صحيفة الليبراسيون
13 شباط 2014 بقلم شارلوت بواسيو Charlotte Boitiaux
صلاح الدين هو جهادي فرنسي من الضواحي
الباريسية، عمره 27 عاماً، تخلى عن كل شيء قبل سبعة أشهر للقتال في سورية. وافق
على الحديث مع الصحفية شارلوت بواسيو فقط لأنه يعرفها منذ عدة سنوات، ولكن تحت اسم
مستعار. اتصل صلاح الدين بالصحفية للمرة الأولى مساء 27 كانون الثاني بواسطة
الفيسبوك. تحدث الجهادي معها حتى تاريخ 5 شباط بمعدل ثلاث ساعات يومياً ـ وعبر
الهاتف أحياناً ـ ، وروى لها إيمانه القوي والصعوبات التي واجهها للتأقلم مع إحدى
المجموعات المسلحة وحياته اليومية في
خنادق حمص وحبه لزوجته وابنتيه الموجودين
معه وإخلاصه لـ "إخوانه المسلمين في السلاح". أصيب بجروح خطيرة
في بداية شهر شباط في حلب، وأرسل رسالته الأخيرة بتاريخ 8 شباط. منذ ذلك الوقت، لم
يصدر عنه أي شيء يدل على بقائه على قيد الحياة.
تنشر الصحيفة ملخصاً لما رواه صلاح الدين إلى الصحفية.
}وصلت إلى سورية
بتاريخ 11 تموز على ما أذكر. ننسى هنا التواريخ والزمن. لم أخرج من سورية منذ ذلك
الوقت. اتخذت اسماً مستعاراً هو صلاح الدين الفرنسي، لأنه لا أحد يقاتل باسمه
الحقيقي أبداً. عمري 27 عاماً، وجئت من مدينة سان دوني Saint Denis في ضواحي باريس. تحمل زوجتي
خديجة الجنسية الفرنسية، وهي ترافقني مع ابنتي الأولى مريم (8 سنوات) وفاطمة (6
سنوات) ـ جميع الأسماء مستعارة ـ. تخليت عن كل شيء باستثنائهن من أجل المجيء إلى
هنا. كان وضعي المهني جيداً، وكنت أكسب حوالي ثلاثة آلاف يورو شهرياً. كان يجب
التخلي عن كل شيء. بهذه الطريقة يرى الله إخلاصنا.
لا أعرف جيداً ما هو السبب المباشر، وبأي لحظة
قررت أن أصبح إرهابياً بنظر القانون الفرنسي. جرى كل شيء تدريجياً. لم أتحمل لا
مبالاة العالم تجاه إخواني المسلمين منذ بداية النزاع السوري عام 2011. لم أكن
أعرف كيف أفكر بذلك في البداية. لا يحدثونك في الجوامع الفرنسية عن هذا الأمر،
ويُعلمونك فقط كيفية الوضوء، ويطلبون منك أن تكون مُحترماً، ولا يقولون لك أبداً
أن الإسلام يقول: العين بالعين والسن بالسن في سياق المواجهة. تعلمت ذلك على
الأنترنت، عندما بدأت مشاهدة أفلام الفيديو ومواعظ بن لادن. إنه ملياردير تخلى عن
كل شيء من أجل الدفاع عن تصوره للعالم. لقد تأثرت بكلماته. أنتِ تطلقين على ذلك
اسم "راديكالية دينية"، وأنا أسميها "الوعي".
لم أستطع النوم حوالي الشهر قبل رحيلي. لقد أفهمني
الله أن أرضي لم تعد هنا في فرنسا. كان يجب الذهاب إلى سورية للتكفير عن ذنوبي.
كنت أذهب إلى الملاهي الليلية وأشرب الكحول سابقاً، كنت رجلاً يهتم بملذات الدنيا.
أصبح الجهاد واجباً. لم أتصل مع أية شبكة، ولم أكن أعرف أي شخص. قمت بإعداد سفري
لوحدي. سحبت ألف يورو يومياً من المصرف خلال أسبوع، ثم كان يوم الرحيل. غادرنا في
الأسبوع الأخير من شهر حزيران إلى مدينة ليون الفرنسية، ثم استقلينا الطائرة إلى
استانبول، ثم ركبنا الحافلة إلى أنطاليا وهاتاي حتى مدينة كيليس (kilis) على الحدود التركية ـ السورية.
لم تكن الأيام الأولى سهلة. لم يكن لدي أي نقطة
اتصال أو شخص أعرفه للنزول عنده. كان يجب التحرك بسرعة، ولم أكن أريد تعريض بناتي
للخطر. ذهبنا إلى حي صلاح الدين في حلب، وتعرفت هناك بسرعة على بعض المقاتلين في
الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، فقد كانوا جيراني. لكي أكون صريحاً، لم
أكن أعرف من هم عندما تقربت منهم. لم أسمع أبداً أي كلام عنهم. إن كل ما كنت أريده
هو القتال إلى جانب أولئك الذين يريدون إقامة دولة إسلامية في سورية وفرض الشريعة
الإسلامية. لذلك لم أكن مهتماً بالانضمام إلى الجيش السوري الحر كثيراً: لدينا
العدو نفسه ولكن ليس الهدف نفسه. أعتقد أن هدفهم هو الديموقراطية.
أدركت بسرعة أنه عندما تكون أجنبياً، لا يتم
استقبالك بالأحضان. إنهم يحذرون منك، ويعتبرونك جاسوساً. تُكتسب الثقة في ساحة
المعركة. قامت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتدريبي في مخيم عسكري بمنطقة
الشيخ سليمان، وتعلمت فيه إطلاق النار والزحف والقتل خلال شهر. ثم أرسلوني إلى
الجبهة في منطقة حلب في كل مرة. لم أمر في مرحلة غسيل الصحون والطبخ. تنشر وسائل
الإعلام هذه الفكرة من أجل إحباط همة المقاتلين الأجانب في المجيء والانضمام
إلينا. رأيت للمرة الأولى الطائرات المروحية لبشار وهي ترمي براميل المتفجرات على
السكان بعد عدة أيام فقط من وصولي. في إحدى المرات، سقط 17 برميلاً في يوم واحد.
لا أعرف كيف أصف لك بماذا أحسست.
قتلت أحد جنود بشار بعد فترة قصيرة في منطقة
حلب. كان الجو جميلاً في صباح أحد أيام شهر أيلول. كنا نتقاتل منذ ثلاثة أيام، كان
يقف وراء أحد الجدران، تبادلنا إطلاق النار حتى يسقط أحدنا، وهو الذي سقط. أتذكر
ذلك لأنها كانت المرة الأولى. أعترف أنني لم أشعر بالندم لحظة واحدة. يجب أن
تشاهدي ما الذي يعانيه السكان بسببهم. تجري أغلب المعارك هنا عن بعد عبر إطلاق
قذائف الهاون وهجمات القناصين. ليس هناك أية معركة بالسلاح الأبيض تقريباً. كان
الأيام التي قضيتها متشابهة خلال خمسة أشهر أي: معارك خلال اليوم بأكمله، ثم نوبات
حراسة في المساء لمدة ساعتين. تُخصص أوقات الفراغ من أجل تنظيف السلاح وقراءة
القرآن. كان البرد قارصاً في المساء، والجو ماطر في أغلب الأحيان. كانت قدماي
مبللتين ومتجمدتين في بعض الأحيان.
غيّرت المعسكر في شهر تشرين الثاني، وانضممت إلى
جبهة النصرة. لم أعد أشعر بالارتياح كثيراً مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد
الشام. لم أكن أعرف أنهم يقاتلون ضد المتمردين في الجيش السوري الحر. ليس لدي أية
مشكلة مع المتمردين، وليس لدي أكثر منهم حول هذا الموضوع. لا أعرف أين هم الرهائن
الفرنسيون. أنا لست إلا مقاتل صغير، ولا يقولوا لي مثل هذه المعلومات. لم يعتبروني
خائناً عندما انتقلت إلى الجانب الآخر، وذلك بعكس ما يمكن اعتقاده. إن جبهة النصرة
والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ليسوا أعداء، ولديك الحرية باختيار الطرف
الذي تريد القتال معه.
لم تتغير حياتي اليومية مع "عائلتي"
الجديدة في تنظيم القاعدة بشكل كبير، ولكن ساحة المعركة اتسعت. قاتلت في حلب وحمص
ودمشق، وطورت معلوماتي العسكرية. كان يجب علي الاختيار بين التدريب على المتفجرات
أو التدريب لأكون قناصاً أو التدريب على الكوماندوس. قامت جبهة النصرة بتحويلي إلى
الخيار الثالث.
نلتقي غالباً مع المدنيين بين معركتين. إنهم لا
يخافوا منا، بل على العكس. يضحك الأطفال عليّ في أغلب الأحيان عندما أتكلم
الفرنسية وحتى عندما أتكلم العربية! لا أتقن اللغة العربية جيداً حتى الآن. نحصل
على راتب شهري قدره ثمانية آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ يكفي بسهولة للحياة مع العلم
أن جبهة النصرة تؤمن السكن والسلاح والطعام. اشتريت بندقية كلاشينكوف خاصة بي من
السوق السوداء، ودفعت ثمنها 1200 دولار. إنه مبلغ كبير، ولكنها بندقيتي على الأقل.
صنعت لنفسي حزاماً ناسفاً تحسباً لنفاذ الذخيرة أو في حال التراجع، ويمكنني الهجوم
على العدو وتفجير نفسي بشكل أقتل فيه أكبر عدد ممكن معي.
إن أطفالي ليسوا حزينين، وحياتهم بين يدي الله،
وهم ليسوا في خطر. لقد بقوا مع نساء وأطفال بقية المقاتلين بعيداً عن المعارك. في
الحقيقة، لا أراهن أبداً تقريباً. عندما أذهب إلى الجبهة، أغيب خلال عدة أسابيع
كاملة. كل ما أستطيع قوله أنه تنقصهم شوكولا نوتيلا (Nutella). تقوم جبهة النصرة بنقلهم إلى
مكان آخر عندما تصبح المنطقة خطيرة. كانوا في منطقة حريتان (Harithan) بالقرب من حلب قبل شهر،
ولكنهم انتقلوا إلى مكان آخر بسبب المعارك العنيفة أكثر فأكثر بين الجيش السوري
الحر والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، لقد نقلتهم جبهة النصرة إلى مكان
بالقرب من الحدود التركية ـ السورية. عندما أبكي، إن مريم وفاطمة رائعتان، وتقولان
أنني سوبرمان! إنه أمر يضحكني في كل مرة. من الغريب جداً أنهن تتأقلمان في جميع
الأوضاع.
كنت في الجبهة يوم الجمعة 31 كانون الثاني في
تلبيسة بالقرب من حمص. كان الوضع صعباً حقاً. خسرت أفضل صديق لي في هذا اليوم، وهو
بلجيكي عمره 27 عاماً أيضاً. لقد قتله أحد القناصين في منعطف أحد الشوارع. ذهبت
لإحضاره، ولكنه مات بين ذراعي. إن أسلحتنا بسيطة جداً بالمقارنة مع أسلحة رجال
النظام. ليس لدينا إلا الأسلحة الخفيفة، بينما هم يملكون نظارات للرؤية الليلية على
سبيل المثال. نحن نحفر الخنادق للاحتماء، وهذا كل ما نستطيع القيام به لكي لا
يرانا العدو. ربما هذا هو السبب في اختيار بعض الجهاديين للعمليات الانتحارية.
صحيح أنه لدي إمكانية تسجيل اسمي على لائحة الذين يريدون أن يصبحوا انتحاريين. لا
أعرف إذا كنت سأفعل ذلك. لم أتخذ قراري. إذا سقطت في المعركة، لن يتم إبلاغ أحد.
لا أحد يعرف أنني أتحدث مع صحفية أجنبية. إننا لا نحب الصحفيين كثيراً هنا. يجب
إدراك أن الموت سيكون مكافأة بالنسبة لي. لا يهمني إطلاقاً أن أكون مراقباً من قبل
الأجهزة الفرنسية على الشبكات الاجتماعية. لن أعود أبداً. لا يعرف والديّ وشقيقيّ
وأختي الصغيرة أي شيء. يعتقدون أنني أتجول في أنحاء العالم. ربما يشكون بشيء ما.
لا أعرف. ولكن ماذا يمكنني أن أقول لهم؟ لن يفهموا أبداً. سيشعرون بالحزن بسبب
ذلك.{
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق