الموقع الإلكتروني
لصحيفة الفيغارو 8 آب 2014 بقلم
النائب الاشتراكي الفرنسي جيرار بابت Gérard
Bapt
يمثل الترحيل الإجباري لمسيحيي الموصل خطوة
إضافية ومأساوية في إزالة الوجود المسيحي من الشرق الأوسط بشكل محتوم. قام
المسيحيون، في العراق بشكل خاص، بدور هام خلال وجودهم منذ ألفي عام عبر حضورهم في
قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد والثقافة، وكانوا عامل استقرار للمجتمع العراقي،
وكانوا يشكلون جزءاً هاماً من الطبقة الوسطى فيه. إن وجودهم كان يمنع المواجهة
المباشرة بين السنة والشيعة. كان عدد المسيحيين أكثر من مليون نسمة قبل الغزو
الأمريكي، وتراجع عددهم أكثر من النصف بسبب الفوضى الناجمة عن هذا الغزو. أدان
البطريرك الكلداني لوي ساكو Louis Sako العمل الأمريكي "الذي لم يُسقط صدام حسين فقط، بل أسقط
جميع مؤسسات الدولة معه".
إن الدولة الإسلامية هي الطفل المتوحش للولايات
المتحدة وحلفائها في الخليج كما كان عليه الحال مع بن لادن في أفغانستان، وهي تقوم
اليوم بإنهاء التطهير الديني في العراق. تعرض أكثر من مئتي ألف مسيحي وشيعي ويزيدي
للطرد من مدينتهم سنجار. في الوقت نفسه، تنشر الدولة الإسلامية خلافتها في سورية
أيضاً، وهاجمت قاعدة عسكرية جديدة، وأعدمت خمسة وثمانين جندياً سورياً "كافراً".
أصبح لبنان أيضاً في شمال البقاع هدفاً جديداً لاحتلال جبهة النصرة والدولة
الإسلامية المتحالفتين في الظروف الحالية.
ماذا يستطيع المجتمع الدولي للوقوف في وجه
الترحيل الإجباري للمسيحيين وبقية الأقليات في العراق؟ هل النداء الموجه إلى
"السلطات العراقية" باحترام حقوق الأقليات يمكن أن يكون كافياً بدون
القبول بتدخل إيراني واسع؟ وهكذا يظهر مدى الكارثة في التناقض الأساسي للسياسة
الغربية: كيف يمكن الاستمرار في الدعوة لسقوط بشار الأسد في الوقت نفسه؟ هل من
الممكن تصور أن هذا السقوط لن يؤدي إلى الفوضى، كما حصل بعد التدخل الغربي في
العراق وليبيا، وهناك الكثيرون من الذين يتأسفون على النظام القديم في هاتين
الدولتين، إنه تناقض مؤلم جداً! سيؤدي ذلك إلى ترحيل جديد للأقليات الدينية
وللمسيحيين في سورية التي ما زالت تضمن وجودهم وحرية عبادتهم؟ سيصبح وجودهم مهدداً
أيضاً بسرعة في لبنان الذي ستمتصه عدوى الفوضى بشكل حتمي؟
حان الوقت لكي يدرك قادة الدول الغربية مدى
الخطر التاريخي الذي يتعرض له الشرق الأوسط مع صعود قوة الإسلاموية الشمولية التي
تطمح إلى توسيع سيطرتها إلى جميع الدول المجاورة. إن ضرورة الحل التفاوضي في
فلسطين لن يكفي لكي تتراجع الإسلاموية الشمولية، ولم يعد الوضع في فلسطين المحرك
الداخلي لعدم الاستقرار وللاستنكارات الجماعية في عالم عربي تمزقه النزاعات
الداخلية الدامية.
حان الوقت لكي تسعى الأمم المتحدة إلى البحث عن
تسوية تاريخية بين إيران والشيعة من جهة ودول الخليج والسنة المعتدلين من جهة
أخرى. يجب أن تبدأ هذه المبادرة من سورية التي ما زالت الدولة قائمة فيها، ويجب أن
تقودها هذه المبادرة إلى قبول حل سياسي يضمن للمعارضة الديموقراطية المستهدفة من
قبل الجهاديين ـ ومن ضمنها الجناح المسلح ـ مشاركة حقيقية في الحكومة وفي إعادة
البناء المعنوية والمادية تحت ضمانة ووجود دوليين.
هل يجب قبول بعض التغيير في الحدود من أجل
التوصل إلى تسوية تاريخية؟ لماذا يجب التشبث بالحدود التي رسمتها القوى
الاستعمارية القديمة؟ يجب أن تكون جميع احتمالات الحلول الممكنة قابلة للتفاوض.
إن
المأساة التي يعيشها مسيحيو الشرق في الموصل وجميع الأقليات في سنجار تُسلط الضوء
على الخطر بكامل حجمه. حان الوقت لكي تعمل الهيئات الدولية على إفشال المشروع
الشمولي الإسلامي في الهيمنة عبر فرض تسوية إقليمية تاريخية بين الشيعة والسنة
المعتدلين بشكل يضمن الاستقرار وحقوق الأقليات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق