تجري الانتخابات البلدية في فرنسا يومي 23
و30 آذار 2014 من أجل انتخاب رؤساء البلديات و510.000 عضو في المجالس البلدية لـ
36.682 مدينة فرنسية. ركزت وسائل الإعلام الفرنسية اهتمامها على مشاركة حزب الجبهة
الوطنية بزعامة مارين لوبن الذي يحقق تقدماً ملحوظاً في استطلاعات الرأي. استطاع
حزب الجبهة الوطنية تقديم 596 لائحة انتخابية، ولكن هذا العدد يبقى ضئيلاً
بالمقارنة مع العدد الإجمالي للمدن الفرنسية. يُعبّر تركيز وسائل الإعلام الفرنسية
على حزب الجبهة الوطنية عن خوفها من تقدم الحزب في استطلاعات الرأي ومحاولة منها
لإقناع الناخب الفرنسي بالتصويت لبقية الأحزاب الكبيرة ولاسيما الحزب الاشتراكي
وحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية باعتبارهما الحزبان الوحيدان تقريباً القادران
على الوصول إلى الدورة الثانية (أي الحصول على 10 % من الأصوات في الدورة الأولى).
في الحقيقة، تمثل هذه الانتخابات بالنسبة لحزب الجبهة الوطنية الخطوة الأولى نحو
تشكيل قاعدة انتخابية شعبية تسمح له لاحقاً بالمشاركة بقوة في بقية الانتخابات الأوروبية
(25 أيار 2014) والمحلية خلال السنوات القادمة حتى موعد الانتخابات التشريعية
والرئاسية عام 2017.
تمثل نسبة الامتناع عن التصويت رهاناً هاماً
في جميع الانتخابات الفرنسية، لأنه كلما ارتفعت نسبة التصويت في الانتخابات، كلما
ازدادت الصفة التمثيلية للأشخاص المنتخبين. وبالعكس، إن انخفاض نسبة المشاركة في
التصويت يعني أن الناخب لم يعد يؤمن بقدرة الأحزاب السياسية التقليدية على حل
مشاكله اليومية والاقتصادية. من هنا يأتي رهان حزب الجبهة الوطنية الذي يطرح نفسه
باعتباره بديلاً عن هذه الأحزاب التي فشلت برأيه بحل مشاكل المواطن الفرنسي. ستكون
الانتخابات البلدية الامتحان الأول له على هذا الطريق الطويل.
يخشى الحزب الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل
الحركة الشعبية من السياسة الاقتصادية التي يريد حزب الجبهة الوطنية تطبيقها، ولاسيما
التخلي عن العملة الأوروبية، حيث يعتبر الحزبان أن خروج فرنسا من نظام العملية
الأوروبية ستكون له نتائج كارثية على الاقتصاد الفرنسي. هناك أيضاً خشية من
السياسة الخارجية لحزب الجبهة الوطنية باعتبارها تختلف كثيراً عن سياسة الحزبين
التقليديين في فرنسا. يُضاف إلى ذلك الخشية من سياسة حزب الجبهة الوطنية المضادة
للهجرة وللمهاجرين بشكل قد يؤدي إلى الحد من توفر الأيدي العاملة الرخيصة أمام
الشركات الفرنسية.
تراجعت شعبية حزب الاتحاد من أجل الحركة
الشعبية بسبب الفضائح السياسية داخل الحزب والنزاعات السياسية حول زعامة الحزب منذ
هزيمة نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية عام 2012. كما تراجعت شعبية الحزب
الاشتراكي بسبب سياسته الاقتصادية التي فشلت في الحد من ارتفاع معدل البطالة (9.8
%) وبسبب ارتفاع الرسوم والضرائب على المواطن الفرنسي. يشير بعض المراقبين إلى أن
جميع الظروف أصبحت متوفرة لكي تتحول هذا الانتخابات إلى تصويت لمعاقبة الحكومة
الاشتراكية الحالية، ولاسيما مع تراجع شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بشكل
كبير ووصولها إلى 17 % فقط، وهي أدنى نسبة في تاريخ رؤساء الجمهورية الفرنسية.
يخشى المراقبون أن يستفيد حزب الجبهة الوطنية من هذا التراجع في شعبية الحزبين
خلال الانتخابات البلدية بشكل يسمح بدخول حوالي ألف مرشح من حزب الجبهة الوطنية
إلى المجالس البلدية، وبالتالي توسيع قاعدته الشعبية.
يعود سبب ارتفاع شعبية حزب الجبهة الوطنية
في ضواحي المدن التي يتجاوز عدد سكانها مئتي ألف نسمة إلى تزايد المصاعب التي
تواجهها الطبقة العمالية المتركزة في هذه المناطق وغلاء الأسعار وتراجع الخدمات العامة
فيها وارتفاع نسبة الجرائم وارتفاع مستوى البطالة بالإضافة إلى بُعد هذه المناطق
عن وسائل المواصلات العامة. استطاع حزب الجبهة الوطنية تقديم 596 لائحة انتخابية
في الانتخابات الحالية (حوالي مئة لائحة عام 2008)، وتشير التقديرات إلى إمكانية
فوزه في حوالي خمس عشرة مدينة، ولكن حزب الجبهة الوطنية يهدف إلى أن تكون هذه
الانتخابات المرحلة الأولى في تثبيت أقدامه محلياً عبر الحصول على أكبر عدد ممكن
من أعضاء المجالس المحلية في جميع المناطق
الفرنسية.
يواجه حزب الجبهة الوطنية منافسة قوية مع
حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الذي يحاول إعادة بناء نفسه بعد هزيمته في
الانتخابات الرئاسية والتشريعية أمام الحزب الاشتراكي عام 2012. أشارت بعض
استطلاعات الرأي تقدم أحزاب اليمين والوسط في المدن التي يتجاوز عدد سكانها 3500
نسمة، ويعود سبب تقدمها إلى قيام المعارضة بإطلاق حملة الغضب الشعبي ضد ارتفاع
الضرائب منذ منتصف عام 2013، ويعتبر 47 % من الفرنسيين أن حجم الضرائب المحلية
تأتي في مقدمة أولوياتهم. يُعلّق معظم حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية آمالاً
كبيرة على الانتصار في الانتخابات البلدية، ولكنهم يختلفون فيما بينهم حول مدى
اتساع هذا الانتصار. تتركز الحملات الانتخابية لقادة الحزب على الضرائب والأمن،
وهي قضايا لها انعكاسات محلية ووطنية.
أعرب
مسؤولو الحزب الاشتراكي عن قلقهم من احتمال هزيمتهم بعد أن كانوا يعتقدون لفترة
طويلة أن هذه الانتخابات لن تكون سيئة جداً. أشار أحد أعضاء إدارة الحزب الاشتراكي
إلى أن المسألة لم تعد تتعلق بانتقال السلطة من اليسار إلى اليمين بل في مدى
اتساعها، واعتبر أنه هذا هو قانون الانتخابات المحلية التي تفصل بين الانتخابات
التشريعية والرئاسية بالنسبة للسلطة الحاكمة، فلم تربح أية حكومة قائمة على رأس
عملها في الانتخابات المحلية منذ عام 1978. ولكن الحزب الاشتراكي بدأ يأمل بأن
نتيجة الانتخابات البلدية لن تكون كارثية بسبب الفضائح السياسية الأخيرة داخل حزب
الاتحاد من أجل الحركة الشعبية.
يمكن
تفسير تشاؤم الحزب الاشتراكي بارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت لدى ناخبي الحزب،
ويخشى الكثير من الاشتراكيين من أن ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت ستكون أكثر
ضرراً على الحزب الاشتراكي بالمقارنة مع اليمين. وصلت نسبة الامتناع عن التصويت في
الانتخابات البلدية السابقة عام 2008 إلى 35 % في الدورة الأولى و31 % في الدورة
الثانية. وكانت هذه النسبة رقماً قياسياُ بالنسبة لهذه الانتخابات، وربما تصل هذه
النسبة إلى 38 % في الانتخابات البلدية عام 2014 بسبب انعدام الثقة المتزايد لدى
الناخب الفرنسي تجاه الأحزاب السياسية ورجال السياسة بشكل عام. يخشى المسؤولون
الاشتراكيون أن هذه النسبة ستكون مرتفعة في الانتخابات البلدية القادمة بسبب
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في فرنسا. فيما يتعلق بنسبة الامتناع عن التصويت،
يجب إضافة 7 إلى 10 % من الناخبين غير المسجلين على القوائم الانتخابية.
يراهن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية على أن
نسبة الامتناع عن التصويت لدى ناخبي اليسار ستكون أكبر من مثيلتها لدى ناخبي
اليمين، ويعتقد رئيس الحزب جان فرانسوا كوبيه أن ناخبي اليمين سيتحركون من أجل
الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وأن الفرنسيين يريدون معاقبة فرانسوا هولاند بعد أن
صوتوا له عام 2012. ولكن بعض نواب حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية يحذرون من
المراهنة على انخفاض مشاركة ناخبي الحزب المنافس لأنه كلما قال الحزب بأنه سيربح
في الانتخابات، كلما أدى ذلك إلى تعبئة ناخبي اليسار.
قرر
قادة الحزب الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية تشكيل جبهة واحدة
لمواجهة حزب الجبهة الوطنية في الدورة الثانية للانتخابات ومنعه من الفوز برئاسة
البلديات ما أمكن. تتمثل هذه الجبهة بانسحاب أحد الحزبين التقليديين (الحزب الذي
يحصل على نسبة أقل من الأصوات في الدورة الأولى) من الدورة الثانية لصالح الحزب
التقليدي الآخر بشكل يسمح بهزيمة حزب الجبهة الوطنية. ولكن هذه الجبهة بدأت تتفتت
على الأرض، وأعلن بعض المرشحين عن الحزب الاشتراكي أنهم لن ينسحبوا من الدورة
الثانية لصالح حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، الأمر الذي قد يسمح بفوز حزب
الجبهة الوطنية في هذه الحالة برئاسة بعض البلديات الفرنسية. يُبرر بعض المرشحين
الاشتراكيين عدم انسحابهم من الدورة الثانية بأن مرشحي حزب الاتحاد من أجل الحركة
الشعبية يحملون أفكار اليمين المتطرف نفسها، وأن انسحابهم من الدورة الثانية يعني
أن المجالس المحلية ستكون خالية من أعضاء الحزب الاشتراكي خلال ست سنوات، وأن ذلك
سيؤدي لاحقاً إلى هزيمة الحزب الاشتراكي في انتخابات مجلس الشيوخ التي تعتمد على
تصويت أعضاء المجالس البلدية والمحلية.
لا
ينظر حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية إلى هذه الجبهة الواحدة ضد حزب الجبهة
الوطنية بالطريقة نفسها. إذا كان الحزب الاشتراكي يريد الوقوف في وجه حزب الجبهة
الوطنية، يجب عليه الانسحاب من الدور الثاني لصالح حزب الاتحاد من أجل الحركة
الشعبية. بالمقابل، إذا أراد حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الوقوف في وجه حزب
الجبهة الوطنية في الدور الثاني، فيجب عليه عدم الانسحاب من الدور الثاني بشكل
يسمح بتشتت أصوات ناخبي اليمين وبالتالي السماح بفوز الحزب الاشتراكي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق