صحيفة الفيغارو 11 شباط 2014 بقلم رونو
جيرار Renaud Girard
من
أين يأتي هذا الشعور السائد بالانزعاج المترافق مع عقدة نقص خفيفة الذي نشعر به في
فرنسا اليوم 11 شباط 2014 مع بداية اللقاء الثنائي بين الرئيسين أوباما وهولاند؟
لم نكن نشعر بمثل هذا الشعور في السابق أثناء اللقاءات بين ديغول وكينيدي أو
جيسكار ديستان وكارتر أو ميتران وريغان أو شيراك وبوش على الرغم من أن العلاقات
السياسية كانت أكثر توتراً بكثير في بعض الأحيان. يأتي الانزعاج الحالي من أن
علاقتنا مع الولايات المتحدة أصبحت عوجاء، وينقصها التوازن. يمكن ملاحظة ذلك
اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً.
من
الناحية الاقتصادية، لا يمكن لقوة اقتصادية أن تنتشر خارجياً إذا لم تكن سلوكها
نموذجياً في الداخل. ما كان بمقدور فرنسا أثناء رئاسة الجنرال ديغول اسماع صوتها
في أوروبا والعالم لولا تنظيم الموازنة العامة داخلياً بشكل مسبق. ولكن فرنسا
اليوم مثقلة بالديون، وضرائبها ونفقاتها العامة هي الأعلى بين الدول الكبرى في
منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، ومستوى التربية والتعليم
فيها ما زال بعيداً عن المراتب الأولى. أصبح من الصعب جداً الاستثمار في فرنسا
والحفاظ على التنافسية تجاه الأسواق العالمية بسبب جمود وتعقيد قانون العمل فيها.
في مثل هذا السياق، إذا خطر على بال فرانسوا هولاند إعطاء بعض النصائح الاقتصادية
للأمريكيين أو حثهم على إصلاح ممارساتهم المصرفية على سبيل المثال، فإن كلامه لن
يكون مسموعاً حتى لو كان كلامه صحيحاً.
من الناحية العسكرية، إن علاقة فرنسا مع حليفها
الأمريكي عوجاء أيضاً، لأنها لم تعد قادرة على توفير الوسائل العسكرية المتلائمة
مع طموحاتها العسكرية. بالمقارنة مع حقبة الجنرال ديغول، انخفض حجم الموازنة
العسكرية الفرنسية أربعة أضعاف. لقد بادرت فرنسا لإسقاط النظام العسكري للقذافي في
ليبيا، ولكنها لا تملك الوسائل الكافية لتحمل النتائج الناجمة عن ذلك. لا تعرف
فرنسا ماذا تفعل للتخلص من الكتائب الإسلامية التي بدأت تنتشر في جنوب ليبيا،
وتستعد هذه الكتائب لزعزعة استقرار جميع الدول الفرنكوفونية في الصحراء الإفريقية
(الساحل). فيما يتعلق بهذا الملف، طلبت فرنسا النجدة من الأمريكيين على الرغم من
أنها تعرف المنطقة أفضل منهم. هناك تناقض صارخ في علاقة فرنسا العسكرية مع
الأمريكيين الذين يخففون من مشاريعهم التدخلية مع الحفاظ على جيش قوي جداً في
الوقت نفسه: تقوم فرنسا بإعلاء طموحاتنا العالمية (لنتذكر الإرادة المعلنة للرئيس
هولاند بـ "معاقبة" سورية في شهر أيلول 2013)، ولكنها تُضعف
جيشها.
من الناحية الدبلوماسية، إن علاقة فرنسا عوجاء
أيضاً، لأنها تخلت عن دورها التقليدي كوسيط بين الإمبراطورية الأمريكية وبقية
العالم (لنتذكر أن مفاوضات السلام في فييتنام جرت في باريس). تقيدت فرنسا بشكل رخو
بجميع المواقف الأمريكية تحت ضغط لوبي صغير للمحافظين الجدد في وزارة الخارجية
الفرنسية، وكانت فرنسا أحياناً ملكية أكثر من الملك كما حصل في الملف الإيراني.
ولكن هذا التقيد بالموقف الأمريكي لم تكن له أية فائدة دبلوماسية بالنسبة لواشنطن.
كان يجب أن يتم التقارب بين واشنطن وطهران عن طريق الجمهورية الفرنسية وليس بواسطة
سلطنة عُمان! كان يجب على فرنسا، نظراً لتاريخها، أن تكون في طليعة العلاقة بين
الاتحاد الأوروبي وروسيا. ولكن باريس غائبة عن هذا الملف. فيما يتعلق بأوكرانيا،
لا أحد يُصغي إلى فرنسا. يجب ألا نُخطىء: إن الحليف الجيد للأمريكيين سيكون دوماً حليفاً
قادراً على الوقوف بوجههم اقتصادياً وجيوسياسياً. إن الممالقين غير مفيدين أبداً
في القضايا العالمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق