صحيفة اللوموند 19 شباط 2014 بقلم
بنجامان بارت Benjamin Barthe
ومراسلتها في واشنطن كورين لينس Corine Lesnes
ما زال الوقت مبكراً للإعلان عن وفاة مؤتمر جنيف
2. لا أحد يستطيع التأكيد على أن المفاوضات بين المعارضة والنظام السوري لن
تُستأنف بعد عدة أسابيع أو عدة أشهر، وذلك بعد جولتين من المفاوضات العقيمة كلياً.
بالمقابل، يمكن التأكيد على أن هذه العملية تحقق رهان نظام بشار الأسد في ظل
موازين القوى الحالية على الأرض وعلى الساحة الدبلوماسية. إن الدليل على ذلك هو:
تسرع العواصم الغربية في تحميل النظام السوري مسؤولية فشل المفاوضات، والنفي
الساخط لحاميه الروسي الذي دعا إلى مواصلتها، والرضى الذاتي في دمشق التي تحدثت عن
"تقدم هام" بشكل يناقض الواقع.
أعرب أحد الدبلوماسيين الغربيين عن سروره في
نهاية الأسبوع الماضي لأن النقاشات فتحت عيون "جميع القادة الأوروبيين
ومسؤوليهم داخل الأمم المتحدة الذين كانوا يعتقدون بأن النظام مستعد للتفاوض وأن
العرقلة كانت بسبب المعارضة". في الحقيقة، ألمح الوسيط الدولي الأخضر
الإبراهيمي خلال مؤتمره الصحفي الأخير يوم السبت 15 شباط إلى انتقاد سياسة
الممانعة التي مارسها وفد الحكومة السورية، وخرج بذلك عن الحيادية التي التزم بها
حتى الآن بدقة. كما أعرب عن أسفه لأن وفد الحكومة السورية "رفض"
التطرق إلى مسألة تشكيل سلطة انتقالية ـ على الرغم من أنها الهدف النهائي لمؤتمر
جنيف 2 ـ ، وحث النظام على "طمأنة الطرف الآخر" حول نواياه.
وماذا بعد؟ إن تقدم القوات النظامية حول حلب
وجبال القلمون خفف بسرعة من حماس الذين أعلنوا انتصارهم بعد الجولة الأولى من
المفاوضات، لأنه أظهر "نفاق النظام". كما أن إخلاء المدنيين في
حمص الذي يشبه نصف استسلام والذي تفاوضت السلطات السورية عليه بدون استشارة
المعارضة الموجودة في جنيف، أثار الإحساس بالمرارة. قال أحد مستشاري وفد المعارضة
متنهداً: "ما الفائدة من كسب ثقة الإبراهيمي. إن الحل ليس بين يديه".
على هامش المفاوضات، ومع ظهور أن النظام لا يسعى
إلا إلى كسب الوقت، حض معارضو الأسد عرابيهم الغربيين والعرب على زيادة المساعدات
لهم. من بين الإجراءات التي يلحون على المطالبة بها: إعطاء الائتلاف الوطني
السوري، الواجهة السياسية للتمرد، معقد سورية في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر
الإسلامي، بالإضافة إلى إعطاء الائتلاف الوطني السوري السفارات التي ما زالت تحت
سيطرة ممثلي دمشق، أو على الأقل تقييد حرية حركة ممثليها ضمن دائرة لا تتجاوز عدة
كيلومترات حول العواصم.
فيما يتعلق بالحكومات الغربية التي أحست بعجزها
حول الملف السوري، فإنها تفكر بالمرحلة القادمة. اعترف البيت الأبيض للمرة الأولى
منذ الصيف الماضي أنه من الضروري حصول تغيير في مقاربته، دون أن يذهب إلى حد
الاعتراف بفشل استراتيجيته. كما أكدت لوس أنجلوس تايمز أنه تم طلب مشورة البنتاغون
مرة أخرى من أجل تقديم "أفكار جديدة". هل ستفكر إدارة أوباما مرة
أخرى بالضربات العسكرية، ولاسيما ضد طائرات النظام، كما طالب ساندي بيرجر Sandy Berger المستشار السابق لبيل كلينتون؟
استؤنف الجدل نفسه الذي أعقب استخدام نظام الأسد
للأسلحة الكيميائية في شهر آب الماضي. إنه جدل بين الذين يعتبرون أن حصيلة سياسة
باراك أوباما قد تتأثر بشكل سلبي إذا سمح باستمرار نزاع أدى إلى مقتل أكثر من مئة
وأربعين ألف شخص من جهة، وبين الذين يعتبرون أن أي تدخل أحادي الجانب سيُغرق
الولايات المتحدة داخل حرب طائفية من جهة أخرى. حذر زبيغنيو بريجينسكي، المستشار
السابق لجيمي كارتر، قائلاً: "نحن أمام مشكلة إقليمية. إذا تدخلنا، فإنها
ستكون مشكلتنا الإقليمية". أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مرة أخرى
أنه "ليس هناك حل عسكري" وأن الحل الدبلوماسي ما زال الخيار
المفضل، مشككاً في الوقت نفسه بالدور الروسي. لم يؤيد زبيغنيو بريجينسكي هذا
الموقف، واعتبر أن مواجهة موسكو ستعطي نتائج عكسية، وقال: "إذا قمنا
بتفجير الاتفاق حول إيران... ماذا سيكون إنجازنا؟".
على
المدى القصير، يبدو أن الموقف الذي اعتمدته الدول الغربية يرتكز على استئناف مساعدة الجيش السوري الحر ـ الجناح
المعتدل للتمرد. أشارت وول ستريت جورنال إلى أن صواريخ أرض ـ جو محمولة ربما وصلت
للمرة الأولى إلى مستودعات الجيش السوري الحر في الأردن وتركيا. أعرب أحد ناشطي
المعارضة عن ارتيابه من هذه المعلومات، وقال: "هناك ما يكفي من الأسلحة
على الأرض. إن مشكلتنا هي نقص التنظيم. لم تبرهن أية كتيبة عن فعاليتها".
وفيما يتعلق بالخناق الذي يضيق على المتمردين في حلب، قال هذا الناشط: "نحن
نعيش إحدى الساعات الأكثر ظلاماً منذ بداية الثورة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق