الصفحات

السبت، ١٥ شباط ٢٠١٤

(كيري قام بعمل جيد في الشرق الأوسط)

صحيفة اللوموند 14 شباط 2014 بقلم آلان فراشون Alain Frachon

     لنبدأ بالأمر الصعب. تتغير البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل، ويقول مستشارو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنها غير مستقرة وخطيرة. يشهد العالم العربي اضطرابات كبيرة، وأصبح الأفق الأمني لإسرائيل غامضاً على المدى الطويل. في الشمال، أصبح حزب الله اللبناني، العدو اللدود لإسرائيل، أكثر قوة من أي وقت مضى. تدخل الحزب في سورية بناء على أمر إيراني من أجل الدفاع عن نظام بشار الأسد. أظهر حزب الله أنه قوة متمرسة في الحرب ومُدرّب بشكل جيد. في الشمال الغربي على الجبهة السورية في هضبة الجولان، لم تعد هذه الجبهة هادئة كما كان عليه الحال منذ عام 1973. جاءت بعض المجموعات الجهادية المسلحة جيداً للقتال إلى جانب التمرد السوري، وتمركزت على مسافة عدة أمتار من الخط الفاصل مع إسرائيل، وأصبحت على مسافة 200 كيلومتر من القدس.
     ينظر الأردن إلى جاره العراقي الذي تمزقه الحرب الأهلية وأصبح الجهاديون قوة صاعدة فيه. كما تزعزعت المملكة الهاشمية بسبب مئات آلاف اللاجئين السوريين. إنه ضوء أحمر لدى قادة الجيش الإسرائيلي: إن الجبهة الشرقية لإسرائيل غامضة. فيما يتعلق بالحدود مع مصر، تتقدم سيناء نحو "الأفغنة". تجد القاهرة صعوبة في السيطرة على عصابات البدو التي انضمت إلى جانب تنظيم القاعدة ولديها أسلحة متطورة ولاسيما صواريخ أرض ـ جو التي جاءت من عمليات بيع الترسانة الليبية للقذافي.
     الحصيلة الإجمالية هي اقتراب "الجهاد العالمي" من إسرائيل. يستخلص عدد من مسؤولي الأغلبية الحكومية في إسرائيل النتيجة التالية: إن الوقت غير مناسب للمخاطرة على "الحدود" مع غزة والضفة الغربية باعتبار أن الأمن متوفر فيها إلى حد ما. وصل العنف إلى أدنى مستوياته التاريخية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع هذه الاعتبارات، فإن هذه الأوساط نفسها تستخلص نتيجة ثانية هي أن الخطر الحقيقي يأتي من الولايات المتحدة! لأنه يوجد في واشنطن وزير خارجية شجاع وعنيد، يريد جون كيري تحريك الخطوط على الجبهة الإسرائيلية ـ الفلسطينية. يحمل هذا النزاع الأمريكي ـ الإسرائيلي درجة "عالية من الحدة"، حتى لو كان مواجهة ذات درجة "منخفضة الحدة" وأقل تدميراً من المواجهات التي تجتاح الشرق الأوسط.
     أعطى جون كيري نفسه مهلة تسعة أشهر اعتباراً من صيف عام 2013. جرت سلسلة من المفاوضات بين الوفدين الإسرائيلي (بقيادة وزيرة العدل تسيبي ليفني) والفلسطيني (بإشراف محمود عباس). كان جون كيري مثابراً جداً، وقام بإحدى عشر جولة. سيعلن وزير الخارجية الأمريكي عن حكمه بعد عدة أسابيع، ولكن لن يتعلق بغزة نظراً لأن حماس ترفض مبدأ هذه المفاوضات. سيأخذ إعلانه شكل مشروع اتفاق ـ إطار للمصالحة بين مصالح الطرفين بأفضل شكل ممكن.
     الخطوط العريضة معروفة. يمر إنهاء النزاع عبر إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل التي ستسحب قواتها من الضفة الغربية عبر عدة مراحل، مع بعض التسويات الأمنية الخاصة في وادي الأردن: تضم إسرائيل إلى حدودها الكتل الاستيطانية الأكبر (80 % من المستوطنين) وتعطي ما يعادلها مساحة بالكيلومترات المربعة إلى الفلسطينيين، كما يجب التوصل إلى بعض التسويات حول القدس بشكل يسمح لها بأن تضم عاصمة الدولة الجديدة.
     إنه ليس اتفاقاً يجب رفضه أو قبوله، ولكنه يشبه ذلك تقريباً. حذر جون كيري أنه يجب الموافقة وتأكيد مجمل الاتفاق عبر متابعة المحادثات، وأضاف أن "البديل هو إمكانية الفوضى" أو انتفاضة ثالثة أو تصاعد قوة حملات المقاطعة ضد إسرائيل. إنه مقتنع بشيء هو: "أنا أضمن لكم 100 % أنه لا يمكن الاستمرار بالوضع الحالي، إنه وهم".
     إن الأطراف المعنية غير متحمسة. يتعرض وزير الخارجية الأمريكي لوابل من الانتقادات التي تقترب من الإهانات من قبل أهم الوزراء في تحالف اليمين واليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية. تتمثل رسالتهم في أنهم لا يريدوا دولة فلسطينية. لم يكن الموقف الفلسطيني أفضل حالاً، وأدان خطة تعطي الأفضلية الأكبر للمصالح الإسرائيلية. يرتاب محمود عباس من الإجراءات الأمنية التي ستسمح للجيش الإسرائيلي بالبقاء في وادي الأردن إلى الأبد، ويقول أنه يجب ألا يبقى أي جندي إسرائيلي في الضفة الغربية بعد مضي خمس سنوات على اتفاق السلام، ويقترح انتشار قوة تابعة للحلف الأطلسي أغلبيتها من الأمريكيين في أي مكان تعتبره إسرائيل ضرورياً.
ـ الشرق الأوسط له منطق خاص جداً، وتمثل الاتهامات المتبادلة فيه فألاً حسناً. إنها تعني أن بنيامين نتنياهو ومحمود عباس لن يتجرآ على أن يقولا: لا لجون كيري. لنراهن على أن الفلسطينيين لا يريدوا قطع الجسور مع الولايات المتحدة، ولا يريد الإسرائيليون المخاطرة بأن يكونوا الطرف الوحيد الذي يرفض الخطة الأمريكية. بالمحصلة، سيكون هناك اتفاق... لمتابعة المفاوضات حول اتفاق ـ إطار.
     في الوقت الحالي، لا يتوهم بنيامين نتنياهو أي شيء. لا يحظى الطرفان حالياً بالأغلبية لصالح هذه الخطة أو تلك. ينقص محمود عباس الشرعية بدون المرور عبر الانتخابات ـ استفتاء أو انتخابات تشريعية ـ وحصوله على أغلبية تؤيد خطة كيري، حتى في حال تعديلها وإصلاحها. يجب على نتنياهو المرور عبر الانتخابات أيضاً، ولكن وضعه أفضل: إذا كانت الأغلبية الحالية تنفر من هذا الاتفاق، فبإمكانه تغييرها. إن بعض أعضاء حزب العمال والأحزاب اليسارية الصغيرة مستعدة للدخول في التحالف إذا أراد نتنياهو إحياء خطة كيري. ستظهر النوايا الحقيقية أثناء المفاوضات من أجل تنفيذ اتفاق ـ إطار. إذا طال أمد هذه المفاوضات، سيخسر جون كيري. في الوقت الحالي، قام وزير الخارجية الأمريكي بعمل جيد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق