صحيفة اللوموند
23 آب 2014 بقلم الباحث في المركز الوطني للدراسات العلمية CNRS
بيير جان لويزارد Pierre-Jean
Luizard
يندفع كردستان العراق منذ عام 1991 نحو
الاستقلال الذي أعطاه الاحتلال الأمريكي عام 2003 طابعاً لا عودة عنه. تملك المحافظات
الكردية الثلاثة في إقليم كردستان دولتها الخاصة بها، ولم يعد ينقصها إلا الاعتراف
الإقليمي والدولي. ليس مسموحاً للجيش العراقي بدخول الأرض الكردية، ولم تعد
السلطات الكردية بحاجة إلى موافقة بغداد لإبرام العقود النفطية مع الشركات
الأجنبية.
سيُقال بالتأكيد ألم يدعو رئيس الوزراء الشيعي
الجديد من بغداد القوات الكردية للمساعدة في مواجهة الدولة الإسلامية؟ يُلاحظ
جيداً هنا حالة التفكك داخل مؤسسة في مرحلة الانهيار. هل ستكون القوات الكردية
مستعدة لإعادة الأراضي التي استولت عليها الدولة الإسلامية إلى الحكومة العراقية،
هذه الأراضي الغنية بالنفط وتدخل ضمن "الأراضي المتنازع عليها"
بين بغداد وأربيل؟
إنه
رهان بين ثلاثة أطراف من الآن فصاعداً، ويراهن كل طرف على تقسيم خاص به على أساس
طائفي. أخذت القوى الغربية علماً بذلك بشكل جزئي: هل طلبت هذه القوى إذن الحكومة "المركزية"
في بغداد من أجل تسليح جيش كردي ليس وطنياً إطلاقاً؟ فيما يتعلق بالأكراد، هل هم
الحصن في مواجهة الجهاديين كما نحب وصفهم؟
إن التقدم الخاطف للدولة الإسلامية خلال شهر حزيران لم يكن ممكناً إلا بفضل الصفقة
المبرمة مع القادة الأكراد. إنها صفقة لتقاسم الأراضي بين الأكراد والدولة
الإسلامية بعد هزيمة الجيش العراقي: تأخذ الدولة الإسلامية الموصل وسهولها، ويأخذ
الأكراد كركوك والأراضي المتنازع عليها. لم يمكن مصير المسيحيين مهماً جداً
بالنسبة للقادة الأكراد المشغولين جداً بكردستان الكبرى.
الهدف بالنسبة للدولة الإسلامية هو بغداد لكي
تحتل مقر الخلافة العباسية وتنتقم من الشيعة الذين انتصروا في الحرب الطائفية بين
عامي 2005 ـ 2008. بدأت إستراتيجية حصار العاصمة، وأصبحت الأحياء السنية في بغداد
تُعتبر كطابور خامس للدولة الإسلامية. كان من المفترض أن تسمح الصفقة مع الأكراد
أن يستولي الجهاديون على محافظة ديالا، وبالتالي تصبح بغداد بين فكي الكماشة.
ولكنهم اصطدموا بحائط الميليشيات الشيعية المدعومة بالجيش العراقي، وتمكنت هذه
الميليشيات من إيقاف هجوم الجهاديين بعد منتصف شهر حزيران. قام الجهاديون بتحميل
الأكراد مسؤولية هذه الهزيمة الأولى.
ما
زالت الدولة الإسلامية جماعة صغيرة تكمن قوتها في ضعف خصومها الغارقين في تناقضات
لا يمكن حلها. في الحقيقة، إنها الوحيدة التي أكدت علنا موت الدولة العراقية، في
الوقت الذي تتعلق فيه بقية الأطراف بوهم الدولة العراقية. إن نوري المالكي ليس إلا
ممثلاً عن النظام السياسي الذي تركه الأمريكيون وراءهم، وهو نظام غير قابل للحياة.
يتصرف كل طرف في هذا النظام على أسس طائفية وعرقية وليس على أسس وطنية. اعتمد
الأمريكيون على المستبعدين من النظام السابق، الشيعة والأكراد، لكي يحكموا معاً.
إن المستبعدين منذ عام 2003 هم السنة العرب (22 % من سكان العراق)، وأصبح السنة
يعانون بدورهم من المصير الذي عانى منه سابقاً الشيعة والأكراد، ولكن بقسوة أقل.
يميل السنة العراقيون دوماً، بخلاف الشيعة، إلى عدم قبول الدولة العراقية إلا بشرط
احتكارهم لها.
إن
العودة إلى أصل "المسألة العراقية" يساعد على فهم الرهانات
الحالية. إن العراق اليوم هو نتيجة تقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب
العالمية الأولى. أعطى الحلفاء في ذلك الوقت وعوداً كثيرة ومتناقضة لحث الحركات
المعادية للإمبراطورية العثمانية، وحصل العرب والأكراد والآشوريين والأرمن على
وعود بدول مستقلة أو أوطان قومية على الأراضي نفسها في أغلب الأحيان. لم يتم
الوفاء بأي وعد من هذه الوعود. في الوقت نفسه تقريباً، كان المندوب البريطاني في
القاهرة السير هنري مكماهون يعطي الوعد للشريف حسين في مكة بإقامة خلافة عربية على
المناطق العربية المُقتلعة من الهيمنة العثمانية بدلاً عن الخلافة العثمانية، وكان
المفاوضان البريطاني والفرنسي سايكس وبيكو يتقاسمان الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ
بريطانية وفرنسية. قسمت الحدود تجمعات إقليمية واضحة مثل وادي الفرات بين سورية
والعراق.
تم
الإعلان عن الدولة العراقية عام 1920، وبُنيت ضد مجتمعها. كان الشيعة يمثلون ثلاثة
أرباع العرب في العراق، ورفضوا الدولة الجديدة بقوة. أظهرت ثورة عام 1920 هذا
الرفض بوضوح. في عام 1925، تم ضم محافظة الموصل التي يعيش فيها الأكراد بالقوة إلى
الدولة العراقية التي تُعرّف نفسها كدولة عربية. بين عامي 1925 و2003، كان الأكراد
في حرب شبه دائمة ضد الدولة. فيما يتعلق بالشيعة، بدأت طبقة شابة من رجال الدين
الشيعة في أوج انبعاثها بتشجيع الشيعة على رفع رأسهم بعد هزيمتهم وضياعهم خلال
ثلاثة عقود. تم الإعداد للثورة الإسلامية الإيرانية بشكل كبير في مدينة النجف
العراقية.
اعتقد الكثير من الشيعة أن ساعة الانتقام قد
حانت في العراق مع العودة الظافرة للخميني في إيران. كانت الحرب الأهلية الكامنة
تنمو بين الحركة الدينية الشيعية العائدة إلى المسرح السياسي وبين النظام البعثي.
كان من المفترض أن يسقط هذا النظام في نهاية سنوات السبعينيات تحت تأثير الحركات
الكردية والشيعية. اختار هذا النظام توسيع الحرب الداخلية في العراق عبر مهاجمة
إيران عام 1980 بدعم من القوى العظمى. يعرف الجميع ماذا حصل بعد ذلك، وسقوط العراق
في الجحيم بسبب الحروب المتوالية وحركات التمرد المقموعة بالدم ووقوع البلد تحت
وصاية العقوبات خلال سنوات التسعينيات... حتى حرب عام 2003 التي أدت إلى انهيار
أول دولة عراقية.
تستفيد الدولة الإسلامية من فشل الأمريكيين في
إعادة بناء الدولة العراقية على أسس طائفية. كان يجب على بغداد أن تكون قادرة على
اقتراح ما هو أفضل من الدولة الإسلامية إلى الشعب السني الذي يرفض المصير المُعد
له في سياق المؤسسات الحالية. أعطت الدولة الإسلامية السلطة إلى القبائل والعشائر
في المدن المستولى عليها. بالتأكيد، إن الجهاديين ليسوا بمنأى عن التغيرات المحلية
المفاجئة أو عن أخطاء علاقاتهم مع القبائل. ولكن ممثلي القبائل والأحياء في الموصل
أقسموا على عدم السماح إطلاقاً بعودة الجيش والشرطة العراقية إلى المدينة.
هل
يجب إنقاذ الدولة العراقية بشكلها الحالي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تطرحه
الدبلوماسيات الغربية. إنها دولة غارقة كلياً، ولا يتم الحفاظ على المظاهر إلا
بفضل غياب التوافق الإقليمي والدولي حول احتمال اختفائها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق