الصفحات

الجمعة، ٥ أيلول ٢٠١٤

(التحول في الشرق الأوسط)

صحيفة اللوموند 2 أيلول 2014 ـ مقابلة مع الأستاذ في معهد العلوم السياسية والمتخصص بالإسلام والعالم العربي جيل كيبيل Gilles Kepel الذي عاد مؤخراً من جولة في عدة دول بالشرق الأوسط ـ أجرى المقابلة غايدز ميناسيان Gaïdz Minassian ونيكولا في Nicolas Veill

سؤال: كان فصل الصيف دامياً في غزة والعراق وسورية بالشرق الأوسط، لماذا؟
جيل كيبيل: نشهد اليوم إعادة التشكيك بالشرق الأوسط الناجم عن اتفاقيات سايكس ـ بيكو بعد الحرب العالمية الأولى. كانت الحدود التي رسمها البريطانيون والفرنسيون بعد تقسيم الإمبراطورية العثمانية عاملاً للتوازن. إن هذه الحدود التي احتج عليها القوميون العرب ساعدت على قيام أنظمة متوازنة وعلى الحفاظ على الدكتاتوريات وغياب الديموقراطية، ولكنها منعت أيضاً الفوضى السائدة حالياً. إن الولادة التي ما زالت هشة لكردستان هي علامة واضحة لانعدام التوازن الناجم عن اتفاقيات سايكس ـ بيكو التي استبعدت هذه الولادة في الماضي.
سؤال: من هي القوة الجديدة التي يمكن أن تبرز من هذه الفوضى؟
جيل كيبيل: إن ما يجري في العراق وغزة وسورية يندرج في سياق عملية إعادة دمج أو عدم دمج إيران في استراتيجية الشرق الأوسط. يمكن فهم الهجوم الإسرائيلي على غزة وهجوم الدولة الإسلامية على العراق انطلاقاً من هذا السياق. إذا عادت إيران إلى المجتمع الدولي بعد انتهاء المفاوضات على الملف النووي، وقادتها إدارة يمكن التعامل معها، فهذا يعني أن طهران سيكون بإمكانها أن تصبح شرطي الشرق الأوسط، كما كان عليه الحال قبل عام 1979. يبلغ عدد سكان هذا البلد ثمانين مليون نسمة، ويملك البيروقراطية الحكومية اللازمة بالإضافة إلى طبقة وسطى قاومت محن النظام. إذا دخلت إيران في الرهان، فإن التوازن الإقليمي سيتغير، ولاسيما العلاقات المميزة التي بنتها دول الخليج مع الولايات المتحدة، ويتعرض هذا التوازن الإقليمي للمصاعب منذ أحداث 11 أيلول. إذا عادت إيران، فإن التآزر الأمريكي ـ الإسرائيلي لن يكون بالنوعية نفسها.
سؤال: ولكن هل سيحافظ الشرق الأوسط على الأهمية نفسها؟
جيل كيبيل: لا. يجب الأخذ بعين الاعتبار فقدان محوريته في انتاج الطاقة العالمي. أصبحت الولايات المتحدة من الآن فصاعداً دولة مصدرة لغاز الأردواز Gaz de Schiste، ولم تعد بحاجة إلى الطاقة القادمة من الشرق الأوسط. إن إسرائيل دولة منتجة للغاز في البحر المتوسط، ومن المفترض أن تصبح دولة مصدرة أيضاً. بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة على المدى الطويل الذي ستتراجع فيه حصة الشرق الأوسط من انتاج الطاقة العالمي، إن السؤال المطروح هو معرفة فيما إذا كان الوجود العسكري الأمريكي الكبير في هذه المنطقة يستحق كل هذا العناء. ألن يكون من الأفضل العودة إلى سياسة حكم المنطقة عبر دول تقوم بدور الشرطي؟ كما أن الهيمنة الغربية على الصعيد العسكري تواجه المصاعب في العراق وغزة. كما لم تنجح إسرائيل أيضاً في تدمير ترسانة حماس بشكل حاسم، ولاسيما أن حماس نجحت، كما نجح حزب الله سابقاً، في العثور على نقطة الضعف المتمثلة بحفر الإنفاق وقتل الجنود وإرسال الصواريخ. إن الحل القائم على الاعتماد الكامل على التكنولوجيا التي كانت تضمن التفوق الغربي أظهر بعض التصدعات التي يغتنمها أعداء الغرب.
سؤال: هل تندرج عملية "الجرف الصامد" التي شنتها إسرائيل ضد غزة ضمن هذا المشهد الجديد؟
جيل كيبيل: بالتأكيد. أكد لي بعض المقربين من الدوائر العسكرية الإسرائيلية أنهم حثوا بنيامين نتنياهو على القبول بحكومة التحالف الفلسطينية بين فتح وحماس، مُعتبرين أنها تمثل طرفاً محاوراً مقبولاً. رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي ذلك لأسباب انتخابية. أشار معارضو الاعتراف بهذه الحكومة إلى أن حماس، مثل حزب الله، ستحافظ على جيشها، وأن الحركة الإسلامية الحاكمة في غزة ستربح على جميع المستويات. إن حماس مثل حزب الله يُعتبران كذراعين مسلحين لإيران في المنطقة. لهذا السبب، كان لا بد من تدمير ترسانة حماس بشكل مسبق وإضعاف المحور الإيراني في الوقت نفسه. ولكن النتائج لم تكن على مستوى توقعاته.
سؤال: لماذا يدخل هجوم الدولة الإسلامية في العراق ضمن إطار العداوة بين إيران وبقية الدول في المنطقة؟
جيل كيبيل: بالنسبة للعرب في الخليج، إن هيمنة طهران هو سيناريو شبيه بالكابوس. شاهد الأتراك والقطريون والسعوديون في الدولة الإسلامية وسيلة ستسمح لهم بالقضاء على بشار الأسد حليف إيران. إن هذا الوحش الذي احتضنوه بدأ بإخافتهم الآن. الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن هذه الظاهرة أصبحت نوعاً من التصورات الهامة والمُهيمنة في العالم السني. إن الأغلبية الساحقة من السنة تعارض الدولة الإسلامية، ولكنها تجد صعوبة في مواجهتها عبر تصور آخر قادر على التعبئة بالدرجة نفسها.
سؤال: ما الذي يُميز الدولة الإسلامية عن تنظيم القاعدة؟
جيل كيبيل: يعمل تنظيم القاعدة وفق نموذج هرمي يتم فيه التضحية بالمُنفذين بدون تفكير، وتم تمويل كل ذلك عبر بن لادن وورثته. تُفضل الدولة الإسلامية تحميل المسؤولية واستبدال الهرم الذي يمكن أن يدمره العدو بنموذج الشبكة، وتقوم بأدلجة الأفراد وتدريبهم عسكرياً، مع إعطاء الأولوية لأوروبا الغربية والسعي لتأجيج أوضاع الحرب الأهلية فيها. ولكن هذا الإرهاب الذي يفتقد للهيكلية من الممكن اختراقه والتلاعب به من قبل الأجهزة السرية. اخترقت الأجهزة السورية بشكل مبكر جداً الدولة الإسلامية بالاعتماد على الأسلوب الروسي للتجسس المضاد الذي يتضمن حقن الجهاد داخل التمرد من أجل تفجيره من الداخل. استفادت الدولة الإسلامية من تساهل نظام دمشق الذي لم يهاجم مواقعها أبداً. سمح ذلك لبشار الأسد بإظهار أنه إذا كانت حصيلة عمل النظام السوري ليست باهرة، فإنه يواجه وحوشاً في الطرف المقابل. بالمحصلة، إن الدولة الإسلامية هي نتاج تحالف هجين بين عدوين اثنين.
سؤال: ألم تستقل الدولة الإسلامية ذاتياً بالنسبة لعرابيها؟
جيل كيبيل: لا نعرف جيداً أسلوب عمل الدولة الإسلامية. يبدو أحياناً أن الاعتبارات الإيديولوجية هي التي تغلب، كما هو الحال بالنسبة لاضطهاد المسيحيين واليزيديين بشكل يهدد بتعبئة الغرب، على الرغم من أن هذه الأقليات لا تمثل أي خطر جدي. على أي حال، لقد أجبر ذلك القطريين والسعوديين على الابتعاد من الدولة الإسلامية دون أن يكونوا مُقنعين.
سؤال: ما هي العواقب الممكنة لهذه الفوضى على أوروبا؟
جيل كيبيل: يبدو لي أنه من المستحيل التفكير بالمشاكل الاجتماعية التي تهز المجتمع الفرنسي بمعزل عن هذا الاضطرابات. يجب الأخذ بعين الاعتبار هذه الظاهرة الجديدة والمُقلقة للشباب الجهاديين الفرنسيين الذين غادروا إلى الجبهة العراقية والسورية ثم عادوا إلى أوروبا. إن محمد المراح ومهدي نيموش هما المثالان الفرنسيان. ولكن عازف الراب الشاب البريطاني الذي قطع رأس الصحفي جيمس فولي يمثل أيضاً نظرة مُرعبة. إن تاريخ الامبراطورية الاستعمارية هو جزء من تاريخنا، كما هو الحال بالنسبة للمغرب الغربي. إن النخب المغاربية التي وصلت إلى السلطة بعد الاستقلال، كما هو الحال بالنسبة للنخب الديغولية، عاشت على الوهم بأن كل طرف يستطيع العيش بشكل منعزل. هذا خاطئ! ما زال هناك تداخل متبادل فيما بيننا. يجب الوصول إلى التفكير بهذا التداخل المتبادل، وإلا فإنه سيعود على شكل "عودة المكبوت" السلفي.
سؤال: في كتابكم "الألم العربي" (Passion Arabe) ثم في "الألم الفرنسي" (Passion française)، اتجهت نظرتكم الإستشراقية إلى الضواحي الفرنسية والسكان الذين يتحدرون من أصول عربية. ما هي قراءتكم للمظاهرات التي خرجت هذا الصيف تضامناً مع غزة ولأحداث الشغب التي رافقتها؟
جيل كيبيل: اتصفت هذه المظاهرات بالخلط بين الأمور. تقليدياً، كانت هذه المظاهرات حكراً على اليسار المتطرف. للمرة الأولى، طغت بعض المجموعات الإسلاموية على اليسار المتطرف، وكان بعضها مؤيداً للتيار الجهادي. سمعنا في المظاهرة التي خرجت في باريس بتاريخ 9 آب شعارات تتراوح من "جان مولان، مقاومة" (ملاحظة: جان مولان هو ثائر فرنسي ضد الاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية) إلى "حماس، مقاومة" حتى "جهاد، مقاومة". هناك أخطار بأن يأخذ هذا التغير بعداً اجتماعياً. إن التعبير عن  التضامن مع الفلسطينيين أمر مشروع، وكذلك من المشروع أيضاً في النظام الديموقراطي أن يقوم الآخرون بالتعبير عن تضامنهم مع إسرائيل. ولكن الجديد في الأمر هو أننا شاهدنا جمعيات إسلاموية محلية تمشي إلى جانب المجموعات المنبثقة عن شبكة اليمين المتطرف لألان سورال Alain Soral وديودونيه Dieudonné: البرهان على ذلك هو صواريخ القسام الكرتونية التي لوح بها متظاهرون كانوا يقلدون الإشارات النازية. نرى بوضوح كيف تقوم هذه الإيديولوجية اليمينية المتطرفة بالخلط بين العداء التقليدي للسامية وكره اليهود المنبثق عن نظرة سلفية للعالم. إن هذا الخلط وهذا الغموض الشعبوي هو أيضاً تعبير عن معاناة اجتماعية، ويُشكل اليوم مشكلة أساسية.
سؤال: برأيكم، لماذا تنعكس المعاناة الاجتماعية عبر التصلب الطائفي؟
جيل كيبيل: تتعزز المجموعات السلفية في الأحياء عندما تنظر إلى نفسها عبر مرآة الحركات اليهودية الأكثر تشدداً. تظهر القطيعة الطائفية في عقل السلفيين مع التيار اليهودي المتصلب جداً، ويتصورون أن هذا التصلب هو الذي يسمح لليهود بأن يكونوا أقوياء ومحترمين، ويعتقدون أن "العرب" الذين راهنوا على رهان الانصهار في المجتمع الفرنسي كانوا أكبر الخاسرين. إن التشدد فيما يتعلق بلحم "الحلال" لدى المسلمين، يتم بناؤه على نموذج طعام الكاشير Casher لدى اليهود.
سؤال: ما العمل من أجل نزع الألغام المتفجرة من هذا الخلط الذي تصفونه؟
جيل كيبيل: نستطيع الاعتقاد بأنه من الممكن تجنب بلقنة المجتمع الفرنسي على الأقل. من الخطأ الاستعانة بممثلي الطوائف الإسلامية واليهودية بمجرد وقوع بعض الأحداث، لأنه يوجد لدينا في مؤسسات الجمهورية آلاف الأشخاص المُنتخبين من الديانة الإسلامية. لا شك أن هؤلاء المسلمين المنتخبين تربطهم علاقات متنوعة مع إيمانهم تتراوح من التصلب إلى اللامبالاة. كما يوجد أيضاً بعض الأشخاص المنتخبين من أصل يهودي. إن هؤلاء الأشخاص المنتخبين يتحدرون من هذا التنوع الطائفي حتى لو لم يتم انتخابهم على هذا الأساس. لماذا لا نستعين بهم؟ إن جميع المجالس البلدية للمدن الشعبية تتضمن بعض الشخصيات التمثيلية لهذا التنوع، وهي تهتم بتطلعات البيئة التي جاءت منها، ولكنها جزء لا يتجزأ من الميثاق الجمهوري ومن الآلة السياسية الفرنسية. بالتأكيد، يحق للديانة أن تعبّر عن نفسها، ولكن التمثيل الوطني يعطي صورة أكثر إخلاصاً لـ "البلد الحقيقي".
سؤال: ألا يوجد أيضاً نماذج بديلة عن السلفية المنبثقة عن العالم العربي نفسه؟
جيل كيبيل: يكمن الرهان الأساسي لفرنسا في دول المغرب العربي. إن عشر سكان تونس يعيشون في فرنسا (من ستمائة ألف حتى مليون نسمة)، ويوجد في البرلمان التونسي عشرة نواب منتخبين من التونسيين الذين يعيشون في فرنسا. إنها المرة الأولى التي تعتمد بها شرعية الحكومة في إحدى دول المغرب العربي على أساس مكافحة النظام الدكتاتوري الذي جاء بعد الاستقلال، وليس على مكافحة الاستعمار الفرنسي. يسمح ذلك للتونسيين بإقامة علاقة أكثر هدوءاً بكثير مع فرنسا، لأنها تأخذ بعين الاعتبار التبادلات الاقتصادية والهجرة. وبالتالي، تحمل هذه العلاقة آفاقاً أكثر أملأً بالمستقبل. يُفسّر ذلك أيضاً السبب الذي جعل من تونس الدولة الوحيدة التي لم تشهد الفوضى كما هو الحال بالنسبة لجميع الدول التي هزتها الثورات العربية. ظهرت طبقة وسطى على جانبي البحر المتوسط، ونجحت في التحكم بمصير البلد حتى داخل الأحزاب الإسلامية مثل حزب النهضة. يجب تشجيع النموذج التونسي بسبب ندرته وإيجابياته.






الخميس، ٤ أيلول ٢٠١٤

(قصف الأراضي السورية ضروري ومُعقد)

صحيفة الفيغارو 4 أيلول 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     إن قطع رأس الصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف بشكل وحشي يطرح السؤال نفسه بعد قطع رأس زميله جيمس فولي قبل خمسة عشر يوماً: ما هي الفائدة من قصف مواقع الدولة الإسلامية في العراق بدون مهاجمة قواعدها السورية؟ لا يوجد أدنى شك بأن ضغوط مؤيدي العمل العسكري ستصبح أكثر قوة على باراك أوباما الذي استبعد احتمال قرب توجيه الضربات بعد أن أرسل طائرات التجسس للتحليق فوق سورية لتحديد بعض الأهداف المحتملة، ثم اعترف أخيراً أنه ليست لديه استراتيجية ضد الدولة الإسلامية.
     بالإضافة إلى القيود التقليدية لأي تدخل عسكري يقتصر على الجانب الجوي، يعتبر الخبراء والمسؤولون في البنتاغون أن الرغبة بقصف المتطرفين السنة في سورية تصطدم بالعديد من العقبات. العقبة الأولى هي وسائط الدفاع الجوي الروسية التي تحمي سورية. هدد بشار الأسد بالانتقام من كل عمل عسكري في سورية في حال عدم التنسيق معه. ولكن أجهزة الاستخبارات الغربية تخشى بشكل خاص من راجمات الصواريخ المحمولة التي استولى عليها المتطرفون السنة من ترسانات الجيش أو التي اشتروها من دول أخرى.
     العقبة الثانية هي المعلومات الاستخباراتية. إن فشل عملية الإفراج عن الرهائن في سورية خلال شهر تموز أظهرت أن البنتاغون تنقصه المعلومات حول تحركات ونوايا مقاتلي الدولة الإسلامية. تستطيع القاذفات الأمريكية في العراق الاعتماد على معلومات المقاتلين الأكراد والجيش الوطني، أما المعارضة المعتدلة السورية فهي ضعيفة جداً لدرجة لا تسمح لها بتوجيه الضربات بفعالية. إن ضعف المعلومات الاستخباراتية يُلقي بعبئه على خطر الأضرار الجانبية في حال القيام بضربات جوية، وقد تعززت هذه الخشية بسبب سرعة تحرك المقاتلين واختلاطهم بالسكان المدنيين في المدن.
     يترافق التردد العسكري مع التردد النفسي. تم انتخاب باراك أوباما لكي لا يشن الحرب من جديد، ويحمل بداخله صدمات بلد تأثر بفشل الحرب في العراق وأفغانستان. إنه ليس فقط الخوف من التصعيد العسكري والرفض القاطع لإرسال الجنود إلى الأرض مرة أخرى، بل أيضاً القناعة بأنه لا يمكن حل قضايا المنطقة بالقوة. لماذا ما فشل في مناطق أخرى سينجح في سورية؟
     يعتمد نجاح أو فشل الضربات الجوية المحتملة على الأهداف التي سيتم تحديدها مسبقاً. هل الهدف هو إضعاف الدولة الإسلامية أو "تدميرها" كما قال باراك أوباما؟ إذا كانت الضربات الجوية قادرة بسهولة على إضعاف قدرة تدريب المقاتلين، وحرمان الدولة الإسلامية من جزء من تجهيزاتها العسكرية، وإجبارها على تبني موقف دفاعي، فإن هذه الضربات لن تؤدي إلا إلى تأجيل المشكلة في الزمان والمكان. يعتبر أغلب المحللين الاستراتيجيين أن استخدام القوة ضروري لعرقلة تقدم الدولة الإسلامية في المنطقة في المرحلة الأولى على الأقل.

     وماذا إذا كان تردد البيت الأبيض يُخفي وراءه اعتبارات سياسية أكثر منها عملياتية؟ إن الضربات الجوية ضد جهاديي الدولة الإسلامية سيعزز موقف بشار الأسد، الأمر الذي سيجعل من باراك أوباما حليفه الفعلي ضمن هذه الظروف. تخشى واشنطن أيضاً من ردة فعل فلاديمير بوتين الذي يُقدم نفسه كحليف مخلص للرئيس السوري ومعارض لدود للتدخلات العسكرية الغربية. إنه خيار شبه مستحيل بين أمرين ضروريين: لا شك أن الولايات المتحدة بحاجة إلى روسيا لتشجيع عودة الاستقرار إلى العالم، وفي الوقت نفسه، إن أي عمل عسكري ضد الجهاديين لا يشمل العراق وسورية معاً ربما يكون بدون جدوى.

("الجزء المعقد" بالنسبة لباريس من أجل تسليح بيروت بأموال الرياض)

صحيفة اللوموند 4 أيلول 2014 بقلم ناتالي غيبير Nathalie Guibert

     خابت الآمال في الوقت الحالي. لم يتم التوقيع على أي عقد خلال زيارة ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى باريس، وذلك على الرغم من الآمال المعقودة على هذه الزيارة. كان قصر الإليزيه قد أكد في بداية هذه الزيارة يوم الاثنين 3 أيلول أن الاتفاق بين فرنسا والسعودية لتسليح الجيش اللبناني "تم إنجازه تقريباً". إن الرهانات السياسية والتجارية هائلة حول هذا العقد لبيع أسلحة بقيمة ثلاثة مليارات دولار من أجل تسليح القوات المسلحة اللبنانية بشكل يسمح لها بالقيام بدور يساهم في استقرار هذه المنطقة المضطربة.
     تم اتخاذ هذا القرار في المؤتمر الدولي الذي انعقد في روما بتاريخ 17 حزيران تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة. يرحب الجانب الفرنسي بهذا العقد الذي يأتي في مرحلة مالية صعبة لمساعدة حوالي عشرين شركة صناعية فرنسية. إنه يمثل خطة لعشرة سنوات. يشمل هذا العقد تسليم الأسلحة والتأهيل والتدريب والحفاظ على الظروف العملياتية لهذه التجهيزات. أشارت صحيفة ليزيكو Les Echos الفرنسية إلى أن قائمة الأسلحة تتضمن طائرات مروحية غازيل Gazelle مُجهزة بصواريخ HOT وطائرات نقل مروحية EC725 وأربعة طوافات بحرية مع صواريخ ميسترال Mistral ومدرعات خفيفة وأنظمة اتصالات.
     يتلخص هذا العقد بأن تدفع السعودية ثمن الأسلحة، وتقوم فرنسا بتقديم الأسلحة، وأن يُعبّر لبنان عن احتياجاته. تقوم شركة ODAS بدور الوسيط التجاري لشركات السلاح الفرنسية، وتعمل بشكل مركزي. تعترف المصادر المقربة من هذا الملف أن هذه الصفقة "معقدة". اجتمع الوزير السعودي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان يوم الأربعاء 3 أيلول من أجل التأكيد على الالتزام المبدئي بهذا العقد. لم يتم انهاء هذه الصفقة سواء بالنسبة للجانب المالي الذي سيمثل بداية الطلبية لدى الشركات الصانعة، أو بالنسبة للاتفاق الثلاثي الذي يوضح الاحتياجات والجدول الزمني لتسليم الأسلحة. أكد قصر الإليزيه أن ذلك سيكون "سريعاً"، ولكن لم يتم تحديد أي تاريخ.
     إن هذه الصفقة استراتيجية. أكد مصدر عسكري رفيع المستوى في باريس أنها "ستُغير شكل الجيش اللبناني"، وأضاف أن هذه الصفقة تثير بعض القلق في المنطقة، ولكن "من مصلحة الجميع تعزيز قوة الجيش اللبناني". أشار أحد الدبلوماسيين إلى أن جميع دول مجموعة دعم لبنان تتفق في التحليل القائل بأن "الفرصة الأخيرة لكي لا يغرق لبنان في الفوضى هي أن يكون جيشه في حالة تسمح له بالرد على الأزمة. لم يعد حزب الله عامل استقرار. إن الجيش اللبناني هو الوحيد الذي ما زال صامداً، ويجب إعطاءه الوسائل".
     طلبت السعودية من شركائها أكبر قدر من التحفظ. تريد الرياض السيطرة على ما سيتم تسليمه إلى الجيش اللبناني، ورفضت قائمة التجهيزات الأولى التي أعدتها الشركات الصناعية الفرنسية. في هذه القضية، تتفاوض فرنسا أيضاً مع إسرائيل التي لا تريد تعزيز قوة الجيش اللبناني بتجهيزات ربما تنتشر لمصلحة حزب الله، ولاسيما الصواريخ المحمولة. سيتم تسليم بعض الصواريخ ولاسيما المضادة للدبابات، ولكن بعض المصادر المقربة من هذا الملف في باريس أكدت أن هذه الصواريخ ستكون جزءاً من العربات، ولا يمكن استخدامها لوحدها.
     تم الانتهاء من تحديد خطة تجهيز الجيش اللبناني في نهاية شهر نيسان بعد مشاورات عديدة بين بيروت وباريس، وأعطت الرياض الضوء الأخضر لبعض المعدات الحديثة والمستعملة. كان هناك أمل بالتوقيع على العقد والجدول الزمني لتمويله بين نهاية الانتخابات اللبنانية وبداية شهر رمضان، ثم تأجل إلى نهاية شهر رمضان، ثم إلى زيارة ولي العهد السعودي إلى باريس. يبقى أن باريس تجد صعوبة في قراءة التغيرات السياسية المرتبطة بعملية انتقال السلطة الجارية حالياً في الرياض.


(واشنطن ترفض القواعد العسكرية العراقية)

مجلة النوفيل أبسرفاتور الأسبوعية 4 أيلول 2014


     رفضت واشنطن في الوقت الحالي اقتراح القادة العراقيين بوضع بعض قواعدهم الجوية تحت تصرف سلاح الجو الأمريكي من أجل تسهيل الضربات ضد جهاديي الدولة الإسلامية. انطلق ثلث عدد الغارات التي شنتها طائرات F18 منذ 8 آب من حاملة الطائرات جورج بوش الموجودة على شاطئ عُمان. فيما يتعلق ببقية الغارات، تم تكليف الطائرات المقاتلة أو الطائرات بدون طيار الموجودة في قطر وبقية دول المنطقة. إن إمكانية العمل انطلاقاً من الأراضي العراقية سيوفر على الطائرات حوالي خمس وأربعين دقيقة من فترة تحليقها، ولكن القادة الأمريكيين اعتبروا أن حماية هذه القواعد يتطلب نشر عدد كبير من الجنود على الأرض.

الأربعاء، ٣ أيلول ٢٠١٤

(زعزعة استقرار الجولان بسبب الجهاديين تُقلق الجيش الإسرائيلي)

صحيفة اللوموند 3 أيلول 2014 بقلم مراسلها في إسرائيل بيوتر سمولار Piotr Smolar

     نجح أربعون جندياً فليبينياً في قوات الأمم المتحدة المكلفة بمراقبة الحدود بين إسرائيل وسورية على هضبة الجولان (FNUOD) بتخليص أنفسهم يوم الاثنين 1 أيلول من الحصار الذي فرضه المقاتلون الإسلاميون في جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وذلك بفضل المساعدة العسكرية الإسرائيلية والسورية. بالمقابل، اختار خمسة وأربعون جندياً فيجياً إلقاء سلاحهم أمام جبهة النصرة التي تعتقلهم منذ 28 آب، وتطلب إيصال مساعدة إنسانية إلى منطقة دمشق وعدم تصنيفها كمنظمة إرهابية.
     أسقط الجيش الإسرائيلي طائرة سورية بدون طيار يوم الأحد 31 آب بعد عبورها للخط الفاصل. لم يتم تحديد طراز هذه الطائرة أو قدراتها العسكرية، واكتفت الحكومة الإسرائيلية بتهنئة سلاحها الجوي على يقظته، وبمتابعة بناء جدار أمني كبير. يعتبر أغلب المحللين أن المتمردين السوريين المشتتين في عدة مجموعات باستراتيجيات مختلفة وطموحات متنافسة أحياناً لديهم ما يكفيهم للقيام به تجاه القوات السورية لكي لا يهاجموا إسرائيل بشكل مباشر. ولكن درجة الإنذار وصلت إلى مستوى جديد بتاريخ 27 آب عندما سيطر مقاتلو جبهة النصرة على نقطة العبور في القنيطرة بعد معارك عنيفة ضد الجنود السوريين، وما زالت هذه المعارك مستمرة. وسقطت عدة قذائف هاون على الجانب الإسرائيلي.
     تضم قوات الأمم المتحدة في الجولان 1200 عنصر من ست دول هي: فيجي والهند وإيرلندا ونيبال وهولندا والفليبين. انسحبت عدة دول من هذه القوات بسبب تدهور الوضع في الجولان. يُطرح حالياً السؤال بحدة حول تمديد مهمة قوات الأمم المتحدة بسبب تعدد المواجهات المسلحة. حذرت إيرلندا يوم الاثنين 1 أيلول أنها ستسحب جنودها إذا لم يتم تعزيز هذه القوات. إن التشكيك بقوات الأمم المتحدة يكرس القوات الإسرائيلية كمراقب عام للمنطقة. ولكن البديل بين انتصار الجيش السوري أو انتصار الإسلاميين السنة الذين يحلمون بإزالة الحدود الإقليمية لا يدفع إسرائيل أبداً إلى الاختبار بينهما.



(باريس تأمل بالتوقيع على عقود ضخمة خلال زيارة ولي العهد السعودي)

صحيفة اللوموند 3 أيلول 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     تتابع الأوساط الاقتصادية الفرنسية عن كثب زيارة ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى باريس اعتباراً من يوم الاثنين 1 أيلول ولمدة ثلاثة أيام. قام الرئيس الفرنسي باستقبال ولي العهد السعودي مساء يوم الاثنين، ومن المفترض أن يلتقي مع وزير الخارجية لوران فابيوس يوم الأربعاء 3  أيلول. لا شك أن تهديد الدولة الإسلامية للتوازن في الشرق الأوسط هو محور هذه الزيارة، ولكن الرهان الآخر لهذه الزيارة هو رهان اقتصادي.
     يأمل المسؤولون الفرنسيين أن تساهم زيارة الأمير السعودي في تسهيل إتمام بعض العقود المربحة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً بين باريس والرياض، ابتداء من مشروع تجهيز الجيش اللبناني بصفقة قدرها ثلاثة مليارات دولار. إن التوقيع على العقود يعزز الخيارات الدبلوماسية لفرانسوا هولاند الذي جعل الرياض الشريك الرئيسي لفرنسا في الشرق الأوسط منذ وصوله إلى السلطة، بينما كان نيكولا ساركوزي يُفضل قطر. على العكس، إن غياب النتائج سيُضعف الرئيس الفرنسي تجاه أولئك الذين يعتبرون أنه تقيد كثيراً بمواقف الرياض، ولاسيما حول الملفين السوري والإيراني. لقد خاطرت فرنسا بعزل نفسها. قال رجل أعمال فرنسي يسافر كثيراً إلى الخليج: "أعطى الرئيس كثيراً، ولم يحصل على الكثير حتى الآن".
     تعهدت المملكة السعودية أثناء زيارة فرانسوا هولاند في شهر كانون الأول 2013 بمنح الجيش اللبناني ثلاثة مليارات دولار لكي يتمكن من الحصول على أسلحة أكثر تطوراً من فرنسا. أكد مصدر دبلوماسي فرنسي خلال شهر حزيران إلى صحيفة اللوموند أن هذا الاتفاق الثلاثي هو "قيد الانجاز" وأن "تسليم الدفعة الأولى سيكون قبل نهاية العام". ولكن المساومات بين العواصم الثلاثة يبدو أنها تأزمت خلال فصل الصيف لدرجة أن قائد الجيش اللبناني جان قهوجي الذي تقاتل قواته ضد الجهاديين شرقي لبنان أظهر نفاذ صبره علناً.
     تنظر الصناعة العسكرية الفرنسية أيضاً إلى عقدين ضخمين آخرين: الأول هو تجديد نظام الصواريخ أرض ـ جو قصير المدى من طراز كورتال Cortal الذي يمكن أن تفوز به شركة تاليس Tales، الثاني هو تحديث أسطول الفرقاطات (صواري 3) الذي تتنافس عليه عدة شركات منها الشركة الفرنسية DCNS. كما يأمل لوران فابيوس أن تتحدد ملامح برنامج الاستثمارات السعودية في فرنسا، هذا البرنامج الذي تم الإعلان عنه أيضاً خلال زيارة فرانسوا هولاند إلى السعودية. تقتصر الاستثمارات السعودية في فرنسا تقليدياً على العقارات الخاصة، ولكن الملك عبد الله تعهد بضخ الأموال في مشاريع البنى التحتية أو التكنولوجيات المبتكرة.
     فيما يتعلق ببرنامج الاستثمارات السعودية في فرنسا، أعرب أحد الدبلوماسيين الفرنسيين عن ثقته قائلاً: "إذا لم يتم تحديد ملامحه خلال الزيارة، فسوف يتم ذلك خلال الأسابيع القادمة". كما أضاف المصدر نفسه أن زيارة الرئيس الفرنسي إلى الرياض في شهر كانون الأول 2013 ساهمت في تحسين حظوظ الشركات الفرنسية في السعودية، وقال: "أعطى الملك عبد الله التعليمات إلى وزرائه بإعطاء الأولوية إلى العمل مع فرنسا. نحظى باستقبال واسع في كل مكان. وصل مبلغ العقود الموقعة إلى 6.5 مليار يورو عام 2013، وهو مبلغ أعلى بكثير من السنوات السابقة".
     ما زال ينقص فرنسا الفوز بعقد ضخم وأساسي. فازت شركة ألستوم Alstom الفرنسية عام 2013 بجزء من مشاريع المترو في السعودية، وفازت شركة RATP الفرنسية بعقد شبكة حافلات النقل في الرياض في الربيع الماضي، ولكن ذلك لا يمثل شيئاً كبيراً تجاه الفرص المتاحة في مجال الأسلحة والقطاع النووي. يخشى أحد رجال الأعمال الفرنسيين المقيمين في السعودية منذ فترة طويلة من الثقة المفرطة لدى الجانب الفرنسي، وقال: "إن النخب الفرنسية لم تلحظ أن البلد تغير. يوجد وزير حقيقي للمالية هنا. لا يمكن توفير اعتمادات مالية جديدة بهذه السهولة كما كان يجري سابقاً. إن زيارة الرئيس توفر تصوراً ملائماً، ولكنها لا تؤدي إلى الفوز بالعقود".

(وحدة قوات خاصة فرنسية في كردستان)

صحيفة الفيغارو 3 أيلول 2014

     تم إرسال فريق من ثمانية عناصر في القوات الخاصة إلى أربيل في كردستان العراق من أجل مساعدة المقاتلين الأكراد ضد جهاديي الدولة الإسلامية. يقوم هذا الفريق بتدريب البشمركة على استخدام المعدات التي أرسلتها فرنسا مؤخراً، بالإضافة إلى جمع المعلومات لصالح قادة أركان الجيش في باريس. يشارك هذا الفريق أيضاً في اجتماعات "الغرفة الحربية" إلى جانب المستشارين العسكريين الأمريكيين والأكراد وفي الجيش العراقي لوضع الخطط الحربية ضد الجهاديين. قال خبير فرنسي: "لا يشارك الإيرانيون في هذه الاجتماعات، ولكنهم ليسوا بعيدين".