الصفحات

الاثنين، ٧ تشرين الأول ٢٠١٣

(المجاعة تقتل سكان معضمية الشام)

صحيفة اللوموند 6 ـ 7 تشرين الأول 2013 بقلم بنجامات بارت Benjamin Barthe

     لم ينته عذاب معضمية الشام معقل التمرد السوري في جنوب ـ غرب دمشق. تعرضت هذه المدينة للقصف الكيميائي بتاريخ 21 آب، وتخضع لحصار قاسي لدرجة أن سكانها بدؤوا يموتون من الجوع. أشارت بعض المصادر المحلية مؤخراً إلى مقتل سبعة أطفال وإمرأتين بسبب نقص الطعام، بالإضافة إلى تسعين طفلاً آخراً في حالة فقدان للوعي تحت المراقبة في أحد المستشفيات الميدانية بقبو أحد الأبنية.
     اتهم الإئتلاف الوطني السوري نظام بشار الأسد بـ "تجويع" 12000 شخصاً بشكل متعمد ما زالوا مختبئين في المدينة، كما دعا المجتمع الدولي إلى منع "كارثة إنسانية". قال الناطق الرسمي باسم المجلس الثوري المحلي قصي زكريا (اسم مستعار) الذي تم الاتصال به عبر السكايب: "لم يعد لدينا أي شيء تقريباً للأكل. نفذت مؤننا منذ حوالي الشهرين. نحن نعيش على الزيتون وبعض الخضار التي نتمكن من زرعها. إن الأطفال على وشك الموت جوعاً أمام أبائهم". قال أحد قادة الإئتلاف الوطني السوري في تركيا عماد الدين رشيد، وهو من معضمية الشام: "لم يحصل الناس على الخبز منذ خمسة أشهر. يضطر بعض السكان الذين يعيشون في الأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش إلى أكل الأعشاب وأغصان الأشجار. قتل القناصون أغلب الذين حاولوا الهرب".
     بدأت قوات النظام بمحاصرة هذه المدينة في شهر كانون الأول 2012، لأنها من المناطق الهامة مع داريا في إستراتيجية المتمردين الهادفة إلى استنزاف العاصمة. تعلمت السلطات السورية من دروس عدم قدرتها على طرد المتمردين عبر الغارات وعمليات التمشيط، واختارت أسلوب المحاصرة والإنهاك بهدف منع المجموعات المسلحة المتمردة من الإقتراب من دمشق ولاسيما من مطار المزة العسكري الذي يمثل الحلقة الرئيسية في الدفاع عن العاصمة.
     إن النظام غير مستعد لتخفيف ضغطه عن هذه المدينة لأنه يعرف بأن المقاتلين المحليين يملكون ترسانة متطورة جداً استطاعوا الإستيلاء عليها خلال صيف عام 2012 من إحدى القواعد العسكرية المحيطة. أكد عماد الدين رشيد قائلاً: "إن المدافعين عن المدينة مسلحون بشكل جيد جداً. يبلغ عددهم بالمئات، ويملكون بعض الراجمات. إن الكتيبتين الرئيسيتين في المدينة هما: كتيبة الفجر بقيادة طبيب أسنان من التوجه الناصري عمره 55 عاماً، وكتيبة الفتح التي يقودها أحد المهندسين"، واعتبر أن المقاومة أعلنت انتماءها إلى الجيش السوري الحر، الجناح العسكري للإئتلاف الوطني السوري، الذي يتبنى توجهاً قومياً وإسلامياً معتدلاً.
     شدد الجيش السوري حصاره شيئاً فشيئاً، وقصف أولاً مستشفيات المدينة التي كان يبلغ عدد سكانها ستين ألف نسمة قبل الثورة، ثم قصف الأفران والبقاليات والجوامع. كما قطع التيار الكهربائي والهاتف والمياه. أصبح وصول المؤن أكثر فأكثر صعوبة حتى أصبح مستحيلاً. قال قصي زكريا الذي لم يخرج من المدينة منذ سنتين: "نستخدم الأغطية في المستشفى كضمادات. نجحنا في شحن حواسيبنا وهواتفنا الجوالة بفضل مولدات بدائية تعمل على الزيت. إنها وسائلنا الأخيرة للاتصال بالعالم الخارجي".

     حاول الجيش التوغل في المدينة بعد الهجوم الكيميائي في شهر آب فوراً، ولكن مقاتلي الجيش السوي الحر منعوه من الدخول. لا يعرف سكان المدينة كيف يمكن أن تقبل السلطة السورية برفع حصارها في ظل عدم وجود ضغوط دولية حقيقية، قال عماد الدين رشيد: "كما حصل في حمص في شتاء 2012، يريد النظام الضغط على السكان حتى الوصول إلى درجة القطيعة. ولكن الاختلاف هو أن حمص مدينة كبيرة، واستطاع المتمردون فيها الهروب عبر الأنفاق. أما المعضمية فهي صغيرة جداً بالمقارنة مع حمص، ولا أحد يستطيع الهرب. إنه إعداد للمجزرة"

(تنظيم القاعدة يُفتت النزاع السوري تدريجياً)

صحيفة الليبراسيون 7 تشرين الأول 2013 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     كيف يمكن عدم إثارة غضب السكان؟ ما هي العلاقة التي يجب إقامتها مع بقية المجموعات المسلحة؟ يجب على مختلف المجموعات الجهادية المتواجدة في سورية أن تجد جواباً على هذه الأسئلة كما فعل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (AQMI) في الساحل (الصحراء الإفريقية). تأسست جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة في شهر كانون الثاني 2012، واشتهرت بارتكاب أولى عمليات التفجير بالسيارات المفخخة. تتألف جبهة النصرة بشكل أساسي من السوريين وبعض الأجانب الذين قاتلوا مع تنظيم القاعدة في العراق، ونجحت بفرض نفسها بسرعة كأحدى المجموعات الأكثر فعالية في شمال سورية. استطاعت أن تجذب شيئاً فشيئاً مقاتلي الجيش السوري الحر بفضل نجاحاتها العسكرية والأموال القادمة من الخليج.
     بدأت جبهة النصرة بالتفتت اعتباراً من شهر نيسان 2012، عندما أعلن زعيم الدولة الإسلامية في العراق ـ الجناح العراقي لتنظيم القاعدة ـ أبو بكر البغدادي عن دمج جبهة النصرة في تنظيمه، وأطلق عليها اسم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. ولكن زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني رفض هذا الاندماج، وأعلن ولاءه إلى الرجل الأول في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي ربما يختبىء في الباكستان. ظهر القلق داخل التمرد السوري الممزق أصلاً بسبب ظاهرة الانتماء إلى تنظيم القاعدة. فيما يتعلق بالسلفيين في أحرار الشام، من الصعب اعتبارهم من ضمن المعتدلين، ولكنهم انتقدوا هذه الظاهرة، واعتبروها خطراً يهدد في إضفاء طابع إقليمي على النزاع.
     اختار المقاتلون على الأرض معسكرهم: انضم الأجانب والأكثر راديكالية إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وبقي الآخرون في جبهة النصرة. إن العلاقة بين المجموعتين معقدة: إذا كان بإمكانهما التعاون، فإنهما يتجنبان التواجد على خطوط الجبهة نفسها.
     تتصف أساليب الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بأنها أكثر تطرفاً ودموية، ولا تتردد في  قطع رؤوس الشبيحة علناً، أو بحرق الكنائس كما حصل بتاريخ 26 أيلول في الرقة. إنها تحاول فرض إجراءاتها على المدن والقرى التي تسيطر عليها. قال قائد كتيبة شهداء أرفاد ( أبو حمدان) في شمال سورية إلى صحيفة الليبراسيون: "المشكلة الأساسية في الدول الإسلامية في العراق وبلاد الشام هي أنها تعتبر نفسها تجسيداً لدولة جديدة، ولكن دولة بشار الأسد لم تسقط حتى الآن! عندما يدخلون إلى منطقة ما، يستولون على كل شيء موجود كالمصانع والأفران، ويُعينون الأجانب في المناصب الأكثر أهمية بدون التنسيق مع أحد. إنه خطأ، لأن السوريين لن يقبلوا أبداً حاكماً شيشانياً أو عراقياً في مدينتهم أو منطقتهم".
     خرجت مؤخراً بعض المظاهرات ضد سيطرة  الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام داخل العديد من المدن مثل إعزاز على الحدود التركية وفي الرقة. قال أحمد الخاطري الذي يترأس كتيبة تضم 700 رجل في منطقة إدلب: "إن الخوف الأكبر للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هي تشكيل مجموعات مسلحة لطردها، كما حصل سابقاً في العراق". يبدو أن إدارة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تخشى فعلاً من تكرار التجربة العراقية عندما قامت كتائب الصحوة  اعتباراً من عام 2006 بالقتال ضد تنظيم القاعدة، وقد نشرت بياناً تتهم فيه وسائل الإعلام بالكذب والتقليل من نجاحاتها والمبالغة بالمواجهات مع بقية المجموعات المسلحة.
     تزايدت المواجهات في الرقة ودير الزور ومنطقة إدلب بين المجموعات الجهادية والكتائب التابعة للجيش السوري الحر خلال الأسابيع الأخيرة، وأدت إلى مقتل خمسة عشر شخصاً منهم "أمير" في الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. بدأت المواجهات في إعزاز بتاريخ 18 أيلول عندما حاول الجهاديون اختطاف طبيب أجنبي يعمل في أحد المستشفيات الميدانية. تم الإعلان عن هدنة بعد عدة أيام، ولكن لم يتم احترامها بشكل فعلي. أعربت ستة من أقوى المجموعات المتمردة، ومنها السلفيون في أحرار الشام، عن قلقها من هذه المواجهات داخل المعارضة التي يُفترض بها مقاتلة العدو نفسه ـ أي قوات بشار الأسد ـ ، وطلبت يوم الخميس 3 تشرين الأول من الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام مغادرة المدينة و"العودة إلى قواعدها الأساسية".
     وفي اليوم نفسه، أعطى المتمردون في وسط سورية الجهاديين مهلة 24 ساعة للانسحاب من منطقة حمص. إن المؤشر الأخير الذي يدل على مخاوف الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هو أنها لم تكن جزءاً من تحالف المعارضة الجديد التي تم تشكيله في حلب بنهاية شهر أيلول، ويضم أهم الكتائب في المنطقة ومن بينها جبهة النصرة.
     هل يجب انتظار اتساع الاحتجاجات والمعارك بين الجهاديين وبقية المجموعات المسلحة الإسلامية أو غير الإسلامية؟ لا يمكن ضمان أي شيء في الفوضى السورية، أكد (أبو حمدان) قائلاً: "أنا أرفض بشكل قاطع القتال ضد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. سواء كانوا جهاديين أم لا، إنهم الوحيدون الذين جاؤوا لمساعدتنا. إن هدفنا الأول والوحيد يجب أن يبقى إسقاط بشار الأسد. سنعالج وضعهم لاحقاً".


(لينا أو سورية الحرة)

صحيفة الليبراسيون 5 تشرين الأول 2013 بقلم ماري داريوسيك Marie Darrieussecq

     يحق لي القول أنه ليس لدي رأي بخصوص التدخل أو عدم التدخل في سورية، ويبدو لي أن الأمر لم يعد مطروحاً اليوم. يتظاهر بشار الأسد بأنه يريد تدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية، وهو لا يسعى إلى الكذب بشكل مقنع.
     بحثت عن لينا سنجاب التي قابلتها في أحد الأعياد بحي الروضة في دمشق بنهاية عام 2005. كانت تعمل حينها مراسلة لدى الـ BBC، وكانت تحت المراقبة كما هو الحال بالنسبة لجميع الصحفيين، ولكنها كانت تستطيع الحديث مع الأجانب بدون أن تخاطر بحياتها. إن سورية هي البلد الوحيد الذي شاهدت فيه عنصري أمن يجلسان في الصف الأول أمامي في إحدى محاضراتي. إنه نوع من الأنظمة الدكتاتورية التي يجب أن يشعر فيها الجميع بأنهم مراقبون شخصياً. تمكنت في زيارات أخرى من الشعور بالتوتر الناجم عن وجود سلاح خلف الرأس وبانعدام الأمان على الطرقات وبالتحرش الجنسي. ولكن سورية هي البلد الوحيد الذي شعرت فيه بخطر سياسي آني. كنا أنا ولينا نتحدث بصوت منخفض في ذلك العيد، إنه أمر مزعج جداً هذا الشعور بأن مجرد طرح سؤال يمكن أن يؤذي الشخص الذي يطرحه.
     عثرت على لينا بفضل صديق مشترك. إنها تعيش في لندن منذ ستة أشهر، كما أن بقية الدمشقيين الذين كنت أعرفهم هاجروا إلى تورنتو أو باريس. تقول لينا لي أن دمشق لم تعد دمشق. هناك شرطي لكل شخصين ـ هذا هو الرقم المتداول على الأقل ـ ، ولكن الأوساط التي كنت أختلط بها تتمتع برغد العيش نسبياً. تعتبر لينا أن الشيء الوحيد الذي استمر فعلاً في هذه المدينة هو حفلات الأعياد اليومية بين الأصدقاء والمشروب والضحك والغناء، بالإضافة إلى انتقاد الحكومة بهامش من الحرية لم يكن موجوداً من قبل، وانتقاد المعارضة، ومراقبة الدخان المتصاعد من الحرائق والقناصين من الجهتين أثناء حفلات المشوي في منزلها في مدينة جوبر التي كانت لينا تسكنها. كانت لينا تسمع وتشم رائحة قنابل الهاون، ولكن الترف الأخير الباقي كما تقول لينا هو أن تتمكن من العودة إلى منزلها وعودة الأمور إلى طبيعتها. تحولت جوبر اليوم إلى خطوط للجبهة.
     من الممكن سماع شهادة لينا على موقع الـ BBC. إنها تصف التصعيد التدريجي لشعارات المتظاهرين المؤيدين لبشار: "كانوا يهتفون في البداية: بشار نحن نحبك، ثم: بشار وبس، ثم: بشار أو نحرق البلد، ثم أصبحوا يقولون ببساطة: سنحرق البلد". كما تتحدث عن المظاهرات الخاطفة، عندما قامت أربع شابات برفع عباءاتهن بين الناس، وظهرن بفساتين العرس مكتوب عليها باللون الأحمر: "أوقفوا المجزرة، بيت واحد لجميع السوريين". عرفت بعد عدة أسابيع أنه تم القبض على هؤلاء الناشطات في سوق مدحت باشا. إن مجرد الدعوة إلى السلام هي سبب للتعرض للإعتقال.
     عندما حاولت لينا الخروج من سورية للمرة الأولى، تم اكتشافها وصودر جواز سفرها، ثم تمت إعادته لها بعد سنة. استطاعت في شهر نيسان الماضي مغادرة البلد بعد المرور عبر حواجز "القوات الخاصة" و"الفرقة الرابعة" و"الأمن السياسي" و"المخابرات الجوية" التي كانت تخشى منها كثيراً. نسمع لينا في شهادتها على الـ BBC وهي تقول: "الحمد لله" لحظة عبورها للحدود. إنها تشكر الله كما أفعل أنا مع إرثي المسيحي. إنها إمراة مسلمة تشرب النبيذ وتحب بحرية ولا ترتدي الحجاب. هل ستصبح سورية علمانية بهذا الشكل؟


الجمعة، ٤ تشرين الأول ٢٠١٣

(كيف تخلى أوباما عن هولاند)

مجلة الفيغارو ماغازين الأسبوعية 4 تشرين الأول 2013 بقلم فرانسوا دوركيفال François D’Orcival

     تم التخلي عن فرانسوا هولاند، وحقق أوباما وبوتين أهدافهما عبر قرار مجلس الأمن حول الأسلحة الكيميائية في سورية. لم يكن لوران فابيوس مسروراً لأن كل شيء حصل بدون الفرنسيين. قال هولاند في جلسة خاصة أن ما جرى مؤخراً هو حدث تاريخي، واستخلص الدروس من الأزمة السورية. لم ينس فرنسوا هولاند المكالمة الهاتفية بتاريخ 31 آب مع الرئيس الأمريكي الذي قال له أنه سيطلب رأي الكونغرس قبل معاقبة بشار الأسد (الأمر الذي يعني التخلي عن الضربات التي اتفق عليها مع الفرنسيين). أحس هولاند بالمفاجأة في تلك اللحظة. ولكن أدرك مع التفكير أنه لم يكن أوباما بل الولايات المتحدة التي غيرت موقفها: لم يعد الشرق الأوسط أولوية بالنسبة للولايات المتحدة (باستثناء أمن إسرائيل) بعد انسحابها من العراق وأفغانستان، وأصبحت رهاناتها في مكان آخر، كما أنها استعادت إستقلالها في مجال الطاقة بفضل غاز الأردواز (gaz de schiste) الرخيص الثمن.
     إن تراجع أوباما يعني أنه كان يقول إلى هولاند: إذا أردتم الاهتمام بالشرق الأوسط، فعليكم أنتم الأوربيين الاهتمام بذلك من الآن فصاعداً، وتقع على عاتقكم قضايا الأسلحة واللاجئين. ولكن بريطانيا رفضت الذهاب إلى سورية، ولا تستطيع ألمانيا القيام بذلك، ولا يريد بقية الأوروبيين ذلك. عندما لا يكون هناك إلا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للتحرك، فإن تراجع الأول والثاني يعني أن الثالث أصبح مكبلاً. بهذه الطريقة أصبحت الكرة في ملعب بوتين الذي يسعى إلى استعادة مكانته تجاه الصين وقطع الطريق أمام الجهاديين على حدوده الجنوبية. إنه يأسف لعجز الأوروبيين، ويريد العمل معهم، ولكن كيف؟ خلال قمة العشرين في بطرسبورغ، كان الحوار شبيهاً بحوار الطرشان.
     وهكذا عادت الولايات المتحدة أدراجها، وحمت روسيا نفسها، وما زالت أوروبا مفتوحة أمام جميع الاحتمالات. فيما يتعلق بفرنسا التي ترغب القيام بدور الزعامة، إنها لا تملك المال ولا النفط ولا تريد حتى معرفة فيما إذا كانت أراضيها تحوي غاز الأردواز...


الخميس، ٣ تشرين الأول ٢٠١٣

(في حلب، "نحن لم نحصل على أية مساعدة تقريباً")

صحيفة الليبراسيون 3 تشرين الأول 2013 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     كما هو الحال بالنسبة لأغلب المعارضين السوريين منذ الساعات الأولى، يبدو أن محافظ منطقة حلب المحررة يحيى نعناع مرهق، كما لو أنه استنفذ قواه بالطلبات المستمرة للمساعدة التي لم يسمعها أحد. على الرغم من ذلك، عاد إلى فرنسا مرة أخرى، بعد زيارته الأولى في شهر حزيران، من أجل مقابلة بعض المسؤولين السياسيين والدفاع عن قضية المعارضة ضد نظام بشار الأسد. ليس هناك أمل كبير. قال يحيى نعناع: "نحن لم نحصل على أية مساعدة تقريباً، أو أي دعم من المجتمع الدولي منذ أكثر من عامين. هناك أسباب تدفعنا لنكون متشائمين".
     وصل يحيى نعناع إلى فرنسا على رأس وفد مجلس المنطقة المكلف بإدارة محافظة حلب، وأشار إلى أنه حصل على مليون ونصف يورو خلال ستة أشهر، وقال: "يجب الحصول على خمسة أضعاف هذا المبلغ من أجل دفع رواتب الموظفين وإعادة التيار الكهربائي في مدينة حلب على الأقل. ولن أتحدث هنا عن إعادة افتتاح المستشفيات مع انتشار الأوبئة ولاسيما مرض اللايشمانيا الذي يحتاج إلى معالجة منتظمة".
     يزداد الوضع الإنساني مأساوية مع استمرار المعارك في حلب بين المتمردين الذين يسيطرون على ثلاثة أرباع المدينة والقوات النظامية المتمركزة في وسط وغرب المدينة وفي المطار الدولي. تجمدت الأوضاع بعد عدة أشهر من المواجهات. بالمقابل، حقق المعارضون تقدماً في جنوب المحافظة، واستولوا خلال فصل الصيف على عدة قرى كانت تحت سيطرة النظام. قال يحيى نعناع: "ارتكبت قوات الأسد عدة مجازر في هذه القرى. وجدنا في قرية رسم النفل بعض الجثث في الآبار وتحت أنقاض المنازل. تم تدمير الجامع والمنازل في أرض محروقة. نقلاً عن شهادات الناجين، إن المسؤولين عن المجازر هم مقاتلو حزب الله اللبناني والحرس الجمهوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية. ولكنني أعرف بأنه لن يكون هناك أية ردة فعل من المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة، كما حصل في المجازر السابقة".
     أشار يحيى نعناع إلى أنه فقد ثقته كلياً بالأمم المتحدة، في الوقت الذي وصل فيه مفتشو الأمم المتحدة إلى دمشق يوم الثلاثاء 1 تشرين الأول للإشراف على تدمير الأسلحة الكيميائية للنظام، وقال: "إنه أمر مُعيب. كأننا ندين القاتل بتسليم سلاحه فقط. إنها مسرحية وليست عدالة". كما اعتبر أن التخلي عن الضربات الفرنسية ـ الأمريكية التي كانت متوقعة في نهاية شهر آب، زاد من ضرورة إرسال الأسلحة إلى المتمردين المعتدلين عبر المجالس  العسكرية التي يديرها ضباط سوريون سابقون. وأكد أنه هذا هو الحل الذي سيسمح بضمان عدم وصول السلاح إلى أيدي الجهاديين الذين أخذوا مكاناً متزايداً داخل التمرد. بالإضافة إلى جبهة النصرة، لقد فرضت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (الاسم الجديد لتنظيم القاعدة في العراق) نفسها كقوة لا يمكن تجاوزها في شمال سورية، واستطاعت السيطرة على مداخل الرقة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مئتي ألف نسمة. أدى هذا التواجد الواسع إلى مواجهات مستمرة مع كتائب الجيش السوري الحر الذي يهدف إلى إسقاط بشار الأسد وليس  إلى إقامة الخلافة الإسلامية في سورية والعراق.

     استؤنفت المعارك في إعزاز البارحة 2 تشرين الأول على الرغم من التوقيع على هدنة. كما وقعت بعض الحوادث أيضاً في منطقة إدلب خلال الأسبوعين الأخيرين. على الرغم من ذلك، ترفض الكتائب الرئيسية في حلب هذه المواجهة، وقامت ثلاث عشرة كتيبة منها بتشكيل تحالف تشارك فيه جبهة النصرة، وأعلنوا عن قطع علاقاتهم مع المعارضة السياسية في الخارج. قال يحيى نعناع: "إنه نداء استغاثة، وليس غضباً. إن قادة هذه الكتائب لا يحصلوا على أية مساعدة على الرغم من الوعود المستمرة. لم يعد يتحملون ذلك".

("رفعت الأسد لم يسرق الأموال السورية، لقد رحل بدون أي شيء")

صحيفة الليبراسيون 3 تشرين الأول 2013 ـ مقابلة مع سوار الأسد، ابن رفعت الأسد ـ أجرت المقابلة فيوليت لازار Violette Lazard

     تم تعيين سوار الأسد (38 عاماً) ناطقاً رسمياً باسم والده رفعت الأسد منذ بداية الجدل حول الممتلكات العقارية لعائلة الأسد في فرنسا. بدأت المحكمة المالية في باريس تحقيقاً حول الممتلكات العقارية لعائلة رفعت الأسد للاشتباه بالحصول عليها بطرق غير مشروعة. يعيش سوار الأسد في لندن، ويُدير محطتين تلفزيونيتين ويكتب الروايات. أجاب سوار الأسد، ابن عم دكتاتور دمشق، على أسئلة صحيفة الليبراسيون بحضور محاميه و المكلف بإدارة ثروته.
سؤال: لماذا تتحدثون بدلاً عن والدكم الذي يستهدفه التحقيق القضائي بشكل مباشر؟
سوار الأسد: تم تعييني ناطقاً رسمياً لأنني أتحدث اللغة الفرنسية ودرست في فرنسا. إنه لا يتحدث إلا اللغة العربية. من جهة  أخرى، إنه يقوم بالإعداد لمؤتمر السلام حول سورية، وهذا أمر أكثر أهمية بكثير من الضجة المثارة في فرنسا حول هذه القضية. ليس هناك أي مأخذ عليه، ولا يريد تكريس وقته لهذه القضية. ولكن في حال استدعائه، فإنه سيحضر بالتأكيد.
سؤال: إشرحوا لنا كيف استطاع والدكم في بداية الثمانينيات امتلاك بناء في شارع فوش (avenue Foch) ومزرعة خيول في منطقة فالدواز (Val-d’Oise) وبعض الشقق في شارع كينيدي (avenue Kennedy)...
سوار الأسد: يجب أولاً التذكير بالسياق السياسي. اضطر رفعت الأسد إلى مغادرة سورية بسبب معارضته لشقيقه، والد بشار الأسد، لأسباب إيديولوجية، وذلك بعد أن كان تحت المراقبة في سورية. أقامت عائلتنا أولاً في سويسرا، وهو بلد محايد. ثم أرسل له الرئيس ميتران مبعوثاً لدعوته والمجيء للإقامة في فرنسا. ثم حصل ما يحصل عادة مع المعارضين السياسيين: قامت بعض الدول بتمويله في منفاه لأنه لها مصلحة بوجود هذه المعارضة. قامت بتمويل والدي لأنها كانت تتمنى عملية انتقالية جزئية وهادئة.
سؤال: من هي هذه الدول؟
سوار الأسد: جميع الدول العربية تقريباً باستثناء بعضها.
سؤال: وبشكل أكثر تحديداً؟
سوار الأسد: بعض دول الخليج. على سبيل المثال، أعطاه ملك السعودية مزرعة في بيسانكور (Bessancourt) عام 1984 (تبلغ مساحتها 45 هكتاراً في فالدواز، وتشمل اسطبلاً للخيول). في ذلك الوقت، كان الملك السعودي أميراً. إنها هبة.
سؤال: وماذا عن الشقق والبناء في شارع فوش؟
سوار الأسد: كان يجب العثور على سكن لاستقبال 400 شخص رافقوا والدي في الغربة. إذاً، حصل على دعم مالي لشراء هذه الممتلكات العقارية. أنا شخصياً لدي 16 شقيقاً وشقيقة وعائلة كبيرة مقربة، كنا بحاجة إلى مكان. عشت في بناء شارع فوش خمس سنوات بين سن 10 و15 عاماً. حصلنا على هذه الأموال من بعض الحكومات والدول والشخصيات الصديقة، ولم يتم استخدامها إلا من أجل شراء الشقق. كما سمحت هذه الأموال بتأسيس مجلة سياسية للمعارضة، وأصبحت محطة تلفزيونية باللغة العربية. من جهة أخرى، قامت فرنسا أيضاً بدعم والدي والمقربين منه عندما استقبلتهم.
سؤال: هل لديكم براهين تبرر أصل هذه الأموال؟
سوار الأسد: نحن نعمل بشفافية كاملة، ونشعر بالإطمئنان. إن جميع الشركات المالكة لهذه العقارات هي بأسماء أفراد من عائلتي، ولم يتم إخفاؤها (كان مدير ثروة العائلة يصغي إلى الحوار، وأوضح أن هذه الممتلكات تعرضت لانتباه خاص من قبل الأجهزة الضريبية الفرنسية، وأن كل شيء ضمن القانون).
سؤال: تتحدث الشكوى المقدمة من بعض المنظمات غير الحكومية عن سرقة أموال عامة وإخفاء أموال مسروقة وفساد... ولكن إذا صدقناكم، فهذا يعني أن والدكم غادر سورية عام 1984 دون قرش واحد؟
سوار الأسد: لم يمكن هناك أموال في سورية في ذلك الوقت! سأعطيكم مثالاً: قام والدي عام 1982 بجولة في الولايات المتحدة قبل نفيه. من قام بتمويلها؟ السعودية... إذاً، لم يسرق المال السوري، وغادر بدون قرش واحد. ولكنه كان يعرف بالتأكيد بأنه سيستفيد من الدعم المالي الخارجي.
سؤال: لماذا أراد بيع البناء في شارع فوش هذا الصيف؟
سوار الأسد: كان البناء معروضاً للبيع منذ عام 2009. لم يكن ذلك سراً على أحد في سوق العقارات. عندما لا نحصل على مساعدات مالية كافية، نبيع العقارات للحصول على المال. قمنا سابقاً ببيع العديد من الشقق في شارع فوش، وتم تأجير بعضها الآخر من أجل تمويل النشاطات السياسية لوالدي.


(المنظمات غير الحكومية تخشى من تحويل الأموال تحت أعين الشرطة)

صحيفة الليبراسيون 3 تشرين الأول 2013 بقلم توما هوفننغ Thomas Hofnung وفيوليت لازار Violette Lazard

     فتحت المحكمة في باريس تحقيقاً أولياً حول الممتكات العقارية المذهلة التي يمتلكها رفعت الأسد في باريس. جاء هذا القرار بناء على الشكوى المقدمة بتاريخ 13 أيلول من قبل بعض المنظمات المضادة للفساد مثل: Sherpa وTransparency International بتهمة "إخفاء أموال عامة مسروقة والفساد وتبييض الأموال عبر عصابة منظمة".
     أشارت صحيفة اللوموند إلى أن قيمة الممتلكات العقارية لرفعت الأسد في باريس تبلغ 160 مليون يورو. قال مارسيل سيكالدي Marcel Ceccaldi، محامي رفعت الأسد: "نحن مطمئنون تماماً. يعود تاريخ شراء هذه العقارات إلى الفترة 1984 ـ 1986. قام فرانسوا ميتران عام 1986 بمنح رفعت الأسد وسام جوقة الشرف من المرتبة الأولى... هناك تحقيق دائم حول هذه الحالات، ولكنه لم يكشف عن أي شيء غير طبيعي".
     لاحظت منظمتا Sherpa وTransparency International أن رفعت الأسد "ليس له أي نشاط مهني مسجل" وليس لديه وصل بالإرث، وأعربتا عن أسفهما من تكليف رجال الشرطة بالتحقيق بدلاً من تكليف أحد القضاة. قال رئيس جمعية Sherpa المحامي وليام بوردون William Bourdon: "الوقت هو حليف كبار الفاسدين. في عصر الاتصالات الرقمية، من الممكن تحويل الأموال مصرفياً قبل أن يتسنى الوقت للشرطة بإحالة القضية إلى القاضي لتجميد الأموال".
     هل هناك إرادة بالصبر والسماح للوقت بحل هذه المشكلة؟ يتصف موقف رفعت الأسد في الساحة السياسية السورية بالغموض، وما زال يحتفظ بعلاقات وثيقة مع جزء من الطبقة السياسية في باريس.