الصفحات

السبت، ١٥ شباط ٢٠١٤

(سورية: وحشية اللامبالاة)

افتتاحية صحيفة اللوموند 15 شباط 2014

     لنتصور مخيماً للاجئين الفلسطينيين، في إحدى العواصم العربية منذ أكثر من نصف قرن، يتعرض لحصار قاسي من حكومة هذا البلد بهدف تجويع هؤلاء اللاجئين التعساء.
     لنتصور أن الأمم المتحدة تتهم هذه الحكومة نفسها ـ في تقرير عليه ختم الأمم المتحدة ـ باعتقال الأطفال البالغة أعمارهم 11 عاماً واغتصابهم وتعذيبهم أمام عائلاتهم من أجل ترهيب جزء من سكانها.
     لنتصور أن هذه الحكومة تحاصر في الوقت الحالي مئات الآلاف من مواطنيها، جميعهم مدنيين، على أرضها بهدف منعهم من التحرك في هذه المرة. وأن تجعلهم هدفاً للقصف الجوي اليومي عبر براميل المتفجرات التي يخرج منها آلاف المسامير والقطع الحديدية عند انفجارها.
     لنتصور أن هذه الحكومة استطاعت بفضل هذا التكتيك قتل ما بين ثمانين ومئتي شخص يومياً في الوقت الحالي.
     إن قائمة جرائم الحرب المذكورة أعلاه ليست خيالية. إنها واقع "حقيقي" تصفه الصحف اليومية في المقالات المتعلقة بسورية. يُعزى هذا الواقع إلى نظام بشار الأسد بدون أي اعتراض.
     إن تقرير الأمم المتحدة حول الأطفال مؤرخ بيوم الاثنين 3 شباط. قُتِل 11.000 سوري تقل أعمارهم عن 16 عاماً منذ بداية الحرب الأهلية. لا يمر أسبوع منذ عدة أشهر بدون أن تدين الأمم المتحدة مختلف عمليات الحصار التي يتعرض لها السكان.
     إن مثل هذه الوحشية كانت ستؤدي إلى استنكار سياسي ـ دبلوماسي ـ إعلامي في أوقات أخرى. لماذا هذا التساهل تجاه حكومة تقتل مواطنيها بعشرات الآلاف وترمي مئات الآلاف على طريق الرحيل؟
     السبب الأول هو استراتيجي ـ دبلوماسي. تحمي روسيا حليفها الأسد داخل مجلس الأمن. تضع روسيا حق الفيتو أمام أية مبادرة إنسانية واسعة، ولم تسمح إلا بعملية صغيرة جرت مؤخراً في حمص التي يحاصرها النظام. سمحت هذه العملية بخروج 1400 شخص بالقطارة حتى اليوم.
     السبب الثاني هو سياسي. لأنه يوجد في مواجهة نظام دمشق بعض المجموعات الإسلامية التي لا تتصرف دوماً بشكل أفضل، والطرفان على قدم المساواة. كما لو أن هذه الأعمال الشنيعة لهذا الطرف تُعادل جرائم الطرف الآخر بشكل يؤدي إلى تخدير ضمائرنا المتعبة.
     ولكن هذا الشكل للتحكم بمستوى العواطف ضمن قرار سياسي ليس فقط عمل شائن بل عبثي أيضاً. إنه لا يسمح بفهم أن وحشية نظام الأسد تؤجج صعود قوة الإسلام الراديكالي في سورية. إن بشار الأسد ليس حصناً ضد الإسلاموية، بل يجذب الجهاد على نمط تنظيم القاعدة.

     إن استمرار روسيا في تسليح النظام يسمح لدمشق بالإبقاء على وهم الانتصار العسكري. بهذا الشكل، تساهم موسكو في زيادة راديكالية النزاع، وتساعد  بشكل غير مسبوق في تركيز الجهاديين القادمين من جميع أنحاء العالم للقتال في سورية. إنها سياسة الخيار الأسواً بكل استهتارها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق