الصفحات

الأربعاء، ٢٠ آب ٢٠١٤

(التمرد يُخاطر بحياته في شمال سورية)

صحيفة اللوموند 20 آب 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     دفع الجهاديون ثمن استيلائهم على الفلوجة في بداية العام عبر تراجعهم الواضح في شمال سورية، واضطربوا بسبب الهجوم المفاجئ الذي شنته الكتائب المعادية للأسد ضدهم في منطقتي إدلب وحلب. بعد مرور ثمانية أشهر، عاد جنود أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة إلى شمال سورية بشكل مذهل على الرغم من انخراطهم الكامل في المعركة ضد البشمركة، واستولوا على عدة قرى محيطة بحلب خلال الأسبوع الماضي، وأصبحوا يهددون اليوم قرية المعرة معقل التمرد في هذه المنطقة. إن سقوط هذه القرية الزراعية يمكن أن يفتح شمال سورية بأكمله أمام عصابات داعش، ويمكن أيضاً أن يقطع إمدادات المتمردين التي تصل عبر تركيا، وأن يُكمل محاصرة الأحياء المتمردة في حلب المحاصرة أصلاً من قبل القوات النظامية من الشرق والجنوب والغرب.
     اعترف الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر حسام المرعي Hossam Al-Mara’i قائلاً: "الوضع حَرِج: يجب علينا القتال ضد عدوين في الوقت نفسه. نخشى أن تتعرض حلب للمصير نفسه الذي تعرضت له حمص" التي اضطر المتمردون إلى إخلائها في شهر أيار بعد عدة أشهر من الحصار والقصف. قال أحد ناشطي المعارضة من المعرة (ولكنه يسكن في مدينة ليون الفرنسية منذ فترة قصيرة) سامي النجار Sami Al-Najjar: "إذا سقطت المعرة، فإن حلب ستسقط أيضاً، وسيكون ذلك نهاية الثورة".
     أطلق الجهاديون على عمليتهم اسم "الانتقام لعفة النساء". إن اختيار هذا الاسم يُذكّر بادعاءات خطف واغتصاب نسائهم خلال هجوم المتمردين في شهر كانون الثاني، ويشير ذلك إلى مدى تصميمهم. تريد قوات الدولة الإسلامية إزالة الإهانة التي أصابتهم واستعادة سلطتهم والتوسع بشكل أكبر في الجهة الغربية للخلافة التي أعلن عنها "إبراهيم" من جامع الموصل الكبير في نهاية شهر حزيران. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى اعتقال عشرات المتمردين وقطع رأس سبعة عشر رجلاً منهم خلال الهجوم الخاطف الذي وقع يوم الأربعاء 13 آب. استولت الدولة الإسلامية خلال أربعة وعشرين ساعة على حوالي عشرة قرى مثل تركمان بارح والمسعودية والغوز وأختارين وأشرف ودابق.
     إن الاستيلاء على قرية دابق له طعم خاص بالنسبة لأتباع الخليفة، نظراً لأنها مذكورة في الحديث الشريف كموقع لمعركة كبرى قبل نهاية العالم. كما أعطت الدولة الإسلامية اسم دابق لمجلتها التي صدر عددها الأول باللغتين العربية والانكليزية في شهر تموز. قال شارلز ليستر Charles Lister، الباحث المتخصص بالمجموعات الجهادية في مؤسسة بروكنغز بالدوحة: "أعلن أبو مصعب الزرقاوي في الماضي، وهو الذي أسس هذه الحركة التي أعلنت عن ولادة الدولة الإسلامية، أن الاستيلاء على دابق سيكون الخطوة الأولى باتجاه غزو القسطنطينية وروما".
     أصبحت مدافع الدولة الإسلامية موجهة باتجاه المعرة الواقعة على مسافة أربعين كيلومتراً شمال حلب. تعرّض سكان المعرة إلى قصف مكثف خلال الأيام الأخيرة على غير عادة الجهاديين حتى الآن. لقد تمكنت الدولة الإسلامية من مضاعفة قوة نيرانها بفضل الترسانة التي استولت عليها من قواعد الجيش العراقي بعد الاستيلاء على الموصل. قال سامي النجار الذي يتواصل مع المقاومين في المعرة: "إن هذا القصف يشبه قصف النظام"، وأكد أن الجهاديين يملكون دبابات، وأنه تم العثور في المواقع المقصوفة على بعض شظايا القذائف الأمريكية الصنع التي سلمتها الولايات المتحدة إلى الجيش العراقي.
     سيُشكل سقوط المعرة من الناحية الرمزية أيضاً ضربة قوية للمعارضين السوريين. إن المعرة هي المدينة الأولى التي تظاهرت ضد نظام بشار الأسد في محافظة حلب في شهر نيسان 2011. كما شهدت المعرة ولادة كتيبة التوحيد التي قام زعيمها الكاريزمي عبد القادر صالح بقيادة عملية دخول المتمردين إلى أحياء حلب الشرقية في شهر تموز 2012، وما زالت القاعدة العامة لهذه الكتيبة المتمردة ذات التوجه الإسلامي المعتدل موجودة في المعرة، ولكن الخلافات الداخلية والانشقاقات أضعفت قوتها منذ موت مؤسسها في شهر تشرين الثاني 2013. إن جيش المجاهدين في طريقه نحو الزوال أيضاً، وهو مجموعة مسلحة أخرى كانت في طليعة العملية ضد الجهاديين في بداية العام. وكذلك الأمر بالنسبة للجبهة الإسلامية التي تمثل تحالفاً بين الكتائب السلفية.
     أشار شارلز ليستر إلى تضاؤل تسليم الأسلحة خلال الأشهر الماضية إلى المجموعات المتمردة من قبل السعودية وقطر اللتين كانتا إحدى مفاتيح الانتفاضة في شهر كانون الثاني. يكمن السبب الرئيسي لذلك بنقص تنسيق العمليات العسكرية، وهي نقطة ضعف التمرد. لم ينجح آخر رئيس للجيش السوري الحر العميد عبد الإله البشير في فرض نفسه ميدانياً، وقد تمت تسميته في شهر شباط بعد عزل سليم إدريس. قال حسام المرعي: "هناك نقاشات لتسمية قائد عسكري جديد، ولكنها لم تنجح حتى الآن". هناك سبب آخر لتفاقم الوضع: تراهن جبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة على ورقة الحيادية منذ هزيمة مقاتليها أمام الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور في بداية الصيف، وانسحبت أغلبية قواتها من محافظة حلب إلى المنطقة المجاورة في إدلب.
     إذا، تميل موازين القوى بشكل واضح لصالح أبو بكر البغدادي الذي تقترب قواته من قرية صوران الواقعة على طريق إعزاز، وهي القرية الأخيرة قبل الوصول إلى المركز الحدودي باب السلامة. إذا انقطع الطريق إلى هذا المركز الحدودي، فإن المعارضين السوريين سيحتفظون بطريق واحد فقط للتموين عبر تركيا هو المركز الحدودي باب الهوى في شمال إدلب. قال سامي النجار: "إن الرهان هو بقاء هذا التيار المعتدل للمعارضة على قيد الحياة".
     يدرك المعارضون السوريون أنهم لا يستطيعوا الاعتماد إلا على أنفسهم في المعركة القادمة، ويراقبون بمرارة استعجال الولايات المتحدة وفرنسا في إغاثة الأكراد والمسيحيين في العراق. قال حسام المرعي غاضباً: "قال أوباما أنه يريد تجنب إبادة جماعية، لكي يبرر غارات الطيران الأمريكي على مواقع داعش في العراق. ولكن المجزرة بحق مئة وسبعين ألف سوري، أليست إبادة جماعية؟ أليس هناك اعتبار لنزوح إحدى عشرة مليون سوري؟". تم نقل رسائل متشائمة إلى واشنطن، ولكن بدون جدوى حتى الآن. أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل يوم الاثنين 18 آب عن  تدمير جميع الأسلحة الكيميائية التي كان يملكها النظام السوري.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق