الصفحات

الأربعاء، ١٢ شباط ٢٠١٤

(وليد المعلم يُجسد الرهان المزدوج لدبلوماسية دمشق)

صحيفة اللوموند 12 شباط 2014 بقلم مراسلها الخاص في جنيف بنجامان بارت Benjamin Barthe

     يُجسد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات السلام التي بدأت جولتها الثانية يوم الاثنين 10 شباط في جنيف، الرهان المزدوج لدمشق. على الورق، إنه يتمتع بصفات المفاوض المثالي: دبلوماسي محنك وسفير سابق في واشنطن ويتحدر من عائلة سنية دمشقية ويعرف خفايا السلطة دون أن تتلطخ يديه بالدم. إنه نموذج عن كبار موظفي الدولة الذين تعتبر المعارضة أنهم مدعوين للمشاركة بمرحلة ما بعد الأسد داخل "الهيئة الحكومية الانتقالية" التي يُفترض التوصل إليها في نهاية المفاوضات الجارية.
     ولكن، من الناحية العملية، هذا الرجل البدين الذي يناهز عمره سبعين عاماً لم يعط أية إشارة تدل على الانفتاح. كان يمثل في جميع كلماته صوت التكتيكات التسويفية للنظام، ويتهم التمرد ومموليه الأجانب بنشر "الإرهاب". فيما يتعلق بالهيئة الانتقالية، يبدو أنه ليس مستعداً إلا لمناقشة حكومة وحدة موسعة تضم بعض شخصيات المعارضة تحت سيطرة بشار الأسد. اعتبر المحلل في مجموعات الأزمات الدولية بيتر هارلينغ Peter Harling أن "وليد المعلم هو تقني جيد في المفاوضات، ولا يملك أي تفويض للتفاوض في الوقت الحالي على الأقل". ظهر اعتماده بشكل كامل على تعليمات دمشق في نهاية الجولة الأولى يوم الجمعة 31 كانون الثاني، عندما سأله الصحفيون فيما إذا كان الوفد الحكومي سيشارك في الجولة القادمة، أجاب وزير الخارجية السوري بلطف، ونظارته على أنفه، أن القرار سيُتخذ بعد استشارة الرئيس. وفي إشارة بالغة الدلالة، قام نائبه فيصل المقداد وليس الوزير شخصياً بالإعلان بعد أسبوع أن مبعوثي النظام سيعودون إلى جنيف.
     حظي فيصل المقداد بثقة بشار الأسد منذ تخليه عن نائب رئيس الجمهورية وحاميه السابق فاروق الشرع الذي يقيم تحت المراقبة بسبب انتقاداته العلنية لسياسة النظام الأمنية في الهروب إلى الأمام. هناك دعامة أخرى للوفد السوري هي السفير السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري الذي يقود المفاوضات في مواجهة ممثلي المعارضة، وهو يمثل أيضاً رمزاً للجندي الصغير الجيد.
     وصفت برقية دبلوماسية أمريكية عام 2006، كشفت عنها الويكيليكس، وليد المعلم عند تعيينه وزيراً للخارجية بأنه "براغماتي وذو عقلية منفتحة"، وما زال الرئيس يرتاب منه نسبياً. قال أحد العارفين برهانات السلطة السورية: "إن وليد المعلم على الهامش لأنه ليس خاضعاً بما فيه الكفاية. تم اختياره لقيادة الوفد لأن النظام يحترم البروتوكول ويحتاج إلى مواهبه الدبلوماسية".
     كان وزير الخارجية خلال الأشهر الأولى من التمرد أحد أولئك الذين، داخل جهاز الدولة السوري، انزعجوا من القمع. إنه أحد الوجهاء السنة الذين اعتادوا العمل مع الحكومات الغربية، وحظي بتقديرها لانخراطه في المفاوضات السرية مع إسرائيل، ولذلك يخشى أن يستبعده النظام السوري. أشار مصدر دبلوماسي أوروبي إلى أن وليد المعلم تحدث مع رئيس الدولة واقترح عليه اتخاذ بعض إجراءات التهدئة، وأضاف هذا المصدر أن رد بشار الأسد كان صاعقاً ، وقال له: "اخرس! لا يجب أن تخاف! ما الذي يخيفك؟".
     منذ ذلك الوقت، تترافق زيارات وليد المعلم إلى الخارج بالإشاعات حول ميوله للانشقاق. أشارت وسائل الإعلام العربية المؤيدة للمعارضة، بشكل لا يمكن التأكد منه إطلاقاً، إلى أن عائلته تحت المراقبة طوال فترة زيارته إلى الخارج. هذا ما حصل في شهر تشرين الأول 2012 أثناء اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك الأمر في افتتاح مؤتمر السلام في مونترو بتاريخ 22 كانون الثاني أمام حوالي أربعن وفداً أجنبياً. أكد مدير مركز للدراسات في دبي سمير التقي الذي تعاون مع وليد المعلم في نهاية سنوات عام 2000 قائلاً: "إنه انتهازي جداً، ولا أستغرب أنه ربما حاول الانشقاق في إحدى اللحظات".
     هل يبالغ في حماسته أثناء جميع زياراته الخارجية من أجل التخفيف من حذر النظام؟ تركز الجزء الأساسي من كلمته في مونترو ونيويورك على توجيه الانتقادات اللاذعة إلى عرابي التمرد. كما سمح لنفسه في مونترو بانتقاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي طلب منه اختصار انتقاداته اللاذعة التي لا تنتهي، وذلك إلى درجة إزعاج وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقال سمير التقي: "هذه العجرفة لا تشبهه. إنه يقوم بدور المتشدد لإرضاء سيده". ولكن هناك تفسير أخر يفترض أن وزير الخارجية استسلم أمام عقدة الحصار التي يتعرض له النظام، وأنه لم يعد يرى في التمرد إلا تجمعاً للجهاديين الذين يعملون لحساب السعودية والولايات المتحدة. تعلّم وليد المعلم ضمن العقيدة البعثية المعادية للإمبريالية، واستطاع إقناع نفسه بأن الدفاع عن البلد يبرر جميع المجازر.

     يعتبر بشار الأسد أن هذا العناد مثمر. جاء دور تركيا بعد الولايات المتحدة للبدء بالتقارب مع إيران الحليف الأساسي له في المنطقة. ذهب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، العدو اللدود لدمشق، إلى طهران مؤخراً. وحتى السعودية الممول الأول للمتمردين، بدأت تقلق من احتمال عودة النيران ضدها. يشعر الرئيس السوري أن أفقه الدبلوماسي بدأ ينفتح. من المحتمل أن وليد المعلم انضم إلى هذا المنطق المتشدد. لماذا يقدم التنازلات عندما يكفي الصمود؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق