الصفحات

الخميس، ٢٢ آب ٢٠١٣

(المعارضة السورية تدين مجزرة بالسلاح الكيميائي)

صحيفة الفيغارو 22 آب 2013  بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     إن الصور وأفلام الفيديو المتداولة على الأنترنت منذ يوم الأربعاء 21 آب عنيفة ومؤثرة: أطفال يختنقون ولعاب  أبيض يسيل من الفم، وأطفال رضّع اتسعت حدقات عيونهم بفعل التشنج، وبعض الأطفال المراهقين الذين يعانون من صعوبات تنفسية، وجثث ممددة على الأرض دون أن يظهر عليها أية آثار للجروح بالأسلحة التقليدية. إنها الأعراض التقليدية لهجوم بغاز الأعصاب.
     اتهمت المعارضة السورية الجيش باستخدام الأسلحة الكيميائية في ضواحي دمشق مساء الأربعاء 21 آب. ربما تعرضت عين ترما وزملكا والمعضمية وجوبر وعربين إلى هجوم أدى إلى مقتل 1300 شخص إذا صدقنا أحد قادة الإئتلاف الوطني السوري جورج صبرا. إنها مجزرة حقيقية، حتى ولو كان من المستحيل حتى الآن التأكد من مدى الهجوم وطبيعته. ولكن هذه المجزرة تطرح السؤال التالي: ما هي مصلحة النظام السوري في استخدام أسلحة غير تقليدية في الوقت الذي وصل فيه مفتشو الأمم المتحدة إلى سورية للتحقيق حول الهجمات الكيميائية السابقة؟ لماذا يسمح الجيش لنفسه بمثل هذا التبجح في الوقت الذي يحقق فيه تقدماً على الأرض تجاه المتمردين؟ نفت السلطات العسكرية السورية اتهامات المعارضة، وأدانت مناورة من قبل المجموعات المتمردة و"محاولة يائسة" تُعبر عن حالة "الهستيريا والانهيار" لدى المتمردين. إذاً، هل هو "استفزاز مخطط له مسبقاً"من قبل المعارضة كما تقول موسكو؟ أم أنها إهانة شنيعة وجهها نظام بشار الأسد إلى الأمم المتحدة؟
     على أي حال، أخذ المجتمع الدولي هذا الحادث على محمل الجد. انعقد اجتماع طارىء لمجلس الأمن مساء يوم الأربعاء 21 آب بناء على طلب عدة دول منها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا. طالب الاتحاد الأوروبي بتحقيق "معمق". وكما هو الحال بالنسبة للجامعة العربية وعدة دول غربية، طالب فرانسوا هولاند بعد ظهر يوم الأربعاء 21 آب بأن يذهب محققو الأمم المتحدة إلى مكان الحادث لإجراء تحقيق "فوري". للأسف، لم يطلب مجلس الأمن بشكل واضح القيام بتحقيق، واكتفى بالمطالبة بمزيد من "الوضوح".
     على أي حال، هل ستسمح دمشق للمجتمع الدولي بالتحقيق؟ إنه أمر غير مؤكد. اكتفى محققو الأمم المتحدة أخيراً بزيارة ثلاثة مواقع محددة بعد مفاوضات شاقة مع السلطات السورية التي عرقلت وصول المفتشين خلال عدة أسابيع. بالإضافة إلى ذلك، لا تتضمن مهمتهم تحديد المسؤوليات في حال نجاحهم بإثبات استخدام الأسلحة الكيميائية. إن ردة الفعل الأمريكية المتأخرة مساء البارحة 21 آب، وقولها أنها "قلقة جداً"، تُعبّر عن ارتباك البيت الأبيض والمجتمع الدولي معاً. تم توجيه الانتقادات خلال الربيع الماضي إلى جمود الرئيس الأمريكي الذي أكد عام 2012 بأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية يُشكل "خطاً أحمراً" يمكن أن يؤدي إلى "ردة فعل دولية فورية"، وذلك عندما تمت الإشارة حينها إلى وقوع عدة هجمات من هذا النوع، ثم أكدتها العواصم الغربية.
     أصبح من الصعب على واشنطن ولندن وباريس أن تغلق عيونها هذه المرة بعد أن كانت تفضل عدم مساعدة المعارضة التي يُسيطر الإسلاميون الرايكاليون عليها. حصلت الأمم المتحدة على معلومات حول وقوع ثلاثة عشر هجوماً كيميائياً سابقاً، ولكن حجم هذه الهجمات كان محدوداً بشكل سمح للمجتمع الدولي بالتهرب من مسؤولياته. تعتبر باريس ولندن أحياناً أن التهديدات لعبت دوراً رادعاً تجاه دمشق، حتى ولو لم تتحول إلى أفعال.
     ولكن إذا كانت الهجمات الكيميائية في جنوب ـ غرب دمشق يوم الأربعاء 21 آب قد أدت إلى مقتل مئات أو حتى ألف مدني سورية، فإن تبرير الجمود سيكون صعباً. ستتغير طبيعة هذا النزاع الذي أدى إلى مقتل أكثر من مئة ألف شخص حتى الآن. ربما يُمثل ذلك منعطفاً هاماً في هذه الحرب. أصبحت المعارضة السورية من الآن فصاعداً تتهم المجتمع الدولي بكونه شريكاً عبر صمته. قال زعيم المعارضة السورية جورج صبرا في استانبول: "ليس فقط النظام الذي يقتلنا ويقتل أطفالنا، بل يقتلنا أيضاً التردد الأمريكي، وصمت أصدقائنا، وتخلي المجتمع الدولي عنا، ولا مبالاة العرب والمسلمين، ونفاق العالم الذي كنا نعتقده حراً".

     تأجل المؤتمر الدولي جنيف 2 عدة مرات، ومن المفترض أن تقوم روسيا والولايات المتحدة بالإعداد له في لاهاي الأسبوع القادم. كان هذا المؤتمر هشاً بالأصل، وستؤدي المجزرة الكيميائية في دمشق إلى دفنه في حال تأكيدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق