الصفحات

الثلاثاء، ٤ آذار ٢٠١٤

(ما هي قيمة الدبلوماسية الفرنسية؟)

مجلة الفيغارو ماغازين 28 شباط  2014 ـ حوار بين الكاتب رونو جيرار Renaud Girard والسفير الفرنسي سابقاً جان كريستوف روفان Jean-Christophe Rufin

سؤال: ماذا يمكن أن يكون دور فرنسا فيما يبدو أنه صدمة جديدة بين الغرب والشرق في أوكرانيا؟
رونو جيرار: ، اتصلت أنجيلا ميركل مع بوتين ثلاث مرات في ذروة الأزمة الأوكرانية، واتصل كل من أوباما وكاميرون مرة واحدة مع بوتين، أما هولاند فلم يتصل معه إطلاقاً. ظهرت فرنسا كقزم سياسي بالمقارنة مع ألمانيا. تنقصنا سياسة خارجية كبيرة تجاه روسيا بسبب التركيز على بناء سياستنا على العواطف وليس على العقل. كان يجب على هولاند أن يذهب إلى سوتشي التي يعتبرها بوتين رمزاً للنهضة الروسية. كان يجب على رئيسنا أن يهنئه علناً بتنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، ثم يقوم بتذكيره أن أوكرانيا دولة ذات سيادة، وأن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سيكون في مصلحة المنطقة الاقتصادية الروسية أيضاً، وأن تطلعات الشعب الأوكراني للعيش في دولة القانون كانت مشروعة وغير قابلة للتفاوض.
جان كريستوف روفان: أصبحت أوروبا مرة أخرى ساحة للحرب الباردة. يُظهر ذلك عجزها عن بناء نفسها كقوة سياسية تتمتع بسيادة حقيقية. في هذا المجال، لا تملك فرنسا إلا هامشاً ضئيلاً للمناورة. انحازت فرنسا جداً إلى الموقف الأمريكي، وتعتقد أنه من الأفضل معاملة روسيا باحتقار. إن علاقة فرنسا مع الرئيس بوتين سيئة جداً. أدى ذلك إلى نتائج سلبية جداً سواء فيما يتعلق بحقوق الإنسان (إن ألمانيا أكثر تساهلاً مع موسكو، وهي في موقع يسمح لها بالحصول على أشياء أكثر حتى في مجال حقوق الإنسان) أو باحتمال الوساطة في الأزمة الأوكرانية التي يعرف الجميع بأن حلها في الكريملين.
سؤال: لننتقل إلى الولايات المتحدة، شكلت زيارة فرانسوا هولاند إلى الولايات المتحدة لحظة هامة في دبلوماسيتنا: ما هو الاختلاف بين "زيارة الدولة" التي قام بها فرانسوا هولاند وزيارات العمل التي قام بها نيكولا ساركوزي؟
رونو جيرار: إنه اختلاف شكلي بحت: أراد أوباما تكريم هولاند الذي لم يحظ حتى الآن بإطلاق 21 قذيفة مدفعية. فيما يتعلق بالأمور الجوهرية، جرى هذا اللقاء للأسف في سياق غير متوازن بسبب ضعف فرنسا اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً. كيف يمكن لفرنسا اسماع صوتها في المجال الاقتصادي (على سبيل المثال، الحاجة إلى إصلاح الممارسات المصرفية في العالم) دون قيامها بتنظيم شؤونها الاقتصادية والمالية؟ على الصعيد العسكري، قمنا بتخفيضات كبيرة في الموازنة العسكرية لدرجة أننا اضطررنا إلى طلب المساعدة الأمريكية لاحتواء الفوضى الإسلامية في ليبيا، وذلك على الرغم من أن فرنسا قادت التدخل العسكري الذي أطاح بالقذافي. نحن ندعي بأننا نريد التدخل في كل مكان (كما هو الحال عندما أعلن هولاند في نهاية شهر آب 2013 عن "عقاب" عسكري ضد نظام بشار الأسد في سورية)، وذلك على الرغم من أننا لم نعد نملك الوسائل اللازمة. إن الأمريكيين في وضع معاكس: ما زالوا يملكون أقوى جيش في العالم، ولكنهم أصبحوا حذرين جداً على الصعيد السياسي بخصوص شن حروب جديدة سواء كانت "عقابية" أو "وقائية". عندما تفاوض الأمريكيون مع الروس في جنيف حول إيجاد مخرج للأزمة السورية عبر نزع السلاح الكيميائي السوري، لم تتم دعوة فرنسا للمشاركة في هذه المفاوضات. لقد عاملها حليفها الأكبر باعتبارها قوة عظمى من الدرجة الثانية. على الصعيد العسكري، ظهرنا كقوة إضافية للأمريكيين في حال الحاجة. على الصعيد الدبلوماسي، أصبحت العلاقة بين باريس وواشنطن عرجاء لأننا تخلينا عن دورنا التقليدي كوسيط بين الامبراطورية الأمريكية وبقية العالم. على صعيد الملف الإيراني، أظهرنا أننا أكثر تأثراً بأفكار المحافظين الجدد من الأمريكيين أنفسهم! أشعر بالأسف لأن سلطنة عُمان، وليست الجمهورية الفرنسية، هي التي نظمت المفاوضات السرية بين الأمريكيين والإيرانيين.
جان كريستوف روفان: إذا كانت زيارة هولاند إلى الولايات المتحدة قد تركت ذكرى طيبة، فإن وابل المجاملات ذكّرني بإحدى مسرحيات موليير عندما قام دون جوان بإغراق أحد دائنيه بالمجاملات، ثم تخلص منه دون أن يدفع له فلساً واحداً. ظهرت ملامح المعاهدة الأطلسية حول حرية وصول السلع الأمريكية إلى أوروبا على خلفية هذا اللقاء، وذلك في الوقت الذي لا تمتنع فيه الولايات المتحدة عن ممارسة السياسات الاقتصادية الحمائية. إذاً، سيكون من الملائم أن نكون حذرين خلال المفاوضات على الصعيدين التجاري والمالي. هناك سبب آخر يكمن وراء هذا الاستقبال الحافل هو حرج الأمريكيين بسبب فضيحة التنصت التي كان بإمكانها أن تُبرر احتجاجاً أكثر شدة من قبلنا. إذاً، أنا أرى في هذا الاستقبال الحافل نوعاً من التملق وليس احتراماً لقوتنا ونفوذنا.
رونو جيرار: فيما يتعلق بسياسة هولاند تجاه سورية، لقد أظهر جهلاً تاريخياً ونظرة سياسية ثنائية تقسم العالم بين الخير والشر، كما أظهر هذه السذاجة الدبلوماسية التي تنظر إلى رغباتها باعتبارها حقائق. الجهل هو أنه لم يأخذ بعين الاعتبار بما فيه الكفاية حركة الإخوان المسلمين التي حاولت الاستيلاء على السلطة بالقوة في بداية الثمانينيات. لا يمكن اختزال الحرب الأهلية بمواجهة بين العلويين والأغلبية السنية: لو وقف جميع السنة إلى جانب الثورة، ما كان بإمكان بشار الأسد الصمود. فيما يتعلق بنا، بدلا من الاستفادة من علاقاتنا الجيدة مع الأسد خلال الولاية الرئاسية السابقة، لقد وقعنا في النظرة السياسية الثنائية وبدون أي نظرة هادئة، أي كما هو الحال بالنسبة لصحفيي التلفزيون الذين يعالجون المواضيع الأكثر تعقيداً خلال دقيقة ونصف، ويُلخصونها باعتبارها مواجهة يقوم فيها الأشرار بقتل المدنيين الأخيار. تميل الصحافة المكتوبة أيضاً إلى وضع نفسها ضمن هذا الإطار "الهوليوودي" للإعلام المرئي. بالإضافة إلى ذلك، دعا حكامنا إلى "معاقبة" بشار الأسد، ووصف دافيد كاميرون النزاع السوري بعبارات "الأخيار والأشرار"، على الرغم من أن التاريخ لا يُصنع بهذا الشكل، ولا يجب معالجة المواضيع الجغراسياسية بهذه الطريقة. أخيراً، هناك أمنياتنا الدبلوماسية المشؤومة. قمنا بإغلاق سفارتنا لكي نستبق الأحداث: باعتبار أن الطاغية سيختفي خلال عدة أشهر، ثم سنقوم بإعادة افتتاحها في دمشق للتعامل مع الديموقراطيين الحقيقيين. ولكن الطاغية ما زال موجوداً:  لقد قام بتنفيذ لعبة استراتيجية تقليدية عبر السماح للعدو أن يكشف عن نفسه، أي الوهابيين الذين يتلقون المساعدة من الممالك النفطية السنية في الخليج. ثم في المرحلة الثانية، وجد حلفاء أقوياء أي: إيران وروسيا وحزب الله. ثم انتقل أخيراً بهدوء إلى الهجوم المضاد وجميع الأشياء التي لم نكن نتوقعها. عندما أدركنا أن الأسد باق في مكانه، فكرنا بحل سياسي مع هذا الشرط المسبق المتمثل باستبعاده من الحل السياسي. ما هذا الوهم: إنه هو الذي يجسد السلطة شئنا أم أبينا! ولا شك أنه كان من الأفضل التفكير منذ البداية بحكومة انتقالية تحت رئاسته، وأن يكون هدفها النهائي عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2014. إن الوهم والسذاجة لا يُغتفران في الدبلوماسية...
جان كريستوف روفان: تمثل الأزمة السورية نهاية عصر الدبلوماسية الإنسانية. جرت أغلبية العمليات العسكرية الدولية باسم الإنسانية منذ نهاية الحرب الباردة. أردنا استبدال العلاقات بين الدول برؤية أصبح فيها المضطهدون  يمثلون بداية ونهاية السياسة الدولية. إن تعريض السكان للخطر يمكن أن يؤدي إلى تبرير عملية  تغيير الأنظمة بالقوة. هكذا بدأت الحرب ضد ليبيا مع النتائج التي نعرفها. فيما يتعلق بالأزمة السورية، وصلنا إلى الحدود التي تتوقف عنها هذه الطريقة بالتفكير التي لا تنظر إلى التاريخ، وتكتفي بتحديد الأخيار والأشرار. قمنا بتبسيط الأزمات دون السعي إلى فهمها من أجل تبرير العمل. ولكن عندما لا يكون هذا العمل مبنياً على حقائق تاريخية، فإن مصيره سيكون الفشل. بالإضافة إلى ذلك، عندما نترك الشعوب تأمل بالحصول على مساعدة عسكرية خارجية، فإننا نشجعها على الراديكالية. إذا لم تكن هناك نية حقيقية بالتحرك، فإن هذا التشجيع يمثل عملاً إجرامياً. بهذه الطريقة، تحملنا مسؤولية مأساوية في سورية فيما يتعلق بمئات آلاف القتلى منذ سنتين. قمنا بدفع المفاوضات السياسية إلى الوراء عبر دفع المعارضة نحو طريق التمرد. عندما لا تكون الدبلوماسية الإنسانية مدعومة بموازين قوى حقيقية، فإنها ليست إلا تضليلاً.
رونو جيرار: نستخلص أربعة دروس من أجل محاولاتنا القادمة لشن الحرب باسم العامل الأخلاقي: عدم إطلاق الوعود علناً بالعقاب أو بالحرب عندما لا تتوفر الوسائل اللازمة للقيام بذلك، وترك القنوات الدبلوماسية مفتوحة دوماً لأن الدبلوماسية هي من أجل الحديث مع الأعداء وليس مع الأصدقاء، وامتلاك حل بديل من أجل استبدال فوري للطاغية الذي نريد طرده لضمان عدم غرق البلد في الفوضى كما حصل في ليبيا، ومعرفة كيف نأخذ بعين الاعتبار مصالحنا البعيدة المدى والدفاع عن أصدقائنا ابتداءا من مسيحيي الشرق. كان فابيوس يريد تسليح المتمردين: ما هي الضمانات التي كانت بحوزتنا بأن هذه الأسلحة لن تُستخدم ضدنا أو ضد الأقليات السورية لاحقاً؟


الاثنين، ٣ آذار ٢٠١٤

(سورية: قطرة الماء)

صحيفة اللوموند بتاريخ 2 ـ 3 آذار 2014 بقلم ستيفان فوكار Stéphane Foucart

     إن البحث عن الأسباب البيئية للأزمات الاجتماعية والسياسية الكبرى هو عمل مغري وفي بعض الأحيان محفوف بالمخاطر. في العدد الأخير لنشرة (Middle Eestern Studies)، قامت الباحثة فرانسيسكا دوشاتيل Francesca de Châtel في جامعة Radboud بمدينة Nimègue الهولندية بدراسة حالة خاصة هي الأزمة السورية: ربطت هذه الباحثة المختصة بمسائل تنظيم إدارة المياه في الشرق الأوسط بين الجفاف الذي ضرب سورية بين عامي 2006 و2010 واندلاع التمرد في شهر آذار 2011، هذا التمرد الذي أدى إلى الكارثة الحالية. ولكن هذه الباحثة لا تعتبر أن نقص المياه هو السبب بمقدار ما هو عجز نظام دمشق على إدارة الأزمة الكامنة التي نجمت عن نقص المياه، وذلك في سياق نصف قرن من عدم تنظيم إدارة المصادر المائية.
     إن الأرقام المذكورة مُعبّرة جداً. تُشير الأمم المتحدة إلى أن 1.3 مليون سوري على الأقل في المناطق الريفية تأثروا بموجة الجفاف الكبيرة، ومنهم 800.000 تأثروا بها "بقسوة". ربما هاجر أكثر من ثلاثمائة ألف مزارع في شمال شرق سورية خلال عام 2009 فقط بسبب عجزهم عن الحفاظ على عملهم تحت تأثير أربعة صدمات هي: الجفاف ونزع الضوابط عن سوق المواد الزراعية الأولية (تضاعفت أسعار الأسمدة ضعفين في شهر أيار 2009) وتوقفت الدولة عن تقديم بعض الإعانات وجفاف المياه الجوفية.
     هذا هو الجانب الأكثر تعبيراً عن الإدارة العشوائية لمصادر المياه من قبل دمشق: ارتفع عدد الآبار من 135.000 بئر عام 1999 إلى حوالي 230.000 بئر عام 2010، مع معدلات ضخ لا يمكن تبريرها، ويزداد حجمها خمسة أضعاف من عقد لآخر منذ سنوات الثمانينيات. كانت النتائج حتمية. بدأ مخزون المياه يميل نحو الجفاف، وذلك في الوقت الذي يعتمد فيه 60 % من أصل 1.35 مليون هكتار من الأراضي المروية في البلد على هذا المخزون مباشرة... في عام 2008، استوردت دمشق القمح للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً.
     أبدت فرانسيسكا دوشاتيل حرصاً كبيراً على عدم تحميل الجفاف المسؤولية الكاملة لاستياء الشعب السوري، ولكن الجفاف لعب دوراً حتمياً. لم تكن الباحثة الهولندية أول من اقترح مثل هذه العلاقة. صدرت مؤخراً دراسة جماعية بإشراف كيتلان ويريل Caitlin Werrell وفرانسيسكو فيميا Francesco Femia (Center for Climate and Security, Washington) وآن ماري سلوتر Anne-Marie Slaughter (جامعة برينستون)، واعتبرت هذه الدراسة أن التغير المناخي الحالي قام بدور الفتيل في اندلاع حركات التمرد التي هزت العالم العربي ابتداءاً من شهر كانون الأول 2010: هذه الحركات التي تزامنت مع ظروف مناخية قاسية جداً في العديد من الدول الكبرى المنتجة للقمح مثل أستراليا وكندا والصين وروسيا وأوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر القمح مرتين، وتُعتبر الدول العربية من الدول المستوردة الرئيسية له.

     تتجاهل فرنسا هذه الدراسات الأكاديمية التي يحوم حولها الشك بارتكاب جريمة بشعة هي القضاء والقدر. على العكس من ذلك في الولايات المتحدة، اعتبرت نيويورك تايمز أن هذه الفرضية "مُقنعة" على الرغم من جرأتها في الربط بين "الربيع العربي" والتغير المناخي.

(في سورية، الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تُفرج عن رهينة اسبانية)

صحيفة الليبراسيون 3 آذار 2014 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     إنه خبر جيد لجميع الرهائن الغربيين في سورية: أفرجت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، إحدى المجموعات المتمردة الأكثر تطرفاً، للمرة الأولى عن الصحفي الإسباني مارك مارجينيداس Marc Marginedas البارحة 2 آذار بعد أن كانت تعتقله منذ ستة أشهر تقريباً. كان هذا الصحفي قد تعرض للاختطاف بتاريخ  4 أيلول بالقرب من حماة، أحد معاقل التمرد في وسط سورية. أشارت الصحيفة الكاتلانية El Periodico التي يعمل فيها هذا الصحفي إلى أنه كان يتنقل في السيارة "عندما قامت مجموعة جهادية بخطفه مع السائق الذي يرافقه على أحد حواجز الطرقات"، وأضافت الصحيفة أنه  "يتواجد حالياً في تركيا، وخضع فيها لبعض الفحوصات الطبية لتقويم حالته الصحية بعد فترة اعتقاله الطويلة"، ويبدو أنه في صحة جيدة كما قالت الصحيفة.

     تشير إحصائيات صحيفة الليبراسيون إلى أن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تعتقل حوالي أربعين غربياً يعملون كصحفيين أو في المجال الإنساني. لم يسبق أن قامت هذه المجموعة الإسلامية المعروفة بوحشيتها المتطرفة بالإفراج عن أي شخص منهم حتى الآن.

السبت، ١ آذار ٢٠١٤

(يجب كسر عزلة الشعب السوري تجاه صمت المثقفين)

 صحيفة اللوموند 1 آذار  2014 قام بالتوقيع على المقال:
 الأستاذة المحاضرة في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS) سيسيل بويكس Cécile Boex،
الباحث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS) حميد بوزارسلان Hamit Bozarslan،
الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للدراسات العلمية (CNRS) ليلى دخلي Leyla Dakhli،
مدير الدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا (EPHE) بيير لوري Pierre Lory،
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في باريس زياد ماجد،
ناديا مرزوقي Nadia Marzouki،
الباحث في المركز الوطني الفرنسي للدراسات العلمية (CNRS) فرانك ميرمييه Franck Mermier،
الباحث في المركز الوطني الفرنسي للدراسات العلمية (CNRS) أوليفييه روا Olivier Roy،
الأستاذة المحاضرة في جامعة رين الثانية (Rennes II) ليلى فينال Leïla Vignal

     نشرت صحيفة اللوموند بتاريخ 7 ـ 8 تموز 2013 مقالاً للكاتب والمعارض السوري ياسين الحاج صالح الذي أمضى ستة عشر عاماً في سجون حافظ الأسد، وأطلق فيه نداء للمساعدة موجهاً إلى مثقفي العالم من غوطة دمشق التي تتعرض للحصار والتجويع والقصف. لم يتقدم أحد لمساعدة الشعب السوري الذي يتعرض لقتل نظام الأسد الوحشي، وذلك باستثناء قلة نادرة باسم الضمير العالمي أو ما يُفترض كونه ضميراً عالمياً. أعرب بعض المثقفين في سياق حركات التمرد العربية عن دعمهم للثورة السورية، ولكنهم يكتفون اليوم بصمت حذر. كما أن عسكرة جزء من المعارضة بسبب قمع النظام الوحشي، ترافق مع تصاعد قوة المجموعات المسلحة الإسلامية والجهادية.
     هناك بعض المثقفين مثل الفيلسوف سلافوج زيزيك Slavoj Zizek الذي أنكر في صحيفة الغارديان بتاريخ 6 أيلول 2013 أية أبعاد تحررية للتمرد الذي سيؤدي إلى "طلبنة" (Talibanisation) البلد في حال تمكن التمرد من إسقاط هذا النظام "العلماني" و"حامي المسيحيين". يكشف موقف هذا المثقف الذي انحاز إلى موقف النظام، عن جهل مذهل بواقع المجتمع السوري. يتلاقى هذا الازدراء بالواقع وبالمجتمع السوري مع موقف بعض القوى اليسارية التي تدعي العداء للإمبريالية، هذه القوى التي اختلط تصورها للحرب في سورية مع الآثار الناجمة عن الفزاعات الإسلامية والأمريكية وحتى السعودية والقطرية، وذلك بشكل يتلاءم دون أي حرج مع التدخلات الخارجية الروسية والإيرانية. إن هذا الجهل بالرهانات الداخلية للثورة السورية التي لا يمكن اختزالها بالبعد الجغراسياسي فقط، يُعبّر عن قوة بعض القوالب المكررة التي يمكن ملاحظتها على كامل الساحة السياسية، هذه القوالب التي لا ترى في المجتمعات العربية إلا انعكاساً للشكل والموقف نفسه التي يتصف به التحفظ الغربي.
     تم محو الاختلافات بين سورية ومصر وليبيا واليمن والعراق وتونس لكي لا نتذكر إلا الخطر الإسلامي والنزعة الاجتماعية المحافظة وتناقضات الديموقرطية التي يتعذر حلها. إن عدم اعتبار شعوب العالم العربي إلا انطلاقاً من موشور المنافسات الجغراسياسية، يعني في أسوأ الاحتمالات عدم رؤية هذه الشعوب إلا كموضوع للمؤامرات المحاكة في مكان آخر، أي كبيدق في الرهانات الإقليمية والدولية الكبيرة التي تتجاوز قدرة هذه الشعوب.
     في الوقت الذي تؤكد فيه المجتمعات العربية نفسها كأمم متميزة، وتبتعد عن النموذج المتخلف للعروبة الناصرية والبعثية، هناك تصور مشترك لدى بعض المثقفين والمسؤولين السياسيين الغربيين يعتبر المجتمعات العربية متشابهة سياسياً وهوية. ضمن هذا المنظور، لم يتم إعطاء أية إمكانية للمبادرة والديناميكية الفردية وتعددية المجتمعات العربية وابداعها. يمكن أن نقرأ وراء هذه النظرة نوعاً من المحاباة لجهل ثقافي لا يعرف إلا دراسة بعض المجتمعات المحددة.
     ماذا عن هذه المحاباة الأثيمة الأخرى لدى بعض وسائل الإعلام التي تنقل الدعاية الإعلامية المضللة للنظام بشكل مخادع، وذلك عندما لا تُوضح أنها أجرت ريبورتاجاتها بموافقته وتحت حمايته، أو عندما تستعين بخبراء مزيفين عن سورية وتعتبرهم صوتاً شرعياً لرأي خبير؟ إذا كان يجب على وسائل الإعلام أن تفتح الحوار أمام الآراء المتعارضة، فإنه يقع على عاتقها أيضاً تقديم المعلومات حول شروط إنتاج ريبورتاجاتها.
     بقي نداء المساعدة الذي أطلقه ياسين الحاج صالح بدون جواب في ظل الخمود الصيفي، وغرق بعدها بالضجة الإعلامية حول المجازر التي ارتكبها النظام بالسلاح الكيميائي، وبالتدخل العقابي الغربي غير المحتمل. كشف مؤتمر جنيف 2 أن نظام دمشق لم يشارك في هذه الخدعة الأممية إلا من أجل الاستمرار بقتل شعبه دون عقاب والاستعداد لهجوم واسع على يبرود في شمال دمشق، هذه المدينة التي تمثل رمزاً للتعايش الطائفي وللقوة الصلبة لحركة المقاومة المدنية.
     اضطر ياسين الحاج صالح إلى مغادرة سورية بسرعة في شهر تشرين الأول 2013، بينما تم اختطاف زوجته وشقيقه. إنه يعيش اليوم في تركيا، وما زال يواصل عمله من أجل سورية حرة وديموقراطية. تُعبّر عزلة الشعب السوري عن المأساة التي يعانيها وتردد "أصدقائه" في إنهائها، ولا يمكن إنهاؤها بدون إعطائه جميع الوسائل لتحقيق انتصاره.

     نحن مثقفي فرنسا وأوروبا، نحض مسؤولينا السياسيين على تلبية نداء مساعدة الشعب السوري قبل أن يسقط المثل الديموقراطي للثورة السورية تحت ضربات البربرية الأسدية والجهادية.

(الجهاديون السوريون يوسعون عملياتهم إلى لبنان)

صحيفة الفيغارو 1 آذار 2014 ـ مقابلة مع الباحث الفرنسي المختص بالمسائل الإسلامية رومان كاييه Romain Caillet الذي يعيش في لبنان ـ أجرت المقابلة مراسلتها في لبنان سيبيل رزق Sibylle Rizk

سؤال: لماذا قامت مختلف المجموعات الإسلامية السورية بتوسيع ساحة معركتها إلى لبنان؟
رومان كاييه: الهدف هو مهاجمة حزب الله الذي يدعم نظام بشار الأسد عسكرياً في سورية. لقد لجأت هذه المجموعات إلى الإرهاب لأنه ليست هناك أية مجموعة قادرة على مواجهة حزب الله عسكرياً في لبنان، الأمر الذي أعطى المشروعية بدوره إلى حزب الله الذي أصبح يركز جهوده على مكافحة الجهادية السنية، وذلك في الوقت الذي لم تعد فيه قضية المقاومة ضد إسرائيل قادرة على تعبئة الطائفة الشيعية اللبنانية. كلما انخرط حزب الله في سورية، كلما أصبح هدفاً للمزيد من عمليات التفجير، وكلما أصبح خطابه حول الحماية ضد التهديد الإرهابي أكثر قدرة على التأثير بين الشيعة الذين يقول لهم أنه يجب قطع جذور الشبكات الإرهابية ـ في سورية ـ نحو لبنان.
سؤال: من هي هذه المجموعات؟
رومان كاييه: جبهة النصرة هي الأكثر تواجداً في لبنان، وارتكبت فيه العدد الأكبر من عمليات التفجير حتى اليوم. كانت هذه المجموعة وراء امتداد الدولة الإسلامية في العراق إلى سورية، ولكنها احتفظت باستقلاليتها عندما قامت الدولة الإسلامية في العراق بتغيير اسمها في شهر نيسان 2013 لكي يصبح الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. اختارت جبهة النصرة حينها إعلان ولائها إلى الشبكة التي أسسها بن لادن. أعلنت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام عن ظهورها في طرابلس بنهاية شهر كانون الثاني، ولكنها لم تعلن حتى الآن عن تبنيها لعمليات انطلاقاً من لبنان. تندرج هذه المجموعة ضمن الحركة الجهادية بشكل واضح على غرار تنظيم القاعدة، ولكنها ليست تابعة له.
إذا كان هناك توافق إيديولوجي بين تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، فإن أهدافهما السياسية ـ العسكرية مختلفة. إن عدو أنصار بن لادن هو الغرب بشكل خاص، في حين أن عدو الدولة الإسلامية هو إيران أولاً. إن أولوية أمير الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام أبو بكر البغدادي الذي أحاط نفسه بالعديد من الضباط السنة السابقين لدى صدام حسين، هي قتال "المشروع الصفوي" في إشارة إلى العائلة الصفوية في إيران بين عامي 1501 و1736، هذه العائلة التي جعلت أغلبية الشعب الإيراني يعتنق الدين الشيعي الجديد.
يترافق هذا المنطق الإقليمي بإرادة السيطرة على الأراضي وتجسيد دولة، في حين أن الجهاد العالمي لتنظيم القاعدة لا يهتم بتحديد أراضي معينة. إن كتائب عبد الله عزام هي مجموعة جهادية أيضاً، ولها تفرعات إقليمية. تتواجد هذه المجموعة في لبنان بشكل أساسي، وارتكبت فيه عمليات التفجير الأكثر قوة، ولاسيما ضد السفارة والمركز الثقافي الإيراني في بيروت، الأمر الذي يدفع للاعتقاد بوجود دعم من قبل الأجهزة الأمنية للدول في المنطقة.
هناك مجموعة رابعة لها تفرعاتها في طرابلس هي أحرار الشام السلفية داخل الجبهة الإسلامية. تأسست هذه المجموعة في نهاية عام 2013 في محاولة لتوحيد المقاتلين في المعارضة السورية. إن السعودية هي الطرف الأساسي الذي يدعم هذه المجموعة، وهي التي حرضت مع تركيا على القيام بالهجوم ضد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في شهر كانون الثاني الماضي بدون تحقيق نجاح كبير حتى الآن. اعترفت الولايات المتحدة بالجبهة الإسلامية كطرف محاور، هذه الجبهة التي تضم بعض الإسلاميين المعتدلين والسلفيين، وليس لديها نشاطات جهادية رسمياً.
سؤال: كيف يمكن تفسير الشعبية المتزايدة لهذه المجموعات في لبنان؟

رومان كاييه: لبنان هو إحدى الدول النادرة التي يمكن أن نجد فيها فتاة شابة تلبس على الطريقة الغربية وتضع على جبهتها الشريطة السوداء لهذه المجموعات الجهادية! يتغذى النفوذ السلفي والجهادي حالياً من ضعف الزعامة السنية التقليدية، والإهانة التي أحست بها الطائفة السنية بعد العملية العسكرية الذي نفذها حزب الله في بيروت خلال شهر أيار 2008، بالإضافة إلى شعور الظلم المرتبط بإفلات المسؤولين عن اغتيال رفيق الحريري من العقاب والإحساس باغتصاب حقوقهم بعد سقوط حكومة سعد الحريري عام 2011. يقف الجزء الأكبر من القاعدة الشيعية غير المتدينة وراء حزب الله لأسباب سياسية وطائفية، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد متزايد من السنة الذين يعتبرون أن المجموعات السلفية هي أبطالهم في مواجهة حزب الله.

(الرهان الكبير للاستراتيجيا والطاقة في البحر المتوسط)

صحيفة اللوموند 1 آذار 2014 بقلم مراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent Zecchini

     باعتبار أن الهدف من حاملة الطائرات هو إظهار القوة، ما هي المهمات التي تهدف تركيا إلى القيام بها في شرق المتوسط عبر هذه السفينة التي يبلغ وزنها سبعة وعشرين ألف طن، وتم الإعلان عن طلبها رسمياً في شهر كانون الأول 2013؟ إن هذه المسألة تُقلق المسؤولين الإسرائيليين الذين لا يملك سلاح بحريتهم إلا سفن من الوزن المتوسط. لا يعني ذلك أن حاملة الطائرات التركية ستمثل تهديداً عسكرياً حقيقياً لإسرائيل. إن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية وغواصاتها الهجومية الست (تم تسليم خمس منها) من نوع دولفين (Dolphin) تضمن لإسرائيل قوة ردع قوية.
     ستتزايد قوة الأسطول الإسرائيلي، كما هو الحال بالنسبة للأسطول التركي، خلال السنوات القادمة ولاسيما من أجل حماية موارده الغازية الهامة جداً في شواطىء حيفا. ولكن ذلك لا يمنع أن حاملة الطائرات التركية عندما ستخرج من الورشة الإسبانية Nanatia وتُبحر في المياه، فإنها ستبعث على الريبة سواء من قبل إسرائيل أو اليونان أو قبرص أو سورية أو مصر. لأن حاملة الطائرات التركية ستوفر الوسائل اللازمة لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لتحقيق طموحاته الإقليمية. إن هذا المشروع الباهظ التكاليف (أكثر من مليار يورو) ربما يؤدي إلى سباق للتسلح، ويُغيّر التوازن الإستراتيجي في شرق المتوسط.
     إن هذا السيناريو السيء ليس حتمياً: ستشكل حاملة الطائرات التركية عنصراً هاماً في الرهان الكبير للاستراتيجيا والطاقة الذي يتشكل حالياً، ولكنه ليس السيناريو الوحيد. في حال استخدام هذه الورقة الرابحة بحكمة، من الممكن أن تندرج في سياق الانفراج الشرق أوسطي. لدى إسرائيل وتركيا جميع الأسباب للتفاهم، ولكن أهمها هو الغاز. تملك إسرائيل مصدراً غنياً بالطاقة هو آبارها في موقعي تامار  (Tamar) وليفياتان (Léviathan)، وقررت إسرائيل تصدير 40 % منه، وتمثل تركيا سوقاً طبيعياً محتملاً نظراً لاحتياجاتها المتزايدة بسرعة كبيرة.
     إن تركيا ليست السوق الوحيد. من الممكن أن يُغطي الغاز الإسرائيلي جزءاً هاماً من استهلاك الطاقة في أوروبا، باعتبار أن أوروبا وتركيا لن تنزعجان من تخفيف اعتمادهما على الغاز الروسي. ولكن إسرائيل، كما هو الحال بالنسبة لقبرص مع بئرها الغازي أفروديت (Aphrodite)، يجب عليها الاختيار من أجل تصدير هذا المورد الإستراتيجي. إن الخيار الأكثر براغماتية هو بناء أنبوب غاز باتجاه تركيا، وإيصاله إلى الاتحاد الأوروبي. ستكون كلفة بناء مثل هذا الأنبوب تحت البحر أقل من كلفة الاستثمارات اللازمة لبناء معمل لتسييل الغاز في قبرص التي تمثل نقطة الدخول الأخرى باتجاه الأسواق الأوروبية. تواجه إسرائيل خياراً صعباً باعتبار أن هذا الخيار يرتكز على رهان دبلوماسي مزدوج هو: المفاوضات الهادفة إلى تطبيع العلاقات مع أنقرة، والمفاوضات التي تم استئنافها مؤخراً بين الجمهورية التركية لشمال قبرص وحكومة نيقوسيا بهف توحيد الجزيرة.
     توصلت إسرائيل وتركيا إلى اتفاق مبدأي لتصفية النزاع المتعلق بأسطول مافي ـ مرمرة الذي هاجمه كوماندوس إسرائيلي في شهر أيار 2010 أثناء توجهه إلى غزة. قدمت إسرائيل اعتذارها لموت تسعة ناشطين أتراك، ووافقت على دفع 16.7 مليون يورو كتعويضات. تعهدت أنقرة بالتخلي عن الملاحقة القضائية ضد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين.
     ولكن بعض الترددات في اللحظة الأخيرة ظهرت في إسرائيل وتركيا. يستعد رجب طيب أردوغان الذي يواجه وضعاً صعباً بسبب قضية فساد خطيرة، لاستحقاقين هامين وغير مضمونين هما: الانتخابات البلدية بتاريخ 30 آذار والانتخابات الرئاسية في شهر حزيران أو آب. في هذا السياق، إن الإعلان عن التقارب مع إسرائيل يمثل مخاطرة سياسية، نظراً لأن انتقادها كان يمثل دوماً شعاراً انتخابياً أساسياً لحزب العدالة والتنمية.
     يحمل الملف القبرصي أيضاً الكثير من الاحتمالات غير المضمونة. اجتمعت حكومتا الجزيرة بتاريخ 11 شباط بعد انقطاع استمر عاماً ونصف. إن حصول اتفاق سياسي بين الحكومتين ربما ينجم عنه نتائج إيجابية حول المسائل الإستراتيجية، لأن أنبوب الغاز الإسرائيلي باتجاه تركيا، سيمر بالضرورة عبر المياه القبرصية من أجل تجنب المياه اللبنانية أو السورية. يعني ذلك أن التوصل إلى اتفاق في نيقوسيا أمر ضروري. ردت تركيا بقولها أن استثمار بئر أفروديت بمثابة الوهم بدون المصالحة بين الإخوة الأعداء في قبرص.
     قامت البحرية التركية بتاريخ 1 شباط باعتراض سفينة نرويجية للتنقيب عن الغاز استأجرتها نيقوسيا، وذلك لكي تدعم تركيا رسالتها، ولم تستطع حكومة نيقوسيا إدانة "دبلوماسية المدافع" التركية. تستطيع تركيا وإسرائيل كسب الكثير في هذه المواجهة في شرق المتوسط عبر تطبيع علاقاتهما، فبإمكانهما استثمار الموارد الغازية في المنطقة وكسر عزلتهما الدولية: تتزايد العزلة الدولية لإسرائيل، وتدهورت علاقات تركيا مع مصر وسورية بشكل واضح.
     من الممكن أن يصبح الغاز الإسرائيلي عامل سلام أو خلاف في الشرق الأوسط. لنراهن على أن السيناريو الأول ليس بعيداً عن الواقع: توصلت الشركات الأردنية والشركة المستثمرة لبئر تامار الإسرائيلي بتاريخ 19 شباط إلى اتفاق سيسمح للمملكة الهاشمية بشراء 1.8 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي خلال خمسة عشر عاماً، إنه فأل خير.



الجمعة، ٢٨ شباط ٢٠١٤

(يسكنون في فرنسا، وعقولهم في دمشق)

صحيفة اللوموند 28 شباط 2014 بقلم إليزا مينيو Elisa Mignot

     محمد  (24 عاماً) هو سوري وطالب سابق في كلية الطب، يعيش حالياً في فرنسا، ويتابع طلب اللجوء الذي تقدم به إلى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من الجنسية (OFPRA). يعيش والداه في أحد أحياء العاصمة التي يسيطر عليها النظام. يسكن محمد مع لاجئين سوريين اثنين في أحد المنازل في مدينة مونتروي Montreuil في ضواحي باريس، وذلك بفضل تضامن أحد الرسامين السوريين الذي يعيش في فرنسا منذ عشر سنوات.
     من الصعب معرفة عدد السوريين الذين وصلوا إلى فرنسا. تلقى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من الجنسية 637 طلب لجوء عام 2012، وضعفي هذا الرقم عام 2013، وحصلت جميع هذه الطلبات تقريباً على الموافقة. تعهد فرانسوا هولاند باستقبال 500 شخص إضافي عام 2014. إنه عدد ضئيل بالمقارنة مع عشرة آلاف سوري وصلوا إلى السويد، وحوالي عشرين ألفاً في ألمانيا.
     هرب محمد من سورية بعد تعرضه للتعذيب بالكهرباء في نهاية عام 2011 بسبب قيامه بتنظيم بعض المظاهرات في الجامعة وانتقاده للنظام على الشبكات الاجتماعية. ذهب محمد أولاً إلى مصر، ثم حصل على تأشيرة دخول فرنسية من السفارة الفرنسية في القاهرة. إنه يتردد إزاء إعادة بناء حياته هنا على الرغم من تقدمه في تعلّم اللغة الفرنسية، إنه يحلم بالسويد، وقال: "قرأت على الأنترنت أن الحصول على صفة لاجىء أكثر سهولة في السويد".
     أصيب اللاجئون السوريون بالخيبة من الاستقبال في فرنسا. يبدو لهم إن الإجراءات والمهلة لا نهاية لها على الرغم من تعهد المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمحرومين من الجنسية بإعطاء الأولوية لمعالجة طلباتهم. اعتمدوا أثناء عدة أشهر على المساعدات المقدمة من بعض السوريين والجمعيات بالإضافة إلى مساعدة مالية قدرها 11.35 يورو يومياً في حال تقدمهم بطلب لجوء. وصلت الدفعة الأولى من اللاجئين في صيف عام 2011، وكان أغلب أفرادها على اتصال مع السفارة الفرنسية في دمشق. بعد مرور عام على وصول الدفعة الأولى، لاحظت جمعيات مساعدة اللاجئين وصول بعض الناشطين والأطباء. كانوا في البداية بعض الرجال فقط، ثم رافقتهم العائلات الهاربة من الحرب والبؤس.
     وصل سامي  الكردي (37 عاماً) مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى مطار شارل ديغول في شهر تشرين الأول 2013، ويسكنون حالياً في مدينة كان (Caen) في منطقة النورماندي بأحد الأبنية المخصصة للمحتاجين. عندما وصل هذا الرجل القصير والأسمر إلى فرنسا، لم يكن لديه إلا رقم هاتف أحد أصدقائه في هذه المدينة. تم تسجيل أطفاله في المدرسة، ولم يعد يستيقظون مرتعبين بسبب الانفجارات. أما زوجته فهي حامل. بالنسبة له، لقد بدأ بتعبئة الاستمارات للحصول على صفة لاجىء.
     لا يُخف سامي معاناته، ويقول أنه كان رائدا في جيش بشار الأسد، وانشق عنه بتاريخ 26 شباط 2012 ليصبح الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر في حمص. عاش الرعب اليومي والدم والأعضاء البشرية الممزقة والقصف الأعمى وهاجس أن يحمل جثة أحد أطفاله بين يديه والخوف من الجيش السوري الذي يبحث عنه وقلة الطعام ونوعية المياه السيئة المسحوبة من الآبار... لقد اتخذ قرار الهرب مع زوجته وعائلته إلى لبنان أولاً، ثم إلى فرنسا بعد عدة أشهر لعدم إحساسه بالأمان فيه.
     يعيش سامي الكردي في فرنسا منذ ذلك الوقت، ولكن عقله في سورية. تعرض أصهرته للقتل بعد انشقاقه، ولكن والديه وشقيقاته ما زالوا في حمص. إنه لا يتحدث معهم كثيراً، ولكنه يتواصل معهم عبر الفيسبوك. لم تشاهد عائلته في حمص أي شيء من الهدنة الإنسانية التي سمحت بخروج 1150 شخص من حمص، ويؤكد أن النظام كان يقصف المدينة أثناء المفاوضات. ما زال يرسل صور الأطفال الدامية على الشبكات الاجتماعية، ويطلق نداءات المساعدة بلغته الانكليزية المتواضعة.
     لم يعد سامي الكردي إلا ظلاً لنفسه، ويسكنه هاجس موت الذين عرفهم وهاجس انهيار بلده. دخل هذا الجندي السابق إلى الجيش لكي "يدافع عن شعبه". ولكنه، بعد عشرين عاماً، نفر من هذا النظام الذي نظّم برأيه حرباً طائفية عبر تسليح العلويين وارتكاب المجازر ضد الطائفة السنية التي ينتمي إليها، وقال ساخطاً: "هل تعرفون أنه يتوفر كل شيء تقريباً في المناطق التي يسيطر عليها النظام؟ سرقوا كل شيء من بيتي وبيوت شقيقاتي ومن المناطق المحاصرة! قام النظام بتمرير رسالة: ستموتون من الجوع، هذا هو الثمن الواجب دفعه إذا لم تكونوا إلى جانبنا".
     يؤكد ياسر جاموس (26 عاماً) أنه معارض سلمي "حتى لو كان ذلك صعباً اليوم"، ويريد التذكير ببدايات الثورة التي كانت تطالب بالحرية والكرامة بدون سلاح. يعيش ياسر مع أخيه محمد الذي يصغره بعدة أشهر في إحدى الغرف في باريس. وصلا إلى فرنسا في شهر آذار 2013، وهاجرت بقية عائلته إلى السويد مؤخراً. لم يتوقف ياسر جاموس عن إدانة الهوس المَرَضي لوسائل الإعلام بالنزاع، وقال: "ليس جميع السوريين مقاتلين، لا أعرف أي شخص حمل السلاح. لا تتحدث الصحف والتلفزيونات إلا عن الناس الذين يقاتلون. ماذا عن العائلات والأطفال؟".
     يبذل ياسر وأخوه كل ما بوسعهما لكي يعرف الجميع الحياة اليومية للسوريين وشرح النزاع الذي يجتاح بلدهما. إنهما يغنيان موسيقا الراب، وأسسا عام 2007 فرقة موسيقية اسمها "لاجئو الراب" (Refugees of Rap) في مخيم اليرموك الفلسطيني بدمشق، أي في الحي الذي يعيشان فيه، هذا الحي الذي تدمر اليوم. أشار ياسر عابساً إلى أنه غادر سورية بعد تفكير طويل جداً. كيف يمكن أن يكتب الأغاني عن الحياة اليومية للسوريين دون أن يقف إلى جانبهم؟ كيف يمكن أن يدين حالة البلد، وهذا ما كان يفعله منذ عدة سنوات، دون أن يعيش في سورية؟، قال ياسر مقتنعاً: "ما الذي يمكن القيام به من أجل سورية في حال البقاء؟ بإمكاننا إيصال الرسالة في حال الرحيل"، حتى لو كان يعترف أحياناً بالشعور بالذنب لأنه هنا.
     أنهى الأخوان جاموس كتابة ألبوهما القادم، ويبحثان عن منتج. لقد بدءا جولة صغيرة في أوروبا داخل القاعات والمدارس والجامعات، وقاما بحوالي عشرين حفلة موسيقية في فرنسا والسويد والدانمارك. يحرص ياسر ومحمد على ترجمة أغنياتهما في كل مرة. إنهما يستوحيان نصوص أغنياتهما من الرسائل التي تصلهما يومياً من المعجبين بهما في سورية حول الطريقة التي سيموتون بها والقصف والبراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات المروحية والجوع. قال ياسر متنهداً: "تم تدمير استوديو التسجيل الذي نملكه قبل شهر، كان اسمه (صوت الشعب). نحن نحاول الاستمرار بالوجود".