الصفحات

الاثنين، ٣ حزيران ٢٠١٣

(أردوغان، الأنا عند المؤسسين)

صحيفة الليبراسيون 3 حزيران 2013 بقلم مارك سيمو Marc Semo

     إن مشروع "قناة إستانبول" هو أحد أكبر المشاريع الهائلة في استانبول، بل وحتى "الأكثر جنوناً" كما وصفها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. من المنتظر تدشين هذه القناة عام 2023 بمناسبة الذكرى المئوية للجمهورية التركية. يبلغ عرض هذه القناة 150 متراً، وعمقها أربعين متراً، وطولها حوالي خمسين كيلومتراً، وستكون على مسافة ستين كيلومتراً من مضيق البوسفور غرب مدينة استانبول التي سيصبح الجزء الأوروبي منها جزيرة.
     تُعبّر المشاريع التركية الضخمة عن النظرة السياسية المستقبلية لهذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة. إن أكثر هذه المشاريع رمزاً لهذه النظرة السياسية هو مشروع أردوغان بإعادة تنظيم ساحة تقسيم في وسط الجزء الأوروبي من استانبول، وتمثل هذه الساحة رمزاً هاماً لجميع مظاهرات المجتمع المدني، ولاسيما التيارات اليسارية منه. قال الكاتب قدري غيرزل Kadri Gürsel في صحيفة Milliyet اليسارية: "إنه مشروع عديم الفائدة والشعبية، ويهدف فقط إلى نقش سلطة الرجل القوي في البلد بشكل لا يُمحى في مدينة ترمز للحداثة الجمهورية".
     يريد رئيس بلدية استانبول قادر توباس Kadir Topbas، الذي يطيع أوامر سلفه أردوغان بكل ما يتعلق بهذه المدينة، قطع 600 شجرة في حديقة Gezi، على الرغم من الاحتجاجات المستمرة منذ سنتين. وينوي رئيس البلدية تحويل هذه الحديقة إلى منطقة مخصصة للمشاة وللمحلات التجارية، وستمر تحتها الشوارع العريضة. يخشى السكان والمدافعون عن البيئة أن تتحول هذه الساحة التي صممها الفرنسي هنري بروست Henri Prost في سنوات الثلاثينيات، إلى مركز تجاري ضخم. الأسوأ من ذلك، سيتم الاستعاضة عن مركز أتاتورك للفنون (مسرح وأوبرا في الوقت نفسه) بجامع كبير. وقرر الحزب الإسلامي المحافظ إزالة الحديقة وبناء ثكنة عسكرية عثمانية تخليداً لذكرى سكن الضباط الإسلاميين الراديكاليين الذين عارضوا عام 1909 باسم الشريعة الإسلامية عملية التحديث لحكومة تركيا الشابة، وتم سحقهم آنذاك بالمدافع. تم تدمير هذا المبنى في العشرينيات، ومن المفترض إعادة بنائه لكي يصبح مركزاً ثقافياً وتجارياً. إنها النزعة الانتقامية المحافظة بوضوح. بالإضافة إلى مشروع قناة استانبول الذي بدأت دراسات إمكانية تنفيذه، تم البدء بمشروع بناء جسر ثالث على البوسفور وبناء مطار ثالث من أجل توسيع هذه المنطقة باتجاه الشمال والبحر الأسود.
     يتركز الغضب حالياً حول رئيس الحكومة، وخاصة منذ إعلانه في ربيع 2012 عن مشروع مجنون آخر هو: بناء جامع ضخم في منطقة Camilca باستانبول، وقد أقسم رئيس الحكومة بأنه سيكون "أكبر جامع في العالم"، ويمكن رؤيته من جميع أنحاء المدينة. سيكون هذا الجامع رمزاً للهيمنة الإسلامية على استانبول، وإذا انتهت عملية بنائه، من المحتمل جداً أن يكون هذا الجامع المكان الذي سيُقبر فيه أردوغان مثل السلاطين القدماء.


الأحد، ٢ حزيران ٢٠١٣

(إلى حدود النزاع)

صحيفة اللوموند بتاريخ 1 حزيرن 2013 بقلم مراسليها الخاصين في جوبر جان فيليب ريمي Jean-Philippe Rémy ولوران فان دير ستوكت Laurent Van der Stockt اللذان دخلا إلى سورية وبقيا لمدة شهرين مع المتمردين في دمشق والمناطق المحيطة بها (الحلقة الخامسة والأخيرة)

     تبدأ أولى مواقع حزب الله بعد أقل من كيلومتر واحد من سلسلة جبال لبنان الشرقية. يستعد التمرد السوري في هذه المنطقة لوصول حزب الله منذ فصل الشتاء. قال أحد المقاتلين: "نلمحهم كل يوم تقريباً. أخشى أن يتسللوا في إحدى الليالي دون أن ننتبه لوصولهم". قال قائد المجموعة أسامة نداف: "يقوم حزب الله بتعزيز مواقعه على الجانب الآخر من الحدود منذ عدة أشهر. وقعت بعض المناوشات البسيطة. ولكن معلوماتنا تُشير إلى أنهم ينوون فتح جبهة ثانية هنا للتخفيف عن قوات بشار الأسد في دمشق. أمضى حزب الله فصل الشتاء بالاستعداد".
      إن أغلبية القرى سنية في الجانب السوري من هذه الجبال، وأغلبها شيعي في الجانب اللبناني. يتسلل المهربون بين الجانبين، ويستغلون الخلافات الطائفية والجيوسياسية الإقليمية بينهما. تبعد دمشق عن هذا المكان أربعين كيلومتراً. يوجد في أسفل الوادي المفزرة الجبلية التابعة للجيش السوري الحر في قرية عسال الورد التي كانت مشهورة سابقاً بزراعة وردة دمشق. كان القادة العسكريون للمجموعات المتمردة يستمعون إلى رأي رئيس المجلس المحلي حول الوضع: "جلب حزب الله قوات جديدة، وبنى قواعداً جديدة. هناك أربعة أو خمسة ألاف رجل لدعم عملية هجوم. بالتأكيد، نحن أيضاً لدينا أسلحة، ونحن ننتظرهم". قال رئيس المجلس المحلي ذلك مبتسماً بعد أن وضع سيارته الجميلة الزرقاء الغامقة رباعية الدفاع من طراز BMW أمام باب المنزل، ثم أضاف: "ولكن أسلحتنا لا تعادل شيئاً بالمقارنة مع أسلحة حزب الله".
     ولكن من أين تأتي الأسلحة؟ من لبنان بالتأكيد! قال مسؤول المجلس المحلي: "إن أفضل الأسلحة هي التي تصلنا من وليد جنبلاط وسمير جعجع. ونشتري أحياناً السلاح من السوق السوداء... ومن حزب الله"، وأضاف أنه كان يتمنى أن تقوم  الدول الغربية بمساعدة الجيش السوري الحر عن طريق إرسال المعدات العسكرية، لكي يستطيع الحفاظ على هذه الجبال، وقال: "أنتم الأوروبيين حاربتم من أجل الحرية. جاء دورنا الآن لندفع الثمن. بشار هو هتلر سورية. إذا لم تساعدونا بالأسلحة، سنكون مجبرين على الجوء إلى المتطرفين".
     استمر النقاش لاحقاً في منزل شيخ القرية الذي يُمثل السلطة الحقيقية في السلطة، ويحظى باحترام الجميع الذين ينحنون لتقبيل يده. لديه 27 طفلاً تتداخل أسماءهم أحياناً في ذاكرته، ولكنه يتمتع بقدرة كبيرة على القيام بالصفقات. كان بين الحاضرين طيار سابق من القرية المجاورة، لقد انشق قبل عدة أشهر لأنه لا يريد قصف القرى السورية "بسبب النساء والأطفال داخل المنازل". حاول هذا الطيار إحصاء عدد القواعد الجوية العسكرية في سورية ابتداءاً من قاعدة السويداء التي كان يعمل بها، وهرب منها للانضمام إلى التمرد. توقف عند الرقم 15، ثم قال: "في الحقيقة، من المستحيل معرفة عدد الطائرات والطائرات المروحية، لأنه لا أحد يعرف جميع التفاصيل". ثم أعطى الخاتم الذي كان يحمله شقيقه قبل اعتقاله من الشرطة السرية، واعترف فجأة باسمه: جلال. ثم قال: "قولوا للعالم أجمع أننا يائسون، وأنه يجب مساعدتنا بأي ثمن، وأنه لا علاقة لنا بتنظيم القاعدة. لن نترك الأجانب يفرضون قانونهم هنا، ما دام ذلك ممكناً. إن ذلك ليس من عاداتنا".
     في قرية حوش عرب الواقعة على جبل آخر، كان هناك رجل ينظر إلى الوادي المقابل من نافذة الفيلا التي يسكنها. يقول قائد الكتيبة المحلية أبو قصي أنه صاحب أطول لحية في المنطقة. أراد أبو قصي أن يُرينا شيئاً هاماً، واصطحبنا ليلاً إلى كراجه لنشاهد سيارة بيك آب مع رشاش دوشكا Douchka عيار 12.7 ملم في معقدها الخلفي. لم تقع معارك شرسة للسيطرة على هذه المنطقة القريبة من دمشق، قال أبو قصي: "هاجمنا حواجز التفتيش وبعض الثكنات الصغيرة، وفجأة، هرب الجميع". لم يمنع ذلك من تعرّض القرية إلى قصف منتظم. اتجهنا نحو مصدر هذا القصف في السيارة دون إشعال الضوء.
     من أجل فهم بعض الآليات الأساسية في المنطقة، يجب الذهاب إلى قمة الجبل الصخرية بالقرب من حوش عرب، ومشاهدة منظر بانورامي رائع. نشاهد في الجهة المقابلة خمس بقع ضوئية كبيرة تُمثل قواعد عسكرية للجيش السوري. إنها تُعطي فكرة حول المصاعب التي يواجهها الجيش السوري الحر للهجوم على دمشق. يعتبر المتمردون أن هذه القواعد مع خمسة ألوية تضم مئات الدبابات (من أصل 1500 دبابة يملكها الجيش النظامي) والكثير من المدافع من جميع العيارات، تستخدم المدافع والصواريخ والقذائف الصاروخية للإطلاق نحو الأعلى باتجاه حوش عرب، ونحو الأسفل باتجاه المتمردين في منطقة الغوطة حتى أبواب دمشق. إن تضاريس الأرض تحمي هذه القواعد من قذائف الهاون. إذا نظرنا إلى أبعد من هذه القواعد، نشاهد أضواء دمشق وأضواء طريق المطار. كما لو أن الجغرافيا هي ثمرة عمل إستراتيجي عبقري للدفاع عن دمشق.
     تقوم بعض هذه القواعد مثل قاعدة القطيفة بإطلاق الصواريخ ولاسيما صواريخ سكود باتجاه المدن الأخرى في سورية حتى دير الزور وحلب. قال أبو قصي: "عندما أطلق صدام صواريخ سكود باتجاه إسرائيل، اتهمته الدول الغربية بأنه أكبر مجرم. يفعل بشار ذلك يومياً ضد السوريين، وهناك انطباع بأن الجميع يجد ذلك أمراً طبيعياً". ما زالت هذه القواعد بعيدة من متناول أيدي المتمردين. يجب عبور حوالي عشرة كيلومترات في أرض منبسطة من أجل الوصول إليها. الأمر الذي يمنع توغل المجموعات الصغيرة للجيش السوري الحر التي تمشي ليلاً على أطراف أصابعها على بعد عشرات الأمتار من المواقع الحكومية لربط مرتفعات جبل لبنان الشرقية بالضواحي الشمالية للعاصمة، ولاسيما برزة ورنكوس. ولكن هذه الأرض المكشوفة منعت القيام بهجمات كبيرة، لأنه من المحتمل جداً أن تقضي المدافع الحكومية على وحدات الجيش السوري الحر قبل وصولها إلى جدران هذه القواعد وأسلاكها الشائكة. قال أبو قصي: "إذا أردتم مساعدتنا، يجب العمل هنا عبر إعطائنا الوسائل اللازمة لمهاجمة هذه القواعد. هناك ثلاثة خطوط دفاعية متتالية حول دمشق، لن يكون هناك أي تقدم إذا لم يتم تدميرها".
     في الوقت الذي يراوح فيه الوضع العسكري بمكانه في الغوطة شرق دمشق، فكّر بعض مسؤولي التمرد بمقاربات جديدة في محاولة لتغيير هذا الخط الدفاعي. كم من الوقت يحتاج تنفيذ مثل هذا التغيير في التكتيك؟ لا يفكر جميع القادة إلا بهاجس واحد: الحصول على أسلحة بعيدة المدى لكي لا يرسلوا رجالهم إلى المذبحة. هل يمكن التعويض عن هذا النقص بالمعدات عبر مناورات للحصار أو بهجمات مفاجئة؟
     بانتظار معرفة فيما إذا كان من الممكن تعويض نقص الأسلحة بالخدع  التكتيكية، تستعد وحدات القلمون لحرب طويلة. تضم هذه المنطقة الواسعة وشبه الفارغة معسكرات للتدريب أيضاً. من الممكن زيارة بعضها بشرط الذهاب إلى العنوان الصحيح. عندما وصلنا إلى مزرعة لم تكن تلك التي نبحث عنها، وجدنا رجل يقوم بإعداد آلة لقطع الخشب، فنصحنا بالخروج بأسرع ما يمكن. لقد قدّم نفسه كـ "سلفي تونسي"، ولم يكن ينوي إطلاقاً فتح أبواب معسكره أمام صحفيين غربيين. وجدنا معسكراً آخراً في الجبل، وكان أكثر حفاوة. في مكان منعزل، كانت هناك سلسلة من الأبنية في وسط بستان قاحل. في هذا المكان، قامت عدة كتائب ببناء مركز للتدريب بقيادة أبو خالد من كتيبة "الأجانب". يتمتع أبو خالد بموهبة التنظيم، الأمر الذي يسمح له بالقيام بعدة أمور: الإشراف على التدريب، وتجنيد المقاتلين من أجل الجيش السوري الحر، والاستمرار بدفع الجنود السوريين المحرومين للإنشقاق، ومهاجمة بعض المواقع الحكومية القريبة من كتيبته التي تضم حوالي مئة رجل.
ـ    لا يتوفر أي رقم حول حقيقة الانشقاق داخل الجيش السوري. ولكن في المناطق المحيطة بالقلمون، ما زالت هناك بعض المواقع التي يهرب منها الجنود الصغار للإنضمام إلى المتمردين. إلتقينا في زملكا ببعض المنشقين الذين لا يمكن تصورهم يُقاتلون مع الجيش السوري الحر بسبب ماضيهم الثقيل. اعترف أحدهم بهدوء أنه كان أحد عناصر فرقة كوماندوس، وأنه ارتكب أعمالاً مجنونة ضد المتمردين في حمص، قبل أن "يُدرك أن جميع هذه المجازر لن تنفع بشيء"، ثم انضم إلى المعسكر الآخر برفقة أحد رجال الشبيحة في الميليشيات. أكد أبو خالد وجود انشقاقات عادية، وقال: "نقوم بمحاصرة حاجز التفتيش، ونطلب منهم بمكبرات الصوات أن يستسلموا، ونقول لهم أنه لا خوف على حياتهم. أحياناً، نأتي ليلاً عندما يكون هناك اتصالات هاتفية لتسهيل هربهم".
     تبقى مختلف الكتائب حوالي خمسة عشر يوماً في معسكرات التدريب. يهدف التدريب إلى تعليم الأشياء الأكثر أهمية، ويتضمن بشكل خاص التدريب على التسديد بدقة وبعض الدروس العملية حول كيفية التنقل في مواجهة نيران العدو. قال أبو خالد: "يجب الاعترف أيضاً أننا نعلمهم المبادىء  الأولية والهامة للانضباط: لاحظنا أنه سقط الكثير من الجرحى والقتلى بسبب نيران صديقة".
     كان طالباً سابقاً في التسويق بجامعة كوالالمبور، ثم عاد إلى سورية للمشاركة في الحرب. ولكنه لم يفصح عن اسمه الحقيقي بسبب مزيج من الحرص والريبة معاً. قال هذا الطالب: "أمضيت سنتين مع البعض في التمرد، ولكنهم لا يعرفوا اسمي الحقيقي". رسم هذا الطالب علم الكتيبة على الشكل التالي: "هناك خطر قطري يفصل بين اللونين الأسود والأبيض. إنه قرار عملي. يرمز اللون الأسود إلى مجموعة جبهة النصرة الجهادية التي أعلنت ولاءها إلى تنظيم القاعدة، ويرمز اللون الأبيض إلى السلفيين. قلت لنفسي أنه سيكون من الأفضل المزج بين اللونين لكي لا ينزعج أحد، ولكن مع البقاء مختلفاً عنهما". كلما خيّم مناخ الحرب في سورية، كلما ازداد عدد المجموعات التي تتقارب مع التيار الأكثر تطرفاً من الناحية الدينية.
     تقوم كتيبة "الأجانب" من التل في شمال دمشق ببعض الهجمات المفاجئة أحياناً ضد المواقع الحكومية في الجبال الباردة. أظهر الجنود فيلم فيديو عن عملية حديثة: سارت مجموعتهم فترة طويلة في الثلج، ثم حاصرت حاجزاً للتفتيش على جانب أحد الطرقات. عندما بدأ الهجوم، هرب الجنود تاركين القتلى وراءهم، واختفوا في الجبل. قال أحد أعضاء الكتيبة الذي كان طالباً سابقاً في العلوم الاقتصادية: "ساءت الأمور عند عودتنا. لقد أضعت المجموعة في الليل. مشينا حوالي 12 ساعة في الذهاب، ثم قمنا بالهجوم، ثم 12 ساعة للإياب. فجأة، وجدت نفسي وحيداً في الجبل بين الثلج. كنت مرهقاً، وقلت لنفسي أنني سأموت. استجمعت قواي، وتحاملت على نفسي، وصلّيت، ومشيت طويلاً حتى رأيت ضوء أحد المنازل، وهكذا أنقذت حياتي".


السبت، ١ حزيران ٢٠١٣

(المعارضة السورية تُبالغ في مطالبها قبل مؤتمر السلام)

صحيفة اللوموند 1 حزيران 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     يُبالغ الإئتلاف الوطني السوري في مطالبه. تحاول القاعدة الأساسية للمعارضة مقايضة مشاركتها في مؤتمر السلام بأعلى ثمن ممكن، كما هو الحال بالنسبة لنظام الأسد الذي يقول أنه مستعد للتفاوض، ولكنه ضاعف هجماته على الأرض. أعلن رئيس الإئتلاف الموقت جورج صبرا يوم الخميس 30 أيار أنه سيقاطع هذه المبادرة ما دامت "ميليشيات" إيران وحزب الله تقاتل إلى جانب النظام. أصدر الإئتلاف الوطني السوري مساء يوم الأربعاء 29 أيار بياناً يؤكد فيه إرادته المطلقة على اعتبار رحيل الرئيس السوري بشار الأسد هو المخرج الوحيد الممكن للتفاوض، ولكنه امتنع عن إعلان موقفه حول احتمال مشاركة ممثليه في المفاوضات مع مبعوثي دمشق.
     يعتبر المحللون أن موقف الإئتلاف الرافض هو أقرب إلى الترقب، أو حتى المناورة التكتيكية، من كونه رفضاً كاملاً للمشاركة في جنيف 2. لا شك أن هذا الموقف سيُغير الجدول الزمني الروسي ـ الأمريكي، ومن المحتمل أن يؤدي إلى تأجيل المؤتمر إلى نهاية حزيران أو حتى إلى شهر تموز. ولكن هذا الموقف لن يوقف جهود الدولتين العظميين اللتين تُعدّان لاجتماع عمل جديد حول هذا الموضوع في جنيف بتاريخ 5 حزيران بمشاركة وسيط الجامعة العربية والأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي.
     اعتبر الباحث في مجموعة الأزمات الدولية بيتر هارلنغ Peter Harling أن موقف الولايات المتحدة وروسيا في هذه الأزمة "غير متوازن"، وأنه يساهم في  الريبة التي تُبديها المعارضة تجاه جنيف 2، وقال: "يريد الروس الاستفادة من المؤتمر من أجل خدمة مصالح النظام، في حين ينوي الأمريكيون استغلاله من أجل التنصّل من هذه الأزمة. إنهم منخرطون في عملية دبلوماسية من أجل الانسحاب من النزاع بأفضل شكل. إن هذا الإنعدام في التوازن بين القوتين العظميين يُمثل إشكالية هامة عندما يجب تنظيم اجتماع تحت رعايتهما".
     من الممكن أن يتغير الموقف الذي عبّر عنه جورج صبرا باعتبار أن الإئتلاف الوطني السوري يمر في مرحلة إعادة هيكلته. تم تأجيل انتخاب رئيس الإئتلاف إلى منتصف شهر حزيران، وأعلن الإئتلاف رسمياً مساء يوم الخميس 30 أيار عن توسيع عدد أعضائه بإضافة حوالي أربعين شخصية أخرى إلى أعضائه الحاليين البالغ عددهم 63 عضواً، وذلك بعد نزاعات داخلية طويلة بسبب الخلافات الشخصية والتدخلات القطرية والسعودية للسيطرة على الإئتلاف. لقد حصل التيار "الليبرالي" بقيادة ميشيل كيلو، المدعوم من الدول الغربية الراغبة بتخفيف نفوذ  الإسلاميين، على 14 مقعداً من أصل 25 كان يأمل الحصول عليها. كما وافق الإئتلاف الوطني السوري على مبدأ دمج 14 ممثلاً عن المعارضة الداخلية و15 آخرين من الشخصيات التابعة للجيش السوري الحر.
     سيعزز هؤلاء الأعضاء الجدد قاعدة الإئتلاف الوطني السوري، وستسمح له بالتأثير بشكل أكبر على الأعمال التحضيرية لجنيف 2. يبقى معرفة توجهات الأعضاء الجدد. تفرض مجموعة ميشيل كيلو بعض الشروط على أية مشاركة، على الرغم من أنها تبدو مُنفتحة على فكرة التفاوض مع ممثلين عن النظام وأعضاء إعلان دمشق وحزب الشعب الديموقراطي (التيار "الليبرالي" الآخر في الإئتلاف الوطني السوري).

     إن انعقاد أو عدم انعقاد جنيف 2 يعتمد إلى حد كبير على قدرة روسيا بالحصول على بعض التنازلات من بشار الأسد. ولكن يبدو أن روسيا غير مستعدة حتى الآن لممارسة ضغوط حقيقية على سورية.

(مقتل جهادية أمريكية في سورية)

صحيفة الفيغارو 1 حزيران 2013 بقلم مراسلها في نيويورك موران بيكار Maurin Picard

     اسمها نيكول لين مانسفيلد Nicole Lynn Mansfield (33 عاماً) من مدينة فلينت Flint في ولاية ميتشيغان على الحدود الكندية، لا أحد يعرف بالضبط ماذا كانت تفعل في وسط المعارك في سورية. ظهرت جثتها المشوهة ـ هل هي جثتها فعلاً ـ يوم الخميس 30 أيار في أخبار التلفزيون الحكومي في دمشق، وذلك إلى جانب صورتها وهي مُحجبة مع جواز سفر وشهادة سوق من ولاية ميتشيغان. اعتبر نظام الرئيس بشار الأسد أن هذه "الجهادية" من الحركة الإسلامية جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، قُتِلت برفقة مواطنين أجنبيين اثنين أحدهما بريطاني أثناء كمين في منطقة إدلب.
     أكدت السلطات الأمريكية نبأ وفاتها، وأرسلت على الفور عناصر المخابرات الفيدرالية FBI إلى منزل عائلتها في فلينت لتقصّي مسار هذه الأمريكية الضالّة. كانت جدّة الضحية كارول مانسفيلد حزينة جداً، وقالت باكية: "كان قلبها طيباً، ولكنها كانت تميل إلى الثقة بأي شخص، ويمكن التأثير عليها بسهولة. أعتقد أنها تعرضت لغسيل دماغ"، وقالت عمتها مونيكا مانسفيلد سبيلمان: "لا أعتقد أنها كانت إرهابية، ولكن الله وحده هو الذي يعلم".
     ما زالت المعلومات عن الضحية مجتزأة. إنها تتحدر من عائلة عمالية في قطاع صناعة السيارات، وهي من معتنقي المذهب المعمداني، وكانت طالبة متوسطة. تركت نيكول المدرسة في سن 15 عاماً عندما كان حاملة بطفل، وذلك بعد فترة قصيرة من طلاق والديها. قامت بتربية ابنتها التي يبلغ عمرها اليوم 18 عاماً، وبدأت دورة تدريبية للمساعدة في الأعمال المنزلية، وعَمِلت كمساعدة للأشخاص المسنين خلال عقد من الزمن. ربما إلتقت بمهاجر عربي، وتزوجها قبل خمس سنوات، ثم طلقته عام 2010، بعد أن سمحت له بالحصول على البطاقة الخضراء التي تسمح له بالإقامة الدائمة في الولايات المتحدة.
     ما الذي حصل؟ اعتنقت الإسلام أثناء زواجها العابر، ثم بدأت بالدفاع عن المرأة المسلمة ومحاسن الحجاب أمام كل من يريد سماع ذلك. ثم قامت بزيارات غامضة إلى الشرق الأوسط، مثل دبي، "لأسباب دينية" على الرغم من تحفظات عائلتها. تتوقف المعلومات التي أعطتها المخابرات الفيدرالية FBI عند هذا الحد.
     تواجه المخابرات الفيدرالية حالات جديدة من الراديكالية بعد شهر ونصف من عملية التفجير المزدوجة أثناء ماراتون بوسطن،. تُمثل هذه الحالة دعماً للنظام العلوي الذي لا يتوقف عن إدانة تمرد يُسيطر عليه مجرمي تنظيم القاعدة، كما تُوجه ضربة جديدة لسياسة واشنطن تجاه سورية، هذه السياسة المرتبكة في ترددها إزاء فكرة تسليح مقاومة غير محددة بشكل جيد.


(سورية تُعقّد الرهان الغامض بين إسرائيل وروسيا)

صحيفة اللوموند 1 حزيران 2013 بقلم مراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent Zecchini

     إذا كان تأكيداً، فإنه ما زال غامضاً. لم يذكر الرئيس السوري بشار الأسد بوضوح حصوله على الصواريخ الروسية S-300، عندما صرّح يوم الخميس 30 أيار إلى تلفزيون المنار التابع لحزب الله أن "جميع العقود الماضية مع روسيا ستُنفذ" وأن "بعضها تم تنفيذه مؤخراً". يزداد التوتر الإسرائيلي ـ السوري منذ عدة أيام بسبب هذا الموضوع، وعبّر المسؤولون الإسرائيليون عن شكوكهم بمثل هذه المعلومات، ولم يؤكدونها.
     أشارت صحيفة هاآرتز إلى أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لم تستبعد أنها ربما لم تلاحظ تسليم هذه الأسلحة، ويميلون إلى اعتبارها حرباً نفسية من قبل النظام السوري. أشار دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى أن الدولة اليهودية "لا تسعى إلى التصعيد مع سورية، أو مع روسيا"، ولكنها أخذت علماً بكلام بشار الأسد عندما تحدث عن "ضغوط شعبية" من أجل فتح "جبهة مقاومة" في منطقة الجولان. يهدف تصريح هذا الدبلوماسي إلى تصحيح الانطباع الناجم عن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون يوم الثلاثاء 28 أيار عندما أكد أن إسرائيل "ستعرف ماذا تفعل" في حال تسليم الصواريخ الروسية S-300 إلى دمشق. من الممكن أن تضرب إسرائيل مرة أخرى باعتبار أن صواريخ S-300 ستُشكل قفزة إستراتيجية بالنسبة للترسانة العسكرية السورية، ومن شأنها أن تؤدي إلى تعقيد المهمات المحتملة للجيش الإسرائيلي.
     بالنسبة لمدير معهد الدراسات حول الأمن الوطني (INSS) في تل أبيب الجنرال المتقاعد أموس يادلين Amos Yadlin الذي كان رئيساً للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فقد أكد لنا أن الدولة اليهودية تملك "عدة خيارات عسكرية تُمكّنها من التغلب على عقبة صواريخ S-300". لا يعتقد هذا الجنرال أن هذا النظام المضاد للطائرات يمكن أن يُمثل تهديداً حقيقياً وعملياً قبل عدة أشهر. وفي حال مجيء  الخبراء الروس ميدانياً، أكد هذا الجنرال قائلاً: "ستعرف إسرائيل بذلك، وستأخذه بعين الاعتبار". إنه لا يعتقد أيضاً بأن مثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى مواجهة بين إسرائيل وروسيا. ثم أشار إلى أن قرار موسكو بتسليم صواريخ S-300 إلى النظام السوري، يمثل قبل كل شيء رسالة موجهة إلى الحلف الأطلسي والولايات المتحدة وتركيا، أي "إلى جميع الأطراف التي تُهدد بالتدخل في سورية. إنه ليس قراراً موجهاً ضد إسرائيل التي سترتكب خطأ إذا توصلت إلى نتيجة معاكسة". أضاف أموس يادلين إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي قال إلى الروس والسورييين في آن معاً: "يجب أن تقوموا بحساب الأخطار". بالنسبة لسورية، يعني ذلك أن إسرائيل ستُدمّر هذه الصواريخ. بالنسبة لروسيا، إن الرسالة هي: "إذا اضطرت إسرائيل إلى تدميرها، فإنكم تخاطرون بفقدان سمعتكم كأفضل صانعي أجهزة الدفاع الجوي في العالم".

     ترددت الدولة اليهودية طويلاً حول الموقف الواجب تبنيه تجاه الرئيس السوري. قال رئيس الوزراء السابق أرييل شارون قبل عدة سنوات إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش: "الشيطان الذي نعرفه ـ بشار الأسد ـ أفضل من الشياطين الذين يمكننا تصورها في حال غرق سورية بالفوضى". ولكن المقاربة تغيّرت الآن، وتحدث أموس يادلين عن عدة أسباب قائلاً: "يجب أن يرحل بشار الذي أصبح خطيراً جداً بالنسبة لإسرائيل. لقد فتح العالم العربي أمام الإيرانيين. إنه صلة الوصل بين إيران وحزب الله. وأكثر من ذلك، يجب أن يرحل لأنه قتل حوالي مئة ألف شخص". واختتم حديثه بالقول أن النظام السوري الجديد ربما يكون "إسلامياً أو جهادياً. ولكنه لن يكون حليفاً لإيران وحزب الله. سيكون ذلك تطوراً إستراتيجياً إيجابياً جداً بالنسبة لإسرائيل".

(يبرود، الحرب غير المرئية)

صحيفة اللوموند 31 أيار 2013 بقلم مراسليها الخاصين في جوبر جان فيليب ريمي Jean-Philippe Rémy ولوران فان دير ستوكت Laurent Van der Stockt اللذان دخلا إلى سورية وبقيا لمدة شهرين مع المتمردين في دمشق والمناطق المحيطة بها (الحلقة الرابعة)

     إذا كانت الحرب قد مرت من هنا، فيبدو أنها قررت عدم البقاء طويلاً. إنه أمر يدعو للاستغراب في سورية. باستثناء بعض الكتابات على الجدران، لا يوجد في يبرود مؤشرات خارجية تدل على الخراب الذي لحق بسورية منذ عام 2011. من الممكن أن نتوقف في أحد الشوارع الرئيسية في يبرود أمام دكان للحلويات، والاختيار بين الكاتو بالشوكولا السوداء أو البيضاء، في الوقت الذي تمر فيه بجانبنا سيارة بورش كايين بدون نمرة. ولكن يبرود شهدت ثورتها التي بدأت بعدة مظاهرات، ثم اعتقلت الشرطة السرية بعض الأشخاص، ثم تشكلت الكتائب المتمردة في القرى المحيطة بها بشكل خاص، واستطاعت هذه الكتائب في النهاية طرد الجيش الحكومي على دفعات متتالية. ثم أصبحت يبرود تحت سيطرة الجيش السوري الحر في بداية عام 2012. تقوم طائرة ميغ حكومية من وقت لآخر بإلقاء قنبلة في الحقول، مما يهدد بتدمير المداجن  المزدهرة في المنطقة. يتدفق النازحون من المدن الأخرى إلى يبرود، ويتكدسون في الأبنية العامة قدر المستطاع. لقد ارتفعت الأسعار، وتم تقنين البنزين، ولكن الحرب غير موجودة.
     تتحرك المجموعات المتمردة في يبرود بسرية كبيرة، والأسلحة نادرة فيها. لقد تجولنا في المدينة بسيارة مرسيدس مكشوفة، وكان مرافقنا ينسى بندقيته في كل مرة في المعقد الخلفي. إنه وضع غريب، في الوقت الذي تجري فيه معارك عنيفة على مسافة ستين كيلومتراً في دمشق وضواحيها، ويُفترض أن تكون يبرود القاعدة الخلفية للمجموعات المتمردة التي تعمل في منطقة الغوطة.
     تؤكد إمرأة تعرف المدينة جيداً قائلة: "إن الأمور الهامة في يبرود مُخبأة دوماً". تُفضل هذه الإمرأة الشابة إخفاء اسمها، ولا تضع الحجاب لتخفي شعرها الأشقر الطويل والجميل. إنها ترتدي ثياباً ضيقة بشكل يُغري السوريين المحافظين. يُمثل مظهرها تكتيكاً خاصاً بها. إنها مُقرّبة من الجيش السوري الحر، واستغلّت شكلها الأوروبي لكي تقوم بإيصال السلاح إلى داخل دمشق في سيارتها الصغيرة، عبر إضحاك الجنود النظاميين الذين لا يمكنهم الاعتقاد بأن فتاة جميلة بهذا التصنّع بإمكانها المخاطرة بحياتها من أجل إيصال خمس بنادق كلاشينكوف إلى بعض الخلايا السرية للجيش السوري الحر استعداداً لمعركة دمشق. في النهاية، اعترفت هذه الإمرأة الشابة ذات الطبع القاسي، أنه يوجد في مدينة يبرود شيء لا تفهمه.
     في أحد الأقبية ذات الإنارة السيئة، يجري تعليم الفتيات مبادىء الخياطة أو الطب. ستذهب بعضهن قريباً لتقديم المساعدة في المستشفيات التابعة للجيش السوري الحر، على الرغم من خطر ارتكاب الأخطاء الطبية. كانت ليلى، إحدى الناطقات الرسميات باسم جمعية يبرود الخيرية (Yabroud for Charity)، متواجدة هنا. إنها فخورة جداً بابنتها (15 عاماً) المشهورة داخل المدينة بكتاباتها على الجدران، وقامت برسم أغلب الرسوم الجدارية التي تُمجد بالثورة. تتساءل ليلى عن الاتجاه الذي أخذته الثورة الجارية، وتشعر بالريبة من الدور المتزايد لرجال الدين المحافظين جداً الذين يتزايد نفوذهم مع تفاقم الحرب. قالت ليلى: "أردنا هذه الثورة من أجل التغيير، من  أجل ألا تعود الأمور كما كان الوضع سابقاً بعد عودة النساء إلى منازلهن. الآن، أصبح نفوذ المجلس الإسلامي يتزايد أكثر فأكثر. إن ذلك لن يجعلنا نتقدم كثيراً. سيتوجب علينا القيام بثورات أخرى بعد سقوط النظام".
     كيف يمكن تفسير الطمأنينة الغريبة في هذه المدينة؟ ليلى لديها فكرة حول هذا السؤال، وقالت: "اتفق المسؤولون المتنفذون في المدينة مع النظام. ظاهرياً، يبرود تحت سيطرة الجيش السوري الحر. ولكن في الحقيقة، هناك اتفاقات سرّية بعدم الاعتداء. إن ذلك يُرضي الجميع". على ماذا ترتكز هذه الاتفاقات؟ إن ليلى وصديقاتها متأكدات من ذلك، وقالت: "إنها التسوية والمال!". إن يبرود والمناطق المحيطة بها تُمثل أحد المراكز الصناعية في البلد، وتفتخر المدينة بأنها تنتج 25 % من الدجاج السوري والبلاستيك والمواد الاستهلاكية اليومية، وحتى المتّة التي جلبها المهاجرون السوريون من الأرجنتين في القرن الماضي. إن اتفاق عدم الاعتداء في يبرود يُحقق مصالح الحكومة السورية من أجل الحفاظ على السلام في مدينة هامة بالقرب من العاصمة وبالقرب من طريق حمص الذي يمر بالقرب من يبرود، وهو طريق هام بالنسبة للسلطة وتريد الحفاظ عليه بأي ثمن. يُحقق هذا الاتفاق أيضاً أهدف التمرد، ويمنحه إمكانية تجنب مواجهة شاملة، وربما يقوم أيضاً ببعض الصفقات المربحة.
     إن العديد من أصحاب الثروات في سورية أصلهم من هذه المدينة المزدهرة، وانتشر جزء منهم في جميع أنحاء العالم. كان الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم أحد أبناء يبرود. تعمل العائلات الكبيرة في الطائفة المسيحية الهامة داخل المدينة على الحفاظ على السلام. إلى متى؟ استدركت ليلى الحديث فجأة بقولها: "ماذا نعرف عن ذلك؟ نحن لسنا خبراء. إن كل ذلك يتجاوز قدرتنا. إن الذين لا يستفيدون من الاتفاقات داخل الجيش السوري الحر، ربما سيُغيّرون رأيهم. يمكن إلغاء العقد، وعندها سيتم تدمير يبرود مثل بقية المدن في سورية".
     قال أحد المؤرخين الذين يكتبون كتاباً عن المدينة، ويُفضل عدم ذكر اسمه: "إنها مرحلة معقدة. يبرود هي إحدى أقدم المدن في سورية، وبدأ الوجود الإنساني فيها منذ عصر النياندرتال. لقد وقفت المدينة دوماً ضد الدكتاتورية". في الحقيقة، كانت يبرود في البداية بمعزل عن جميع الاضطرابات في بدايات الثورة، وجرت فيها بعض المظاهرات المؤيدة للسلطة، ثم ظهر الجيش السوري الحر. ولكن لا أحد يريد أن يتذكر ذلك.
     ظهرت توازنات أخرى في هذه التسوية الحساسة. يوجد في يبرود نسبة هامة من المسيحيين، ربما يُمثلون 40 % من سكانها، كما يؤكد بعض المسؤولين المحليين. بذلت السلطة السورية كل جهدها لجمع الأقليات الدينية حولها، في محاولة لتوجيههم ضد الأغلبية السنية. حاول المسيحيون مرات عديدة التخلص من هذا الفخ، وتبنوا رسمياً نوعاً من الحيادية. ولكن يبرود تختلف عن المناطق الأخرى. هناك مجموعة من المسيحيين المؤيدين للثورة وللجيش السوري الحر. ميشيل ويوسف من الكاثوليك السريان، وهما عضوان في اللجنة الأمنية للمدينة. لم يغادرا للقتال، وقالا: "بصفتنا مسيحيين، نحن لا نشجع على حمل السلاح، ولكن في هذا الوضع، لا يوجد أمامنا الكثير من الخيارات". على الأقل، لقد تحليا بالشجاعة للتعبير عن رأيهما، وإن كان ذلك في إطار محلي ضيق وبدون الإعلان عن أسمائهما الحقيقية. ثم أضافا قائلين: "إن عائلاتنا خائفة من المستقبل، ولكنها ليست مسألة دينية. يستطيع المسلمون والمسيحيون الاستمرار بالعيش معاً هنا. إنها سورية الجديدة التي تبني نفسها الآن. لا يجب علينا الاعتماد إلا على أنفسنا. تقول الحكومتان الفرنسية والأمريكية أنهما قلقتان على مصير الأقليات مثلنا، ماذا فعلوا من أجل حمايتنا؟ لا شيء على الإطلاق. هنا، يقوم جيراننا المسلمون بحمايتنا".
     جرى احتفال موسيقي صغير في أحد البيوت المريحة في المدينة. كان هناك أستاذة وأطباء وبورجوازيون مُنفتحون. الحديث في السياسة ممنوع، ولكن أستاذ اللغة الإنكليزية حرص على إبداء ملاحظة عابرة بأن "المسيحيين والمسلمين مختلطون في هذا المنزل". هل يمكن أن يستمر هذا التوازن في سورية الجديدة مستقبلاً، كما يتمنى ميشيل؟ قال ميشيل: "الوقت هو المشكلة. كلما مر الوقت، كلما ازداد عدد القتلى، وكلما ازداد الانتقام والتوتر". وبعد لحظة من التفكير، حدد مخاوفه قائلاً: "عندما سنحصل على ديموقراطيتنا، لن نترك السلفيون يقررون بدلاً عنا". على مسافة أقل من مئتي متر، هناك دكان لبيع الكحول بشكل علني.
     جرت بعد عدة أيام مظاهرة في شوارع يبرود على مقربة من هذا الحي الذي تظهر فيه شعارات تثير قلق المسيحيين. يُشارك في هذه المظاهرات العائلات القادمة من حمص بشكل خاص. بدأت المظاهرة بالشتائم التقليدية ضد بشار لأسد، ثم تطرق الصراخ في الميكروفونات إلى الفساد في المجلس المحلي في يبرود، بالإضافة إلى نداء من أجل أن تصل الحركة الجهادية جبهة النصرة إلى السلطة. ما زالت هذه القناعات أقلية في يبرود، ولكنها تُظهر الانحرافات الممكنة في سورية التي تستمر الحرب فيها منذ سنتين.
     أعرب رئيس المجلس العسكري في يبرود أبو حسين عن قلقه بوضوح حول الأحداث اللاحقة، وقال: "نحن أمام جبهتين. من جهة، الجبل والحدود مع لبنان، مع تهديد بهجوم من قبل حزب الله. من جهة أخرى، منطقة دمشق. إن موضوع قلقنا هو الطريق بين دمشق وحمص الذي تحميه عدة قواعد عسكرية. لن نستطيع قطع هذا الطريق بسبب نقص الأسلحة". أشار أبو حسين إلى المشكلة التي سيتطرق إليها الكثيرون في الأسابيع اللاحقة: كيف يمكن جعل عمل الجيش السوري الحر أكثر فعالية، في حال تعزيز المنشآت العسكرية المحيطة بدمشق بمئات الدبابات وبقوة نيران كبيرة؟ ما زال هذا السؤال قائماً. من أجل مهاجمة هذه القواعد، يجب على الحصول على أسلحة، وأن يكون مداها كافياً لضرب هذه الأهداف بدون التعرض للنيران. إن القيام بمواجهة مباشرة في ساحة مكشوفة سيكون بمثابة الانتحار.
     عندما تنام يبرود، تجري عمليات عسكرية أخرى في المناطق المجاورة مثل النبك، وذلك عندما حاولت بعض الكتائب قطع طريق حمص. في مزرعة منعزلة، يقوم أربعة مسؤولين في مجموعة من هذه المنطقة بالإعداد لهذه الليلة. أخرجوا زجاجة كحول لأن سكان منطقة القلمون غير متشددين ويفعلون ما يحلوا لهم، وجهزوا المتة وكاسات العرق الصغيرة وزجاجة نبيذ محلية، بالإضافة إلى الأركيلة. وقعت البارحة بعض المشاجرات بسبب كلمة غير لائقة قالتها زوجة أبو جميل الجديدة. أبو جميل هو زعيم هذا المكان، ويتمتع بشخصية قوية. إنه ابن عائلة غنية تعمل بالتجارة ومقيمة بالخارج. لقد عاد إلى سورية لشن حرب شخصية ضد السلطة معتمداً على أمواله الخاصة. إنه يعمل على عدة جبهات:أولاً، مع كتيبته، وقاد عدة عمليات عسكرية ضد المواقع الحكومية. كما استطاع بفضل علاقاته تنظيم بعض عمليات تسليم الذخيرة القادمة من لبنان. اشترى البارحة  عدة آلاف طلقة دوشكا Doushka (12.7 ملم)، وهو رشاش ثقيل يتم وضعه على سيارة بيك آب. ولكنه بدأ مع زوجته الجديدة نشاطاً ثالثاً أكثر خطورة هو: الاستفادة من جمال زوجته الشابة لجذب الضباط النظاميين إلى مواعيد غرامية، ثم اختطافهم، والمفاوضة على مبادلتم ببعض السجناء لدى السلطة. جرت مؤخراً إحدى هذه العمليات بشكل سيء، وقُتِل على إثرها أحد الضباط. قامت عائلة هذا الضابط الغنية والقوية بالمطالبة برأس أبو جميل وشركائه. من الصعب معرفة الجهة التي يمكن أن نثق بها في منطقة يبرود. قبل عدة أشهر، انفجرت سيارة أحد المسؤولين اللوجستيين للمتمردين الذي كان مكلفاً بإدخال الرجال والمعدات إلى دمشق، عندما كان يستعد لفتح باب سيارته رباعية الدفع. فشلت عملية التفجير، ولكنها تدل على أنه لا يمكن لأي شخص أن يعتبر نفسه محمياً: هناك ثمن لكل رأس. عبّر أبو جميل عن فكرته حول المتمردين في المدينة قائلاً: "من أصل 15 كتيبة، هناك 11 كتيبة "وسخة" وفاسدة ويمكن أن تلعب على الجانبين، وهناك أربع كتائب نظيفة! تتعامل بعض الكتائب مع الحكومة، ويهتم بعضها الآخر بالمال فقط. عندما ننتهي من بشار، ستكون هناك حرباً أخرى بيننا، وستكون حرباً أسوأ".


الجمعة، ٣١ أيار ٢٠١٣

(الأسد يُدافع عن مواقفه على قناة حزب الله)

صحيفة الليبراسيون 31 أيار 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     إنه رمز هام: لا يدلي بشار الأسد بمقابلات صحفية إلا نادراً، ولكنه ظهر مساء البارحة 30 أيار على تلفزيون المنار التابع لحزب الله الذي تقوم قواته بدعم الجيش السوري. هناك رمز آخر هو: الاعتراف الضمني من قبل الرئيس السوري على هذه المحطة نفسها، بأن بلده استلم من روسيا صواريخ S-300 المتطورة التي يمكن استخدامها أيضاً للدفاع عن القواعد الخلفية لحزب الله في سورية.

     ظهر الرئيس في هذه المقابلة منتصراً، وأكد على ثقته بالانتصار، وأنه لن يتردد في ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية عام 2014 إذا كان الشعب يريد ذلك. فيما يتعلق بالاجتماع الدولي المسمى بجنيف 2، أكد على مشاركة سورية، وأضاف أن أي اتفاق للسلام سيُطرح على الاستفتاء الشعبي، الأمر الذي يبدو مستحيلاً نظراً لتفتت البلد إلى كيانات صغيرة، ويعني ذلك إفشال نتائج المؤتمر. عن سؤال حول الصواريخ الروسية، صرّح قائلاً: "سيتم تنفيذ جميع العقود السابقة مع روسيا، وتم تنفيذ جزء منها مؤخراً". يعني ذلك أن الدفعة الأولى وصلت، وأن سورية أصبحت مُحصنة: إذاً، سيكون من الصعب إقامة منطقة حظر جوي لدعم التمرد، وأن تأتي إسرائيل للقصف. هناك تهديد آخر هو: الحرب الأهلية التي أصبحت ذات بعد إقليمي، وأخذت شكلاً دولياً. قال الرئيس السوري: "هناك حرب أهلية ضد سورية وسياسة المقاومة (سورية وإيران وحزب الله ضد إسرائيل)، ولكننا واثقون جداً بالانتصار".