الصفحات

الأربعاء، ٢٩ كانون الثاني ٢٠١٤

(سورية: واشنطن ستُرسل أسلحة)

صحيفة الفيغارو 29 كانون الثاني 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     إنها المرة الأولى التي يتم فيها إلغاء جلسة مفاوضات بين  النظام ومعارضيه يوم الثلاثاء 28 كانون الثاني. لا يتعلق سبب إلغائها بالخلاف حول العملية الانتقالية التي يرفضها ممثلو دمشق بشكل قاطع، ولكن بسبب القرار الأمريكي باستئناف إرسال الأسلحة إلى المتمردين المعتدلين. قال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد: "إنها محاولة مباشرة لمنع  أي حل سياسي"، واتهم الولايات المتحدة التي تنشط في كواليس جنيف بتسليح المتمردين على الأرض.
     كشفت وكالة رويترز أن واشنطن قد بدأت بإرسال أسلحة خفيفة إلى المتمردين "المعتدلين" في جنوب سورية، وأن الكونغرس وافق سرّاً على الموازنة اللازمة لإرسال هذه الأسلحة الجديدة. بشكل موازي، أعلنت وول ستريت جورنال أن واشنطن ستبدأ قريباً بإرسال أسلحة غير فتاكة إلى بعض المتمردين في الجيش السوري الحر في شمال سورية، وذلك بعد أكثر من شهر على إيقاف مساعدتها بسبب نهب مقر الجيش السوري الحر من قبل خصومه السلفيين. لا تشمل الأسلحة المرسلة إلى الجنوب إلا بعض القذائف الصاروخية المضادة للدبابات وبعض الأسلحة الخفيفة، ولكنها لا تشمل صواريخ أرض ـ جو يمكن حملها على الكتف.
     كان الكونغرس متردداً جداً حتى الآن إزاء إرسال مثل هذه الأسلحة، خشية من وقوعها بأيدي الإسلاميين أو الجهاديين، أي الطرفان الأكثر قوة في التمرد. ولكن كان يجب على واشنطن أن تتحرك تجاه الجيش السوري الذي تسارعت إمدادات الأسلحة إليه من قبل حليفه الروسي. من الأسهل نسبياً القيام بذلك في الجنوب انطلاقاً من الأردن، أي في المنطقة التي تتصف بأن المكون الجهادي فيها أقل قوة بالمقارنة مع الشمال. إذاً، تستطيع نقاط اتصال الجيش السوري الحر الظهور بأنها أكثر فعالية للمحافظة على الأسلحة التي سترسلها واشنطن.

     ليس من قبيل الصدفة أن يأتي الإعلان عن هذا التحول في الموقف الأمريكي أثناء المفاوضات حول العملية الانتقالية. يجب على الولايات المتحدة تعزيز حلفاءها المعتدلين للسماح بتطبيق التقدم المحتمل انتزاعه في جنيف ميدانياً. أو في حال الفشل، من أجل عدم السماح للمتمردين الأكثر راديكالية بالسيطرة نهائياً على بقية المتمردين.

الثلاثاء، ٢٨ كانون الثاني ٢٠١٤

(سورية: النظام يُعرقل المفاوضات)

صحيفة الفيغارو 28 كانون الثاني 2014 بقلم مراسلها الخاص في جنيف جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     كما كان متوقعاً، لم تتأخر عرقلة المفاوضات، وظهر ذلك حول المسألة المتفجرة المتعلقة بنقل السلطة. في اليوم الثالث للمفاوضات بين النظام ومعارضيه، قام كل طرف يوم الاثنين 27 كانون الثاني بطرح قراءته لبيان جنيف 1 الذي تم تبنيه في شهر حزيران 2012 حول إقامة جهاز حكومي انتقالي، وهو الموضوع الذي يشكل أساس هذه المفاوضات. ولكن عندما عرف معارضو بشار الأسد بـ "إعلان المبادىء" الذي قدمه النظام، لم تتأخر ردة فعلهم. قال رئيس مفاوضي المعارضة هادي البحرة متأسفاً بعد عدة لحظات من هذا الإعلان: "لا يتطرق الإعلان إلى المسألة المركزية". إذا كان هذا الإعلان قد أفاض في معالجة مكافحة الإرهاب، فإن خارطة الطريق للسلطة السورية تجاهلت أية إشارة إلى العملية الانتقالية للسلطة في دمشق. إذاً، رفض معارضو الأسد هذا النص.
     إنها الأزمة الأولى في هذه المفاوضات، وهي لا تُشكل مفاجأة حقيقية. كان وزير الخارجية وليد المعلم الذي يترأس وفد دمشق قد أكد عشية وصوله إلى سويسرا قبل أسبوع بالضبط أن "بشار الأسد يمثل خطاً أحمراً"، واعتبر أنه لا مجال إطلاقاً للحديث عن تغيير السلطة. يوافق ممثلو السلطة في أفضل الأحوال على الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية.
     تمكن الوفدان من مواجهة بعضهما البعض للمرة الأولى يوم السبت 25 كانون الثاني، وذلك بعد الانتقادات اللاذعة في اليوم الأول للمؤتمر. ثم قام الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي بمفاجأة الجميع مساء اليوم نفسه بالإعلان عن تحقيق تقدم إنساني يتعلق بـ 600 إمرأة وطفل محاصرين منذ سنتين في المدينة القديمة لحمص من قبل القوات النظامية.
     أسرّ أحد أعضاء فريق الأخضر الإبراهيمي مساء الأحد 26 كانون الثاني قائلاً: "قالت لنا الحكومة فعلاً أن إخلاء النساء والأطفال يمكن أن يكون فورياً". هناك مئتان منهم مستعدون لمغادرة حمص يوم الاثنين 27 كانون الثاني، في حين طالبت الولايات المتحدة أيضاً بإدخال مساعدة إنسانية إلى المدينة. أضاف الدبلوماسي الأممي قائلاً: "بالمقابل، بالنسبة للرجال، يريد النظام معرفة من هم هؤلاء الرجال. إنه يريد قائمة بأسمائهم، وقال لنا أنه سينظر بوضع كل حالة على حدة. ولكن إذا كان بعض المتمردين ينتمون إلى جبهة النصرة أو بقية المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة، فإنه لن يسمح لهم بالخروج بهذه السهولة".
     باختصار، إن حمص تمثل "خطوة صغيرة جداً" يجب تجسيدها على الأرض. هناك الكثير من العقبات مثل الخشية من اعتقال الرجال عند خروجهم من المدينة القديمة بالإضافة إلى النفوذ المحدود للمعارضين في جنيف على المجموعات المسلحة. من أجل التغلب على هذه العقبة، قامت الأمم المتحدة بإرسال بعض المبعوثين إلى بعض الفصائل المعارضة لجنيف 2، وقامت الدول التي ترعى هذه الفصائل (قطر والسعودية) بالشيء نفسه. أعرب الدبلوماسي الأممي عن سروره قائلاً: "نلاحظ بوادر تغيير من قبل بعض المجموعات التي تقول لنا بأنه إذا حقق مؤتمر جنيف تقدمأً، فسيكون ذلك أمراً جيداً".
     استطاع الأخضر الإبراهيمي الإعلان أمام الصحافة يوم الأحد 26 كانون الثاني أنه "مسرور" من الاتفاق حول حمص. في الحقيقة، سعى الدبلوماسي الجزائري الذكي جداً إلى الضغط على محاوريه، باعتبار أن أياً من الطرفين لا يريد المخاطرة بتحميله مسؤولية الفشل. وقال أحد معاونيه: "لقد توقفوا عن توجيه الشتائم لبعضهم البعض، وهذا أفضل مما كنا نخشاه"، ولكنه ما زال حذراً عشية التطرق إلى العملية الانتقالية السياسية. كما أن دراسة المسألة الشائكة المتعلقة بالمعتقلين أدت إلى تعكير الجو. قدمت المعارضة لائحة تتضمن 47.000 معتقلاً. ولكن دمشق أجابت بأن 60 % من هؤلاء الأشخاص لم يسبق اعتقالهم إطلاقاً أو تم الإفراج عنهم.

     على الرغم من المأزق، كرر الوفدان القول: "نحن سنبقى في جنيف". هذه هي النقطة المشتركة الوحيدة بين مؤيدي ومعارضي الأسد. لا يريد أي منهم الظهور بمظهر الذي أغلق باب المفاوضات.

(دعوة خبراء قانون دوليين للمساعدة في اتفاق جنيف)

صحيفة الفيغارو 28 كانون الثاني 2014 بقلم مراسلها الخاص في جنيف جورج مالبرونو Georges Malbrunot


     أعلن أحد أعضاء المعارضة في جنيف أنه من المفترض قدوم خبراء في السياسة والقانون الدولي لكي يشرحوا للوفدين مضمون اتفاق جنيف 1 الذي تم التوصل إليه في شهر حزيران 2012 حول نقل السلطة في سورية، وذلك من أجل حسم الخلاف حول هذا الاتفاق. يعني هذا الاتفاق بالنسبة للمعارضين ولعرابيهم الغربيين رحيلاً سريعاً لبشار الأسد وجهازه الأمني المسؤول عن قمع المعارضين. بينما تختلف قراءة دمشق لهذا الاتفاق بشكل جذري، وكرر ممثلوها في المفاوضات التي بدأت الأسبوع الماضي في مونترو قائلين: "يمثل جنيف 1 اتفاقاً اجمالياً (package)، ونحن مستعدون لمناقشته، ولكن لدينا بعض التحفظات حول بعض النقاط. إن جنيف 1 ليس كتاباً مقدساً". فيما يتعلق بالمسائل الإنسانية، الأقل صعوبة في حلّها، يخشى معارضو الأسد من الفخ الذي بدأ النظام بنصبه لهم. يدعي النظام أنه يريد التوصل إلى حل ليس فقط للمحاصرين في حمص، بل أيضاً إلى جميع أولئك الذين يعيشون في ظروف صعبة جداً في جميع أنحاء سورية. قال أحد العارفين بالسلطة في دمشق: "يعرف النظام جيداً أن هؤلاء المعارضين لا يستطيعوا فرض وجهات نظرهم في كل مكان وعلى جميع المجموعات المسلحة".

الاثنين، ٢٧ كانون الثاني ٢٠١٤

(مؤيدو ومعارضو الأسد يبدؤون الحوار في جنيف)

صحيفة الليبراسيون 27 كانون الثاني 2014 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     أشار الوسيط الأممي الأخضر الإبراهيمي إلى أن مفاوضات السلام حول سورية تتقدم "بخطوات صغيرة جداً" في جنيف. بالتأكيد، لقد جلس مفاوضو النظام السوري والمعارضة وجهاً لوجه لليوم الثاني على التوالي، ولكن بدون أن يتحدثوا مع بعضهم البعض بشكل مباشر. إذاً، تجري المفاوضات عبر الأخضر الإبراهيمي.
     يسعى الطرفان إلى التفاهم حول إجراءات تهدف إلى بناء القليل من الثقة بينهما، وذلك بسبب عدم إمكانية مناقشة الموضوع الأساسي حول العملية الانتقالية السياسية. ناقش الطرفان يوم السبت 25 كانون الثاني إرسال قوافل إنسانية إلى حمص التي كانت "قلب" التمرد لفترة طويلة، وما زالت بعض أحيائها تقاوم  القوات النظامية التي تقصفها بلا رحمة منذ شهر حزيران 2012. أكد  أحد أعضاء وفد المعارضة في جنيف لؤي صافي قائلاً: "حمص هي امتحان: إذا لم يفتح النظام بعض الممرات، فهذا يعني أن النظام يريد حلاً عسكرياً وليس سياسياً".
     أشار الإبراهيمي إلى أن دمشق بادرت البارحة 26 كانون الثاني بالسماح للنساء والأطفال بمغادرة مدينة حمص "فوراً". يهدف هذا الإجراء إلى أن يُظهر للدول الغربية أن دمشق قادرة على المرونة. وكانت دمشق قد سمحت مؤخراً بدخول الطعام إلى "مخيم" اليرموك المحاصر الذي ربما مات فيه ثلاثة وستون شخصاً بسبب الجوع. نوقشت البارحة مشكلة آلاف المعتقلين والمختطفين والمختفين. كان بيان جنيف 1 الذي يرتكز عليه المؤتمر الحالي ينص على قيام النظام بالإفراج عن المعتقلين. في الوقت الحالي، يتعلق الأمر بتبادل المعتقلين.
     هل وافق النظام على بيان جنيف 1؟ من حيث المبدأ، نعم. ولكنه يختلف مع المعارضة حول تفسيره. يقول معارضو بشار الأسد أن هذا البيان يستوجب بالضرورة رحيل الدكتاتور، بينهما ترفض دمشق هذا السيناريو وتتحدث عن حكومة وحدة وطنية. تؤكد المعارضة أن المفاوضات السياسية على أساس جنيف 1 ستجري اليوم وغداً. أكد لؤي صافي قائلاً: "إن سبب حضورنا ليس فتح ممر هنا أو هناك، بل الحديث عن مستقبل سورية".
     من المحتمل أن تستمر المفاوضات حتى يوم الجمعة 31 كانون الثاني، ثم سيتم استئنافها بعد توقف. لا ينوي أي طرف إغلاق باب المفاوضات، لأنه كما يقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: "إن الذي يُغلق باب المفاوضات، سوف يتحمل مسؤولية الفشل". بالمقابل، لا يمكن رؤية إلى أين ستؤدي هذه المفاوضات، نظراً للعداء بين الطرفين.


(مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية يزور إيران)

صحيفة الفيغارو 27 كانون الثاني 2014

     قام مدير إدارة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرانسوا جيرو Jean-François Girault بزيارة طهران قبل فترة قصيرة من افتتاح مؤتمر جنيف حول سورية يوم الأربعاء 22 كانون الثاني. حاول المسؤول الفرنسي إقناع إيران بالمشاركة في هذا المؤتمر، ولكن دون جدوى. كانت طهران مستعدة للذهاب إلى جنيف بدون شروط مسبقة. ولكن فرنسا وبعض الدول الأخرى التي تدعم المعارضة السورية كانوا يطالبون بأن تقبل إيران بشكل مسبق بيان جنيف 1 عام 2012 الذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية بدون بشار الأسد.


(المأساة السورية الأخرى)

صحيفة اللوموند 25 كانون الثاني 2014 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     يجري المشهد في مدينة أطمة الواقعة بأقصى شمال سورية مساء أحد أيام شهر شباط عام 2013. بعد حلول الظلام وانقطاع الكهرباء، هناك رجلان يتبادلان الصور على الهاتفين الجوالين حول مدفأة في ظلام دامس. إنهما يتهامسان ويقطع أحدهما حديث الآخر لكي يسأل عن معنى إحدى الكلمات الانكليزية أو كيفية كتابتها. إنهم متمردون حسب الظروف، وينتمون إلى إحدى المجموعات المسلحة، ولكنهم يقاتلون عندما يستطيعون وعندما يكون لهم مصلحة في ذلك.  تخلصت أطمة من سيطرة النظام منذ وقت طويل، وتجري فيها عمليات تهريب الأسلحة والبنزين والمساعدة الإنسانية وكل ما يمكن بيعه وشراءه في بلد بحالة حرب. ولكن في هذا المساء الشتائي، لم يكن الأمر يتعلق بكل ذلك. استطاع الزائر الأجنبي أخيراً مشاهدة الصور الغامضة المرسلة عن طريق البلوتوث (Bluetooth) بعد تدخين العديد من السجائر وتبادل كلمات الترحيب الودية: إنها صور تمثالين صغيرين من الفخار يبلغ ارتفاعهما حوالي عشرة سنتيمترات بالإضافة إلى قطعة نقدية كبيرة يتآكلها الصدأ. يبحث أحمد وعبد الله عن مشتري: يقوم عبد الله بـ "التنقيب"، ويبحث أحمد عن الزبائن. يتنقل أحمد باستمرار بين تركيا وأطمة. ما هو مصدر هذه الآثار الفنية؟ كم يبلغ ثمنها؟ من يشتريها؟ لا يريدان قول المزيد.
     يعطي هذا المشهد في قلب الليل السوري لمحة مختصرة لأحد الأوجه المخفية للحرب الأهلية والتدمير والنهب على نطاق واسع للتراث السوري. هل يجب الاهتمام بالأحجار في حين يموت العشرات يومياً، وتسبب القمع بمقتل ما بين مئة ألف ومئة وخمسين ألف شخص على الأقل خلال ثلاث سنوات؟ نعم، لأن سورية ليست فقط على وشك إفراغها من سكانها الذين يختارون الهجرة أكثر فأكثر، بل يجري أيضاً نهب هوية هذا البلد الذي يعتبر إحدى أقدم الدول في العالم وأكثرها غنى من حيث عدد وتنوع آثاره التاريخية. قالت عالمة الآثار صوفي كلوزان Sophie Clusan التي تعمل في قسم الحفاظ على التراث في متحف اللوفر: "إن الأمر يتعلق بروح سورية".
ـ تحتوي سورية سبعة مواقع مصنفة ضمن التراث العالمي لليونيسكو على الأقل: المدن القديمة في دمشق وحلب وبصرى وتدمر، و"المدن الميتة" في الشمال، وقلعة الحصن وقلعة حمص وقلعة صلاح الدين. لم ينج أي موقع منها من القصف والمعارك والنهب، وحتى مركز دمشق الذي بقي بمنأى عن المعارك نسبياً أصابته بعض القذائف. إذاً، ماذا نقول عن قلعة الحصن، هذه المعجزة المعمارية من العهد  الصليبي، التي تتعرض لقصف منتظم بالمدافع والطائرات المروحية وحتى طائرات الميغ التي تحاول إبعاد المتمردين بدون جدوى؟ فيما يتعلق بحلب التي تضم أجمل أسواق الشرق الأوسط، خسر الجامع الأموي فيها مئذنته، وتعرضت العديد من الخانات للأضرار، ودمرت الحرائق 1200 متجراً في السوق القديم.
     إنها الملاحظة نفسها في كل مكان: هناك كارثة مذهلة حالياً شبيهة بالكارثة التي شهدها التراث العراقي خلال سنوات الحظر بين عامي 1991 و2003، ثم خلال الغزو الأمريكي والفوضى التي أعقبته. قام عالم الآثار السوري الشاب شيخموس علي بتأسيس جميعة لحماية الآثار السورية، ويعتبر أنه هناك ثلاثة أخطار رئيسية على التراث السوري: الأول هو "احتلال الأماكن الإستراتيجية ـ من قبل الجيش ـ المطلة على المدن القديمة ومراكز المدن"، هذا هو حال قلعة حلب وقلعة حمص وقلعة تدمر، هذا هو الوضع أيضاً في بعض المواقع الأثرية والمتاحف مثل الجامع الأموي في حلب الذي انسحب منه الجيش وقام بقصفه، ومتحف معرة النعمان ومتحف الفنون والتقاليد الشعبية في حمص. ثانياً، هناك "قصف الأحياء التاريخية" والمواقع الأثرية بعد المعارك: مثل حمص وحلب والعديد من المدن الأخرى. أخيراً، الأخطار الناجمة عن "نقص الإجراءات الأمنية في المتاحف والمواقع الأثرية" التي تعرضت لنهب مكثف في بعض الأحيان.
     يقوم شيخموس علي بإحصاء جميع الانتهاكات ضد الثراث بواسطة الوسائل المتاحه له ولبعض أصدقائه، وينشر ذلك على موقع إلكتروني. يقيم شيخموس علي حالياً في ستراسبورغ، ولديه شبكة واسعة من الأشخاص الذين ينقلون له المعلومات من سورية. قال شيخموس علي: "أنا أتمتع بحرية الحديث وإدانة ما يحصل بعكس الإدارة العامة للآثار القديمة والمتاحف"، وينتقدها بسبب محاباتها للسلطة وعدم طرحها للمشكلة الناجمة عن ممارسات الجيش عندما قام على سبيل المثال بقصف الأنقاض التي يستخدمها القناصون المتمردون في مدينة نوى بالقرب من درعا، أو قيامه بحفر خندق في موقع تدمر لكي يتمكن من التنقل بأمان. ودائماً في تدمر التي تمثل أروع المواقع اليونانية ـ الرومانية في العالم، تمركزت وحدة من قناصي النخبة على سطح المتحف من أجل استهداف المدينة بشكل أفضل. كما تم وضع منصة لإطلاق القذائف بجانب أبراج المقابر، وربما أدى إطلاق المدافع إلى تدمير عمودين مشهورين في معبد بعل. من جهة أخرى، قام الجنود باختراق كوة الرمي في متحف حمص. كما تعرضت قلعة معرة النعمان للقصف انطلاقاً من المتحف. الأمثلة لا تحصى، وقال شيخموس علي متأسفاً: "يقع على عاتق الدولة السورية حماية المواقع الواقعة تحت مسؤوليتها، ولا تتجرأ الإدارة العامة للآثار القديمة والمتاحف على تذكيرها بذلك".
     تحاول هذه المؤسسة المعروفة بجديتها البقاء قدر الإمكان بمعزل عن السياسة في بلد ممزق إلى نصفين وتحت سلطة نظام لا يتسامح مع أي انتقاد. هناك عقبة أخرى، لم تعد الإدارة العامة للآثار القديمة والمتاحف تتمتع بأية سلطة على نصف الأراضي السورية التي انتقلت السيطرة عليها إلى بعض الفصائل المتمردة التي لا تعترف بأية قيادة مركزية. يحاول شيخموس علي جمع أكبر قدر من المعلومات عن طريق سكايب واليوتوب، وبهذه الطريقة عرف مؤخراً أن بعض الرجال المسلحين قاموا بنهب ثلاثة صناديق تحوي 150 قطعة من متحف الرقة، واعتدوا على ثلاثة صناديق أخرى.
     في المنطقة المتمردة التي تسود فيها الفوضى، قام بعض المخربين بسرقة وتدمير متحف دورا أوروبوس بالقرب من ماري الواقعة شرق سورية. كما تمت سرقة حوالي ثلاثين قطعة أثرية صغيرة من السيراميك في متحف معرة النعمان. ولكن الوجود الحكومي لا يضمن المزيد من الأمن: تمت سرقة تمثال من البرونز المدهون بالذهب لأحد الآلهة الأراميين من متحف حماة دون وجود آثار كسر، وذلك خلال الأشهر الأولى للتمرد في نهاية ربيع عام 2011. كما حصلت عمليات تنقيب عشوائية تحت أنظار الجيش، الأمر الذي حول موقع أفاميا شمال حماة إلى شبكة من الثقوب. ربما اختفت حوالي ثلاثين قطعة موزاييك. قالت مديرة برنامج المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) فرانس ديماريه France Desmarais، وهي منظمة غير حكومية موجودة في باريس: "يُظهر تحليل صور الأقمار الصناعية وجود 14600 حفرة بتاريخ 28 تشرين الثاني 2013، وهذا يعادل أكثر من 50 % من مساحة موقع أفاميا".
     يعتبر عالم الآثار الإسباني رودريغو مارتان غالان Rodrigo Martin Galan، الذي يعرف سورية بشكل جيد وذهب إليها بشكل منتظم بين عامي 1996 و2010، أن ما يحصل في سورية هو كارثة علمية حقيقية، وقال: "إن أي مقتنى أثري خارج سياقه يفقد 70 % من قيمته العلمية، وأن الأضرار التي لحقت بالطبقة الجيولوجية لا يمكن إصلاحها، إنها الصفحات التي يستخدمها عالم الآثار لقراءة الماضي". تكشف صور الأقمار الصناعية عن وجود رافعات تبعث على الشك بعمل عصابات السرقة المنظمة، وقال رودريغو مارتان غالان متنهداً: "على أي حال، يكفي القيام بالحفر للعثور على شيء ما. ولكنني سأكون آخر من يلوم السكان المحليين الذين يموتون من الجوع".
ـ لم يكن الوضع قبل الثورة رائعاً بشكل دائم. أكد شيخموس علي قائلاً: "لم تبدأ عمليات التنقيب العشوائية مع الثورة. تعمل عصابات التهريب دوماً بالاتفاق أو حتى بدعم أجهزة الاستخبارات". كان رفعت الأسد مشهوراً بتصدير القطع الأثرية عبر الحاويات من ميناء اللاذقية. تفتقد الإدارة العامة للآثار القديمة والمتاحف للإمكانيات، ولا يوجد في منطقة الحسكة التي تضم حوالي خمسة آلاف تل أثري (هضاب تشكلت عبر تراكم الأنقاض)، إلا حارس واحد من أجل خمسين موقع، وذلك حتى قبل الثورة. أما اليوم....
     يهدف برنامج المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) إلى مكافحة تهريب المقتنيات الثقافية، ونشر "لائحة حمراء" سورية بتاريخ 25 أيلول عام 2013. قالت مديرة البرنامج فرانس دوماريه: "تضم هذه اللائحة تصنيفاً لحوالي أربعين مادة أثرية، ونعرف أن هذه المواد مطلوبة في سوق الفن غير الشرعي. تم إرسال هذه القائمة التحذيرية إلى الجمارك وإدارات الآثار القديمة وتجار الفن في جميع الدول التي يُحتمل وصول هذه المواد المسروقة إليها". يقع على عاتق هذه الجهات إظهار حذرها الآن. في الوقت الحالي، ما زال التهريب محدوداً بالدول المجاورة، ولاسيما في لبنان وتركيا حيث حصلت فيهما عدة عمليات لاستعادة هذه الآثار. في أوروبا، تم إحصاء حالة واحدة لتهريب الآثار في مدينة تورينو الإيطالية تتعلق بتمثال صدري من تدمر. فيما يتعلق بفرنسا، تعتبر فرانس دوماريه أن الآثار السورية ستبدأ بالظهور في السوق الدولي بعد عامين أو ثلاثة، وقالت: "تم العثور على ثلاث عشرة مادة أثرية عراقية عام 2013. فيما يتعلق بسورية، إن ما يصل إلى فرنسا حالياً هي أثار مزيفة بأغلبها".
     تواجه مسألة التراث السوري المشاكل نفسها التي تواجهها تسوية النزاع السوري، ولكن على نطاق أضيق وفي مجال مختلف. من جهة أولى، هناك النظام الذي يحاول الاستفادة من مسألة التراث للظهور بمظهر الضامن الوحيد للنظام والاستقرار. من جهة أخرى، هناك المعارضين المنقسمين. وبينهما، هناك بعض المنظمات الدولية المشلولة بسبب القواعد والأنظمة الأممية. كما انقسمت شبكة شيخموس علي وجمعيته لحماية التراث السوري التي تعتمد على المتطوعين، ولاسيما المواطنين ـ الصحفيين، إلى نصفين بسبب مسائل متعلقة بمكان وجودها وبالأشخاص: يقود الفرع الآخر الناشط علي عثمان الموجود على الفيسبوك تحت اسم التراث الأثري السوري في خطر.
     بالنسبة لليونيسكو المكلفة بحماية المواقع المسجلة ضمن التراث العالمي، فقد تأخرت قبل مواجهة خطورة الوضع. لقد انتظرت حتى تاريخ 20 حزيران 2013 من أجل إدراج المواقع السورية المسجلة ضمن التراث العالمي على لائحة التراث العالمي المهدد. انتقد العديد من علماء الآثار حيادية المنظمة الدولية وعدم قيامها بإدانة القصف المكثف للنظام واستخدام الجيش لبعض المواقع الأثرية كمواقع لإطلاق النيران أو كثكنات. بررت مسؤولة قسم الدول العربية في مركز التراث باليونيسكو ندى الحسن ذلك بقولها: "نحن خاضعون لمتطلبات منظمة دولية. نحن لسنا هنا من أجل إدانة هذا الطرف أو ذاك. إنه ليس دور المنظمة". ولكنها حرصت على التأكيد أن اليونيسكو حققت تقدماً منذ المؤتمر الذي دعت إليه المديرة العامة إيرينا بوكوفا بتاريخ 29 آب 2013 بحضور المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي، وقالت: "نحن نعمل على إقامة مرصد للتراث السوري لكي يقوم بتنسيق جميع المعلومات وإحصائها في قاعدة للمعلومات حسب المعايير العلمية الدولية المعترف بها. نحن نرحب بجميع الإمكانيات: الجمعيات والجامعات وعلماء الآثار والمتاحف... الخ". من جهة أخرى، تستعد اليونيسكو لإطلاق عدة حملات لإثارة الاهتمام التلفزيوني على الصعيدين الإقليمي والمحلي. وأضافت ندى الحسن قائلة: "سنتدخل أيضاً في مخيمات اللاجئين. كما ننوي تقديم مساعدة فنية عاجلة إلى أولئك الذين يعملون من أجل حماية التراث السوري مهما كانت هويتهم وأينما كانوا".
     تمثل سورية أيضاً مسرحاً لبعض المبادرات الفردية الرائعة، ولكن لا يجري الحديث عنها كثيراً. أشار شيخموس علي إلى أن إحدى كتائب الجيش السوري الحر بادرت إلى حماية موقع ماري على نهر الفرات. وفي حلب، قام المجلس الثوري بتأسيس قسم للآثار القديمة، ويعمل على قدم وساق من أجل حماية الآثار المهددة مثل مخطوطات الجامع الأموي، وبناء حائط لحماية بعض الآثار أو الأبنية الأكثر هشاشة وتعرضاً للخطر، أو من أجل إطفاء الحرائق. كما قام سكان مدينة مسكنة بالقرب من بحيرة الأسد بحماية مكتشفات بعثة التنقيب الألمانية التي لم تستطع العودة منذ خريف عام 2010.

     كتبت مديرة اليونيسكو إلى الأخضر الإبراهيمي عشية مؤتمر جنيف 2 لكي تطلب منه التأكيد على الأطراف المشاركة حول أهمية حماية التراث. لقد بدأ علماء الآثار بالتفكير بمرحلة ما بعد الحرب، حتى ولو كان ذلك خارجاً عن سيطرتهم في الوقت الحالي. حذرت صوفي كلوزان التي تعمل في متحف اللوفر قائلة: "يجب على المجتمع العلمي أن يكون مستعداً، لأن أصحاب المصالح الخاصة يعرفون ماذا يريدون بالضبط". بالإضافة إلى كل ذلك، إنها تخشى من عملية لإعادة البناء شبيهة بما حصل في لبنان بشكل تتحول فيه حلب إلى بيروت ثانية: قام رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري بإعادة تصميم مركز مدينة بيروت اعتباراً من بداية سنوات التسعينيات لكي يجعل منها مركزاً تجارياً ضخماً للسواح القادمين من الخليج.

(هولاند في أنقرة، زيارة في أسوأ الأوقات)

صحيفة الليبراسيون 27 كانون الثاني 2014 بقلم مارك سيمو Marc Semo

     إنها أول زيارة دولة لرئيس فرنسي إلى تركيا منذ الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران إلى تركيا قبل 22 عاماً، ويبدو أن هذه الزيارة ستكون صعبة. يعتبر العديد من المثقفين والديموقراطيين الأتراك أن هذه الزيارة التي تبدأ اليوم 27 كانون الثاني وستستمر لمدة يومين "لا تأت في الوقت المناسب".
     تراجعت مصداقية رئيس الوزراء الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان منذ قمع المتظاهرين خلال الربيع الماضي، كما تراجعت مصداقية "النموذج التركي" الذي يجمع بين الإسلام والديموقراطية والنمو الاقتصادي. لم يقم أي رئيس دولة أو حكومة لإحدى الدول الكبيرة في الاتحاد الأوروبي بزيارة تركيا منذ شهر حزيران الماضي. تفاقم الوضع منذ ذلك الوقت.
     يرافق فرانسوا هولاند في هذه الزيارة سبعة وزراء والعديد من رجال الأعمال. يصل الرئيس الفرنسي إلى بلد غارق في أزمة سياسية خطيرة. قال أحد النواب السابقين في حزب العدالة والتنمية الذي كان أحد أعمدة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي لفترة طويلة: "وصلت حكومتنا إلى وضع لا يمكنها فيه مناقشة العلاقات الثنائية بشكل فعلي أو حتى المشاكل الإقليمية".
     يشعر الأوروبيون والمعارضة التركية بالقلق من محاولات أردوغان الهادفة إلى السيطرة على القضاء وتعزيز السلطة السياسية على المجلس الأعلى للقضاة والنواب العامين. أكد قصر الإليزيه أن الرسالة التي سيوجهها الرئيس الفرنسي ستكون مشابهة للرسالة التي وجهتها بروكسل من أجل تذكير أنقرة بـ "أهمية دولة القانون وفصل السلطات واستقلال القضاء والحريات الأساسية".
     بموجب الأعراف البروتوكولية، سيتحاور الرئيس الفرنسي في أنقرة بشكل أساسي مع نظيره التركي عبد الله غول الذي يظهر أكثر فأكثر كبديل حتى داخل حزب العدالة والتنمية، وذلك بفضل مواقفه المعتدلة ونداءاته المتكررة لاحترام مبادىء دولة القانون. لن يلتقي فرانسوا هولاند مع رئيس الحكومة والرجل القوي في تركيا إلا بشكل مختصر جداً، ثم سيذهب إلى استانبول للاجتماع برجال الأعمال الأتراك.

     أدت الأزمة السياسية في تركيا إلى هبوط سعر العملة التركية مقابل اليورو والدولار، ولكن تركيا ما زالت اقتصاداً واعداً. ما زالت حصة الشركات الفرنسية في السوق التركي ضعيفة، وتراجعت من 6 % إلى 3 % بين عامي 2009 و2012.