صحيفة اللوموند 28 آب 2014 بقلم مراسلها الخاص في واشنطن جيل
باريس Gilles Paris
لم
تتأخر حكومة بشار الأسد طويلاً لكي تدرك مدى الفرصة التي أتاحها توسع الدولة
الإسلامية والقلق الذي يثيره الجهاديون في واشنطن من الآن فصاعداً. اقتصر رد
الرئيس الأمريكي في المرحلة الأولى على مسرح العمليات العراقي. ولكن إعدام الصحفي
جيمس فولي بتاريخ 18 آب، ثم النتيجة التي توصل إليها رئيس الأركان الأمريكي مارتين
ديمبسي بعد ثلاثة أيام بأن الدولة الإسلامية تملك في سورية معقلاً بمنأى عن القصف
الجوي الأمريكي، أظهرا محدودية التدخل الأمريكي بحده الأدنى. أصبح من الممكن الآن
توسيع التدخل الأمريكي في العراق لكي يشمل مدينة آمرلي التركمانية المهددة من قبل
الدولة الإسلامية.
تجاه
هذا الانخراط الأمريكي الجديد، أعربت دمشق بلسان وزير خارجيتها وليد المعلم يوم
الاثنين 25 آب عن استعدادها للتعاون "في مكافحة الإرهاب على الصعيدين
الإقليمي والدولي". لم يعارض النظام السوري العمليات الأمريكية في سورية
بشرط أن تجري بالتنسيق معه. في حال عدم التنسيق معه، فإنها ستكون "عدواناً"،
وأكد وليد المعلم أن الغارة التي شنها الأمريكيون لمحاولة الإفراج عن الرهائن قبل
بداية القصف الجوي الأمريكي في العراق، ما كانت ستفشل لو تم إشراك دمشق فيها.
إنها
ليست المرة الأولى التي يحاول فيها النظام السوري المراهنة على هذه الورقة. يكمن
الاختلاف هذه المرة في الربط بينه وبين عشرات آلاف القتلى منذ عسكرة القمع خلال
خريف عام 2011 تجاه التمرد السوري، الأمر الذي أدى إلى تسريع القطيعة بين البلدين.
ما زالت الأصوات نادرة جداً في واشنطن للدفاع عن الحجة الأقل سوءاً، أي القائلة
بأن هزيمة الدولة الإسلامية تستحق بنظرهم إعادة الاعتبار إلى بشار الأسد ولو
جزئياً. قال الباحث المتخصص بالشأن السوري في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس Joshua Landis: "إن المعسكر المؤيد لإسرائيل
بأكمله يعارض ذلك، لأن استئناف العلاقة مع دمشق باسم مكافحة الدولة الإسلامية
سيكون الخطوة الأولى قبل استئناف العلاقة مع طهران للسبب نفسه، وذلك يهدد بخطر عدم
التركيز على مسألة البرنامج النووي الإيراني". كما قال مارتين ديمبسي
بتاريخ 21 آب: "إن النظام جزء من المشكلة".
تزامنت المبادرة السورية مع الإعلان عن الضوء
الأخضر الذي أعطاه الرئيس باراك أوباما بتاريخ 24 آب لتحليق طائرات التجسس
والطائرات بدون طيار فوق الأراضي السورية من أجل جمع المعلومات حول مواقع الدولة
الإسلامية. استبعد البيت الأبيض يوم الثلاثاء 26 آب أي تنسيق مع نظام بشار الأسد
بلسان الناطق الرسمي باسمه جوش إيميست Josh Eamest،
ولكن العرض السوري يؤكد وجود بعض الجوانب الخفية في الاستراتيجية الأمريكية في
الوقت الحالي: أي المشاركة في صد الدولة الإسلامية من أجل تشكيل تحالف قادر على
هزيمتها.
ترفض
واشنطن إظهار نفسها بوضوح في الخط الأول، وتؤكد أن الانتصار ضد الدولة الإسلامية
يمكن تحقيقه عبر تحالف إقليمي بدون تحديد مكوناته. سيشمل هذا التحالف ما هو أكثر
من الدول السبعة التي بدأت بتسليح القوات الكردية، وحددها وزير الدفاع الأمريكي
تشاك هاغل يوم الثلاثاء 26 آب (ألبانيا وكندا وكرواتيا والدانمارك وفرنسا وإيطاليا
وبريطانيا). سيرتكز هذا التحالف منطقياً على الحلفاء التقليديين لواشنطن في
المنطقة: أي تركيا والأردن والسعودية. ولكن من الصعب تصور انخراط هذه الدول في مثل
هذه الحملة بسبب عدم توفر الوسائل العملياتية ونظراً للأخطار السياسية لمثل هذا
الانخراط.
أخيراً، إن أي توسيع للجهود الأمريكية إلى سورية
سيبقى لفترة طويلة خاضعاُ للنتائج المحققة على الأرض. تحقق النجاح الأول مع إبعاد
رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولكن الانحرافات الطائفية وصلت إلى مستوى كبير
في العراق خلال الأشهر الماضية لدرجة أن أي تقارب بين الشيعة والسنة ما زال هدفاً
طموحاً جداً. إن مثل هذا التقارب بين السنة والشيعة سيحرم الدولة الإسلامية من جزء
من الأرضية التي يزدهر عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق