صحيفة اللوموند 13 آذار 2014 بقلم
مديرة مركز المبادرة العربية للإصلاح بسمة قضماني التي شاركت في عام 2012 بتأسيس "جمعية
المبادرة من أجل سورية جديدة"
تسربت بعض الصور من سورية عشية مؤتمر جنيف لكي
تقدم دليلاً دامغاً على موت أحد عشرة ألف شخص جراء التعذيب في مراكز الاعتقال في
العاصمة فقط. إن هذه الأفعال لا تُعبر عن نوع من الجنون أو مجرد سوء عمل الجهاز
الأمني، إنها تكشف عن الطابع الصناعي الممنهج لمشروع الموت الذي بدأه بشار الأسد،
وهي شكاوى صارخة لكي تحذر العالم من الشيطان الذي تعتقدون أنكم تعرفونه وتحاولون
رد الاعتبار إليه لأنكم تفضلونه على الشيطان الذي لا تعرفونه. في الحقيقة، إنكم لا
تعرفون هذا الشيطان أيضاً. إنه يتصف بقدرة عالية على التلاعب بالقيم الغالية على
المجتمعات الغربية. يقول أن عائلته هي الضمان الوحيد لخلاص المسيحية في الشرق، وأن
سورية هذه العائلة هي المعقل الأخير للعلمانية في العالم العربي. في الواقع، يحتمي
الأسد وراء المسيحيين أكثر من قيامه بحمايتهم، وينوي إضفاء الشرعية على أحد
الأنظمة الأكثر طائفية في العالم باسم العلمانية، ويُلوّح بالخوف من الإسلام من
أجل نزع إنسانية ضحاياه وحتى إبادتهم بالسلاح الكيميائي.
يُقدم النظام نفسه على أنه الحصن الوحيد ضد
الجهادية، ولكن هذا السرطان الذي يهدد العالم هو حليفه الأفضل. إن كتائب الجيش
السوري الحر هي التي تقاتل تنظيم القاعدة في سورية منذ ستة أشهر، وتعمل بوسائل غير
كافية على إيقاف الخطر الجهادي الذي يُقلق أوروبا بحق. إن ذلك لم يمنع الأسد من
إرسال ممثليه إلى جنيف مع أمر وحيد هو الحديث عن مكافحة الجهادية التي يدعي القيام
بها. بالنسبة له ولموسكو، إنها وسيلة لإعاقة عملية المفاوضات في جنيف والاستمرار
بها حتى شهر حزيران 2014 موعد نهاية السنوات السبع التي يُفترض بها أن تكون مدة
الولاية الرئاسية. سيظهر عندها بشكل طبيعي ضرورة تنظيم انتخابات أو على الأرجح،
نظراً لاستحالة تنظيمها، الاستناد إلى المادة 88 من الدستور الجديد الذي ينص على
تمديد ولاية الرئيس لمدة سنتين.
من المدهش رؤية بعض الدبلوماسيين الغربيين
يتحدثون عن بقاء الأسد لعدم وجود بديل آخر بعد شهر حزيران باعتباره السيناريو
الوحيد الذي يفرض نفسه بشكل حتمي ويجب الاستسلام له. خسر الأسد كل شرعيته بنظر
الدول الديموقراطية خلال الأشهر الأولى من القمع. سيكون من العبث بعد مرور ثلاث
سنوات وموت مئة وثلاثين ألف شخص القبول بأن دستور الأسد هو نص يفرض جدول عمل
سياسي. إن ذلك يعني الاعتراف بأن سورية هي دولة قانون والتخلي عن وثيقة مؤتمر جنيف
1 التي أكدها بقوة قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 2118.
غادرت المعارضة السورية والدول التي تدعمها جنيف
مقتنعة بأنه يجب تصحيح ميزان القوى العسكرية قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.
للأسف، سيكون ذلك ضرورياً بلا شك، ولكن موعد استحقاق شهر حزيران 2014 سيكون أكثر
سرعة. إذا لم يتم تحديد أية استراتيجية بشكل حازم، فإن الأسد وموسكو سيستمران في
التحكم بالجدول الزمني وإدارة النزاع بأكمله.
من الممكن أن تبدأ بعض الدول، ولاسيما مجموعة
الإحدى عشر التي تضم الولايات المتحدة وأهم ثلاث دول أوروبية، دون تأخير بإعداد
تصعيد محسوب على الصعيد السياسي والدبلوماسي والقضائي لكي ينقلب استحقاق شهر
حزيران 2014 ضد النظام وجعله تهديداً على شكل إنذار نهائي. بإمكان هذه الدول أن
تعلن بشكل أحادي الجانب أن العملية الانتقالية يجب أن تبدأ الآن، وأنه يقع على
عاتق السلطة الحكومية الانتقالية تحديد الجدول الزمني السياسي الجديد وتحديد
الاستحقاقات الانتخابية الجديدة، الأمر الذي سيُلغي الاستحقاق الرئاسي في شهر
حزيران 2014. لن يكفي ذلك بالتأكيد لإقناع الأسد أو موسكو بتغيير موقفهما، ولكن
عندما تلاحظ هذه الدول رفضهما للتعاون، يجب عليها أن تقرر وتعلن منذ الآن أنها ستبدأ
بإتخاذ إجراءات أحادية الجانب فوراً بعد التاريخ النهائي المحدد من قبل الأسد.
أولاً، يجب أن تشير مجموعة الإحدى عشر إلى أنها
ستقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سورية بعد شهر حزيران. حان الوقت لإيضاح الوضع بشكل
كامل، لأن دبلوماسية الحل الوسط التي تستمر منذ ثلاثين شهراً أظهرت ضررها، لأنها
تحرم المجتمع السوري الحقيقي من الوجود الدبلوماسي وتجعل الأسد يعتقد بفكرة أن هذه
الدول ستعود إليه في النهاية. ثانياً، يجب تشجيع ائتلاف المعارضة على إعلان تشكيل
سلطة حكومية انتقالية وتحديد أساليب عملها، وتحديد عدد الحقائب الوزارية، وترك
نصفها على سبيل المثال شاغراً باعتبارها حقائب عائدة لنظام الأسد. سيقع القرار
الثالث بشكل طبيعي على عاتق أصدقاء سورية عبر الاعتراف بالسلطة الحكومية
الانتقالية، حتى لو كانت غير كاملة، باعتبارها الممثل الوحيد لسورية وتسمية بعض
السفراء.
بشكل موازي لهذه الاستراتيجية الدبلوماسية، من
الملائم تفعيل المسار القضائي وتهديد أهم المسؤولين عن جرائم الحرب بالملاحقات
الجنائية مع تحديد شهر حزيران كمهلة نهائية. بسبب عدم التمكن من إحالة الملف إلى
المحكمة الجنائية الدولية، يجب مساعدة السلطة الانتقالية على البدء بعدة إجراءات
بديلة (مثل الصلاحيات الدولية). في هذا المجال أيضاً، لا يجب أن تتردد بعض الدول
التي تخشى تهديد فرص الحل السياسي، لأن هذا التردد أدى إلى تعزيز شعور الإفلات من
العقاب لدى الأسد والمحيطين به.
أخيراً، من الملائم فرض هذه الاستراتيجية مع
تشجيع الاتصالات السياسية مع جميع حلفاء النظام واقتراح أسلوب جديد للمفاوضات في
جنيف. إن التصعيد المتوقع هنا لا يمنع إطلاقاً البحث عن حل تفاوضي. بل على العكس،
يهدف هذا التصعيد إلى توفير الوسائل الضرورية للضغط القادر على إعطاء الفرصة
للمفاوضات التي ما زالت غير موجودة حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق