صحيفة اللوموند 1 آذار 2014 بقلم مراسلها
في إسرائيل لوران زوكيني Laurent
Zecchini
باعتبار أن الهدف من حاملة الطائرات هو إظهار
القوة، ما هي المهمات التي تهدف تركيا إلى القيام بها في شرق المتوسط عبر هذه
السفينة التي يبلغ وزنها سبعة وعشرين ألف طن، وتم الإعلان عن طلبها رسمياً في شهر
كانون الأول 2013؟ إن هذه المسألة تُقلق المسؤولين الإسرائيليين الذين لا يملك
سلاح بحريتهم إلا سفن من الوزن المتوسط. لا يعني ذلك أن حاملة الطائرات التركية
ستمثل تهديداً عسكرياً حقيقياً لإسرائيل. إن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية
وغواصاتها الهجومية الست (تم تسليم خمس منها) من نوع دولفين (Dolphin) تضمن لإسرائيل قوة ردع قوية.
ستتزايد قوة الأسطول الإسرائيلي، كما هو الحال
بالنسبة للأسطول التركي، خلال السنوات القادمة ولاسيما من أجل حماية موارده
الغازية الهامة جداً في شواطىء حيفا. ولكن ذلك لا يمنع أن حاملة الطائرات التركية
عندما ستخرج من الورشة الإسبانية Nanatia وتُبحر في المياه، فإنها ستبعث على الريبة سواء من قبل إسرائيل أو
اليونان أو قبرص أو سورية أو مصر. لأن حاملة الطائرات التركية ستوفر الوسائل
اللازمة لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لتحقيق طموحاته الإقليمية. إن هذا المشروع
الباهظ التكاليف (أكثر من مليار يورو) ربما يؤدي إلى سباق للتسلح، ويُغيّر التوازن
الإستراتيجي في شرق المتوسط.
إن
هذا السيناريو السيء ليس حتمياً: ستشكل حاملة الطائرات التركية عنصراً هاماً في
الرهان الكبير للاستراتيجيا والطاقة الذي يتشكل حالياً، ولكنه ليس السيناريو
الوحيد. في حال استخدام هذه الورقة الرابحة بحكمة، من الممكن أن تندرج في سياق
الانفراج الشرق أوسطي. لدى إسرائيل وتركيا جميع الأسباب للتفاهم، ولكن أهمها هو
الغاز. تملك إسرائيل مصدراً غنياً بالطاقة هو آبارها في موقعي تامار (Tamar) وليفياتان (Léviathan)، وقررت إسرائيل تصدير 40 % منه، وتمثل تركيا سوقاً طبيعياً
محتملاً نظراً لاحتياجاتها المتزايدة بسرعة كبيرة.
إن
تركيا ليست السوق الوحيد. من الممكن أن يُغطي الغاز الإسرائيلي جزءاً هاماً من
استهلاك الطاقة في أوروبا، باعتبار أن أوروبا وتركيا لن تنزعجان من تخفيف
اعتمادهما على الغاز الروسي. ولكن إسرائيل، كما هو الحال بالنسبة لقبرص مع بئرها
الغازي أفروديت (Aphrodite)، يجب عليها الاختيار من أجل تصدير هذا المورد الإستراتيجي. إن
الخيار الأكثر براغماتية هو بناء أنبوب غاز باتجاه تركيا، وإيصاله إلى الاتحاد
الأوروبي. ستكون كلفة بناء مثل هذا الأنبوب تحت البحر أقل من كلفة الاستثمارات
اللازمة لبناء معمل لتسييل الغاز في قبرص التي تمثل نقطة الدخول الأخرى باتجاه
الأسواق الأوروبية. تواجه إسرائيل خياراً صعباً باعتبار أن هذا الخيار يرتكز على
رهان دبلوماسي مزدوج هو: المفاوضات الهادفة إلى تطبيع العلاقات مع أنقرة،
والمفاوضات التي تم استئنافها مؤخراً بين الجمهورية التركية لشمال قبرص وحكومة
نيقوسيا بهف توحيد الجزيرة.
توصلت
إسرائيل وتركيا إلى اتفاق مبدأي لتصفية النزاع المتعلق بأسطول مافي ـ مرمرة الذي
هاجمه كوماندوس إسرائيلي في شهر أيار 2010 أثناء توجهه إلى غزة. قدمت إسرائيل
اعتذارها لموت تسعة ناشطين أتراك، ووافقت على دفع 16.7 مليون يورو كتعويضات. تعهدت
أنقرة بالتخلي عن الملاحقة القضائية ضد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين.
ولكن
بعض الترددات في اللحظة الأخيرة ظهرت في إسرائيل وتركيا. يستعد رجب طيب أردوغان
الذي يواجه وضعاً صعباً بسبب قضية فساد خطيرة، لاستحقاقين هامين وغير مضمونين هما:
الانتخابات البلدية بتاريخ 30 آذار والانتخابات الرئاسية في شهر حزيران أو آب. في
هذا السياق، إن الإعلان عن التقارب مع إسرائيل يمثل مخاطرة سياسية، نظراً لأن انتقادها
كان يمثل دوماً شعاراً انتخابياً أساسياً لحزب العدالة والتنمية.
يحمل
الملف القبرصي أيضاً الكثير من الاحتمالات غير المضمونة. اجتمعت حكومتا الجزيرة
بتاريخ 11 شباط بعد انقطاع استمر عاماً ونصف. إن حصول اتفاق سياسي بين الحكومتين
ربما ينجم عنه نتائج إيجابية حول المسائل الإستراتيجية، لأن أنبوب الغاز
الإسرائيلي باتجاه تركيا، سيمر بالضرورة عبر المياه القبرصية من أجل تجنب المياه
اللبنانية أو السورية. يعني ذلك أن التوصل إلى اتفاق في نيقوسيا أمر ضروري. ردت
تركيا بقولها أن استثمار بئر أفروديت بمثابة الوهم بدون المصالحة بين الإخوة
الأعداء في قبرص.
قامت
البحرية التركية بتاريخ 1 شباط باعتراض سفينة نرويجية للتنقيب عن الغاز استأجرتها
نيقوسيا، وذلك لكي تدعم تركيا رسالتها، ولم تستطع حكومة نيقوسيا إدانة "دبلوماسية
المدافع" التركية. تستطيع تركيا وإسرائيل كسب الكثير في هذه المواجهة في
شرق المتوسط عبر تطبيع علاقاتهما، فبإمكانهما استثمار الموارد الغازية في المنطقة
وكسر عزلتهما الدولية: تتزايد العزلة الدولية لإسرائيل، وتدهورت علاقات تركيا مع
مصر وسورية بشكل واضح.
من
الممكن أن يصبح الغاز الإسرائيلي عامل سلام أو خلاف في الشرق الأوسط. لنراهن على
أن السيناريو الأول ليس بعيداً عن الواقع: توصلت الشركات الأردنية والشركة
المستثمرة لبئر تامار الإسرائيلي بتاريخ 19 شباط إلى اتفاق سيسمح للمملكة الهاشمية
بشراء 1.8 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي خلال خمسة عشر عاماً، إنه فأل خير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق