين نتنياهو حملاً متنكراً بمظهر... حمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق