مجلة النوفيل أوبسرفاتور
الأسبوعية 20 آذار 2014 بقلم أوليفييه توسير Olivier Toscer
في
صباح ذلك اليوم، كان عمر ديابي Oumar
Diaby (38 عاماً) الذي
يحمل الجنسيتين الفرنسية والسنغالية في سيارته على طريق مدينة حريتان (Hraytan) شمال حلب. لقد أصبح "أمير"
الجهاديين الفرنسيين في سورية منذ الصيف الماضي، وأخبر مجلة النوفيل أوبسرفاتور بـ
"الخبر السعيد" المتعلق بوصول الفتاة ليلى (15 عاماً) من مدينة
أفينيون الفرنسية للانضمام إلى الجبهة السورية في نهاية شهر كانون الثاني. تلقى
والد الفتاة اتصالاً هاتفياً لطلب الزواج من ابنته، ورفض ذلك. ولكنه لم يعد يعرف
شيئاً عن ابنته منذ ذلك الوقت.
تواصلت مجلة النوفيل أوبسرفاتور مع عمر ديابي،
الذي يقود الكتيبة الفرنسية في سورية، عبر الفيسبوك لمدة ثلاثة أسابيع منذ بداية
شهر آذار. تحدث عمر ديابي عن خفايا عمليات تجنيد عناصر هذه الكتيبة البالغ عددهم
حوالي ثمانين شاباً جهادياً فرنسياً وصلوا عبر عدة مجموعات منذ الصيف الماضي. إنهم
مجانين الله، وأعدت الأجهزة السرية قوائم بأسمائهم حسب الأصول، وسيتعرضون لعقوبات
بالسجن بتهمة الإرهاب في حال عودتهم إلى فرنسا. أكد عمر ديابي قائلاً: "في
جميع الأحوال، لن أعود قبل أن تنتهي الحرب، ولن تنتهي قبل عودة النبي إلى الأرض
هنا في دمشق". وُلد عمر ديابي في داكار، وكان طفلاً عندما وصل إلى مدينة
نيس الفرنسية، وأصبح زعيماً لعصابات المراهقين، ودخل السجون الفرنسية منذ أن كان
عمره عشرين عاماً بتهم القتل والسرقة والسطو المسلح. تعرف على الإسلام الراديكالي عندما
خرج من السجن عام 2000، وكان يُلقي مواعظه في الضواحي الفقيرة لمدينة نيس الفرنسية
تحت اسم "الأخ أمسين" (Frère Amsen). بدأ العمل بإنتاج أفلام فيديو إسلامية منذ عام 2005، وكانت هذه
الأفلام أكثر تأثيراً بكثير على الفاشلين دراسياً بالمقارنة مع قراءة النصوص
المقدسة.
أثار عمر ديابي انتباه شرطة مكافحة الإرهاب
بالصدفة أثناء تفتيش روتيني في محطة نيس للقطارات في كانون الأول 2011. كان عمر
ديابي ملاحقاً منذ ثلاثة سنوات بتهمة السرقة مع عصابة منظمة في إطار بيع قطع غيار
السيارات المسروقة. توصل التحقيق معه إلى أنه كان يخطط للذهاب إلى تونس ثم
أفغانستان عبر ليبيا. قبل ثلاثة أيام من اعتقاله، قام عمر ديابي المعروف بأنه أحد
الرموز الأساسية للعمل الجهادي بتنظيم اجتماع إسلامي هام. شارك في هذا الاجتماع
حوالي ثلاثين شخصاً، من بينهم ثلاثة شباب من الضواحي الباريسية الذين ألقت شرطة
مكافحة الإرهاب القبض عليهم في مطار مدينة سانت إيتيين الفرنسية قبل ذهابهم إلى
سورية عبر تركيا، وصدر بحقهم حكماً بالسجن لمدة تترواح بين سنتين وأربع سنوات
بتهمة الانتماء إلى عصابة بهدف القيام بأعمال إرهابية.
خرج
عمر ديابي من السجن في ربيع عام 2012 مع إلزامه بوضع إسوارة إلكترونية، وتزامن
خروجه من السجن مع القبض على هؤلاء الشبان الثلاثة. كان عمر ديابي يستعد في ذلك
الوقت لشن هجوم من أجل الجهاد على الأنترنت. كان ذلك في شهر نيسان 2012 مع الصدمة
التي أثارتها قضية محمد المراح، وقررت الحكومة آنذاك ملاحقة الإسلاميين الفرنسيين،
واعتقلت العديد منهم مثل مجموعة فرسان (Forsane) الأصولية لإنتاج أفلام الفيديو المؤيدة للجهاد والمعروفة بنشاطها
ضد قانون منع ارتداء النقاب الإسلامي. لم تعتقل الشرطة عمر ديابي في ذلك الوقت،
ولكنها قامت بتجميد أمواله بسبب علاقاته مع هذه المجموعة. قام بعد ذلك بإنتاج فيلم
وثائقي عن اضطهاد الغرب للإسلام، ولاقى الفيلم أصداء واسعة لدى الأوساط
الجهادية. في العام التالي، غادر مدينة
نيس إلى داكار في السنغال بسبب شعوره بخطر طرده من فرنسا.
بدأ
عمر ديابي بالانخراط فعلاً في جبهة الحرب المقدسة انطلاقاً من السنغال في شهر تموز
الماضي. ذهب في البداية إلى موريتانيا مع عشرة أشخاص، ومنها إلى تونس، ثم ركبوا
الباخرة حتى تركيا، ثم دخلوا إلى منطقة حلب في سورية. قال الباحث في المعهد
الفرنسي للشرق الأوسط رومان كاييه Romain Caillet المتخصص بدراسة هجرة الإسلاميين الراديكاليين داخل الدول
الإسلامية: "تهدف جبهة النصرة إلى قتال نظام بشار الأسد، في حين تريد
الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بناء دولة إسلامية تشمل سورية والعراق
وتطبيق الشريعة الإسلامية فيها بشكل حازم. يتنقل المقاتلون الفرنسيون باستمرار بين
هاتين المجموعتين، وغالباً ما يتم ذلك بشكل مفاجىء بعد إعجابهم بحديث هذا العالم
السلفي أو ذاك". انضم عمر ديابي إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة،
وقال: "إن عناصر الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هم شباب جاهلون
بدون تأهيل ديني جدي. كما أنهم لصوص سابقون يظهر سلوكهم المنحرف بمجرد إعطائهم
السلاح". نجح عمر ديابي بفرض شخصيته، ويبدو أن مجموعته الصغيرة لا تعرف
الأزمة، وقال: "يحصل المقاتلون على الطعام والسكن مجاناً. إنهم يحصلون على
غنيمة الحرب أثناء المعارك، ونعطيهم القليل من المال من أجل ملذاتهم الشخصية".
عندما بدأت الكتيبة الفرنسية تعمل بشكل جيد، ذهب
عمر ديابي إلى تركيا في خريف عام 2013 لإعادة جزء من عائلته إلى السنغال وفرنسا.
انتقلت قيادة الكتيبة الفرنسية أثناء غيابه إلى رجل آخر اسمه الحربي أبو الحسن
الذي جاء من حي Croix Rousse بمدينة ليون الفرنسية، وورد اسمه على رأس ملفات مكافحة الإرهاب
لدى الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية (DCRI)، واسمه الحقيقي هو مراد حاجي Mourad
Hadji الذي قام أيضاً
بإعداد فيلم فيديو إسلامي ـ كارثي شاهده أكثر من 250.000 شخص على اليوتوب. يبلغ
عمر مراد حاجي حوالي ثلاثين عاماً، وهو من أصل مغربي، ووصل إلى سورية في شهر تموز
الماضي برفقة عشرة رجال تقريباً. انضم في البداية إلى الدولة الإسلامية في العراق
وبلاد الشام، ثم أعلن ولائه إلى جبهة النصرة في خريف عام 2013 برفقة عمر ديابي
وجميع رجاله.
إن
المهمة الأساسية بالنسبة لرجل يُعرّف نفسه بأنه "إرهابي وفخور بذلك،
باعتبار أن كل شخص يقول أنه مسلم يجب أن يكون إرهابياً" هي مهمة
إستراتيجية هامة جداً: أي تجنيد المقاتلين الجدد. قال الصحفي دافيد تومسون David
Thomson الذي ألف كتاباً
هاماً حول هذا الموضوع بعنوان: (الجهاديون الفرنسيون)، وأصبح هذا الكتاب مرجعاً
حول المقاتلين الفرنسيين على الجبهة السورية: "في الواقع، إن المهمة في
غاية السهولة. يكتفي الجهاديون في سورية بترصد المرشحين المتأثرين بأفلام الدعاية
المضللة على الشبكات الاجتماعية. وعندما يصبح المرشحون مستعدين للقدوم، يقوم
الجهاديون بتزويدهم عن طريق الأنترنت بأرقام الهواتف التي يجب الاتصال بها عندما
يصلون إلى الحدود التركية ـ السورية، ثم يأتون لإحضارهم بالسيارة من الحدود".
استطاع مراد حاجي في شهر كانون الثاني الماضي
تجنيد وإحضار الشابين ياسين (15 عاماً) وأيوب (16 عاماً) من مدينة تولوز الفرنسية.
لقد عاد هذان الشابان إلى فرنسا بعد بقائهما ثلاثة أسابيع في سورية، وواجها تهمة
الإرهاب بمجرد وصولهما إلى فرنسا. قال سليم (19 عاماً) أحد أعضاء مجموعة عمر ديابي
في مدينة روبيه (Roubaix) الفرنسية: "غادر هذان الشابان سورية قبل البدء بالتدريب.
لقد ارتكبا أكبر خطأ في حياتهما عندما أدارا ظهرهما للجهاد. لم يكونا حازمين بما
فيه الكفاية. من جهة أخرى، قالا لنا أنهما جاءا بعد أن انتابتهما فورة غضب".
وصل
الشقيقان يوسف شريف Youssef Chérif (22 عاماً) وعمران شريف Omran Chérif (17 عاماً) إلى سورية في الوقت
نفسه تقريباً قادمان من مدينة نيس الفرنسية. يبحث الأخ الأكبر حالياً عن "أخت
جادة" راغبة بالسفر والقدوم إلى سورية من أجل الزواج به. أما الأخ الأصغر
فما زال يُعبّر عن عواطفه الحارة تجاه والدته، وكتب لها: "أنا أحبك، وأطلب
منك السماح عن كل ما تعانين منه بسببي" بجانب صورة له وهو يحمل البندقية
إلى جانب أحد المقاتلين.
بلال
بنيامين Bilal Benyamin (23 عاماً) هو طالب من مدينة غرونوبل الفرنسية من أصل تونسي،
ولكنه لا يتحدث مع أي شخص. تعرض هذا الشاب إلى رصاصة في قلبه أثناء الهجوم على أحد
مواقع "الشبيحة" خلال الشهر الماضي. قال الأمير ديابي فخوراً: "إنه
شهيدنا الأول". أثناء هذا الهجوم، تعرض سليم القادم من مدينة روبيه
الفرنسية إلى جروح خفيفة في ساقه. فكّر سليم بالذهاب للمعالجة في مستشفى المدينة
المجاورة التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وقال: "ولكن
بدلاً من معالجتي، وجدت نفسي في زنزانة خلال عشرة أيام". ولكن عمر ديابي
نجح بإخراجه من الزنزانة في النهاية. يبدو أن سليم لم يفقد حماسه الانتحاري
قائلاً: "أنا أنتظر الشهادة، إذا أعطاني الله إياها. هذا هو الهدف النهائي
لوجودي هنا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق