الصفحات

الثلاثاء، ٣ حزيران ٢٠١٤

(تنظيم "مهزلة" في بلد مدمر والمعارضة تقاطعها)

صحيفة اللوموند 3 حزيران 2014بقلم سيسيل هينيون Cécile Hennion

     تدعي دمشق أنه يوجد خمسة عشرة مليون ناخب في سورية. إذا عرفنا أن عدد سكان سورية يُقدر بـ 23 مليون نسمة قبل عام 2011، وأن الحرب أدت إلى ترحيل ثلاثة ملايين لاجىء، وأن عدد النازحين يبلغ حوالي ستة ملايين، وأن اللجنة الانتخابية حذرت بأنها سترفض إمكانية تصويت جميع أولئك الذين لا يحملون أوراقا نظامية، فإن العدد الحقيقي للناخبين لا يمكن أن يتجاوز خمسة أو ستة ملايين.


(مهدي نيموش، محمد المراح الجديد)

صحيفة الفيغارو 2 حزيران 2014 بقلم جان مارك لوكلير Jean-Marc Leclerc

     اعتقلت الشرطة الفرنسية بالصدفة المواطن الفرنسي مهدي نيموش Mehdi Nemmouche (29 عاماً) خلال تفتيش روتيني قام به رجال الجمارك يوم الجمعة 30 أيار لإحدى الحافلات في محطة القطارات بمدينة مارسيليا، كانت الحافلة قادمة من مدينة أمستردام الهولندية. تم توجيه الاتهام لهذا الرجل بإطلاق الرصاص على أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل بتاريخ 24 أيار، وقتله ثلاثة أشخاص على الفور. سيعيد القبض على مهدي نيموش استئناف الجدل حول مراقبة بعض الفرنسيين الذين يذهبون للقتال في سورية، لأنه يبدو أن الأجهزة الفرنسية لمكافحة الإرهاب فقدت أثره على الرغم من وجود اسمه في لائحة الأشخاص الموضوعين تحت الرقابة، كما كان عليه الحال مع محمد المراح.
     لم يكشف المحققون الفرنسيون والبلجيكيون عن خبر القبض على مهدي نيموش إلا يوم الأحد 1 حزيران، وأشار النائب العام البلجيكي إلى أن السبب هو "القيام بعملية مداهمة صباح يوم الأحد في منطقة Courtrai والقبض على شخصين يجري التحقيق معهما حالياً".
     عثرت الشرطة داخل حقائب مهدي نيموش على قطعة قماش كبيرة مكتوب عليها اسم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، هذه المجموعة الجهادية الناشطة في سورية والتي بقي فيها مهدي نيموش أكثر من عام ابتداءاً من نهاية عام 2012. كما عثرت الشرطة في حقائبه على بندقية كلاشينكوف ومسدس وذخيرة بالإضافة إلى كاميرا محمولة من أجل تصوير عملية الاغتيال التي قام بها في بلجيكا. وكشف مصدر قضائي فرنسي عن وجود تسجيل صوتي بصوت مهدي نيموش يقول فيه: "ارتكبت عملية الاغتيال ضد يهود بروكسل".


(كيف تحول هذا المجرم ذو السوابق إلى الإسلام الراديكالي)

صحيفة الفيغارو 2 حزيران 2014 بقلم كارولين باير Caroline Bayer

     ارتكب مهدي نيموش العديد من الجنح بين عامي 2004 و2009، وصدرت بحقه سبعة أحكام قضائية. دخل السجن خمس مرات منذ عام 2001، آخرها لمدة خمس سنوات بين عامي 2007 و2011. أشار النائب العام في فرنسا فرانسوا مولان François Moulin  إلى أن مهدي نيموش خالط مجموعة من المعتقلين الإسلاميين الراديكاليين، وأن إدارة السجون الفرنسية أبلغت أجهزة الاستخبارات برايكاليته الدينية خلال وجوده في السجن.

ـ خرج مهدي نيموش من السجن بتاريخ 4 كانون الأول 2012، ثم ذهب إلى سورية بعد ثلاثة أسابيع من خروجه من السجن عبر بلجيكا وبريطانيا ولبنان وتركيا، وأشار النائب العام في فرنسا إلى أن مهدي نيموش أمضى أكثر من عام في صفوف المنظمات الإرهابية الجهادية. عاد مهدي نيموش إلى أوروبا في شهر آذار 2014 بعد مروره في طريق عودته عبر استانبول وماليزيا وتايلند، الأمر الذي يؤكد أنه كان يريد إخفاء تحركاته.

(سورية، أرض الجهاديين)

صحيفة الليبراسيون 2 حزيران 2014 بقلم مارك سيمو Marc Semo

     تدل المجزرة التي ارتكبها مهدي نيموش في بروكسل على الخطر الذي يمثله الجيل الجديد من الإرهابيين، ولاسيما عندما يعودون إلى بلدانهم الأصلية من أجل نقل المعركة إليها. لقد ازداد عدد العائدين منهم كثيراً خلال الأشهر الماضية بسبب المواجهات داخل المعسكر الجهادي بين الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بزعامة أبو بكر البغدادي الذي يريد فرض نفسه كزعيم جديد للحركة الجهادية العالمية، وبين جبهة النصرة التي أعلنت ولائها لتنظيم القاعدة. قال الباحث المتخصص بمسائل الإرهاب والأمن في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية IFRI مارك هيكر Marc Heker: "لم يذهب هؤلاء الشباب الجهاديون إلى سورية من أجل قتال الجهاديين الآخرين، وهذا هو السبب في تسارع ظاهرة عودتهم. ولكن جزءاً من هؤلاء العائدين يخافون أيضاً من اعتبارهم جبناء أو حتى خونة، ويمكن أن يحاولوا الانتقال إلى الفعل في الغرب بسرعة أكبر مما كان متوقعاً".
     أصبح الخطر الكامن حقيقاً. أصبحت سورية "أرض الجهاد" الأساسية منذ عامين، قال مارك هيكر: "اتسعت هذه الظاهرة بشكل غير مسبوق، يُقدر عدد الأجانب الذين جاؤوا إلى سورية للقتال مع المجموعات الجهادية بحوالي إثني عشر ألفاً أو ثلاثة عشر ألفاً حالياً. بينما تشير التقديرات إلى أن عددهم لم يتجاوز خمسة وعشرين ألفاً في أفغانستان خلال الثمانينيات، ولكن خلال عشر سنوات". إن أغلب هؤلاء المتطوعين هم من الدول الإسلامية ولاسيما السعودية وتونس، ولكن عدد الشباب القادمين من الدول الغربية يزداد أكثر فأكثر، ووصل عدد الفرنسيين منهم إلى سبعمائة، بالإضافة إلى الكثير من البريطانيين. ولكن بلجيكا والدانمارك والنرويج تبقى الدول الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبة عدد الجهاديين إلى عدد سكان هذه الدول الثلاثة.


(هناك خطر حقيقي بوقوع 11 أيلول أوروبي)

 صحيفة الليبراسيون 2 حزيران 2014 ـ مقابلة مع الباحث الفرنسي جان بيير فيليو Jean-Pierre Filiu، أجرى المقابلة مارك سيمو Marc Semo

سؤال: ماذا يعني تورط أحد الجهاديين العائدين من سورية؟
جان بيير فيليو: أخشى أن يكون ذلك مجرد بداية. أنا أحذر منذ عدة أشهر من بروز منطقة جهادية بين العراق وسورية برعاية أبو بكر البغدادي ودولته الإسلامية في العراق وبلاد الشام. إن هذه المنطقة الجهادية أخطر بكثير مما كان عليه الحال مع الطالبان في أفغانستان بين عامي 1996 و2001 بسبب قرب هذه المنطقة من أوروبا واستحالة الرقابة على التنقل منها وإليها، ولاسيما عبر تركيا. لم تعد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تقاتل ضد نظام بشار الأسد، وبالتالي يمكنها التركيز على دمج بعض "المتطوعين" الأجانب في المجموعات القتالية. يتم استخدامهم غالباً كانتحاريين، ولكنهم ملزمون أيضاً بتجنيد بعض مواطنيهم وأصدقائهم عبر شبكات التواصل الاجتماعية، الأمر الذي يفسر التزايد الكبير في عدد الذاهبين إلى سورية. تحصل الرايكالية اليوم عبر الفيسبوك أكثر من حصولها عبر المواقع الجهادية على الأنترنت. يجري تأهيل بعض الجهاديين لكي يكونوا مستعدين للقيام بالعمليات بعد عودتهم إلى بلدانهم الأصلية. هذا هو السبب في الخطر المتزايد خلال الفترة القريبة القادمة ـ ربما وصلنا إليها ـ بحصول عمليات اغتيال شبيهة في أوروبا.
سؤال: هل البغدادي هو بن لادن الجديد؟
جان بيير فيليو: إنه يريد فرض نفسه كزعيم للجهاد العالمي، وبالتالي الحلول مكان أيمن الظواهري، وهو لم يعلن ولاءه للظواهري حتى الآن. يزداد عدد المجموعات المقاتلة والشيوخ الذين يتحالفون مع البغدادي أكثر فأكثر في الشرق الأوسط وخارجه. لكي يتمكن البغدادي من تعزيز إقصاء الظواهري، يجب عليه تنظيم عملية تفجير كبيرة في إحدى الدول الغربية، وهذا ما أصبح تنظيم القاعدة عاجزاً عنه منذ حوالي عشر سنوات. أكد  باراك أوباما في كلمته أمام طلاب المدرسة العسكرية في West Point الأسبوع الماضي أن أحداث 11 أيلول لم تعد ممكنة في الولايات المتحدة. ربما يكون محقاً، ولاسيما أن عدد الجهاديين الأمريكيين في سورية يبقى ضئيلاً. بالمقابل، ما زال الخطر حقيقياً بوقوع 11 أيلول أوروبي. يريد البغدادي ارتهان المسلمين الأوروبيين مستفيدا من المناخ السياسي المتدهور حالياً، وهذا ما أظهرته الانتخابات الأوروبية الأخيرة مع بروز التصويت لصالح الأحزاب الشعبوية والكارهة للأجانب. إنه يراهن على تفاقم الحقد أو حتى على بعض الأعمال الانتقامية العنصرية من أجل زيادة النزعة الراديكالية لدى بعض الشباب المسلمين. لا يمكن أن تبقى أوروبا هادئة مع البركان السوري على أبوابها.
سؤال: هل مفتاح المشكلة في سورية؟
جان بيير فيليو: بدون أي شك. إن برامج الوقاية مثل التي بدأتها فرنسا أو مثل إجراءات الرقابة على العائدين ليست إلا وسائل مؤقتة. يجب مواجهة الشر من جذوره، لأن عدد المتطوعين الذاهبين للقتال في سورية يزداد باستمرار، والمستقبل سيكون أسوأ. إن جمود المجتمع الدولي في سورية خلق الوضع الحالي الذي تتغذى فيه بشكل متبادل المصالح الاستراتيجية للبغدادي ـ الذي لا يقاتل جهاديوه إلا حلفاءهم الثوار السابقين ـ والمصالح الاستراتيجية لبشار الأسد ـ الذي توقف جواسيسه عن قتال الجهاديين ـ . يطرح "جزار دمشق" نفسه كحصن ضد تنظيم القاعدة بدعم من الروس وبصدى متزايد لدى الرأي العام الغربي. ستكون الصدمة مرعبة إذا تخلت الدول الغربية بوضوح عن السوريين، وذلك بعد أن تخلت ضمنياً عن السوريين الذين يقاتلون النظام. سيؤدي ذلك حتماً إلى تغذية خطاب هذه المجموعات وإدانتهم لنفاق الدول الغربية. إن إرسال الطائرات بدون طيار لقتال البغدادي لن يكون فعالاً في قتال الجهاديين. إن التحالف المعارض لبشار هو الوحيد الذي يقاتل بفعالية ضد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. إن نجاح الثورة السورية فقط هو الذي سيحمينا من هذا الخطر الصاعد.


الاثنين، ٢ حزيران ٢٠١٤

(دمشق مستسلمة قبل "المهزلة" الانتخابية لبشار الأسد)

صحيفة الفيغارو 2 حزيران 2014 بقلم مراسلها الخاص في دمشق جورج مالبرونو Georges Malbruot

     حسان النوري هو أحد منافسي بشار الأسد. إنه إصلاحي أكثر من كونه معارض، ويعرف بلده جيداً لدرجة تمنعه من التهور في اتجاه محفوف بالمخاطر. حذر رجل الأعمال حسان النوري الذي درس في الولايات المتحدة  وكان وزيراً سابقاً أقاله حزب البعث في بداية سنوات عام 2000 قائلاً: "أنا أختلف مع بشار الأسد، ولكنني لست ضده. أنا لا أؤيد إدارته للاقتصاد، وهذا هو أحد أسباب الأزمة. لأن اقتصادنا لا تستفيد منه إلا حوالي مئة عائلة. اختفت الطبقة الوسطى تقريباً، والنظام الحكومي تنقصه المهنية، والفساد مستشري بشكل كبير". يمشي حسان النوري في طريق صعب كما هو الحال بالنسبة للمرشح الآخر للانتخابات الرئاسية ماهر الحجار، تابع حسان النوري قائلاً: "عندما أقول مئة عائلة، فإن الناس يفهمونني، ولكنني لا أذكر أسماء، أنا أتحدث عن نظام"، ولكنه لم يتحدث عن الإصلاحات السياسية التي يطالب بها المعارضون، ولا حتى عن رحيل بشار الأسد عن السلطة. أضاف حسان النوري الذي كان في مقره الانتخابي بفندق الشيراتون قائلاً: "أدركت بعد مضي ثمانية أشهر على بداية التمرد أن دول الخليج تريد إسقاط النظام". يجب البحث طويلاً قبل العثور على إحدى صور حسان النوري الغارفة في بحر صور الرئيس السوري في شوارع العاصمة السورية التي تضم ألف وخمسمائة مركزاً للتصويت من أجل تشجيع مشاركة واسعة، الأمر الذي يعني إعطاء الشرعية إلى السلطة المدانة خارجياً.
     إنها حملة انتخابية بدون اجتماعات سياسية عامة، نظراً لأن المتمردين كثفوا هجماتهم ضد هذه الانتخابات التي وصفتها المعارضة الخارجية وعرابوها الغربيون بـ "المهزلة". على الرغم من ذلك، إنها الانتخابات الرئاسية الأولى في سورية منذ خمسين عاماً، فقد كان حافظ الأسد وابنه يُنتخبان عبر الاستفتاء حتى الآن. ولكن الجميع يعرف أن بشار سيُنتخب، وأن منافسيه الاثنين ليسا إلا وسيلة لإضفاء الأهمية على الانتخابات، وأنه تم اختيارهما بعد عملية انتقاء تستبعد جميع المعارضين الحقيقيين. قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أثناء زيارة خاطفة مبتسماً: "ماذا سيفعلون من أجل الحصول على 10 % من الأصوات؟". وحتى أحزاب المعارضة التي تتسامح معها السلطة دعت إلى مقاطعة الانتخابات "تضامناً مع أكثر من نصف السوريين الذين لا يستطيعوا المشاركة فيها". هناك مليونا لاجىء خارج سورية، وستة ملايين نازح. أكد هيثم سطايحي، أحد مستشاري الأسد قائلاً: "سنبذل كل ما بوسعنا لكي يتمكنوا من التصويت"، وأعرب عن رضاه من قيام العديد من اللاجئين في لبنان بالتصويت.
     سيُصوت السوريون في المناطق التي يُسيطر عليها النظام، أي في المدن الكبرى: دمشق وحمص وحماة وجزء من درعا وربما حلب التي يُكثف الجيش قمعه فيها لكي تتمكن المدينة الثانية في سورية من التصويت، وذلك دون أن ننسى معقل العلويين في المنطقة الساحلية وبعض المناطق الريفية التي استعادها الجيش منذ ستة أشهر. فيما يتعلق ببقية "سورية المفيدة"، فإن الأرياف الشمالية والشرقية التي يسيطر عليها المتمردون الإسلاميون ستقاطع الانتخابات. هذه المقاطعة غير مهمة، فقد أعربت النائبة المسيحية ماريا سعادة عن سرورها قائلة: "مع هذه الانتخابات، إن مصير البلد سيُقرره السوريون مرة أخرى ، وليس كيري أو فابيوس". لقد سقطت قذيفة هاون بالقرب من منزلها الأسبوع الماضي، وهي تخشى مثل الكثيرين من سكان دمشق من اندلاع العنف في يوم التصويت. برز هاجس آخر خلال الأسابيع الماضية: هناك بعض القنابل المخفية في الأنفاق المحفورة تحت الأبنية الحكومية، إنه تكتيك استخدمه المتمردون في الشمال. تقوم الأجهزة الأمنية منذ ذلك الوقت بتفتيش جميع الفجوات في حي المالكي الذي يسكنه العديد من القادة. اعترف حسان النوري قائلاً: "يعتقد الكثير من السوريين أن سورية ستكون أكثر استقراراً تحت قيادة الأسد بالمقارنة مع المعارضين". قال أحد التجار (أمجد) متحمساً: "هذه هي المرة الأولى التي سأذهب فيها للتصويت لأن بلدي يتعرض للهجوم من جميع الاتجاهات. هل تعتقدون أننا نرغب حقاً بديموقراطيتكم بعد كل ما جرى في العراق وليبيا ومصر؟".

     يقول الكثيرون بغموض أنهم يريدون التصويت من أجل سورية أكثر من التصويت من أجل الأسد. يريد العديد من سكان المدن إيقاف سيل الدماء وإيقاف الدمار وإيقاف صعود الإسلام الراديكالي الذي يُثير قلق الأقليات المسيحية والعلوية والدرزية (30 % من السكان)، وذلك بعد ثلاث سنوات ونصف من هذا النزاع الذي أدى إلى مقتل مئتي ألف شخص. إن مشاعر الحقد واضحة. قال أحد الصناعيين (علي) متأسفاً: "لقد تركتونا دون أي خيار آخر غير التصويت للأسد. لم تُعطنا فرنسا والولايات المتحدة إلا الكلام، بينما أوفى الحلفاء الإيرانيون والروس بوعودهم للنظام. يريد الناس العودة إلى حياة طبيعية. إنهم لايحبون بشار الأسد بالضرورة، ولكن ليس لديهم بديل. يبدو لنا أن المعارضة الخارجية لا تتمتع بالمصداقية. وإذا سقط النظام فجأة، سوف نواجه عدة سنوات من الفوضى بسبب الراديكاليين. إذاً، ما هو الخيار الذي بقي لنا؟".

(الجيش اللبناني يفرض السلام بين الأحياء المتقاتلة في طرابلس)

صحيفة اللوموند 2 أيار 2014 بقلم مراسلتها الخاصة في طرابلس لور ستيفان Laure Stephan

     استعاد الجيش اللبناني السيطرة على الأحياء المتقاتلة في طرابلس منذ شهر نيسان. أعرب محمود كوجا (49 عاماً) الذي تعرض لرصاص أحد القناصة وفقد إحدى عينيه في نهاية عام 2013، وكان سجيناً سابقاً في سجن تدمر في نهاية الثمانينيات، عن رضاه قائلاً: "توقفت المواجهات في لحظة واحدة، إنه أمر يشبه السحر". ولكن محمد كوجا والكثيرين يتساءلون: لماذا لم يتم التوصل إلى هذه الهدنة مبكراً؟ لقد أدت المواجهات إلى مقتل 160 شخصاً وجرح المئات خلال السنوات الثلاثة السابقة.
     حصل الجيش اللبناني هذه المرة على الضوء الأخضر من القادة السياسيين لإنهاء العنف في طرابلس، ثم تتالت الاعتقالات أو استسلام المقاتلين. لقد هرب القادة المحليون وبعض رؤساء الميليشيات النافذين بعد تحذير عرابيهم لهم. وهكذا تراجعت الخطابات الطائفية الحاقدة بعد انتشارها كالسم، وتمت مصادرة الأسلحة الثقيلة في حي باب التبانة السني وحي جبل محسن العلوي. قال أحد سكان جبل محسن إبراهيم أحمد محمد الذي أصبح مشلولاً اليوم: "إننا لعبة بأيدي القادة السياسيين في لبنان الذين قرروا إظهار قوتهم عبر المعارك في طرابلس واستغلال النزاع السوري". تعرض إبراهيم أحمد محمد إلى رصاصة في نخاعه الشوكي عندما كان يقوم بتركيب لوحات معدنية بدلاً من النوافذ الزجاجية في منزله.
     تم التوصل إلى هذه الهدنة الهشة بعد تشكيل الحكومة اللبنانية في شهر شباط الماضي، وتبدو هذه الهدنة ثمرة للتسوية بين الأطراف السياسية المتنازعة. قال أحد المحللين: "أحس الجميع بأن الحريق في طرابلس يمكن يجتاح البلد بأسره. هناك عدد كبير من الرجال السياسيين المهووسين بإشعال الحرائق، وهم من جميع الأطراف. من السهل إطفاء الحريق عندما يُعرف مصدره".
     وعدت الحكومة اللبنانية بتعويض المتضررين لكي تلتئم الجروح، وأعدت لائحة بالأضرار والدمار. يؤكد الجميع في كل حي أن التعايش ممكن، دون أن يتجرؤوا على الاعتقاد بإمكانية التوصل إلى سلام حقيقي. أعرب إبراهيم أحمد محمد عن قلقه قائلاً: "يمكن أن تتحول طرابلس بسرعة إلى صدى للتوترات اللبنانية أو السورية".