الصفحات

الاثنين، ٢٢ أيلول ٢٠١٤

(تركيا تحافظ على موقف غامض)

صحيفة الفيغارو 22 أيلول 2014 بقلم مراسلها في استانبول ناري حكيكات Nare Hakikat

     ما زالت هناك العديد من النقاط الغامضة في الرواية الرسمية التركية حول عملية الإفراج عن الرهائن الأتراك. أشار الموقع الإلكتروني التركي Takva Haber المعروف بقربه من الدولة الإسلامية إلى أنه تم الإفراج عن الرهائن لأن "تركيا رفضت الانضمام إلى تحالف الاحتلال الأمريكي". كما يمكن أن نقرأ على الشبكات الاجتماعية أن تركيا سلمت الدولة الإسلامية مئة وثمانين عضواً في تنظيم القاعدة كانوا مُعتقلين لديها مقابل الإفراج عن الرهائن. رد الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل غامض على سؤال بهذا الشأن يوم الأحد 21 أيلول دون أن ينفي احتمال هذه المقايضة، معترفاً بوجود "تفاوض سياسي"، وأكد قائلاً: "لنفترض حدوث مثل هذه المقايضة. بالنسبة لي، لا شيء يعادل حياة 46 مواطن. لم تكن هناك مفاوضات مالية، ولكن هناك مفاوضات سياسية ودبلوماسية".
     أشارت الصحف التركية إلى أن هذه "المفاوضات" ربما تطرقت بشكل أساسي إلى المدينة الاستراتيجية الكردية كوباني (عين العرب باللغة العربية) في سورية. تدعم تركيا الجهاديين في هذه الجبهة لأنها ترفض تشكيل كيان كردي في سورية، وخاصة إذا كان تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني. أشارت وكالة الأنباء الكردية Firat إلى أن خمسة عربات عسكرية تركية قامت يوم السبت 20 أيلول بتسليم الأسلحة إلى الجهاديين الموجودين شرق مدينة كوباني.
     لم تعد هناك أية حجة أمام أنقرة تمنعها من الانضمام إلى التحالف ضد الدولة الإسلامية بعد الإفراج عن الرهائن باستثناء "الكراهية تجاه الأكراد". ولكن تركيا تحاول الحصول على بعض الضمانات قبل الإعلان عن موقفها حول هذا الموضوع، وذلك من أجل مواجهة تدفق اللاجئين إلى أراضيها هرباً من الجهاديين. ترغب تركيا بشكل خاص إقامة "منطقة عازلة" في شمال سورية. من المفترض أن يكون هذا الموضوع على جدول أعمال اللقاءات التي سيُجريها أردوغان في نيويورك أثناء مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة.


(الدولة الإسلامية: الرهان الغامض لأنقرة)

صحيفة الليبراسيون 22 أيلول 2014 بقلم مارك سيمو Marc Semo ومراسلها في استانبول رجب دوران Ragib Duran

     تقوم السلطات التركية منذ عدة أشهر بإغلاق الحدود مع المناطق الكردية السورية، ولكنها تسمح بمرور السلاح والمقاتلين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجهاديين. تغيرت المعطيات بعد الهجوم الواسع الذي شنته الدولة الإسلامية على مدينة كوباني (عين العرب) ثالث أكبر مدينة كردية في سورية، الأمر الذي أجبر تركيا على فتح حدودها أمام عشرات آلاف اللاجئين الهاربين من تقدم القتلة. عَبَرَ العديد من المتطوعين الأكراد الحدود سرّاً بالاتجاه المعاكس من أجل المشاركة في القتال.
     تتصاعد انتقادات الحلفاء في الحلف الأطلسي ضد المواقف الغامضة  للرئيس الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان تجاه الدولة الإسلامية، وضد العلاقات الغامضة بين أجهزة الاستخبارات التركية MIT والمجموعات الجهادية الأكثر راديكالية في سورية. تشير التقديرات إلى أن الدولة الإسلامية تحصل على عوائد قدرها مليون دولار يومياً من بيع النفط ونقله إلى لبنان وتركيا بشكل خاص. شددت واشنطن لهجتها تجاه أنقرة، واتهمت بعض الرجال المقربين من السلطة بالاستفادة من هذه التجارة. قال جوان زارات Juan Zarate من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى نيويورك تايمز: "إن جهودنا لإضعاف وتدمير الدولة الإسلامية أصبحت في خطر: ليس واضحاً فيما إذا كان هذا الشريك الأساسي في الحلف الأطلسي يملك الإرادة والقدرة على قطع تدفق الأموال والمتطوعين عن الجهاد".
     يمر المتطوعون الشباب القادمون من الدول الغربية والمقاتلون الأكثر خبرة القادمون من القوقاز بسهولة عبر الأراضي التركية من أجل الذهاب إلى الجهاد. يُقدّر المحللون أن عدد المواطنين الأتراك في صفوف الدولة الإسلامية يتجاوز الألف. قال صحفي في صحيفة Milliyet التركية أنه كان رهينة، وأن الذين خطفوه واعتقلوه وحاكموه وحكموا عليه بالموت هم مقاتلين أتراك حصراً. قال فهيم تاستكين Fehim Tastekin من صحيفة Radikal: "غرقت تركيا في مستنقع كبير لدرجة أنه أصبح من الصعب عليها التراجع. أصبحت السلطات التركية رهينة بسبب إقامة علاقات غير طبيعية إلى هذه الدرجة مع مثل هذه المنظمة". إذا تراجعت السلطات التركية، فإنها تُخاطر بأن تصبح هدفاً مباشراً لقتلة الدولة الإسلامية.








السبت، ٢٠ أيلول ٢٠١٤

(تركيا تأنف من الانخراط في التحالف ضد الدولة الإسلامية)

صحيفة اللوموند 20 أيلول 2014 بقلم مراسلتها في استانبول ماري جيغو Marie Jégo

     تأنف تركيا من دعم التحالف الدولي الهادف إلى القضاء على الدولة الإسلامية بفعالية. ترفض أنقرة المشاركة في العمليات العسكرية ضد الراديكاليين السنة الذين تنوي الولايات المتحدة ملاحقتهم في العراق وسورية، كما ترفض السماح لواشنطن باستخدام القاعدة الجوية Incirlik في جنوب تركيا.
     تمثل هذه المجموعة الجهادية تهديداً جدياً للأمن التركي. لقد استفاد مقاتلو الدولة الإسلامية من التساهل الواضح لأنقرة تجاه التمرد السوري من أجل تطوير شبكاتهم الخاصة ومراكز التجنيد داخل تركيا. من الناحية الرسمية، لا تريد تركيا تهديد حياة تسع وأربعين رهينة لدى الجهاديين في الموصل منذ شهر حزيران. ولكن الباحث في مركز الدراسات والأبحاث الدولية التابع لمعهد العلوم السياسية بيرم بالسي Bayram Balci قال: "تمثل الدولة الإسلامية قوة سنية على الرغم من أنها إرهابية وبربرية، ويمثل بروزها إلى حد ما ردة فعل تجاه الهيمنة الشيعية على السلطة في العراق، وقد ساهمت القوات الأمريكية بعد عام 2003 بتسهيل هذه الهيمنة. تخشى تركيا من أن يؤدي التحالف الحالي ضد الدولة الإسلامية إلى تهميش السنة بشكل أكبر بعد القضاء على الدولة الإسلامية".
     قال الباحث الاقتصادي والأستاذ في جامعة غلطة سراي في استانبول أحمد أنسيل Ahmet Ancel: "إن الرهائن التسعة والأربعين لا يكفون لتفسير هذا الخوف. هناك أيضاً الخوف من أن يقوم السنة الأتراك باتهام الحزب الإسلامي الحاكم أنه جزء من تحالف "الصليبيين". إن المسلمين الأتراك متضايقون جداً من الدولة الإسلامية، والأغلبية الساحقة منهم لا تؤيد وحشيتها. ولكنهم لا يعرفون كيف يلعنونها دون تشويه الإسلام. إنه موقف يشبه موقف الشيوعيين الأوروبيين من جرائم ستالين".
     يمثل التعاون المتزايد بين الدول الغربية والأكراد تفسيراً آخراً للتردد التركي. قال بيرم بالسي: "أصبح التحالف ضد الدولة الإسلامية في طور تعزيز جميع المنظمات الكردية في الشرق الأوسط: الأكراد في سورية والعراق وحزب العمال الكردستاني الذي تتفاوض معه تركيا. بهذه الخصوص، لا تريد الحكومة التركية أن يصبح حزب العمال الكردستاني قوياً جداً على الصعيد الإقليمي، لأن ذلك سيُجبرها على تقديم المزيد من التنازلات".
     يعتبر المسؤولون الأتراك أن المشكلة هي الرئيس السوري بشار الأسد أكثر من كونها الدولة الإسلامية. أشار نائب رئيس الوزراء  التركي نعمان قورتولموش Numan Kurtulmus يوم الثلاثاء 16 أيلول إلى أن  القضاء على المجموعة الجهادية لا طائل منه "ما دامت الظروف التي ساعدت على بروزه، أي التهديد بتقسيم العراق والحرب في سورية، لم تجد حلاً"، وهذا ما قاله أيضاً وزير الخارجية التركي في المؤتمر الذي نظمته باريس يوم الاثنين 15 أيلول.
     قال الدبلوماسي السابق ومدير مركز دراسات EDAM سنان أولغن Sinan Ulgen: "يُنظر إلى الدولة الإسلامية على أنها أحد أعراض الوضع السيء في سورية والمنطقة. لا يكفي موضوع الرهائن التسعة والأربعين لتفسير الانخراط الضعيف داخل التحالف، هناك أيضاً انعدام الإستراتيجية على المدى الطويل في واشنطن. لا يكفي التركيز على الدولة الإسلامية، يجب العثور على حلول من أجل مستقبل سورية والعراق. إن هذا التدخل لن يحل المشكلة حتى مع افتراض أنه سينتصر. ستكون هناك دوماً حركات جهادية أخرى، والوضع ملائم ذلك".
     لم يتوقف القادة الأتراك منذ بداية النزاع السوري عن تكرار أن المعارضة ضد بشار الأسد ستصبح راديكالية في حال عدم تقديم دعم كافي من قبل الدول الغربية. تؤيد تركيا إسقاط النظام الحاكم في دمشق، وهي عضو هام في مجموعة "أصدقاء سورية"، ولكن حلفاءها البريطانيين والأمريكيين تخلوا عنها في شهر آب 2013، وتفاوضوا على تسليم  الترسانة الكيميائية السورية متخلين عن مشروع الضربات الجوية. بعد مرور عام على ذلك، يجب الآن على تركيا إدارة 1.4 مليون لاجئ (منهم أربعمائة ألف لاجئ في المخيمات القريبة من الحدود)، وأصبحت أرضها قاعدة خلفية للجهاديين، وازدهر فيها تهريب النفط السوري والعراقي.
     قال سنان أولغن: "لم تدرك تركيا الأخطار الذي ستواجهها بسبب تبنيها سياسة لا تأخذ بعين الاعتبار الفروق بين مختلف مكونات المعارضة السورية، وكانت متأكدة من مبدأ: "عدو عدوي صديقي". ولكن الأمور تغيرت منذ شهر نيسان، وتم تعزيز الأمن على الحدود، وأصبحت قائمة المواطنين الأجانب الممنوعين من الإقامة تضم ستة ألاف اسم بدلاً من ألفين، وازداد التعاون بين أجهزة الاستخبارات، وأصبحت الرقابة أكبر على تهريب النفط".
     يعتبر الكاتب قدري غيرسل Kadri Gursel في صحيفة Milliyet أن الوضع الحالي هو ثمرة السياسة الخارجية المغلوطة لحزب العدالة والتنمية في تركيا، وقال: "كانت الفكرة تتركز على جعل تركيا بلداً قائداً بفضل الديناميكية الناجمة عن "الربيع العربي". كان من الممكن أن تكون الأنظمة في جميع دول حوض المتوسط الشرقي في تونس ومصر وسورية وتركيا تحت إدارة أنظمة خاضعة لنفوذ الإخوان المسلمين. تحولت هذه الإستراتيجية إلى كابوس".
     ذكّر الباحث الاقتصادي أحمد أنسيل بـ "التوجهات الأكيدة للحكومة التركية لصالح الإخوان المسلمين"، ووصفها بأنها سلسلة من الحسابات الخاطئة، وقال: "في البداية، كانت الفكرة تكمن في مساعدة الإخوان المسلمين في سورية لكي يسقط بشار الأسد سريعاً. ثم بدأ قادتنا ببذل كل ما بوسعهم، ولم يتمكنوا من السيطرة على الوضع. إن الجمعيات الإنسانية الإسلامية المقربة من حزب العدالة والتنمية تتحمل أيضاً مسؤولية أكبر بكثير، وذهبت إلى ما هو أبعد من المساعدة الإنسانية وراء التضامن السني، وذلك بموافقة الحكومة".


الجمعة، ١٩ أيلول ٢٠١٤

(أخطار الحرب الثالثة في العراق)

صحيفة الفيغارو 19 أيلول 2014 بقلم أدريان جولمز Adrien Jaulmes

     أصدر باراك أوباما أمره بقصف الدولة الإسلامية، وقال: "هدفنا واضح. سنُضعف وندمر الدولة الإسلامية بفضل إستراتيجية طويلة وشاملة ضد الإرهاب". إذا كان الهدف واضحا، فإنه ما عدا ذلك هو أقل وضوحاً بكثير. تتضمن حملة باراك أوباما ضد هذا العدو عدة نقاط ضعف أساسية. تعرّض قرار اللجوء إلى السلاح الجوي فقط للانتقاد، ويبدو أن البنتاغون لم يغلق الباب أمام إرسال قوات إلى الأرض، وقال أن الجنود الأمريكيين "يمكنهم في كل حالة على حدة أن يرافقوا القوات العراقية في هجومهم ضد مواقع الدولة الإسلامية". ولكن باراك أوباما أكد من جديد قائلاً: "أريد أن أكون واضحاً. إن القوات الأمريكية المنتشرة في العراق لن يكون لها أية مهمة قتالية". على أي حال، إن عودة القوات البرية الأمريكية بشكل محدود لن يغير المعطيات. كما أن إستراتيجية تصفية الإرهابيين في اليمن والصومال أدت إلى تحويل هذين البلدين إلى "ثقوب سوداء" تزدهر فيها أكثر المجموعات راديكالية، ولا يبدو أن الاعتماد على القوات المحلية في هذين البلدين كان مُقنعاً. لقد انهزم  الجيش العراقي أمام جهاديي الدولة الإسلامية على الرغم من تفوقه العددي وأسلحته الأمريكية المتطورة، وظهر أيضاً أن القوة العسكرية لقوات البشمرغة الكردية كان مبالغاً بها، وغير قادرة على الصمود تجاه داعش بدون الدعم الجوي الأمريكي.
     تنوي واشنطن تخصيص نصف مليار يورو من أجل تدريب وتجهيز خمسة آلاف متمرد سوري "معتدل" لكي يكونوا قادرين على المشاركة في مكافحة الدولة الإسلامية. ولكن هذا الحل المغري على الورق ليس واقعياً جداً. قام مقاتلو الجيش السوري الحر بدعم الجزء الأساسي من الكفاح ضد بشار الأسد بعد الاستيلاء على حلب عام 2012، وخسروا الكثير من المقاتلين في المعركة العنيفة المستمرة داخل المدينة. لقد قُتِلَ الكثيرون منهم من قبل دمشق أو اغتالهم الإسلاميون الذين هاجموهم بشكل أكبر من قوات النظام. إذا أشرفت الدول الغربية على تدريبهم بشكل مباشر، فإنها ستنزع المصداقية عنهم مقدماً، ما دام الرأي العام العربي ينظر إلى الولايات المتحدة بصفتها قوة معادية. إذا تم تكليف قطر أو السعودية بهذه المهمة، فإن الخطر كبير برؤية هاتين الدولتين اللتين لم تتوقفا عن دعم المتطرفين الإسلاميين تستمران بلعبتهما المزدوجة الخطيرة. يواجه جون كيري صعوبة كبيرة في تجنيد الحلفاء الإقليميين الذين يتحملون مسؤولية كبيرة في المشكلة التي تحاول الولايات المتحدة حلها.
     تواصل تركيا العمل من أجل تحقيق طموحاتها الخاصة في الشرق الأوسط. إنها القاعدة الخلفية الأساسية للمتمردين في شمال سورية، ومن بينهم الجهاديين، منذ بداية التمرد. يمر المتطوعون الأوروبيون والأجانب بدون عوائق عبر الأراضي التركية، ولم تُغير تركيا سياستها منذ قدوم الدولة الإسلامية. تمثل السعودية حليفا إشكالياً آخراً، إنها مهددة بشكل مباشر من قبل إيديولوجية وهابية تتطابق مع إيديولوجيتها، ولكنها ترفض الهيمنة التاريخية للعائلة السعودية. تنظر السعودية بجدية إلى تهديدات الدولة الإسلامية التي أعلنت عن نيتها على المدى الطويل بالسيطرة على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. ولكن الرياض لا تستطيع أن تسمح لنفسها بفقدان جزء من الرأي العام السعودي الذي يؤيد الخلافة الجديدة. إن السعودية هي أيضاً المحرك الإيديولوجي والمالي الأساسي للوهابيين في الشرق الأوسط والعالم، وساهمت بشكل كبير في انتشار إيديولوجيا الجهاد وراديكاليتها. فيما يتعلق ببقية إمارات الخليج، إنها لا تتمتع بموثوقية أكبر، ويتصف موقفها بالغموض أيضاً. إنهم حلفاء بالاسم للولايات المتحدة، ويدعمون الجهاديين بشكل مباشر تقريباً في الوقت نفسه. بالإضافة إلى ذلك، تخاف جميع هذه الدول من هيمنة إيران وحلفائها الشيعة أكثر من خوفها من تهديد الجهاديين السنة.
     يتمثل العائق الكبير الآخر أمام الحرب التي أعلنها باراك أوباما ضد الدولة الإسلامية في أنها تندرج في سياق عدة نزاعات متداخلة مع بعضها البعض، وتجري في الوقت نفسه، وتتغذى من بعضها البعض. تنخرط واشنطن رغماً عنها في حرب إقليمية كبيرة بين القوى السنية من جهة، والشيعة المدعومين من إيران من جهة أخرى. تنقسم هذه الحرب إلى حربين أهليتين، وتضم كل حرب أهلية ثلاثة أطراف. يتواجه في الحرب الأهلية العراقية كل من الأكراد ودولتهم شبه المستقلة، مع العراقيين الشيعة الذين يملكون السلطة في بغداد، والسنة الذين يتعرضون للإهانة والاضطهاد من قبل السلطات الجديدة. فيما يتعلق بالحرب الأهلية السورية، يقاتل النظام العلوي لبشار الأسد ضد المتمردين المحليين في الجيش السوري الحر والجهاديين (من ضمنهم الدولة الإسلامية) الذين يتقاتلون بين بعضهم البعض أيضاً.
     ترفض واشنطن رسمياً التحالف مع إيران وسورية الأسد. ولكن جون كيري قال في باريس يوم الاثنين 15 أيلول أن الولايات المتحدة "مُنفتحة تجاه أية عملية بناءة بإمكانها تخفيف العنف والحفاظ على وحدة العراق". استبعدت الولايات المتحدة التعاون مع نظام دمشق مؤكدة أن قصف مواقع الدولة الإسلامية في سورية لن يكون بالتعاون مع سورية. ولكن دمشق وطهران تستفيدان بالفعل من التدخل الأمريكي ضد عدوهما المشترك بشكل يثير قلقاً كبيراً لدى القوى السنية. لاشك أن التدخل الأمريكي ستظهر نتائجه على الأرض بشكل يسمح باحتواء تقدم الدولة الإسلامية أو حتى إجبار الجهاديين على التخلي عن جزء من المواقع التي استولوا عليها. ولكن استئصال الدولة الإسلامية يعني أن دمشق وبغداد ستستعيدان أراضيهما، الأمر الذي يثير خوف بقية الدول السنية أكثر من خوف الدولة الإسلامية.
     هناك عائق إضافي آخر أمام باراك أوباما الذي يريد الحفاظ على التدخل الأمريكي في أدنى مستوى ممكن وعدم الانجرار في تصعيد عسكري، لأن ظاهرة الدولة الإسلامية لا تقتصر على سورية والعراق. تتجاوز إيديولوجية الدولة الإسلامية هذين البلدين، ويستفيد الجهاديون من دعم جزء لا يستهان به من السكان على الرغم من وحشيتهم. ظهرت أعلام داعش السوداء في المدن الأردنية. بنت السعودية جداراً على حدودها مع العراق، وأرسلت قوات إضافية لحمايتها، ولكن العدو وصل إلى داخل السعودية. إن ظاهرة الدولة الإسلامية أكثر شمولاً وحداثة، وتخرج عن سيطرة السلطات الدينية التقليدية. يعيش العالم الإسلامي في حالة غليان داخل الشرق الأوسط وخارجه. تتحول أحياناً بعض الظواهر المحلية في البداية إلى تمرد شامل في العالم الإسلامي السني من مالي إلى الباكستان مروراً بأفغانستان والصومال واليمن، ومن شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الرافدين ومصر. إن الدولة الإسلامية ليست إلا التحول الأخير والأكثر إثارة للقلق في هذه التحولات.
     أرادت الولايات المتحدة أن يكون تدخلها محدوداً ومحصوراً، ولكن هذا التدخل الذي أعلن عنه باراك أوباما يشبه على الأغلب إشارة البداية لحرب طويلة وواسعة جدا مع نتائج غامضة.


الخميس، ١٨ أيلول ٢٠١٤

(سورية: الجيش الإسرائيلي ينقذ الإيرلنديين)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 18 أيلول 2014

     اضطر الجيش الإسرائيلي إلى قصف مواقع الميليشيات الإسلامية في الجزء السوري من الجولان بتاريخ 30 آب الماضي من أجل إنقاذ الوحدة الايرلندية في القبعات الزرق من وضع صعب جداً. تعرضت الوحدة الايرلندية للحصار عندما كانت تقوم بإخراج الجنود الفليبينيين التابعين للأمم المتحدة "الذين كانوا على وشك التعرض للحصار أو القتل" نقلاً عن السلطات الايرلندية. حافظت الدولة العبرية على سرّية هذه العملية بموجب سياستها    ـ الرسمية ـ بعدم التدخل في النزاع السوري.


(القبائل العراقية محور الصراع ضد الدولة الإسلامية)

صحيفة الفيغارو 17 أيلول 2014  بقلم جورج مالبرونو Georges Malbruont

     القبائل العراقية هم في الوقت نفسه جزء من المشكلة وجزء من الحل لـ "القضاء" على الدولة الإسلامية كما وعد باراك أوباما. قدمت أغلب القبائل العراقية في شمال وغرب العراق مساعدة ـ تكتيكية ـ إلى الجهاديين، وسهلت الطريق أمام راديكاليي الدولة الإسلامية للاستيلاء على ثلث بلدهم. ولكن بعض القبائل بدأت بتغيير رأيها بعد ثلاثة أشهر من العيش تحت استعباد الخلافة. أشارت الصحافة العراقية خلال الأيام الأخيرة إلى أن بعض القبائل بدأت بتنظيم هجوم مضاد ضد الجهاديين بعد الإعلان الصادر بهذا الخصوص في منتصف شهر آب من قبل العديد من شيوخ القبائل.
     وعد رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي بإصلاح أخطاء الحكومة السابقة والتعاون بشكل أفضل مع القبائل. ولكن لا بد من إعطاء ما هو أكثر من الوعود من أجل إقناع زعماء القبائل الماكرين بتغيير تحالفهم، وربما تكليفهم بمهمة ضمان الأمن في مناطقهم بواسطة الحرس الوطني المستقبلي. ما زال العديد من زعماء القبائل يتذكرون خيبة أملهم من تعاونهم السابق مع الجيش الأمريكي ضد الدولة الإسلامية في نسختها الأولى، وعدم التزام رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي بوعوده المتعلقة بضم حوالي مئة ألف رجل من القبائل إلى الجيش والقوى الأمنية والإدارات الحكومية.
     ما زالت أغلب القبائل تقاتل إلى جانب داعش، ولكنها ستكون مستعدة للانقلاب ضد الجهاديين في حال استجابت بغداد لمطالبهم. تنوي القبائل الحصول على حكم ذاتي واسع النطاق كما هو الحال بالنسبة للأكراد. أصبحت القبائل ومن ورائها الأقلية السنية تريد الحصول على استقلالية واسعة في دولة فيدرالية جديدة. يبذل جيرانهم السعوديون والأردنيون جهودهم من أجل حصول مثل هذا التغيير في التحالفات الحالية للقبائل العراقية. كما يعمل مستشار الملك السعودي في الأزمتين العراقية والسورية الأمير بندر بن سلطان على عزل الجهاديين عن قبائل الأنبار القوية.


(مواجهة جديدة حول الملف النووي الإيراني)

صحيفة الفيغارو 18 أيلول 2014  بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     من حيث المبدأ، تحتاج إيران ومجموعة الست إلى التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني: تحتاج إيران إلى هذا الاتفاق من أجل رفع العقوبات التي دمرت الاقتصاد الإيراني، ويحتاج المجتمع الدولي إلى هذا الاتفاق لكي يضمن أن إيران لن تحصل على القنبلة النووية. ستُستأنف المفاوضات في نيويورك يوم الخميس 18 أيلول، ويخشى المحللون من أن هذه الأزمة لن تجد حلاً قبل التاريخ المحدد في 24 تشرين الثاني.
     لم تتخل إيران عن برنامجها النووي على الرغم من الآمال التي أثارها انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني. لم تحترم إيران وعود "الشفافية" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم تُرسل المعلومات المتعلقة بنشاطاتها النووية إلى الوكالة الدولية. كما لم يتحقق أي تقدم حول الموضوع الحساس جداً المتعلق بتخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزية التي يمكن أن تحتفظ بها السلطات الإيرانية. يهدف مفاوضو مجموعة الست إلى الحصول على "مهلة أمان" تسمح بفترة سنة على الأقل من أجل الرد في حال عدم احترام إيران لتعهداتها واستأنفت مسيرتها السريعة نحو القنبلة. أصبحت هذه المهلة حالياً شهرين أو ثلاثة أشهر. قال مصدر مقرب من الملف: "رفض الإيرانيون جميع اقتراحاتنا".
     لم يتوصل المتشددون و"المعتدلون" في إيران إلى تسوية حول هذه المسألة. قال المصدر المذكور أعلاه: "إن العلاقات الاستراتيجية الضمنية في إيران تتجاوز الملف النووي. إن اتخاذ قرار الانتقال من منطق الاعتماد على الاكتفاء الذاتي والمواجهة مع الولايات المتحدة إلى تطبيع العلاقات مع الغرب هو خيار صعب جداً". كما تزداد صعوبة هذا الخيار في الوقت الذي تشعر فيه إيران بأنها في موقف قوي تجاه الدول الغربية منذ تقدم الجهاديين في سورية والعراق، الأمر الذي أظهر وجود مصالح متقاربة بين  الأطراف المتخاصمة حول الملف النووي. يحاول الإيرانيون أن يفرضوا أنفسهم في الصراع الدولي ضد داعش، وقاموا بدور حاسم في تغيير رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
     نجحت مجموعة الست في عزل المسألة النووية عن الملف الجغراسياسي حتى الآن. ولكن هذا الموقف ربما لن يبقى مُحتملاً. جرت اتصالات ثنائية خلال الصيف بين الإيرانيين والأمريكيين، وينوي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إجراء نقاشات مع الإيرانيين حول العراق على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. يعرف باراك أوباما أنه ستزداد صعوبة حل المسألة عليه بعد الانتخابات القادمة في شهر تشرين الثاني، هذه الانتخابات التي من المتوقع أن يفوز الجمهوريون بها.
     تستمر المهلة المحددة للوصول إلى اتفاق نهائي بين إيران والمجتمع الدولي حتى تاريخ 24 تشرين الثاني. في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق، هناك عدة سيناريوهات مطروحة على الطاولة: الأول، هو تمديد المفاوضات مرة أخرى على الرغم من أن الاتفاق المرحلي لا ينص على ذلك. الثاني، هو توقف العملية الدبلوماسية بشكل يمكن أن يؤدي إلى تصعيد العقوبات، وتسريع عملية التخصيب، والتهديد بتدخل عسكري.