صحيفة اللوموند 28 شباط 2014 بقلم إليزا
مينيو Elisa Mignot
محمد
(24 عاماً) هو سوري وطالب سابق في كلية الطب، يعيش حالياً في فرنسا، ويتابع
طلب اللجوء الذي تقدم به إلى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من
الجنسية (OFPRA). يعيش والداه في أحد أحياء العاصمة التي يسيطر عليها النظام.
يسكن محمد مع لاجئين سوريين اثنين في أحد المنازل في مدينة مونتروي Montreuil في ضواحي باريس، وذلك بفضل تضامن
أحد الرسامين السوريين الذي يعيش في فرنسا منذ عشر سنوات.
من
الصعب معرفة عدد السوريين الذين وصلوا إلى فرنسا. تلقى المكتب الفرنسي لحماية
اللاجئين والمحرومين من الجنسية 637 طلب لجوء عام 2012، وضعفي هذا الرقم عام 2013،
وحصلت جميع هذه الطلبات تقريباً على الموافقة. تعهد فرانسوا هولاند باستقبال 500
شخص إضافي عام 2014. إنه عدد ضئيل بالمقارنة مع عشرة آلاف سوري وصلوا إلى السويد،
وحوالي عشرين ألفاً في ألمانيا.
هرب
محمد من سورية بعد تعرضه للتعذيب بالكهرباء في نهاية عام 2011 بسبب قيامه بتنظيم
بعض المظاهرات في الجامعة وانتقاده للنظام على الشبكات الاجتماعية. ذهب محمد أولاً
إلى مصر، ثم حصل على تأشيرة دخول فرنسية من السفارة الفرنسية في القاهرة. إنه
يتردد إزاء إعادة بناء حياته هنا على الرغم من تقدمه في تعلّم اللغة الفرنسية، إنه
يحلم بالسويد، وقال: "قرأت على الأنترنت أن الحصول على صفة لاجىء أكثر
سهولة في السويد".
أصيب
اللاجئون السوريون بالخيبة من الاستقبال في فرنسا. يبدو لهم إن الإجراءات والمهلة
لا نهاية لها على الرغم من تعهد المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من
الجنسية بإعطاء الأولوية لمعالجة طلباتهم. اعتمدوا أثناء عدة أشهر على المساعدات
المقدمة من بعض السوريين والجمعيات بالإضافة إلى مساعدة مالية قدرها 11.35 يورو
يومياً في حال تقدمهم بطلب لجوء. وصلت الدفعة الأولى من اللاجئين في صيف عام 2011،
وكان أغلب أفرادها على اتصال مع السفارة الفرنسية في دمشق. بعد مرور عام على وصول
الدفعة الأولى، لاحظت جمعيات مساعدة اللاجئين وصول بعض الناشطين والأطباء. كانوا
في البداية بعض الرجال فقط، ثم رافقتهم العائلات الهاربة من الحرب والبؤس.
وصل
سامي الكردي (37 عاماً) مع زوجته وأطفاله
الثلاثة إلى مطار شارل ديغول في شهر تشرين الأول 2013، ويسكنون حالياً في مدينة
كان (Caen) في منطقة
النورماندي بأحد الأبنية المخصصة للمحتاجين. عندما وصل هذا الرجل القصير والأسمر
إلى فرنسا، لم يكن لديه إلا رقم هاتف أحد أصدقائه في هذه المدينة. تم تسجيل أطفاله
في المدرسة، ولم يعد يستيقظون مرتعبين بسبب الانفجارات. أما زوجته فهي حامل.
بالنسبة له، لقد بدأ بتعبئة الاستمارات للحصول على صفة لاجىء.
لا
يُخف سامي معاناته، ويقول أنه كان رائدا في جيش بشار الأسد، وانشق عنه بتاريخ 26
شباط 2012 ليصبح الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر في حمص. عاش الرعب اليومي
والدم والأعضاء البشرية الممزقة والقصف الأعمى وهاجس أن يحمل جثة أحد أطفاله بين
يديه والخوف من الجيش السوري الذي يبحث عنه وقلة الطعام ونوعية المياه السيئة
المسحوبة من الآبار... لقد اتخذ قرار الهرب مع زوجته وعائلته إلى لبنان أولاً، ثم
إلى فرنسا بعد عدة أشهر لعدم إحساسه بالأمان فيه.
يعيش
سامي الكردي في فرنسا منذ ذلك الوقت، ولكن عقله في سورية. تعرض أصهرته للقتل بعد
انشقاقه، ولكن والديه وشقيقاته ما زالوا في حمص. إنه لا يتحدث معهم كثيراً، ولكنه
يتواصل معهم عبر الفيسبوك. لم تشاهد عائلته في حمص أي شيء من الهدنة الإنسانية
التي سمحت بخروج 1150 شخص من حمص، ويؤكد أن النظام كان يقصف المدينة أثناء
المفاوضات. ما زال يرسل صور الأطفال الدامية على الشبكات الاجتماعية، ويطلق نداءات
المساعدة بلغته الانكليزية المتواضعة.
لم
يعد سامي الكردي إلا ظلاً لنفسه، ويسكنه هاجس موت الذين عرفهم وهاجس انهيار بلده.
دخل هذا الجندي السابق إلى الجيش لكي "يدافع عن شعبه". ولكنه،
بعد عشرين عاماً، نفر من هذا النظام الذي نظّم برأيه حرباً طائفية عبر تسليح
العلويين وارتكاب المجازر ضد الطائفة السنية التي ينتمي إليها، وقال ساخطاً: "هل
تعرفون أنه يتوفر كل شيء تقريباً في المناطق التي يسيطر عليها النظام؟ سرقوا كل
شيء من بيتي وبيوت شقيقاتي ومن المناطق المحاصرة! قام النظام بتمرير رسالة:
ستموتون من الجوع، هذا هو الثمن الواجب دفعه إذا لم تكونوا إلى جانبنا".
يؤكد
ياسر جاموس (26 عاماً) أنه معارض سلمي "حتى لو كان ذلك صعباً اليوم"،
ويريد التذكير ببدايات الثورة التي كانت تطالب بالحرية والكرامة بدون سلاح. يعيش
ياسر مع أخيه محمد الذي يصغره بعدة أشهر في إحدى الغرف في باريس. وصلا إلى فرنسا
في شهر آذار 2013، وهاجرت بقية عائلته إلى السويد مؤخراً. لم يتوقف ياسر جاموس عن
إدانة الهوس المَرَضي لوسائل الإعلام بالنزاع، وقال: "ليس جميع السوريين
مقاتلين، لا أعرف أي شخص حمل السلاح. لا تتحدث الصحف والتلفزيونات إلا عن الناس
الذين يقاتلون. ماذا عن العائلات والأطفال؟".
يبذل
ياسر وأخوه كل ما بوسعهما لكي يعرف الجميع الحياة اليومية للسوريين وشرح النزاع
الذي يجتاح بلدهما. إنهما يغنيان موسيقا الراب، وأسسا عام 2007 فرقة موسيقية اسمها
"لاجئو الراب" (Refugees of Rap) في مخيم اليرموك الفلسطيني بدمشق، أي في الحي الذي يعيشان فيه،
هذا الحي الذي تدمر اليوم. أشار ياسر عابساً إلى أنه غادر سورية بعد تفكير طويل
جداً. كيف يمكن أن يكتب الأغاني عن الحياة اليومية للسوريين دون أن يقف إلى
جانبهم؟ كيف يمكن أن يدين حالة البلد، وهذا ما كان يفعله منذ عدة سنوات، دون أن
يعيش في سورية؟، قال ياسر مقتنعاً: "ما الذي يمكن القيام به من أجل سورية
في حال البقاء؟ بإمكاننا إيصال الرسالة في حال الرحيل"، حتى لو كان يعترف
أحياناً بالشعور بالذنب لأنه هنا.
أنهى
الأخوان جاموس كتابة ألبوهما القادم، ويبحثان عن منتج. لقد بدءا جولة صغيرة في
أوروبا داخل القاعات والمدارس والجامعات، وقاما بحوالي عشرين حفلة موسيقية في
فرنسا والسويد والدانمارك. يحرص ياسر ومحمد على ترجمة أغنياتهما في كل مرة. إنهما
يستوحيان نصوص أغنياتهما من الرسائل التي تصلهما يومياً من المعجبين بهما في سورية
حول الطريقة التي سيموتون بها والقصف والبراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات
المروحية والجوع. قال ياسر متنهداً: "تم تدمير استوديو التسجيل الذي نملكه
قبل شهر، كان اسمه (صوت الشعب). نحن نحاول الاستمرار بالوجود".