الصفحات

الخميس، ٣ تموز ٢٠١٤

(سورية: النتائج المعاكسة للأسلحة الأمريكية)

 مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 3 تموز 2014 بقلم رونيه باكمان René Backmann

     أدى الهجوم الناجح للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في شمال العراق إلى تغيير موازين القوى في سورية أيضاً. كانت بقية المجموعات المسلحة المتمردة ضد نظام بشار الأسد، ومن ضمنها الجناح المحلي لتنظيم القاعدة جبهة النصرة، تقاتل ضد الدولة الإسلامية. ولكن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بدأت بتقسيم جبهة النصرة وجذب عدد كبير من مقاتليها بفضل الأسلحة الجديدة التي حصلت عليها في العراق.
     قامت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتخفيف كثافة عملياتها العسكرية ضد خصومها السوريين من أجل تركيز جهودها على العراق والقيام بالمفاوضات، ثم عادت الأسبوع الماضي لتحقيق انتصارها الأول في مدينة البوكمال السورية، وقرر مقاتلو جبهة النصرة في هذه المدينة إعلان ولائهم إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي استولت قبل فترة وجيزة على المصارف والخزينة العامة ومراكز الشرطة وثكنات وترسانات الفرقة الثانية للجيش العراقي في الموصل.

     استولى مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على العديد من الطائرات المروحية الروسية والأمريكية مع أسلحتها وأنظمة اتصالاتها، ولكن يبدو أنهم غير قادرين على استخدامها في الوقت الحالي. أحس المسؤولون الأمريكيون بالذهول لأن جزءاً من المعدات العسكرية الأمريكية المتطورة مثل العربات المقاتلة Humvee وعربات النقل المدرعة والشاحنات والمدافع والصواريخ المضادة للدبابات وحتى بعض الدبابات التي حصل عليها العراق مؤخراً سوف تصل إلى أيدي الجهاديين الأكثر تطرفاً في سورية، ولا تريد واشنطن تسليحهم مهما كان الثمن...

(الكويت: العطاء هو العطاء...)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 3 تموز 2014


     نظمت الكويت في شهر كانون الثاني مؤتمراً دولياً لمساعدة ملايين الضحايا المدنيين للنزاع السوري. وعدت الدول المشاركة آنذاك بتقديم 2.4 مليار دولار خلال ستة أشهر، أي حتى نهاية شهر حزيران. ولكن مسؤولاً فرنسياً رفيع المستوى أشار إلى أنه لم يتم تحويل إلا 30 % من هذه الهبات الكريمة حتى اليوم.

(نحو نهاية التدخلات العسكرية الغربية؟)

صحيفة الفيغارو 2 تموز 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     هل سيكون القرن الواحد والعشرين نهاية للتدخلات العسكرية الغربية؟ انتهى غزو العراق وأفغانستان بفشل ذريع. بدأت العملية العسكرية الفرنسية (Sangaris) تتفاقم بخطورة في جمهورية أفريقيا الوسطى، ولم تنجح العملية العسكرية الفرنسية (Serval) التي اعتبرت كنموذج عسكري في القضاء على الخطر الجهادي في مالي. فيما يتعلق بنجاح التدخل العسكري الفرنسي ـ البريطاني في ليبيا، إنه يتعرض للتشكيك حالياً بسبب تشكل "الثقب الأسود" في جنوب ليبيا وقيام الإسلاميين بإعادة تشكيل قواتهم فيه. تبدو الحصيلة متواضعة جداً باستثناء ساحل العاجل وكوسوفو التي كانت تأمل بالانضمام إلى القارة الأوروبية وتتصف بأنها صغيرة الحجم بشكل يسمح بنجاح العمل العسكري. قال أحد الدبلوماسيين الفرنسيين بمناسبة انعقاد المؤتمر الخامس للحوار الاستراتيجي الفرنسي ـ الإسرائيلي في مدينة Césarée الإسرائيلية: "نلاحظ محدودية وسائلنا العسكرية التي لم تعد تنجح في إسقاط الأنظمة وإيقاف الحروب وضمان استقرار الدول أثناء الأزمات".
     إن العولمة وتطور التكنولوجيات التي أصبحت في متناول جهات غير حكومية وكلفة التدخلات العسكرية تساهم في إضعاف قدرة القوى العظمى التقليدية على العمل. تزعزع استقرار الأوروبيين بسبب الأزمة المالية، الأمر الذي دفعهم إلى تخفيض موازناتهم العسكرية، وحتى الولايات المتحدة اضطرت إلى تخفيضها. قال أحد الضباط: "لكي تكون التدخلات العسكرية فعالة، يجب نشر قوات كبيرة لمدة طويلة. إن قواتنا لم تعد تملك الإمكانيات للقيام بذلك". إن الزمن السياسي، أي زمن الحكومات التي تطالب بنتائج سياسية فورية للعمليات العسكرية، لا يتوافق مع زمن العمليات العسكرية.
     قال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين: "لم تعد المجتمعات تريد إرسال الرجال للموت في المعركة بعد أن اعتادت على عوائد السلام". في عام 1914، كان يموت ألف رجل يومياً في معارك الحرب العالمية الأولى. في عام 2012، كان مقتل أربعة جنود فرنسيين في أفغانستان كافياً لإعادة النظر في الوجود الفرنسي في أفغانستان. تتمسك الأنظمة الديموقراطية بحقوق الإنسان، ولا تتحمل كثيراً الأضرار الجانبية. قال الجنرال الفرنسي فانسان ديسبورت Vincent Desportes: "كانت قوة الغرب مبنية منذ وقت طويل على قدرتها في إلحاق الدمار والموت، ولكن هذه الميزة أصبحت نظرية اليوم: لم يعد الدمار يُعتبر مشروعاً من أجل فرض مشروع سياسي. ما زال الغرب قادراً على الانتصار في المعارك بفضل التكنولوجيا، ولكنه لم يعد قادراً على الانتصار في الحروب". بالمقابل، لا يلتزم العدو الإسلامي بالعلاقة الفلسفية نفسها مع الموت، ويعتبرها شرفاً في أغلب الأحيان.
     يتعلق هذا التراجع أيضاً بالولايات المتحدة التي لم تعد تتمتع بالإرادة نفسها لضمان الاستقرار العالمي بعد العراق وأفغانستان. قال أحد المشاركين في المؤتمر الحوار الاستراتيجي الفرنسي ـ الإسرائيلي: "لم تعد الولايات المتحدة ضماناً للأمن العالمي، وضعفت قدرتها على فرض سياسة خارجية في مناطق الأزمات". إن تراجع القوة العظمى الأكبر الذي يعود سببه جزئياً إلى الاستخدام المفرط للقوة من قبل جورج بوش الابن، أدى إلى زعزعة حلفاء الولايات المتحدة، وشجع القوى الصاعدة والجهات غير الحكومية على شغل هذا الفراغ. تعتبر باريس أن تراجع باراك أوباما الذي تخلى عن قصف النظام السوري على الرغم من تجاوز "خطه الأحمر" حول الأسلحة الكيميائية، عزز نظام بشار الأسد، وشجع فلاديمير بوتين على ضم شبه جزيرة القرم، وشجع إيران على التمسك بمواقفها حول برنامجها النووي. تساءل أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين قائلاً: "هل السياسة الخارجية لباراك أوباما المبنية على رفض استخدام القوة ستؤدي إلى المزيد من الحروب بدلاً من السلام؟".

     قال أحد المحللين الاستراتيجيين الفرنسيين: "إن المعايير والدول التي تفرض المعايير بدأت تضعف، ولكن الدول التي تعارضها تُعزز قوتها. بدأ النظام العالمي بالانهيار، إن القواعد والمبادىء الناظمة له مثل احترام السيادة أو منع استخدام الأسلحة الكيميائية تحطمت أو تآكلت. من الممكن إدارة الأزمات كل على حدة، ولكن من الصعب جداً مواجهة جميع الأزمات في الوقت نفسه". إن الأداة العسكرية الغربية عاجزة عن تسوية العديد من الأزمات في الوقت نفسه مثل الخطر الإرهابي في الصحراء الإفريقية (الساحل)، والخطر الجهادي في سورية والعراق، والبرنامج النووي الإيراني، والاعتداء الروسي على أوكرانيا، وتزايد عدد الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولاسيما أن هذه الأزمات تأخذ شكل المفاجآت الاستراتيجية في أغلب الأحيان. 

الأربعاء، ٢ تموز ٢٠١٤

("الدولة الإسلامية" تحاول رهاناً خطيراً عبر الإعلان عن خلافتها)

 صحيفة اللوموند 2 تموز 2014 بقلم هيلين سالون Hélène Sallon

     أعلنت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام يوم الأحد 29 حزيران عن إقامة الخلافة على الأراضي التي تسيطر عليها من حلب حتى منطقة ديالا شرق العراق، وغيّرت اسمها ليصبح الدولة الإسلامية. قال الباحث توما بييريه Thomas Pierret المختص بالإسلام في جامعة إديمبورغ Edimbourg: "تريد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في أوج قوتها أن تضع جميع الأوراق على الطاولة. إن إعلان الخلافة يمكن أن يسمح بإثارة اضطرابات داخلية داخل الدول المعادية عبر بعض المجموعات التي ستنتقل إلى الفعل مع فكرة مجيء اليوم الموعود"، ويعتبر الباحث أن الخلافة ليست ضرورية لتجنيد المقاتلين الأجانب لأن "مفهوم الدولة الإسلامية كان كافياً ليجذبهم إليها".
     إن وصول "الخليفة إبراهيم" لا يزيل الغموض عن السر الخفي الذي يحيط بشخصية زعيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام أبو بكر البغدادي الذي ولد في السامراء عام 1971، ويعيش متخفياً. يشير اسمه الكامل إلى انتمائه لقبيلة تعود أصولها إلى النبي محمد، الأمر الذي يسمح له بالادعاء بخلافة النبي في ممارسة السلطة السياسية على أرض الإسلام بصفة إمام لجميع المؤمنين، ويعتقد البغدادي أنه يجب على جميع المسلمين في العالم أن يعلنوا ولاءهم تحت طائلة اعتبارهم مرتدين والحكم عليهم بالموت. تنبأ الباحث توما بييريه قائلاً: "إن مقاربة البغدادي للسياسة ستكون أكثر استبداداً وطائفية عما كانت عليه ضد جميع الأشخاص الذين لا يخضعون لإرادته".
     أعلن الناطق الرسمي باسم الدولة الإسلامية أبو محمد العدناني أن "الوجود القانوني لجميع الإمارات والمجموعات والدول والمنظمات سيزول مع توسع الخلافة ووصول قواتها إلى أراضيهم". تطمح الدولة الإسلامية إلى تجسيد الجهاد العالمي، الأمر الذي يشكل تحدياً لسلطة تنظيم القاعدة. من الآن فصاعداً، يجب على جميع فروع تنظيم القاعدة والحركات الجهادية المستقلة أن تقرر فيما إذا كانت ستدعم الدولة الإسلامية أم لا. في سورية، ترفض المجموعات المتمردة الرئيسية ومنها جبهة النصرة الخضوع للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ووقعت معارك عنيفة منذ شهر كانون الثاني، وأدت إلى مقتل ستة آلاف شخص.
     تستطيع الدولة الإسلامية الاعتماد على ولاء المجموعات المنشقة مثل أنصار بيت المقدس في سيناء ونظيرتها في قطاع غزة. أشاد قاضي تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي للمنطقة الوسطى (منطقة القبائل في الجزائر) بالمسعى الذي تقوم به الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام من أجل "التوحيد"، واختتم رسالته قائلاً: "موعدنا في الخلافة إن شاء الله". أخيراً، جاء الانضمام الأكثر استرعاء للانتباه من مسؤولين اثنين في تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية. يهدف فرع تنظيم القاعدة في اليمن إلى إسقاط العائلة الوهابية الحاكمة في السعودية.
     أثار إعلان الخلافة بشكل أحادي الجانب من قبل الدولة الإسلامية العديد من الانتقادات لدى رجال الدين الراديكاليين الذين يعارضون طموح "الخليفة ابراهيم" الذي يريد فرض نفسه كإمام على الجهاديين من المغرب إلى أندونيسيا. قال الباحث توما بييريه: "يمكن أن يعتبر البعض أن إعلان الخلافة حول مشروع دولة يحمل معه بعض التسرع". تحمل هذه المسألة معها بعض أخطار الانقسام داخل التمرد السني في العراق، قال الباحث توما بييريه: "إن البعثيين السابقين الذين تحالفوا مع الدولة الإسلامية للقيام بالهجوم على السلطة الشيعية ربما لن يتحملوا الخضوع لسيطرة خليفة جديد".

     إن عدم حصول الدولة الإسلامية على ولاءات واضحة وصريحة يُعرّض مكاسبها الميدانية الهشة للخطر. قال توما بييريه: "برأيي، لا تملك الدولة الإسلامية هامشا كبيراً للتوسع". إن الهجوم على بغداد ذات الأغلبية الشيعية يمثل مجازفة، كما يبدو أن الهجوم المضاد للجيش العراقي سيكون ضارياً. أضاف الباحث توما بييريه قائلاً: "في سورية، هناك خشية حقيقية من عودة الدولة الإسلامية إلى حلب، ولكن لا شيء يدل على أن الحركة قادرة على القيام بهذه العملية بشكل جيد". ربما لن يكفي نقل الصواريخ التي استولت عليها الدولة الإسلامية في العراق إلى الرقة. أخيراً، يبدو أن توسع الحركة باتجاه الدولة المجاورة مثل الأردن والسعودية سيكون محفوفاً بالمخاطر.

(العراق والانفجار الجهادي)

صحيفة الليبراسيون 2 حزيران 2014 بقلم الباحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية CNRS هوشام داود Hosham Dawood الذي يقيم في مدينة أربيل بالعراق

     يتفاقم الوضع المتفجر في العراق بسرعة. ما زال خط المواجهة متحركاً حتى بالنسبة للأكراد الذين يسيطرون على أراضي واسعة كانت توصف حتى فترة قريبة بأنها "مناطق مُتنازع عليها". يُخطىء الأكراد إذا اعتقدوا أنه باستطاعتهم البقاء خارج النزاع الذي يتجاوز شيئاً فشيئاً الإطار العراقي. تواجه الولايات المتحدة المعضلة التالية: أعطت سياسة أوباما (في حال وجودها) نتائج معاكسة؛ شجعت هذه السياسة على الفوضى أو على عودة الأنظمة الدكتاتورية عبر الخروج من العراق بشكل مبكر عام 2011، والسماح بتحول سورية إلى عش للجهاديين، والمراهنة فقط على إسلاميي ما بعد الربيع العربي.
     تسبب الأتراك بأحداث عجزوا عن إيقافها عبر الاتفاق مع الجهاديين في سورية، ويعتبر العديد من المراقبين أنهم وافقوا على انتاج النفط من قبل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. كانت حكومة أردوغان تعتقد بأنها تستطيع القيام بما فعله القطريون الذين اتفقوا ضمنياً مع بن لادن على مساعدته إعلامياً مقابل ضمان عدم قيامه بمهاجمتهم. ولكن أنقرة لم تنجح بما نجحت به الدوحة.
     إذا حصل تدخل أمريكي في العراق، يجب أن تستهدف الضربات قواعد الدولة الإسلامية في العراق وسورية. كما يجب أن يترافق هذا التدخل بموقف أمريكي حازم تجاه حكومة بغداد، وأن تكون واشنطن قادرة على الإقناع بأن التدخل ضد الجهاديين العراقيين المتطرفين في الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام لا يعني عداء للعالم السني، أو حتى إعادة للتوازن الاستراتيجي مع طهران ضد العالم السني.
     نحن الآن أمام خطر تقسيم العراق وحصول مواجهات بالأسلحة الثقيلة كما حصل في سورية. من الممكن أن تتفاقم الخلافات بين المتمردين في العراق، لأنه ليست لديهم أهداف أو استراتيجية مشتركة. إذا لم يتمكن العراق من استعادة سلطة فيدرالية حقيقية بسرعة، سنشهد ظهور العديد من بؤر الانقسامات الدينية والعرقية والطائفية فيه. من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إقامة منطقة جهادية (جهادستان) عابرة للحدود وغنية بالموارد الطبيعية وبالمقاتلين بشكل يجعلها منطقة لجذب عدد غير محدود من الجهاديين من جميع أنحاء العالم (كما يجري حالياً). انطلاقاً من ذلك، يهدد النزاع العراقي والنزاع السوري بدفع المنطقة بشكل نهائي نحو حرب دينية بين السنة والشيعة، وستصل هذه الحرب إلى بعض الدول الهشة في المنطقة مثل دول الخليج.
     لن يبقى كردستان العراق بمنأى عن النزاع في حال استمرار التقدم الجهادي. إن ما يُطلق عليه بالمناطق المُتنازع عليها بين الأكراد والسلطة الفيدرالية الشيعية، ستتحول بسرعة إلى مناطق نزاع أو حتى إلى مناطق حربية. سيطر الأكراد على المناطق التي تخلّى عنها الجيش النظامي العراقي لكي يُرضي المطالب القومية، ولكن الأكراد عرضوا أنفسهم في الوقت نفسه إلى خطر كامن هو: كيف يمكن السيطرة على مثل هذا المساحة من الأراضي المثقلة بنزاعات افتراضية؟ إن المناطق المتنازع عليها هي كردية، ولكن ما العمل تجاه 40 % أو 50 % من العرب والتركمان والمسيحيين وغيرهم في كركوك، أو حتى تجاه العرب وبعض الأقليات في منطقة نينوى أو شمال ديالا؟ إن الأكراد متحدون حول جميع هذه المسائل تجاه الجهاديين، ولكنهم منقسمون تجاه بغداد.



الثلاثاء، ١ تموز ٢٠١٤

(الجهاديون يعلنون خلافة إسلامية بين العراق وسورية)

صحيفة الفيغارو 1 تموز 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     انتهى اسم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وأصبح اسمها الدولة الإسلامية، أي كما كان يُسميها أنصارها قبل الاعلان يوم الأحد 29 حزيران عن إنشاء الخلافة الإسلامية الممتدة من محافظة حلب حتى مدينة ديالا على الحدود مع إيران. يمثل هذا الإعلان تأكيداً للوضع القائم على الأرض، وأن الدولة الإسلامية ستبقى موجودة لفترة طويلة، ويريد إظهار أن القوة المهيمنة داخل التمرد في المناطق السنية هي الدولة الإسلامية، وأن يقول إلى بقية المجموعات المتمردة مثل العناصر السابقة في جيش صدام حسين والبعثيين وجبهة النصرة أنه لا فائدة من القتال ضد الدولة الإسلامية في الوقت الذي بدأت فيها المعارك من أجل السلطة.
     ولكن الهدف من هذه المبادرة ليس دعائياً فقط، لأنها تمثل تهديداً للشرق الأوسط بأسره عبر انتشار الدولة الإسلامية إلى لبنان وربما الأردن والسعودية. بدأت الدعوات لمهاجمة الأماكن المقدسة في السعودية كرد على رسالة الملك السعودية في بداية شهر رمضان وتعهده بسحق الإرهابيين الذين يهددون بلده. وعد الملك السعودي أثناء استقباله لوزير الخارجية  الأمريكي جون كيري يوم الجمعة 27 حزيران بإقناع القادة السنيين في العراق بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية باعتبارها البديل الوحيد عن تقسيم البلد. يريد الملك السعودي استباق الجهاديين الذين يحتاجون أيضاً للقبائل السنية. في الوقت الحالي، تُفضّل القبائل السنية السماح للجهاديين بالتقدم من أجل التخلّص من رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي.
     يمثل الإعلان عن الخلافة الإسلامية عاملاً في تعزيز جاذبية الجهاد لدى جميع المرشحين للحرب المقدسة في أوروبا والعالم. أكد بيان الإعلان عن الخلافة أن الانضمام إلى قافلة الله لا يحتاج إلى تأشيرة دخول. اعتبرت الولايات المتحدة يوم الاثنين 30 حزيران أن إعلان الجهاديين عن الخلافة "لا يمثل شيئاً بالنسبة لسكان العراق وسورية".


(هل يمكن أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟)

صحيفة الفيغارو 30 حزيران 2014 بقلم مراسلها في لندن فلورانتان كولومب Florentin Collomp

     بدأ التوجه الجارف الذي قد يجر بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي. يتفق مؤيدو أوروبا والمشككون بها على الملاحظة التالية: إن كل أزمة بين حكومة دافيد كاميرون وبروكسل تدفع بالبلد خطوة إضافية نحو الهاوية. يُعبّر المؤيدون عن قلقهم من هذه الهاوية، ويُعبّر المشككون عن سرورهم منها.
     ما هي احتمالات سيناريو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (BREXIT اعتبر مدير مركز دراسات Open Europe ماتس بيرسون Mats Persson أن احتمال هذا السيناريو  هو: 15 %، ويمكن أن ترتفع هذه النسبة بعد انتهاء القمة الأوروبية يوم الجمعة 27 حزيران وتسمية جان كلود جونكر Jean-Claude Juncker رئيساً للمفوضية الأوروبية على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون. سيكون ذلك نتيجة سلسلة متوالية من الأحداث. يفترض ذلك أولاً أن تتم إعادة انتخاب دافيد كاميرون وحزب المحافظين في شهر أيار 2015. لقد وعد رئيس الوزراء البريطاني في حال فوزه بهذه الانتخابات بإجراء استفتاء شعبي حول بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي قبل نهاية عام 2017. حتى يحين موعد هذا الاستفتاء، يطمح دافيد كاميرون إلى "إعادة التفاوض" حول صيغ العلاقة بين لندن وبروكسل وإصلاح عمل الاتحاد الأوروبي في الاتجاه الذي يتوافق مع المصالح البريطانية، أي: ضوابط أقل وتدخل أقل في الشؤون الداخلية وتعاون أقل، وسيكون الوضع المثالي بالنسبة له أن يكون الاتحاد الأوروبي مجرد سوق مشتركة مع تعزيز قطاع الخدمات. كما ينوي دافيد كاميرون الحد من حرية تنقل مواطني الدول التي انضمت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي بانتظار أن تتمكن هذه الدول من الوصول إلى حد معقول لمستوى الدخل فيها. يعني ذلك أن برنامجه بعيد جداً عن برنامج الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية جان كلود جونكر وبقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
     لهذا السبب تعتبر بريطانيا أنه كلما تضاءلت فرص تلبية المطالب البريطانية، كلما ازدادت احتمالات خروجها من الاتحاد الأوربي. اعتبر مدير مركز دراسات Center for European Reform تشارلز غرانت Charles Grant أن خطة كاميرون "يبدو أنه محكوم عليها بالفشل". كان رئيس الوزراء البريطاني يقول حتى فترة قريبة أنه يريد القيام بحملة انتخابية من أجل البقاء في أوروبا بعد إصلاحها، ولكنه لم يعد يستبعد احتمال العمل من أجل الخروج منها. إن ضغوط الحزب القومي البريطاني UKIP الذي فاز في الانتخابات الأوروبية مؤخراً، وضغوط حوالي ثلث النواب المحافظين المعارضين لأوروبا، بالإضافة إلى الانتقادات المستمرة في وسائل الإعلام التي تؤيد في أغلبيتها هذا التوجه، يجعل من الصعب جداً إسماع صوت الحجج الداعية إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي. لا يتطرق حزب العمال البريطاني إلى هذه الموضوع قدر الإمكان توخياً للحذر. فيما يتعلق بالحزب الليبرالي ـ الديموقراطي (تيار الوسط) المؤيد لأوروبا، فقد تعرّض إلى هزيمة قاسية على الصعيد الانتخابي. إذاً، من المحتمل جداً أن يصوت الشعب البريطاني، غير المتحمس أصلاً لأوروبا، للخروج من الاتحاد الأوروبي بعد سلسلة من الخلافات مع بروكسل، وتترافق هذه الخلافات بانتقادات مستمرة ضد أوروبا.
     ماذا يمكن أن تكسب بريطانيا من خروجها؟ ستكون بريطانيا أول دولة تستخدم المادة 50 من اتفاقية لشبونة التي تسمح للدولة العضو باستخدام "بند" الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد فترة انتقالية مدتها سنتين. إن الفائدة الأولى لبريطانيا بعد خروجها هي توفير مساهمتها المالية السنوية في الموازنة الأوروبية وقدرها ثمانية مليارات جنيه استرليني تقريباً (عشرة مليارات يورو)، أي ما يعادل 0.5 % من إجمالي الناتج المحلي البريطاني. كما سيؤدي خروجها من السياسة الزراعية الأوروبية (40 % من الموازنة) إلى تخفيض أسعار المنتجات الزراعية البريطانية، ولكنه يهدد بخطر إلحاق الضرر بالمزارعين في ويلز وشمال إيرلندا الذين يستفيدون من السياسة الزراعية الأوروبية بشكل كبير.
     بالإضافة إلى السبب المالي، إن السبب الأساسي لدى مؤيدي سيناريو الخروج من الاتحاد الأوروبي يكمن في إرادتهم بالتخلص من ترسانة الأنظمة والقوانين الأوروبية. يعتبر الباحثون السياسيون المؤيدون لهذا التوجه أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني استعادة البرلمان البريطاني لسيادته التشريعية التي تراجعت بنسبة 70 % بسبب القوانين القادمة من بروكسل. تعتبر بريطانيا أن هذا الوضع يُعرقل نموها الاقتصادي وحرية التجارة فيها بسبب الأنظمة والقوانين التقنية والاجتماعية والبيئية والقوانين المتعلقة بالمنافسة، وتعتبر بريطانيا أن هذه الأنظمة والقوانين مُضرة وعديمة الفائدة.
     يريد المشككون بأوروبا أيضاً استعادة السيطرة على الحدود. يتركز الجدل حول حرية إقامة مواطني الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي مثل بولونيا سابقاً ورومانيا حالياً. فشل دافيد كاميرون في تحقيق هدفه المتمثل بتخفيض عدد المهاجرين إلى النصف، وعجز عن الوقوف في وجه المواطنين الأوروبيين الذين يمثلون أكثر من ثلث المهاجرين. بالمحصلة، يعمل مؤيدو سيناريو الخروج من الاتحاد الأوروبي للتخلص من قيود القارة الأوروبية العجوز ومن الركود المتغلغل في منطقة دول اليورو ومن أزمات دول الجنوب، وينشطون من أجل تعميق العلاقات مع الدول الصاعدة (الصين والهند والبرازيل...) والشركاء التقليديين في دول الكومنولث والولايات المتحدة. أشار تقرير حصل مؤخراً على الجائزة الرسمية جداً "Prix Brexit" لمعهد الشؤون الاقتصادية Institut of Economic Affairs إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل منظم يمكن أن يؤدي إلى زيادة اجمالي الناتج المحلي البريطاني بنسبة 1.1 %. ولكن هذا التقرير اعتبر أن الربح الأكثر احتمالاً هو زيادة قدرها 0.1 % من اجمالي الناتج المحلي البريطاني. أما الخروج بشكل عشوائي من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 2.6 %.
     ماذا يمكن أن تخسر بريطانيا من خروجها؟ يكمن الخطر الأساسي للخروج من الاتحاد الأوروبي بمستقبل التجارة الخارجية والجاذبية الاقتصادية لبريطانيا. تصدر بريطانيا أكثر من نصف صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي، أي حوالي 15 % من إجمالي الناتج المحلي البريطاني. ستخسر بريطانيا أوتوماتيكياً المنفذ إلى السوق الأوروبي، وأرباح الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والدول أو المناطق التجارية الأخرى. أشارت دراسة أجرتها مدرسة الاقتصاد في لندن London School of  Economics إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكلفها ما بين 1.1 % و3.1 % من إجمالي الناتج المحلي فيها. يمكن أن تصل هذه الخسارة إلى 9.5 % من إجمالي الناتج المحلي مع إضافة الخسائر الناجمة عن تراجع الانتاجية. يمكن تشبيه هذا السيناريو الأسود بآثار الأزمة المالية عام 2008. أشارت دراسة أجرتها وزارة الخزانة البريطانية إلى أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيهدد 3.3 مليون فرصة عمل في بريطانيا بشكل مباشر.
     أكد مركز دراسات Center for European Reform في دراسة معمقة لنتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قائلاً: "إن الانضمام إلى أوروبا عزز التجارة والاستثمارات في بريطانيا التي كانت المستفيد الأول من الاستثمارات الخارجية المباشرة القادمة من خارج دول الاتحاد الأوروبي بحثاً عن قاعدة لها في السوق الأوروبية الموحدة. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيجعلها مكاناً أقل جاذبية للشركات التي ترغب بالتجارة مع بقية الدول الأوروبية". أعلنت العديد من شركات صناعة السيارات مثل الشركة اليابانية نيسان وشركتي جاغوار ولاندروفر (اللتين تملكهما شركة Tata الهندية) أنها ستتردد في الاستثمار في بريطانيا في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي.
     هل يمكن أن يبقى المركز المالي في لندن (La City) عاصمة للمراكز المالية الأوروبية؟ تجري 74 % من مبادلات العملات الأوروبية  و40 % من الصفقات التجارية باليورو في المركز المالي في لندن. أشار مركز The City UK إلى أن المركز المالي في لندن يحتوي على 85 % من أموال صناديق المضاربة ونصف إيداعات التأمين في القارة الأوروبية، واعتبر في تقرير صدر مؤخراً أن "سيناريوهات الخروج من الاتحاد الأوروبي تُهدد بإضعاف الخدمات المالية البريطانية بسبب التغيرات غير المتوقعة ومحدودية الدخول إلى الأسواق الأوروبية وتراجع نفوذ المركز المالي في لندن". يعارض 85 % من قادة القطاع المالي الذي يضم 250 مصرفاً أجنبياً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لم يخف المصرف الأمريكي غولدمان ساكس Goldman Sachs قلقه من هذا الاحتمال، وحذر نائب رئيس المصرف مايكل شيروود Michael Sherwood قائلاً: "سيؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تشتيت نشاطنا". سيتأثر المركز المالي في لندن حتماً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيتم نقل بعض خدماته إلى باريس أو فرانكفورت. يتصور المشككون بأوروبا أن مستقبل المركز المالي في لندن سيكون شبيهاً بالمركز المالي في سنغافورة الذي لا يخضع لعبء الأنظمة والقوانين الأوروبية، ولكن أغلبية المؤسسات المالية تعتبر أن حرية دخول رؤوس الأموال الأوروبية أكثر أهمية من القيود المفروضة من قبل بروكسل.
     ما هو الدور المستقبلي لبريطانيا في حال "استقلالها"؟ إن مصير بريطانيا في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي سيعتمد على نوع العلاقة التي ستبنيها بريطانيا مع الاتحاد الأوربي. من الممكن أن تختار بريطانيا الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية كما هو الحال بالنسبة للنرويج، أو التوقيع على مجموعة من الاتفاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي كما هو الحال بالنسبة لسويسرا. يعتبر معارضو سيناريو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن مثل هذين الاحتمالين يعني تحمل جميع القيود الأوروبية دون أن تتمكن بريطانيا من التصويت على القرارات الأوروبية. من الممكن أيضاً أن تُفضّل لندن التوقيع على اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي كما هو الحال بالنسبة لتركيا، أو التوقيع على اتفاق تجاري مشترك. أخيراً، من الممكن أن تجد بريطانيا نفسها خاضعة لنظام منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي سيفرض رسوماً جمركية على بضائعها بنسبة تتراوح بين 5 % و15 % بشكل يؤثر على تنافسيتها. إن جميع هذه الحلول لا تمثل حلاً مثالياً. يجب على بريطانيا أيضاً إعادة بناء علاقاتها التجارية مع جميع الدول التي تشملها الاتفاقات التجارية الأوروبية. يعتبر مؤيدو سيناريو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن هذه العقبات لن تمنع بريطانيا من استعادة مكانتها في التجارة الدولية كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة وكندا واستراليا.
     أخيراً، إن السؤال المطروح هو التأثير السياسي لبريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي. يحلم المشككون بأوروبا الذين يشعرون بالحنين إلى عظمة الامبراطورية البريطانية بازدهار جديد. يتمتع البعض بواقعية أكبر مثل زعيم المحافظين البريطانيين في البرلمان الأوروبي ساجاد كريم Sajjad Karim الذي يخشى من خطر إضعاف بريطانيا على الساحة الدولية. إذا أضفنا إلى ذلك مسألة الانفصاليين الإسكتلنديين، فإن التشكيك بانتمائها الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى تسريع الانقسامات داخل مملكة تتراجع وحدتها شيئاً فشيئاً. ويمكن أن يؤدي ذلك على المدى الطويل إلى حرمانها من معقدها الدائم في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.